أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

الشيخ احمد الخطّي

المتوفى ١٣٠٦

هو الشيخ أحمد بن مهدي بن أحمد بن نصر الله آل السعود الخطي البحراني القطيفي عالم أديب. عقد الشيخ علي آل حاجي البحراني في كتابه ( أنوار البدرين ) فصلاً خاصاً لذكره ، وترجمه ترجمة مفصلة قال فيها : هو أحد أركان الدهر ونبلاء العصر وفصحاء المصر ، أفضل ما يكون في الأدب وأبصر ما يكون بسياسة الملك ، كان لأهل بلاده سيفاً وسناناً وظهراً ولساناً من أحسن حسنات زمانه وأفخر أبناء عصره وأوانه له ( السبع العلويات ) التي جارى بها ابن أبي الحديد ففاقه ، وله السبع التي جارى بها ( المعلقات السبع ) وله مائة قصيدة في رثاء الحسين عليه‌السلام ، وله مدائح كثيرة في آل الله ومثالب أعداء الله ، وديوان شعره يقع في أربعة أجزاء. توفي في ربيع الأول سنة ١٣٠٦ ه‍ ودفن بالحباكة وهي مقبرة معروفة بالقطب انتهى ملخصاً عن ( التكملة ).

وقال صاحب أنوار البدرين عند ذكره لعلماء الخط والقطيف ما يلي مختصراً : ومن ادبائها الفخام وبلغائها العظام ورؤسائها الحكام الشيخ أحمد بن الشيخ مهدي بن أحمد بن نصر الله أبو السعود الخطي ، له من الشعر والأدب الحظ الوافر عاصرناه مدة من الزمان فلم نرَ مثله في الرؤساء والأعيان ، إن جلس مع العلماء فهو كأحدهم في اللهجة واللسان أو مع الشعراء المجيدين والادباء الكاملين كانت له التقدمة عليهم ، أو مع الرؤساء والحكام فهر المشار اليه بالبنان ، قد سلّم الله بسببه كثيراً من المؤمنين من القتل. وإلى الآن لم نقف

٦١

لأحد من الشعراء والأدباء مع كثرة تتبعنا واطلاعنا بمثل ما وقفنا له من كثرة الأدب والشعر البليغ المتين ولا سيما في المدائح والمرائي لمحمد وآله الطاهرين ، بالرغم من كثرة النكبات التي لاقاها بعد وفاة والده من حكام الوهابية حتى نهبت أمواله وأملاكه حتى نفي عن البلاد فهاجر للبحرين عن طريق قطر ثم إلى ( أبو شهر ) ثم اتصل بالدولة العثمانية وحرّضها على طرد الوهابية وهكذا كان ثم رجع إلى بلاده بالعز والهيبة والعظمة والسطوة إلى أن أجاب داعي ربه.

وهذه إشارة الى علوياته التي ذكرها صاحب أنوار البدرين. قال من قصيدة طويلة عدّد فيها فضائل الإمام أمير المؤمنين وتخلّص إلى رثاء الإمام الحسين عليه‌السلام :

فلله ظام حيل والماء دونه

وسيق له بالزاخرات الشوادر

قضى ضامئاً ما بلّ بالماء ريقه

ولا علّ إلا بالرماح القواطر

فقل للمعالى أسلسي وتنكبي

هل انكفأت إلا بصفقة خاسر

وللعربيات الجياد تنبّدي

ظلال العوالي واقتحام المغاور

فما للمعالي في علاهنّ باذخ

ولا للعوادي قائد للمضامر

فهذي انوف المجد جذعاً وهذه

أكفّ المعالي داميات الخناصر

تنوء العوالي منهم بأهلّة

من الهام والأجساد رهن المعافر

وتجري عليهم كل جرداء هل درت

بأن وطأت في جريها جسم طاهر

وفي آخرها :

اليك أمير المؤمنين مدائحي

وفيك وإن لجّ اللواحي بضائري

وأنت معاذي في المعاد وإنما

اليك مصير الأمر يوم المصائر

هل المدح إلا في معاليك رائق

وهل راق بالأشعار مثل المأثر

وقال في مطلع قصيدة :

في كل يوم للحشاشة مصدع

أرقٌ يلم وظا عن لا يرجع

٦٢

وإلى أمير المؤمنين تجملّي

وإلى علاه معاذنا والمفزع

ملك تصور كيف شاء إلى الورى

يعطي به هذا وهذا يمنع

وتحلّقت عذباته بمعاقد

يهوي لاخمصها المحل الأرفع

كم تستمد السحب منه سماحة

فتلثّ منها ديمة ما تقشع

ولكم يمرّ به الغمام فينثني

وطفا يسحّ ركامه يتدفع

سل عند يوم الخندقين ومصرع

العمرين ذا عانٍ وذاك مصرّع

والقصيدة تربو على المائة بيتاً.

له ما يقرب من مائة قصيدة في رثاء الحسين (ع) وله شعر في أغراض أُخر وله ديوان يقع في مجلدين كبيرين كله في المدائح والمراثي ذكر جملة من شعره في أعيان الشيعة. توفي رحمه‌الله في شهر ربيع الأول سنة ١٣٠٦ ه‍ وصلّينا عليه مع شيخنا الوالد الروحاني ، وجاء في جملة أحواله أنه كان ينظم في عشر محرم الحرام كل ليلة قصيدة ويعطيها فتنشد في المأتم.

* * *

٦٣

السيد صالح القزويني النجفي

المتوفى ١٣٠٦

قال من قصيدة مطوّلة في رثاء الحسين (ع) :

لله آل الله تسرع بالسرى

وإلى الجنان بها المنايا تسرع

منعوا الفرات وقد طما متدفعا

يا ليت غاض عبابه المتدفع

أترى يسوغ به الورود ودونه

آل الهدى كاس المنون يجرعوا

أم كيف تنقع غلة بنميره

والسبط غلته به لا تنقع

ترحا لنهر العلقمي فانه

نهر بأمواج النوائب مترع

وردوا على الظماء الفرات ودونه

البيض القواطع والرماح الشرع

أسد تدافع عن حقايق أحمد

والحرب من لجج الدما تتدفع

حفظوا وصية أحمد في آله

طوبى لهم حفظوا به ما استودعوا

واستقبلوا بيض الصفاح وعانقوا

سمر الرماح وبالقلوب تدرعوا

فكأنما لهم الرماح عرائس

تجلى وهم فيها هيام ولع

يمشون في ظلل القنا لم تثنهم

وقع القنا والبيض حتى صرعوا

تنقض من أُفق القتام كأنها

فوق الرغام نجوم افق وقع

أجسادهم للسمهرية منهل

ونحورهم للمشرفية مرتع

وجسومهم بالغاضرية جثم

ورؤسهم فوق الأسنّة ترفع

لله سبط محمد ظامى الحشا

فرداً يحوم على الفرات ويمنع

٦٤

ما انقض كوكب سيفه إلا انطوى

للنقع ثوب بالسيوف مجزع

يرتاح ان ثار القتام وللقنا

مرح وورقاء الحمام ترجع

ما أحدث الحدثان خطبا فاضعا

إلا وخطب السبط منه أفضع

دمه يباح ورأسه فوق الرماح

وشلوه بشبا الصفاح موزع

بالمائدات مرضض بالمائسا

ت مظلل بنجيعه متلفع

يا كوكب العرش الذي من نوره

الكرسي والسبع العلى تتشعشع

كيف اتخذت الغاضرية مضجعا

والعرش ودّ بأنه لك مضجع

لهفي لآلك كلما دمعت لها

عين بأطراف الأسنة تقرع

تدمى جوانبها وتضرم فوقها

أبياتها ويماط عنها البرقع

وإلى يزيد حواسراً تهدى على

الأقتاب تحملها النياق الضلع

* * *

السيد صالح القزويني النجفي البغدادي ولد في النجف الأشرف ١٧ رجب سنة ١٢٠٨ ه‍ وتوفي ٥ ربيع الأول سنة ١٣٠٦ ه‍ وبها نشأ وترعرع ودرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم وأعمقهم أثراً في نفسه استاذه الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام. وشاعرنا من أعلام العلماء والشعراء نشأ على حبّ العلم إلا أنه اشتهر بمقارضة الشعر ، وكان وقوراً جميل الهيئة قوي العارضة حسن المعاشرة لطيف المحاظرة ولاجتماع الفضائل فيه صاهره مرجع الشيعة واستاذه صاحب جواهر الكلام وانتقل إلى بغداد سنة ١٢٥٩ وتوفي بها ونقل جثمانه للنجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام وأعقب خمسة بنين وست بنات اشتهر من أولاده بالشعر اثنان : السيد راضي والسيد حسين المشهور بالسيد حسون ، كما اشتهر بالفضل والعلم ولده السيد مهدي. ولشاعرنا ديوان مخطوط في شتى المقاصد من مدح ورثاء وتهنئة ووصف وله كتاب ( تاريخ أحوال سيد الوصيين ). وهذه الاسرة عريقة في العراق نبغ فيها العلماء الأعلام والشعراء العظام واليكم سلسلة النسب : السيد صالح بن المهدي

٦٥

ابن الرضا بن مير محمد علي بن أبي القاسم محمد بن محمد علي بن مير قبا بن أبي القاسم محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسن بن ابي الحسن علي بن أبي الحسين بن علي بن زيد بن أبي الحسن علي الغراب بن يحيى المدعو عنبر بن أبي القاسم علي بن ابي البركات محمد بن أبي جعفر احمد بن محمد صاحب دار الصخرة في الكوفة بن زيد بن علي الحماني الشاعر بن محمد الخطيب بن جعفر الملقب بالشاعر ابن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).

وشاعرنا المترجم له هو ناظم ( الدرر الغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية ) تحتوي على أربعة عشر قصيدة مطولة في المعصومين الأربعة عشر ، أما ديوانه الكبير فقد جمعه العالم الشاعر الشيخ ابراهيم صادق العاملي وكتبه بخطه وترجم للشاعر ترجمة مُفصلة ، وهذه النسخة اشتراها الأب انستاس الكرملي ثم انتقلت بعد موته إلى مكتبة دار الاثار العامة ببغداد مع الف وخمسمائة ونيف من مخطوطات كتب انستاس ، رأيته في مكتبة دار الاثار برقم ١٢٢٠ لعله يحتوي على عشرة آلاف بيت ، هذا وقد جمع ديوانه البحاثة الشيخ محمد السماوي أيضاً ، كما جمع ديوان السيد راضي ابن السيد صالح المتوفى في حياة أبيه سنة ١٢٨١ في جملة ما جمع من عشرات الدواوين.

وأخيراً طبعت خمس قصائد من شعره وهي التي تخص الخمسة أهل الكساء صلوات الله عليهم.

٦٦

السيد حسين بحر العلوم

المتوفى ١٣٠٦

قال في الحسين :

حيّ أطلالا بنعمان رماما

واستلم فيه مقاما فمقاما

وإلى سلع ، سقى سلع الحيا

عج وبلّغ لأحبائي السلاما

عرب من يعرب لكنها

لشجاها كاد لم تعرب كلاما

هل درت تلك الدرارى أنني

أجرع الصاب لها جاما فجاما

وغدت بعد نواهم أدمعي

كغوادي المزن تنهلّ سجاما

ساهر الأجفان من شجو فما

ذاق عيني ، لا وعينيها المناما

دام وجدي أمد العمر لها

وإذا ما جلّ وجد المرء داما

كيف أردتهم يد الدهر وقد

ملكت أيديهم منه الزماما

هل همت عبرتها من نوب

نابت الغرّ الميامين الكراما

يوم أضحى سبطها بين العدى

مفرداً لم يلف حام عنه حامى

ما عدى آحاد قوم ان عدت

هدمت في بأسها الجيش اللهاما

بذلت أنفسها حتى لقت

دون حامي حومة الدين الحماما

من كرام لم تلد امّ العلا

مثلها في سرمد الدهر كراما

كم بذاك اليوم من أعدائها

جدّلت بالرغم أقواما طغاما

وشفت أحشاءها حتى قضت

في سبيل الله يا لهفي هياما

فثوت في الأرض صرعى بعدما

وزعتها أسهم البغي سهاما

٦٧

كم عليها الدهر قد جار فلم

يبق منها الدهر شيخا وغلاما

وغدا السبط فريداً بعدها

بأبي ذاك الفريد المستظاما

فأجال الطرف في أطرافها

فرآها ملئت جيشا ركاما

فأبت منعته الضيم ومن

كان للكرار شبلا لن يضاما

ودعاه بأرئى الخلق إلى

جنبه الأسنى محلا ومقاما

خرّ للموت وترعى عينه

خفرات عينها تهمى انسجاما

عجبا يقضي سليلُ المرتضى

وهو من حر الظما يشكو الأواما

أجرو الخيل على جثمانه

ويح خيل رضضت منه العظاما

رجّت الأرض له بل ملئت

بعد ذاك الظلم أرجاها ظلاما

واكتست امّ العلى ثوب الأسى

وغدت أبناؤها الغر يتامى

فلعمرُ الله لولا شبله

علة الكون لما الكون استقاما

لست أنسى خفرات المصطفى

تشتكي في الطف أقواما لئاما

ساكبات الدمع ثكلى اتخذت

دمعها الجاري شرابا وطعاما

* * *

السيد حسين بحر العلوم هو ابن السيد رضا ابن آية الله بحر العلوم. ولد في النجف سنة ١٢٢١ ه‍ ونشأ فيها وكان آية في العلم وروعة في الأدب ومثالاً في الزهد والتقوى. قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء رحمه‌الله في ( الحصون المنيعة ) : كان علامة زمانه وفهّامة أوانه ، محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً لغوياً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً حسن النظم والنثر.

وقال السيد الصدر في ( تكملة أمل الأمل ) : كان من أكبر فقهاء عصره وأعلمهم ، وأحد أركان الطائفة تفقه على صاحب الجواهر وصار من صدور تلامذته مرشحاً للتدريس العام ، وترجم له كثير من الباحثين وذكروا تلامذته من فطاحل العلماء.

٦٨

وفي مقدمة الجزء الأول من ( رجال السيد بحر العلوم ) قال : وقد أصيب بعد وفاة استاذه ـ صاحب الجواهر ـ بوجع في عينيه أدى بهما الى ( الكفاف ) فأيس من معالجة أطباء العراق وذكر له أطباء ايران فسافر الى طهران سنة ١٢٨٤ ه‍ وآيسه أيضاً أطباء طهران فعرّج إلى خراسان للاستشفاء ببركة الإمام الرضا (ع) ، فمنذ أن وصل إلى خراسان انطلق بدوره إلى الحرم الشريف ووقف قبالة القبر المطهر وأنشأ قصيدته المشهورة ـ وهو في حالة حزن وانكسار ـ وهي طويلة مثبتة في ديوانه المخطوط ، ومطلعها :

كم أنحلتك ـ على رغم ـ يد الغير

فلم تدع لك من رسم ولا أثر

إلى قوله :

يا نيّراً فاق كل النيرات سنى

فمن سناه ضياء الشمس والقمر

قصدت قبرك من أقصى البلاد ولا

يخيب ـ تالله ـ راجي قبرك العطر

رجوتُ منك شفا عيني وصحتها

فأمنن عليّ بها واكشف قذى بصري

حتى م أشكو ـ سليل الأكرمين ـ أذىً

أذاب جسمي وأوهى ركن مصطبري

صلى الاله عليك الدهر متصلا

ما إن يسح سحاب المزن بالمطر

وما ان أنهى انشاء القصيدة حتى انجلى بصره وأخذ بالشفاء قليلاً قليلاً فخرج من الحرم الشريف إلى بيت اعدّ لاستقراره وصار يبصر الأشياء الدقيقة بشكل يستعصي على كثير من المبصرين وذلك ببركة ثامن الأئمة الإمام الرضا عليه‌السلام. وبقي مدة في خراسان ثم قفل راجعاً إلى العراق ـ مسقط رأسه وجعل طريقه على بلاد ( بروجرد ) وبقي هناك ينتهل أرباب العلم من فيوضاته مدة لا تقل عن السنتين وخرج منها الى العراق فوصل النجف الاشرف سنة ١٢٨٧ ه‍ وظل مواظبا على التدريس وإقامة الجماعة حتى ودّع الحياة يوم الجمعة ٢٥ ذي الحجة الحرام ١٣٠٦ ودفن بمقبرة جده السيد بحر العلوم. له من المؤلفات رسائل في الفقه والاصول ، وشرح منظومة جده بحر العلوم وديوان

٦٩

شعر كبير أكثره في مدح ورثاء أهل البيت (١).

مدحه شعراء عصره كعبد الباقي العمري ، والشيخ عباس الملا علي ، والشيخ موسى شريف آل محي الدين ، والسيد صالح القزويني البغدادي ، والشيخ حسن قفطان ، والشيخ أحمد قفطان وغيرهم. كما رثاه جملة من الشعراء كالشيخ كاظم الهر ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، ورثاه ولده السيد ابراهيم الطباطبائي وحفيده السيد حسن بحر العلوم.

ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغرى وذكر جملة من أشعاره.

* * *

__________________

١ ـ رأيت ديوانه بمكتبة الإمام أمير المؤمنين في النجف الأشرف ـ قسم المخطوطات تسلسل ١٠٨٨ خزانة ٤ وقد كتب بأجمل خط على أحسن ورق.

٧٠

الأمير حامد حسين الهندي

المتوفى ١٣٠٦ ه‍

السيد الأمير حامد حسين ابن الأمير المفتي السيد محمد قلي بن محمد حسين ابن حامد بن زين العابدين الموسوي النيسابوري الكنتوري الهندي اللكهنوئي. توفي في ١٨ صفر ١٣٠٦ في لكهنوء من بلاد الهند ودفن بها في حسينية غفران مآب. قال السيد الأمين في الاعيان. كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف علامة نحريراً ماهراً بصناعة الكلام والجدل محيطاً بالأخبار والآثار واسع الاطلاع كثير التتبع دائم المطالعة لم يرَ مثله في صناعة الكلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره بل وقبل عصره بزمان طويل وبعد عصره حتى اليوم ، ولو قلنا أنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الإمامية بعد عصر المفيد والمرتضى لم نكن مبالغين يعلم ذلك من مطالعة كتابه العبقات ، وساعده على ذلك ما في بلاده من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء ، وكان جامعاً لكثير من فنون العلم متكلماً محدثاً رجالياً أديباً قضى عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة ، ومكتبته في لكهنؤ وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب ولا سيما كتب غير الشيعة ، وكل من طالع كتابه عبقات الأنوار يعلم أنه لم يكتب مثله في الإمامة ، انتهى.

أقول وكتاب العبقات في إمامة الأئمة الأطهار بالفارسية في الرد على باب الإمامة من التحفة الاثنى عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي ، أثبت من طريق

٧١

أبناء السنة والجماعة إمامة أمير المؤمنين على ترتيب القرون والطبقات فكان المجلد الأول في حديث الطائر ومجلدان في الغدير ومجلد في الولاية ومجلد في مدينة العلم ومجلد في حديث التشبيه ـ حديث المنزلة ـ ومجلد في حديث الثقلين ومجلدات أُخر ، طبعت كلها ببلاد الهند.

وله موسوعة ( استقصاء الافحام واستيفاء الانتقام ) عشر مجلدات بالفارسية استقصى للبحث عن تحريف الكتاب وفي اثبات وجود المهدي عليه‌السلام.

وله شمع المجالس ، قصائد عربية وفارسية في مراثي الحسين عليه‌السلام من إنشائه مطبوع ، أما خزائن كتبه فهي من المكتبات المعدودة في الشرق مخطوطة ومطبوعة تحتوي على النفائس القديمة ولم تزل اليوم بيد أولاده.

* * *

٧٢

السيد مير محمّد

المتوفى ١٣٠٦

قال يرثي الحسين :

أتى شهر تسكاب الدموع محرم

وان لذيذ العيش فيه محرم

تنعّم فيه آل مروان فرحة

وآل رسول الله لم يتنعموا

لآل أبي سفيان دور مسرّة

وفي بيت أهل البيت قد قام مأتم

وسبط نبيّ الله يُنكت ثغره

وأولاد حرب ثغرها يتبسم

وكان له آيات فضل وسؤدد

رأوها عيانا ثم من بعدها عموا

* * *

هذه الأبيات من قصيدة في الإمام الحسين عليه‌السلام ، تشتمل على ١١٠ بيتاً من نظم السيد المفتى المير محمد عباس التستري الكهنوئي المتوفى ١٣٠٦ ه‍ له ديوان مطبوع بالهند بمطبعة الجعفري مرتباً على الحروف الهجائية يشتمل على النصائح والمواعظ ومدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين وفيه كثير من مدح العلماء والصلحاء يحتوي ٤٣٠ صفحة وقد أسماه ( رطب العرب ) يشتمل على ثلاثة أبواب أطلق على كل مجموعة من الشعر اسم ( نخلة ) فكانت النخلة الثالثة ارجوزة في الإمام الحسين يعدد فيها مناقبه ومقتله وسماها ب‍ ( شمع المجالس ) والشاعر يسكن ( كلكته ).

٧٣

الشيخ محمد شرع الاسلام

المتوفى حدود ١٣٠٧

يرثى الحسين :

أما ومَن نوّر الأكوان في الظلم

وأخرج الزهر من سفح ومن أكم

إني وان بكيت عيني بعبرتها

دمعاً جرى شبه سيل سال من عرم

أو سال منحدراً في الخد يجرحه

حتى غدى لونه المبيض لون دم

فلم أكن لحسين قد وفيت ولم

أكن كمن بايعوه عند مصطدم

لحرب أهل عنادٍ كان شأنهم

بغض الذي كان أوفى الخلق بالذمم

ولست أنسى حسينا حين راسله

أهل النفاق وأهل الغدر والنمم

ان سر الينا وعجّل يابن بجدتها

ويا بن حيدرة المخصوص بالعصم

فسوف تلحض منا حال متبع

وسوف تنظرنا من أطوع الخدم

نوالي كل فتى والي وليّكم

ومن أبى حبكم أو كان عنه عمي

نريد بالبيض ضربا ليس يحسبه

إلا زلازل قد صيغت من النقم

واستمر ينظم الوقعة كما جاءت بها كتب المقاتل وفي آخرها قال :

ومنشيِ الشعر راثيكم له أمل

بأن تزيدوه من علم ومن حكم

هو الملقب بالإسلام عبدكم

( محمد ) فهبوه أرفع الهمم

٧٤

فإن قبلتم فيا طوبى لمنشئها

وإن رددتم فقل يا زلة القدم (١)

قال الشيخ محمد حرز الدين في كتابه ( معارف الرجال ) : الشيخ محمد ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محسن الحلفي الحويزي النجفي المعاصر ، ولد ونشأ في النجف وكان من العلماء والفقهاء الأجلاء ، اشتهر بالأدب الواسع والظرافة وحسن الأخلاق والسيرة الجميلة بين الاخوان ، وكان شاعراً فقد رثى العلماء والوجوه وهنأهم ، وأرخ كثيراً من الحوادث والوقائع بشعره ، ويروى أنه أرخ باب الصحن الغروي ـ المعروف بباب الفرج ـ باسم السلطان ناصر الدين شاه بقوله :

قد فتح السلطان من يمنه

لدى البرايا باب حصن أمين

باب حمى حامي الجوار الذي

من حلّه كان من الآمنين

أن تدخلوها فادخلوا سجداً

فتلك باب حطة المذنبين

أكمل نظمي الفرد تاريخها

ذا باب سلطان الورى أجمعين

اساتذته ، مؤلفاته :

تتلمذ على علماء منهم اليشخ مهدي ابن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء كما حضر على صاحب التأليف والتصنيف السيد مهدي القزويني المتوفى سنة ١٣٠٠ ألّف في الفقه والأصول كتباً ، وله الرحلة المحمدية والنقلة الإسلامية ابتدأ بها عام ١٢٧٥ وفرغ منها ١٤ محرم الحرام ١٢٧٦ ، ومن مؤلفاته مجموع أدبي علمي يشبه الكشكول بجزئين حدود ٨٠٠ صفحة وقد اشتمل على نظمه وحكاياته في الحويزة والنجف في التهاني والمديح والرثاء والتواريخ والطرائف. هذه

__________________

١ ـ عن الرحلة من مخطوطات الشاعر نفسه توجد بمكتبة كاشف الغطاء العامة رقم ٨٧٥ قسم المخطوطات.

٧٥

الرحلة أهدها للسلطان ناصر الدين شاه القاجاري.

وفاته : توفي في النجف حدود عام ١٣٠٧ وأعقب الشيخ عبد الحسين يقيم في بلد ( قم ) المشرفة.

ترجم له في ( شعراء الغري ) فقال : وآل شرع الإسلام اسرة كريمة لها شهرة في العلم والأدب وقد لحق اللقب جدها الأعلى وهو الشيخ جعفر وكان من مشاهير الفقهاء ومن كتبه شرح شرايع الإسلام في عشرة مجلدات ولمقامه العلمي سافر إلى ايران واتصل بالسلطان القاجاري وتحدث معه فلقبه ب‍ ( شرع الإسلام ).

كما ترجم له السيد الأمين في ( الأعيان ) وذكره الشيخ الجليل الشيخ هادي كاشف الغطاء في كشكوله قال : رأيناه آخر عمره وكان من أهل الكمال والضرف ومن شعره في المدفئة التي يصنعها الايرانيون المسماة ب‍ ( الكرسي ) و ( البخاري ) :

صح عندي يا بن ودي

باختيار واختبار

آية الكرسي خير

من أحاديث ( البخارى )

* * *

٧٦

شعراء

القرن الرابع عشر

٧٧
٧٨

الميرزا أبو الحسن الرضوي

المتوفى ١٣١١

وديار آل محمد من أهلها

بين الديار كما تراها بلقع

وبنات سيدة النساء ثواكل

أسرى حيارى في البرية ضيّع

ماذا تقول اميّة لنبيها

يوماً به خصمأوه تستجمع

* * *

الميرزا السيد أبو الحسن ابن الميرزا محمد ابن الميرزا حسين الملقب بالقدسي. كتب له السيد الأمين في الأعيان ترجمة وافية وقال : كان في الاصول والفقه والوثاقة والزهد والورع وطيب الأخلاق ما لا يمكن الإحاطة به ، درس في النجف على الشيخ مهدي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء وعلى الشيخ مرتضى الانصاري وأجازه الشيخ مهدي ، وكان شغوفاً بمطالعة الكتب وعلّق حواشي على كتب كثيرة جيد الخط شاعراً أديباً ، عارض قصيدة ابن سينا التي أولها :

هبطت اليك من المحل الأرفع

ورقاء ذات تعزز وتمنّع

بقصيدة نحو مائة بيت ، وفي آخر أمره اشتغل بعلم الصنعة والجفر ، توفي بمشهد الإمام الرضا عليه‌السلام سنة ١٣١١ ه‍ ودفن في دار الضيافة.

٧٩

الشيخ عبد الله القاري

المتوفي ١٣١٢

خلّها تقطع البسيط وخيدا

وتجوب القفار بيداً فبيدا

فهي حرف متى سرت لا تبالي

أحزونا تجوبها أو نجودا

ما تراها لدى السرى تترامى

طرباً كالنزيف تشأو وخيدا

ولعت بالسرى وبالسير حتى

أمنت أن ترى اليها نديدا

بل ولولا الزمام يمسكها لم

يعيها مفرق السماك صعودا

شفّها كثرة الوجيف فعادت

مثل سنّ المزاد مرّاً زهيدا

وعلى رامة وأكناف حزوى

لا تعرّج بها وجانب زرودا

وإلى كربلا فأمَ بها إذ

ما سواها غدى لها المقصودا

وأنخها بها فثمّ مقام

يحتذي النيرات فخراً مشيدا

وابتدر تربها بلثمك وأخضع

وعلى عفره فعفّر خدودا

واسع رسلاً به لدارة قدس

قد حوت نيّر الوجود الشهيدا

الحسين القتيل نجل عليٍّ

خير من ساد سيداً ومسودا

واستلم قبره الشريف وسلّم

وأبك شجوا حتى تروّي الصعيدا

يوم جاشت عليه فيها جيوش

تخجل الرمل والعداد عديدا

حيث أن تسخط الاله وترضي

ابن زياد بقتله ويزيدا

فانتضى همة لاحمد تُنمى

وانتضى للوصي بأساً شديدا

غير ما أنه يزور صحابا

أحرزوا المجد طارفا وتليدا

٨٠