أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

شهير ، ولد عام ١٢٦٧ في جبل عامل ونشأ هناك وقرأ القرآن وهو ابن خمس سنين بخمسة أشهر ثم درس النحو والصرف فكان موضع اعجاب وتفوق حيث كان حاد الذهن وقاد الفكر وهاجر إلى النجف وهو ابن اثنتي عشرة سنة فدرس على أساطين عصره وحضر درس الشيخ الأخوند والسيد كاظم اليزدي وتلمذ عليه جملة من الفضلاء ذلك مما دعى السيد محمد سعيد الحبوبي أن يخصه بموشحة من موشحاته التي يقول فيها :

قل لمن جاراه يبغى القصبا

حازها موسى فلا تستبق

فإذا ما البزل وافت خببا

قصّرت عن شأوهنّ الحقق

وإذا البرذون جارى سلهبا

ردّ مجراه حضيض زلق

وكان جبل عامل يتطلع اليه وينتظر قدومه اليه فتوجه واستقبله الوجوه والأعيان فكان قرة عين الجميع ذكره البحاثة الطهراني في ( نقباء البشر ) فقال :

العلامة الفقيه الجامع للفنون الإسلامية ، أصله من ( بنت جبيل ) ، أطرى في الثناء عليه سيدنا الصدر في التكملة فقال : انه كتب رسالة في اصول الدين من دون مراجعة كتاب ، وكان لا ينسى ما حفظه ، كثير الاستحضار للتواريخ وأيام العرب ، قرأ على الملا كاظم الخراساني ونظم مطالب الشيخ نظماً جيداً لطيفاً ، وكان يحضر بحث الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف حتى فاق أقرانه وعند رجوعه الى لبنان اشتغل بترويج الدين وتعليم المسلمين ، وله منظومة في المواريث بديعة في فنها تقع في ٢٤٨ بيتاً ، ورسالة في تهذيب النفس ، كتب عنه وعن حياته العلمية الكاتب كامل شعيب في مجلة العرفان م ١١ صفحة ٤٥. كانت وفاته في بنت جبيل ليلة الخميس ١١ شعبان عام ١٣٠٤ ه‍ عن عمر ٣٧ سنة ودفن هناك ورثاه جمع من الشعراء منهم السيد نجيب فضل الله بقصيدة أولها :

هل يعلم الدهر مَن أودت فوادحه

أو يعلم الرمس من وارت صفائحه

٤١

ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) فأورد جملة من مساجلاته ومراسلاته ومراثيه لاخوانه فمن شعره يعاتب بعض أصدقائه :

كم ذا يقاطعني من لا اقاطعه

وتشرب اللوم جهلاً بي مسامعه

ان مال عني لأوهام ووادعني

فانني وذمامي لا اوادعه

ليس التلوّن من خيمي ومن شيمي

إذا تلون من ساءت صنايعه

ولا اصانع اخوانا صحبتهم

فما خليلك يوماً من تصانعه

ومن مرثية يرثي بها أخاه الشيخ محمد عندما وصل اليه نبأ وفاته في النصف من شعبان سنة ١٣٠٣ :

ما لنفسي ذابت وطارت شعاعا

ولقلبي أثر الضعائن ضاعا

ذهب الصبر والأسى يوم بانوا

وتنادوا فيه الوداع الوداعا

وجاء في ترجمته ان السيد محمد سعيد الحبوبي كتب رسالة للمترجم له وكان من جملة عبارات الاطراء : قطب دائرة الفضل المستديرة الأفلاك ، وسر الحقيقة المتعالية عن حضيض الادراك ، قدوة الفضلاء الذي على أمثلته يحتذون ، والاستاذ الذي ترجع اليه المهرة في سائر الفنون ... وكان في آخر الرسالة قطعة شعرية :

كم يحتذيني الغيث غيث الأدمع

وتشبّ نار البين بين الأضلع

كيف المنام ودون من أنا صبّه

خرط القتاد وشوقه في مضجعي

وأروح يوحشني الأنيس كأنني

وحدي وإن مارست حاشد مجمعي

يا نازحاً عني ومنزله الحشى

القلب معك ونار لاعجه معي

والصبر بعدك شرعة منسوخة

والوجد بعدك شرعة المتشرع

إلى قوله :

لو كنت بعد البين شاهد موقفي

( موسى ) لما شاهدت إلا مصرعي

٤٢

وتأتي ترجمة الشيخ علي شرارة المتوفى ١٣٣٥ وهو من الاسرة نفسها ، ولا يفوتنا أن نذكر مؤلفات المترجم له وتراثه العلمي :

١ ـ منظومة في الاصول واسمها ( الدرة المنظمة ) الحاوية لقوانين الاصول المحكمة وقد شرحها ولده الشيخ عبد الكريم.

٢ ـ منظومة في المواريث تقع في ٢٤٨ بيتاً.

٣ ـ رسالة في تهذيب النفس.

٤ ـ ديوانه المخطوط يضم العشرات من القصائد الحكيمة والفلسفية.

وهناك رسائل فقهية وعقائدية لم تتم.

* * *

٤٣

الشيخ حسّون العبد الله

المتوفى ١٣٠٥

في رثاء الحسين :

علمتم بمسراكم أرعتم فؤاديا

وأجريتم دمعي فضاهى الغواديا

ألا يا أحبائي أخذتم حشاشتي

وخلّفتم جسمي من الشوق باليا

فيا ليتني قدمت قبل فراقكم

وذاك لأني خفت أن لا تلاقيا

إذا ما الهوى العذري من نحو ارضكم

سرى فغدا للقلب ريّاً وشافيا

ظللت أبثّ الوجدَ حتى كأنني

لشجوي علّمتُ الحمام بكائيا

تناسيتم عصر الشباب بذي الغضا

وكم قد سررنا بالوصال لياليا

فدع عنك يا سعد الديار وخلّني

أُكابد وجداً في الأضالع ثاويا

لخطب عرا يوم الطفوف وفادح

أمادَ السما شجواً ودك الرواسيا

غداة قضى سبط النبي بكربلا

خميص الحشا دامى الوريدين صاديا

وقته لدى الحرب الزبون عصابة

تخالهم في الحرب اسداً ضواريا

كماة إذا ما الشوس في الحرب شمّرت

أباحوا القنا أحشائهم والتراقيا

اسود إذا ما جرّدوا البيض في الوغى

غدت من دم الأبطال حمراً قوانيا

وقد قارعوا دون ابن بنت نبيهم

إلى أن ثووا في الترب صرعى ظواميا

وعاد ابن خير الخلق بالطف مفرداً

يكابد أهوالاً تشيب النواصيا

يرى آله حرّى القلوب من الظما

وأسرته فوق الرغام دواميا

٤٤

فيدعو ألا ، هل من نصير فلم يجد

له ناصراً إلا حساماً يمانيا

هناك انثنى نحو الكفاح بمرهف

أقام على الأعداء فيه النواعيا

وأُقسمُ لولا ما الذي خطّه القضا

لغادر ربع الشرك إذ ذاك عافيا

إلى أن رمي في القلب سهم منيّةٍ

فهدّم أركان الهدى والمعاليا

بنفسي بدراً منه قدغاب نوره

وفرعا ًمن التوحيد أصبح ذاويا

أأنسى حسيناً بالطفوف مجدلاً

على ظمأ والماء يلمع طاميا

ووالله لا أنسى بنات محمد

بقين حيارى قد فقدن المحاميا

إذا نظرت فوق الصعيد حماتها

وأرؤسها فوق الرماح دواميا

هناك انثنت تدعو ومن حرق الجوى

ضرام غدا بين الجوانح واريا

انادى ولا منكم أرى من مجاوب

فما بالكم لا ترحمون صراخيا

ولم أنسَ حول السبط زينب إذ غدت

تنادي بصوت صدع الكون عاليا

أخي لم تذق من بارد الماء شربة

وأشرب ماء المزن بعدك صافيا

أخي لو ترى السجاد أضحى مقيداً

أسيراً يقاسي موجع الضرب عانيا

أخي صرت مرمىً للحوادث والأسى

فليتك حياً تنظر اليوم حاليا

عليّ عزيز أن أراك معفراً

عليك عزيز أن ترى اليوم مابيا

أحاشيك أن ترضى نروح حواسراً

سباياً بنا الأعداء تطوي الفيافيا

بلا كافل بين الأنام نوادباً

خواضع ما بين الطغام بواكيا

عليّ عزيز أن أروح وتغتدي

لقىً فوق رمضاء البسيطة عاريا

أيسترُ قلبي أم تجفّ مدامعي

وانظر ربع المجد بعدك خاليا

فهيهات عيني بعدكم تطعم الكرى

وأن يألف الأفراح يوماً فؤاديا

هو الشيخ حسون ( حسين ) بن عبد الله بن الحاج مهدي الحلي من مشاهير الخطباء في عصره. أديب شاعر معروف.

ولد في الحلة عام ١٢٥٠ ه‍ ونشأ بها وعرف بالخطابة فكان من أشهر

٤٥

مشاهيرها وذاع صيته في الشعر فكان من أعلام الشعراء فيها وكان مرموق الشخصية نابه الذكر حميد الخصال يحترمه الكبير والصغير ويعظمه العالم والجاهل ويهواه الأعيان والوجوه مستقيم السيرة طيب السريرة كريم الطبع طاهر القلب مرح الروح من اعلام النساك وبارزي الثقاة ولقد اعرب عن منزلته الشاعر الخالد السيد حيدر الحلي عند تقدمته لتقرضيه كتابه ( العقد المفصل ) فقال : هو الذي تقتبس أشعة الفضل من نار قريحته وترتوي حائمة؟ والعقل من ري رويته.

وذكره أيضاً في كتابه ( الاشجان ) عند تقديمه مرثيته للسيد ميرزا جعفر فقال : حسنة العصر وانسان الدهر الكامل الألمعي الشيخ حسين بن عبدالله الحلي.

وذكره الشيخ النقدي في الروض النضير صفحة ٢٤٦ فقال : كان ( ره ) أديباً شاعراً فاضلاً خطيباً له شهرة واسعة بين الذاكرين وسيرة محمودة بين العلماء والمتعلمين لم يتكسب بشعره ولم يتاجر ببنات فكره ، أكثر نظمه في آل البيت وقد رأيت له قصائد طوالاً في رثاء الامام الحسين وأولاده المعصومين « ع » اتصل بالسادة الكرام آل المعز فكان في مقدمة أحبائهم وأودائهم.

وذكره الحجة الأميني في الجزء ١٣ من كتابه « الغدير » المخطوط فقال : كان خطيب الفيحاء الفذ على كثرة ما بها من الخطباء جهوري الصوت حلو النبرات وكان يسحر بمنطقة وعذوبة كلمه ، ولد عام ١٢٥٠ ه‍ وتوفي عام ١٣٠٥ ه‍ في الحلة ونقل الى النجف فدفن فيها ورثته عامة الشعراء. والشيخ حسون إذا ما قرأناه من شعره فإنه يبدو انساناً حرّ الضمير قوي القلب ذو مبدء واضح وشخصية قوية يعرب لك من خلاله أنه معتمد على نفسه غني عما في أيدي الناس ولعل ما ستقرؤه من شعره كاف لأن يوصلك إلى هذا الرأي فهو ان تحمس أفهمك أنه العربي الذي امتد نجاره الى أبعد حدود العروبة وأن تغزل فهو من اولئك العرب الذين كانت تستعبدهم العيون السود وأن لرقة طبعه أثر بارز في رقة ألفاظه وانسجام اسلوبه.

٤٦

توفي رحمه‌الله بالحلة في العشر الأواخر من شهر رمضان عام ١٣٠٥ ه‍ ونقل جثمانه الى النجف ودفن بها وخلف ولداً اسمه الشيخ علي توفي بعده بثلاثين عاماً. ورثاه فريق من شعراء عصره بقصائد مؤثرة دلّت على سمو مكانته في نفوسهم ، منهم الشيخ حسن مصبح والسيد عبد المطلب الحلي والشيخ علي عوض والحاج حسن القيم. وربما رثاه بعضهم بقصيدتين أو ثلاث ، ولقد وقفت على مجموع عند أحد أحفاد أخيه اقتطفت منه ما سيجي من شعره وقد عرفني به صديقنا الشاعر عبود بن الحاج مهدي الفلوجي انتهى. أقول وممن تخرّج على يده الخطيب الكبير الشيخ جاسم الملا ابن الشيخ محمد الملا وكلاهما شاعران ناثران ، والمترجم له أروي له عدة قصائد في الامام الحسين عليه‌السلام منها قصيدته العامرة المشتملة على الوعظ والتحذير وأولها :

أشاقك من آرام يبرين ربرب

فأصبحت صبّاً في هواه تعذبُ

والمرثية الثانية التي مطلعها :

نشدتك ان جئت خبت النقا

فعرّج به واحبس الاينقا

مضافاً إلى انه طرق جميع أبواب الشعر ، واليكم نموذجاً من شعره في الإمام الحسين.

إلى مَ فؤادي كل يوم مروعُ

وفي كل آن لي حبيبٌ مودع

وحتام طرفي يرقب النجم ساهراً

حليف بكاء والخليون هجّع

أزيد التياعا كلما هبّت الصبا

أو البرق من سفح الحمى لاح يلمع

وأطوي ظلوعي فوق نار من الجوى

إذا ما سحيراً راحت الورق تسجع

أكاد لما بي أن أذوب صبابة

متى هي باتت للحنين ترجّع

تنوح ولم تفقد أليفاً وبين مَن

أودّ وبيني مهمه حال هجرع (١)

__________________

١ ـ هو الطويل.

٤٧

فلهفي وهل يجدي الشجي تلهف

لعيش تقضّى بالحمى وهو مسرع

فيا قلب دع عهد الشباب وشرخه

فليس لأيام نأت عنك مرجع

ومن يك مثلي لم تشقه كواعب

ولم يصبه طرف كحيل وأربع

لئن راح غيري بالعذارى مولعاً

فها انا في كسب العلاء مولع

وان يك غيري فخره جمع وفره

فإني لما يبقى لي الفخر أجمع

سموت بفضلي هامة النسر راقياً

سرادق عزّهنّ أعلى وأمنع

ولم أرض بالجوزاء داراً وان سمت

لأن مقامي في الحقيقة أرفع

وكم لائمٍ جهلاً أطال ملامتي

غداة رآني مدنفاً أتفجع

يظن حنيني للعذيب ولعلع

وهيهات يشجيني العذيب ولعلع

فقلت له والوجد يلهب في الحشا

وللهم أفعى في الجوانح تلسع

كأنك ما تدري لدى الطف ما جرى

ومن بثراها ـ لا أباً لكَ صرعوا

غداة بنو حرب لحرب ابن أحمد

أتت من أقاصي الأرض تترى وتهرع

بكثرتها ضاق الفضاء فلا يرى

سوى صارم ينضى وأسمر يشرع

هنالك ثارت للكفاح ضراغم

لها منذ كانت لم تزل تتسرع

تزيد ابتهاجاً كلما الحرب قطّبت

وذلك طبع فيهم لا تطبّع

تعد الفنا في العزّ خير من البقا

وما ضرّها في حومة الحرب ينفع

سطت لا تهاب الموت دون عميدها

ولا من قراع في الكريهة تجزع

تعرّض للسمر اللدان صدورها

وهاماتها شوقاً الى البيض تتلع

إذا ما بنو الهيجاء فيها تسربلت

حديداً تقي الأبدان فيه وتدفع

تراهم اليها حاسرين تواثبوا

عزائمها الأسياف والصبر أدرع

فكم روعوا في حومة الحرب أروعا

وكم فرقاً للأرض يهوى سميدع

وراح الفتى المقدام يطلب مهربا

ولا مهرب يغني هناك ويدفع

مناجيد في الجلّى عجالا الى الندى

ثقالا لدى النادي خفافا إذا دعوا

٤٨

إذا هتف المظلوم يا آل غالب

ولا منجد يلفى لديه ومفزع

أجابوه من بعدٍ بلبّيك وارتقوا

جياداً تجاري الريح بل هي أسرع

ولم يسألوه إذ دعاهم تكرما

إلى أين بل قالوا أمنت وأسرعوا

فما بالهم قرّوا وتلك نساؤهم

لصرختها صمّ الصفا يتصدع

عطاشى قضت بالعلقمي ولم تكن

لغلتها في بارد الماء تنقع

وأبقت لها الذكر الجميل متى جرى

بشرقٍ فمنه غربها يتضوع

يحامون عن خدر لهيبة مَن به

ـ ولا عجب غرّ الملائك تخضع

فأصبح شمر فيه يسلب زينباً

ولم ترَ من عنها يذبّ ويدفع

تدير بعينيها فلم ترَ كافلا

سوى خفرات بالسياط تقنع

فكم ذات صون مارأت ظلّ شخصها

ولا صوتها كانت من الغض تسمع

محجبة بين الصوارم والقنا

عليها من النور الإلهي برقع

فأضحت وعنها قد أماطوا خمارها

وبالقسر عنها بردها راح ينزع

واعظم خطب لو على الشم بعضه

يحط لراحت كالهبا تتصدع

غداة تنادوا للرحيل وأحضرت

نياق لهاتيك العقائل ضلّع

ومرت على مثوى الحماة إذا بهم

ضحايا فمرضوض قرىً ومبضع

فكم من جبين بالرغام مرمل

ومن نوره بدر السما كان يسطع

وكم من أكفٍّ قطعت بشبا الضبا

وكانت على الوفاد بالتبر تهمع

وكم من رؤوس رامت القوم حفظها

فراحت على السمر العواسل ترفع

فحنّت وألقت نفسها فوق صدره

وأحنت عليه والنواظر همّع

تناديه من قلب خفوق ومهجة

لعظم شجاها أوشكت تتقطع

أخي كيف أمشي في السباء مضامة

وأنت بأسياف الأعادي موزع

وكيف اصطباري ان عدانا ترحلت

وجسمك في قفر من الأرض مودع

وحولك صرعى من ذويك أكارمٌ

شباب تسامت للمعالي ورضّع

٤٩

لها نسجت أيدي الرياح مطارفا

من الترب فانصاعت بها تتلفع

لمن منكم أنعى وكل أعزةً

عليَّ ومن عند الرحيل اودّع

أجيل بطرفي لم أجد مَن يجيرني

تحيّرت ما أدري أخي كيف أصنع

أترضى بأني اليوم أهدى ذليلة

ووجهي بادٍ لا يواريه برقع

وحولي صفايا لم تكن تعرف السبا

ولا عرفت يوماً تذل وتضرع

وقال يرثي العباس بن أمير المؤمنين (ع) :

لو كنت تعلم ما في القلب من شجن

ما ذاق طرفك يوماً طيّب الوسنِ

ولو رأيت غداة البين وقفتنا

أذلتَ قلبكَ دمعاً كالحيا الهتن

ناديت مذ طوّح الحادي بظعنهم

وراح يطوي فيافي الأرض بالبدن

يا راحلين بصبري والفؤاد معاً

رفقاً بقلب محبٍّ ناحل البدن

كم ليلة بتّ مسروراً بكم طرباً

طرفي قرير وعيشي بالوصال هني

أخفي محبتكم كيلا ينمّ بنا

واشٍ ولكنّ دمع العين يفضحني

ظللت في ربعكم أبكي لبعدكم

كما بكين حماماتٌ على فنن

طوراً أشمّ الثرى شوقاً وآونة

أدعو ولا أحد بالردّ يسعفني

دع عنك يا سعد ذكر الغانيات ودع

عنك البكاء على الاطلال والدمن

واسمع بخطب جرى في كربلاء على

آل النبي ونح في السر والعلن

لم أنسَ سبط رسول الله منفرداً

وفيه أحدق أهل الحقد والاحن

يرنو إلى الصحب فوق الترب تحسبها

بدور تمّ بدت في الحالك الدجن

لهفي له إذ رأى العباس منجدلا

فوق الصعيد سليبا عافر البدن

نادى بصوت يذيب الصخر يا عضدي

ويا معيني ويا كهفي ومؤتمني

عباس قد كنتَ لي عضباً أصول به

وكنتَ لي جنّة من أعظم الجنن

عباس هذي جيوش الكفر قد زحفت

نحوي بثارات يوم الدار تطلبني

٥٠

ومخمد النار إن شبّت لواهبها

ومن بصارمه جيش الضلال فني

بقيت بعدك بين القوم منفرداً

أُقلّب الطرف لا حام فيسعدني

نصبت نفسك دوني للقنا غرضا

حتى مضيتَ نقيّ الثوب من درن

كسرتَ ظهري وقلّت حيلتي وبما

قاسيتُ سرت ذوو الأحقاد والظغن

تموت ظامي الحشا لم ترو غلّتها

في الحرب ريّاً فليت الكون لم يكن

* * *

٥١

الميرزا اسماعيل الشيرازي

المتوفى ١٣٠٥

قال في جده الحسين (ع) :

نبا نزار من ضباك الشبا

أم سمرك اليوم غدت أكعبا

أم عقرت خيلك أم جززت

منها نواصيها فلن تركبا

ما كان عهدي بك أن تحملي

الضيم وفي يمناك سيف الإبا

فهذه حرب وقد أنشبت

فيك على رغم العلى المخلبا

فأين عنكم يا ليوث الوغى

مخالب السمر وبيض الظبا

وفي الوغى لم تنشري راية

ولم تجيلي خيلك الشزّبا

فحربك اليوم خبت نارها

ونار حرب لهبت في الخبا

أتدخل الخيل خباء الأولى

خباؤها فوق السما طنبا

نساؤها تسبى جهاراً ولا

من سيفها البتار يدمى شبا

لهفي لآل الله إذ أبرزت

من الخبا ولم تجد مهربا

تؤم هذي ولّها مشرق الشمس

وهذي تقصد المغربا

وزينب تهتف بالمصطفى

والمرتضى والحسن المجتبى

يا غائباً لا يرتجى عوده

ولن تراه أبداً آئبا

ترضى بأن أسلب بين العدى

حاشاك أن ترضى بأن أسلبا

فأيها الموت أرحني فما

أهنأك اليوم وما أطيبا

* * *

٥٢

السيد الميرزا أبو الحسين اسماعيل بن السيد رضا الحسيني الشيرازي : نزيل سامراء ابن عم الميرزا المجدد السيد محمد حسن الشيرازي المشهور وخال أولاده. توفي في ١١ شعبان سنة ١٣٠٥ في الكاظمية وكان قد جاء اليها من سامراء قبل شهرين وحمل الى النجف الأشرف فدفن هناك. كان عالماً فاضلاً جليلاً شاعراً ، قرأ على ابن عمه الميرزا الشيرازي في سامراء وكان من أفضل تلامذته وله اشعار في مدح أمير المؤمنين ورثاء الحسين عليهما‌السلام.

أقول وهذه القصيدة مقتبسة من بائية السيد حيدر الحلي :

يا آل فهر اين ذاك الشبا

ليست ضباك اليوم تلك الظبا

وجاء في ترجمته أن الشيخ حمادي نوح الحلي رثاه بقصيدة أثبتها السيد الأمين في الاعيان ، ولا بأس بالاشارة الى قصيدته في مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فمنها.

هذه فاطمة بنت اسد

أقبلت تحمل لاهوت الأبد

فاسجدوا طراً له فيمن سجد

فله الأملاك خرّت سجدا

مذ تجلّى نوره في آدم

إن تكن تجعل لله البنون

ـ تعالى الله عما يصفون ـ

فوليد البيت أحرى أن يكون

لوليّ البيت طراً ولدا

لا عزير ، لا ولا ابن مريم

حبذا آناء أنس أقبلت

أدركت نفسي بها ما أملّت

ولدت أمّ العلى ما حملت

طاب أصلاً وتعالى محتدا

حاملاً ثقل ولاء الامم

٥٣

الشيخ محسن أبو الحب

المتوفى ١٣٠٥

قال في الحسين :

فار تنور مقلتيَّ فسالا

فغطى السهل موجه والجبالا

وطفت فوقه سفينة وجدي

تحمل الهمّ والأسى أشكالا

عصفت في شراعها وهو نار

عاصفات الضنا صباً وشمالا

فهي تجري بمزبد غير ساج

ترسل الحزن والأسى ارسالاً

فسمعت الضوضاء في كل فج

كل لحن يهيج الاعوالا

قلت ماذا عرى ـ اميم ـ فقالت

جاء عاشور واستهل الهلالا

قلت ماذا عليَّ فيه فقالت

ويك جدد لحزنه سربالا

لا أرى كربلا يسكنها اليوم

سوى من يرى السرور محالا

سميت كربلاء كي لا يروم

الكرب منها إلى سواها ارتحالا

فاتخذها للحزن داراً وإلا

فارتحل لا كفيت داء عضالا

من عذيري من معشر تخذوا

اللهو شعاراً ولقبوه كمالا

سمعوا ناعي الحسين فقاموا

مثل من للصلوة قاموا كسالا

أيها الحزن لا عدمتك زدني

حرقة في مصابه واشتعالا

لست ممن تراه يوماً جزوعاً

تشتكي عينه البكاء ملالا

أنا والله لو طحنتُ عظامي

واتخذت العمى لعيني اكتحالا

٥٤

ما كفاني وليس إلا شفائي

هزة تجفل العدى اجفالا

فتكة الدهر بالحسين الى الحشر

علينا شرارها يتوالا

لك يا دهر مثلها لاوربي

انها العثرة التي لن تقالا

سيم فيها عقد الكمال انفصاماً

ذي لئاليه في الثرى تتلالا

سيم فيها دم النبي انسفاكاً

ليت شعري من ذا رآه حلالا

نفر من بنيه أكرم من تحت

السما رفعة وأعلا جلالا

ضاق منها رحب الفضاء ولما

لم تجد للكمال فيه مجالا

ركبت أظهر الحمام وآلت

لا تعد الحيوة إلا وبالا

ما اكتفت بالنفوس بذلاً إلى أن

اتبعتها النساء والأطفالا

ملكوا الماء حين لم يك إلا

من نجوم السماء أقصى منالا

ثم لم يطعموه علماً بأن الله

يسقيهم الرحيق الزلالا

ليتهم بعدما الوغى أكلتهم

أرسلوا نظرة وقاموا عجالا

ليروا بعدهم كرائم عز

زلزل الدهر عزها زلزالا

أصبحت والعدو أصبح يدعو

اسحبي اليوم للسبا أذيالا

ذهب المانعون عنك فقومي

والبسي بعد عزك الاذلالا

كم ترجّين وثبة من رجال

لك كانوا لا يرهبون الرجالا

أنت مهتوكة على كل حال

فانزعي العز والبسي الاغلالا

لك بيت عالي البناء هدمناه

وحُزنا خفافه والثقالا

أين من أنزلوك باحة عز

لا ترا كالعيون إلا خيالا

صوّتي باسم من أردتِ فإنا

قد أبدناهم جميعاً قتالا

وكسوناهم الرمال ثياباً

وسقيناهم المنون سجالا

وهي لا تستطيع مما عراها

من دهى الخطب أن ترد مقالا

غير تردادها الحنين وإلا

زفرة تنسف الرواسي الثقالا

٥٥

وقال في قصيدة متضمناً للرواية التي تقول أن سبايا الحسين عليه‌السلام لما قاربوا دخول الشام دنت أمّ كلثوم بنت علي عليه‌السلام من شمر بن ذي الجوشن وقالت : يا بن ذي الجوشن لي اليك حاجة ، قال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في طريق قليل نظاره وتقدم إلى حاملي الرؤوس أن يخرجوها من بين المحامل فقد خزينا من كثرة النظر الينا ، فأمر بعكس سؤالها بأن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل ويُسلك بهم بين النظارة :

وأعظم شيء أن ربة خدرها

تمدّ إلى أعدائها كفّ سائل

تقول لشمر والرؤس أمامها

وقد أحدقت بالسبي أهل المنازل

فلو شئت تأخير الرؤوس عن النسا

وإخراجها من بين تلك المحامل

ليشتغل النظّار عنا فإننا

خزينا من النظار بين القبائل

ويقول في مفاداة أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (ع) وكأن الحسين يخاطبه :

أبوك كان لجدي مثل كونك لي

كلاهما قصب العلياء حاويها

أبوك ساقي الورى في الحشر كوثره

وأنت أطفالنا بالطف ساقيها

الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الافاق خصب الخيال ، ولد سنة ١٢٣٥ ه‍ ونشأ بعناية أبيه وتربيته وتحدر من اسرة عربية تعرف بآل أبي الحب ، وتمتُّ بنسبها إلى قبيلة خثعم ، وتدرج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيما ومجالس أبي الشهداء مدارس سيارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين عليه‌السلام من الشعر والخطب ما يتعذر على الأدباء والمعنين بالأدب جمعه أو الاحاطة به ، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فاجاد وأكثر من النوح والبكاء على سيد الشهداء (ع) وصوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً لا زالت الادباء ومجالس العلماء تترشفه وتستعيده وتتذوقه.

وفي أيام حداثتي وأول تدرجي على الخطابة استعرتُ ديوان الشاعر المترجم

٥٦

له من حفيده وسميّه الخطيب الشيخ محسن وانتخبت منه عدة قصائد وهي مدونة في الجزء الثاني من مخطوطي ( سوانح الأفكار ) وكتب عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام إذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات ، إلى أن يقول : وله ديوان كبير مخطوط كله في الأئمة. توفي بكربلاء سنة ١٣٠٥ ودفن بها ، وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال في بعض ما قال :

كان فاضلاً أديباً بحاثة ثقة جليلاً ومن عيون الحفاظ المشهورين والخطباء البارعين ، له القوة الواسعة في الرثاء والوعظ والتاريخ وكان راثياً لآل رسول الله (ع) وشاعراً مجيداً ، حضرتُ مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لساناً ولا أبلغ منه أدباً وشعراً. وكتب عنه صديقنا الأديب السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وجاء بنماذج من نظمه وقال : توفي ليلة الاثنين ٢٠ ذي القعدة عام ١٣٠٥ ه‍ ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد ابراهيم المجاب.

أقول ويسألني الكثير عن إبراهيم المجاب ، فهو إبراهيم بن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ، وإنما سمي بالمجاب لأنه سلّم على جدّه الإمام فخرج رد الجواب من داخل القبر ، وأبوه محمد العابد مدفون في ( شيراز ) وسمي بالعابد لتقواه وعبادته ، وهكذا كل أولاد الإمام عليه‌السلام.

٥٧

فرهاد ميرزا القاجاري

المتوفى ١٣٠٥ ه‍

من شعره في الحسين :

قلب يذوب اسى ووجدٌ مُعنف

وجوانح تذكى وعينٌ تذرفُ (١)

ماكنتُ أحسب قبل طرفك سافحا

حمر الدما أن النواظر ترعف

فكأنما بمذاب قلبك قد جرت

تلك الدموع فبلّ منك الموقف

أفهل ترى أصما فؤادك أهيفٌ

حاشاك أن يصمي فؤادك أهيف

بل قد دهاك مصاب آل محمد

فعلتك منها زفرة وتلهّف

تالله لا أنسى الحسين بكربلا

وعليه أجناد العراق تعطّفوا

يدعو وليس يرى له من ناصر

إلا المثقف والحسام المرهف

والصائبات من السهام كأنها

الاقدار لا تنبو ولا تتخلّف

لهفي على آل الرسول وحرمةٍ

هتكت ورأس قد علاه مثقّف

وعلى الشفاه الذابلات وأضلع

عجف يطير لهنّ نصلُ أعجف

لهفي على جثث تركن تزورها

وحش الفلا وتحوزهنّ الصفصف

تالله لا أنسى الحسين وقد دنا

بين الجحافل راكباً يستعرف

قال انسبوني في أبي ومحمد

جدي وفاطمة البتول وانصِفوا

وكأن معجزة الكليم بكفه

ما تلتقي من قوم موسى تلقف

__________________

١ ـ اخذناها عن كتاب القمقام لمؤلفه المرحوم فرهاد ميرزا.

٥٨

لما تنزّل نصر رب محمد

صمّت حيارى والملائك وقّف

لم يرضه إلا الوفاء بعهده

ولقاء مَن هو وعده لا يخلف

لهفي لزينب إذ رأته مرملا

وبه جنود الأدعياء تكنّفوا

نادت بأعلى صوتها أمحمدٌ

هذا حسينك بالعراء مدفف

عجباً لهذي الشمس لما أشرقت

تلك الشموس حواسراً لا تكسف

* * *

يا أهل ذي البيت المقدس إنكم

نور العوالم والسنام الأشرف

( فرهاد ) آنس حبكم فبحبكم

لا زال يذكر فضلكم ويؤلف

كم كان عظّم من شعائر فيكم

بمناقب ومأثر لا توصف

وبنى لموسى والجواد شعائراً

تبنى بتلك له القصور ورفرف

اليوم الّف ذا الكتاب بحبكم

يرجو غداً بيمينه يتخطّف

خضعت جبابرة الملوك لأمره

لكنه بولائكم يتشرف

تنسوه أو تردوه أو تقصوه أو

تحموه فهو بحبكم يتعرف

صلى الاله عليكم ما ناحت

الورقاء أو نعب الغراب الأسدف

* * *

معتمد الدولة فرهاد ميرزا ابن ولي العهد عباس ميرزا ابن فتحعلي شاه القاجاري ، توفي سنة ١٣٠٥ ه‍ في ايران وحمل إلى الكاظمية ودفن فيها عالم فاضل له كتاب ( زنبيل ) في فوائد متفرقة بالعربية والفارسية جمعه الميرزا محمد حسين المنشي العلي آبادي المازندراني من خطوط المذكور أيام ولايته على فارس سنة ١٢٩٣ « مطبوع » وله ( القمقام الزخار ) و ( الصمصام البتار ) في مقتل الحسين (ع) وأحواله ، فارسي في مجلدين « مطبوع » وله ( جام جم ) في الجغرافيا مترجم عن الانكليزية مع زيارات فارسي « مطبوع ».

وفي الكنى والالقاب : الحاج فرهاد ميرزا بن نائب السلطنة عباس بن فتح

٥٩

علي شاه القاجار ، كان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرخاً جامعاً للفنون له مصنفات كثيرة شهيرة منها ( القمقام ) و ( جام جم ) و ( هداية السبيل ) وغير ذلك. ذكره صاحب الذريعة وقال : من آثاره الخيرية تعمير صحن الكاظمين عليهما‌السلام وتذهيب مناراته في سنة ١٢٩٨ وتوفي سنة ١٣٠٥ وبعد سنة حمل إلى مقبرته المشهورة بالمقبرة الفرهادية في سنة ١٣٠٦ أقول : مقبرته في الباب الشرقي من أبواب صحن الكاظمين (ع) مدفون بجنب الباب المعروف باسمه في حجرة عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف.

ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة فقال : جام جم في الجغرافية لتمام الكرة الأرضية وتواريخها في ماية واربعين بابا. والقمقام الزخار فارسي في سيرة الإمام الحسين عليه‌السلام وشهادته وفرهنك جغرافياي ايران.

* * *

٦٠