أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

عليها غلمة من آل فهر

شمائلها أرقّ من الشمال

تمدّ إلى الطعان طوال أيد

إذا قصرت عن الطعن العوالي

تسابق للمنية كالعطاشى

قد استبقت إلى الورد الزلال

وما برحت تحيي البيض حتى

هوت مثلَ البدور على الرمال

تساقط عن متون الخيل صرعى

كما سقطت من السلك اللئالي

غدت أشلاؤهم قطعاً وأضحت

صدورهم جفيراً للنبال

وأصبح مفرداً فرد المعالي

يُثني عضبه جمع الضلال

عدا فأطار قلب الجيش رعباً

ثنى قلب اليمين على الشمال

يكاد الرمح يورق في يديه

لما في راحتيه من النوال

فما بأس ابن غيلٍ وهو طاوٍ

رأى شبليه في أيدي الرجال

بأشجع من حسين حين أضحى

بلا صحب يدير رحى القتال

سطا فاقتضّها بالرمح بكراً

والقحها عوانا عن حيال

ولما اشتاق للاخرى ووفى

بحدّ حسامه حق المعالي

هوى للترب ظامي القلب نهباً

لبيض القضب والأسل الطوال

وثاوٍ في هجير الشمس عارٍ

تظلله أنابيب العوالي

أبى إلا الإبا فقضى عزيزاً

كريم العهد محمود الفعال

قضى عطر الثياب يفوح منها

أريج العزّ لا أرج الغوالي

وأرخص في فداء الدين نفساً

يفدّيها القضاء بكل غالي

وما سلبت عداه منه إلا

رِداً أبلته غاشية النبال

وسيفاً فلّ مضربه قراع

الطلى ومحزّق الدرع المذال

لهيف القلب تُروى من دماه

ـ برغم الدين ـ صادية النصال

تفطر قلبه وعداه ظلماً

تحلئه عن الماء الحلال

صريعاً والعتاق الجرد تقفو

الرعال بجسمه إثر الرعال

٣٢١

وثاكلة تناديه بصوت

يزلزل شجوه شمّ الجبال

عزيز يا بن امّ عليّ تبقى

ثلاثاً في هجير الشمس صال

أخي انظر نساءك حاسرات

تستّر باليمين وبالشمال

سرت أسرى كما اشتهت الأعادي

حواسر فوق أقتاب الجمال

* * *

الشيخ حسن الحمود أديب موهوب يتحدر نسبه من اسرة عربية تنتمي إلى قبيلة ( طفيل ) ووالده العالم الجليل والفقيه الكبير الشيخ علي هاجر من الحلة إلى النجف وهو علي بن الحسين بن حمود توجه وهو في سنّ الكهولة وأكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد مضافاً الى تقاه وورعه وموضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته فكان يقيم الصلاة وتأتم به في الصحن العلوي الشريف مختلف الطبقات إلى أن توفي ٧ شوال ١٣٤٤ بعد مرض ألزمه الفراش أعواماً ولقد رزقه الله ولدين فاضلين هما الحسن والحسين أما الثاني وهو الأصغر فكان من المجتهدين العظام وممن يشار اليهم بالبنان وقد توفي قريباً وهو من المعمرين ، وأما الأول وهو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره ومولده كان حوالي سنة ١٣٠٥ في النجف ونشأ بها في كنف والده ، ومن أشهر أساتذته الذين اتصل بهم واستفاد منهم في العربية وآدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي والشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلي والسيد مهدي الغريفي البحراني ثم هو من خلال ذلك شديد الملازمة لحضور نادي العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي وقد كتب بخطه الجميل ديوان الشيخ محمد رضا الخزاعي وهناك مخطوطات أدبية كتبها بخطه ، توفاه الله يوم الثلاثاء ١١ ربيع الثاني سنة ١٣٣٧ الموافق ١ كانون الثاني ١٩١٩ ودفن في الصحن الحيدري أمام الإيوان الذهبي وجزع عليه أبوه جزعاً شديداً بان عليه أثره كما أسف عليه عارفوه وأقام له مجلس العزاء الفاضل الأديب السيد علي سليل العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي ورثاه بقصيدة مطلعها :

أو بعد ظعنك تستطاب الدار

فيقرّ فيها للنزيل قرار

٣٢٢

وظهرت شجاعته الأدبية يوم دعي إلى بغداد لأداء الامتحان في عهد الدولة العثمانية بدل من أن يساق لخدمة الدفاع المصطلح عليها ب‍ ( القرعة ) وكان رئيس اللجنة السيد شكري الألوسي وعندما استجوب بمسائل دينية وعربية نحوية وصرفية أكبره الرئيس الالوسي فمنحه ساعة ذهبية فارتجل المترجم له قصيدة أولها.

يا فكر دونك فانظمها لنا دررا

من المدائح تتلوها لنا سورا

ويا لساني فصّلها عيون ثنى

تزان فيه عيون الشعر والشعرا

ويا قريحة جودي في مديح فتى

تجاوز النيرين الشمس والقمرا

خلف آثاراً منها رسالة في علم الصرف وهي اليوم عند ولده الشيخ أحمد وديوان شعره الذي جمعه ولده المشار اليه يقارب ١٥٠٠ بيتاً وهو مرتب على حروف الهجاء ومن أشهر قصائد رائعته التي نظمها في الصديقة الطاهرة فاطمة بنت النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وملاؤها شجاء وأولها :

سل أربعا فطمت أكنافها السحب

عن ساكنيها متى عن افقها غربوا

وهي مشهورة محفوظة وقد ترجم له الكاتب المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة ترجمة ضافية وذكر طائفة من أشعاره ونوادره وغزلياته ومراسلاته أما قصائده الحسينية فاليك مطالعها :

١ ـ هنّ المنازل غيّرت آياتها

أيدي البلى وطوت حسان صفاتها

٦٩ بيتاً

٢ ـ لست ممن قضى بحبّ الملاح

لا ولا هائماً بذات الوشاح

٥٤ بيتاً

٣ ـ ما شجاني هوى الحسان الغيد

لا ولا همتُ في غزال زرود

٥٨ بيتاً

٤ ـ من هاشم العلياء جبّ سنامها

خطب أحلّ من الوجود نظامها

٤٢ بيتاً

٣٢٣

٥ ـ ألا دع عيوني لهتانها

وخلّ حشاي لنيرانها

٥٠ بيتاً

وله من قصيدة في الإمام الحسين (ع) :

خلت أربع اللذات واللهو والانس

ولم يبق منها غير أطلالها الدرسِ

وقفت بها والوجد ثقّف أضلعي

ومن حرقي كادت تفيض بها نفسي

اسائلها اين الذين عهدتهم

تضيئين فيهم كنت يا دار بالأمس

فلم تطق التعبير عمّا سألتها

لتخبرني آثار أطلالها الخرس

فأجريتُ دمعي في ثراها تذكراً

لأربع طه سيد الجنّ والانس

لقد أقفرت مذ غاب عنها ابن فاطم

وأضحت مزار الوحش خاوية الاسّ

سرى نحو أرجاء العراق تحوطه

أسودٌ لورد الموت أظما من الخمس

أفاعي قناهم تنفث الموت في العدا

إذا اعتقلوها وهي ليّنة اللمس

وبيض ضباهم يدهش الحتف ومضها

ويترك أسد الغاب خافتة الحسّ

تهادى كأمثال النشاوى إلى الردى

إذا غنّت البيض الرقاق على الترس

أباحوا جسوم القوم بيض سيوفهم

فلم تر غير الكف في الأرض والرأس

ولما دعاهم ربهم للقائه

هلموا أحبائي إلى حضرة القدس

هووا للثرى نهب الصفاح جسومهم

عراة على البوغاء تصهر بالشمس

تجول عليها العاديات نهارها

وتأتي عليها الوحش تنحب إذ تمسي

كرام تفانوا دون نصر ابن أحمد

وأقصى سخاء المرء أن يسخ بالنفس

وله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومصرعه قصيدة مطلعها :

عج بسفح اللوى وحيّ الربوعا

وأذل قلبك المعنّى دموعا

واخرى في الصديقة فاطمة الزهراء (ع) أولها :

لا رعى الله قيلة وعراها

سخط موسى وحلّ منها عراها

٣٢٤

وله من قصيدة في مدح السيد محمد القزويني وهذا غزلها :

أتى زائراً والليل شابت ذوائبه

يرنحه غصن الصبا ويلاعبه

تزرّ على البدر المنير جيوبه

وتضفو على الغصن النضير جلاببه

يقابل ليلاً صدره افق السما

فترسم فيه كالعقود كواكبه

على وجنتيه أنبت الحسن روضة

حمتها أفاعي فرعه وعقاربه

وفي فمه ماء الحياة الذي به

يعيش ـ إلى أن ينقضي الدهر ـ شاربه

( ولعت به غضّ الشبيبة ناشئاً )

جرى الماء في خديه واخضرّ شاربه

فغادرني ( قوساً ) مثقّف قدّه

وصيّرني رهن الكآبة ( حاجبه )

وقلت له زر. قال يفضحني السنا

فقلت له ذا ليل شعرك حاجبه

فقال ظلام الليل لم يخف طلعتي

فقلت له أردى الكرى مَن تراقبه

فجاء وقد مدّ الظلام رواقه

تمانعه أردافه وتجاذبه

فبتنا وأثواب العفاف تلفّنا

وسادته زندي وطوقي ذوائبه

ونروي أحاديث الصبابة بيننا

فيعذلني طوراً وطوراً اعاتبه

إلى أن أغار الصبح في نوره على

دجى الليل وانجابت برغمي غياهبه

فودعني والدمع يغلب نطقه

وقد غمر الأرض البسيطة ساربه

وفارقته لكن قلي من جوى

جرى أدمعاً من غرب عيني ذائبه

بديع جمال عن معانيه قاصر

بياني وقد ضاقت عليّ مذاهبه

غدائره سودٌ وحمر خدوده

وصفر تراقيه وبيض ترائبه

وخطّ يراع الحسن لاماً بخده

فسبحان باريه ويا عزّ كاتبه

رقيق أديم الوجه يجرح خده

إذا ما النسيم الغضّ هبّت جنائبه

إذا مرّ في وادي الأراك تغارُ من

محاسنه أغصانه ورباربه

٣٢٥

الحاج مصطفى ميرزا

المتوفى ١٣٣٨

يا راكب القود تجوب الفلا

وتقطع الأغوار والأنجدا

عرّج على الطف وعرّس بها

عني وقف في أرضها مكمدا

وانشد بها من كل ترب العلا

من هاشم مَن شئت أن تنشدا

فكم ثوت فيها بدور الدجى

وكم هوت فيها نجوم الهدى

وكم بها للمجد من صارم

عضبٍ على رغم العلى أغمدا

كل فتى يعطي الردى نفسه

ولم يكن يعطي لضيم يدا

يخوض ليل النقع يوم الوغى

تحسبه في جنحه فرقدا

يصدع قلب الجيش إما سطا

ويصدع الظلماء إما بدا

تلقاء مثل الليث يوم الوغى

بأساً ومثل الغيث يوم الندى

إن ركع الصارم في كفه

خرّت له هام العدى سجّدا

لم يعترض يوم الوغى جحفلاً

إلا وثنّى جمعه مفردا

سامهم الذل بها معشر

والموت أحلى لهم موردا

ومذ رأوا عيشهم ذلة

والموت بالعز غدا أرغدا

خاضوا لظى الهيجاء مشبوبة

واقتحموا بحر الردى مزبدا

وقبّلوا خدّ الظبا أحمراً

وعانقوا قدّ القنا أغيدا

وجرّدوا من عزمهم مرهفاً

أمضى من السيف إذا جرّدا

يفدون سبط المصطفى أنفساً

قلّ بأهل الأرض أن تفتدى

٣٢٦

عجبت من قوم دعوه إلى

جند عليه بذله جنّدا

وواعدوه النصر حتى إذا

وافى اليهم أخلفوا الموعدا

وأوقدوا النار على خيمة

وتّدها بالشهب مَن وتّدا

يا بأبي ظمآن مستسقياً

وما سقوه غير كأس الردى

ويا بروحي جسمه ما الذي

جرى عليه من خيول العدا

وذات خدر برزت بعده

في زفرات تصدع الأكبدا

وقومها منها بمرأىً فما

أقربهم منها وما أبعدا

فلتبك عين الدين من وقعة

أبكت دماً في وقعها الجلمدا

وقال من قصيدة في الامام الحسين (ع) :

وقائلة لي عزّ قلبك بعدهم

فقلت أصبت القول لو كان لي قلبُ

فقد أرخصت مني الدموع ولم أزل

اغالي بدمعي كلما استامه خطب

رزية قوم يمموا أرض كربلا

فعاد عبيراً منهم ذلك الترب

أكارم يروي الغيث والليث عنهم

إذا وهبوا ملأ الحقائب أوهبّوا

إذا نازلوا الأعداء أقفر ربعها

وإن نزلوا في بلدة عمّها الخصب

تخفّ بهم يوم اللقاء خيولهم

فتحسبها ريحاً على متنها الهضب

إذا انتدبوا يوم الكريهة أقبلوا

يسابق ندباً منهم ما جد ندب

يكلفهم أبناء هند مذلة

وتوصيهم بالعزّ هندية قضب

فيا لهفة الاسلام من آل هاشم

ووا حرباً للدين مما جنت حرب

فأضحى إمام المسلمين مجرداً

وحيداً فلا آل لديه ولا صحب

وظلّ وليل النقع داجٍ تحفه

نصول القنا كالبدر حفّت به الشهب

وقد ولي الهنديّ تفريق جمعهم

فصحّ ( لتقسيم ) الجسوم به الضرب

إلى أن قضى ظمآن والماء دونه

( مباح على الرواد منهله العذب )

بنفسي يا مولاي خدك عافر

وجسمك مطروح أضرّ به السلب

* * *

٣٢٧

الشيخ اغا مصطفى ابن الاغا حسن ابن الميرزا جواد ابن الميرزا أحمد التبريزي من اسرة مجتهد الشهيرة بتبريز ، ولد سنة ١٢٩٥ وتوفي فيها في أواسط شهر رمضان ١٣٣٧ وجاءت جنازته إلى النجف الاشرف سنة ١٣٣٨ درس بالنجف مدة حتى نال حظاً وافراً من العلم ورجع لمسقط رأسه.

كان كما يقول الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) أحد أفذاذ الامة وعباقرة العصر الحاظر. ولد بتبريز سنة ١٢٩٧ وتخرّج على الخراساني وشيخ الشريعة الأصبهاني وآية الله الطباطبائي اليزدي. له حاشية على الكفاية في الاصول لم تتم. رسالة في اللباس المشكوك ، أرجوزة في علمي العروض والقافية ، رسائل مختلفة في الفلكيات والرياضيات ، اما في الأدب فكان فارس ميدانه ، ولقد قال فيه الحجة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

تركت سيوف الهند دونك في الفتك

على العرب العربا وأنت من الترك

تبرّزت من تبريز رب فصاحة

بها مدنياً قد حسبناك أو مكي

فكم لك من نثر ونظم تزيّنت

بنفسهما المسكيّ كافورة المسك

سبكتَ مياه الحسن في حسن سبكها

فيها لأبيك الخير من حسن السبك

لو الملك الضليل يهدى لمثلها

لظلّ يفاديها وإن عزّ بالمسك

وتسليه عن ( ذكرى حبيب ومنزل )

ويضحك إعجاباً بها من ( قفا نبك )

إذا رحت تتلوها غداً وهو قائل

فديتك واللسن الأعاريب يا تركي

لباب معان يسحر اللب لفظها

فيحسبه نظم اللئالي بلا سلك

ولكن آي المصطفى آية العلى

أثارت فآثرت اليقين على الشك

فتى زاد أيام الصبا سمك رفعة

تقاصر شأو الشيب عن ذلك السمك

وتلقاه قبل الاختبار مهذباً

مخائله تغني اللبيب عن المسك

وللعلامة الشيخ محمد رضا الأصبهاني هذه الأبيات كتبها اليه :

علوت في الفضل السهى والسماك

فأنت بدر والمعالي سماك

لاغرو إن فقت الثريا علاً

فأنت في ذلك تقفو أباك

ومذ حللت القلب أكرمته

وكيف لا يكرم مثلي حماك

٣٢٨

وله من الشعر معارضاً قصيدة الشيخ محمد السماوي التي أولها :

وجهك في حسنه تفنن

أنبت حول الشقق سوسن

قال في أولها :

سبحان من صاغه وكوّن

في غصنٍ وردةً وسوسن

أحنّ من ثغره ومَن ذا

رأيته لليتيم ما حن

شطّر بالوجد بيت قلبي

وفيه كل الغرام ضمّن

الله كم من دقيق معنى

للحسن ذاك الوشاح بيّن

ضمّن قلبي الأسى وعهدي

بمتلف الحب لا يضمّن

لولا ثناياه ما حسبنا

أن صغار الجمان أثمن

وكانت بينه وبين الشيخ اغا رضا الأصبهاني والشيخ جواد الشبيبي مراسلات ومما أرسل اليهما قصيدة أولها :

شهدت ليس الشهد غير ريقها

ما ذاقها سواك يا سواكها

وغير أخلاق الرضا فهي التي

ما أدركت أو لو النهى إدراكها

المرتدي ببردة العلم التي

سدى التقى لحمتها وحاكها

تعوّدت أنمله البسط فلو

همّ ببخل لم يطق إمساكها

يابن الاولى قد وطأت أقدامهم

هام السما فشرّفوا أملاكها

وترجم له في ( الحصون المنيعة ) فقال : كان شاباً ظريفاً حسن الأخلاق طيب الاعراق ، جميل المعاشرة ، عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً ، وله شعر جيد السبك رائق اللفظ وله مطارحات ومراجعات مع شعراء عصره من شعراء النجف وغيرهم ، وكان من أصدقاء الشيخ اغا رضا الأصفهاني فكم دارت بينهما من مطارحات ومراسلات شعرية وأدبية. انتهى

٣٢٩

السيد عبد المطلب الحي

المتوفى ١٣٣٩

قم بنا ننشد العيس الطلاحا

عن بلاد الذلّ نأياً وانتزاحا

الى ان يتخلص لموقف الحسين وبطولته فيقول :

بأبي الثابت في الحرب على

قدم ما هزّها الخوف براحا

كلما خفّت بأطواد الحجا

زاد حلماً خفّ بالطود ارتجاحا

مسعر إن تخبو نيران الوغى

جرّد العزم وأوراها اقتداحا

لم يزل يرسي به الحلم على

جمرها صبراً وقد شبّت رماحا

كلما جدّت به الحرب رأى

جدّها في ملتقى الموت مزاحا

إن يخنه السيف والدرع لدى

ملتقى الخيل إتقاءً وكفاحا

لم يخنه الصبر والعزم إذا

صرّت الحرب إدّراعاً واتشاحا

رب شهباء رداح فلّها

حين لاقت منه شهباء رداحا

كلما ضاق به صدر الفضا

صدره زاد اتساعاً وانشراحا

فمشى قدماً لها في فتية

كأسود الغاب يغشون الكفاحا

يسيقون الجرد في الهيجا إذا

صائح الحي بهم في الروع صاحا

ويمدّون ولكن أيدياً

للعدى تسبق بالطعن الرماحا

أيدياً في حالة تنشي الردى

وبأخرى تمطر الجود سماحا

فهي طوراً بالندى تحيي الورى

وهي طوراً أجلٌ كان متاحا

بأبي أفدي وجوهاً منهم

صافحوا في كربلا فيها الصفاحا

٣٣٠

أوجهاً يشرقن بشراً كلما

كلح العام ويقطرن سماحا

تتجلى تحت ظلماء الوغى

كالمصابيح التماعاً والتماحا

أرخصوا دون ابن بنت المصطفى

أنفساً تاقت إلى الله رواحا

فقضوا صبراً ومن أعطافهم

أرج العز بثوب الدهر فاحا

لم تذق ماءً سوى منبعثٍ

من دم القلب به غصت جراحا

أنهلت من دمها لو أنه

كان من ظامي الحشا يطفي التياحا

أعريت فهي على أن ترتدي

بنسيج الترب تمتاح الرياحا

وتبقّوا أجدلاً من عزّه

لسوى الرحمن لم يخفض جناحا

يتلقى مرسل النبل بصد

رٍ وسع الخطب وقد سدّ البطاحا

فقضى لكن عزيزاً بعدما

حطم السمر كما فلّ الصفاحا

ثاوياً ما نقمت منه العدى

صرعة قد أفنت الشعر امتداحا

ونواعيها مدى الدهر شجى

يتجاوبن مساءً وصباحا

وآ صريعاً نهبت منه الضبا

مهجة ذابت من الوجد التياحا

يتلظى عطشاً فوق الثرى

والروى من حوله ساغ قراحا

هدموا في قتله ركن الهدى

واستطاحوا عمد الدين فطاحا

بكت البيض عليه شجوها

والمذاكي يتصاهلن نياحا

أيّ يوم ملأ الدنيا أسىً

طبّق الكون عجيجاً وصياحا

يوم أضحى حرم الله به

للمغاوير على الطف مباحا

أبرزت منه بنات المصطفى

حائرات يتقارضن المناحا

أيها المدلج في زيافة

تنشر الأكم كما تطوي البطاحا

فإذا جئت الغريين أرح

فلقد نلتَ بمسراك النجاحا

صل ضريح المرتضى عني وخذ

غرب عتب يملأ القلب جراحا

قل له يا أسد الله استمع

نفثةً ضاق بها الصدر فباحا

٣٣١

كم رضيع لك بالطفى قضى

عاطشاً يقبض بالراحة راحا

أرضعته حُلُم النبل دماً

من نجيع الدم لا الدرّ القراحا

ولكم ربة خدر ما رأى

شخصها الوهم ولا بالظن لاحا

أصبحت ربّة كور وبها

ترقل العيس غدواً ورواحا

سلبت أبرادها فالتحفت

بوقار صانها عن أن تباحا

واكتست برداً من الهيبة قد

ردّ عنها نظر العين التماحا

لو تراها يوم أضحت بالعرى

جزعاً تندب رحلاً مستباحا

حيث لا من هاشم ذو نخوة

دونها في كربلا يدمي السلاحا

* * *

السيد عبد المطلب الحسيني ، ابن السيد داود بن المهدي بن داود بن سليمان الكبير. علم من أعلام الأدب ، كريم الحسب والنسب ، فجدّه لأبيه السيد مهدي بن داود وقد مرت ترجمته وعمّه السيد حيدر بن سليمان الذائع الصيت ، تجد مسحة حيدرية على شعره اكتسبها منه ، يقول الشيخ اليعقوبي في ترجمته : كان فصيح البيان جري اللسان كثير الحفظ ذكي الخاطر خصب القريحة مرهف الحس ، كان يعرض شعره على عمّه في حياته ورثاه بعد وفاته بثلاث قصائد ، وقد أطراه الشيخ محمد الجواد الشبيبي ـ شيخ الأدب في العراق ـ واليك نص ما قاله :

وقد أغرب مذ أعرب سيد بطحائها ( عبد المطلب ) عن رثاء لو وعته الخنساء لأذهلها عن صخر. ولد المترجم في الحلة حوالي سنة ١٢٨٠ ونشأ فيها وكان جلّ تحصيله الادبي من عمه السيد حيدر وخاض المعارك السياسية وكان صوته يجلجل بشعره وخطبه داعياً لجمع الكلمة والوحدة الإسلامية وأثار حماسة العشائر الفراتية بنظمه باللغتين الفصحى والدارجة حتى احرقت داره بعد ما نهبت ، وهذه قصائد الوطنية المنشورة يومذاك في صحف بغداد تشهد بذلك.

٣٣٢

آثاره الادبية :

١ ـ جمع ديوان عمه السيد حيدر ووضع له مقدمة ضافية طبعت مع الديوان سنة ١٣١٣.

٢ ـ جمع ديوان جده السيد مهدي في جزئين كبيرين.

٣ ـ ديوانه الذي يجمع مجموعة أشعاره.

٤ ـ شرح ديوان المهيار الديلمي بثلاثة أجزاء ، وهو من أسمى شروح ديوان المهيار.

اليك نبذة من روائعه فهذه قصيدته التي أنشأها سنة ١٣٣١ في الحرب الايطالية :

أيها الغرب منك ماذا لقينا

كل يوم تثير حرباً طحونا

تظهر السلم للأنام وتخفي

تحت طيّ الضلوع داء دفينا

أجهلتم بأننا مذ خلقنا

عرب ليس ينزل الضيم فينا

ولنا نبعة من العزّ يأبى

عودها أن يلين للغامزينا

قد قفونا آباءنا للمعالي

واليها أبناؤنا تقتفينا

علّمونا ضرب الرقاب دراكا

وعلى الطعن في الكلى درّبونا

نحن قوم إذا الوغى ضرستنا

لم نبدّل بشدة البأس لينا

وإذا ما رحى الحروب استدارت

نحن كنا أقطابها الثابتينا

ما شربنا على القذا مذ وردنا

وسوى الصفو لم نكن واردينا

لاندي الوتر للعدا إن وترنا

وعلى الوتر لا نغضّ الجفونا

وإذا ما نسبتنا يوم روع

لوغىً فهي أمّنا وأبونا

شمل الجور شعبنا فائتلفنا

لدفاع العدو متحدينا

قل لايطاليا التي جهلتنا

بثبات الاقدام هل عرفونا

كيف ترجو كلاب ( رومة ) منا

أن ترانا لحكمها خاضعينا

دون أن تفلق الجماجم والهام

بضرب يأتي على الدارعينا

٣٣٣

نبحونا مهوّلين فلما

ان زأرنا عاد النباح أنينا

حيث لم تجدها المناطيد نفعاً

كلما حلّقوا بها معتدينا

سائلوها بنا غداة التقينا

والمنايا يخطرن فيهم وفينا

كيف رعناهم الغداة بضرب

جعل الشك في المنايا يقينا

زاحفونا بجيشهم فزحفنا

وقلبنا على الشمال اليمينا

كشلما صلّت القواضب خروا

للضبا لا لربهم ساجدينا

ملأوا البرّ بالجيوش كما قد

شحنوا مثلها البحور سفينا

كلما صاحت المدافع ثُبنا

بصليل الضبا لها مسكتينا

ونقضنا صفوفهم بطعان

لم يدع للطليان صفاً مكينا

أنكرونا أنا بنو تلكم الأسد

فلما ثرنا لها عرفونا

سل ( طرابلسا ) التي نزلوها

كيف ذاقوا بها العذاب المهينا

كلما بالفرار جدّوا ترانا

بالضبا في رؤوسهم لاعبينا

يا رسولي للمسلمين تحمّل

صرخة تملأ الوجود رنينا

وتعمّد بطحاء مكة واهتف

ببني فاطم ركينا ركينا

وعلى الحي من نزار وقحطان

فعج وامزج الهتاف حنينا

الحراك الحراك يا فئة الله

إلى الحرب لا السكون السكونا

أبلغا عني الخليفة قولاً

غثّه في المقال كان سمينا

أبجدٍّ بالصلح نرضى فنمسي

نقرع السن بعده نادمينا

كيف ترضى على ( الهلال ) نراهم

وهُم في صليبهم باذخونا

فارفض الصلح يابن مَن دوخوها

بشبا المرهفات روماً و ( صينا )

يا بن ودي عرّج بإيران فينا

إنها اليوم نهزة الطمعينا

قف لنبكي استقلالها بعيون

ننزف الدمع في الخدود سخينا

وعلى مشهد الرضا عج ففيه

فَعلَ الروس ما أشاب الجنينا

تركوا المسلمين فيه حصيداً

واستباحوا منه الرواق المصونا

لا تحدّث بما جرى فيه إعلا

ناً فإن الحديث كان شجونا

٣٣٤

وشعره بهذا المستوى العالي سواءاً نظم في السياسة أو في الغزل أو المدح والرثاء ، ودّع الحياة بضواحي الحلة يوم ١٣ ربيع الأول سنة ١٣٣٩ وعمره قد قارب الستين ونيران الثورة العراقية لم تخبو بعد في الفرات الأوسط. وحمل نعشه إلى النجف ودفن بوادي السلام ، كتب عنه السيد محمد علي كمال الدين في كتابه ( الثورة العراقية الكبرى ) وذكر قصيدة عبد الكريم العلاف في رثائه وهنا نورد رائعة اخرى من روائعه في رثاء جده الإمام الحسين (ع) :

أيقظته نخوة العزّ فثارا

يملأ الكون طعاناً ومغارا

مستميتاً للوغى يمشي على

قدم لم تشك في الحرب عثارا

يسبق الطعنة بالموت الى

أنفس الأبطال في الروع ابتدارا

ساهراً يرعى ثنايا غزّه

بعيون تحتسي النوم غرارا

مفرداً يحمي ذمار المصطفى

وأبيّ الضيم من يحمي الذمارا

منتضٍ عزماً إذا السيف نبا

كان أمضى من شبا السيف عرار

ثابت إن هزت الأرض به

قال قِريّ تحت نعليّ قرارا

طمعت أبناء حرب أن ترى

فيه للضيم انعطافاً وانكسارا

حاولت تصطاد منه أجدلاً

نفض الذل على الوكر وطارا

ورجت للخسف أن تجذبه

أرقماً قد ألف العزّ وِجارا

كيف يعطي بيد الهون إلى

طاعة الرجس عن الموت حذارا

فأبى إلا التي إن ذكرت

هزّت الكون اندهاشاً وانذعارا

تخلق الأيام في جدّتها

وهي تزداد علاءً وفخارا

فأتى من بأسه في جحفل

زحفه سدّ على الباغي القفارا

وليوث من بني عمرو العلى

لبسوا الصبرَ لدى الطعن دثارا

كل مطعام إذا سيل القرى

يوم محل نَحرَ الكوم العشارا

وطليق الوجه يندى مشرقاً

كلما وجه السما جفّ اغبرارا

هو ترب الغيث إن عامٌ جفا

وأخو الليث إذا ما النقع ثارا

أشعروا ضرباً بهيجاء غدا

لهم في ضنكها الموت شعارا

٣٣٥

غامروا في العز حتى عبروا

للعلى من لجج الموت غمارا

وعلى الأحساب غاروا فقضوا

بالضبا صبراً لدى الهيجا غيارى

فقضوا حق المعالي ومضوا

طاهري الأعراض لم يدنسن عارا

قصرت أعمارهم حين غدا

لهم القتل على العزّ قصارا

عقدوا الاخرى عليهم ولها

فارقوا الدنيا طلاقاً وظهارا

جعلوا أنفسهم مهراً لها

والرؤوس الغالبيات نثارا

والمصابيح التي تجلى بها

صيروهنّ رماحاً وشفارا

يا له عقداً جرى في كربلا

بجزيل الأجر لم يعقب خسارا

أقدموا في حيث آساد الشرى

نكصت عن موكب الضرب فرارا

وتدانوا والقنا مُشرعة

يتلمظنّ إلى الطعن انتظارا

بذلوها أنفساً غالية

كبرت بالعز أن ترضى الصغارا

أنفساً قد كضّها حرّ الظما

فاسالوها عن الطعن حرارا

تاجروا لله بها في ساعة

لم تدع فيه لذي بيع خيارا

أيها المرقل فيها جسرة

كهبوب الريح تجتاب القفارا

صل إلى طيبة وأعقلها لدى

أمنع الخلق حريماً وجوارا

وأنخها عنده موقرةً

بالشجا قد خلعت عنها الوقارا

وله لا تعلن الشكوى وإن

كبر الفادح أن يغدو سرارا

حذراً من شامت يسمعها

كان بالرغم لخير الرسل جارا

فلقد أضرم قدماً فتنة

كربلا منها غدت تصلى شرارا

قل له عن ذي حشاً قد نفذت

أدمعاً سال بها الوجد انهمارا

يا رسول الله ما أفضعها

نكبةً لم تبق للشهم اعتذارا

كم لكم حرّ دم في كربلا

ذهبت فيه المباتير جُبارا

يوم ثار الله في الأرض به

آلُ حربٍ أدركت بالطف ثارا

والذي أعقب كسراً في الهدى

ليس يلقى أبد الدهر انجبارا

حرم التنزيل والنور الذي

بسناه غاسق الشرك استنارا

٣٣٦

وصفاياك اللواتي دونها

ضرب الله من الحجب ستارا

أبرزت حاسرةً لكن على

حالةٍ لم تبق للجلد اصطبارا

لا خمارٌ يستر الوجهَ وهل

لكريمات الهدى أبقوا خمارا

لا ومن ألبسها من نوره

أُزراً مذ سلبوا عنها الأزارا

لم تدع أيدي بني حرب لها

من حجاب فيه عنهم تتوارى

لو تراها يوم فرّت وعلى

خدرها في خيله الرجس أغارا

يتسابقن إلى الحامي وهل

يملك الثاوي على الترب انتصارا

تربط الأيدي من الرعب على

مهجٍ طارت من الرعب انذعارا

تتوارى بثرى الرمضا أسىً

لقتيل بالعرا ليس يوارى

وهو ملقى بثرى هاجرة

يصطلى من وهج الرمضا أوارا

كلما صعّدت الوجدَ أبى

دمعها من لوعةٍ إلا انحدارا

لم تجد من كافل إلا فتى

مضّه السقم وأطفالا صغارا

بالظما أعينها غارت وما

ذاقت الماء فليت الماء غارا

تحرق البوغاء منهم أرجلاً

أنعلتها أرؤوس النجم فخارا

أفزعتها هجمة الخيل فرا

حت تتعادى بثرى الرمضا فرارا

كل مذعور كبا رعباً على

حرّ وجهٍ كسنا البدر أنارا

كلما كضّ الظما أحشاءها

ألصقت بالترب أكباداً حراراً

كلما يلذعها حرّ الثرى

راوحت فيها يميناً ويسارا

يا لها فاقرة قد قصمت

من نبيّ الله ظهراً وفقارا

بكر خطبٍ كل آنٍ ذكرها

للورى يبتكر الحزن ابتكارا

وله مرثية من غرر الشعر جاء في أولها :

لتبق الضبا مغمودة آل هاشم

فما هي بعد الطف منها لقائم

وتلقي القنا منزوعة النصل عن يد

ستقرع منها حسرة سنّ نادم

ومجموعها ٧٧ بيتاً.

٣٣٧

السيد ميرزا آل سليمان

المتوفى ١٣٣٩

حتى مَ هاشم لا يرف لواها

فالسيل قدبلغ الزبى وعلاها

والخيل من طوال الوقوف قد اشتكت

فبأي يوم هاشم ترقاها

سل اسرة الهيجاء من عمرو العلى

مَن يوقد الحرب العوان سواها

ما نومها عن كربلا وعميدها

نهبته بيض امية وقناها

في يوم حرب فيه حرب ألّبت

أو غادها واستنهضت حلفاها

واستنفرت جيش الضلال وقصدها

يوم النفير تذكرت آباها

وسرت به للطف حتى قابلت

فيه الحسين وضاق فيه فضاها

وعلى الشريعة خيّمت بجموعها

كي لا تذيق بني النبي رواها

ظنت بعدة جيشها وعديدها

والماء في يدها بلوغ مناها

يلوي الحسين على الدنية جيده

لطليقها خوف الردى ولقاها

فأبى أبيّ الضيم أن يعطي يداً

للذل أو يهوي صريع ثراها

وسطا بعزم ما السيوف كحدّه

يوم اللقا هو في الطلى أمضاها

وترى الكماة تساقطت من سيفه

فوق البسيطةقبل أن يغشاها

وأمات شمس نهارها بقتامها

وبسيفه ليل القتام ضحاها

وثنى الخيول على الرجال ولفّها

ورجالها فوق الخيول رماها

يسطو ونيران الظما في قلبه

ما بين جنبيه تشبّ لظاها

حتى دعاه الله أن يغدو له

ويجيب داعيه لأمر قضاها

فهوى على وجه الثرى لرماحها

وسهامها نهباً وطعم ظباها

ومضى الجواد إلى المخيم ناعياً

لبنات فاطم كهفها وحماها

٣٣٨

فبكت بنات المصطفى مذ جاءها

وبكت ملائكة السما لبكاها

وفررن للسجاد من خوف العدى

تشكو فصدّعت الصفا شكواها

( دع عنك نهباً صيح في أبياتها )

والنارلما أضرمت بخباها

لكن لزينب والنساء تلهفي

من خدرها من ذا الذي أبداها

أُبرزن من حجب النبوة حاسراً

( وتناهبت أيدي العدو رداها )

لهفي لربة خدرها مذعورة

أنى تفرّ إذ العدى تلقاها

إن تبكي أطفال لها أو تشتكي

بالسوط زجر في المتون علاها

مَن مخبر عني بني عمرو العلى

أين الشهامة يا ليوث وغاها

نهضاً فآل الوحي بين عداكم

لا كافل من قومها يرعاها

تحدو حداة اليعملات بثقلكم

للشامتين بها وهم طلقاها

وإلى أبن هند للشئام سروا بها

أفهل علمتم كيف كان سراها

ويزيد يهتف تارة في أهله

ويسب اخرى قومها وأباها

* * *

السيد مرزه ابن السيد عباس مشهور بشرف النسب والحسب ، ولد حوالي سنة ١٢٦٥ بالحلة وتدرج على الكمال والأدب ، واسرة آل سليمان الكبير يتوارثون الشعر والنبوغ. كان ابوه العباس من وجوه هذه الاسرة وأعيان ساداتها ، وأبو السيد عباس هو السيد علاوي ـ جدّ المترجم له ـ زعيم مطاع في الحلة وأطرافها ، ترأس فيها بعد عمه وأبيه السيدين : علي والحسين ولدي السيد سليمان الكبير. وله مكانة سامية عند حكام الحلة وولاة بغداد وخاصة في عهد الوزير داود باشا ، وشاعرنا الذي نتحدث عنه نبعة من تلك الدوحة فهو أبو مضر مثال الاباء والسيادة حيث أنه من تلك القادة ، محترم الجانب له مكانة عالية في الأوساط ، يسحرك بحديثه ويعجبك بطلعته وهندامه ، شديد المحافظة على تقاليده ومعتقداته ، ساهم مساهمة كبرى في الثورة العراقية وجاهد الانكليز بيده ولسانه ، في طليعة الثوار المحاربين ، وعندما تدرس الثورة العراقية تعرف الموقف البطولي للسيد ميرزا حتى احرقت داره ونهب

٣٣٩

ما فيها وهو يواصل الهتاف بخطابه وبشعره باللغتين الفصحى والدارجة فقد كان فيهما وفي الخطابة المنبرية له القدح المعلّى ، يقول الشيخ اليعقوبي : وله باللغة العامية مطولات في أهل البيت بأوزان شتى من البحور الدارحة التي لا يكاد يجاريه فيها احد من معاصريه فقد كان يجيد فيها إجادة ابن عمه السيد حيدر الحلي في الفصحى. مدحه الحاج عبد المجيد المشهور بالعطار بأبيات يهنيه فيها بولادة ولده الأصغر محمد سنة ١٣٢٩ ويؤرخ ذلك العام ، قال :

أبا مضر لا يلحق اللوم من دعا

أبا مضر عند الحفيظة والندا

لأنت وإن طالت قصار معاصم

لأطولها باعاً وأبسطها يدا

وأمنعها جاراً وأبذلها ندى

واقربها رحماً وأبعدها مدى

من الآل آل المصطفى خير معشر

جلت ظلمات الغي بالبأس والهدى

تهنّ به شبلاً نمته ضراغم

تخرّ له الاساد في الحرب سجدا

وفرحاً أصاب المجد أيمن طائر

بميلاده مذ جاور النسر مصعدا

سلالة فخر الكائنات محمد

وأكرم مَن في الكون يدعى محمدا

فما جهلت أعوامه حين أَرخوا

وليلة ميلاد الرسول تولدا

تغيب المترجم له عن وطنه وكان أكثر سكناه في ( الحصين ) قرب الحلة ولما عاد وذلك سنة ١٣٣٩ علم بوفاة ابني عمّيه : السيد عبد المطلب الحلي الحسيني والسيد حسين ابن السيد حيدر جزع لفقدهما فاختار الله له اللحاق بهما فودّع الحياة وعمره ٧٤ سنة على التقريب. وتأتي في جزء آتٍ من هذه الموسوعة ترجمة ولده السيد مضر ، وكل آتٍ قريب.

٣٤٠