أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

لي بين تلك الضعون أغيد

مهفهف القدّ ناعم الخد

غصن نقاً فوق دعص رمل

على رهيف يكاد ينقد

وله في اهل البيت عليهم‌السلام وما نالهم من حيف :

أبا صالح كلّت الألسنُ

وقد شخصت نحوك الأعين

نعجّ اليك وأنت العليم

فيما نُسرّ وما نُعلن

أتغضي وقد عزّ أنف الضلال

وأنف الرشاد له مذعن

ويملك أمر الهدى كافر

فيغدو وفي حكمه المؤمن

وأهل التقى لم تجد مأمناً

وأهل الشقا ضمها المأمن

فهذي البقية من معشر

قديماً لكم بغيهم أكمنوا

هم القوم قد غصبوا فيئكم

وغيركم منه قد أمكنوا

أزاحوكم عن مقام به

برغم الهدى شرهم اسكنوا

أفي الله يظعن عنه الوصي

وشرّ دعيٍّ به يقطن

تداعوا لنقض عهود الألى

أسروا النفاق ولم يؤمنوا

فأين إلى أين نصّ الغدير

ألم يغنهم ذلك الموطن

فيا بئسما خلفوا أحمداً

بعترته وهو المحسن

لقد كتموه شقاق النفوس

فلما قضى نحبه أعلنوا

كأن لم يكونوا أجابوا دعاه

ولم يرعوا الحق إذ يذعنوا

وأعظم خطب يطيش الحلوم

وكل شجى دونه هيّن

وقوف ابنة المصطفى بينهم

وفي القلب نار الأسى تكمن

وقد أنكروا ما ادعت غاصبين

وكل بما تدعي موقن

وتقضي فداها نفوس الورى

وتدفن في الليل إذ تدفن (١)

__________________

١ ـ سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ج ٣ / ١٧٣.

٣٠١

الشيخ علي شرارة

المتوفى ١٣٣٥

قال يرثي علي الاكبر ابن الحسين وقد استشهد مع أبيه بكربلاء

إذا ما صفاك الدهر عيشاً مروّـ قا

أصابك سهم الدهر سهماً مفوّقا

فلا تأمن الدهر الخؤون صروفه

حذاراً وان يصفو لك الدهر رونقا

وجار على سبط النبي بنكبة

فأردى له ذاك الشباب المؤنقا

على الدين والدنيا العفا بعد سيدٍ

شبيه رسول الله خَلقا ومنطقا

وخُلقاً كأن الله أودع حسنه

اليه انتهى وصلا وفيه تعرّقا

حوى نعته والمكرمات بأسرها

فحاز فخاراً والمكارم والتقى

تخطى ذرى العلياء مذ طال في الخطى

فحاز سما العلياء سمتاً ومرتقى

ومن دوحة منها النبوة أورقت

فطاها لها أصل وذامنه أورقا

فمن ذا يدانيه إذا انتسب الورى

له المجد ذلاً لاوي الجيد مطرقا

ولم أنس شبل السبط حين أجالها

فقرّب آجالاً وفرّق فيلقا

يصول عليهم مثلما صال حيدر

فكم لهم بالسيف قد شجّ مفرقا

كأن قضاء الله يجري بكفه

ومن سيفه يجري النجيع تدفقا

ولما دعاه الله لبّاه مسرعاً

فسارع فيما قد دعاه تشوقا

فخرّ على وجه الصعيد كأنه

هلال أضاء الافق غرباً ومشرقا

فنادى أباه رافع الصوت معلناً

أرى جدّي الطهرَ الرسولَ المصدّقا

٣٠٢

سقاني بكأس لست أظمأ بعدها

سقاني زلالاً كوثرياً معبّقا

فجاء اليه السبط وهو برجوة

يرى إبنه ذاك الشباب المؤنقا

رآه ضريباً للسيوف ورأسه

كرأس عليٍّ شقّه السيف مفرقا

فخرّ عليه مثلما انقضّ أجدلٌ

وأجرى عليه دمعه مترقرقا

فقال على الدنيا العفا بتلهف

لمن بعدك اخترتُ الرحيلَ على البقا

أرى الدهر أضحى بعدك اليوم مظلما

وقد كان دهري فيك أزهر مشرقا

فأبعدت عن عيني الكرى وتركتني

فريداً وجفن العين مني مؤرقا

وأودعتني ناراً تؤجج في الحشا

لها شعلٌ بين الشغاف تعلّقا

مضيت إلى الفردوس حُزتَ نعيمها

وملكاً رقيت اليوم أعظمُ مرتقى

الشيخ علي شرارة ابن الشيخ حسن كان عالماً فاضلاً ملمّاً بكثير من العلوم ، ومن اسرة علمية دينية أصلها من جنوب لبنان ـ بنت جبيل ـ ولهم هناك أثر كبير على توجيه الناس نحو الخير ، والمترجم له أحد أعلام هذه الاسرة وصفة أحد المعاصرين فقال : أدركت أواخر أيامه وهو شيخ كبير معتدل القامة ، يقيم في إحدى حجرات الصحن العلوي الشريف وفي الزاوية الشرقية من جهة باب القبلة ويجتمع عنده العلماء والادباء كالسيد الحبوبي والشيخ محمد جواد الشبيبي وأمثالهما وكانت حجرته ندوة العلم والأدب وهو من الشعراء المكثرين طرق أبواب الشعر ونظم في الأئمة عليهم‌السلام ورثى أعلام عصره. قال الشيخ الطهراني في نقباء البشر : رأيت بخطه شرحاَ على اللمعة. وترجم له صاحب ( ماضي النجف وحاضرها ) وذكر جملة من شعره وقال : توفي حدود سنة ١٣٣٠ في النجف وترجم له المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر مرثيته المرحوم المجدد الميرزا حسن الشيرازي واخرى في مراسلاته مع السيد المجدد وجملة من رثائه لأهل البيت عليهم‌السلام.

٣٠٣

الحاج محمد حسن كبّة

المتوفى ١٣٣٦

عجباً وتلك من العجائب

والدهر شيمته الغرائب

ويل الزمان وقلّما

يصفو الزمان من الشوائب

ما أنت إلا آبقٌ

يا ذا الزمان فمن أُعاتب

فلكم وكم من غدرة

أوليتها الشمّ الأطائب

أفهل تراتك عند حا

مية الذمار بها تطالب

إن الشهيد غداة يوم

الطف أنسانا المصائب

لم أنس ساعة أفردوه

يصول كالليث المحارب

قرم رأى مرّ المنون

لدى الوغى حلو المشارب

فبرى الرؤوس بسيفه

بريَ اليراع لخطّ كاتب

فالأرض من وثباته

مادت بهم من كل جانب

حيث التلاع البيض

من فيض الدما حمرٌ خواضب

فردٌ يروع الجمع ليس له

سوى الصمصام صاحب

منها :

مَن للرعيل إذا تزاحمت

الكتائب بالكتائب

مَن ذا يردّ إلى الحمى

تلك المصونات الغرائب

من يطلق العاني الأسير

مكبلاً فوق النجائب

أين الغطارفة الجحاجح

والخضارمة الهواضب

٣٠٤

أين الالى بوجوهها

وسيوفها انجلت الغياهب

أم أين لا أين السراة

المنتمون علاً لغالب

منها :

سرت الركائب حيث لا

تدري بمن سرت الركائب

تسري بهنّ اليعملات

حواسراً والصون حاجب

وغرائب بين العدى

بشجونهن بدت غرائب

هتفت بخير قبيلة

من تحت أخمصها الكواكب

قوموا عجالا فالحسين

ورهطه صرعى ضرائب

قطعوا له كفاً على

العافين تمطر بالرغائب

منعوه من ماء الفرات

وقد أُبيح لكل شارب

لا أضحك الله الزمان

ووجه دين الله قاطب

* * *

الحاج محمد حسن بن الحاج محمد صالح كبة البغدادي. ولد في شهر رمضان سنة ١٢٦٩ في الكاظمية هو ابن القصر والثروة والنعمة فأصبح ابن العلم والشعر والأدب والثقافة. كان مثالاً للبر والاحسان والعطف والحنان وهو تلميذ الميرزا حسن الشيرازي (١) ثم الميرزا محمد تقي الشيرازي ، له أكثر من عشرة آلاف بيت شعر وقد نشر أكثره في ( العقد المفصل ) تأليف السيد حيدر الحلي وفي ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي وفي ديوان السيد حيدر الحي.

__________________

١ ـ السيد ميرزا حسن الشيرازي مرجع الطائفة الامامية في عصره ، أذعنت له الملوك هيبة وإجلالا ، مولده ١٢٣٠ ه‍ بشيراز وهاجر إلى النجف عام ١٢٥٩ ه‍ ودرس على الشيخ مرتضى الأنصاري فكان اللامع من تلامذته على كثرتهم وعند وفاة الشيخ رشح للرياسة. وانتقل إلى سامراء حيث اتخذها مقراً فازدهت به ازدهاء لم يسبق لها أن شاهدت مثله. وانتقل إلى جوار ربه سنة ١٣١٢ وكان يومه يوماً مشهوداً ارتجت له أرجاء العالم الاسلامي وحمل نعشه على الأكتاف من سامراء إلى النجف يتسلّمه فريق بعد آخر من عشائر العراق وبلدانه ودفن بجوار مشهد الامام أمير المؤمنين في مدرسته الواقعة في الجهة الشمالية وقبره لا يزال يزار.

٣٠٥

توفي سنة ١٣٣٦ ، كان مجلس آل كبة ندوة العلم والأدب وملتقى الأشراف وأرباب الفكر مضافاً إلى أنه مجتمع التجار فكان الحاج مصطفى ممن تدور عليه رحى التجارة في بغداد ورئاسة الجاه والمال وهو أخو المترجم له.

كتب رسالة للسيد ميرزا جعفر القزويني جمع فيها بين المنظوم والمنثور ، يتشوق بها اليه ويتقاضاه وعداً سبق منه في زيارته لبغداد ، واليك قسم المنظوم منها :

لوعة الوجد أحرقت أحشائي

وفؤادي في الحلة الفيحاء

خامرتني الأشواق في مجلس الذ

كر فكان السهاد من ندمائي

أنا لم يصفُ لي الهنا بهواء

مذ تناءيتم ولا عذب ماء

ومحال صفاء دجلة مالم

يجرِ ماء الفرات في الزوراء

فعليك السلام ما سجع الورق

سحيراً في بانة الجرعاء

من مشوق إلى علا علوىٍّ

جاز هام السماك والجوزاء

وفي نفس تلك الرسالة قوله :

فسل دراري الافق عن محاجري

هل غير بُعد نورها أرقها

وسل مغاني الكرخ عن مدامعي

هل غير قاني مزنها أغرقها

تلك مغاني لم تزل مزهرة

لو لم يكن حرّ الجوى أحرقها

وسل حمامات تئن لوعةً

في الدوح بالهديل من أنطقها

ومن غداة راعني يوم النوى

بذائب من الحشا طوّقها

فأجابه السيد علي روي مقطوعتيه وقافيتيهما ضمن رسالة تركنا نشر المنثور منها ، جاء في الاولى قوله :

أرجٌ من معاهد الزوراء

نشره فاح في حمى الفيحاء

أم عروس زفّت من الكرخ تمشي

لي على الدل لا على استحياء

٣٠٦

ونجوم من الرصافة أُلبسن

حمى بابل برود ضياء

أم سطور بها حباني حبيب

هو من مهجتي قريب نائي

أسكرتني ألفاظها ومعا

نيها فقل في الكؤوس والصهباء

وسبتني صدورها وقوا

فيها فقل في المشوق والحسناء

هيجت لي شوقاً بها كان قدماً

كامناً في ضمائر الأحشاء

لفتىً ينتمي إذا انتسب النا

س فخاراً لأكرم الآباء

وفي الثانية :

فكم أهاجت في الأسى لي مهجة

إلى حمى الزوراء ما أشوقها

وكم أذالت في الهوى لي مقلة

إلى مغاني الكرخ ما أرمقها

وكم روت لي عنك في أسنادها

مودّةً في الدهر ما اصدقها

وكم دعت بالفضل من ذي لهجة

عليك بالثناء ما أنطقها

استوطنت هذه الاسرة مدينة بغداد منذ العهد العباسي ، وتنسب اسرتهم إلى قبيلة ( ربيعة ) قال الشيخ حمادي نوح فيهم :

مسحت ربيعة في خصال زعيمها

في الافق ناصية السماك الأعزل

ويقول الشيخ يعقوب من قصيدة فيهم :

من القوم قد نالت ربيعة فيهم

علا نحوها طرف الكواكب يطمح

ولهم يد بيضاء في تشجيع الحركة العلمية والأدبية ، وكانت مواسم أفراحها وأتراحهم مضامير تتبارى بها شعراء العراق ، ومن مشاهيرهم في القرن الثالث عشر الحاج مصطفى الكبير المتوفى سنة ١٢٣٢ ه‍ واشتهر بعده ولده الحاج محمد صالح المولود سنة ١٢٠١ ه‍ وكان على جانب عظيم من الورع والنسك ، له حظ وافر من العلوم العربية وقسط من علوم الدين غير أن مزاولته للتجارة صرفه عن مواصلة الدراسة ، وكان محباً للعلم والأدب والعلماء والشعراء لهم

٣٠٧

عليه عِدات يتقاضونها شهرياً وسنوياً ، ومن أعماله الخالدة الحصون والمعاقل والملاجئ التي بناها للزائرين وقوافل المسافرين بين بغداد وكربلاء ، وبين كربلاء والنجف ، وبين بغداد والحلة ، وبين بغداد وسامراء ، وكانت وفاته سنة ١٢٨٧ ه‍ وحمل باحتفال عظيم إلى النجف ودفن مع ابيه المصطفى في مقبرة لهم قرب باب الطوسي ، وهذه دواوين معاصري آل كبة تطفح بمديحهم والثناء عليهم ، كديوان السيد حيدر والشيخ صالح الكواز والشيخ حمادي نوح والسيد مهدي السيد داود والملا محمد القيم والشيخ عباس الملا علي النجفي وأمثالهم ، فهذا الشيخ صالح الكواز يهنيء الحاج محمد صالح كبة بقدوم ولديه : الحاج محمد رضا والحاج مصطفى من الحج سنة ١٢٨٦ بقوله من قصيدة :

طربت فعمّ الكرام الطرب

وضوء ذكاء يمدّ الشهب

كأن سرورك في العالمين

يجاري نوالك أنّى ذهب

إلى قول قائلهم صادقاً

كأنا رياض ومنك السحب

فمن كان ذا شأنه في الزمان

كان حقيقاً على أن يحب

ومَن شاطر الناس أمواله

فقد شاطرته الرضا والغضب

ليهنِ ابا المصطفى والرضا

رضا الله والمصطفين النجب

وقد شكر الله سعييهما

وأعطاهما منه نيل الارب

وقد ألّف السيد حيدر الحلي كتاباً جمع فيه ما قيل في هذه الاسرة لحدّ سنة ١٢٧٥ ه‍ وسماه ( دمية القصر ) وهذا الشيخ حمادي نوح يقول من قصيدة وهي في ختان العلامة الحاج محمد حسن كبة :

فتورة اللحظ تتلو آية الوسن

إن الظبا أنحلتها سورة الفتن

وقرطك انتثرت دلاً سلاسله

أم اتخذت الثريا حلية الاذن

يبين فيه صفاء الخد منطبعاً

ومن سنا الخد إن عاينته يبن

٣٠٨

بالصالح العمل ابيضّ الدجى ورعاً

وفيه أشرقت الأيام بالمنن

وفيه أشرقت الدار التي لبست

صنيع أخلاقه لا صنعة اليمن

أبا الرضا ونفيس الذكر ينحته

من الحشا لك حباً جهد مفتتن

واحرّ قلباه كم أحني على كمدٍ

هذي الضلوع وأطويها على شجن

يدي من المال صفر لم تنل إرباً

وهذه فضلاء العصر تحسدني

ومن شعر السيد حيدر يخاطب المترجم له الحاج محمد حسن كبة :

ودار علاً لم يكن غيرها

لدائرة الفخر من مركز

بها قد تضمّن صدر النديّ

فتى ليديه الندى يعتزي

صليب الصفاة صليب القناة

عود معاليه لم يُغمز

أرى المدح يقصر عن شأوه

فاطنب إذا شئت أو أوجز

فلست تحيط بوصف امرء

نشا هو والمجد في حيّز

ربيب المكارم ترب السماح

قرى المعتفي ثروة المعوز

تراه خبيراً بلحن المقال

بصيراً بتعمية المُلغز

نسجن المكارم أبراده

وقلنا لأيدي الثنا : طرزي

وقال يخاطبه في اخرى ، مطلعها :

قل لأم العلى ولدت كريما

رقّ خُلقا وراقَ خلقا وسيما

بدر مجد مدحته فكأني

من مساعيه قد نظمت النجوما

وقال فيه :

كم مقامات نُهى حررها

ليس فيها للحريريّ مقامه

وأنيقات بهى لو شاهها

جوهريّ الشعر ما سام نظامه

٣٠٩

وقال في مدحه :

باتت تعاطيني حُمياها

بيضاء كالبدر محياها

جاءت من الفردوس تهدي لنا

نفحة كافور بمسراها

لو لم تكن من حورها لم يكن

رحيقها بين ثناياها

بتّ كما شئت بها ناعما

معانقاً مرتشفاَ فاها

في روضة تَروي صباها الشذا

عن ( حسن ) لا عن خزاماها

من لم يدع الفخر من غاية

إلا وقد أحرز أقصاها

تنميه من حيّ العلا اسرة

أحلى من الشهد سجاياها

هم أنجم الأرض بأنوارهم

أضاء أقصاها وأدناها

وخمس قصيدة الحاج محمد حسن التي اولها :

ناديتُ مَن سلب الكرى عن ناظري

وتجلدي بقطيعة وفراق

من أخجل الغزلان في لفتاته

والشمس من خدّيه بالاشراق

وللسيد حيدر في المترجم له مدائح على عدد حروف الهجاء ٢٨ قصيدة عدا ما قاله في أفراد آل كبة من القصائد المطولة فانه لصلته الوثيقة بهم وبالحاج محمد حسن خاصة فقدم قدّم له من شعره بكل مناسبة تكون.

والحاج محمد حسن ابن الحاج محمد صالح عالم كبير ومجتهد يؤخذ عنه الرأي الفقهي هذا بالاضافة إلى النماذج الأدبية التي قدمناها ، نشأ ببغداد ورباه والده تربية عالية ولما هاجر إلى النجف انكبّ على التحصيل واتصل بالشيخ اغا رضا الهمداني والشيخ عباس الجصاني وأخذ عنهما ثم هاجر إلى سامراء يحضر حوزة السيد المجدد الشيرازي وبعد وفاة السيد لازم أبحاث الشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي وهو مثال عالٍ في التقى والورع والتضلع في الفقه والاصول وعلى جانب كبير من رياضة النفس حتى قال معاصروه ومعاشروه أنه لم يكلّف

٣١٠

كل أحد بأي أمر حتى الزوجة والخادم وكان يتولى اموره بنفسه ، ففي كل ليلة يستمر في مراجعة دروسه إلى منتصف الليل فكانت عجوز إيرانية تقصد وجه الله في خدمته فاذا رأته قام ليحضر طعام العشاء قالت : اجلس فأنا آتيك بطعامك ، فيجلس. وبعد فهو صاحب الثورة العراقية التي أكسبت العراق إستقلاله ، وبفتواه المباركة نهض العراق واستبسلت العشائر حتى أرغموا الانكليز على إعطاء العراق استقلاله ، لقد كان تلميذه ومرافقه الحاج محمد حسن كبة يتلقى منه دروساً عملية تزيد وتنمو معه كلما ازداد تعلقاً باستاذه هذا وأخذ منه سيرة صالحة وسريرة طيبة وقد أجاز بالفتوى ورواية الحديث. له مؤلفات تبلغ الستين.

فقد كتب رسالة في الطهارة وفي الصلاة والصوم وشرح كتاب الحج من دروسه التي تلقاها وله حاشية على المكاسب وحاشية على المعالم والفوائد الرجالية والرحلة المكية أُرجوزة نظمها لما سافر للحج سنة ١٢٩٢.

وفاته بالنجف الأشرف في أواخر شعبان ومدفنه بمقبرتهم الشهيرة بباب الطوسي. خلف أولاداً ثلاثة : محمد صالح ، رشيد ، معالي محمد مهدي كبة ، وأربعة عشر بنتاً.

* * *

٣١١

الحاج حَبيب شعبان

المتوفى ١٣٣٦

أتقعد موتوراً برأيك حازم

وفي يدك العليا من السيف قائم

متى تملأ الدنيا بهاءً وبهجة

وعدلاً ولا يبقى على الأرض ظالم

فلله يوم الطف لا غرو بعده

مدى الدهر حزناً أن تقام المآتم

غداة أبيّ الضيم جهّز للوغى

كراماً اليها الدهر تنمى المكارم

بدور هدى قد لاح في صفحاتها

من النور وسم للهدى وعلائم

وخرّوا على وجه الثرى سغب الحشا

وأجسادهم للمرهفات مطاعم

عطاشا يبلّ الأرض فيض دمائهم

وقد يبست أكبادها والغلاصم

وأضحى فريداً في الجموع شمردل

بصارمه الوهاج تطفى الملاحم

وروى الضبا من جسمه وهو عاطش

وأطعمها من لحمه وهو صائم

شديد القوى ما روعت عزمه العدا

وقد وهنت منه القوى والعزائم

آل شعبان من البيوت القديمة في النجف ، ومن الاسر التي كانت لها نيابة سدانة الروضة الحيدرية في عهد ( آل الملا ) أما اليوم فلهم الحق في خدمة الحرم الحيدري فقط وفي أيديهم صكوك ووثائق رسمية ( فرامين عثمانية ) هي التي تخولهم الحق في تلك الخدمة.

أما المترجم له فقد كان أبوه بزازاً فمالت نفسه هو إلى طلب العلم فاشتغل

٣١٢

به ودرس وتأدب في النجف وكان فاضلاً كاملاً شاعراً أديباً وانتقل إلى كربلاء فقرأ على السيد محمد باقر الطباطبائي في الفقه مدة ، وكان من أخص ملازميه ثم سافر إلى الهند وذلك حوالي سنة ١٣٢٥ وانقطعت أخباره إلى سنة ١٣٣٦ فوردت كتب من رامبور تنبيء بوفاته هناك وكانت له هناك منزلة سامية عند أهلها.

أما ولادته كانت في حدود ١٢٩٠ بالنجف. ترجم له صاحب الحصون فقال : فاضل ذكي وشاعر معاصر ، وأديب حسن المعاشرة ظريف المحاورة ، وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وبعد الثناء عليه قال : وهو اليوم في الهند وقد انقطع عني خبره وكان أليفاً لي في النجف وشريكاً في بعض الدروس وله شعر في الطبقة الوسطى ولا يمدح غير أهل البيت عليهم‌السلام. فمن شعره قوله يعدد فضائل الصديقة فاطمة الزهراء :

هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا

لذلك لا تنفك عشاقها سكرى

ضعايف لا تقوى قلوب ذوي الهوى

على هجرها حتى تموت به صبرا

وما أنا ممن يستلين فؤاده

وينفثن بالألحاظ في عقله سحرا

ولا بالذي يشجيه دارس مربع

فيسقيه من أجفانه أدمعا حمرا

أأبكي لرسم دارس حكم البلى

عليه ودار بعد سكانها قفرا

وأصفي ودادي للديار وأهلها

فيسلو فؤادي ودّ فاطمة الزهرا

وقد فرض الرحمن في الذكر ودّها

وللمصطفى كانت مودتها أجرا

وزوّجها فوق السما من أمينه

علي فزادت فوق مفخرها فخرا

وكان شهود العقد سكان عرشه

وكانت جنان الخلد منه لها مهرا

فلم ترضَ إلا أن يشفّعها بمن

تحبّ فاعطاها الشفاعة في الاخرى

٣١٣

حبيبة خير الرسل ما بين أهله

يقبّلها شوقا ويوسعها بشرا

ومهما لريح الجنة اشتاق شمّها

فينشق منها ذلك العطر والنشرا

إذا هي في المحراب قامت فنورها

بزهرته يحكي لأهل السما الزهرا

وإنسية حوراء فالحور كلّها

وصائفها يعددن خدمتها فخرا

وإن نساء العالمين إماؤها

بها شرّفت منهن مَن شرفت قدرا

فلم يك لولاها نصيب من العلى

لأنثى ولا كانت خديجة الكبرى

لقد خصّها الباري بغرّ مناقب

تجلّت وجلّت أن نطيق لها حصرا

وكيف تحيط اللسن وصفاً بكنه مَن

أحاطت بما يأتي وما قد مضى خبرا

وما خفيت فضلاً على كل مسلم

فيا ليت شعري كيف قد خفيت قبرا

وما شيّع الأصحاب سامي نعشها

وما ضرّهم أن يغنموا الفضل والأجرا

بلى جحد القوم النبي وأضمروا

له حين يقضي في بقيته المكرا

لقد دحرجوا مذ كان حياً دبابهم

وقد نسبوا عند الوفاة له الهجرا

فلما قضى ارتدوا وصدّوا عن الهدى

وهدّوا ـ على علم ـ شريعته الغرا

وحادوا عن النهج القويم ضلالة

وقادوا عليا في حمايله قهرا

وطأطأ لا جبناً ولو شاء لانتضى

الحسام الذي من قبل فيه محا الكفرا

ولكنّ حكم الله جارٍ وإنه

لأصبر مَن في الله يستعذب الصبرا

ومن قوله :

يا أمّة نبذت وراء ظهورها

بعد النبي إمامها وكتابها

ماذا نقمتِ من الوصي ألم يكن

لمدينة العلم الحصينة بابها

أم هل سواه أخ لأحمد مرتضى

من دونه قاسى الكروب صعابها (١)

__________________

١ ـ عن أعيان الشيعة ج ٢٠ صفحة ٨٣.

٣١٤

ومن روائعه قصيدته الشهيرة التي لا زالت تتلى في المحافل الفاطمية والمقطع الأول منها :

سقاك الحيا الهطال يا معهد الإلف

ويا جنة الفردوس دانية القطف

فكم مرّ لي عيش حلا فيك طعمه

ليالي أصفى الودّ فيها لمن يصفى

بسطنا أحاديث الهوى وانطوت لنا

قلوب على صافي المودة والعطف

فشتتنا صرف الزمان وإنه

لمنتقد شمل الأحبّة بالصرف

كأن لم تدر ما بيننا أكؤوس الهوى

ونحن نشاوى لا نملّ من الرشف

ولم نقض أيام الصبا وبها الصبا

تمرّ علينا وهي طيبة العرف

أيا منزل الأحباب مالك موحشاً

بزهرتك الأرياح أودت بما تسفي

تعفيت يا ربع الأحبة بعدهم

فذكرتني قبر البتولة إذ عُفيّ

رمتها سهام الدهر وهي صوائب

بشجو إلى أن جُرّعت غصص الحتف

* * *

٣١٥

أسطا علي البنّاء

المتوفى ١٣٣٦

قف على تلك المغاني والربا

واسك الأدمع غيثاً صيبا

واسأل الربع الذي كنّا به

نسحب الأذيال فيه طربا

واعقل الوجناء في أكفانه

وانتشق من تربه طيب الكبا

لا عدا مرتبعاً في رامة

بالحيا الوسميّ أمسى معشبا

مربع اللذات قد عنّ لنا

في حماه ذكر أيام الصبا

وبنفسي ظبيات سنحت

تخذت بين ضلوعي ملعبا

آه من برق على ذي رامة

هبّ في جرعائه ثم خبا

ذهبوا والصبر عن ذي لوعة

يا أعاد الله لي مَن ذهبا

أيها المغرم في ذكر الحمى

ومغانيه وهاتيك الظبا

دع مناح الورق والغصن وخذ

بالبكا في رزء أصحاب العبا

واندب الفرسان من عمرو العلى

وابلغ الشكوى لهم عن زينبا

تلك أشياخكم في كربلا

أجروا الخيل عليها شزّبا

ونساكم بعد ذياك الحما

سبيت لم تلق خدراً وخبا

نكست راياتكم في موقف

جدّلت فيه الكرام النجبا

ثم تدعو قومها من غالب

جردوا للثار مصقول الشبا

حرّة الأحشاء لكن دمعها

ساكب يحكي الغمام الصيّبا

أيها الراكب هيما في للسري

تقطع الآكام حثّاً والربى

نادهم إن جئتَ من وادي قبا

يا أُباة الضيم يا أهل الإبا

حلّ فيكم حادث في كربلا

طبّق الشرق أسى والمغربا

* * *

اوسطا على البناء الشاعر الأمي البغدادي. جاء في الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر للحاج علي علاء الدين الألوسي إن هذا الشاعر

٣١٦

كان اعجوبة بغداد في هذا العصر فإنه ينظم الشعر مع كونه أُمياً لا يقرأ ولا يكتب ومشغول بصنعة البناء بعمله وهو من أبناء الشيعة ، ومن شعره قوله في الحسين :

لمن الجنود تقودها امراؤها

لقتال مَن يوم اللقا خصماؤها

قد غصت البيدا ببعض خيولهم

وببعض أجمعهم يضيق فضاؤها

وبنو لويٍّ للكريهة شمّرت

عن ساعد قد قرّ فيه لواؤها

سقت المواضي من دماء أمية

وكبودها ظمأى يفيض ظماؤها

من بعد ما أردوا قساورة الوغى

سقطوا تلفّ جسومهم بوغاؤها

وبقي حمى الإسلام بين الكفر إذ

همّازها في رمحه مشاؤها

وحمى شريعة جده في مرهف

منه تشيّد في شباه بناؤها

وأورد له جملة من الشعر وقال : كانت ولادته في سنة ١٢٦٥ ه‍ وتوفي اوسطا على الشاعر المذكور يوم الاربعاء الثاني عشر من شهر رجب الفرد سنة ١٣٣٦ ه‍.

ثم قال في الهامش صفحة ١٦٦ من الدر المنتثر ما يلي : جاء في هامش صفحة ٥٧ من مخطوطة الأصل ما نصه : إن هذا الشاعر أوسطا علي المذكور كان لا يجيد النظم إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم بن الملا محمد البصير الذي كان ينظم له ، وهو في الحلة ، انتهى. أقول وروى لي الخطيب المعاصر السيد حبيب الأعرجي أنه سمع من خاله الشيخ جاسم الملة بأنه كان ينظم القصائد وينسبها للمترجم له ـ الاوسطا على البناء ـ ولكني وجدتُ جملة من القصائد الرائعة في رثاء الحسين ٧ تنسب لهذا الرجل وكلها في مخطوط المرحوم السيد عباس الموسوي الخطيب المسمى ب‍ ( الدر المنظوم في الحسين المظلوم ) والمنقول لي أيضاً أن المرحوم السيد حسن ـ خطيب بغداد ـ ابن السيد عباس كان يقول : كنا ننظم شعراً في رثاء أهل البيت عليهم‌السلام وننسبه إلى اوسطا علي البناء ، وكان يبذل المال في سبيل ذلك. وللشاعر المترجم له ديوان شعر يملكه عبد الوهاب ابن الشيخ جاسم الملة خطيب الحلة ـ اليوم.

٣١٧

محمود سبتي

المتوفى ١٣٣٦

قال مخمساً ، والاصل للشيخ محسن أبو الحب :

خيّب الدهر فيكم لي ظنّا

يوم ناديتكم وعنكم ظعنّا

صاح شمر وقد شفى القلب منا

صوّتي باسم من أردتِ فإنّا

قد أبدناهم جميعاً قتالا

قد تركنا الجسوم فوق رمال

ورفعنا الرؤوس فوق عوالي

فاعولي بعد منعة وجلال

أنت مسبية على كل حال

فاخلعي العز والبسي الإذلالا

وقال مخمساً ، والاصل لعبد الباقي العمري :

يا من إذا ذكرت لديه كربلا

لطم الخدود ودمعه قد أسبلا

مهما تمرّ على الفرات فقل ألا

بعداً لشطك يا فرات فمرّ لا

تحلو فإنك لا هنيٌ ولا مري

أيذاد نسل الطاهرين أباً وجد

عن ورد ماء قد ابيح لمن ورد

لو كنتَ يا ماء الفرات من الشهد

أيسوغ لي منك الورود وعنك قد

صدر الإمام سليل ساقي الكوثر

وقال مخمساً :

بوجد فقد أضحى فؤادي مضرما

لمن أصبحت بعد التخدّر مغنما

فنادت وقد فاضت مدامعها دما

أقلّب طرفي لا حمىٌ ولا حمى

سوى هفوات السوط من فوق عاتقي

٣١٨

لقد سيّرت تطوي الضلوع على لظى

وقد تركت جسم الحسين مرضضا

فنادت ولكن لا تطيق تلفظا

أأسبى ولا ذاك الحسام بمنتضى

أمامي ولا ذاك اللواء بخافق

الشاب النابغ محمود ابن الخطيب الشهير الشيخ كاظم سبتي ، ولد بالنجف الأشرف سنة ١٣١١ وقد أرخ أبوه عام ولادته بقوله :

أتاني غلام وضييء أغر

أضاء لعيني ضياء القمر

حمدتُ الاله وسميته

بمحمود أشكر فيمن شكر

منير به ظلمات الهموم

تجلّت فأرخ ( بدر ظهر )

كان ذكياً فطناً حسن الخلق جميل الصورة بهيّ المنظر ، معتدل القد صبيح الوجه ، حلو الكلام لطيف الشمائل خفيف الروح ، أقبلت عليه القلوب وأحبته النفوس لما جبل عليه من لطف المعاشرة وطيب المفاكهة ، وحسن الشكل ، توسم فيه أبوه حدة الفهم والنبوغ وبرع بنظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ودرس المباديء من النحو والصرف وحفظ الشعر الرصين ولمع بين الذاكرين فكانت محافل خطابته تغصّ بالسامعين لجودة إلقائه وعذوبة حديثه فكان محط آمال أبيه ولكن المنية عاجلته وهو في ريعان الشباب وغضارة العمر فقد توفي ليلة الجمعة ٢٦ جمادى الثانية ١٣٣٦ وكانت النجف محاصرة بن قبل الانكليز ففتحت الأبواب ودفن في الصحن الحيدري بالقرب من إيوان السيد كاظم اليزدي. ترجم له في ديوان والده المطبوع بالنجف.

٣١٩

الشيخ حسن الحمود

المتوفى ١٣٣٧

أقيما بي ولو حَلّ العقال

على ربع بذي سلم وضال

قفا بي ساعة في صحن ربعٍ

محت آثاره نوبُ الليالي

وشدّا عقل نضوكما وحلا

وكاء العين بالدمع المذال

هو الربع الذي لم يبق منه

سوى رمم وأطلالٍ بوال

مضى زمن عليه وهو حال

بأهليه فأضحى وهو خالي

لو أنك قد شهدت به مقامي

إذاً لبكيت من جزع لحالي

وقفتُ به ودمعي كالعزالي

يصوبُ دماً وقد عزّ العزا لي

أُسرّح في معاهده لحاظي

وقلبي في لظى الأحزان صلي

اسائله وأعلم ليس إلا

صدى صوتي مجيباً عن سؤالي

ذكرت به بيوت الوحي أضحت

بطيبة من بني الهادي خوالي

غدت للوحش معتكفاً وكانت

قديماً كعبة لبني السؤالِ

نأى عنها الحسين فهدّ منها

بناء البيت ذي العمد الطوالِ

سرى ينحو العراق بأسدِ غابٍ

تعدّ الموت عيداً في النزالِ

تعادى للكفاح على جياد

ضوامر أنعلتها بالهلال

عجبت لضمّرٍ تعدو سراعاً

وفوق متونها شمّ الجبال

نعم لولا عزائم مَن عليها

رماها العجز في ضنك المجال

تسابق ظلّها فتثير نقعاً

به سلك القطا سبل الضلال

٣٢٠