أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

كيف تغضي وعداك انتهرت

محكم الدين وساموه زوالا

أخرّت أكرم مقدامٍ به

يوم ( خم ) بلغ الدين الكمالا

أمنت سطوة مرهوب اللقا

فاستقادته على الأمن اتكالا

ولتيمٍ وعدّيٍ أمره

آل يوم اغتصبوا لله آلا

وبه من عبد شمس لعبت

فتية منها شكا الداء العضالا

أترى حقك ما بين العدا

تتهاداه يميناً وشمالا

وشبا عضبك مغمود ولا

ينتضي عن غضب الله انسلالا

يا لموتورٍ على أوتاره

يتردى بردة الصبر اشتمالا

غرّ إمهالك جبّار الورى

وبه الغيّ على الرشد استطالا

ناكلاً عن مدرج الحق ولم

ير من بطشك بأساً ونكالا

أعلى ثارك في طيب الكرى

تمنح الجفن وحاشاك اكتحالا

والظبا ما ألفت أجفانها

طمعاً في طلب الثار نصالا

والمذاكي يتصاهلن وكم

لك من طول الثوا تشكو ملالا

زعجت في صوتها بيض الظبا

وعليه هزّت السمر الطوالا

فأثرها للوغي ضابحة

في ذراها هبة الاسد صيالا

بالمواضي والقنا السمر التي

نفثة الموت يعلّمن الصلالا

ينثني القرم عن الطعن بها

خوف لقياه من الروح انفصالا

والمنايا تسبق الطعن إلى

نفسه من قبل أن يلقى القتالا

والملأ البيداء عدلاً بعدما

ملئت ظلماً وجوراً وضلالا

واحتكم بالسيف فيمن بشبا

ظلمها جرح الهدى عزّ إندمالا

وانتقم من فتية أفناكم

ظلمها في الحكم سمّاً وقتالا

كم لكم في الأرض مطلول دم

طبق الآفاق نوحاً يوم سالا

والذي قد طلّ بالطف له

مادت الخضرا وركن العز مالا

٢٨١

أو ما وافاك ما في كربلا

من حديث ينسف الشمّ الثقالا

نزل الكرب بها إذ دعيت

آلك الأطهار للحرب نزالا

يوم حرب ملأت صدر الفضا

عصباً يقتادها الغيّ عجالا

سادها نشوان في أدنى الورى

رأسه لو قيس ما ساوى النعالا

فرأى من بأس خواض الوغى

شدة قد فنيت فيها انذهالا

لم يكن إلا على شوك القنا

ماشياً في منهج العز اختيالا

حاملاً ألوية العزّ إلى

موقف فيه يراهنّ ظِلالا

لذرى العزّ به همّته

قوضت عن مهبط الضيم ارتحالا

بقروم شحذت في عزمها

قضب الهنشد وسنّوها صقالا

أنهلوها يوم سلّوها دماً

فيه قد درّت طلى الشوس سجالا

فهم الآساد في الحرب وقد

كان يوم السلم يدعوها رجالا

وهم غاية طلاب الندى

ولهم راجية قد شدّ الرحالا

ما دعاها لنزال أو ندى

هاتفٌ إلا أجابته عجالا

فهي للداعي وللراجي لها

تمنح القصد نزالاً ونوالا

أرضعت طفلهم الحرب سوى

أنه يأبى عن الدرّ فصالا

عوذت بالبيض من شبّ لها

أمّه الهيجاء أن يلقى اكتهالا

يعقد العز لناشيها على

راية قد زانها الفخر جمالا

ما تثنت في اللقشا إلا رأى

غادة قد هزّت العطف دلالا

زفّها المجد لكفؤ إن سرى

يقدم الجمع بها جلّ فعالا

وجلاها لكريم نفسه

كرمت في ملتقى الموت خصالا

خضبت من بعد ما زفّت له

بدم الأبطال طعناً ونصالا

ولها طاب اعتناقاً في دجا

معرك فيه منى حوباه نالا

وجثت في موقف دقّت به

أنف مَن بالسوء يبغيها اغتيالا

٢٨٢

موقف قد حلقت رهبته

بحشا الأسد وأنستها المصالا

ليس تشكو سأم الحرب وإن

شكت البيض من الضرب الكلالا

لم تزد إلا نشاطاً في وغى

جدها ألفى ضواريها كسالى

عزةً حنّت إلى ورد الردى

دون أن تسقى على الهون الزلالا

فأشادوها معالٍ لم يصب

طائر الوهم لأدناها منالا

وبها قد هتف اللطف الى

حضرة القدس فلبّته امتثالا

فتداعوا وهم هضب حجىً

وتهاووا قمراً يتلو هلالا

لم تجد حرّى على لفح الظما

وهجير الشمس ريّاً وظلالا

كم صريع عثرت فيه الظبا

عثرةً عزّ عليها أن تقالا

والعوالي وسدته بعدما

قطرته عن ذرى الخيل الرمالا

ومعرّى لم يجد برداً سوى

صنعة الريح جنوباً وشمالا

يا قتيلاً ثكلت منه وقد

عقمت عن مثله الحرب ثمالا

وجديلاً شرقت بيض الظبا

بدماه والقنا السمر انتهالا

وقفت بعد أفلاك الوغى

في ملمٍ قطبُها الثابت غالا

فهوى والكون قد كاد له

جزعاً يفنى بمن فيه اختلالا

ثاوياً نحت القنا في صرعة

قصرت عن شكرها الحرب مقالا

يتشكى صدره من غلّةٍ

لو تلاقي زاخراً جفّ وزالا

جرت الخيل عليه بعدما

قُظُباً لاقى وسمراً ونبالا

فهو طوراً للعوالي مركز

وهو طوراً صار للخيل مجالا

بأبي من بكت الخضرا له

بدم عن لونه الافق استحالا

وعليه الملأ الأعلى بها

حرقاً لازمه الحزن انفصالا

فغدى النوح له شأناً وقد

كان تقديساً وحمداً وابتهالا

وعليه قمراها لبسا

ثوب خسف أفزع الكون وهالا

وبكته الأرض بالمحل وما

كاد يجري فوقها الغيث انهلالا

يا مريد الرفد لا تعقل فمن

تبرك النجب بمغناه عقالا

٢٨٣

قد مضى من لم يزل يوقرها

يوم تأتي تحمل الآمال مالا

إن ترد تثقلها آمالها

فبوفر الجود يصدرن ثقالا

فلتقطّع فيه أحشاها جوىً

مَن على نائله كانت عيالا

وذوى روض الأماني بعدما

كان يخضلّ بجدواه اخضلالا

وجهه ينهلّ بالبشر كما

يده بالجود تنهلّ انهلالا

يلثم الوافد منه أيدياً

سحباً تسبق بالوكف السؤالا

يا لخطب نسف البيداء مذ

زلزل الأجبال منها والتلالا

كم قتيل من بني الهادي به

عند حرب دمُه طلّ حلالا

واسير عضّه قيد العدى

ويتيم في السبى يشكو الحبالا

ونساء سجَفَ الله لها

حرم المنعة عزاً وجلالا

قد أحاطت هيبة الله به

فهو بالطرف منيع أن ينالا

بل لو ان الوهم في إدراكه

جدّ لم يدرك لمعناه مثالا

حجبت فيه التي ما شامها

أبداً إلاه شخصاً أو خيالا

طاشت الأوهام فيه فرأت

كونها في عالم الدنيا محالا

أصبحت بارزة منه على

رغم عليا مضر حسرى وِجالا

ذعرتها هجمة الخيل على

خدرها أمّته امّاً ورعالا

فانجلت عنه وقد سُد الفضا

دونها تطلب كهفاً ومآلا

وبعين الله أضحت في السبى

تمتطي قسراً عن الخدر الجمالا

نصلت وخداً ومن طول السرى

عنقاً كادت بأن تفني هزالا

كلما قد هتفت في قومها

إذ حدا الحادي بها والركب شالا

زجرت بالشتم من آسرها

وعليها السوط بالضرب توالى

غادرتهن الرزايا وُلّها

إذ ترادفن عليهن انثيالا

يا لها نادبة تدعو ولم

تلف للمنعة من فهر رجالا

قد مضى عنها المحامون الأولى

دونها يوم الوغى ماتوا قتالا

كلما حنّت لقتلاها شجى

أنست النيب من الثكل الفصالا

٢٨٤

الشيخ حسن البدر

المتوفى ١٣٣٤

ومن ينظر الدنيا بعين بصيرة

يجدها أغاليطا وأضغاث حالم

ويوقظه نسيان ما قبل يومه

على أنها مهما تكن طيف نائم

ولا فرق في التحقيق بين مريرها

وما يُدّعى حلواً سوى وهم واهم

فكيف بنعماها يُغرّ أخو حجى

فيقرع إذ عنه انزوت سنّ نادم

وهل ينبغي للعارفين ندامة

على فائتٍ غير اكتساب المكارم

وما هذه الدنيا بدار استراحة

ولا دار لذّاتٍ لغير البهائم

ألم تر آل الله كيف تراكمت

عليهم صروف الدهر أيّ تراكم

أما شرقت بنت النبي بريقها

وجرعها الأعداء طعم العلاقم

أما قتل الكرار بغياً بسيف مَن

بغى وطغى فيما أتى من مآثم

عدوّ إله العالمين ابن ملجم

واشقى جميع الناس من دور آدم

وإن أنس لا أنس الحسين وقد غدا

على رغم أنف الدين نهب الصوارم

قضى بعدما ضاقت به سعة الفضا

فضاق له شجواً فضاء العوالم

فما لنزار لا تقوم بثأرها

فترضع حرباً من ضروع اللهاذم

فهل رضيت عن سفك آل أمية

دماها بإجراء الدموع السواجم

هبوا القتل فيكم سيرة مستمرة

فهل عرفت كيف السبى ابنة فاطم

أهان عليكم هجمة الخيل جدرها

كأن لم يكن ذاك الخبا خدر هاشم

٢٨٥

لها الله من مذعورة حين اضرموا

خباها ففرت كالحمام الحوائم

فما بال قومي لا عدمت انعطافهم

وكانوا أباة الضيم شحذ العزائم

أعاروني الصما فلم يسمعوا الندا

ألم يعلموا أني بقيت بلاحمي

أعيذكم أن تستباح حريمكم

وتسبى نساكم فوق عجف الرواسم

أيرضى إباكم أن تساق حواسراً

كما شاءت الأعدا إلى شرّ غاشم

جاء في شعراء القطيف : هو العلامة الحجة الشيخ عبد الله بن محمد بن علي ابن عيسى بن بدر القطيفي كان مولده سنة ١٢٧٨ في النجف الأشرف ونشأ بها وترعرع وتفيأ ظل والده المغفور له فقد كان من مشاهير عصره علماً وفقهاً وتحقيقاً ومن هذا النمير الصافي نهل مترجمنا ثم فوجيء بفقده في أيام صباه وسافر إلى وطنه القطيف وتلمذ على يد أعلامها كالشيخ علي القديحي وأمثاله ولم يزل حتى بلغ الغاية القصوى وإذا هو ذلك المجتهد الكبير والمصلح العام ثم كرّ راجعاً إلى النجف الأشرف وبقي مدة مواصلاً للطلب بين درس وتدريس وتأليف حتى طلبه عمّه إلى القطيف وبعد أن تزوج بأحد أكفائه توجه إلى مكة لاداء فريضة الحج وبعده أبحر من مكة المكرمة إلى النجف الأشرف من طريق جدّه ولا زال موئلاً لرواد العلم والحقائق مستقلاً بحوزة علمية لما عليه من النضوج العلمي والورع والتقى والصلاح وقد ارتوى من نمير علمه الصافي كثيرون من رواد العلم والحقائق كوالدنا المرحوم والشيخ حسين القديحي وأمثالهما.

توفي رحمه‌الله بالكاظمية سنة ١٣٣٤ ودفن في جوار الكاظميين عليهما‌السلام وكان رحمه‌الله يقول الشعر بالمناسبات وأكثره في أهل البيت ومنه هذه المرثية :

متى فقدت أبنا لوي بن غالب

إباها فلم ينهض بها عتب عاتب

٢٨٦

أما قرعت أسماعها حنّة النسا

اليها بما يرمى الغيور بثاقب

فكم نظمت جمر العتاب قلائداً

على السمع من قلب من الوجد ذائب

وكم نثرت كالجمر في صحن خدها

مذاب حشا من زفرة الغيظ لاهب

وضجت اليها بالشكاية ضجة

تميل بأرجاء الجبال الأهاضب

أيا إخوتي هل يرتضي لكم الإبا

بأن تعرضوا عتى بأيدي الأجانب

أيا إخوتي لانت قناتي على العدى

فلم يخش بطش الانتقام محاربي

أيا إخوتي هل هنت قدراً عليكم

فهانت عليكم ـ لا حييت ـ مصائبي

أيا إخوتي تدرون قد هجم العدى

علي خبائي واستباحوا مضاربي

أيا إخوتي تدرون أني غنيمة

غدوت ورحلي راح نهبة ناهب

أهان على أبناء فهر مسيرنا

إلى الشام حسرى فوق خوص الركائب

أهان عليكم أن نكون حواسراً

كما شاءت الأعدا بأيدي الأجانب

أهان على أبناء فهر دخولنا

على مجلس الطاغي بغير جلابب

أتغضي على هضمي ، ألست الذي حمى

بسمر القنا خدري وبيض القواضب

اتغضي على سبي وسلبي وهتكهم

حماي كأني ليس حامي الحمى أبي

أأسبى ولا سمر الرماح شوارع

أمامي ولا البيض الرقاق بجانبي

أأسبى ولا فتيان قومي عوابس

يرف لواها في متون السلاهب

بها من بني عدنان كل ابن غابة

يرى الصارم الهندي أصدق صاحب

كميٌ يردّ الموت من شزر لحظه

مروع حشى من شدة الخوف ذائب

همام إذا ما همّ بالكر في الوغى

تدكدكت الأبطال تحت الشوازب

فتأتي بها شعث النواصي ضوابحاً

تقلّ بها مثل الجبال الأهاضب

يجيؤون كي يستنقذوني وصبيتي

من الأسر أو واذل أبناء غالب

٢٨٧

( وله في رثاء أبي الفضل العباس عن لسان الحسين عليهما‌السلام ) :

طويت على مثل وخز الرماح

ضلوعي أو مثل حزّ الصفاح

ورحت كما بي تمنّى الحسود

وقد لان للدهر مني الجماح

وبتّ على مثل شوك القتاد

أردد أنفاس دامي الجراح

تغيبت فاظلمّ وجه النهار

بعيني واسود وجه الصباح

فقدتك درعاً به أتقي

من الدهر طعن القنا والرماح

أبا الفضل رحت فروح التقى

عقيبك قد آذنت بالرواح

عجيب مقيلك فوق الثرى

أليس مقيلك فوق الضراح

من العدل تمسي ببطن اللحود

وانشق بعدك عذب الرياح

من العدل يألف جفني الكرى

وبالترب إنسان عينيّ طاح

من العدل يألف قلبي السلو

وأنت الفقيد وأنت المناح

ترانيَ إن أقض وجدا عليك

عليّ بذا حرج أو جناح

تراني إن أحترق بالزفير

عليك ألامُ وتلحو اللواح

أأصغي وقد شل عضب الخطوب

كلا ساعديّ ، إلى قول لاح

أأصغي وقد فلّ مني الزمان

صفيحة عزم تفلّ الصفاح

خلعت سلويّ لما سطا

على صبري الدهر شاكي السلاح

سأسكب ماء عيوني عليك

لميت صبري ماءً قراح

٢٨٨

السيد محمد القزويني

المتوفى ١٣٣٥

أحلما وكادت تموت السنن

لطول انتظارك يابن الحسن

وأوشك دين أبيك النبي

يمحى ويرجع دين الوثن

وهذي رعاياك تشكو اليك

ما نالها من عظيم المحن

تناديك معلنة بالنحيب

اليك ومبدية للشجن

وتذري لما نالها أدمعاً

جرين فلم تحكهنّ المزن

ولم ترم طرفك في رأفةٍ

اليها ولم تصغِ منك الاذن

لقد غرّ إمهالك المستطيل

عداك فباتوا على مطمئن

توانيت فاغتنموا فرصة

وأبدوا من الضغن ما قد كمن

وعادوا على فيئكم غائرين

وأظهرت اليوم منها إلاحن

فطبّق ظلمهم الخافقين

وعمّ على سهلها والحزَن

ولم يغتدوا منك في رهبة

كأنك يا ابن الهدى لم تكن

فمذ عمّنا الجور واستحكموا

بأموالنا واستباحوا الوطن

شخصنا اليك بأبصارنا

شخوص الغريق لمرّ السفن

وفيك استغثنا فإن لم تكن

مغيثاً مجيراً وإلا فمن

إلى مَ تغضّ على ما دهاك

جفنا وتنظر وقع الفتن

أتغضي الجفون وعهدي بها

على الضيم لا يعتريها الوسن

ثناك القضا أو لست الذي

يكون لك الشيء إن قلت كن

أم الوهن أخرّ عنك النهوض

أحاشيك أن يعتريك الوهن

٢٨٩

أم الجبن كهم ماضيك مذ

تراخيت حاشا علاك الجبن

أتنسى مصائب آبائك

التي هدّ مما دهاها الركن

مصاب النبي وغصب الوصي

وذبح الحسين وسمّ الحسن

ولكنّ لا مثل يوم الطفوف

في يوم نائبة في الزمن

غداة قضى السبط في فتية

مصابيح نور إذا الليل جن

تغسّل أجسامهم بالنجيع

وتسدي لها الذاريات الكفن

تفانوا عطاشا فليت الفرات

لما نالهم ماؤه قد أجن

وأعظم ما نالكم حادث

له الدمع ينهلّ غيثاً هتن

هجوم العدو على رحلكم

وسلب العقايل أبرادهن

فغودرن ما بينهم في الهجير

وركبنّ من فوق عجف البدن

تدافع بالساعدين السياط

وتستر وجهاً بفضل الردن

ولم ترَ دافع ضيم ولا

مغيثاً لها غير مضنى يحن

فتذري الدموع لما ناله

ويذري الدموع لما نالهن

السيد محمد القزويني نجل الحجة الكبير السيد مهدي القزويني ، ينتهي نسبه الشريف إلى محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، وأمه كريمة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير. كان رحمه‌الله موسوعة علم وأدب فإذا تحدث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد والتاريخ مضافاً إلى الفصاحة واللباقة وعذوبة الحديث وقوة الذاكرة ، تزينه سمات العبادة والورع فمن مميزاته أن يأمر بتقسيم الحقوق وهي عند أهلها دون أن يتسلّمها بيده ، يحرص كل الحرص على مصلحة الامة والرأفة بالضعيف فلا تأخذه في الله لومة لائم. كتب عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) وباعتباره تتلمذ عليه ولازمه مدة لا تقل عن عشر سنوات فقد أعطى صورة صادقة عنه وهو متأثر به كل التأثر فذكر أنه ولد في الحلة سنة ١٢٦٢ وفيها نشأ وحين راهق البلوغ

٢٩٠

هاجر للنجف الأشرف مع أخويه الكبيرين السيد ميرزا جعفر والسيد ميرزا صالح فدرس المعاني والبيان والمنطق على الكبير منهما وشطراً من الاصول عى الفاضلين الشيخ محمد والشيخ حسن الكاظميين والشيخ علي حيدر ثم رجع للحلة واشتغل بالتدريس فهذّب جملة من شباب الفيحاء وأعاد الكرّة للنجف لاستكمال الفضيلة مع أخويه المذكورين فاغترف من منهل الشريعة ما به ارتوى حتى أصبح معقد الأمل ونال رتبة الاجتهاد بشهادة المجتهدين وزعماء الدين وبعد وفاة والده السيد المهدي قدس الله نفسه وأخويه الكبيرين قام باعباء الزعامة الدينية في الحلة الفيحاء فكان المرجع في الأحكام الشرعية وموئلاً للمرافعات وفصل الخصومات وصلاة الجماعة في المسجد العام مواضباً على التدريس في الفقه والاصول وتربية النشء التربية الصالحة وقام باصلاحات عامة من تشييد مراقد علماء الحلة التي كادت أن تنطمس معالمها كمراقد آل طاووس في داخل البلد وخارجه ومرقد الشيخ المحقق أبي القاسم الهذلي ، وابن ادريس صاحب السرائر وابن فهد والشيخ ورام المالكي النجفي ، وآل نما ومقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في آخر بساتين ( الجامعين ) على طريق ( الكفل ) وتاريخ الفراغ منه جملة ( ظهر المقام ) سنة ١٣١٧ وبالقرب منه مرقد السيد عبد الكريم ابن طاووس صاحب ( فرحة الغري ) ، ومنها تجديد عمارة مشهد الشمس وكان السيد المترجم له يقيم فيه الجماعة منتصف شوال من كل عام وتعطل الأسواق والأعمال بأمره للحضور والصلاة هناك إحتفاء بذكري ذلك اليوم الذي ردّت الشمس فيه للامام ٧ ، وخلّف كثيراً من الآثار العلمية منها منظومة في المواريث ، ورسالة في علم التجويد والقراءات ، ورسالة في مناسك الحج وغيرها وفي الترجمة ألوان من أدبه نثراً ونظماً تدلّنا على مواهبه ، اختاره الله ودعاه اليه فلبّى النداء فجر يوم الخميس خامس محرم الحرام أول سنة ١٣٣٥ ه‍ في مسقط رأسه ـ الحلة ـ ونار الحرب العالمية الاولى مستعرة في وادي الرافدين بين الانكليز والأتراك ـ حُمل إلى النجف ودفن مع اسرته في مقبرتهم الواقعة في محلة العمارة. وترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة وافية

٢٩١

استقى منها كل من تأخر عنه ، وكتب البحاثة علي الخاقاني في شعراء الحلة ملماً بالشارد والوارد عن حياته ومما قال : وكتب المترجم له إلى أخيه الميرزا صالح يطلب منه ( راوية ماء ) على أثر انقطاع الماء عن النجف وقد وعده أن يبعثها مع غلام اسمه ( منصور ) ليحمل بها الماء من شريعة الكوفة فقال :

فديناك إن البركة اليوم ماؤها

لقد غاض حتى مسّ من أجله الضرّ

وليس سوى البحر الذي تعهدونه

على أنه والله لا يشرب البحر

فان لم تغثنا من نداك عجالة

براوية ملأى ويحملها المهر

بحيث بها منصور نحوي يستقي

من الجسر ماءً ، ليت لا بَعُد الجسر

وإلا فإني قد هلكت من الظما

( وإن متّ عطشانا فلا نزل القطر )

واستمع إلى رقة عاطفته حيث يرثي أخاه الميرزا جعفر ـ وهو ممن يستحق الرثاء ـ إنه كتب بهذه القطعة إلى أخيه الآخر وهو الميرزا صالح ، واليك بعضها :

ومن عجب أني أبيتُ ببلدة

بها لشقيق الروح قد خط مضجع (١)

أحاول أن أستاف تربته التي

هي المسك ، لا والله بل هي أضوع

وينهض لي وجدي لمرقده الذي

به ضمّ بدر التم ، بل هو أرفع

لكيما أُطيل العتب لو كان مصغياً

وأشكو له بلواي لو كان يسمع

فلما نشقت الطيب من أيمن الحمى

كبوت فلا أدنو ولا أنا أرجع

يخيّل لي كل ( الغري ) له ثرى

وفي كل نادٍ منه للعين موضع

وقال في جده الحسين (ع) :

بنفسي بنات المصطفى بعد منعة

غدت في أعاديها تهان وتضرب

وتسلب حتى بالأنامل يغتدي

لها عن عيون الناظرين التنقّب

ومذ أبصرت فوق الثرى لحماتها

جسوماً بأطراف الأسنة تنهب

فعارٍ عليه الخيل تعدو وعافر

على الأرض من فيض النجيع مخضب

__________________

١ ـ يقصد بلد النجف الأشرف حيث دفن أخوه فيه.

٢٩٢

غدت تمزج الشكوى اليهم بعتبها

عليهم وتنعى ما عراها وتندب

( أحباي لو غير الحمام أصابكم

عتبتُ ولكن ما على الموت معتب )

وحضر السيد أبو المعز المترجم له في مجلس السيد عبد الرحمن النقيب ببغداد عام ١٣٢٢ ه‍ فجرى حديث ردّ الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ٧ فأورد النقيب شكوكه حول صحة الحديث ، وأبو المعز يدلي بالبراهين الجلية والأخبار المتواترة من طرق الفريقين ، وعلى الأثر قال السيد أبو المعز :

قد قلتُ للعلوي المحض كيف ترى

حديث ردّ ذكاءٍ للامام علي

فقال في النفس شيء منه قلت له

الأمر في ذاك ما بين الرواة جلي

فقال قد قلت تقليداً فقلت له

أنت المقلّد في علم وفي عمل

وقل له يا عديم المثل مجتهداً

فيوشع قبله في الأعصر الأول

وكلما صحّ أن تلقاه مكرمة

للانبياء عدا اكرومة لولي

ومشهد الشمس في الفيحاء إن تره

كأنه في العلى نار على جبل

وما رواه الطحاوي (١) وابن مندة من

حديث ( أسما ) شِفاً فيه من العلل

وعند وصول هذه الأبيات أجابه النقيب برسالة يقول فيها :

قسماً بشرفك يا شمس المعارف والعلوم التي أنارت بنورها الفجاج واهتدى بها السالكون في كل منهاج ، لقد أعجبني بل أطربني وأنعشني بل أهزني ما أحكمه فكرك من الآيات البينات والأبيات الأبيّات ، التي تعجز الفصحاء عن مباراتها والبلغاء عن الاتيان بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، ولله درك لقد أقمت على المدعى عليه برهاناً حتى صار لدى الداعي عياناً ، لا شك فيه واطمأنت له النفس بلا ريب يعتريه ولا بدع ، فحضرة مولانا أمير المؤمنين

__________________

١ ـ الطحاوي هو الفقيه الحنفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي. وطحا قرية بصعيد مصر. وابن مندة أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد ولد باصبهان سنة ٤٣٤ وتوفي سنة ٥١٣ وهو محدث إلى خمسة آباء كلهم علماء.

٢٩٣

باب مدينة علم الرسول واسد الله الغالب في ميدان تحجم من الدخول فيه الأبطال الفحول ، فمن أجل ذلك لا يستبعد ردّ ذكاء له بعد الافول ولا سيما وهو في طاعة مولاها ومَن كان في طاعة مولاه لا بدّ أن يخصه ويتولاه. والسلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته (١) ومن روائعه قوله ناظماً حديث الكساء وهو من الأحاديث الشريفة المروية في كتب الفريقين والصحاح المعتبرة ، وأوله :

روت لنا فاطمة خير النسا

حديث أهل الفضل أصحاب الكسا

تقول إن سيد الأنام

قد جائني يوماً من الأيام

فقال لي إني أرى في بدني

ضعفا أراه اليوم قد أنحلني

قومي ، علي بالكسا اليماني

وفيه غطيني بلا تواني

قالت فجئته وقد لبّيته

مسرعة وبالكسا غطيته

__________________

١ ـ وحديث ردّ الشمس من المتواتر ، ذكره الفريقان في كتبهم ونظمه الشعراء في قصائدهم يقول عبد الحميد بن أبي الحديد في إحدى علوياته الشهيرة :

يا من له ردّت ذكاء ولم يفز

بنضيرها من قبل إلا يوشع

ويقول عبد الباقي العمري :

وتضيق الأرقام عن خارقات

لك يا من ردّت اليه الذكاء

ويقول الشيخ ابن نما في اطعام أهل البيت لليتيم والمسكين والأسير ومنهم علي عليهم السلام :

جاد بالقرص والطوى ملأ جنبيه

وعاف الطعام وهو سغوبُ

فاعاد القرص المنيرَ عليه القرص

، والمقرض الكرام كسوب

وقال بعض شعرائهم :

بحب علي غلا معشر

وقالوا مقالاً به لا يلي

فحاميم في مدحه أُنزلت

وردت له الشمس في ( بابل )

وقال حسان بن ثابت :

يا قوم مَن مثل علي وقد

ردّت عليه الشمس من غائب

أخو رسول الله بل صهره

والأخ لا يعدل بالصاحب

٢٩٤

وكنت أرنو وجهه كالبدر

في أربع بعده ليال عشر

فما مضى الا يسير من زمن

حتى أتى أبو محمد الحسن

فقال يا أُماه إني أجدُ

رائحة طيبة أعتقدُ

بأنها رائحة النبي

أخي الوصي المرتضى علي

قلت نعم ها هو ذا تحت الكسا

مدثّر به تغطى واكتسى

فجاء نحوه ابنه مسلّماً

مستأذناً قال له ادخل مكرما

فما مضى إلا القليل إلا

جاء الحسين السبط مستقلا

فقال يا ام أشمّ عندك

رائحة كأنها المسك الذكي

وحق من أولاك منه شرفاً

أظنها ريح النبي المصطفى

قلت نعم تحت الكسا هذا

بجنبه أخوك فيه لاذا

فأقبل السبط له مستأذناً

مسلّماً قال له ادخل معنا

وما مضى من ساعة إلا وقد

جاء أبوهما الغضنفر الأسد

أبو الأئمة الهداة النجبا

المرتضى رابع أصحاب العبا

فقال يا سيدة النساء

ومَن بها زوجتُ في السماء

إني أشمّ في حماك رائحه

كأنها الورد النديّ فايحه

يحكي شذاها عرف سيد البشر

وخير من لبّى وطاف واعتمر

قلت نعم تحت الكساء التحفا

وضمّ شبليك وفيه اكتنفا

فجاء يستأذن منه سائلاً

منه الدخول قال فادخل عاجلا

قالت فجئت نحوهم مسلّمه

قال ادخلي محبوّة مكرّمه

فعندما بهم أضاء الموضع

وكلهم تحت الكساء اجتمعوا

نادى اله الخق جلّ وعلا

يُسمع أملاك السموات العلى

أقسم بالعزة والجلال

وبارتفاعي فوق كل عالي

ما من سما رفعتها مبنيّه

وليس أرض في الثرى مدحيّه

ولا خلقتُ قمراً منيراً

كلا ولا شمساً أضاءت نورا

وليس بحر في المياه يجري

كلا ولا فلك البحار تسري

٢٩٥

إلا لأجل من هم تحت الكسا

من لم يكن أمرهم ملتبسا

قال الأمين قلت يا رب ومن

تحت الكسا بحقهم لنا أبن

فقال لي هم معدن الرساله

ومهبط التنزيل والجلاله

وقال هم فاطمة وبعلها

والمصطفى والحسنان نسلها

فقلت يا رباه هل تأذن لي

أن أهبط الأرض لذاك المنزل

فأغتدي تحت الكساء سادسا

كما جُعلت خادماً وحارسا

قال نعم فجاءهم مسلّماً

مسلّماً يتلو عليهم ( إنما ) (١)

يقول إن الله خصكم بها

معجزة لمن غدا منتبها

أقرأكم رب العلا سلامه

وخصكم بغاية الكرامه

وهو يقول معلناً ومفهما

أملاكه الغر بما تقدما

قال عليٌ قلت يا حبيبي

ما لجلوسنا من النصيب

قال النبي والذي اصطفاني

وخصني بالوحي واجتباني

ما إن جرى ذكر لهذا الخبر

في محفل الإشياع خير معشر

إلا وأنزل الاله الرحمه

وفيهم حفت جنود جمّه

من الملائك الذين صدقوا

تحرسهم في الدهر ما تفرقوا

كلا وليس فيهم مهموم

إلا وعنه كشفت همومُ

كلا ولا طالب جاجة يرى

قضاءها عليه قد تعسرا

إلى قضى الله الكريم حاجته

وأنزل الرضوان فضلاً ساحته

قال عليٌ نحن والأحباب

أشياعنا الذين قدماً طابوا

فزنا بما نلنا ورب الكعبه

فليشكرنّ كل فرد ربّه

* * *

يا عجباً يستأذن الأمين

عليهم ويهجم الخؤن

قال سليم قلت يا سلمان

هل دخلوا ولم يك استأذانُ

فقال إي وعزّة الجبار

..........

__________________

١ ـ آية « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ».

٢٩٦

الشيخ عبد الحسين الجواهر

المتوفى ١٣٣٥

حقّ أن تسكبي الدموع دماء

يا جفوني وأن تسيلي بكاء

زاد كرب البلا بهم فكأن

القلب فيهم مشاهد كربلاء

شدّ ما قد لقي بها آل طه

من رزايا تهوّن الأرزاء

مزقتهم بها الحوادث حتى

عاد أبناء أحمد أنباء

جمعت شملهم ضحى فعدا الخطب

عليهم ففرقتهم مساء

وأبوا لذّة الحياة بذلٍّ

ورأوا عزة الفناء بقاء

يتهادون تحت ظل العوالي

كالنشاوى قد عاقروا الصهباء

أوجب المصطفى عليهم حقوقاً

أحسنوها دون الحسين أداء

وقضوا تشرب القنا السمر والبيض

دماهم حول الفرات ظِماء

يا بنفسي لهم وجوها يودّ

البدر منها لو استمد السناء

الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عبد علي ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ولد في النجف سنة ١٢٨٢ وتوفي فيها سنة ١٣٣٥ ودفن بمقبرة آبائه. وكان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً مشاركاً في الفنون له شهرته العلمية والأدبية متبحراً في الفقه والاصول قوي الذهن حادّ الفكر حلو اللفظ ، حضر على الحاج ميرزا حسين الخليلي وعلى الملا كاظم صاحب الكفاية وكان أخص أصحابه به. أعقب أربعة أولاد أشهرهم الشاعر الكبير ـ اليوم ـ محمد مهدي الجواهري أما الثلاثة فهم : عبد العزيز ، هادي ، جعفر.

٢٩٧

وهذه قطعة من شعره هنأ بها الشيخ عباس بن الشيخ حسن بزفاف ولده الشيخ مرتضى :

غناً عن الراح لي في ريقك الخصر

وفي محياك عن شمس وعن قمر

وفي خدودك ما ماج الجمال بها

للطرف أبهج روض يانع نضر

يانبعة البان لا تجنى نضارتها

للعاشقين سوى الأشجان من ثمر

لي منك لفتة ريم عن هلال دجى

بغيهب من فروع الجعد مستتر

يهتزّ غصن نقاً يعطو بجيد رشاً

يرنو بذي حَوَر يفترّ عن درر

توقّدت كفؤاد الصب وجنته

فماج ماء الصبا منها بمستعر

وأطلع السعد بدراً من محاسنه

بجنح ليل جعود منه معتكر

ما أسفر الصبح من لألاء غرته

إلا وهمّ هزيع الليل بالسفر

أو سلّ صارم غنج من لواحظه

إلا احتقرت مضاء الصارم الذكر

والقصيدة مطولة ، وقال في المناسبات كثيرة من الشعر والنثر ما تحتفظ به مجاميع الادباء وخمس قصيدة السيد حسين القزويني في مدح الامامين الكاظمين عليهما‌السلام. وآل الجواهري من مشاهير الاسر العلمية في النجف واشتهرت بهذا اللقب بموسوعة ضخمة من أضخم الموسوعات الفقهية سميت ب‍ ( جواهر الكلام ) الفقيه الكبير الشيخ محمد حسن ، اجتمعت فيه زعامة روحية وزمنية (١) ونبغ علماء وشعراء فطاحل بهذه الاسرة وما زالت تحتفظ بمجدها وتراثها العلمي وشخصياتٍ هي قدوة في الورع والتقوى والسلوك الطيب.

__________________

١ ـ هو ابن الشيخ باقر ابن الشيخ عبد الرحيم ابن العالم العامل الاغا محمد الصغير ابن الاغا عبد الرحيم المعروف بالشريف الكبير ، ولما شرع بتأليف ( جواهر الكلام ) كان عمره ٢٥ سنة. طبعت هذه الموسوعة عدة طبعات ، كان مولد المؤلف سنة ١٢٠٢ تقريباً ووفاته غرة شعبان ١٢٦٦ ه‍ ورثاه كثير من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي وعمه السيد مهدي والشيخ صالح الكواز والشيخ ابراهيم صادق اوالشيخ عباس الملا علي والسيد حسين الطباطبائي وغيرهم من شعراء العراق ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لمسجده المعروف وذكر تفصيل ترجمته الشيخ اغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة.

٢٩٨

قال السيد الأمين في الأعيان وكتب المترجم له إلى صاحب سمير الحاظر وأنيس المسافر (١) :

أوضحت لي بهواك عذرا

لو استطيع عليه صبرا

وشرعت لي نهجاً سلكت

من الصبابة فيه وعرا

وأذاقني طعم الهيام

هواك فاستحليت مرا

وجلوت لي كأس الغرام

فلن أفيق الدهر سُكرا

كم عبرة أطلقتها فغدت

بأسر الشوق أسرى

ميل النزيف أميل من

شغفي وما عاقرت خمرا

تذكي لواعج صبوتي ذكرى

الحمى والشوق ذكرا

وزمان أنس مرّ ما أمرى

زمان فيه مَرّا

ولياليا شقّ السرور على

الندامى منك فجرا

مع كل منكسر الجنون اليه

أهدى الغنج كسرا

قد أطلعت شمس الطلا

منه بليل الجعد بدرا

__________________

١ ـ هو العلامة البحاثة الشيخ علي الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء وكتابه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ست مجلدات ضخمة بالقطع الكبير مخطوط بخطه ، فيه من كل ما لذّ وطاب ، طالعته ورويت عنه ، فيه من التفسير والحديث والمسائل الفقهية والمنطقية والكلامية والنوادر الأدبية والقصائد الشعرية وقد ملأ بالعلم والأدب.

٢٩٩

الشيخ محمد حسن الجواهر

المتوفى ١٣٣٥

وأكبداً كظها حرّ الظما فغدت

تغلي بقفر بحرّ الشمس مستعر

ما مسّها بارد ساغت موارده

للجن والانس بين الورد والصدر

كم حرة لك يابن المصطفى هتكت

بين المضلين من بدو ومن حضر

مذهولة من عظيم الخطب حائرة

لم تبق كفّ الجوى منها ولم تذر

وكم رؤوس لكم فوق القنا رفعت

مثل الأهلة تتلو محكم السور

وكم رضيع لكم يا ليت تنظره

يُغني محياه عن شمس وعن قمر

بالسهم منفطم بالخيل منحطم

بالسمر منتظم بالبيض منتثر

الشيخ محمد حسن ابن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، ولد في حدود ١٢٩٣ وتوفي سنة ١٣٣٥ في النجف الأشرف ودفن إلى جنب جده الشيخ محمد حسن في مقبرتهم. كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً شديد الذكاء سريع الفطنة بهي الصورة رائق الحديث له خط رائق وشعر رصين في شتى المناسبات خصوصاً في مراثي الأئمة الأطهار وله ارجوزتان الاولى في الكلام سماها ( جواهر الكلام ) والثانية في اصول الفقه. تتلمذ على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني قدس الله روحيهما ومنح اجارات عديدة تنص باجتهاده وأهليته لمجلس الفتوى من أساتذته وغيرهم بالرغم من عمره القصير فقد ودع الحياة في العقد الرابع من عمره ، نظم فأبدع في النظم. قال في مطلع إحدى قصائده :

٣٠٠