أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

لعمري لقد كلّفتُ وجداً بأحمد

وأحببته حب الحبيب المواصل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

ويقول :

إصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وافرح وقرّ بذاك منك عيونا

والله لن يصلوا اليك بجمعهم

حتى أُوسدّ في التراب دفينا

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينا

ودعوتني ، وعلمت أنك صادق

فيما تقول ، وكنتَ ثمّ أمينا

ويقول ـ كما رواه البخاري في تاريخه الصغير :

لقد أكرم الله النبي محمداً

فاكرم خلق الله في الناس احمد

وشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمد

ثم يخاطب أخاه الحمزة بن عبد المطلب ويقول :

صبوراً أبا يعلى على دين احمد

وكن مظهراً للدين وفّقتَ صابرا

فقد سرني إذ قيل أنك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصرا

ثم يخاطب ولديه ، علي وجعفر :

إن عليا وجعفراً ثقتي

عند ملمّ الخطوب والنوب

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من بنيّ ذو حسبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لامي من بينهم وأبي

تتمة ترجمة الشاعر :

الظاهر من شعره ـ والشعر مرآة قاله ـ انه كان قوي الشخصية صارم الارادة يقول الخاقاني في شعراء الغري : وله قصص تعرب عن ذلك ، ومن العجيب صلته بالعلامة السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني فان أكثر بنوده

٢٢١

ورسائله وشعره ومراسلاته هي في السيد حسين ولكن يخفف العجب أن هذه الاسرة الكريمة أعني آل القزويني تتحلى بالظرف والأدب وسماحة النفس وطيب السريرة وحسن السيرة. مضافاً إلى أن المترجم له كان تلميذاً للسيد العلامة السيد حسين فهو يحفظ له هذا الحق وهو حق التلمذة. ذكر الخاقاني للمترجم له ثمانية بنود وجملة من الرسائل وعشرات من التواريخ والمراسلات ولنستمع اليه يؤرخ حبيبه وأليفه العلامة السيد حسين القزويني بقوله :

مررت على قبر الحسين وإنني

لفي عجب كيف التراب يواريه

ومَن وسع الدنيا علوما ونائلا

فكيف استطاعت هذه الأرض تحويه

تضمن هذا القبر بحرين : من ندى

وعلم وكل منهما مدّه فيه

فما إن تغشاه التراب وإنما

بأنواره باريه أرخ ( يغشيه )

وأورد نماذج من رجزه ومنظومته في ( الشطرنج ) ومدح ورثاء وغزل يتكون منها ديوان قائم بنفسه ، ومن ثنائياته قوله في مقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمسجد الكوفة ، وهو المكان الذي استشهد فيه عليه‌السلام :

وعجبت من قوم قد ادعت الولا

للمرتضى صنو النبي محمد

أن لا تسيل نفوسهم في موضع

سالت عليه دماء أكرم سيد

أو لم تكن تدري بأن إمامها

لاقى الحمام هنا بسيف الملحد

٢٢٢

السيد باقر الهندي

المتوفى ١٣٢٩

قال يرثي مسلم بن عقيل بن أبي طالب :

بكتك دماً يابن عمّ الحسين

مدامع شيعتك السفاحه

ولا برحت هاطلات العيون

تحييك غادية رائحه

لأنك لم ترو من شربة

ثناياك فيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ أوثقوك

فهل سلمت فيك من جارحه

وسحبا تجرّ بأسواقهم

ألستَ أميرهم البارحه

قُتلتَ ولم تبكك الباكيات

أمالك في المصر من نائحه

قُتلتَ ولم تدرِ كم في زرود

عليك العشية من صائحه

وصدرها الخطيب الأديب الشيخ قاسم ابن الشيخ محمد الملا ب‍ ١٤ بيتاً ، وذيّلها ب‍ ٤ أبيات ، وأتمها الشاعر الشيخ محمد رضا الخزاعي ب‍ ٩ أبيات على الوزن وهذا تصدير الشيخ قاسم :

لحيّكم مهجتي جانحه

ونحوكم مقلتي طامحه

واستنشق الريح إن نسّمت

فبالأنف من نشركم فائحه

وكم لي على حيكم وقفة

وعينيَ في دمعها سابحه

تعاين أشباح تلك الوجوه

فلا برحت نحوكم شابحه

وكم ضبيات بها قد رعت

بقيصوم قلبي غدت سارحه

٢٢٣

وكم ليلة بسمار الحبيب

شؤون الغرام لها شارحه

تقضّت ومن لي بها لو تعود

فكيف وقد ذهبت رائحه

وعدت غريباً بتلك الديار

أرى صفقتي لم تكن رابحه

كما عاد مسلم بين العدا

غريباً وكابدها جائحه

رسول حسين ونعم الرسول

اليهم من العترة الصالحه

لقد بايعوا رغبة منهم

فيا بؤس للبيعة الكاشحه

وقد خذلوه وقد أسلموه

وغدرتهم لم تزل واضحه

فيا بن عقيل فدتك النفوس

لعظم رزيتك الفادحه

لنبك لها بمذاب القلوب

فما قدر أدمعنا المالحه

والتذييل :

وكم طفلة لك قد أعولت

وجمرتها في الحشى قادحه

يعززها السبط في حجره

لتغدو في قربه فارحه

فأوجعها قلبها لوعة

وحست بنكبتها القارحه

تقول مضى عمّ مني أبي

فمن ليتيمته النائحه

* * *

السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي الموسوي النقوي الرضوي النجفي ، عالم فاضل وأديب شاعر ظريف لطيف حسن الأخلاق حلو المعاشرة ذكي لامع نظم فأبدع وسابق فحلّق وله مراثي كثيرة في أهل البيت لا زالت تقرأ وتعاد في مجالس العزاء ويحفظها الجمّ الكثير من رواد المجالس حتى العوام ، سمعت من علماء النجف أنه كان إذا حدّث لا يملّ حديثه وينظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، فمن شعره قوله :

بزغت فلاح البشر من طلعاتها

والسعد مكتوب على جبهاتها

بيض كواعب في شتيت ثغورها

قد كان للعشاق جمع شتاتها

٢٢٤

وافت كأمثال الظباء وبينها

ذات الدلال دلالها من ذاتها

نجدية بدوية أجفانها

سرقت من ألارام لحظ مهاتها

نشرت على أكتافها وفراتها

شمسِ سمات الحس دون سماتها

كالبيض في سطواتها والسحر في

وخزاتها والريم في لفتاتها

سلّت صحيفة مقلة وسنانة

حتى رأينا الحتف في صفحاتها

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : هو أبو صادق ينتهي نسبه إلى الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، شاعر شهير وأديب كبير وعالم مرموق. ولد في النجف الأشرف ١٢٨٤ ونشأ بها على أبيه وفي عام ١٢٩٨ سافر بصحبة والده إلى سامراء لتلقى العلم من الإمام الشيرازي ثم رجع مع أبيه سنة ١٣١١ وعندما حلّ في سامراء أخذ الفقه والاصول من بعض الأساتذة.

ذكره فريق من الباحثين منهم صاحب الحصون المنيعة ونعته بالعالم الفاضل الأديب الكامل ، المنشيء الشاعر وذكر جملة من أساتذته ، أقول وأعطاني المرحوم السيد حسين ولد المترجم له ورقة فيها ترجمة شاعرنا وقال لي : إني كتبتها بخطي وحسب ما أعرف عن المترجم له وفيها : العلامة الفقيه الحكيم المتكلم السيد باقر نجل آية الله السيد محمد الهندي. ولد في غرة شعبان ١٢٨٤ ونشأ منشأ طيباً في زمن صالح وتعلّم القرآن والكتابة في مدة يسيرة وكان مولعاً بالامور الاصلاحية وله في ذلك مواقف مشهودة وله مؤلفات لم تزل مخطوطة نحتفظ بها ، منها رسالة في ( حوادث المشروطة ) فيها ما يهم رجال الاصلاح والدعاة المصلحين كما كتب في الأخلاق. وكان شديد الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام عظيم التعلّق بمودتهم ، وفي الليلة الثالثة من جمادى الثانية في سني إقامتنا بسر من رأي ، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة وليّ الأمر وصاحب العصر وهو في قصر مشيد فجعل يخاطبه قائلاً : سيدي هل يغيب عنك ما حلّ باسرتك الطاهرة ولو لم يكن إلا ما جرى على امك الزهراء ، فحنّ الإمام عليه‌السلام والتفت اليه قائلاً :

٢٢٥

لا تراني اتخذتُ لا وعلاها

بعد بيت الأحزان بيت سرور

ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم بصوت بكائه ونبهناه فقص علينا الرؤيا فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية ( يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية ) لذا نظم على وزن هذا البيت قصيدته الشهيرة والتي أولها :

كل غدر وقول إفك وزور

هو فرع عن جحد نص الغدير

واشار الى ذلك بقوله :

أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب

جليل يذيب قلب الصبور

كيف من بعد حمرة العين منها

يا بن طه تهنأ بطرف قرير

فكأني به يقول ويبكي

بسلوٍّ نزر ودمع غزير

لا تراني اتخذت لا وعلاها

بعد بيت الاحزان بيت سرور

واليك المقطع الأول من القصيدة :

كل غدر ، وقول إفك وزور

هو فرع عن جحد نصّ الغدير

فتبصّر تُبصر هداك إلى الحق

فليس الأعمى به كالبصير

ليس تعمى العيون لكنما تعمى

القلوب التي انطوت في الصدور

يوم أوحى الجليل يأمر طه

وهو سار أن مُر بترك المسير

حطّ رحل السرى على غير ماء

وكلا في الفلى بحرّ الهجير

ثم بلّغهم وإلا فما بلّغتَ

وحياً عن اللطيف الخبير

أقم المرتضى إماماً على الخلق

ونوراً يجلو دجى الديجور

فرقى آخذاً بكفّ علي

منبراً كان من حدوج وكور

ودعا والملا حضور جميعاً

غيّب الله رشدهم من حضور

إن هذا أميركم ووليّ الأ

مر بعدي ووارثي ووزيري

هو مولىً لكل مَن كنت مولاه

من الله في جميع الامور

٢٢٦

فأجابوا بألسن تظهر الطاعة

والغدر مضمر في الصدور

بايعوه وبعدها طلبوا البيعة

منه ، لله ريب الدهور

وقوله في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من رائعة تتكون من ٩٠ بيتاً وهذا المقطع الأول :

ليس يدري بكنه ذاتك ما هو

يا بن عمّ النبي إلا الله

ممكن واجب حديث قديم

عنك تنفى الأنداد والأشباه

لك معنى أجلى من الشمس لكن

خبط العارفون فيه فتاهوا

أنت في منتهى الظهور خفيّ

جلّ معنى علاك ما أخفاه

قلت للقائلين في أنك الله

أفيقوا فالله قد سوّاه

هو مشكاة نوره والتجلّي

سرّ قدس جهلتم معناه

قد براه من نوره قبل خلق

الخلق طراً وباسمه سماه

وحباه بكل فضل عظيم

وبمقدار ما حباه ابتلاه

أظهر الله دينه بعلي

أين لا أين دينه لولاه

كانت الناس قبله تعبد الطاغوت

رباً ، والجبتُ فيهم اله

ونبيّ الهدى إلى الله يدعو

هم ولا يسمعون منه دعاه

سله لما هاجت طغاة قريش

مَن وقاه بنفسه وفداه

مَن جلا كربه ومَن ردّ عنه

يوم فرّ الأصحاب عنه عَداه

مَن سواه لكل وجه شديد

عنه مَن ردّ ناكلا أعداه

لو رأى مثله النبي لما

وآخاه حياً وبعده وصّاه

قام يوم الغدير يدعو ، ألا من

كنت مولى له فذا مولاه

ما ارتضاه النبي من قِبلِ النفس

ولكنما الاله ارتضاه

غير أن النفوس مرضى ويأبى

ذو السقام الدوا وفيه شفاه

٢٢٧

وقوله مفتخراً من قصيدة ضاع أكثرها وهذا مطلعها :

لو لم تكن جُمّعت كل العلى فينا

لكان ما كان يوم الطف يكفينا

يوم نهضنا كأمثال الأسود به

وأقبلت كالدبى زحفاً أعادينا

جاؤا بسبعين ألف سل بقيتهم

هل قاومونا وقد جئنا بسبعينا

وقال في إحدى روائعه رائياً آية الله العظمى الميرزا حسن الشيرازي وأولها :

خلا العصر ممن كان يصدع بالأمر

فدونك دين الله يا صاحب العصر

أيحسن أن يبقى كذا شرع أحمد

بلا نهي ذي نهيٍ مطاع ولا أمر

عَفاً لكِ سامراء كم فيك غيبة

تغضّ جفون الدين منها على جمر

ففي الغيبة الاولى ذعرنا ولم نقم

وفي الغيبة الاخرى أقمنا على الذعر

مرض في أواخر شهر ذي الحجة الحرام من سنة ثمان وعشرون بعد الثلثمائة والألف من الهجرة وانتقل إلى جوار ربه أول يوم من المحرم من السنة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف ودفن بجوار والده في دارنا التي نحن فيها الآن (١) وإلى ذلك أشرتُ بقولي في رثائه :

نفسي فداؤك من قريب نازح

أوحشتني إذ صرتَ من جيراني

أعقب من الأولاد : العلامة السيد صادق والعلامة السيد حسين وهذان السيدان عاصرتهما وزاملتهما وهما من أطيب الناس سيرة وأسلمهم سريرة سألتهما عن عمر أبيهما فقالا : قضى وعمره ٤٥ عاماً ورثاه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة أولها :

أتى الافق مبرياً فقيل هلاله

ولو قيل قوس صدّقته نباله

ورثاه شقيقه العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي بقصيدة أولها :

ما كا ضرّ طوارق الحدثان

لو كان قبلك سهمهن رماني

يا ليت أخطاك الردى أو أنه

لما أصابك لم يكن أخطاني

__________________

١ ـ أقول وتقع بمحلة الحويش إحدى محالّ النجف الأشرف.

٢٢٨

ومنها :

يا أولاً في المكرمات فما له

فيها وعنها في البرية ثاني

يا واحداً فيه اتفقن مكارم

لم يختلف في نقلهن اثنان

يا لهجة المداح بل يا بهجة

الارواح بل يا مهجة الايمان

بمَ يشمت الأعداء بعدك لا غفوا

إلا على حسك من السعدان

ببقاء ذكرك في الزمان مخلّداً

أم بالفناء ، وكل حيٍ فان

فليشمتوا فمصاب آل محمد

مما يسرّ به بنو مروان

فارقتنا في شهر عاشوراء

فاتصلت به الأحزان بالأحزان

نبكي المغسّل بالقراح وتارة

نبكي المغسلَ بالنجيع القاني

وننوح للمطويّ في أكفانه

أو للطريح لقىً بلا أكفان

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة قال : كان فاضلاً في جملة من العلوم حسن المعاشرة مع طبقات الناس فمن قوله :

أُحدّث نفسي إنني إن لقيته

أبثّ اليه ما أُلاقي من الضرّ

فلما تلاقينا دهشت فلم أجد

عتاباً فأبدلت المعاتيب بالعذر

وأرخ وفاة والده الحجة السيد محمد بقوله :

يا زائراً خير مرقد

له الكواكب حُسّد

سلم وصلّ وأرخ

وزر ضريح محمد ١٣٢٣

٢٢٩

الشيخ يعقوب النجفي

المتوفى ١٣٢٩

من شعره في الحسين :

لقد ضربت فوق السماء قبابها

بنو مَن سما فخراً لقوسين قابها

فكانت لعلياها الثريا هي الثرى

غداة أناخت بالطفوف ركابها

وثارت لنيل العز والمجد وامتطت

من العاديات الضابحات عرابها

لقد أفرغت فوق الجسوم دلاصها

كأن المنايا ألبستها إهابها

وقد جردت بيض الصفاح أكفها

وهزت من السمر الصعاد كعابها

أعدت صدور الشوس مركز سمرها

طعاناً وأجفان السيوف رقابها

سطت وبها ارتجت بأطباقها الثرى

وكادت رواسي الأرض تبدي انقلابها

ولما طمت في الحرب للموت أبحرٌ

غدت خيلها منها تخوض عبابها

وحين عدت منقضة في عداتها

تولّت كطير حين لاقى عُقابها

فكم أطعمت أرماحها مهج العدا

فما كان أقرى طعنها وضرابها

إلى أن بقرع الهام فلّت شبا الظبا

ودقت من الأرماح طعناً حرابها

هوت وبرغم الدين راحت نحورها

تعدّ الأسياف الظلال قرابها

قضت عطشاً ما بلّ حرّ غليلها

شراب وفيض النحر كان شرابها

ألا يا برغم الدين تنشب ظفرها

أمية في أحشاء طه ونابها

فما عذرها عند النبي وآله

وقد صرعتهم شيبها وشبابها

فيا بأبي أشلاء آل محمد

عوار نسجن الذاريات ثيابها

٢٣٠

فتلك بأرض الطف صرعى جسومها

وارؤسها بالميد تتلو كتابها

ورأس ابن بنت الوحي سار أمامها

وشيبته صار النجيع خضابها

يميل به المياد يمنى ويسرة

فقل للويّ فيه تلوي رقابها

وأعظم خطب للعيون أسالها

كما سال يمٌ ، والقلوب أذابها

ركوب النساء الفاطميات حسراً

على النيب إذ ركبن منها صعابها

إذا هتفت تدعو بفتيان قومها

فبالضرب زجر بالسياط أجابها

تعاتبهم والعين تهمي دموعها

فيا ليت كانوا يسمعون عتابها

بني غالب هلا ترون نساءكم

وقد هتكت آل الدعي حجابها

فيا ليتكم كنتم ترون خدورها

غداة أباح الظالمون انتهابها

أترضون بعد الخدر تسبى كأنكم

بتلك المواضي لم تحوطوا قبابها

وهاتيكم من آل أحمد صبية

رأت من عداها بعدكم ما أشابها

مصائبكم جذت سواعد هاشم

وقد دكدكت لما أطلّت هضابها

فهل يصبرن قلب على حمل بعضها

ولو أنه مسّ الصفا لأذابها

بني أحمد يا من بهم شرعة الهدى

أقيمت وأوتوا فصلها وخطابها

وما الناس يوم الحشر إلا بأمركم

تنال ثواباً أو تنال عقابها

ألا فأغيثوني هناك فانكم

غياث البرايا كلما الدهر نابها

* * *

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر ابن الشيخ حسين ابن الحاج ابراهيم النجفي الأصل والمولد والنشأة. ولد في النجف سنة ١٢٧٠ ه‍ وكان سادس اخوته وأصغرهم سناً وأقربهم إلى أبيه مكانة ، توسم أبوه فيه الذكاء والرغبة بطلب العلم فسهر على تربيته ، ويرجع الفضل للعلامة الحجة السيد مهدي القزويني في تنمية ملكاته العلمية والأدبية ثم لازم حضور منبر الواعظ الشهير والعلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري فقد كان من النفر الذين دونوا الكثير من إملاته

٢٣١

وارشاداته ومن المنتفعين بفوائده وفرائده وهو الذي شجعه على تعاطي الخطابة وممارسة الوعظ لما لمسه فيه من تضلعه في علمي الحديث والفقه وأخبار أهل البيت. ترجم له ولده الخطيب الأديب الشيخ محمد علي في مؤلفه ( البابليات ) وذكر مراحل حياته كما ترجم له صاحب الحصون وقال : هو من خيار الوعاظ في العراق ومن شيوخ قرائها وادبائها ، نجفي المولد والنشأة والمدفن. كان شاعراً بليغاً وأديباً لبيباً ، تخرج في الوعظ على يد العلامة الشهير الشيخ جعفر الشوشتري ، وفي الأخلاق على الملا حسين قلي الهمداني. وترجم له العلامة السماوي في ( الطليعة ) وقال فيما قال : رأيته واجتمعت به وطارحته ، ونظم في الإمام الحسين عليه‌السلام ( روضة ) مرتبة على الحروف تناهز كل قصيدة منها مائتي بيتاً وتنيف. وفي ( البابليات ) أن للمترجم له ثلاث روضات الاولى في اللغة الفصحى وهي التي أشار اليها السماوي والثانية باللغة الدارجة والثالثة في النوحيات وهي أيضا باللغة الدارجة ، وقد عنيت بنشرهما مطابع النجف ، وأشار شاعرنا للروضة الاولى بقوله من أبيات :

إن تسمو بالمال رجال فقد

سمت لأوج الفخر بي همتي

نشأت في حجر المعالي إلى

أن لاح وخط الشيب في لمتي

حسبي نظمي فهو لي شاهد

عدلٌ وقد قامت به حجتي

إني تنبأت بشعري فما

من شاعر لم يك من امتي

فليغرفوا من أبحري كلهم

وليقطفوا الأزهار من ( روضتي )

قام بجمع ديوانه ولده الخطيب الشهير الشيخ محمد علي ورتبه على الحروف حتى إذا ما وقف على حرف الدال حدثت وقعة عاكف وذلك في الحلة أوائل محرم من سنة ١٣٣٥ فتلف ما جمع وما لم يجمع. توفي المترجم له بالنجف الأشرف عشية الأربعاء ليلة الخميس رابع عشر ربيع الثاني من سنة ١٣٢٩ ودفن في وادي السلام ، وهذه طائفة من أشعاره. قال في الموعظة وذم الدنيا.

٢٣٢

من بات في غفلة والموت طالبه

فهل يفوت وينجو منه هاربه

جانب هواك لتحضى بالنعيم فهل

يصلى الجحيم سوى مَن لا يجانبه

إن رمتَ مَنّاً فإن الله منزله

أو رمت صفحاً جميلاً فهو واهبه

أو شئت تأمن من يوم المعاد فبت

والجفن كالغيث إذ ينهل ساكبه

ففي غد ليس ينجو غير من صحب

التقوى ومن غدت التقوى تصاحبه

فكيف يلهو امرءٌ عما يراد به

وللمنية قد سارت ركائبه

هل يؤمن الدهر من مكر ومن خدع

وتلك طبقت الدنيا مصائبه

وليس يصرفه عما يحاوله

عذل ويثنيه عنه من يعاتبه

فكن من الله في خوف وفي حذر

إذ لم ينل عفوه إلا مراقبه

وأرخ جملة من الحوادث المهمة فأجاد وأُبدع منها تاريخه لانتصار الجيوش العثمانية على ليونان بقيادة المشير أدهم باشا في عهد السلطان عبد الحميد سنة ١٣١٤ ، قال :

سلطاننا عبد الحميد الذي

صان حمى الاسلام والمسلمين

أعزّ دين الله في موقف

أذل فيه الشرك والمشركين

حرب بها اليونان قد شاهدت

عاقبة الطغيان عين اليقين

فيها أعان الله أجناده

على العدا والله نعم المعين

أوحى له الذكر بتاريخها

لقد فتحنا لك فتحاً مبين

وقال في صورة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وجدت في متحف من متاحف اليونان ، أهديت للعلامة السيد محمد القزويني :

ملأ العوالم منه حيدر هيبة

وبوصفه حارت عقول الناس

عجباً لمن ملأ البسيطة نوره

وتراه في التصوير في قرطاس (١)

__________________

١ ـ لقد نظم جماعة من الشعراء في هذه الصورة تجدون بعضها في ترجمة السيد باقر القزويني المتوفى ١٣٣٣ في ترجمته الآتية في هذا الكتاب.

٢٣٣

وقال مؤرخاً وفاة استاذ العلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري سنة ١٣٠٣ :

قضى جعفر فالعلم يبكيه والتقى

ويرثيه محراب ويندب منبر

بكت رزءه شهب السما فتناثرت

وحق على أمثاله الشهب تنثر

إلى الواحد الفرد التجأنا فجعفرٌ

قضى شرعه أرخت مذ راح جعفر (١)

وله :

تجود عيوني بالدموع فتغرقُ

ونار جوى قلبي تشب فتحرقُ

لركب سروا والقلب قد سار إثرهم

فيا ركبهم مهلاً عسى القلب يلحق

وظل فؤادي من نواهم كأنه

جناح حمام إذ يرفّ ويخفق

وقد راح يهفو حيث يستاقه الهوى

اليهم وشوقاً كادت النفس تزهق

وسيان وجدي في الأحبة إن مضوا

بهم شحطت عين الديار وإن بقوا

لئن عاد شمل الهمّ مجتمعاً بهم

فقد راح شمل الصبر وهو مفرق

فبتّ ولي قلبٌ يقطّع بالنوى

وطرف على الأحباب دام مؤرق

__________________

١ ـ الشيخ جعفر الشوشتري عالم كبير وواعظ شهير ، طبق العلم على العمل وهو أول من لقب ب‍ ( العالم الرباني ) كان يعظ في صحن الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام فتحضر لاستماع مواعظه مختلف الطبقات حتى الحكام والولاة والقضاء في العهد العثماني وما زال العلماء والوعاظ والخطباء يستشهدون بأقواله ، وله جملة من المؤلفات أشهرها ( الخصائص الحسينية ) يذكر فيه مميزات الامام الحسين وأثر نهضته وفيه من الفلسفة حول ذلك ما لا يوجد في غيره من الكتب التي أُلّفت في الحسين.

ولقد تخرج على منبره جماعات من فطاحل العلماء وأكابر الوعاظ وكتبوا مؤلفات واسعة عن منابره وتأثيرها على المجتمع ولا عجب فما خرج من القلب دخل في القلب وما خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان ، وقد قيل : ما أحسن الدر ولكن على نحر الفتاة أحسن وما أحسن الموعظة ولكن من المتعظ أحسن وفي الآية الشريفة « وما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه » وفي الآية الاخرى « يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ».

٢٣٤

وطلّق جفني النوم من غير رجعة

فبان ولو عادوا يعود المطلق

ووارق عودي يوم فرقتنا ذوى

فما هو من بعد التفرق مورق

ومدّ دموعي عن دم ذوب مهجتي

وكيف يمدّ العين ما هو يحرق

لذا احمرّ مني الدمع وابيض مفرقي

أسى وبعيني اسودّ غربٌ ومشرق

أحنّ وإن بانوا وأحنوا وإن جفوا

وأبكي وإن ناموا وللصب أرقوا

وأهوى الحمى إذ كان معهدهم به

وأقلوا النقا إذا منه ساروا وأعنقوا

فإن أشأموا وخداً فاني مشئم

وإن أعرقوا شوقاً بهم أنا معرق

فلا الماء يحلو بعدهم ويلذّ لي

ولا العيش مهما عشت وهو منمق

أقول لدهري يوم فرّق بيننا

أيا دهر للاحباب أنت المفرق

فهل لخليط أسهر الجفن إذ نأى

إياب وهل للنوم في العين مخفق

فقال ألا للناس طول زمانهم

لكل اجتماع بعد حين تفرق

فقلت لعينيّ اسكبا أدمعاً دماً

على جيرة مني صفا العيش رنقوا

ومَن لي بصحب كم هنا لي سائغاً

بهم مصبح قبل الثنائي ومغبق

فيا عاذلي فيهم ألم تدرِ أنني

بهم واليهم مستهام وشيق

* * *

٢٣٥

الشيخ احمد درويش

المتوفى ١٣٢٩

الشيخ أحمد درويش علي. برع في مختلف الفنون الأدبية وألّف وصنّف وأصبح أحد أقطاب الأدب في الأوساط العلمية ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب سلمان هادي الطعمة قال عنه أنه بغدادي الأصل وكان أديباً فاضلاً له كتاب ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) (١) وله ارشاد الطالبين في معرفة النبي والأئمة الطاهرين ، وأثنى عليه الشيخ اغا بزرك الطهراني فقال : هو الشيخ أحمد بن الشيخ درويش علي بن الحسين بن علي بن محمد البغدادي الحائري ، عالم متبحر وخبير ضليع ، ولد في كربلاء عصر عاشوراء ١٢٦٢ كما رأيته بخطه نقلاً عن خط والده. نشأ محبا للعلم والأدب فجدّ في طلبهما حتى حصل على الشيء الكثير وكان الغالب عليه حبّ العزلة والانزواء وأصبح على أثرهما مصنفاً مكثراً في أبواب المنقول من السير والتواريخ والأحاديث والمواعظ مما يبهج النفوس ويبهر العقول فمن تصانيفه كتابه الكبير ( كنز الأديب في كل فنٍّ عجيب ) سبع مجلدات ضخام ذكر أنه ألّفه في مدة ثلاثين سنة رأيته بخطه الجيد عند ابن اخته وله الدرة البهية في هداية البرية جزئين أحدهما في المواعظ والثاني في الأخلاق وهما بخطه أيضاً عند ابن اخته أيضاً. وكتب عنه البحاثة خير الدين الزركلي في الاعلام. وجاء له من الشعر سواء في رثاء أهل البيت أو في أغراض أُخر أعرضنا عن ذكره أما قصيدته في الإمام الحسين (ع) التي رواها الكثير فنكتفي بذكر مطلعها وهي تزيد على الثلاثين بيتاً :

عجباً لعين فيكم لا تدمع

عجباً لقلب كيف لا يتصدع

__________________

١ ـ أقول ورأيت من هذا الكتاب في مكتبة الآثار ببغداد عدة مجلدات ضخام ، وفي الجزء الأول منه ـ ترجمة لجدنا الأكبر السيد عبد الله شبر صاحب المؤلفات الكثيرة.

٢٣٦

الشيخ كاظم الهر

المتوفى ١٣٣٠

لكن يوم الطف أشجى فادح

وأمضّ يوم بالأسى مشحون

لم أنسَ في أرض الطفوف مصائبا

بقيت وأفنت سالفات قرون

تفنى الليالي وهي باق ذكرها

في كل وقت لا تزال وحين

يوم به سبط النبي محمد

تبكي له حزناً عيون الدين

يوم به نادى الحسين ولم يجد

بين العدا من ناصر ومعين

يوم به شمر الخنا يرقى على

صدر إلى علم النبي مكين

يوم به قد زلزلت زلزالها

سبق الطباق ودك كل رصين

لا غرو إن مطرت سحائب مقلتي

بدم كمنهل السحاب هتون

وبقية الله الذي ينمى الى

جدٍّ لأسرار الكتاب مبين

يبقى ثلاثاً بالتراب معفراً

دام بحدّ حسامها المسنون

ملقى ولكن نسج أنفاس الصبا

أضحى له بدلاً من التكفين

آل الهر اسرة ادبية علمية لها شهرتها ومكانتها (١) ولعل أشهرهم هو الشيخ كاظم المولود في كربلاء عام ١٢٥٧ ه‍ شب وترعرع على حب العلم والكمال فقد درس المقدمات وسهر على علمي الفقه والاصول بالدراسة على أفذاذ عصره فكان مثالاً صالحاً ومفخرة تعتز به كربلاء ، يقول الشيخ السماوي في إرجوزته :

__________________

١ ـ تنحدر من اسرة عربية عريقة بعروبتها تعرف ب‍ ( آل عيسى ).

٢٣٧

وكالأديب الكاظم بن الصادق

ظريف آل الهر في الحقائق

فشعره كان لأهل البيت

مشتهر كغرّة الكميت

كان عالماً فقيهاً وكانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان ، وله ديوان شعر جلّه في مدح آل البيت صلوات الله عليهم ، لم يزل مخطوطاً ، كتب عنه الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) والسيد الأمين في ( الأعيان ) وترجم له أخيراً الأديب سلمان هادي الطعمة في مؤلفه ( شعراء من كربلاء ) واستشهد بشيء من غزله ورثائه ومراسلاته وقال : توفي سنة ١٣٣٠ عن عمر يقدّر بالستين ودفن بكربلاء.

أقول رأيت له قصائد مطولة ومنها مرثية في الإمام الحسن السبط ، وثانية في الامام السجاد علي بن الحسين ، وثالثة في رثاء الامام جعفر بن محمد الصادق ، ورابعة في الامام باب الحوائج موسى بن جعفر ، وخامسة في الامام محمد الجواد عليه‌السلام مما جعلني أعتقد أنه رثى جميع أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه قطعة غزلية من شعره :

وسيتك من خود الغواني غادة

فيها دماء العاشقين تباح

تختال من مرح الدلال بقدّها

ويروق في ذات الدلال وشاح

نشوانة الأعطاف من خمر الصبا

رجراجة الأرداف فهي رداح

للكاعب النهدين شوقي وافر

ومديد طرفي نحوها طماح

ريحان الصب المشوق وروحه

سيان عذب رضابها والراح

رقّت شمايلها وراقت منظراً

وزها بروض خدودها التفاح

مالت كغصن البان رنحه الصبا

قلبي عليه طائر صداح

نشرت ذوائب جعدها وكأنما

نشر العبير بنشرها فياح

٢٣٨

الشيخ محمد رضا الخزاعي

المتوفى ١٣٣١

يا منزل الأحباب والمعهدا

حيّاك وكافّ الحيا مرعدا

وانهلّ منك الروض عن ناظر

إن ظلّ يبكي يُضحك المعهدا

وافترّ ثغر الروض واسترجعت

فيك ليالي الملتقى عوّدا

أنى وسلمى قرّبت للنوى

عيساً وللتوديع مدّت يدا

ما بالها لا رُوّعت روعت

قلبي لدى المسرى برجع الحدا

بانت فما ألفيت في عهدها

إلا فتيت المسك والمرودا

هلا رعت عهد الصبا وارعوت

كيلا تجوب البيد والفد فدا

صدّت وظني أنها أنكرت

منى بياض الشيب لما بدا

لم تدر أن الشيب في مفرقي

قد بان مذ بانت بنو أحمدا

بانوا ولي قلب أقام الجوى

فيه وجنبي جانب المرقدا

كم أعقبوا لي يوم ترحالهم

وجداً بأكناف الحشا موقدا

إن لم أمت حزناً فلي مدمع

يحي الثرى لو لم أكن مكمدا

يهمي رباباً في ربا زينب

يروي شعاب الطف أو يجمدا

كم صبية حامت بها لا ترى

إلا مقاماة الظما موردا

يا قلب هلا ذبت في لوعة

قد كابدوها تقرح الأكبدا

فاجزع لما لاقت بنو أحمد

بالطف إن الصبر لن يحمدا

٢٣٩

حيث ابن هند أمّ أن تنثني

للموت أو تلقي له مقودا

فاستأثرت بالعز في نخوة

كم أوقدت نار الوغى والندا

قامت لدفع الضيم في موقف

كادت له الأبطال أن تقعدا

شبوا لظى الهيجاء في قضبهم

لما تداعوا أصيداً أصيدا

يمشون في ظل القنا للوغى

تيهاً متى طير الفنا غرد

من كل غطريف له نجدة

يدعو بمن يلقاه لا منجدا

يختال نشواناً كأن القنا

هيف تعاطيه الدما صرخدا

سلوا الضبا بيضاً وقد راودوا

فيها المنايا السود لا الخرّدا

حتى قضوا نهب القنا والضبا

ما بين كهل أو فتى امردا

أفدي جسوماً بالفلا وزعت

تحكي نجوماً في الثرى ركّدا

أفديهم صرعى وأشلاؤهم

للسمر والبيض غدت مسجدا

هذي عليها تنحني ركعاً

وتلك تهوى فوقها سجدا

وانصاع فرد الدين من بعدهم

يسطو على جمع العدى مفردا

يستقبل الأقران في مرهف

ماض بغير الهام لن يغمدا

أضحت رجال الحرب من بعده

تروي حديثاً في الطلا مسندا

ما كلّ من ضرب ولا سيفه

ينبو ولو كان اللقا سرمدا

يهنيك ياغوث الورى أروع

غيران يوم الروع فيك اقتدى

لا يرهب الأبطال في موقف

كلا ولا يعبأ بصرف الردى

ما بارح الهيجاء حتى قضى

فيها نقيّ الثوب غمر الردى

ولو تراه حاملاً طفله

رأيت بدراً يحمل الفرقدا

مخضباً من فيض أوداجه

ألبسه سهم الردى مجسدا

تحسب أن السهم في نحره

طوق يحلّي جيده عسجدا

ومذ رنت ليلى اليه غدت

تدعو بصوت يصدع الجلمدا

٢٤٠