أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

فإن يكن ابن نوح قد تولى

غريقاً في القرون الماضيات

فلا يخش ابن نوح العصر هولاً

فقد آوى إلى سفن النجاة

وممن تأثر بالشاعر الشيخ حمادي هو الشاعر الفحل الحاج حسن القيم فقد لازمه ملازمة الظل وكان يعتز بهذا الاتصال وهذه التلمذة فقال يمدحه من قصيدة.

فلو كان ينمى جيد الشعر لانتمى

إلى شاعر من آل نوح مهذب

ولو كان ينمى جيد الشعر لانتمى

إلى مبدع في كل فنّ ومغرب

إذا دام لا تهوى من الناس صاحباً

ففي الشمس ما يغنيك عن ضوء كوكب

ويقول شيخه المذكور في قصيدته التي أبّن فيها هذا التلميذ البار بعد وفاته :

فيا نجم العشيرة لحتَ بدراً

فغيّبك الافول عن النجوم

سقيتك سلسل الكلم المصفّى

تجنّبه قذى الهذر الذميم

إلى أن ظن ماهر كل علم

بأنك حائز شتت العلوم

أبوك على المنابر بدر تمٍ

وأنت اتمّ من قمري تميم (١)

فمن قصائده الحسينية قوله :

ومعرّض لشبا الأسنّة مهجة

للوحي بين صدوعها إلهام

صدع الوغى متهللاً وكأنه

صدع الوغى وله الهلال لثام

الراكب الخطرات وهي أسنة

والخائض الغمرات وهي حمام

والمخصب الشتوات عارية الربى

والفارج الكربات وهي عظام

ركب الوغى ولظى الهجير يشبّها

من حرّ مهجته عليه ضرام

أمعطّر النكباء نفحة عافر

ومردّع البوغاء وهي رغام (٢)

ومجدّلاً نسفت لمصرعه العلا

ومن الهداية دكدكت آكام

__________________

١ ـ يشير إلى شاعري تميم الشهيرين : الفرزدق وجرير.

٢ ـ الردع : الزعفران.

٢٠١

سقطت لمصرعه النجوم كأنها

من صدره عدداً سقطن سهام

ومجرداً نسج الاباء لشلوه

جدداً برود الحمد وهي قتام

عجباً لجسمك كيف تأكله الظبا

وبكل عضو فيه منك حسام

أكل الحديد أمضّ منه مضارباً

عرفته من تحت التريك الهام (١)

طحنت بأضلعه الخيول ودائعاً

يهدي الورى بعلومها العلام

تعدو على جسد يُغاث بنسكه

محل الزمان إذا استسرّ غمام

ترباً تغيّره العواصف وانتهت

أن لا تغيّر نشره الأيام

متميزاً قمراً بشاهقة القنا

كسف الزمان ولم يفته تمام

صدعاً بواضحة الكتاب مبلّغاً

فصل الخطاب إذا ألدّ خصام

ومرتّل الكلم المبين كأنه

جبريل يصدع والأنام سوام

أعلى العواسل رأس سبط محمد

جلبته من خطط العراق شئام

يتأوّد اليزنيّ في قمر الهدى

والمسلمون لدى سناه قيام

وبحضرة الاسلام ينكت ثغره

سوط ابن هند ولا يكاد يلام

ومنها في الشهداء من أهل بيته صحبه :

المنتضين سيوفهم ووجوههم

وكلاهما شهب الظلام وسام

تتزلزل الأطواد من سطواتهم

وتخف إن ذكرت لهم أحلام

وردت حياض الموت طافحة الردى

وعن الزلال تموت وهي صيام

فأعارت الأرماح ضوء رؤوسها

وأنارت البوغا لهم أجسام

وثوت بحر هجيرة لو يلتظي

بذرى شمام ذاب منه شمام

صرعى تزمّلها الدماء ملابساً

حمراً وتسلبها اللباس طغام

فكأن فيض نحورهم لقلوبهم

برد بحفظ ذمارهم وسلام

__________________

١ ـ التريك : جمع تريكة وهي بيضة الحديد.

٢٠٢

وقال : وهو يذكر الحسين أثناء أداء مناسك حج بيت الله الحرام.

يا دهر شأنك والخلاف فما الحجى

متوفرٌ والبغيُ فيك موفر

مُنع ابن فاطمة مناسك حجه

ويزيد يؤمنه الشراب المسكر

لو أنصفت عرفات دكدك فرعها

فقدانه منها وزال المشعر

يا حجر إسماعيل جاوزك الهدى

مذبان عن غدك الحسين الأطهر

يفدي ذبيحك كبشه وعلى الظما

حنقاً صفّى الله جهراً ينحر

أصفاء زمزم لا صفوت لشارب

وحشا الهدى بلظى الظما تتفطر

يروي زلالك وارداً وذوو النهى

بالطف يرويها النجيع الأحمر

اثلاثة التشريق من وادي منى

لا تمّ في واديك حجٌ أكبر

هذي جسوم معاهديك بكربلا

بقيت ثلاثاً بالعرا لا تقبر

يتشرف البيت الحرام بنسكهم

وعميدهم مثل النسيكة ينحر

ما يشهد الحجر الشريف بفقدهم

وبنسكهم في كل عام يزهر

فجسومهم تحت السنابك موطئ

ورؤوسهم فوق الأسنة تشهر

عقدت بأطراف الرماح رؤوسهم

ونساؤهم بظهور عجف تؤسرُ

وله من قصيدة تبلغ ثلثمائة وتسعة ابيات في الامام الحسين :

وجمت بناعية الحسين على الونى

للبغي واضحة الحديث المرسل

وتصرفت فرطا برغم أمينه

بشروطها يدُ ذي تمائم محول

برز ابن أحمد للزمان يقيله

عثرات معلن غدره المتنصل

ومسوماً في الركب كلّ طمرةٍ

غير المكارم فوقها لم تحمل

فتلت بأكعبها سواعد فتية

أدنت مآربها بباع أفتل

من كل من تثنى الخناصر نحوه

يرنو الزمان له بعين الأحول

يغشى النواظر في حياء عقيلة

ومضاء ذي شطب وسبطة أنمل

٢٠٣

مأمومة بأغرّ ينصدع الدجى

بسناه ملء قرى أغر محجل

قد أشخصته عن المواطن بيعة

من عنق صافقها يداً لم تحلل

فأبرّ داعية الشريعة موضحاً

في المسلمين إمامة النص الجلي

يمضي ولا الأرماح نافذ حكمه

ويرى ولا المصباح منه بأمثل

متوسماً إنقاذ داعية الهدى

حير الضلالة وهي عنه بمعزل

حذقاً بمضمر كيدها يعتادها

عن قلّبٍ وافي السريرة حوّل

يجري على سرّ المشيئة واطئاً

ظهر الثنية وطأة المتمهل

الراكب الأخطار وهي منيعة

وأمين ضيم الجار ساعة معقل

وممنع الأبرار بزّة نسكها

ومجرّع الجبار رنقة حنظل

أذكت كريهته فقال لها انزلي

ووفت حميته فقال لها اصطلي

وأبت سلامته فسلّ حفيظة

فياضة كرم الاباء الأجمل

ومضت تناجز عن رواق فنائه

أسد العرينة أردفت بالأشبل

نزعت لدفع عدوها آجامها

وتفيأت أُجم القنيّ الذبل

قلّوا ولكن كل فرد منهم

يغشى الكريهة مفرداً في جحفل

هي ساعة أنست مواقف مأزق

أنفقن من جساس عمر مهلهل

وبضيقها لطم الصفيح وجوههم

فهوت ولا غور النجوم الافل

وتجرّد الوافي بشافية الأذى

من نجدة الكافي يصول بأعزل

تلقى الكماة أمامه ووراءه

رهن الفلاة بغرب حدّ المنصل

يعدو على قلب الخميس فلا يرى

قلب الخميس سوى الرعيل الأول

يلجي تفرده القبائل نحوه

فتؤمّه خجلاً ولما تخجل

فيفلّ غاشية الكماة بعزمة

يوم النزال كريهة لم تفلل

جذلان يأنس عن لهيب فؤاده

متروّحاً بسنا الحديد المشعل

فكأن شارقة السيوف بوجهه

الشمس شارقة بفعمة جدول

٢٠٤

ينقضّ في رهج الظهيرة وارياً

ماوى السريرة قطرة لم ينهل

يروي غرار السيف منهمر الدما

ولسانه من ريقه لم يبلل

كرمت حفيظته على مضض الظما

ريانة نيل الشفاء الأعجل

لو تبرز الدنيا بصورة واترٍ

دامي الوريد بسيفه لم تقبل

فجعته في فئة بها انفجع الهدى

ووثيقة أمل اللهيف المرمل

وأعزّة سقيت أنابيب القنا

أن لا يذوق الدين كاس مذلل

أجرام روحانية تنقضّ من

ملكوت قدس في دلاص شمردل

نهضت بتكليف الإمامة إذ بها

قمر الإمامة سار غير مخذّل

فلذاك أورد صدره سمر القنا

واعار جبهته شفار الأنصل

وهوى بمنعقد القساطل ليتني

من دونه الثاوي بظل القسطل

غيران يلتمس الظلامة فانثنى

وهو الظلامة في التماس مؤجل

ثاوٍ تمنّعه الحمية تارة

وهو الكريم شبا الحسام المصقل

عار تكفّنه محامد هاتف

في الكائنات متى يعنّف يعول

أودى الحسين فيا سماء تكوري

جزعاً عليه ويا جبال تهيلي

هد العماد فما لسمكك رافع

ودهى النفاد فما لفرعك معتلي

فثقي بعترته البقية تأمني

بقرار مسموك ومنع تزلزل

وتبرقعي بدجى الكآبة إنما

غشيتك خطة ظلمة لا تنجلي

هذا ابن هند والحنيفة غضة

ومقالة التوحيد لم تتبدل

قد سل شفرة مرهف في كربلا

ماضٍ لفاطمة الصفية مثكل

وضع الظبا برقاب عترة أحمد

هي تلك بين معفر ومجدل

نحرت على ظمأ بضفة نينوى

حرى القلوب على شفير المنهل

لولا شهادتها بجنب زعيمها

لغدت هناك موائداً للعُسّل

تأبى الوحوش دنوها وينوشها

من خيل أعداها نعال الأرجل

٢٠٥

عقرت فما وطئت بشدة جريها

إلا لأسرار الكتاب المنزل

خلت الحمية يا امية فاخلعي

حلل الحيا وبثوب بغيك فارفلي

سوّدتِ وجه حفائظ العرب التي

كرمت إذا ظفرت برحل مفضّل

فهبي طويت قديم حقدك كامناً

وضممته في طيّ لوعة نعثل

وهبي الوسيلة بحت في إظهارها

بالطف في رهط النبي المرسل

وقطعت فرع أراكة نبوية

بسيوف هند في يدي مستأصل

تلك الفلا غصت بآل محمد

صرعى معفرة برمل الجندل

أكل الحديد جسومهم فكأنهم

للدين قد جاؤا ببدع مشكل

يا خزية العرب انتهت ارب الشقا

من وجد حقدك في بلوغ محصل

أو ما بطرت بنكبة شابت لها

لُحم الأجنة في بطون الحمّل

حتى استبحت الدين إذ قهر السبا

حرم النبي على ظهور الهزّل

فكأنما ظفرت يداك مضيفة

للدين مكرمة بنسوة هرقل

أثكلت نسوة أحمد لينالها

قهر العدو حياطة المتكفل

أبرزتها حسرى كما شاء المنى

من غير مهجة راصد متحمل

تتصفح البلدان صورة سبيها

أشكال بارزة بذلّ المثّل

هي في عيونك حسّرٌ وتبرقعت

بحجاب قدس بالجلال مكلل

تسود من ضرب السياط جسومها

ووجوهها بلظى الهواجر تصطلي

من كل زاكية تقنّع بالقنا

وأمين وحي بالحديد مكبل

مضنى وجامعة القيود يشبّها

لهب الهجير لظى بعنق مغلل

وأمضَ مما جرعته يد العدى

غصصاً من الخطب الفظيع المهول

شتم الخطيب على المنابر جده

أخطيبها فدحتك حزّة مفصل

أبسيفكم زهت المنابر أم بكم

جبريل نادى في الزمان الأول

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى

للمسلمين مجالد إلا علي

٢٠٦

تتمهّد الأعواد غبّ فتوحه

وبسبه الأوغاد لم تتعذل

لا بوركت قوم ترفّع شأنها

بحسامه ، وبشانه لم تحفل

وله في رثائه (ع) وقد نظمها سنة ١٢٦٥ كما في ديوانه ولعلها أول مراثيه الحسينية :

أحمى بابل سُقيت الغماما

وتضوّعت في نسيم الخُزاما

كم لنا في عراص ربعك صيدٌ

شيدوا فيك معهداً ومقاما

إن دعاهم داعي المنى والمنايا

أكرموا وافداً وروّوا حساما

عمرك الله كم حويت بدوراً

نورها يخجل البدور التماما

ولكم حلّ في طلوعك غيد

أودعت في الحشا ضنى وسقاما

خُرّدٌ تفضح الغزالة وجهاً

يوم تنضي براقعاً ولثاما

رب يوم به العواذل أضحت

لا يملّون في ملامي الملاما

يا أخلاي لست فيما زعمتم

زادني الشوق لوعة وغراما

لا ربوع ب‍ ( الجامعين ) محيلات

شجتني ولا طلول أماما

بل شجاني سليل أحمد لما

أججت في وغاهُ حربٌ ضراما

يوم جاءت يقودها ابن أبي

وقاص ظلماً يقفو اللهام اللهاما

قابلتها فتيان صدق لترعى

لأبن بنت النبي فخراً ذماما

شمّرت للوغى ودون حسين

حسبت أكؤوس المنايا مداما

هم أسود وما رأيت اسوداً

تخذت غابة الرماح أجاما

فادلهمت تلك الكريهة التي

قنّعوا الشمس عثيراً وقتاما

لم تزل تخطف النفوس ويلقى

صدرها في اللقا قناً وسهاما

فدعتها حضيرة القدس لما

شيد فيها لهم مقامٌ تسامى

بأبي أنجم سقطن انتثاراً

صيّر الطعن برجهن الرغاما

٢٠٧

يا لك الله أيّ خطب جسيم

جللٌ هوّن الخطوب الجساما

يوم أذكت عصائب الشرك بغياً

بحشا صفوة الجليل أواما

هو فردٌ لكن تراه الأعادي

حين يسطو بهم خميساً لُهاما

سامياً صهوة الطمّر كأن الطر

ف قد قل من هضاب شماما

ترجف الأرض خيفة حين يسطو

مثل فلك في لجة البحر عاما

وتمور السما إذا شاهدته

سلّ من بأسه الشديد حساما

لفّ أجنادها وكّهم منها

البيض قسراً ونكّس الأعلاما

أسد الله ما رأى الأسد في

الهيجاء إلا أعادها أنعاما

بطل أيسر العزائم منه

إن عدا ساطياً يروع الحماما

فدعاه المولى إلى الملأ الأ

على فلبّى طوعاً وكف احتجاما

ولذاك اختار الشهادة حتى

نال فيها ما حيّر الأوهاما

فرمته العدا بأسهم حقد

ليت قلبي عنه تلقّى السهاما

فهوى منه في سماء لويٍ

بدر مجد يجلو سناه الظلاما

ونعاه الروح الأمين ونادى

قتل اليوم مَن به الدين قاما

أي خطب قد هدّ من كعبة

الاسلام في عرصة الطفوف دعاما

ورمى آل هاشم برزايا

نكست من وقوعهن الهاما

يوم سارت من العراق عداهم

بنساهم أسرى تؤم الشئاما

ثاكلات يندبن حزناً ويذرفن

دموعاً تحكي السحاب انسجاما

وتجيل الألحاظ رعباً فلم تلق

سوى كافل يقاسي السقاما

يا لقومي لفادح أورث القلب

غليلاً وفيه أذكى ضراما

يوم ثارت حربٌ على آل طه

فأبادتهم إماما إماما

أيّ يوم هالت عصائب هند

عروة الدين بالقراع انفصاما

أي يوم جبّت لآل نزار

بشبا البيض غارباً وسناما

٢٠٨

أي يوم لخاتم الرسل فلّت

مخذماً فيه شيّد الاسلاما

وأراقت دماء كل أبيٍّ

جلّ يوم الهوان من أن يضاما

يابن بنت النبي إن فاتني نصر

ك بالكف لم يفتني كلاما

لي فيه على عداكم حسام

شفرتاه تحكي الحمام الزؤاما

مع أني لأخذ ثارك شوقاً

أرقب المجتبى الامامَ الهماما

سوف أطفي الغليل من كاشحيكم

في كفاح تزلزل الأعلاما

ولدى قائم الشريعة سيفي

في اللقا يرشح الدما والحماما

وليوث خلفي لآل ( غريب )

منهم تغتدي الليوث سواما

تنشئ الموت في ظباها إذا ما

أبصرتني للحرب أبدي ابتساما

يا بن طه اليك لؤلؤ نظم

فاق في سمطه اللآلي نظاما

فاقبلن من ( محمد ) ما غدا في

فم قاليك علقماً وسماما

وبثغر المحب نحلة شهد

يفضح الشهد طعمها والمداما

وعليكم من ربكم صلوات

وسلام يغشى علاكم دواما

وله :

عذرتك أن تعنفني نصوحا

وقلبك لم يبت بأسى جريحا

تفاقم فانطوت جمل الرزايا

يوازنه فيعدلها رجيحا

هو الخبر الذي اتقدت لظاه

بجانحة الهدى لهباً صريحا

إذا ذبح ابن فاطمة عناداً

فإن الدين قد أمسى ذبيحا

وميز رأسه بشبا العوالي

قطيعاً يعرب الكلم الفصيحا

يرتل في السنان لكل واعٍ

كتاب الله ترتيلاً صحيحا

تمرّ به الرياح وقد مراها

بأطيب من أريج المسك ريحا

وجرده إباه الضيم نفساً

إذا ذكر الهوان نأت نزوحا

لدى أبناء معركة وقته

بمهجتها الذوابل والصفيحا

٢٠٩

عشية لاذ عز الفخر فيه

ومدّ له الهدى طرفاً طموحا

ثوى بثرى الطفوف تعلّ منه

مهندة السيوف دماً سفوحا

فأوسع بيضة الدين انصداعا

وعطل في القصاص لها جروحا

تكفنه العواصف بين قوم

ثلاثاً لا تشق له ضريحا

وفاح شذى الامامة من محيّاً

عليه دم الشهادة قد أفيحا

بيوم جرعته دماء حرب

على ظمأ وحُرّم ما أبيحا

وزلزلها موطدة رعانا

يميل بها له قدر أتيحا

أجلّك أيها البطل المسجّى

ثلاثاً أن تبيت لقى جريحا

مسجّى بالثرى وعداك قسراً

بصدرك أجرت الفرسَ الجموحا

عدىً أفنت ضلوعك بالعوادي

لقد أفنت من التنزيل روحا

تمنّت أنها أفنتك ظلماً

على حنق بها جسداً وروحا

وروح الله حين بكاك عيسى

تشرّف فيك عند الله روحا

وله :

أيوم الطف طرت بها شعاعا

نفوساً سلّها الجزع التياعا

وجزت ببكر خطبك كل خطب

يسوم الطود أيسره انصداعا

سليباً تستمد الشمس منه

إذا بزغت بضاحية شعاعا

صريعاً تشكر الهيجاء منه

إذا التفت به البطل الشجاعا

فأصبح في جنادلها عفيرا

يشرّف فضل مصرعه البقاعا

وأبنية يمنّع في حماها

طريد بني الجرائم أن يراعا

فأمست والتهاب النار فيها

يحط قواعداً علت ارتفاعا

أيدري الدهر أي دم أضاعا

وأي حمى لآل الله راعا

وقال :

خولف المختار في عترته

أهل بيت الوحي براً وولاءا

٢١٠

وأقام الدين فيهم فابى

قومه في آله إلا الجفاءا

أوردوهم كدر العيش إلى

أن أعدّوهم دم النحر ظماءا

وأجالوا الخيل حتى طحنت

خامس الغر الالى حلّوا الكساءا

طحنت صدر ابن بنت المصطفى

يوم في غرّ الهدى سنّ الأباءا

بأبي الثاوين لا يندبهم

غير برح الحرب صبراً وبلاءا

وثوت والدين يدعو حولها

هكذا من لبس الفخر رداءا

تلك أعلام الهدى سحب الندى

وليوث الحرب عزماً ولقاءا

ومغاوير الحفيظات إذا

قذفوا الرعب المغاوير وراءا

عانقت من دونه بيض الظبى

لم يعانق رغدها البيض الظباءا

ووقته الطعن حتى قطّرت

والقنا فيها اعتدالاً وانحناءا

في مراضي أغلب أوردها

مورد العزة بدءاً وانتهاءا

بأبي الفادي سنا حوبائه

دون ايضاح الهدى حتى أضاءا

واقرّوه على الرمضا لقى

يتردى من ثرى الطف كساءا

نسج الريح عليه كفناً

فاكتسى الرمل بمثواه بهاءا

ونواع حوله تدعو أسىً

بقتيل لم يجب منها الدعاءا

وله :

يا راقداً عن بعثه بطراً

أرأيت بعث معاشر رقدوا

بولاء آل محمد علقت

لك يا رهين الموبقات يد

بالطيبين ولم يطب أبداً

من في سواهم قط يعتقد

تأمين أقصى الصبر يوردهم

محناً يزول لبعضها أحد

ما بين منفطر الحشا حرقاً

أودى فغيّب جسمه الكمد

ودفينة سراً أبت سحراً

من أن يشيّع نعشها أحد

دفنت وغصتها بمهجتها

تغلي الفؤاد فينضج الكبد

٢١١

وصريع محراب يعممه

سيف ابن ملجم بالردى يفد

وبسمّ جعدة قطعت كبد

يرنو اليها الواحد الصمد

وبكربلا نُحرت على ظمأ

فئة عليها الماء قد رصدوا

من كل بدر تقى إذا انتصبت

خيم الهدى فبه لها عمد

وركين معركة إذا رجفت

فكأنه في قلبها وتد

ولجَ القتام كأنه قمر

ونحا الصدام كأنه أسد

يرد الردى من دون سيده

فكأنه صافي الروى يرد

صبروا نفوس أكارم سلبت

تحت العجاجة والقنا قصدوا

بفناء منقطع القرين ثووا

وبحفظ عزة مجده انفردوا

وبجنب مصرع قدسه نحروا

فلذاك في درجاته صعدوا

حشدت عليه ألوفهم فأتى

يفني القبائل وهو منفرد

في جحفل من نفسه شرق

بالسيف لا يحصى له عدد

من معشر لم يخلفوا أبداً

لله ما عهدوا وما وعدوا

أودى ولا في سيفه كلل

وهوى ولا بقوامه أوَد

وقال :

وأقمار رشد لوعدا البغي تمّها

لما عولجت في كربلا بخسوف

سليبة أبراد الشهادة في ثرى

يمور عليها في هجير صيوف

يرمّلها فيض الدماء فتكتسي

بسورة نكباء الرياح عصوف

لدى جسد صكّ الصناديد فانثنت

ألوف توقّى بأسه بألوف

ألا قد قضى ابن المصطفى متلافياً

بقايا الهدى صبراً بشمّ انوف

وسلّ سيوف الرشد ساخطة على

بغاة على الشرك القديم عكوف

وينظر صرعى يعلم المجد أنهم

معاقله من تالد وطريف

صريعاً تواريه الأسنة لمّعاً

بأطراف مرّان عليه قصيف

٢١٢

وله :

قد خفروا من محمد ذمماً

ما خفروها لغير محمود

وجرعوا آله ببيض ظبى

كأس الردى في المواقف السود

كأن جاري دما نحورهم

فيض نداهم بموطن الجود

من كل ذي غرة له جلبت

كل المعالي بحشد محشود

بادي المحيا إذا الوغى التهبت

خاض لظاها ببأس صنديد

يستعرض البيض في سنا قمر

من وجه باديه غير رعديد

قد قلّد الدين من صنائعه

يوم الوغى أشرف المقاليد

* * *

٢١٣

السيد علي الأمين

المتوفى ١٣٢٨

قال مخمساً أبيات السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة ١٣٢٥ وأصل الأبيات في مدح أمير المؤمنين علي :

بنفسي الحسين سقته عداه

كؤوس المنون وساقت نساه

فقل للوصي وحامي حماه

أبا حسن أنت عين الاله

فهل عنك تعزب من خافيه

أما هتفت بك بين الطغاة

نساك وأنت حمى الضائعات

وأنت المرجّى لدى النائبات

وأنت مدير رحى الكائنات

وإن شئت تسفع بالناصيه

أتقعد يا سيد الأوصياء

ووترك بين بني الأدعياء

وتجثو وذا الكرب يقفو البلاء

وأنت الذي امم الأنبياء

لديك إذا حشرت جاثية (١)

السيد علي السيد محمود الأمين كان عالماً محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً قوي الحجة. ترجم له السيد الأمين في الأعيان فقال : كان ورعاً شاعراً أديباً نقاداً للشعر مهيباً مطاعاً نافذ الكلمة محمود النقيبة اتفقت على حبه وتعظيمه

__________________

١ ـ ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام ، للشيخ محمد السماوي ، مرّ في صفحة ١٠٤ قصة هذه الابيات والحلبة الشعرية حولها ومنهم السيد المترجم له.

٢١٤

جيمع الناس من جميع المذاهب. ولد في شقرا من قرى جبل عامل ـ لبنان في حدود سنة ١٢٧٦ وتوفي ليلة السبت ١١ شوال ١٣٢٨ ه‍ فيكون عمره نحواً من اثنين وخمسين سنة قضاها في خدمة العلم إفادة واستفادة وتأييد الدين وقضاء حوائج المؤمنين. وبعدما حفظ القرآن في مدة يسيرة ولما يبلغ السبع تفرغ لطلب العلم وتوجه للنجف في حدود سنة ١٢٩٠ وعمره نحو ١٤ سنة وكان يقول : بلغت الحلم في النجف فقرأ علوم العربية والاصول على الشيخ احمد ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ـ الذي كان وحيداً في توقد الذهن وطيب الأخلاق ، كما قرأ على الشيخ محمود ذهب ، هذا في السطوح وأما درس الخارج فقرأ في الفقه والاصول على الفقيه الشيخ اغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه وغيره من المصنفات وعلى الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام ، وفي الاصول على الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وغيرها ، وتخرج على يده في العراق ولبنان عدد كثير من العلماء والفضلاء وكان يقول : باحثتُ المطول للتفتا زاني أربع عشرة مرة ، وبقي في النجف الأشرف في خدمة العلم نحواً من إحدى وعشرين سنة ، وهذه ألوان من شعره ، قال مخمساً بيتين لبعض المتقدمين في مشهد الحوراء زينب بنت امير المؤمنين (ع) بقرية راوية من دمشق الشام :

لبنت خير الورى طراً وبضعته

قبرٌ ملوك الورى تعنو لهيبته

فقلت مذ فزت في تقبيل تربته

مَن سره أن يرى قبرا برؤيته

يفرج الله عمن زاده كربه

فذا إذا الطرف من بُعد تبيّنه

رأى من العالم العلوي أحسنه

ومن يرم إن دهاه الخوف مأمنه

فليأت ذا القبر إن الله أسكنه

سلالة من رسول الله منتجبه

روى السيد الأمين في الأعيان جملة من مراسلاته وما قيل في رثائه من النظم تغمده الله برحماته.

٢١٥

الشيخ عبّود الطريحي

المتوفى ١٣٢٨

الشيخ عبود الحاج سالم الطريحي شاعراً أديباً ظريفاً حاضر النكتة فكه الحديث ، ولد بالنجف عام ١٢٨٥ وشبّ ونمى بين أديب وعالم ومؤرخ وتدرج على الخطابة مضافاً إلى الكسب ويلازم ديوان أبيه الشاعر الكبير الحاج سالم وهو حافل كل ليلة بالادباء والعلماء فمن حيث يريد ولا يريد نظم الشعر وبرع فيه ، فمن مرتجلاته في شهر رمضان :

أقبل شهر الله قم واستعد

لصومه مع التقى والصلاح

شهر به الرحمة قد أنزلت

فأطلب به الرحمة وأرج السماح

دع الملاهي عنك وادعو به

دعا لنهار ، ودعا الافتتاح

ومرّ يحمل كمية من ( الخيار ) وذلك في تموز فجاء به لأهله وارتجل :

قد ذاب قلبي من هوى تموز

من حرّه قد جفّ ماء الكوز

في السوق ( رقيٌ ) وإني مفلس

بردته بخيارة العطروز

نظم في الغزل قصيدة مطلعها :

رق ماء الحسن في الخدّ الأسيل

من غزال ناعس الطرف كحيل

ترجم له عبد المولى الطريحي في ( الاسرة الطريحية ) والخاقاني في شعراء الغري وذكر له مقطوعة شعرية في الإمام الحسين (ع) أولها :

إذا شئت النجاة من العقاب

ومن هول القيامة والحساب

فبادر للحسين وقف وسلّم

عليه بانكسار وانتحاب

٢١٦

الشيخ حسين الكربلائي

المتوفى ١٣٢٨

قال من قصيدة في رثاء الامام الحسين عليه‌السلام مطلعها :

ألا مَن مجيري من عيون فواتر

لعبن بألباب الكماة القساور

إلى أن يتخلص لفاجعة كربلاء فيقول :

قضى ضامياً في الطف سبط محمد

خميص الحشا تحت القنا المتشاجر

بأهلي ونفسي صادي القلب طاوياً

ومن دمه تروى شفار البواتر

رمته بنو حرب بأسهم بغيها

وليس لديه من محام وناصر

نسوا جده الهادي النبي وضيعوا

ـ بقتلهم السبط ـ قربى الأواصر

بعتبة جاؤا يطلبون بثأرهم

من الله لا من حيدر يوم عاشر

* * *

ترجم له صديقنا الأديب سلمان هادي الطعمة وذكر له جملة من النوادر وشيئاً من الشعر في الغزل ويكفينا أن أشرنا اليها ، كما ترجم له الشاب الاستاذ موسى الكرباسي في مؤلفه : البيوتات الأدبية في كربلاء ، ويؤسفنا أن هذا الكتاب لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من أغلاط مطبعية أما الشعر فيكاد أن يكون ممسوخاً. أملنا العناية بالكتاب في الطبعة الثانية بعون الله.

٢١٧

السيد مهدي البغدادي

المتوفى ١٣٢٩

شاهد هلال المحرم فقال :

تنهلّ أدمع مقلتي

إن قيل لي هلّ المحرم

ما إن ذكرت مصيبة

لكنما ذكراه مأتم

وشاهد مأتما لعزاء الإمام الحسين قد أقامه أحد العلويين وضرب خيمة على المأتم فقال :

ضرب الرواق يقيم مأتم جده

وهو الحقيق بأن يقيم المأتما

متصدراً في دسته فكأنه

شخص النبي مخاطباً ومكلما

* * *

السيد مهدي البغدادي النجفي الشهير بأبي الطابو ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم (ع). ولد ببغداد عام ١٢٧٧ ه‍ وهاجر أبوه إلى النجف فحمله معه ونشأ بها فدرس المقدمات من نحو وصرف ومنطق وبلاغة ، ذكره جمع من الاعلام منهم ( صاحب الحصون ) ومال إلى قرض الشعر ، وكان رحمه‌الله رقيق الروح خفيف الطبع ، ولع آخر حياته بالزراعة ، ومن آثاره الأدبية منظومة في المعاني والبيان أسماها ( اللؤلؤ والمرجان ) ومن ملحه ونوادره أن الخطيب الشيخ كاظم سبتي لما هاجر من النجف إلى بغداد حصلت منافسة بينه وبين خطيب بغداد السيد عباس الموسوي وانقسم البغداديون شطرين بين هذين الخطيبين واحتكموا إلى المترجم له فقال :

٢١٨

أترجوا الخير من همج رعاع

قد ابتدلوا بعباس ( ابن سبتي )

فكانوا يسجدون إذا رأوه

ولا عجب فهم أبناء سبت

ومن مرتجلاته أن السلطان ناصر الدين شاه لما زار النجف أهدى ( عصى ) إلى بعض العلماء فقال السيد مهدي :

عصاً كعصى موسى ولكن تقلها

يدٌ طالما أحيت مكارمها الخضرا

وقد قال قوم إنها سحر ساحر

فقلت اخسؤا هذي التي تلقف السحرا

ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري فذكر جملة من بنوده ورسائله ومحاسن تواريخه التي نظمها في مناسبات تاريخية وحوادث ذات شأن وألواناً من شعره في الغزل والفخر والحماسة فهو يتحمس في قصيدة جاء في أولها :

بماضي رهيف العزم أقتحم الصعبا

وبالهمة القعساء أقتلع الهضبا

عليّ أثام العرب إن ضلّ صارمي

ولم يحتلب غلب الرقاب له شربا

وله الكثير من أدب المراسلات وأكثرها مع المرحوم السيد حسين القزويني ، فقد قال في مراسلة عام ١٣٢٠ هذا أولها :

صنت سمعي عن عاذل فيك لاحي

ظن بالعذل يستلين جماحي

تربت كفه فقد رام أمراً

دونه وقع داميات الصفاح

أين حال الخليّ من ذي صبا

بات برت جسمه كبري القداح

قد رمته يد الغرام سهاماً

بات منها على أمضّ جراح

لا تلمني فلست أول صبٍّ

دنف القلب وهو في جسم صاح

إن صبا فهو لا إلى المقل النجل

وإن هام لا بذات الوشاح

عمرك الله هل تعود ليال

هي أصفى من الزلال القراح

وأما والهوى وخمر ثناياك

ولالاء جيدك الوضاح

٢١٩

ما بأرض الغري بعدك يحلو

في عبوقي ولا يلذّ اصطباحي

أرقب الثاقبات والليل داج

لم أخله ينشق عن إصباح

وإذا ناحت الحمامات في فرع

أراك شاطرتها بالنياح

أترى أجلب الليالي صفاءاً

ومن الهم أترعت أقداحي

ذهبت بهجة الزمان وولّت

جدّة العمر وانطفى مصباحي

أيها الممتطي جسوراً من النيب

تلفّ الحزون لفّ البطاح

لا يشق النسيم منها غباراً

بغدوٍّ إن أدلجت ورواح

خض بها غامض السرى واقتعدها

وأقمها بالمندل النفاح

بربوع شقيقهن خدود

بغوان يبسمن لا عن أُقاح

جدّ قلب المشوق فيها ولوعاً

بنفور لا بالحسان الملاح

علم الصبر أنني فيه حرٌ

لم أدع ما عليه ضمت جناحي

ولو أني جزعت ما غلبتني

ببكاء حمامة أو نياح

إن قلبي من الزمان جريح

وجريح الزمان صعب الجراح

سل ربوع الغري هل لاح فيها

بعد فقد الحبيب ضوء الصباح

أين شملي أم أين مجمع أُنسي

فكأني قد كنت في ضحضاح

تعليق :

أقول والضحضاح هو القليل من الماء الذي لا يغمر القدم ، فلا تطلق العرب كلمة : ضحضاح إلا على الماء القليل ، ولكن المغيرة بن شعبة وهو المعروف ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، اختلق حديثاً كاذباً فزعم أن النبي (ع) قال : إن عمي أبا طالب في ضحضاح من نار. أبو طالب هو المحامي الأول عن بيضة الاسلام وهو الكافل للنبي والمدافع عنه بالنفس والمال والأهل والعشيرة وهو القائل كما رواه الالوسي في شرح القصيدة المطولة :

كذبتم وبيت الله نخلي محمداً

ولما نطاعن دونه ونناضل

٢٢٠