أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ٨

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

١
٢

٣

٤

المقدمة

منذ سنوات عشر كنت كلما واتتني الفرصة ووجدت متسعاً من الوقت طرت الى بيروت وعكفت في احدى المطابع وواصلت السهر على إخراج جزء من أجزاء هذه الموسوعة ( أدب الطف ) فلا يمرّ شهر واحد حتى يكون الكتاب قد نجز ، وبيروت يومئذ قائمة على قدم وساق تصل الليل بالنهار بمواصلة العمل ، أما اليوم وقد هبطت اليها لنفس الغرض وبتاريخ ٢٧ / ٥ / ١٩٧٧ والمصادف ٨ جمادي الثانية من سنة ١٣٩٧ ه‍ وإذا هي موحشة الجوانب خاوية على عروشها فذكرت قوله تعالى ( أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ).

ايه يا عروس الشرق كيف ابيح حماك وصار عرضة للسلب والنهب.

هل تؤمنين بأن الأرض تشقى وتسعد ، وهل تؤمنين أن المعاصي تزيل النعم ( وضرب الله مثلاً قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً فكفرت بأنعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ).

استغرقت في تفكيري ورددت ما خطر ببالي من الوقوف على الاطلال ومخاطبة الديار. ثم هيأ الله بعد اللتيا والتي من يستجيب لتحقيق أمنيتي ، فنجز الجزء السابع واتبعته بالجزء الثامن والحمد لله. وهذا الجزء يتضمن البقية من شعراء القرن الثالث عشر وقسماً من الرابع عشر.

المؤلف

٥

السيد حيدر الحلي

المتوفى ١٣٠٤

أهاشم لا يوم لك ابيضَّ أو ترى

جيادك تزجي عارض النقع أغبرا

طوالع في ليل القتام تخالها

وقد سدّت الافق السحاب المسخرا

بني الغالبيين الألى لست عالماً

أأسمح في طعن اكفك أم قرى

إلى الآن لم تجمع بك الخيل وثقة

كأنك ما تدرين بالطف ما جرى

هلمي بها شعث النواصي كأنها

ذئاب غضاً يمرحن بالقاع ضمرا

وإن سئلتك الخيل اين مغارها

فقولي ارفعي كل البسيطة عثيرا

فان دماكم طحن في كل معشر

ولا ثار حتى ليس تبقين معشرا

ولا كدم في كربلا طاح منكم

فذاك لأجفان الحمية أسهرا

غداة أبو السجاد جاء يقودها

أجادل للهيجاء لحملن أنسرا

عليها من الفتيان كل ابن نثرة

يعدّ قتير الدرع وشياً محبرا

أشمّ إذا ما افتض للحرب عذرة

تنشقّ من أعطافها النقع عنبرا

من الطاعني صدر الكتيبة في الوغى

إذا الصف منها من حديد توقرا

هم القوم اما اجروا الخيل لم تطأ

سنابكها إلا دلاصاً ومغفرا

إذا ازدحموا حشداً على نقع فيلق

رأيت على الليل النهار تكورا

كماة تعد الحيّ منها إذا انبرت

عن الطعن من كان الصريع المقطرا

٦

ومَن يخترم حيت الرماح تظافرت

فذلك تدعوه الكريم المظفرا

فما عبروا إلا على ظهر سابح

إلى الموت لما ماجت البيض ابحرا

مضوا بالوجوه الزهر بيضاً كريمة

عليها لثام النقع لاثوه اكدرا

فقل لنزار ما حنينك نافع

ولومتّ وجداً بعدهم وتزفرا

حرام عليك الماء ما دام مورداً

لأبناء حرب أو ترى الموت مصدرا

وحجر على أجفانك النوم عن دم

شبا السيف يأبى أن يطل ويهدرا

أللهاشمي الماء يحلو ودونه

ثوت آله حرى القلوب على الثرى

وتهدأ عين الطالبي وحولها

جفون بني مروان ريّا من الكرى

كأنك يا أسياف غلمان هاشم

نسيت غداة الطف ذاك المعفرا

هبي لبسوا في قتله العار أسوداً

أيشفي إذا لم تلبسوا الموت أحمرا

ألا بكر الناعي ولكن بهاشم

جميعاً وكانت بالمنية أجدرا

فما للمواضي طائل في حياتها

إذا باعها عجزاً عن الضرب قصرا

ثوى اليوم أحماها عن الضيم جانباً

وأصدقها عند الحفيظة مخبرا

وأطعمها للوحش من جثث العدى

وأخضبها للطير ظفرا ومنسرا

قضى بعد ما ردّ السيف على القنا

ومرهفه فيها وفي الموت أثرا

ومات قريب العهد عند شبا القنا

يواريه منها ما عليه تكسرا

فإن يمس مغبّر الجبين فطالما

ضحى الحرب في وجه الكتيبة غبرا

وإن يقض ظمآناً تفطر قلبه

فقد راع قلب الموت حتى تفطرا

وألقحها شعواء تشقى بها العدى

ولود المنايا ترضع الحتف ممقرا

فظاهر فيها بين درعين نثرة

وصبر ودرع الصبر أقواهما عرى

سطا وهو أحمى من يصون كريمة

وأشجع من يقتاد للحرب عسكرا

فرافده في حومة الضب مرهف

على قلّة الأنصار فيه تكثرا

تعثّر حتى مات في الهام حده

وقائمه في كفه ما تعثرا

٧

كأن اخاه السيف أُعطي صبره

فلم يبرح الهيجاء حتى تكسرا

له الله مفطور من الصبر قلبه

ولوكان من صم الصفا لتفطرا

ومنعطفاً اهوى لتقبيل طفله

فقبل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى

ومن قبله في نحره السهم كبرا

وفي السبي مما يصطفي الخدر نسوة

يعز على فتيانها أن تسيرا

حمت خدرها يقضى وودت بنومها

ترد عليه جفنها لاعلى الكرى

مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم يدع

عماداً لها إلا وفيه تعثرا

وجشمها المسرى ببيداء قفرة

ولم تدر قبل الطف ما البيد والسرى

ولم تر حتى عينها ظل شخصها

إلى أن بدت في الغاضرية حسرى

فاضحت ولا من قومها ذو حفيظة

يقوم وراء الخدر عنها مشمرا

ولد السيد حيدر في الحلة وينتهي نسبه الى الامام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ـ كان مولده (١٥) شعبان سنة ١٢٤٦ ه‍ الموافق سنة ( ١٨٣٠ م ) وقبل أن يكمل عامه الثاني من عمره فقد والده فعاش يتيماً وتولى تربيته عمه السيد مهدي وكانت وفاته بالحلة يوم التاسع من ربيع الثاني وحمل إلى النجف فدفن في الصحن الشريف امام الرأس الشريف. كان شاعراً مجيداً من أشهر شعراء العراق أديباً ناثراً جيد الخط نظم فأكثر ولا سيما في رثاء الحسين عليه‌السلام فقد حلّق ، بالرغم من أن معاصريه من فحول الشعراء وأكابر الادباء فقد فاقهم حتى اعترفوا له بالفضل. قال السيد في الاعيان : وكان لغوياً عارفاً بالعربية شهماً أديباً ، وقوراً تقياً عليه سمات العلماء الأبرار كثير العبادة والنوافل كريم الطبع. في الطليعة اخبرني السيد حيدر الحلي قال رأيت في المنام فاطمة الزهراء عليها‌السلام فأتيت اليها مسلماً عليها مقبّلا يديها فالتفتت إلي وقالت :

أناعيَ قتلى الطف لا زلتَ ناعيا

تهيج على طول الليالي البواكيا

٨

فجعلت أبكي وانتبهت وأنا اردد هذا البيت وجعلت أتمشى وأنا أبكي ففتح الله علي أن قلت :

أعد ذكرهم في كربلاء إن ذكرهم

طوى جزعاً طيّ السجل فؤاديا

ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها

بعد رزايا تترك الدمع داميا

ستنسى الكرى عيني كأن جفونها

حلفن بمن تنعاه ان لا تلاقيا

وتعطي الدموع المستهلات حقها

محاجر تبكي بالغوادي غواديا

واعضاء مجد ما توزعت الضبا

بتوزيعها إلا الندى والمعاليا

لئن فرقتها آل حرب فلم تكن

لتجمع حتى الحشر إلا المخازيا

ومما يزيل القلب عن مستقره

ويترك زند الغيظ في الصدر واريا

وقوف بنات الوحي عند طليقها

بحال بها يشجين حتى الأعاديا

لقد الزمت كف البتول فؤادها

خطوب يطيح القلب منهن واهيا

وغودر منها ذلك الضلع لوعة

على الجمر من هذي الرزية حانيا

أبا حسن حرب تقاضتك دينها

إلى أن أسائت في بنيك التقاضيا

مضوا عطري الأبراد يأرج ذكرهم

عبيراً تهاداه الليالي غواليا

غداة ابن ام الموت اجرى فرنده

بعزمهم ثم انتضاهم مواضيا

واسرى بهم نحو العراق مباهياً

بأوجههم تحت الظلام الدراريا

تناذرت الأعداء منه ابن غابة

على نشرات الغيل اصحر طاويا

تساوره افعى من الهم لم يجد

لسورتها شيئاً سوى السيف راقيا

واظمأه شوق إلى العز لم يزل

لورد حياض الموت بالصيد حاديا

فصمم لا مستعدياً غير همة

تفل له العضب الجراز اليمانيا

واقدم لا مستسقياً غير عزمة

تعيد غرار السيف بالدم راويا

بيوم صبغن البيض ثوب نهاره

على لابسي هيجاء أحمر قانيا

ترقت به عن خطة الضيم هاشم

وقد بلغت نفس الجبان التراقيا

٩

لقد وقفوا في ذلك اليوم موقفاً

إلى الحشر لا يزداد إلا معاليا

هم الراضعون الحرب اول ـا

ولا حلم يرضعن إلا العواليا

بكل ابن هيجاء تربى بحجرها

عليه ابوه السيف لا زال حانيا

طويل نجاد السيف فالدرع لم يكن

ليلبسه إلا من الصبر ضافيا

يرى السمر يحملن المنايا شوارعاً

إلى صدره ان قد حملن الأمانيا

هم القوم اقمار الندي وجوههم

يُضئن من الآفاق ما كان داجيا

مناجيد طلاعين كل ثنية

يبيت عليها مُلبد الحتف جاثيا

ولم تدر ان شدوا الحبا احباهم

ضمّن رجالاً أم جبالاً رواسيا

قال : ثم أوصى أن تكتب وتوضع معه في كفنه ترجم له الكثير وقرضوا شعره إذ هو الشاعر الذي لم يزل يحتفظ بمكانته السامية في نفوس الشعراء والعلماء والادباء ولم تضعضع الأيام ولا مرّ السنين من رفعته وجلالته وتقديره ، وما رأيت شاعراً من شعراء الحسين عليه‌السلام تتذوقه النفوس وتهوى تكرار قصائده كالسيد حيدر في جميع الأقطار الشيعية فهو مضرب المثل في هذه الصناعة. قال الزركلي في ( الاعلام ) : السيد حيدر شاعر أهل البيت في العراق أديب إمامي شعره حسن ، وكان مترفعاً عن المدح والاستجداء موصوفاً بالسخاء له ديوان شعر سماه ( الدر اليتيم ) وأشهر شعره حولياته في رثاء الحسين عليه‌السلام وترجم له الخطيب الأديب الشيخ اليعقوبي في البابليات فقال : ولد رحمه‌الله في الحلة ليلة النصف من شعبان سنة ١٢٤٦ ه‍ ومات أبوه سنة ١٢٤٧ فاقترن السيد مهدي ـ عم المترجم له ـ بزوجة اخيه السيد سليمان وعمر ولدها حيدر أقل من عامين فنشأ في حجر عمه وربيب نعمته وخريج مدرسته ، قال : وقد وقفت يوم كنت في الحلة على نسخ كثيرة من قصائد عمه ورسائله النثرية التي كان يبعث بها لآل كبة وغيرهم وهي بخطة المترجم له وفي آخرها يقول : وحضر كاتب الحروف ولدنا حيدر يهديكم عاطر التحيات.

١٠

وطفق من أول نشأته يحفظ الشعر ويعالج النظم كأنه مطبوع عليه حتى أحرزت قصائده استحساناً عظيماً في أندية الأدب ، وتفاءل قراء شعره بنبوغه في الفن ، كما أنه في نثره لا يقل عن نظمه فصاحة وبلاغة حتى قال فيه شيخ ادباء بغداد عبد الباقي العمري :

لقد أبدع السيد المرتقى

بتسميطه ذروة الابلق

وفاه بما فيه ـ لافظ فوه ـ

لبيد الفصاحة لم ينطق

وبرّز في حلبة غيره

اليها وإن طار لم يسبق

وقد كان أبيّ النفس ، واسع الجاه عظيم القدر يتمتع بمكانة سامية في الأوساط العلمية والأدبية بحيث يحتفى به حجة الاسلام الشيرازي إذا استزاره إلى سامراء ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ) ان السيد حيدر قصد سامراء لزيارة الإمامين العسكريين عليهما‌السلام وبعد أداء الزيارة قصد السيد المجدد الشيرازي ، فعزم السيد المجدد على ردّ الزيارة له وحمل معه مائة ليرة ذهبية ودفعها له بكل إجلال وتقدير ، ثم قبّل يد السيد حيدر حيث أنه شاعر أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذا منتهى التقدير.

وكان من أوعى رجال الأدب صدراً لمادته لغة وعلوم عربية ومن اكثرهم حفظاً للفوائد واستظهاراً للشوارد وأشدهم مزاولة لأشعار العرب وخطبهم ، جزل الألفاظ رقيق المعاني حسن الروية جيد الطبع فجاء شعره في الغالب متين التأليف عربياً فصيح المفردات والتراكيب ، وحسبك منه ( حولياته ) التي لم يقصر فيها عن شأو زهير في البلاغة وصحة اللفظ والمعنى وهي مرثياته للسبط الشهيد أبي عبد الله الحسين؟ التي خلدته خلوداً يبقى مع الزمن ، فلا شك أنه شقّ فيها غبار الشريفين الرضى والمرتضى ومهيار وكشاجم وكل من تعاطى رثاء الامام الشهيد عليه‌السلام من فحول شعراء الشيعة المتقدمين والمتأخرين وجاء باللون الجديد في الرثاء وتفنن فيه ما شاء له أدبه ومقدرته في الألفاظ والمعاني والأساليب ما هزّ المشاعر واستمطر الدموع.

١١

قال الشيخ اليعقوبي : وحدثني المغفور له السيد هادي القزويني أن عمه السيد ميرزا جعفر كان يقترح على خطيب الذكرى الحسينية في المحفل الذي يعقده بداره في الحلة طيلة العشرة الاولى في المحرم أن لا ينشده غير المراثي الحيدرية ، ومجموع قصائد السيد حيدر الحسينية (٢٣) عدا المقاطيع وكلها من الشعر المختار ، وقد جمعت وطبعت مستقلة عن ديوانه غير مرة في الهند والنجف وقد أحجم عن مجاراته فيها كثير من الشعراء المعاصرين له والمتأخرين عنه.

وأنبأني الأديب الحاج عبد المجيد الشهير ب‍ ( العطار ) قال : دخلت على السيد يوماً وطلبتُ منه قصيدته النونية التي مطلعها :

إن ضاع وترك يابن حامي الدين

لا قال سيفك للمنايا كوني

فاستدعى بمحفظة خشبية أخرج منها أكثر من ثمان نسخ من القصيدة نفسها ، وكل واحدة تختلف عن سابقتها في التقديم والتأخير والتنسيق حتى دفع إلي آخر نسخة كان قد أعاد النظر في تهذيبها وهي التي ارتضاها بعد إجهاد الفكر ، والى مراثيه هذه أشار المجاهد السيد السعيد الحبوبي بقوله في قصيدته التي رثاه فيها وهي أبلغ قصيدة رثي بها المترجم له :

أجوهرة الدنيا التي قد تزينت

به واكتست من بشره اللمعانا

فمن للقوافي الغر بعدك حيدرٌ

يساجل فيها دائنا ومدانا

فكم لك إذ تدعو ابن أحمد ندبة

تزلزل رضوى أو تزيل أبانا

أطلتَ ولم تملل بكاك عليهم

فطال ولم نملل عليك بكانا

ولا تظن أن إبداعه يقتصر على مراثي أهل البيت عليهم‌السلام فإن شعره في شتى النواحي مزدان بالإبداع مرصوص الجوانب كالسلاسل الذهبية فاستمع إلى قطعة من قصيدته التي قالها في رثاء الميرزا جعفر القزويني والتي مطلعها :

قد خططنا للمعالي مضجعا

ودفنّا الدين والدنيا معا

عقدنا للمساعي مأتما

ونعينا الفخر فيه أجمعا

١٢

صاحب النعش الذي قد رفعت

بركات الأرض لما رفعا

وقوله من قصيدة يرثي بها علامة عصره الشيخ مهدي حفيد الشيخ الأكبر كاشف الغطاء :

يا من أضاء بنوره أفق الهدى

أعلمتَ بعدك كل افق أظلما

أبكيك للاحسان غاض نميره

قسراً وللآمال بعدك حوّما

رفعوك والبركات عن ظهر الثرى

وطووك واللمعات عن وجه السما

دفنوك وانصرفوا بأعظم حيرة

فكأنما دفنوا الكتاب المحكما

ولشاعرنا السيد حيدر آثار أدبية :

١ ـ كتاب دمية القصر في شعراء العصر ، جمع فيه ما قاله شعراء عصره في المرحوم الحاج محمد صالح كبة وأولاده وأحفاده وهو يقع في ٥٥٦ صفحة ، لا توجد غير نسخة الاصل وهي في مكتبة الشيخ محمد مهدي كبة.

٢ ـ العقد المفصل يجمع المحسنات البديعة والطرف الأدبية والنوادي والفكاهات واللغة والأدب ، طبع ببغداد في جزئين كبيرين سنة ١٣٣٢.

٣ ـ الاشجان في خير انسان يتكون من ٩٥ صفحة جمع فيه ما قيل في رثاء السيد ميرزا جعفر القزويني وعدد الشعراء الذين ترجم لهم ٢٣ شاعراً.

٤ ـ ديوان شعره ، ولم يكن مجموعاً في حياة الناظم وإنما جمعه ابن اخيه السيد عبد المطلب باقتراح من الحجة السيد حسن الصدر قدس‌سره. وقد طبع في الهند سنة ١٣١٢ ه‍ ثم أُعيد طبعه مرة ثانية بنفس الطباعة الحجرية فكانت كالاولى بكثرة اغلاطها النحوية والاملائية ، وفي سنة ١٣٦٨ ه‍ قامت مطبعة ( الزهراء ) بالنجف الأشرف بطبع الجزء الأول من ثلاثة أجزاء بتحقيق الاستاذ اللامع صالح الجعفري مدرّس الأدب العربي في ثانوية النجف بعدما قابله بعدة نسخ مخطوطة وأجودها نسخة الشيخ السماوي المخطوطة بقلم الشيخ حسن مصبح سنة ١٣٠٦ ه‍ كما قام

١٣

الاستاذ البحاثة على الخاقاني بتحقيق ونشر الديوان على نسخ مضبوطة محققة وأخرجه بأجمل اخراج في مطابع النجف أقول وقد ترجم له الشيخ عبد الرزاق البيطار في مؤلفه ( حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ) جزء ١ صفحة ٥٦٦ وأسماه ب‍ السيد حيدر الحلبي تصحيف ( حلي ) مع أن الكتاب طبع بمطبعة الترقي بدمشق بتحقيق الاستاذ محمد بهجة البيطار عضو مجمع اللغة العربية بدمشق سنة ١٣٨٠ ه‍ ١٩٦١ م.

كما جاء في كتاب ( نفس المهموم ) للمحدث الشيخ عباس القمي رحمه‌الله قصيدة تزيد على ٢٠ بيتاً أولها :

أتربة وادي الطف حياك ذو العرش

وروّت رباك المزن رشاً على رشّ

ونسبها للسيد حيدر الحلي ، والصحيح انها للشيخ حسن مصبح.

وجاء في ( اعيان الشيعة ) للسيد الأمين ج ٢٩ عند ترجمة السيد حيدر ، هذه المقطوعة الغرامية التي مطلعها :

إلى م تسرّ وجدك وهو باد

وتلهج بالسلوّ وانت صبّ

والصحيح انها للشيخ عباس بن الملا علي النجفي ، وهي مثبتة في ديوانه.

توفي السيد حيدر في مسقط رأسه ـ الحلة ـ عشية الاربعاء في الليلة التاسعة من ربيع الثاني وعمره ٥٩ سنة ودفن في النجف الاشرف في الجهة الشمالية من الصحن الحيدري أول الساباط بين مرقدي السيد ميرزا جعفر القزويني والشيخ جعفر الشوشتري ، ورثاه فريق من الشعراء كالسيد الحبوبي والسيد ابراهيم الطباطبائي ، والشيخ حمادي نوح ، والحاج حسن القيم ، والشيخ حسون العبدالله والشيخ محمد الملا ، وولده السيد حسين وابن اخيه السيد عبد المطلب ، وعقد له العلامتان السيد محمد القزويني وأخوه السيد حسين مأتم العزاء بدارهما في النجف ، ولذلك تخلص الحبوبي إلى مدحهما في آخر قصيدته التي مطلعها :

أبن لي نجوى إن أطقتَ بيانا

ألست لعدنان فماً ولسانا

١٤

عندما ندرس السيد حيدر الحلي قدس‌سره نجد له صلة اكيدة بعبقرية الشاعرين الشريف الرضي والمهيار الديلمي وان لهما تأثيراً قوياً على شاعريته وذلك لأنه درس شعر الرضي دراسة تحليلية ودوّن معظم قصائده والمختار من ديوانه في مجاميعه الأدبية ونسخ ديوان مهيار بكامله في أربعة أجزاء بالقطع الكبير. كتبه وهو ابن ٢٥ سنة وكتب في آخره :

تمّ الجزء الرابع من ديوان مهيار الديلمي على يد المحتاج إلى ربه الغني حيدر بن سليمان الحسيني يوم الاثنين وهو اليوم السابع عشر من شوال ١٢٧١ ه‍.

ومن ثمة تجده قد ألمّ بكثير من معاني الشريف ومهيار وأودعها في قصائده بقوالب من الألفاظ ربما تكون أحيانا أقوى وأجزل من الأصل ، وها نحن نثبت أمثله منها : (١)

قال الشريف الرضي :

ودعي الأعنة من أكفك إنها

فقدت مصرفها ليوم مغار

وقال السيد حيدر :

لتلق الجياد السابقات عنانها

فليس لها بعد الحسين مصرّف

وقال الشريف الرضي :

إلى جده تنمى شمائل مجده

وهل ترجع الأشبال إلا إلى الأسد

وقال السيد حيدر :

كفى خلفاً عنه بأشبال مجده

وهل تخلف الاساد إلا شبولها

وقال الشريف الرضي :

كالغيث يخلفه الربيع وبعضهم

كالنار يخلفها الرماد المظلم

وقال السيد حيدر :

وبعضهم كالنار لا يخلفها

منها سوى ما كان من رمادها

__________________

١ ـ عن البابليات للشيخ اليعقوبي في ترجمة سيد حيدر الحلي.

١٥

وقال الشريف الرضي :

وهل ينفع المكلوم عضّ بنانه

ولو مات من غيض الأسد الوردي

وقال السيد حيدر :

فعضضت البنان غيظاً ولكن

لا يفيد المكلوم عضّ البنان

وقال الشريف الرضي :

إنما قصّر من آجالنا

أننا نأنف من موت الهرم

وقال السيد حيدر :

عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم

لا يهرمون وللهيّابة الهرم

وقال الشريف الرضي :

وترى خفافا في الورى فاذا انتدوا

وتلاغط النادي رأيت ثقالا

وقال السيد حيدر :

ان دعوا خفّوا إلى داعي الوغى

وإذا النادي احتبى كانوا الثقالا

وقال الشريف الرضي :

متأوهاً تحت الخطوب

تأوّه الجمل العقير

وقال السيد حيدر :

عججنا اليك من الظالمين

عجيج الجمال من الناحر

وقال الشريف الرضي :

إن الجياد على المرابط

تشتكي طول المقام

وقال السيد حيدر :

الخيل عندك ملّتها مرابطها

والبيض منها عرا أغمادها السأمُ

وقال الشريف الرضي :

بضوامر مثل النسور

وغلمة مثل الصقور

وقال السيد حيدر :

غداة ابو السجاد جاء يقودها

أجادل للهيجاء يحملن أنسرا

١٦

وقال أبو الطيب المتنبي في أبي العشائر :

افرسُ مَن تسبح الجياد به

وليس إلا الحديد امواه

وقال السيد حيدر :

فما عبروا إلا على ظهر سابح

إلى الموت لما ماجت البيض أبحرا

وقال المهيار الديلمي :

إذا راق صبح فالحصان مصاحب

وإن جنّ ليل فالحسام ضجيع

وقد أحسن السيد حيدر في أخذه حيث قال :

وله الطرف حيث سار أنيس

وله السيف حيث بات ضجيع

وقال المهيار :

نعم هذه يا دهر أّمّ المصائب

فلا توعدّني بعدها بالنوائب

وقال السيد حيدر :

يا دهر ما شئت فاصنع هان عظما

هذا الذي للرزايا لم يدع ألما

وقال ابن هاني الاندلسي :

لا يأكل السرحان شلوطعينهم

مما عليه من القنا المتكسّر

وقال السيد حيدر :

ومات كريم العهد عند شبا القنا

يواريه منها ما عليه تكسرا

وقال الحاج هاشم الكعبي المتوفى سنة ١٢٣١ يصف سبايا أهل البيت :

عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن

زفراتها تدع الرياض همودا

وقال السيد حيدر :

فدمعها لو لم يكن محرقاً

عاد به وجه الثرى معشبا

أقول ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) ترجمة السيد مهدي السيد داود الحلي ـ عم السيد حيدر الحلي ـ تربية هذا الشاعر لابن أخيه السيد حيدر وكفالته له وتهذيبه إياه وتثقيفه ثم قال :

١٧

فمن ثمة تجد السيد حيدر قد اقتبس كثيراً من معاني عمه وأودعها في قوالب من الألفاظ تفوق فيها على عمه في قوة التراكيب وجمال الأساليب واليك قسماً مما سجلناه من ذلك أثناء مطالعاتنا لديوانيهما.

١ ـ قال السيد مهدي :

يلقى الكتائب مفرداً بهياجها

فكأنما هو في الهياج كتائب

وقال ابن أخيه :

فتلقى الجموع فرداً ولكن

كل عضو في الروع منه جموع

٢ ـ وقال السيد مهدي :

لقد وقفوا موقفاً لو به

نصبن الجبال لأضحت هباءا

وقال ابن اخيه :

وقفوا والموت في قارعةٍ

لو بها أرسي ثهلان لزالا

٣ ـ وقال السيد مهدي :

بالقضب زوجت النفوس وطلّقت

في الله دون إمامها أزواجها

وقال ابن أخيه :

ووفت بما عقدت فزوجت الطلى

بالمرهفات وطلقت حوباءها

٤ ـ وقال السيد مهدي :

وإذا شدوا حباهم لست تدري

أرجال أم جبال في حباها

وقال ابن اخيه :

ولم تدر إن شدوا الحبا أحباهم

ضممن رجالا أم جبالا رواسيا

٥ ـ وقال السيد مهدي :

من تحتهم لو تزول الأرض لانتصبوا

على الهوا هضبا أرسى من الهضب

وقال ابن اخيه :

دكوا رباها ثم قالوا لها

وقد جثوا نحن مكان الربى

١٨

٦ ـ وقال السيد مهدي :

وان غيّر الخطب ألوانها

ترى وجهه في الخطوب طليقا

وقال ابن أخيه :

تزيد الطلاقة في وجهه

إذا غيّر الخوف ألوانها

٧ ـ وقال السيد مهدي :

فتوردها في طلاهم ظماءاً

وتصدرها من دماهم رواءاً

وقال ابن اخيه :

فيصدرها ريانة من دمائهم

ويوردها ظمأنة تتلهف

٨ ـ وقال السيد مهدي :

وعليه عجّ كبارهم

عجّة البازل من مُدية نحره

وقال ابن اخيه :

عججنا اليك من الظالمين

عجيج الجمال من الناحر

٩ ـ وقال السيد مهدي :

دفنوا كتب النبيين به

أم به قد دفنوا علم الإمامه

وقال ابن اخيه :

دفنوا النبوة وحيها وكتابها

بك والامامة حكمها وقضاءها

وبالرغم من اعترافنا للسيد حيدر الحلي بأنه مجدد في الشعر ، وأنه المجلّي بين أقرانه فان لنا عليه مؤخذات منها قوله في قصيدته التي مطلعها :

ان لم أقف حيث جيش الموت يزدحم

فلا مشت بي في طرق العلى قدم

عندي من العزم سرٌ لا أبوح به

حتى تبوح به الهندية الخذم

وهذا المعنى أخذه من الشاعر أبي فراس الحمداني إذ يقول في قصيدته الشهيرة :

يصان مهري لأمر لا أبوح به

والدرع والرمح والصمصامة الخذم

١٩

ويقول السيد حيدر في قصيدته التي مطلعها :

تركت حشاك وسلوانها

فخلٌ حشاي وأحزانها

إلى أن يقول في مصرع الحسين بن علي عليه‌السلام :

عفيراً متى عاينته الكماة

يختطف الرعب ألوانها

وقد أخذ هذا المعنى من السيد الرضي في مرثيته للحسين عليه‌السلام :

تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه

وقد أقام ثلاثاً غير مقبور

وجاء في ( المنتخب ) للشيخ فخر الدين الطريحي المتوفي ١٠٨٥ وهو من رجال القرن الحادي عشر الهجري قوله في الحسين :

ألاعج يوم الطف لا زلتَ واربا

وللقلب لم تبرح على الصعب لاويا

كم انصدعت أمعاء مهجة أنفس

فليس لها من جرحك الدهرآسيا

وما زال زند الغيظ للوجد مضرماً

وضلعي على جمر الغضامنه حانيا

بك انطمست آثار دين محمد

وأصبح فيك الكون بالحزن داجيا

وهدّ من المجد الأثيل قوامه

فقوّض للعليا قباباً رواسيا

وفاضت عيون المكرمات كآبة

وجفن العلا ما أنفك بالدمع جاريا

وقامت لحشر الأنبياء قيامة

ترى الكل فيها للجريمة جاثيا

بها صورً صَعق الخلق حرّك للفنا

فأصبح فيها حجة الله ثاويا

ألا أيها اليوم المشوم على الورى

تركت جفون المكرمات دواميا

ضربت بسيف الجور كيوان عزها

فغودر فيها العدل أجرد ضاحيا

سرت منك في جنح الظلام قوائم

فكورن في ضوء النهار الدراريا

وسعّرن نيران الحروب فزعزعت

قوى العرش حتى قد برحن الثوانيا

قضت فيك جوراً آل حرب ذحولها

وساءت بآل الاكرمين التقاضيا

وشقّت على آل النبي ستورها

وثجّت لها بحراً من الدم ساجيا

لقد أثكل الدنيا لواعجك التي

صببن على كل الانام الدواهيا

٢٠