مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

الخراسانيّ «قده» على هذه المقالة هو ان اللازم منه هو القول باجتماع الوجوب والحرمة واتصاف الفعل الواحد من جهة واحدة بالحكمين المتضادين فعلا واختلاف الزمان لا يكفي ولا يرفع هذه الغائلة فلا وجه لكلام شيخنا النائيني «قده» لا على الجواز ولا على الامتناع لأن القائل بالجواز يقول به من باب تعدد العنوان وهنا يكون العنوان واحدا.

أقول هكذا قالوا ولكن الّذي يقتضيه التدبر في نفس كلام صاحب الفصول في الفصول غير ما ذكروه فانه «قده» لم يذكر اختلاف الزمانين والناظرون إليه استنبطوه منه نعم لو كان مراده ما ذكروه لكان الإشكال عليه باجتماع الضدين واردا فنقول أولا ان قياس شيخنا النائيني كلام أستاذه بالإجازة على الكشف الحقيقي في غير محله لأنه (قده) لا يكون قائلا بهذا الكشف بل بالكشف الانقلابي وهو ما بين الحقيقي والحكمي وحاصله انه «قده» يقول بان الملك واقعا إلى حين الإجازة يكون للمالك الأول ولكن بعدها ينقلب صفحة الوجود ويصير من الأول ملكا لمن اشترى فضوليا ويترتب عليه آثاره.

وهذا غير الكشف الحكمي لأنه يكون اعتبار الملكية من الحين من حيث الحكم وهو غير الكشف الحقيقي لأنه يكون كاشفا واقعا ولا تأثير للإجازة الا الكشف ولا يكون الإشكال ما قيل من ان التكاليف تابعة للمصالح والمفاسد النّفس الأمرية ولا يتخلف عنه واما الوضعيات فلا تكون تابعة للمصالح كذلك بل يمكن اعتبارها ولا تكون المصلحة الا في الاعتبار فقياس المقام بالوضعيات عن النائيني «قده» في غير محله لأن هذا الكلام باطل فان الوضع والتكليف مشتركان في الاحتياج إلى المصلحة ولكن قد تكون المصلحة في الوضعيات في الاعتبار كما انه قد تكون المصلحة في التكليفيات أيضا في نفس الأمر.

واما أصل الكلام فهو ان نظر صاحب الفصول كان إلى تصحيح الترتب في

٦١

المقام بين النهيين (١) وهو النهي عن الخروج لكونه تصرفا في ملك الغير والنهي عن البقاء أيضا لأنه أيضا تصرف في ملك الغير مع انه أشد محذورا فعند الدوران بين النهيين فلا محالة يجب اختيار ما هو أقل محذورا وهو الخروج للاضطرار وهذا أحسن من الترتب المصطلح لأنه يكون في فرض العصيان وهنا لا يكون كذلك بل هو اضطرار محضا.

القول الثالث ما عن المحقق الخراسانيّ «قده» وهو ان الخروج لا يكون له امر ولا نهى ولكن العقل من باب اللابدية يحكم باختيار أقل المحذورين فالخروج يكون مقتضى حكم العقل لأن مفسدة الغصب تكون بحالها من أول الدخول واما الخروج فلا يكون مأمورا به لا قبل الدخول ولا بعده اما قبله فلان ما هو الحرام هو الدخول في دار الغير واما بعده فلان الاضطرار حيث كان بسوء الاختيار لا ينافي العقاب عليه بالنهي السابق وما أفاده الشيخ بعدها من وجود الأمر فهو في غير محله.

واما ان قلت ان التخلص حيث يكون واجبا فمقدمته أيضا واجبة لأن ما هو الأهم هو التخلص فالمقدمة المحرمة تنقلب واجبة فكيف لا يكون الخروج مأمورا به فقيل في جوابه بأنه حيث يكون الدخول بسوء الاختيار لا يمكن ان يصير الواجب سببا لصيرورة المقدمة أيضا واجبة وفيه ان القاعدة العقلية لا يفرق فيها بين كون العمل بسوء الاختيار أم لا فان الواجب إذا صار أهم يجب مقدمته.

ولكن الصحيح ان يقال لا مقدمية للخروج على فعل الواجب لأن غاية ما يدعى وجوبه في المقام هو التخلص من الحرام أعني به الغصب بالبقاء والتخلص على فرض

__________________

(١) وأشبه بالترتب ان يقال لا تدخل في الدار المغصوبة فان عصيت ودخلت فلا تقف أو اخرج.

٦٢

كونه واجبا نفسيا فهو عنوان منتزع من ترك الحرام بالتلبس لفعل غيره فلا محالة يكون مقارنا للخروج انتزاعا.

واما بيان قول الشيخ الأنصاري (قده) لوجود الأمر وعدم النهي وتبعه شيخنا النائيني (قده) فهو ان القدرة شرط كل تكليف وهنا حيث يكون المكلف مضطرا إلى الخروج لا يمكن النهي عنه واما وجود الأمر له فلان العقل والشرع حاكمان بالخروج اما العقل فلأنه يرى انه أقل محذورا من البقاء المستلزم للتصرف الزائد واما الشرع فلان هذا أحد مصاديق رد الأمانة إلى أهلها والله يعظكم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها ويصدق عليه تخلية الأرض المغصوبة فيجب الخروج لذلك فهو مأمور به وفيه ان شيخنا النائيني فهم من كلام الشيخ (قده) عدم العقاب ولكن كلامه لا يكون صريحا في ذلك.

واما أصل الكلام فغير صحيح من جهة وصحيح من جهة أخرى اما الصحة فهي من جهة عدم النهي للاضطرار فانه يوجب عدم النهي واما الأمر فهو لا يكون في المقام لأن امر هذا الشخص دائر بين التوقف في المكان والمشي للخروج والمشي لغيره والجميع يكون من مصاديق الغصب والتصرف في مال الغير فان الخروج لا يكون تخلية بل تحلية لأنه أحد مصاديق الغصب ولا يكون من رد الأمانة بل الواجب هو الكون خارج الدار ومن مقدماته هو الخروج وهو عنوان ملازم للتخلية أي يترتب عليه الكون خارج الدار فلا يكون مأمورا به ولكن العقل يحكم بوجوبه من باب أقل المحذورين.

ثم انه هل يكون معاقبا بهذا التصرف أم لا خلاف فالمحقق الخراسانيّ (قده) يقول بأنه معاقب بالنهي السابق متمسكا بان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فان هذا الشخص بسوء الاختيار دخل المكان المغصوب والآن اضطر إلى الخروج فهو معاقب عليه وقد أشكل عليه شيخنا النائيني (قده) بإشكالات أربع من باب ان شرط

٦٣

جريان القاعدة هو هذا الأربع على ما ترى في البحث الآتي.

في شروط قاعدة الامتناع بالاختيار

وهي أمور : الأول ان من شرطها هو ان يفعل المختار فعلا به يخرج عن الاختيار فيما بعده مثل من ترك المسير إلى الحج والاضطرار إلى تركه أو من ألقى نفسه من شاهق فسقط اضطرارا وفي المقام يكون الاضطرار بالنسبة إلى الجامع وهو البقاء أو المشي بغير الخروج أو هو معه ودخوله في الدار ما كان سببا لعدم قدرته التكوينية على الخروج فان هذا الفرد يمكن له فلا يصدق الاضطرار حتى تنطبق القاعدة.

وقد أجبنا عن هذا الإشكال في الدورة السابقة بان الخروج يكون الاضطرار إليه من باب نهى الشرع وهو كالمنع العقلي ونعدل عنه في هذه الدورة من باب عدم النهي على مسلكنا لهذا الخروج حتى يصير معجزا شرعيا نعم على مسلك القائل به يصح الجواب كذلك ولكن الحق ان النهي حيث يكون عن الجامع وهو الغصب ويكون له افراد متفاوتة من الدخول والبقاء والخروج فالكل يكون منهيا عنه فلذا يكون مضطرا إليه بضميمة ان العقل (١) يرى وجوب الخروج من باب أقل المحذورين لا ان يكون الخطاب شرعيا.

الثاني ان من شرائط القاعدة هو ان يكون ذو المقدمة التي يفوت بفوت مقدمته

__________________

(١) أقول : ان مراد النائيني (قده) كما في تقرير بحثه عن بعض أعاظم مقرريه في أجود التقريرات ان هذا الفرد من الغصب يكون مأمورا به بالأمر الشرعي كما هو قول الشيخ (قده) وهو تابع له ومراده بان الاضطرار بالجامع ليس اضطرارا بالفرد هو ذلك وإلّا لا معنى له بل معناه ان الفرد حيث يكون مأمورا به لا اضطرار إليه والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار يكون في صورة الاضطرار لا هذه الصورة وكلام الأستاذ مد ظله يكون على مسلكه لا على مسلك أستاذه.

٦٤

ذا مصلحة قبل هذه المقدمة ليتحقق التفويت بواسطتها مثلا الحج له مصلحة في نفسه فمن ترك المصير إليه فاضطر إلى تركه في الموسم يكون مفوتا لمصلحة الفعلية قبل ترك المسير وتركه صار سببا لفوته وفي المقام لا يكون للخروج عن الغصب مصلحة قبل الدخول فيه فبالدخول صار ذا مصلحة فانه إذا دخل الدار فالمصلحة وهي عدم زيادة التصرف في مال الغير تقتضي الخروج وهي تحصل بعد الدخول فلا يكون دخول الغصب موجبا لتفويت المصلحة بل يكون موجبا لتحققها والقاعدة لا تنطبق على هذا المورد.

وفيه ما كنا نترقب منه هذا الكلام ولعل الاشتباه من المقرر لأن طبيعة الغصب تكون فيها المفسدة سواء كان قبل الدخول أو بعده ولا تنوط بالدخول نعم الدخول يصير مقدمة للخروج من باب انه ما لم يكن دخول لا معنى للخروج وهذا الخروج حيث يكون تصرفا في مال الغير وهو يكون منشؤه الاختيار وهو الدخول يكون معاقبا عليه ولو لم يكن الأمر عليه.

الثالث ان المقدمة التي إذا تركت بالاختيار توجب العقاب على ترك ذيها ولو كان بالاضطرار يكون في صورة كونها دخيلة في فعلية الخطاب بحيث لو فعلها يكون الخطاب بذيها فعليا مثل المسير فان وجوده يكون سببا لفعلية خطاب الحج لا سببا لسقوطه واما ما كان سببا لسقوطه فلا يكون تحت القاعدة والمقام يكون من قبيل الثاني إذا لدخول في الدار المغصوبة يكون سببا لسقوط الخطاب عن الخروج للاضطرار على ما ذكروه من عدم خطاب النهي للاضطرار ومورد القاعدة ليس هو الثاني بل الأول.

والجواب عنه هو الفرق بين المصلحة والمفسدة فان المصلحة امرها الفعلي يتوقف على إيجاد ما لا يتم إلّا به وتركها يكون بتركه بخلاف المفسدة فان عدم شيء دخيل في عدم تحققها فهنا يكون ترك الدخول مقدمة لترك التصرف في مال

٦٥

الغير بالخروج فبتركه يصير النهي عن الخروج فعليا من باب عدم الموضوع وترك هذا الترك هو فعله وهو الدخول يوجب سقوط النهي عن الفعلية كما ان ترك المسير إلى الحج يكون سببا لسقوط الأمر به في الموسم فعليا فالنواهي بعكس الأوامر وهذا عجيب منه (قده) وما كنا نترقب منه ولعل الاشتباه أيضا وقع في التقرير والله العالم.

الرابع ان القائلين بعدم النهي ولا الأمر بالخروج مثل المحقق الخراسانيّ (قده) وأمثاله يقولون بان الخروج يكون له خطاب عقلي من باب دوران الأمر بين المحذورين فلا يكون مضطرا إليه لأن خطاب العقل أيضا يكون شرطه القدرة فكيف يقال انه مضطر إليه والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

وفيه انه فرق بين إرشاد العقل إلى حكم ابتداء والقول بان القدرة شرط لهذا الخطاب أو يكون حكمه من باب اللابدية فان الخروج عن الدار وان كان لا بد منه لحكم العقل ولكن يكون من باب أقل المحاذير واقتضاء الضرورة لذلك وهو الحكم الاضطراري.

فتحصل من جميع ما تقدم ان القاعدة تنطبق في المقام وفي الدورة السابقة وان قلنا بان الخروج يكون منهيا عنه ولكن في هذه الدورة نقول بان النهي عقلي ويترتب عليه العقاب من باب أقل المحاذير لا من باب النهي السابق على الدخول كما زعمه المحقق الخراسانيّ (قده) ولا على نهج غيره هذا حكم أصل الخروج.

٦٦

في حكم الصلاة حال الخروج من الغصب

واما الصلاة في هذا الحال فالاختياري منها لا يمكن فان حال المشي كيف يمكن الصلاة مع الطمأنينة مع ركوع وسجود تام فالبحث في الاختياري منها يكون مجرد فرض والكلام يكون في صورة ضيق الوقت وعدم إدراك ركعة لو قلنا بشمول من أدرك ركعة في الوقت فقد أدرك الوقت للمقام ومعه أيضا فلا دليل لنا على ان الصلاة الفاقدة للشرائط تكون مقام ما هو الواجد نعم يتصوران يكون صلاته خارج الغصب أيضا مثل صلاته في حال المشي مثل ان لا يقدر على الصلاة قائما لمرض بل لا بد من المشي ولا يمكنه ملاحظة الطمأنينة فان صلاته في حال الخروج تكون صحيحة على هذا الحال ولكن الإجماع على صحة الصلاة في حال الخروج وهذا كاشف عن عدم النهي للصلاة وإلّا فحق الناس مقدم على حق الله تعالى.

واما مع سعة الوقت بعد الخروج لها فيختلف القول بصحة الصلاة وعدمها حسب اختلاف المباني في حكم الخروج فعلى قول الشيخ القائل بان الخروج يكون مأمورا به يكون الصلاة صحيحة (١) وعلى قول القائل بأنه منهي عنه ومأمور به من جهتين فعلى القول بجواز اجتماع الأمر والنهي صحت الصلاة لأن ملاك كل واحد من الأمر والنهي تام واما على الامتناع فحيث يكون مفسدة النهي غالبة فلا تصح واما على مسلك شيخنا النائيني (قده) تبعا للشيخ (قده) من وجود الأمر بالخروج وعدم النهي فان أشكل بأنه يفرق أيضا بين جواز الاجتماع وعدمه فعلى الأول فحيث لا قبح فاعلي للمصلي لعدم مزاحمة المفسدة مع المصلحة يجب القول بالصحّة واما على قول القائل بعدم جواز الاجتماع فلا لأن الصلاة كذلك يكون

__________________

(١) هذا لو فرض إمكان الصلاة التامة في حال الخروج وإلّا فلا تصح لفقد الشرائط.

٦٧

لها قبح فاعلي لأنه عين الغصب والمفسدة غالبة فيقول على فرض القبح الفاعلي في صورة الاختيار لا يكون في هذا الظرف على زعم القائل بان له امر لأن الاضطرار يسقط هذا القبح وكذا على قولنا لأن هذا الشخص لا نهى لخروجه ويرى مخلصا للغصب.

واما ما ورد من أن الصلاة لا تترك بحال فمقتضاه ان الممكن منها يجب الإتيان به وما لا يمكن سواء كان عدمه من باب حكم العقل أو من باب حكم الشرع فلا يجب والمقام من قبيل الثاني فلا يمكن ان يتمسك به ويقال بأنه يجب الإتيان به مع الركوع والسجود التام والحاصل انه لا يقدم على دليل حرمة التصرف في أموال الناس بل يكون مفاده كلما كان من اجزائه وشرائطه غير ممكن لا يجب الإتيان به ففي المقام يجب الإتيان بالصلاة مع الإيماء لو قلنا بصحتها.

فان قلت الخارج من الدار المغصوبة يكون متصرفا لا محالة سواء كان خروجه في حال الصلاة أم لا قلت على هذا يجب أن يصلى صلاة لا تزيد عن الخروج شيئا بان لا يركع ولا يسجد مثلا بل يومئ برأسه أو أشفار عينيه.

ثم ان الفرق بين الجواز والامتناع في غير محله لو كان السند الصلاة لا تترك بحال لأنه على الجواز واضح وعلى الامتناع أيضا حيث يقدم المصلحة الصلاتية يصير مصلحة ترك الغصب مغلوبة للمصلحة الصلاتية على ان المفسدة في الغصب على فرض عدم تقديم جانب الأمر لا توجب سقوط ملاك الصلاة فإتيانها بداعيها يمكن على بعض الأقوال في صورة الجهل على التحقيق لعدم تنجز النهي.

والحاصل ان حق الناس وان كان مقدما على حق الله تعالى ولكن الإجماع يكون في المقام على صحة الصلاة ووجوب الإتيان بها في صورة ضيق الوقت.

اما الأمر الثاني من التنبيهات التي هي في الكفاية وهو في تقديم جانب الأمر أو النهي في صورة الاجتماع فقد اتضح حاله في مطاوي الكلمات مرارا ولا احتياج

٦٨

إلى إعادة الكلام نعم فيه بعض ما لم يمض مثل ملاك تقديم النهي وان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة وغيره وهو أيضا واضح الفساد لمن تدبر فلا نعيده ،

الفصل الثالث في ان النهي عن العبادات

والمعاملات هل يوجب الفساد أم لا

وقبل الورود في البحث عنه يجب تقديم مقدمات المقدمة الأولى في الفرق بين هذه المسألة ومسألة اجتماع الأمر والنهي وما هو التحقيق في الفرق كون النهي بوجوده الواقعي مؤثرا في هذا المقام وفي ذاك الباب يكون التأثير بوجوده المنجز لأن النهي هنا تعلق بذات العمل مثل لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه ولا يكون مستفادا من اجتماع المورد ومن ثمراته ان يقال ببطلان الصلاة هنا ولو في حال الجهل لأن ما هو الشرط هو الواقع من غير فرق بين صورة العلم والجهل بخلاف باب اجتماع الأمر والنهي فان الشرط بوجوده المنجز يمنع عن القرب أو التقرب ففي صورة الجهل لا مانع من قصد القربة.

والعجب عن المحقق الخراسانيّ (قده) حيث قال بان النهي هنا واقعي وقد مر منه ان المسألة من صغريات باب الاجتماع على الامتناع مع ان الباب هناك باب التزاحم مطلقا وهنا باب التعارض لا غير.

المقدمة الثانية : في ان البحث هنا هل يكون عقليا أو لفظيا والمراد بكونه عقليا هو ان الملازمة في مقام الثبوت هل تكون بين النهي والفساد في العبادات والمعاملات أم لا بحيث لا يمكن القول بالصحّة عقلا لو كان النهي عن عمل عبادي أو معاملي أو يمكن حتى يكون وجهة البحث عقلية أو يكون ذلك في مقام الإثبات بعد الفراغ عن إمكانه ثبوتا فيكون المراد انه هل يدل لفظ النهي في نظر العقلاء وأهل اللسان على الفساد أو لا يدل.

٦٩

ولا فرق بين العبادات والمعاملات حتى يقال بان الأولى يكون النهي فيها دليلا على الفساد لعدم إمكان التقرب بما هو منهي عنه فلا مجال للبحث عنها وفي المعاملات يكون للبحث مجال من باب إمكان النهي عنها مع صحتها كالبيع وقت النداء لأن العبادات أيضا من الممكن ان يقال يمكن إتيانها بداعي مصلحتها الذاتيّة وكذلك المعاملات يكون فيها القائل بان النهي سواء كان عن السبب أو المسبب أو التسبب يدل على الفساد فلا يكون وجه للفرق بينهما فللبحث في المقامين مجال.

وربما يقال كما عن بعض من تقدم وعن شيخنا الحائري بان وجهة البحث في العبادات تكون من حيث مانعية التقرب دون المعاملات وفيه ان وجهة البحث عن اقتضاء النهي الفساد وعدمه تكون أعم من هذا ويشمل المعاملات أيضا على انه قيل ان المطلق والمقيد مثل صل ولا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه أيضا داخل في بحث اجتماع الأمر والنهي وهو لا يختص بالمعاملات هذا كله في صورة كون النهي نفسيا.

واما الإرشادي فلا يدل الأعلى عدم الوجوب لا الفساد وسيجيء البحث عنه وأيضا هنا يكون البحث في الأصل العملي بعد النهي الشرعي وانه هل يقتضى الصحة والفساد.

ثم انه قيل في المعاملات بان البحث عن الصحة والفساد متوقف على شمول دليل الإمضاء لها فعدم الإمضاء يكفي لعدم الصحة فضلا عن ان تكون منهية عنها فلا فائدة للبحث عن صحتها وفسادها لأصالة عدم الصحة في المعاملات وكذلك في العبادات فان عدم الأمر بهما يوجب الرجوع إلى الأصل وهو الفساد.

وفيه ان المعاملات كانت قبل الشرع وما لم يكن الردع عنه تصح بواسطة بناء العقلاء وبالدليل العام مثل أحل الله البيع وأمثاله وعلى فرض عدم شمول دليل الإمضاء بالعقل يكون الدليل اللفظي حاكما عليه فان كل مورد يكون لنا الدليل

٧٠

اللفظي سواء كان موافقا للأصل العقلي أو مخالفا يكون حاكما لأن حكم العقل من باب عدم البيان واللفظ بيان.

والثمرة في صورة المخالفة واضحة واما في صورة الموافقة فتظهر عند المعارضة مع دليل لفظي آخر فان كان العقل حاكما بشيء لا يمكنه ان يعارض مع الدليل اللفظي المخالف بخلاف الدليل اللفظي فالبحث عن المعاملات على فرض كفاية عدم الإمضاء عن النهي المتعلق بها امر محال.

المقدمة الثالثة

في انه لا فرق في النهي بين ان يكون تحريميا أو تنزيهيا لأن النكتة في المقام هو ان نفس ما تعلق به الأمر يكون متعلقا للنهي فلا يقاس بباب اجتماع الأمر والنهي بان يقال ان النهي التنزيهي كما في العبادات المكروهة لا يسد طريق المصلحة لأن تعدد العنوان في ذاك الباب يكفى للقول بالصحّة وان المبغوض شيء آخر وهنا نفس الصلاة التي تكون مأمورة بها تكون منهية عنها بالنهي التنزيهي ولا يمكن الجمع بين الطلب وعدمه والحاصل ان الباب هنا باب التعارض نعم على مسلك من يرى ان الباب هنا أيضا باب التزاحم يمكن الفرق بين النهي التنزيهي وغيره.

لا يقال كيف يمكن ان يمنع النهي التنزيهي عن الواجب فان المصلحة فيه ملزمة دونه نعم في الدوران بينه وبين المستحب يمكن ان يقال بالتعارض لأنا نقول لا فرق بينهما من جهة ان الباب باب التعارض واما ما قيل بان النهي يكون بنحو الطبيعة السارية والأمر أيضا يكون على الطبيعة ويكون شموله للافراد على نحو البدلية والفرد لا يكون مزاحما للطبيعة فان النهي يكون مركزه الطبيعة والأمر الفرد ففيه ما مر من ان الطبيعي يكون مركز الأمر والنهي بلحاظ الحصص الخارجية فما هو

٧١

حصة للأمر كيف يكون حصة للنهي أيضا.

واما ما عن المحقق الخراسانيّ (قده) من ان النهي في العبادات يكون محل البحث واما في المعاملات فالنهي عن السبب لا يدل على الفساد كما في البيع وقت النداء فيكون صحيحا على مبنى القائل بان الباب باب التزاحم لا على مبنى من قال بأنه يكون باب التعارض على انه ربما يكون النهي عن المسبب أو الأثر كما يقال ثمن العذرة سحت أو لا يجوز له التصرف فانه بهذا العنوان أيضا تحت البحث واما البحث عن الصحة والفساد فهو كلام آخر والغرض هنا في دخول المعاملات أيضا في محل البحث والنزاع.

تنبيه في تعميم البحث للنهي النفسيّ والغيري

ثم انه هل يجري البحث في الأمر والنهي النفسيين أو يشمل حتى الأمر الغيري فيه بحث فان قلنا بان الأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده فيكون هذا أحد طرق جمع الغيري والنفسيّ مثل الأمر بالصوم إذا كان الصوم موجبا لفساد الكلية وإفساد الكلية حرام والحاصل الإضرار بالنفس منهي عنه والصوم يكون مقدمة لحصول هذا الحرام فالامر بالصوم يكون نفسيا والنهي عنه من باب انه مقدمة لفساد الكلية غيري فاجتمع النفسيّ والغيري في الصوم وهو عبادة ولو لم يكن الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده لا يصير الصوم منهيا عنه كما هو التحقيق.

اما أصل تصوير المقام فهو ان يقال الأمر بحفظ الصحة يقتضى النهي عن الضد وهو الصوم وهذا غير البحث عن ان مقدمة الحرام حرام وهنا طريق آخر لجمع الأمر النفسيّ والغيري وهو ان مقدمة الحرام اما ان تكون حراما بنفسها بحيث ينطبق عليها الحرمة برأسها من حيث الجهة التعليلية أي لأنها علة للوقوع في

٧٢

الحرام تكون حراما واما ان تكون حرمتها من حرمة ذي المقدمة من باب الجهة التقييدية أي مقدمة الحرام حرام مقيدة بالمقدمية فالوضوء الضرري حرام للضرر فعلى الأول يمكن اجتماع الأمر والنهي النفسيّ والغيري فالامر بها يكون من حيث ذاتها والنهي عنها يكون لمقدميته للحرام وهو الغير فاجتمع النفسيّ والغيري ويكون داخلا في بحث النهي عن العبادة أو المعاملة.

واما إذا كانت الجهة تقييدية فالباب ان كان باب التزاحم لأن المقدمة على هذا تكون من الواحد ذي الجهتين فلا يأتي مجال بحث النهي عن العبادة أو المعاملة على فرض جواز الاجتماع ولكن على الامتناع يكون فيه مجال هذا البحث.

لا يقال ان المقدمة لا يكون لها ثواب وعقاب لأنها ليست محرمة بذاتها بل من جهة الأمر أو النهي عن ذيها فأين اجتماع الأمر والنهي قلت قد مر منا في بابه انها وان كانت غير محرمة بذاتها ولكن حيث تكون في دهليز امتثال ذيها ينبسط العقاب والثواب عليها أيضا والحاصل يكون لها القبح الفاعلي وهذا يمنع من التقرب بها إذا كانت مقدمة للحرام لأنه شروع في العصيان.

المقدمة الرابعة

في المراد بالشيء في قولهم ان النهي عن الشيء هل يقتضى الفساد أم لا فانه هل يكون شاملا للعبادات والمعاملات وفي المعاملات هل يشمل مطلق ما لا يحتاج إلى قصد القربة أو يختص بالمعاملات بمعنى البيع والإجارة أو أعم من ذلك حتى يشمل مثل النكاح والإيقاعات أو يشمل حتى مثل التحجير الّذي لا يكون عقدا ولا إيقاعا فيه خلاف والحق شموله لجميع الأقسام كما سيجيء.

٧٣

ثم المراد من العبادة قيل بأنه ما كان عبادة ذاتا كما عن المحقق الخراسانيّ (قده) مثل الركوع والسجود لإشكالهم في ان العبادة هي ما كانت لله تعالى فكيف يمكن ان تكون مع حفظ عباديتها منهية عنها وعنه وعن الشيخ انه عبادة لولائية بمعنى ان المراد انها لو لم يكن النهي عنها كانت عبادة واما مع فرضه فلا ونحن أيضا صرنا تابعا لهذا المسلك في الدورة السابقة لأن البحث كذلك يكون أشمل مما يقال بان المراد ما كان ذاته عبادة لأنه يختص بمثل الركوع والسجود وأمثاله ولا يشمل ساير العباديات ولكن على الفرض الثاني يشمل الجميع.

ولكن ما يقتضيه التدبر الصحيح في هذه الدورة هو انه ان قلنا بكون الباب باب التزاحم فلا إشكال في اجتماع الأمر والنهي فتكون عباديته منحفظة مع حفظ مفسدتها واما على فرض كون المسلك امتناع الجمع فيكون الدليلان متعارضين وفي باب التعارض لا إشكال في ان يكون النهي متوجها إلى الشيء الّذي تعلق به الأمر العبادي ويجب ملاحظة مرجحات باب التعارض وعلى كلا التقديرين أي التزاحم والتعارض فالمرجع هو الأصل بعد سقوط الدليلين بالتعارض فالبحث عام لجميع العبادات واما المعاملات فائضا كذلك.

لكن الشيخ (قده) قال بأنه أعم في المعاملات لكن التي تكون مثل العقد والإيقاع بيعا أو إجارة أو نكاحا أو طلاقا واما مثل التحجير والطهارة والنجاسة فلا يكون في نظره ونظر من تبعه داخلا لأنه لا معنى لفساده والعجب عن شيخنا النائيني (قده) أيضا فانه قال بعدم دخول ذلك في البحث بقوله لا شبهة ولا ريب في عدم شمول البحث للتحجير ولكن الحق كما ذكرناه هو التعميم لأن المعاملات اما ان يكون لها وعاء في المكان المناسب لها أو تكون اعتباريات محضة وعلى كلا التقديرين تحتاج إلى إمضاء من الشرع فإذا لم تكن كذلك لا وقع لها وان كان العرف يحكم بالأثر مثل المعاملة الربويّة.

٧٤

فإذا عرفت ذلك تعرف انه يمكن ان يكون التحجير بالحجر الغصبي منهيا عنه للغصب ويمكن ان يكون نهيه دالا على الفساد وعدم ترتيب أثر الحيازة واما النجاسة والطهارة فان المسالك فيها ثلاثة الأول ان تكون اعتبارية والثاني ان تكون من الواقعيات التي كشف عنها الشرع والثالث وهو البعيد ان لا تكون الا الأمر والنهي لا غير اما على الأولين فلا شبهة ولا ريب في ان الحكم بطهارة شيء ونجاسته يحتاج إلى إمضاء من الشرع فإذا قال مثلا كل قالع مطهر في باب الاستنجاء ونهى عن استعمال المحترمات يمكن القول بالتعارض والتساقط والرجوع إلى أصالة الفساد لعدم إحراز الاعتبار أو الواقع في مقام التعارض وكذلك على الثالث فان في الأمر والنهي مصلحة ومفسدة وهما متعارضتان فأصالة الفساد تجري بالنسبة إلى الآثار المتوقعة.

المقدمة الخامسة

في ان الصحة والفساد يكون صدقهما على الأشياء التي يكون لها الوجود الصحيح والوجود الفاسد على ما قيل فما لا يكون امره دائرا الا بين الوجود والعدم كالمسببات التوليدية مثل البيع والإجارة يكون خارجا عن هذا البحث فانها اما ان توجد أو لا توجد فان وجدت فما وجد هو الصحيح وإلّا فلا شيء حتى يقال انه فاسد فالبحث عن الصحة والفساد فيها مما لا وجه له هذا ما قيل.

ولكن التحقيق هو ان البحث شامل لجميع الموارد فان الّذي يكون مفيدا هو ان يكون العمل مما أمضاه الشارع أو ردعه فان أمضاه فهو الفاسد فان الصلاة مثلا مع الأسباب والشرائط الشرعية إذا وقعت تكون صحيحة وهي بدون بعضها أيضا صلاة ولكن غير صحيحة شرعا لا تكوينا والعقد الصحيح هو الّذي يكون جميع اجزائه وشرائطه موجودا والفاسد ما لا يكون كذلك وان وقع بعض الأسباب تكوينا.

٧٥

فما قيل من ان ألفاظ المعاملات موضوع للمسببات مثل البيع والإجارة لا الأسباب وهي امرها دائر بين الوجود والعدم فكيف يتصور الصحيح والفاسد بالنسبة إليها يظهر جوابه مما قلنا بان المسببات وان كانت بنفسها غير مقدورة ولكن بأسبابها وهو إجراء صيغة العقد مع جميع الشرائط تكون مقدورة ومعنى صحتها هو الوجود الشرعي ومعنى عدم الصحة هو العدم الشرعي لا التكويني وقس عليه كلما لم يكن من الأسباب والمسببات التوليدية أيضا فان الصحيح وغيره فيها أيضا هو الوجود الشرعي والعدم الشرعي لا الوجود والعدم التكويني فإذا لم يقع بعض ما هو شرط أو جزء في الجميع أي في الأسباب أو غيرها لا يقع وجوده الشرعي ولو وقع الجميع يقع وجوده كذلك مع انه في التكوين وقع شيء من الأشياء.

فالكل بهذا المعنى يكون وجوده دائرا مدار الموافقة الشرعية وعدمه بعدمها فإذا كان النهي عن شيء من المعاملات وغيرها يكون معنى النهي عنها هو ان وجودها الاعتباري مبغوض للشارع ووجوده التشريعي غير واقع في الواقع ولا يكون معناه ان الوجود الشرعي وقع ويكون مبغوضا كما عليه أبو حنيفة القائل بان النواهي دال على الصحة لا الفساد.

المقدمة السادسة

في معنى الصحة والفساد ولا يخفى انهما بمعنى واحد ولكن يكون الاختلاف حسب الأنظار والغايات التي تكون في النّظر ففي الشرع يكون المراد هو ترتيب الأثر الشرعي وعدمه فان رتب فهو الصحيح وإلّا فهو الفاسد وان كان للعمل وجود تكوينا ويعبر عنه الفقيه بان الصحيح هو الّذي يكون مسقطا للقضاء والإعادة وفي نظر المتكلم هو مطابقة المأمور به للمأتي به ليحصل ما هو المراد من الأحكام من الآثار الواقعية مثل رقاء النّفس ثم ان التعبير بالصحّة والفساد الإضافيين هو هذا المعنى فان المتكلم يكون العمل مثلا عنده غير صحيح والفقيه عنده صحيح لأنه مسقط

٧٦

للقضاء والإعادة ولو كان غير مطابق واقعا لفوت مصلحة الواقع مثلا بالنسيان أو الجهل.

ثم ان الصحة والفساد بأي معنى أخذتا لا تكونان مجعولتين بالجعل الشرعي ولا يصح التفصيل بين العبادات والمعاملات بان يقال انها في العبادات غير قابلة للجعل لأن الصلاة مثلا أثرها معراج المؤمن وهو لا يحتاج إلى الجعل واما المعاملات فحيث يكون بابها باب الاعتبار فيمكن ان يقال ان الصحة بمعنى ترتب الأثر يكون باعتبار من الشرع وهو مجعول.

اما الدليل على عدم المجعولية مطلقا فهو انه لا يخفى ان الصحة والفساد تكونان من الأمور الانتزاعية مثل العالمية والقادرية ولا يكون لهما مطابق في الخارج فانما في الخارج يكون هو الصحيح والفاسد لا الصحة والفساد فعلى هذا ان الشارع إذا جعل قانونا اما في العبادات أو المعاملات فإذا طابق العمل في الخارج مع ذلك القانون ينتزع العرف عنه هذا العنوان وهو الصحة وإذا لم يكن مطابقا له ينتزع عنه الفساد ويقال بالنسبة إلى هذا العنوان ان العمل صحيح أو فاسد ومن هنا ظهر عدم الفرق بين العبادة والمعاملة في ذلك فان عمل المقنن هو جعل القانون وفي المعاملات يجعل قانونا يفهم منه اعتبار ما اعتبره العقلاء وإمضائه فإذا وقعت المعاملة على النحو الّذي يكون مطابقا للنظر الشرعي يكون ترتب الأثر من مطابقة العمل مع النّظر الشرعي ولا يكون شيئا وراء ذلك.

والحاصل على فرض عدم وعاء مناسب للملكية واختيار مسلك من يقول بان الملكية امر اعتباري محضا يجب مطابقة اعتبار العرف مع اعتبار الشارع حتى يقال انها صحيحة هذا كله في الصحة والفساد بالنسبة إلى الأحكام الأولية.

واما الصحة والفساد بالنسبة إلى الأحكام الثانوية مثل قاعدة لا تعاد وقاعدة الفراغ فائضا غير مجعولتين على التحقيق لأن لسان لا تعاد في غير الخمس المستثنى

٧٧

هو تمامية الصلاة وقبول الناقص منزلة التام لا ان الاجزاء الصلاتية صارت أربعة في حق الناسي وخمسة مثلا في حق العالم ومعنى الصحة هنا هو ان يكون العمل الّذي وقع مسقطا للقضاء والإعادة في مرحلة الفراغ وهذه أيضا قانون من القوانين الشرعية ويكون العمل مطابقا له وان كان هذا الجعل لإلقاء الاحتياط فالصحة هنا أيضا امر غير مجعول ومنتزعة من مطابقة العمل للقانون الشرعي.

لا يقال لو كان العمل صحيحا فكيف يقال بالإعادة عند كشف الخلاف لأنا نقول تكون الصحة في ذاك المقام ما دام عدم ظهور الخلاف لا مستمرا فتحصل ان الصحة في جميع الموارد بمعنى واحد سواء كان في الأحكام الأولية أو الثانوية.

المقدمة السابعة

في انه لا أصل أصولي في المقام يرجع إليه عند الشك عند المحقق الخراسانيّ (قده) وقد مر منا ان الحق هو ان هذا الباب باب التعارض وبعد التساقط يرجع إلى أصالة عدم النقل في المعاملات وعدم المشروعية في العبادات ولا معنى لكلام المحقق الخراسانيّ (قده) من ان الأصل الفقهي في كل مسألة يجب ان يلاحظ لو لا وجود عام يرجع إليه لأن العام الّذي يكون ملاحظا مع الخاصّ أو المطلق مع المقيد إذا سقط بالتعارض في مورد الاجتماع لا يبقى عام آخر يرجع إليه بوجه فكيف يقول انه مشروط بعدم وجود العام بل من المحرز عدمه.

إذا عرفت ما ذكر من المقدمات فنقول ان النهي الّذي يكون محل البحث اما ان يتعلق بعين العبادة أو بجزئها أو بشرطها الملازم كالجهر والإخفات بالنسبة إلى القراءة أو بما هو خارج عنها متحد معها مثل الصلاة في الدار المغصوبة فالبحث في مقامات.

الأول قال شيخنا النائيني (قده) بالفساد بتقريب ان العبادة لو كانت محتاجة

٧٨

إلى الأمر على مسلك صاحب الجواهر (قده) فالفساد واضح لأنه لا امر لها بل يكون النهي عنها ففسادها يكون لعدم الأمر بها واما على مسلك من يقول بكفاية الملاك لتصحيح العبادة فحيث ان جانب النهي هنا مقدم والأمر مغلوب من حيث الملاك للنهي فلا يمكن ان يتقرب بهذا العمل فلا يصح من هذه الجهة.

وفيه ان مسلكه (١) (قده) هو ان سقوط الخاصّ بالدلالة المطابقية فيما يكون من العام والخاصّ يكون مستلزما لسقوطه بجميع المراتب من الإرادة والحب والملاك بمعنى ان ما لا امر له لا ملاك له أيضا فعلى هذا لا يكون في المقام ملاك حتى يقول انه مغلوب فكلامه من هذه الجهة غير تام.

لا يقال انه (قده) لعله يقول بذلك من باب المقتضى والمانع وهو ان المطلق بإطلاقه يدل على مصلحة للصلاة والمانع هو كونها في وبر ما لا يؤكل لحمه فيكون المقتضى موجودا والمانع أيضا موجود والمقتضى لا يؤثر اثره من باب وجود المانع فلا منافاة لوجود الملاك وعدم الصحة لأنا نقول هذا كلام شعري لأن المضادة لا تكون في النهي في العبادات بل مورد الأمر والنهي واحد وعلى فرض المضادة فيندرج في باب التزاحم واجتماع الأمر والنهي وبالجملة المضادة هنا ذاتي بين الأمر والنهي مثل صل ولا تصل لا بين الموردين مثل الصلاة والغصب.

وقال المحقق الخراسانيّ (قده) أيضا بدلالة النهي على الفساد في هذا المقام لما

__________________

(١) أقول : نقل في أجود التقريرات عن النائيني (قده) بقاء ساير الدلالات بعد سقوط المطابقية وعلى هذا له ان يقول بالملاك المغلوب ولكن المعروف عنه (قده) في ساير الموارد هو الّذي ذكره (مد ظله) فانه لا يرى بقاء الدلالة الالتزامية بعد سقوط المطابقية وهذا هو المعروف عنه (قده) وقد مر فيما سبق ان مبناه تبعا للشيخ البهائي وصاحب الجواهر هو الموافق للنظر.

٧٩

مر من بيان شيخنا النائيني (قده) وحكم بالفساد مطلقا ولكن حيث انه (قده) قال فيما سبق بان النهي في العبادات على فرض امتناع اجتماع الأمر والنهي يكون من صغريات باب اجتماع الأمر والنهي واختار في ذاك الباب الامتناع ومعه قال بان العبادة في صورة الجهل صحيحة فكيف لا يقيد كلامه هنا أيضا بذلك بان يقول بفساد العبادة في صورة العلم لا صورة الجهل.

والحاصل هنا أيضا يجب ان يقول بان النهي المنجز موجب للفساد لا النهي الحقيقي مع ان الفقهاء في الفقه يقولون بان النهي في العبادة بوجوده الواقعي يكون سببا للفساد لا بوجوده المنجز هذا ما قالوه.

وأقول ان العام والخاصّ اما ان يكون التعارض بينهما في الملاكين بان يقال ان الدلالة المطابقية في العام إذا سقطت عن الحجية لا تسقط سائر الدلالات ويبقى الملاك فعلى هذا يكون التكاذب بين الملاكين ونتيجة ذلك التساقط والرجوع إلى أصالة عدم المشروعية في العبادة واما ان يكون التخصيص في الواقع راجعا إلى التخصص بمعنى عدم كون هذا الفرد تحت امر العام ويكون الكاشف عنه بعد ورود الخاصّ هو الخاصّ فعلى هذا يكون فساد هذا العمل بواسطة النهي لا الأصل لأنه لم يكن مأمورا به في حين من الأحيان فهو منهي عنه ومبغوض ولا صلاح ولا ملاك فيه فهو فاسد.

واما على فرض القول بان العام والخاصّ يكون تعارضهما في الحجية والدلالة المطابقية فقط واما من جهة الدلالة الالتزامية فكل يكشف عن الملاك فهذا أيضا يوجب فساد العبادة في العلم والجهل من باب ان الأصل عدم المشروعية وليس المقام مثل مقام الشك في القدرة حتى يقال انها صحيحة في صورة الجهل بالنهي لأن في المقام ما يحتمل قرينيته على عدم الملاك وهو النهي فعلى جميع التقادير تكون العبادة فاسدة في العلم والجهل.

ومن هنا ظهر ان المحقق الخراسانيّ (قده) وان كان لازم ملاكه في صورة

٨٠