مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال بان في المقام تكون النسبة بين العنوانين هي العموم من وجه وفي باب النهي عن العبادات هو العموم والخصوص المطلق وأيضا ذاك المقام يكون مندرجا تحت باب التعارض مطلقا وهذا المقام على بعض الفروض وهو صورة عدم اجتماع الأمر والنهي والقول بالامتناع يندرج تحت باب التعارض بخلاف صورة القول بالاجتماع.

أقول ولقد أجاد فيما أفاد من القول بالعموم من وجه في المقام دونه في النهي في العبادات وفي قوله بالتعارض في النهي في العبادات ولكن باب اجتماع الأمر والنهي لا يكون باب التعارض مطلقا بل على الاجتماع والامتناع يكون مندرجا في باب التزاحم كما مر وعلى أي تقدير لا يبقى فرق بين البابين فيما نحن بصدده من جهة ان الامتثال غير مقدور والمحذور اجتماع الضدين وهو متحقق في صورة التزاحم والتعارض لو قلنا بالجواز في مقام الجعل كما قاله (قده) فلا يكون هذا عمدة الفرق بينهما فالعمدة هي ما ذكرناه من صحة العبادة في صورة الجهل في الباب دون باب النهي في العبادات.

المقدمة الخامسة

في ان كل ماهية من الماهيات تكون على أنحاء بالنظر إلى الوجود الخارجي فانها تارة تكون من المقولات المتحصلة في الخارج بوجود جوهري مثل الروح والبدن فان كل واحد منهما له وجود ممتاز في الخارج ويكون كل وجود مطابق عنوان من العنوانين أو بوجود عرضي مثل الكم والكيف وساير المقولات التسعة العرضية فاما ان يكون للعرض وجود منحاز في حجر وجود الجوهر فيكون له ما بإزاء أيضا واما لا يكون بل وجوده في نفسه عين وجوده في غيره ومن شئون الوجود الجوهري فان قلنا بان وجوده في نفسه عين وجوده في غيره يكون لهما

٢١

وجود واحد في الخارج هذا فيما كان من المقولات المتأصلة واما ما لا يكون منها بل من الانتزاعيات فاما ان يكون لمنشإ انتزاعه وجود مقولي كما في المشتقات فان العالمية والقادرية وان لم يكن لها ما بإزاء في الخارج ولكن المبدأ وهو العلم والقدرة يكون موجودا فيه وكذلك الأبيض يكون من العناوين التي هي فوق المقولة ولكن البياض مقولة.

إذا عرفت ما ذكرناه اتضح لك ان العناوين الجوهرية مثل النّفس والبدن يكون لها ما بإزاء في الخارج منحازا واما العناوين العرضية مثل العالمية والقادرية لا يكون لها ما بإزاء إذا لم يكن الذات دخيلة في المشتق فيكون كل واحد منهما من شئون الذات ومن الاعتبارات وكذلك العناوين الغير المتأصلة مثل الغاصب والمصلى فما هو الواحد هو الذات وهذه من شئونها ولو كان الذات دخيلة في المشتق أيضا وتكون مجمعا للعنوانين أيضا لا يفيد في المقام لأن الكلام يكون في التماس مجمع لمتعلق التكليف وهو الصلاة والغصب واتحاد الموضوع لا يكون مربوطا به فان ما هو متعلق التكليف هو فعل المكلف وهو يكون من مقولة واحدة وهي الحركة.

والغصب والصلاة يكونان من العناوين التي هي فوق المقولة ومن العناوين الانتزاعية ولا ربط لهما بالمقولة ولا يوجب تعددها تعدد المقولة مع وحدة المقولة في الخارج فلا يمكن في باب اجتماع الأمر والنهي إثبات جهتين واقعيتين يكون الشيء بإحداهما متعلق الأمر وبالأخرى متعلق النهي :

فقد ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ النائيني (قده) لأنه يريد ان يكون تعدد الجهة موجبا لإمكان الاجتماع في مقام الجعل وبيانه هو انه (قده) بين كلامه بمقدمات ونحن نبين حاصله وهو ان العناوين المحمولة كما مر اما ان تكون من المشتقات أو لا فعلى فرض عدم كونه من المشتقات كالعلم والقدرة مع الذات بان

٢٢

يقال يكون لنا علم وزيد وقدرة وزيد يكون لكل واحد منهما مطابق في الخارج ولا محالة يجب ان يكون التركيب انضماميا والفرق بينه وبين المشتق مثل قولنا زيد عالم وزيد قادر هو اعتباره بشرط لا المانع من الحمل واعتباره في المشتق بنحو اللابشرط الممكن حمله فان لم يكن التركيب انضماميا يلزم ان يكون الشيء الواحد متفصلا بفصلين فصل له هو العلم وفصل له هو القدرة وكيف يمكن ان يكون الفرد الواحد فردا لطبيعتين فكما ان الإنسان لا يمكن ان يكون فردا للناطق والناهق كذلك في المقام لا يكون لنا ذات تكون منطبقة لعنوان القادر والعالم فيجب ان يفرض الكل منضما طبيعة واحدة حتى لا يلزم ان يكون الفرد فردا للماهيتين وبهذا الاعتبار لا بد ان يكون المطابق في الخارج لكل واحد من العناوين ولا يمكن ان يكون الشيء الواحد مطابقا لعنوانين أو عناوين وكذلك الغصب والصلاة.

واما العناوين الاشتقاقية فلا يكون كذلك فانه إذا قلنا زيد عالم أو قادر أو غاصب أو مصل يكون معناه انه يحمل العالم وغيره عليه للعلم والقدرة والغصب والصلاة بحيث تكون الجهة تعليلية وخارجة عن الذات فحينئذ يمكن حمل جميع العناوين على ذات واحدة كل لعلة من العلل ولا يلزم ان يكون التركيب انضماميا بل شيء واحد ينتزع منه من جهة الغصب انه غصب ومن جهة الصلاة انه صلاة وهكذا فلا إشكال في ان يكون متعلق الأمر شيء وهو الكون الصلاتي ومتعلق النهي شيء آخر وهو الكون الغصبي ولا فرق في ذلك في العناوين المتأصلة مثل العالم أو فوق المقولة كالغصب فلا إشكال في ان يكون اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بهذا النحو.

والجواب عنه (قده) هو عدم تمامية ما ذكره في المشتقات لأنه اما ان يكون الذات داخلة فيها بمعنى ان الغاصب الذات المتصفة بالغصب والمصلى الذات المتصفة

٢٣

بالصلاة فيصير المشتق من العناوين التي هي فوق المقولة سواء كان المبدأ امرا جوهريا أو عرضيا مثل العلم والحلم كما هو الشائع في المشتقات والحاصل لا يبقى على فرض دخل الذات شيء في مقابل المشتق يوجب تعدد الجهة واما على فرض عدم دخل الذات في المشتق كما هو مبناه فحيث انه يقول بان العالم والحليم يكون معناه العلم المنتسب والحلم كذلك بمعنى دخل وجود الرابط في الوجود الرابطي أيضا فيصير العلم ممتازا عن الحلم والغصب ممتازا عن الصلاة فيجب ان يقول أيضا بان الوجودين انضماميان ولا يتحدان هذا أولا.

وثانيا على فرض تسليم ما ذكره (قده) من ان الذات تتصف بالصفات بواسطة الجهات التعليلية وكونها متعددة بتعددها أيضا لا يفيد للمقام لأن الكلام لا يكون في الذات كذلك بل كما مر يكون الكلام في فعل المكلف لا في ذاته وانه هل يتصف بالوحدة فقط أو يمكن وجدان جهة كثرة فيه فما فيه تعدد الجهة فهو خارج عن البحث.

وثالثا ان ما ذكره في مبادئ الاشتقاق بأنه يلزم ان يكون الشيء متفصلا بفصلين واللازم من محاليته القول بالوجود الانضمامي غير صحيح في المبادي التي هي فوق المقولة مثل الغصب والصلاة الذين لا يكون لهما ما بإزاء في الخارج حتى يكون فصلا ويلزم الإشكال فلا فصل ولا جنس بل اعتبار محض مثل اعتبار الملكية التي ليست هو الأبناء العقلاء واعتبارهم على ان امتياز الجواهر بنفس ذاتها لا بواسطة الاعراض خلافا للمتكلمين فهذه الكلمات لا تصحح القول بجواز الاجتماع في مقام الجعل.

ورابعا على فرض تسليم كون الجهات تعليلية يكون البحث في موضوع الحكم الشرعي فانه يجب مراعاة لسان الدليل فإذا كان الموضوع زيدا العالم في قوله أكرم زيدا العالم بنحو القيدية لا يكون لنا التحليل والقول بان العلم جهة تعليلية فانه

٢٤

يكون فرق كثير بين كون الجهة تعليلية أو تقيدية ويظهر أثرها في الاستصحاب مثلا إذا قال الماء المتغير ينجس إذا زال تغيره بنفسه يكون الموضوع الماء المتغير ولا يمكن استصحاب النجاسة لعدم بقائه بزواله بخلاف صورة كون الموضوع الماء لتغيره فانه يمكن الاستصحاب لأن الوصف قد تغير وهو من مبادئ الشك في البقاء فلا يمكننا إرجاع كل جهة تقيدية إلى التعليلية بل يجب ملاحظة لسان الدليل.

فتحصل عدم صحة كلام شيخنا النائيني (قده) في المقام ولا يمكنه إثبات تعدد الجهة حتى يكون الاجتماع في مقام الجعل جائزا واما الإشكالات التي قد أوردنا عليه (قده) في الدورة السابقة فيرجع إلى إنكار مبناه فمنها ان الكون الصلاتي هو الكون الغصبي ولا تبقى حركة ولا كون آخر حتى يحصل التعدد وقد أخذناه عن شيخنا العراقي (قده) وفيه انه (قده) يقول بذلك على فرض التعدد وهذا يكون إنكارا لمبناه (قده) فعلى فرض تسليم مبناه لا يرد عليه هذا الإشكال.

ومنها ان البحث يكون في جواز الاجتماع قبل الوجود وهو (قده) يكون بحثه فيما بعد الوجود وهو ظرف سقوط التكليف فلا محل للبحث عنه والجواب عنه هو ان مراده من ذلك هو البحث عن الطبيعة مرآة عن الوجود الخارجي ولعل هذا من اشتباه المقرر لأنه قده أجل شأنا من ان يقول بهذا القول فان كون الخارج ظرف سقوط التكليف مما لا يخفى عن مثله قده.

٢٥

المقدمة السادسة

في ان البحث في باب اجتماع الأمر والنهي أعم من كون النسبة بينهما العموم من وجه أو المطلق فان العمدة رفع الإشكال عن مورد الاجتماع سواء كان بنحو العموم من وجه كما يقال صل ولا تغصب وحصل الاجتماع من سوء اختيار المكلف ومجيء البحث في انه هل يسرى مورد النهي إلى مورد الأمر أو كان بنحو العموم المطلق مثل صل ولا تغصب في الصلاة فان الحصة من الغصب في الصلاة منهية عنها فكأنه استفدنا المفسدة في الحصة من الغصب من النهي والمصلحة في الصلاة من الأمر فالصلاة المقرونة بالغصب تكون مورد اجتماع الأمر والنهي فانه يمكن ان يكون النهي بنحو الحصة المقرونة غاية الأمر حيث ان الظاهر من الدليل هو كون الغصب التوأم مع الصلاة والصلاة التوأمة مع الغصب فيه المفسدة نقول بأنه يكون من باب النهي في العبادات.

فما عن شيخنا النائيني (قده) خلافا لصاحب الفصول (قده) من ان أمثال المقام يكون خارجا عن البحث لأنه يكون في الوجودين الممتازين لا في الوجود الواحد كما في المقام لا وجه له لأن المثال وكل عام وخاص يكون التمايز بينهما في صقع المفهوم فيمكن إدخاله في محل البحث ويقال ان الخارج حيث يكون مركز اجتماعهما في وجود واحد لا يجتمع الأمر والنهي فلا وجه لاختصاص محل البحث في العامين من وجه بدعوى ان الخاصّ في الخارج عين وجود العام.

٢٦

المقدمة السابعة

في انه هل يختص البحث في صورة كون المتعلق تحت الأمر والنهي أو يعم حتى صورة كون المكلف به لجهة تعليلية في الكلام متعددا من وجه مثل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق فان الظاهر ان العالم يجب إكرامه لعلمه والفاسق يحرم إكرامه لفسقه فهل يمكن ان يقال بان الحصة المقرونة من الإكرام بالفسق غير الحصة المقرونة منه بالعلم فإذا كان العالم فاسقا يجتمع فيه الأمر والنهي الأول لعلة العلم والثاني لعلة الفسق أم لا فيه خلاف.

والتحقيق (١) عندنا هو عدم كون المقام من باب اجتماع الأمر والنهي لأن العرف يرى مضادة ومعارضة بين قول القائل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق فانه يرى ان الأمر والنهي يتعارضان في مورد الاجتماع ولا يراه من باب التزاحم بان يرى مصلحة للعلم موجبة للأمر بالإكرام ومفسدة للفسق الموجبة للنهي عنه ليحصل التزاحم بل يرى انهما يتكاذبان ويتعارضان.

وقال المحقق الخراسانيّ وشيخنا النائيني (قدهما) بان هذه الصورة خارجة عن البحث من باب ان الجهة ولو كانت متعددة أي جهة الفسق والعلم ولكن حيث تكون الذات واحدة لا يكفى تعددها فالإكرام واحد لا يتعدد بواسطة كون الفاسق متعلقه أو العالم.

وفيه ان تصور الحصة لا إشكال فيه فانه يمكن ان يقال بان الحصة المقرونة من الإكرام بالعلم غير الحصة المقرونة بالفسق فأي مانع من تعلق الأمر بأحدهما

__________________

(١) أقول : العرف يرى المعارضة بين أكرم العالم ولا تكرم العالم ولا يراها في المقام بل يتوقف أو يقول بالتزاحم من باب اجتماع الحصتين من العلم والفسق.

٢٧

والنهي عن الآخر على ان مبنى شيخنا النائيني (قده) كما مر هو ان تعدد الجهة يكفى في مقام الجعل لتعدد الأمر والنهي ووجود الملاك لكليهما.

ثم من عجيب ما ذكره (قده) هو انه قال بالفرق بين قول القائل توضأ ولا تغصب وبين قوله اشرب هذا الماء الخاصّ الخارجي ولا تغصب فانه قال بان المثال الأول يكون داخلا في باب اجتماع الأمر والنهي بخلاف الثاني فانه يكون من باب التعارض فقط فانه لا يمكن ان يكون الأمر بشرب هذا الماء مع النهي عنه بواسطة انه تصرف في مال الغير لأنه لا فرد للشرب غير هذا فيرجع الخطاب إلى الأمر به والنهي عنه مثل اشرب ولا تشرب وهما متعارضان والجواب عنه هو ان تعدد العنوان كما يكون في الوضوء والغصب يكون في الشرب والغصب وما ذكره من المحذور يكون في كل موارد الاجتماع بيانا لامتناعه لأن الشيء الواحد لا يمكن ان يكون مأمورا به ومنهيا عنه (١) فالباب أيضا باب التزاحم.

ثم من الموارد الّذي أيضا يقول شيخنا النائيني (قده) بان بابه باب التعارض هو صورة كون التكليفين على متعلقين من جهة تعليلية ويسمى بتعدد الإضافات واتفق

__________________

(١) أقول : نعم يكون الفرق بينه وبين غيره في صورة كون الأمر والنهي متعلقا بالطبيعة من دون الانحلال على الخارج فيقال بالاجتماع في مقام الجعل مثلا وهو لا يمكن في المقام لأن الشخص الخارجي ليس بطبيعة واما على ما هو التحقيق من الانحلال فلا فرق لأن الإشكال كله في هذا الباب من جهة اجتماع الضدين بواسطة سريان الأمر إلى متعلق النهي وبالعكس فلا فرق بين المقامين نعم جعل هذا النحو من التكليف خارج عن طريق العقلاء من جهة عدم الفائدة للخطاب الشخصي كذلك بخلاف ساير الموارد فان التزاحم أو التعارض حصل من سوء اختيار المكلف أو صرف اتفاق جمع العنوانين في شيء واحد مع ان أصل التكليف ويكون لغوا من جهة وجود ساير الافراد له.

٢٨

الامتثال الواحد لكليهما مثل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق فان القيام الواحد عند ورودهما يكون إكراما لهما فهل يجب تركه أو فعله من باب التعارض أو التزاحم الحق عندنا هو ان الباب باب التزاحم لأن حصة الإكرام للفاسق غير حصته للعالم فيمكن ان يكون الأمر بحصة دون حصة خصوصا في المقام الّذي يكون المتعلق متعددا وهو الشخصان واما الأستاذ (قده) فهو يقول بالتعارض ببيان ان الأسباب التوليدية يرجع الأمر بمسبباتها إلى الأمر بأسبابها لأنها لا تكون تحت القدرة الا بها فيرجع لا تكرم الفاسق وأكرم العالم إلى قوله قم ولا تقم لأن القيام إكرام وتركه ترك الإكرام وفيه ان المسببات تحت القدرة بواسطة الأسباب فإكرام العالم لعلمه تحت القدرة وعدم إكرام الفاسق لفسقه أيضا تحت القدرة والعنوان متعدد فيجب ملاحظة مرجحات باب التزاحم ان قلنا بان باب اجتماع الأمر والنهي باب التزاحم.

المقدمة الثامنة

وهي عن المحقق الخراسانيّ (قده) أيضا في الكفاية في المقدمة السادسة عنده فانا كلما لم يذكره (قده) نذكره ثم نرجع إلى ما ذكره لأن العنوان في البحث من هذا الكتاب وحاصلها ان وجود المندوحة وعدمها هل يكون له دخل في رفع محذور اجتماع الضدين أو التكليف بالمحال في الباب أم لا لأن عمدة الإشكال في المقام هو ان اللازم من التكليف كذلك هو اجتماع الضدين أو التكليف بالمحال والثاني هو العمدة عندنا فقال (قده) لا دخل لها.

ونحن في الدورة السابقة قد فصلنا بين كون التكليف على نفس الطبيعة من دون الانحلال على الخارج كما هو مذهب الميرزا القمي (قده) وبين كونه عليها بلحاظ الخارج فوجود المندوحة له أثر على الأول لأن التكليف على الطبيعة مع وجود الافراد بدون المزاحم يكون صحيحا بخلاف عدم وجود الفرد لها الا في ظرف المزاحم فإذا

٢٩

كان الماء منحصرا في الكأس المغصوب أو كان مغصوبا لا معنى للخطاب بالوضوء بخلاف صورة كون الافراد الغير المغصوبة أيضا موجودة فيمكن الخطاب بلحاظها والنهي بلحاظ مصاديق المغصوب بخلافه على الثاني وهو انحلال التكليف على الفرد فان كل فرد يكون تحت الأمر والنهي سواء كان الفرد الآخر الّذي لا مزاحم له أو لا يكون ولكن الحق عدم الفرق لأن التكليف لا يكون بنحو القضية المهملة بل بنحو المطلقة يشمل جميع الافراد ولا يقف (١) على الطبيعة المهملة.

ثم انه يقال ان المندوحة بالنسبة إلى ما يكون الاجتماع بسوء اختيار المكلف وهو صورة وجود الفرد الآخر بلا مزاحم يكون لها الأثر ويسمى مندوحة المأمورية بخلاف صورة كون الاجتماع من حيث الاتفاق الخارجي فان الآمر لا يمكنه الأمر في هذه الصورة لعدم الفرد بلا مزاحم ويسمى المندوحة الآمرية فالاجتماع في الصورة الأولى صحيح وفي الصورة الثانية غير صحيح والجواب عنه ان الإشكال العقلي وهو اجتماع الضدين أو التكليف بالمحال لا يرتفع بواسطة كون الاجتماع بسوء الاختيار أم لا.

ففي كلتا الصورتين اجتماع الأمر والنهي في العمل الواحد محال سواء كان بسوء الاختيار أم لا.

__________________

(١) أقول هذا الإشكال متوجه إلى المبنى لا البناء فلو صح المبنى أمكن ان يقال بالفرق وهذا واضح.

٣٠

المقدمة التاسعة

وهي التي لم يتعرض لها الشيخ الحائري (قده) في الدرر وهو انه ربما توهم في المقام ان الأمر والنهي إذا كان متعلقا بالطبيعة يمكن القول بجواز الاجتماع وإذا كان متعلقا بالفرد لا يجوز سواء كان الفرد مع المشخصات الخارجية أو لا فانه يتوهم ان الطبيعة لا تزاحم لها مع الطبيعة في صقع قبل الوجود واما الفرد الخارجي فلا يمكن ان يكون مأمورا به ومنهيا عنه لأنه شخص فلا يمكن ان تكون حركة واحدة مأمور بها لأنها صلاة ومنهية عنها لأنها غصب.

وفيه أو لا انه لا معنى للنزاع في الطبيعة بعد الوجود في الخارج فانه يكون ظرف سقوط الأمر والنهي فلا معنى لكون الفرد مورد الاجتماع بل الّذي تكون الطبيعة منحلة إليه وهو الحصص يكون مورد الاجتماع مثلا ان الصلاة لها حصة في الدار الغصبي وحصة منها في المسجد وأخرى في الحمام فيكون انحلال الطبيعة إليها بلحاظ وجودها في الخارج لا بعد وجودها فيه اما تبادليا في صرف الوجود أو سريانيا في الطبيعة السارية واما الخصوصيات الفردية فليست داخلة تحت الخطاب فان الصلاة في المنارة مثلا لا يكون كونها في المنارة أيضا مطلوبة بل تكون مقرونة به ولا يكون له دخل في تشخصها وثانيا ان التشخص يكون بنفس الوجود لا بالعوارض وثالثا لو حصل التشخص بالاعراض يكون بالاعراض العارضة مثل الحركة العارضة على الجوهر واما المقرونة فلا توجب التشخص فانه عروض العرض على العرض محال مثلا الحركة عارضة للجسم والسرعة والبطء ليست بعارضة لها خلافا للمتكلمين بل تكون حصة من الحركة هي السريعة وأخرى البطيئة هذا في الاعراض المقولية واما ما لا يكون تحت مقولة من المقولات كالصلاة والغصب فلا يكون له شأن حتى يكون مشخصا وفي المقام يكون متعلق التكليف عرضا وهو فعل المكلف ولا يكون عنوان انه الصلاة أو الغصب مشخصا له.

٣١

ثم على فرض تسليم جميع ما ذكر لو كان الحكم (١) على الفرد يمكن ان يقال بجواز الاجتماع لأن الوجود الواحد يمكن ان يكون له جهتان وبهما يكون متعلقا للأمر والنهي ويمكن ان تكون الطبيعة متعلقة للأمر والنهي ونقول بعدم جواز الاجتماع مثل صورة كون النسبة بين الطبيعتين العموم والخصوص المطلق مثل صل ولا تصل في الدار المغصوبة فان الحصة من الصلاة في الدار المغصوبة ليست غيرها بل هي نفسها فلا يمكن ان تكون مورد الأمر والنهي فالنزاع في المقام لا يبتنى على كون الأمر والنهي على الطبيعة أو الفرد وليعلم أيضا انه لو قلنا بان المكان الّذي يكون من مقولة الأين يكون شخصا يكون طبيعيه كذلك لا انه بعنوان الغصبية فهو مقوم العنوان لا الغصبية وهي التصرف في مال الغير.

تتميم

اعلم ان المحقق الخراسانيّ (قده) على حسب مبناه في المقام بان مورد البحث هو صورة كون الشيء ذا الجهتين حتى يمكن توجه الأمر والنهي إليه ويكون المورد مورد التزاحم يرتب الآثار في جميع الموارد ولو كان في بعض جزئياته خدشة.

واما شيخنا النائيني (قده) لا يكون بحثه موزونا على حسب مبناه مع انه يقول بان الكلام أيضا في العامين من وجه لأنه (قده) يقول بان الجهتين يجب ان تكونا مقوليتين ليصح البحث عن تعلق الأمر والنهي بهما.

__________________

(١) أقول والعمدة في البحث هذا المقام وإلّا فالتشخص بأي شيء حصل أو لم يحصل لا يكون محطا للبحث هنا واما في المقام فلو كان تعدد الجهة كافيا في الفرد للاجتماع مع وحدة الوجود فكيف لا يكون كافيا في الحصة من الصلاة التي تكون مع الغصب.

٣٢

وفيه ان المقولتين إذا (١) كانتا انضماميتين لا شبهة ولا ريب في جواز الاجتماع لأن الشيئين الممتازين كيف لا يمكن ان يكون أحدهما مأمورا به والآخر منهيا عنه ولذا نقول بخروج العالم والخاصّ المطلق من البحث اللهم إلّا ان يكون مراده (قده) البحث الصغروي بان يكون مراده البحث الصغروي بان يريد انه لو كانت الجهات في الخارج انضماميات لا تكون مانعة من الاجتماع وإلّا فلا يجوز اجتماع الأمر والنهي.

والحاصل ان الفحص الخارجي لازم بعد الاتحاد الصوري ليظهر تعدد المقولة وجواز الاجتماع ووحدتها وعدم جوازه في مقام الجعل.

ثم انه (قده) اعتذر بان بعض المقولات ربما يكون متمم مقولة أخرى وليس له ما بإزاء مثلا الوضوء في الآنية المغصوبة يكون من المقولات لأنه فعل من الأفعال مثل الشرب والاستعمال الّذي يكون منتزعا من الوضوء والشرب يكون فوق المقولة فيكون النهي عنه لأنه متمم المقولة فهو مثل السرعة والبطء العارضتين للحركة مع انها نفسها مقولة ويكون لها ما بإزاء وهما عارضتان عليها فيكون النهي عن الاستعمال في المقام من جهة كونه في جنب المقولة لا من حيثية نفسه.

وفيه انه (قده) يقول بان البحث يكون فيما يكون التركيب فيه انضماميا والمقام باعترافه ليس كذلك لأنه لا انضمام فيما ليس من المقولة هذا أولا وثانيا نسأل عنه ما معنى متمم المقولة مع انه (قده) قائل بان قيام العرض بالعرض

__________________

(١) أقول الجهات المقولية المتلازمة مثل الأين والوضع لشيء لا يمكن ان يكون بعضها مبغوضا وبعضها محبوبا بالنسبة إلى الافراد على مسلك الامتناعي والحاصل يمكن ان يكون محل البحث في المقام لنكتة التلازم في الذات الواحدة فيقول أحد بالامتناع وآخر بالاجتماع ونظره (قده) لعله إلى هذه النكتة.

٣٣

محال والسرعة والبطء والاستعمال يكون من هذا الباب وثالثا كيف يتوجه الأمر إلى شيء وهو فوق المقولة فليس بحثه (قده) على مسلكه صحيحا.

واما شيخنا العراقي (قده) فانه أيضا قد خرج عن أسلوب البحث على حسب مبناه فانه يقول بان البحث يكون في المتزاحمين ويكون باب التعارض عنده خارجا عن محل البحث ولذا يقول ردا للمحقق الخراسانيّ (قده) بان العام والخاصّ والمطلق والمقيد يكون خارجا عن البحث في مثل صل ولا تغصب في الصلاة ومع ذلك يقول بأنه إذا كان وجه اشتراك بين الطبيعتين مثل الغصب والصلاة نقول بالامتناع وإذا لم يكن وجه اشتراك فيه نقول بالاجتماع لتعدد الجهة مع ان صورة وجود وجه الاشتراك يكون بنظره من باب التعارض لا التزاحم والكلام عنده يكون في هذا الباب أي باب التزاحم فقد خرج عن مسلكه بجعل التعارض أيضا مورد البحث فليكن هذا في ذكر منك لينفعك عند مطالعة كلماتهم.

إذا عرفت هذه المقدمات فنقول مستعينا بالله تعالى ان الأقوى عندنا هو جواز اجتماع الأمر والنهي في مقام الجعل لا الامتثال مع كون النزاع في الباب عندنا من المتزاحمين في العامين من وجه لوجود المقتضى وعدم المانع اما وجود المقتضى فلإطلاق الدليل أي دليل الأمر بالصلاة ودليل النهي عن الغصب حتى في صورة الاجتماع فكل ينادى بمؤداه من المصلحة أو المفسدة فيكون الصلاة والغصب جهتين من الوجود الواحد كالمشرق والمغرب له وينتزع كل منهما من مرتبة من الوجود بالمنشار العقلي بمعنى انه يكون محبوبا بالجهة الصلاتية ومبغوضا بالجهة الغصبية ولا أقول كما مر بان الإرادة تكون على طبقه ولا الجعل الإنشائي ولا الفعلي بل المولى يرى المحبوب ويرى انه يضاده المبغوض فيقول في نفسه يا حيف ان المكلف لا يقدر على إتيانه لمزاحمته بضده فهو يحبه من جهة ويبغضه من جهة أخرى.

فان قلت على فرض عدم سراية متعلق الأمر إلى متعلق النهي يمكن القول

٣٤

بما ذكر ولكن حيث يكون الأمر والنهي على الطبيعي بلحاظ وجود افراده في الخارج لا وجه لاجتماع المبغوضية والمحبوبية في شيء واحد قلت ان العمدة في المقام من إشكال اجتماع (١) الأمر والنهي هو طلب المحال لا اجتماع الضدين وحيث لا نقول في المقام بوجود الأمر والنهي والإرادة والكراهة لاستحالته لا يبقى وجه للمحالية.

واما المانع فقد توهم في المقام ان المقصود ليس السراية وعدمها بل الفعل الواحد لا يمكن ان يكون له جهتان تعليليتان مضادتان لأن الحركة الواحدة لا يمكن ان تكون محبوبة للجهة الصلاتية ومبغوضة للجهة الغصبية وهذه الجهة مغفولة لا ينظر إليها لأنها خارجة والّذي يكون مورد النّظر هو الواحد.

وفيه أو لا النقض بالمصلحة والمفسدة فانه كيف يقول المحقق الخراسانيّ (قده) وغيره بان المصلحة والمفسدة يمكن ان تكونان لفعل واحد ويكون الداعي للإتيان هو المصلحة فكلما قالوا فيهما نقول في المحبوبية والمبغوضية وثانيا ان الجهات ولو كانت مغفولة ولكن تكون حاكية مثل الألفاظ الدالة على المعاني وهذا غير مربوط بالنهي في العبادات فان النهي تعلق بذات الصلاة بالجهة الصلاتية فيها وفي المقام لا يكون كذلك بل يكون النهي بعنوان الغصبية.

ثم قال شيخنا العراقي (قده) في المقام بان العناوين اما مقولية أو غيرها فعلى الثاني يمكن القول باجتماع الأمر والنهي من باب تطبيق العنوانين على شيء

__________________

(١) أقول : المحبوبية والمبغوضية أيضا لو كانت على الطبيعي من دون انحلاله على الحصص مرآتا عن الخارج يتصور جمعهما ولكن لا يفيد ولو انحل الطبيعي إلى الافراد فالحصة التي تنطبق على هذا الفرد لا تكون مجمعا للحب والبغض كليهما. فالإشكال بحاله باق.

٣٥

واحد إذا كان بينهما عموم من وجه كالغصب والصلاة وقد تقرر بان الفعل الّذي يصدر من المكلف يجب ان يكون مطابقه مركبا من حقيقة العنوانين المنطبقين عليه تركيبا انضماميا للزوم ان يكون لكل عنوان وجود خاص به.

وفيه أو لا ان العناوين التي هي فوق المقولة مثل الصلاة والغصب لا يكون لها ما بإزاء حتى ينضم أحدهما إلى الآخر ويكون باعتبار متعلقا للنهي وباعتبار آخر متعلقا للأمر وثانيا ان العنوانين مغفولان وما يكون في الخارج ليس إلّا حركة واحدة واما في المطلق والمقيد فقال (قده) بأنهما حيث لا يكون لهما طوران من الوجود في الخارج وفي الذهن والمطلق عين المقيد بخلاف الصلاة والغصب فان لكل واحد منهما مطابق غير الآخر وقد يجتمعان ولكن المقيد لا يكون إلّا هو المطلق وليس لنا حيوان مطلق ولا صلاة مطلقة الا في ضمن فرد من الافراد فعلى هذا لا يمكن القول باجتماع الأمر والنهي في صل ولا تصل في الدار المغصوبة لأن النهي توجه بذات الصلاة التي في الدار المغصوبة وليس لها ما بإزاء آخر فعلى هذا يجب القول بالامتناع في المطلق والمقيد والميزان الخطاب وهو يكون متوجها إلى ذاتها فلا يحاسب تعدد العنوان في أمثال المقام.

أقول نحن في الدورة السابقة في البحث اخترنا قوله من ان المدار على الخطاب ولقد أجاد فيما يقول فيه ولكن الّذي يرد عليه هو ان الباب في المقام باب التزاحم أي يكون البحث في باب اجتماع الأمر والنهي في صورة كون التزاحم بين العنوانين متصورا والمقام الّذي قال بالامتناع فيه يكون من باب التعارض وهو خارج عن محل البحث فيجب ملاحظة مدار البحث في القول بالجواز والامتناع ولذا يكون بعض موارد العام والخاصّ والمطلق والمقيد داخلا في محله وهو مثل صل ولا تغصب في الصلاة فانه يمكن تصوير التزاحم فيه ، ثم ان شيخنا النائيني حاصل مذهبه في المقام هو انه كلما يكون الوجودان

٣٦

انضماميين يلزم القول بالجواز في مقام الجعل وعلى فرض اتحاد الوجودين يلزم القول بالامتناع ففي الصلاة والغصب حيث تكون الجهتان غير مقوليتين ويكون مطابق كلتيهما واحد في الخارج فيمتنع الاجتماع فلا يكون المناط عنده ان يصير الباب باب التزاحم بل عمدة نظره إلى تعدد الوجودين ووحدتهما خلافا للمحقق الخراسانيّ والعراقي (قدهما) حيث يكون البحث عندهما من المتزاحمين.

والجواب عنه (قده) ان وجوب تعدد العنوانين في المقام صحيح ولكنه (قده) لاحظ المطابق الخارجي في مقام الجعل والخارج ظرف سقوط التكليف لا ظرف جعله وثانيا ان ما يكون التركيب فيه انضماميا لا يكون من افعال العباد بل ما يكون من مقولة الفعل يكون الجهات المتعددة فيه اعتبارية دائما مثل الصلاة والغصب فما حكم فيه بجواز الاجتماع يكون خارجا عن محل البحث فلا وجه لطريق هذا الأستاذ (قده) بالقول بالجواز والامتناع والطريق ما ذكرناه من ان المدار على ان يكون الباب باب التزاحم والجواز في مقام الحب والبغض لا في مرتبة الإرادة والكراهة والجعل.

في أمتن ما استدل به لعدم جواز الاجتماع

ثم إن أمتن ما استدل به المانعون من الوجه هو ما ذكره المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية وذكر لبيانه مقدمات.

الأولى ـ ان الأحكام من الوجوب والحرمة وغيرهما متضادة ولا يمكن اجتماعها لغائلة اجتماع الضدين أو من جهة طلب المحال بالضرورة من الوجدان فانه لا يمكن ان يقول المولى الحكيم بالنسبة إلى الفعل الواحد افعل ولا تفعل في زمان واحد في الحرام والواجب وهكذا في المستحب والمكروه وغيرهما.

المقدمة الثانية ـ ان العناوين حاكيات عن الوجود الخارجي ولا يكون لها ما

٣٧

بإزاء الا الخارج فالغصب والصلاة وساير العناوين منطبق على الحركة الواحدة وليس مطابقها الا واحدا في الخارج.

والثالثة ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون بمعنى ان انتزاع الغصب والصلاة لا يوجب ان تصير الحركة الواحدة شيئين ممتازين بل تبقى وحدتها ألا ترى ان الصفات كلها تحمل على الله تعالى جل شأنه ولا تنثلم وحدته الحقة الحقيقية البسيطة من جميع الجهات فان الواحد الحقيقي عالم وقادر وحي ومريد ومدرك وسميع وبصير ، وانتزاع هذه العناوين لا يوجب الكثرة فكذلك في المقام انتزاع العناوين لا يوجب تعدد المعنون.

المقدمة الرابعة ـ وقد أخذها (قده) عن صاحب الفصول (قده) فانه جعل النزاع مبنيا على القول بأصالة الماهية أو بأصالة الوجود فعلى الأول يقول بالجواز لتعدد الجهات والماهيات وعلى الثاني يقول بالامتناع لأن الوجود واحد فقال (قده) في مقام رده بان اللازم من ذلك هو ان يكون لوجود واحد ماهيتان على فرض كون الأصل هو الماهية ومن المعلوم ان الذات الواحدة لا تكون مصداقا لماهيتين بل لا بد ان تكون ماهية واحدة وان انتزع عنها عناوين متعددة فان المقولة واحدة وما فوق المقولة يمكن ان يكون كثيرا ولا تنثلم الوحدة به فلا يكون اختلاف المبنى في الوجود والماهية موجبا للاختلاف في الجواز والامتناع ولا يصير اختيار أصالة الماهية موجبا للقول بجواز الاجتماع.

فتحصل من المقدمات ان الذات الواحدة لا يمكن اجتماع الأمر والنهي فيها لتضاد الأحكام ووحدة الذات وعدم تعددها بتعدد العنوان انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول ويمكن الجواب عن جميع المقدمات.

اما الجواب عن المقدمة الأولى فهو ان الأحكام على قول البعض لا تكون متضادة

٣٨

لأنها اعتباريات وهي لا يجيء فيه بحث التضاد فان البعث والزجر يكونان من الاعتبارات الشرعية القابلة للاجتماع على ان التضاد يكون في الخارج ولا يتحقق في صقع الإرادة والكراهة وفي المقام لا نقول باجتماعهما أيضا في هذا الصقع بل نقول بان الحب والبغض يمكن اجتماعهما فيما قبل الإرادة لا قبل الإرادة والكراهة.

واما عن المقدمة الثانية فلان متعلق الحكم ليس الخارج لأنه ظرف سقوطه ولا أقول انه علة السقوط لأن معلول الأمر لا يمكن ان يكون علة لسقوطه ولا أقول ان الطبيعة المقرونة بالوجود يتعلق بها التكليف لأنها مع الوجود لا يمكن ان يكون البعث إليها والزجر عنها بل الطبيعي مرآتا عن الخارج يكون مصب الحكم هذا أو لا.

وثانيا لا يلزم من ذلك سراية الحب والبغض إلى الخارج حتى يشكل بان الوحدة باقية لأن العناوين حاكيات عن الخارج بل هما في صقع النّفس ولا إشكال في اجتماعهما فيها.

واما عن المقدمة الثالثة فهو بعد ان يقال ان مراده (قده) هو ان العناوين الغير المقولية لا يكون لها في الخارج الا مطابق واحد وان إشكال شيخنا النائيني (قده) عليه من ان تعدد العنوان ان صار موجبا لتعدد المعنون في الخارج فيكون خارجا عن محل البحث لأن البحث في صورة وحدة متعلق الأمر والنهي لا تعدده غير وارد لأن ما هو فوق المقولة لو كان فيه التعدد أيضا لا يكون التركيب فيه انضماميا ليكون خارجا عن محل البحث بل هو باق بوحدته وهو (قده) يقول بتعدد الجهة واتحاد الوجود في الخارج فان الصلاة عناوينها داخلة في مقولة الأين كالكون في المكان والوضع كمقابلة القبلة وبعضها خارج عن المكان كالنية فانها من الكيفيات النفسانيّة والغصب يتحد مع بعض المقولات الصلاتية مثل الأين والوضع.

٣٩

واما ما قاله (قده) (١) من ان الوحدة الحقيقية في الله تعالى لا تنثلم بواسطة تعدد الجهات مثل العلم والقدرة ففيه ان صدق العالم عليه وعلى غيره وان كان بالنظر البدوي بمعنى واحد وان مطابق العلم فيه تعالى كمطابق العلم في قولنا زيد عالم ولكن في الواقع بينهما فرق كثير فان علم الممكن بمعلومه بقدر وجوده الإمكاني المحدود ولا يمكن الإحاطة له بالمعلوم الممكن فضلا عن الإحاطة بخالقه والممكنات فيها جهة الكثرة بخلافه تعالى فانه في مرتبة ذاته يكون بسيطا من جميع الجهات ولا يقبل القسمة لا في الوهم ولا في العقل واما في مرتبة ما دون الذات وهي مرتبة فعله تعالى فيمكن انتزاع جهات الكثرة فان المخلوقات منه تعالى ولها تكثر فلا يقاس وحدته بوحدة الممكنات.

اما الجواب عن المقدمة الرابعة فهو ان مراد صاحب الفصول يكون الاجتماع بالجنس والفصل في وجود واحد لا ان يكون مراده ان للماهيتين وجودا واحدا حتى بشكل عليه (قده) بأنه لا يكون لهما وجود واحد ومن المعلوم ان الجنس والفصل يكون بهما تحصل الماهية لا ان كل واحد منهما ماهية بل المركب منهما وهو النوع يكون مراد صاحب الفصول (قده) (٢)

__________________

(١) أقول : مراده (قده) هو صرف التقريب إلى الذهن لا ان يكون مراده هو إثبات الوحدة للممكن كالوحدة للواجب بل صرف التشبيه في ان وحدة المعنون لا تنافي تعدد العنوان الانتزاعي ففي المقام لا يضر التعدد بالوحدة.

(٢) أقول : يظهر من المحقق الخراسانيّ (قده) بان المقام لا يكون من تركيب الجنس والفصل ولذا أشكل هو (قده) على الفصول في ذيل كلامه فلا يتم ما وجه به كلام الفصول ضرورة ان الغصب والصلاة لا يكونان من الجنس والفصل ومراد المحقق الخراسانيّ (قده) هو ان الماهية الواحدة لا يمكن ان تكون موجودة بوجودين لانطباق عنوانين انتزاعيين عليه فارجع إلى ـ

٤٠