مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

له القدر المتيقن فان المتيقن من إكرام العلماء العدول منهم وهكذا.

فان قلت ان المتيقن في مقام التخاطب اما يوجب انصراف اللفظ فلا ينعقد الظهور من رأس في الإطلاق واما لا يوجب ذلك ويوجب الإهمال وفي كل المهملات يؤخذ بالقدر المتيقن ولا اختصاص له بالمقام.

قلت لا يوجب الإهمال ولا الانصراف ولكن يكون ذلك بحيث يمكن الاحتجاج به ولا يرجع إلى أصل آخر في التكليف هذا كله على فرض كون الموضوع له هو المهملة : واما على المشهور من كونه هو المصداق المجرد فربما قيل بأنه يثبت الشياع بالوضع لا بمقدمات الحكمة وفيه ان هذا مسلم ولكن أطوار الشياع من التبادل والسريان فيهما يحتاج إلى المقدمات ففي الأول تجري تارة للإطلاق وأخرى لأطواره وفي الثاني تجري بالنسبة إلى الأطوار فقط.

والتحقيق عدم الإضرار والمانعية وعلى فرض تسليمه لا وجه لكلام العلمين والتفصيل موجه أي القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع عن الإطلاق بخلافه إذا كان خارجه.

الأمر الثاني

هو انه إذا أحرز ان المولى كان في مقام البيان وأطلق وأخذنا بالإطلاق ثم بعد ذلك وجدنا قرينة على خلافه فهل يبقى الإطلاق بالنسبة إلى غير ما وجدناه أم لا خلاف فالقائل بان البيان لا يجب ان يكون مع الخطاب لا يتمسك به بعدها ويذهب إلى ان هذه تكشف عن عدم كون المولى في مقام البيان لكنه مشكل لأنه كان خلاف سيرة الفقهاء والإجماع.

والأحكام تكون حيثية فيمكن ان يكون المتكلم من حيث في صدد الإطلاق الإطلاق ومن حيث آخر في صدد التقييد وأيضا القرينة المنفصلة ان كانت بيانا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

٢٤١

وان شئت توضيح ما نقول فنقول الكلام هنا يكون في ان المطلق هل يكون ذكر القيد بعده كاسرا لإطلاقه أم لا فقيل بان ما كان قرينة تكون كاسرا للظهور واما ما كان غيرها بان لا يكون لسانه شارحية المطلق فلا يكون كذلك ومبدأ الأقوال هو ان المولى إذا كان في مقام تمام البيان يبين مرامه تارة في كلام واحد وأخرى في كلامين وثالثة بواسطة إثبات ان دأبه عدم إبقاء شيء لما بعد زمان التكلم وعليه فيختلف الأقوال.

والحاصل ان طريق بيان المتكلمين يكون على ثلاثة أنحاء الأول ان يكون المحرز من الخارج هو ان هذا المولى ممن يكون دأبه على بيان كلامه بتمامه مرة واحدة بحيث لو أتى بعده بالقيد يعد مضادا لكلامه الأول فانه إذا أطلق يكون الإطلاق تمام بيانه شرط الإطلاق بحيث لو جاء بالقيد يكون مضادا للإطلاق وعليه يلزم ان يقال بان تقديم الخاصّ على العام يكون بملاك أقوى الحجتين فانه قد انعقد الظهور للمطلق وظهور آخر للقيد فوصل إلينا كلامان ظاهران ويلزم ان يلاحظ أقوائية ظهور أحدهما ولا يكون القيد كاسرا لظهور المطلق كما في العام والخاصّ والثاني ان يكون من دأبه إتيان القيد متصلا ولا يكون من دأبه إتيانه منفصلا كما في الموالي العرفية فعلى هذا ان جاء بالقيد بعد الإطلاق في كلام واحد لا يلاحظ أقوائية الظهور بل القيد مقدم ولو كان أخف ظهورا لأنه متصل بالكلام ولا يتم الظهور للمطلق من رأس بل المراد مضيق من الأول وهذا في كل القرائن المنفصلة ، فان قلت ان قولكم بعدم الظهور في الإطلاق يكون من باب ان من مقدماته عدم ذكر القيد في الكلام وقد ذكر فلا ينعقد الإطلاق وهذه المقدمات بعينها جارية في جانب القيد أيضا فانه أيضا مهمل فإذا قيل أكرم العالم العادل أو أعتق رقبة مؤمنة يكون قيدية العدالة والإيمان للعالم والرقبة منوطة بعدم كون المطلق في مقابله وهو هنا العالم بإطلاقه والرقبة كذلك فإذا كان لا ينعقد له الظهور في الانحصار

٢٤٢

فيمكن ان يقال بان عتق الرقبة مطلقا يكفى وكذا إكرام العالم والقيد لا دخل له.

وبعبارة أخرى كما ان الرقبة مطلقة من حيث كونها مؤمنة أم لا تكون المؤمنة أيضا مطلقة من حيث كونها رقبة أو غيرها فالنسبة بينهما عموم من وجه فلما ذا يقدم الثاني على الأول من حيث القيدية فعلية يمكن ان يقال يكفى ان يكون القيد دخيلا في أعلى المراتب لا في المرتبة الأدنى فالتكليف الجدي يكون ساقطا بواسطة إتيان أدنى الافراد أيضا وهو الكافرة مثلا.

قلت أصل دخل القيد لا يكون بمقدمات الإطلاق بل انحصاره يكون به فيقال ان القيد لا يكون منحصرا فانه بدل القيد بقيد آخر يكون الكلام ساكتا عنه ففي الكلام ان الرقبة المؤمنة يجب إكرامها أو عتقها بمقتضى أصل دخل القيد بالوضع واما ان هذا هو القيد المنحصر فلا نلتزم به أيضا ومقدمات الإطلاق يكون معناها رفض القيود لا جمعه بمعنى انه يكون مفاده ان الكلام لا يكون فيه قيدا لا انه يثبت الإطلاق حتى لا يجمع مع القيد وعلى هذا لا يكون الفرق بين كون القيد مقدما أو مؤخرا فان أصل التقييد لا يكون بالمقدمات خلافا لمن زعم ان الذيل في الكلام يكون قرينة على الصدر فانه لا فرق لما ذكرناه من ان كلا من الشقين مقيد بالآخر.

الثالث ان يكون دأبه بيان تمام مراده بالأعم من المتصل والمنفصل كما هو دأب أئمتنا عليهم‌السلام فان القرائن منفصلة غالبا في كلامهم عليهم‌السلام تذكر المطلق لسائل من السائلين والقيد لسائل آخر فالقيد المنفصل على هذا يصير هادما لظهور الإطلاق لأن إطلاقه كان منوطا بعدم البيان ولو في كلام منفصل وحيث جاء البيان يكون واردا على الإطلاق.

وفيه ان هذا خلاف دأب أهل المحاورة بل القرينة في الكلام يكون هادما للظهور عندهم وواردا واما القرينة المنفصلة فان كانت بلسان الشارحية فتكون حاكمة ومسقطة للظهور واما إذا لم تكن كذلك بل يكون ذكر القيد فقط فالمدار

٢٤٣

على أقوى الحجتين سواء كان هي المطلق أو المقيد بخلافه إذا كان قرينة فانه يقدم ولو كان أضعف ظهورا منه.

ثم أجاب المحقق الخراسانيّ رحمه‌الله بان جعل الأحكام يكون من باب ضرب القانون غاية الأمر تارة يراد الجد به وتارة لا يكون المراد الواقعي متعلقا بشيء على نحوه والجواب عنه انه غير تام لأن القانون أيضا يجب ان يكون على نحو الجد وإلّا فما الفائدة في جعله.

الأمر الثالث

كون المتكلم في مقام البيان تارة يعلم بالقرائن وأخرى بالأصل فنقول مجرى الأصل يكون عند الشك في انه كان في مقام البيان أم لا فيجري أصالة البيان وكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده والشاهد على ذلك هو ان الفقهاء من البدو إلى الختم يتمسكون بالإطلاق مع عدم إحرازه ومنشؤه هو هذا الأصل العقلائي واما تمسكهم من باب كون اللفظ موضوعا للإطلاق فبعيد وهذا ما ذهب إليه المحقق الخراسانيّ ره.

ولتوضيح ذلك نقول الأصول العقلائية على أقسام :

أحدها ما هو دافع المنع عن الظهور الوضعي وهو أصالة عدم القرينة عند الشك في الحقيقة والمجاز.

وثانيها أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدية مثل من قال أعطيتك درهما وشك في انه أراد المعنى الجدي من الدرهم أو شيء آخر فأصالة تطابق الإرادة الدرهم الاستعمالية مع الجدية يرفع الشك عنا.

وثالثها الأصل الجبلي والفطري وهذا يكون ما نحن فيه وهو ان كل عاقل يشتاق الوصول إلى المراد ومن فطرته بيانه.

ولا يخفى ان الخراسانيّ قده لا ينكر إحراز القيد وكون المولى بصدد البيان

٢٤٤

ولكن يقول بان هذا اما ان يكون محرزا بالوجدان واما بالأصل وبناء أبناء المحاورة والفقهاء يكون على بيان تمام مرادهم وهذا كاف في إحراز كون المولى بصدد البيان وقال الحائري قده لا نحتاج إلى إحراز كون المولى في صدد بيان تمام مراده بل المهملة في المقيد تكون مرادا بالتبع وفي المطلق تكون مرادا مستقلا وحيث لا معنى لإرادة المهملة ثبوتا فلازمها إرادة المطلق وهو وان كان قيدا ولكن يكون أخف القيود مئونة ونفس اللفظ دالة عليه.

وفيه ان المقدمات الحكمة لرفض القيود لا لإثبات الإطلاق والمهمل بما هو مهمل ، لا يكون المستفاد منه الإطلاق ولكن الإنصاف ان قولهما يرجع إلى قول واحد وهو ان الإحراز لازم ولكن لا يلزم الإحراز في كل مورد من الموارد على مسلك الحائري قده ويكفى التباني العقلائي نوعا والخراسانيّ قده أيضا يقول بان الإحراز لازم فبأي وجه حصل فقد حصل :

الأمر الرابع

هو ان المقدمات هل تكون موجدة لظهور الكلام في الإطلاق أو يكون الظهور من حكم العقل وثمرة النزاع تظهر في تعارض المطلق والمقيد فان صار ببركة المقدمات للكلام ظهور في الإطلاق فيتعارض وإلّا فلا بل ظهور المقيد وارد عليه.

والتحقيق عند أهله هو ان تكون موجبة للظهور وان يصير الكلام ببركتها ذا وجه في الإطلاق غاية الأمر ان حصل الجزم بالأصول العقلائية فيصير اللفظ نصا في المعنى وإلّا فظاهرا كما هو المرضي عندنا : والحاصل ان الأصول العقلائية والقرائن العقلية الحافة بالكلام تكون مثل القرائن اللفظية في إعطاء الظهور ،

٢٤٥

تتميم

الظهور على قسمين تصوري وتصديقي ثم التصوري منه معناه المفهوم من اللفظ والتصديقي منه هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدية والأول لا ينقلب عما هو عليه بحال وما يتصرف فيه ويستفاد من المقدمات هو الثاني عند عدم الانصراف.

الأمر الخامس

انه لا يخفى ان البحث والنزاع في هذا في الحقيقة مبنى على الأمر الرابع واستفادة الظهور وعدمه من المقدمات فنقول لا إشكال في انه إذا كان في نفس الكلام قرينة على المراد والتقييد لا ينعقد إطلاق حتى يعارض مع التقييد وهذا في القرائن المتصلة اما المنفصلة فمبنى على القول بان طريق المحاورة هو إلحاق كل قيد إرادة المتكلم في مقام البيان أو به وبالأعم فان قلنا بالأول يصير المنفصلة منها معارضة وإلّا فلا وفيما نحن فيه ان كانت المقدمات كالقرائن الحافة المتصلة بالكلام وموجدة للظهور فعند وجدان المقيد يحصل التعارض وإلّا يكون واردا عليه فافهم واغتنم.

فتحصل ان الاختلاف يكون في ان المقدمات العقلية هل توجب الظهور أم لا فمن قائل بأنها لا توجبه لأن مقدمات الإطلاق مثلا تكون جارية لعدم البيان فإذا جاء القيد يكون بيانا وواردا عليه ومن قائل بأنه لا فرق بين المقدمات العقلية واللفظية في إيجاد الظهور كما هو التحقيق وحاصل التقريب هو ان اللفظ يكون له تبادر في معنى من المعاني عند العرف وهم من حيث انهم عرف ينسبق إلى أذهانهم ذلك ونحن عند توجيه التبادر نفصل ما فهموه بالدليل سواء كان عقليا أو غيره فإذا ألقى على العرف الأمر بالصلاة يتبادر في ذهنه الإطلاق وعدم الخصيصة لفرد

٢٤٦

دون فرد ونحن نبين الإطلاق بان اللفظ ابتداء موضوع للمهملة.

ثم حيث ان الإهمال الثبوتي محال فيحمل على الفرد على ما هو خفيف المئونة وهو الإطلاق ثم نتردد في انه سرياني أو تبادلي ونستدل بما يفهمه العرف من السريان في النواهي والتبادل في الأوامر وهكذا ، واما ثمرة البحث عن ذلك فهي انه على فرض إفادة المقدمات الظهور فيعارض مع ظهور القيد ويقدم الأقوى واما على فرض عدم إيجاد الظهور فيكون القيد بيانا له وواردا عليه فيكون القيد لا زال مقدما بخلاف الأول فانه ربما يقدم ظهور المطلق على ظهور المقيد.

ولا يخفى ان المقدمات ان كانت ظنونات معتبرة فائضا توجب الظهور وان كانت ظنونات غير معتبرة فائضا يمكن ان يحصل من اجتماعها ظهور وان كان كل واحد غير معتبر في إيجاده.

الأمر السادس

وهو انه كما يجري المقدمات في المطلق لإثبات إطلاقه كذلك تجري في القيد لإثبات انه يكون مطلوبا بخصوصيته الخاصة بيان ذلك هو ان المولى ان قال أعتق رقبة مؤمنة باتصال القيد أو انفصاله فان قيد الإيمان يمكن ان يكون لكونه أكمل الافراد وأفضلهم أو من جهة ان الغالب يكون على هذا الوجه كما قيل في قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم فكون الربيبة مقيدة بكونها في الحجر لا يكون إلّا من حيث ان الربائب لما لم يكن لهن أب كن عند زوج أمهن فلذا ذكر القيد في الآية المباركة فمع هذه الاحتمالات نشك في القيد فنجري المقدمات ونقول ان الأصل في القيد هو الاحترازية وكونه بخصوصيته الخاصة دخيلا في الطلب وبعبارة واضحة كما ان القيد يمكنه إجمال المطلق كذلك المطلق يمكنه إجمال القيد والمقدمات في المطلق يستفاد منها عدم دخالة القيد بخصوصيته وفي القيد يستفاد منها الدخالة ويجب للفقيه عند ورود الإطلاق والتقييد

٢٤٧

عليه ان ينظر في القيد بدقة النّظر حتى يظهر له انه من القيود الاحترازية أو غيرها.

الأمر السابع

هو ان من شرائط إجراء المقدمات هو عدم انصراف اللفظ إلى معنى وقلما يكون في الفقه مورد لا يكون المطلق فيه منصرفا إلى بعض الافراد ولذا نقل ان العلامة صب التراب في بئره عند إرادته الفتوى بعدم نجاسة البئر خلافا لمن تقدمه لئلا ينصرف ذهنه إلى بئر بيته لإثبات الحكم الشرعي الإلهي من شدة تقواه وخوفه من تغيير الأحكام ولو بنحو انصراف ما وللانصراف أقسام عديدة في كتب الأصول المطولة وضابطها أربعة :

أولها : الخلجان في الذهن لكثرة الوجود كما إذا قال شخص في النجف الأشرف جئني بالماء فلما كان الماء المستعمل في البلد ماء الفرات ولم يكن ماء الدجلة معمولا غالبا فينصرف ذهن المخاطب إلى ماء الفرات وهذا الانصراف يكون مانعا عن الإطلاق ويقال له الانصراف البدوي.

ثانيها : ان يكون المنصرف إليه ذهن العرف فردا من افراد الطبيعة بالنظر الدقي الفلسفي مثل ما يقال لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه أو لا تصل في اجزاء غير مأكول اللحم ففي المثال بالنظر الدقي الفلسفي يكون الإنسان من افراد ما لا يؤكل لحمه فان كان لحية مجتهد جامع الشرائط في لباس المصلى فلازمه عدم صحة الصلاة اما العرف بالنظر الدقي العرفي لا بنظره الحمقى الذي لا اعتناء به ينصرف ذهنه إلى غير الإنسان من افراد غير مأكول اللحم ومنشأ هذا هو الظهور العرفي أي يحصل الأنس بكثرة الاستعمال.

فان قلت ان اللفظ موضوع للمهملة أي المقسم ولا يكون الاستعمال في القسم صحيحا قلت يفهم الأنس بدال آخر مثل كثرة استعمال اللفظ في مقام التطبيق على

٢٤٨

الهر والذئب والنمر ولم يكن في مورد على الإنسان وينعقد بهذا النّظر الظهور للكلام.

وثالثها : ان لا يكون مثل الأول ولا الثاني بل يكون الشبهة صدقية مثل ما إذا قيل توضأ بالماء فمفهوم الماء معلوم مبين فإذا ألقينا التراب في كأس من الماء حتى اشتبه علينا انه يصدق عليه الماء أم لا لأجل انه لا ندري توسعة المفهوم وتضييقه فينصرف الذهن منه إلى الماء المعلوم إطلاقه عند قول القائل توضأ بالماء فان المياه بعضها داخل قطعا تحت مفهومه مثل الماء المطلق وبعضها خارج قطعا مثل ماء الدابوقة وبعضها مشكوك مثل ماء الكبريت والمخلوط بالتراب وهذا الانصراف أيضا يكون مانعا عن الإطلاق ولا يتكل عليه لوجود ما يحتمل القرينية والفرق بينه وبين الثاني هو ان المقيد إذا وجد في الثاني يكون معارضا للظهور.

وفيه لا يكون معارضا بل مبينا لأنه لا يكون ظاهرا في ماء الكبريت مثلا.

ورابعها : الانصراف الأطواري والأحوالي وهو ما كان الانصراف بحسب حال دون حال وطور دون طور مثل ما إذا قيل في باب المسح امسح باليد فينصرف الذهن إلى الفرد الطبيعي العرفي وهو المسح بالكف لا بظهره ولو رأيت في موضع من العروة الوثقى قيل إذا تعذر المسح بالكف فيجب بالظهر لا يكون من باب قاعدة الميسور لا يترك بالمعسور لأن القاعدة في الموضوعات الشرعية غير تامة فلعل المصلحة التامة المنظورة للشارع كانت فيه بالكف فقط دون الغير بل يكون من باب التمسك بإطلاق اليد هنا فتدبر في الأقسام تجد في الفقه منها فوائد كثيرة.

الأمر الثامن

وهو من حيث ما يترتب عليه الفوائد في الفروعات الفقهية يكون مثل الكبريت الأحمر والإكسير الأعظم وهو ان تقابل الإطلاق والتقييد هل يكون من باب المتضادين أو السلب والإيجاب أو العدم والملكة والأول هو ما ذهبنا إليه من انهما يكونان امرين إثباتيين والثاني مسلك الشيخ الأنصاري قده والثالث مسلك الأستاذ

٢٤٩

النائيني قده وهما قائلان بان الإطلاق يكون امرا عدميا اما صرف العدم أو عدم الملكة وكم من ثمرة في الفقه يترتب على مقتضى المسلكين أي كون الإطلاق إثباتيا أو عدميا.

دليلنا قد مر مرارا ان الألفاظ وضعت للمهملة واللابشرط المقسمي ومن البديهيات ان المقسم يضاف إليه شيء فيصير قسما ومن مقدمات الإطلاق هو عدم القيد في الكلام نعم المقيد يكون إضافته من الخارج مثل الإيمان في الرقبة والمطلق لا يضاف إليه شيء من الخارج بل السريان يكون من ذاته ويكون امرا وجوديا ولا يكون صرف رفض القيود حتى يتوهم ذلك والشياع امر إثباتي ولكن يكون أخف مئونة من القيد المتخذ من الخارج وليس كما يقوله العلمان من كونه صرف رفض القيود وان كان كذلك فبأي شيء يصير القسم قسما وزائدا على المقسم فان مصداق المهملة لا يوجد إلّا في ضمن الأقسام.

اما قولهم ذلك فيكون من اشتباه مقام الإثبات بمقام الثبوت أعني انهم لما رأوا في الإثبات لا يحتاج إلى أزيد من رفض القيود زعموا في مقام الثبوت عدميته والشاهد على الاشتباه ما قاله النائيني قده من ان الإطلاق ان ثبت بالوضع يكون امرا وجوديا وان ثبت بالمقدمات يكون امرا عدميا فان الإطلاق شيء واحد لا يمكن القول بوجوديته تارة وبعدميته أخرى.

وقال الشيخ الأنصاري قده حقيقة الإطلاق تكون نفيا محضا والمقابلة بينهما تكون بالسلب والإيجاب.

وقال النائيني قده بعدم الملكة لأن المطلق يقال لما من شأنه ان يكون مقيدا فلا يقال بالجدار أعمى وان لم يبصر ولكن لما لم يكن من شأنه ذلك فإطلاق العمى عليه غلط فيقال للصلاة مطلقة إذا وقعت تحت الأمر بإطلاق أحوالي إذا كانت قابلة للتقييد بعدم التكتف ووجود الطهارة.

والحاصل القابلية شرط حتى يصدق الارتفاع ومختارنا انهما يكونان من ضدين

٢٥٠

لا ثالث لهما ولا يقبل الجمع ولا الرفع ولكن على ما قاله الأستاذ النائيني قده يمكن الرفع كان يكون مهملة.

ثم من الفروعات المتفرعة على الخلاف هو الكلام في التعبدي والتوصلي واعلم ان التعبدية والتوصلية تارة تعلم بقرائن خارجية أو بالوجدان وتارة يشك فيهما مثل الشك فيهما في الخمس والخطاب لا يمكنه إثبات التعبدية أو التوصلية ويستحيل ان يقال صل بدعوة هذا الأمر لأن الأحكام تحتاج إلى وجود الموضوعات قبلها ولازم ذلك هو ان يكون الأمر موجدا لموضوعه وهو الصلاة بدعوة الأمر وهذا دور فيجب إثباتها بأمر آخر ويجب ان يحكم العقل بالتعبدية والتوصلية والخطاب لا يمكنه ذلك هذا على مسلكنا ومسلك النائيني القائل بعدم الملكة لأن إطلاق الأمر لما لم يكن قابلا للتقييد لا يثبت المطلوب حتى على مسلك الأستاذ وعلى ما قلنا لا ضير أن يكونا امرين وجوديين كلاهما غير ثابت أعني لا يثبت الإطلاق ولا التقييد بل مهملة أو يجب التوقف.

واما على مسلك الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه فلا يحتاج إلى هذه التطويلات بل يتمسك بالإطلاق بصرف عدم القيد ويستريح هو مما نقول (١).

ومنها اشتراك العالم والجاهل في التكليف فان الخطاب إذا أخذ في موضوعه العلم به يصير دورا ولا يمكن ان يقول المولى أيها المخاطب العالم بوجوب الصلاة صل لأن العلم يكون بعد الخطاب فكيف يمكن أخذه في موضوعه فالشيخ على مسلكه يتخذ بإطلاق الخطاب ولا يحتاج إلى الإجماع لإثبات الاشتراك ولكن نحن نحتاج لإثباته إلى دليل سواه.

__________________

(١) أقول ان مسلك الأستاذ مد ظله كما مر في الجزء الأول من الكتاب هو التمسك بالإطلاق لإلقاء قيد التعبدية وهو الحق وما ذكره هنا لعله لارتكاز مسلك الخراسانيّ قده من عدم جواز التمسك بالإطلاق اللفظي دون المقامي في باب التعبدي والتوصلي فاحفظه.

٢٥١

ومنها أيضا هو مسألة وجوب المقدمة الموصلة وغيرها على خلاف فيها فقيل بوجوب الموصلة منها أعني الوضوء الّذي مثلا يكون بعده الصلاة يكون واجبا وقيل بوجوب مطلق المقدمة فعلى مسلك الشيخ قده تجب مطلقا لأنه إذا كان الخطاب مطلقا وترشح منه وجوب إلى المقدمة لا يكون قرينة على الاختصاص فيحمل على الإطلاق سواء كان مما يمكن الإطلاق فيه أو لا فانه إذا لم يكن القيد ثبت نقيضه على مسلكه قده اما على ما ذهبنا إليه والنائيني قده فهو انه لما استحال أخذ القيد في الوجوب لاستلزامه الدور المحال فلا طريق إلى الأخذ بالإطلاق.

وبيان الدور هو ان المقدمة كان وجوبها من جهة ذيها والمقدمة الموصلة تحتاج إلى وجود ذي المقدمة مثل الصلاة قبلها ووجود الصلاة أيضا يتوقف عليها لأنها لا توجد الا بها والحاصل لما لم يمكن أخذ هذا المقيد في الخطاب فلا وجه للأخذ ٠ بالإطلاق هذا.

بقي الفرق بين ما ذهبنا إليه وما ذهب إليه الأستاذ النائيني فانا إذا لم نجد دليلا على الإطلاق والتقييد فنقول يمكن ان يكون الخطاب مهملا أو بنحو القضية الحينية واما هو قده فيرجع من باب الاضطرار إلى الإطلاق.

فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الفروعات المترتبة على هذا التنبيه تكون كثيرة الفائدة ودقيقة السبيل ومحتاجة إلى التدبر والتفكر فانه كان من مزال الإقدام للاعلام.

ثم لا يخفى على ما ذهبنا إليه من انه مع عدم القيد يمكن ان يكون مهملة أو حينية لما لم ينتج نتيجة عملية فالمحيص هو إحراز الأمر الآخر لإثبات القيود كلها كما ذهب إليه الاعلام والاخبار بالقيد من المولى إلى الاحتياط كما ذهبنا إليه.

٢٥٢

فصل في المطلق والمقيد

قيل في معنى المطلق انه هو الشائع في جنسه والمقيد ما لا يكون كذلك ولتوضيح المقام ينبغي البحث عن تعيين الموضوع له في الألفاظ وفيه اختلاف فقيل انه موضوع للطبيعة لا (١) بشرط شيء وهو أيضا على قسمين قسمي ومقسمي فقيل بأنه

__________________

(١) أقول ما ذكر في الفوق عنه مد ظله تجد فيه اختلافا من حيث القول بان المهملة قسم تارة ومقسم أخرى وقد تعرض له في الدرس ولكن بعد تمام الفصل كان ما فهمنا من مراده هو ان المقسم هو اللابشرط المقسمي والمهملة هي الطبيعة فقط خلافا للمشهور القائل بان المقسم هو المصداق المجرد.

ولكن كنا نورد عليه بأنه ما الفرق بين المصداق المجرد واللابشرط المقسمي فان الأقسام حسب الاصطلاح خمسة اللابشرط بقسميه وبشرط شيء وبشرط لا والمهملة ومصداق المجرد كما في تعبيره بأنه هو الطبيعة معراة عن كل قيد حتى قيد التعرية يرجع إلى اللابشرط المقسمي لأن معناه لحاظ الطبيعة بدون القيد حتى قيد اللابشرطية وان كان معناه لحاظها بنحو اللابشرط بدون لحاظ عدم ذلك فيصير من اللابشرط القسمي.

وبعد إيرادنا عليه ربما يقول انه الطبيعة حتى يكون هذا فرقا بينه وبين ما ذكر فكنا نورد عليه ما الفرق بينه وبين المهملة والحاصل لم يأت بمقنع.

ثم انا لا نفهم ان المشهور كيف يكون هذا عنده هو اللابشرط المقسمي مع أن اللابشرط كذلك أي بهذا القيد لا صقع له الا الذهن ولا ينطبق على الخارج وما فيه اما يكون بشرط شيء أو بشرط لا واشكاله قده وارد فكيف يمكن ان يكون ما لا خارج له مرآتا عن الخارج نعم ان كان مرادهم اللابشرط القسمي لا إشكال فيه والحاصل لا نفهم أن يكون مصداق المجرد خارجا عن الأقسام الخمسة واما أصل وضع اللفظ يكون للمهملة ولكن في مقام الإفادة والاستفادة لا محالة لا يتصور المقسم الا مرآتا عن الأقسام لو قلنا بواضع غير المستعملين للألفاظ وإلّا فلا محالة يكون الوضع يفهم بالاستعمال وهو يراد منه اللابشرط المقسمي.

٢٥٣

للأول وقيل بأنه للثاني وقيل بأنه يكون موضوعا للطبيعة المهملة كما قال سلطان العلماء الآملي قده ومعنى اللابشرط هو لحاظ الطبيعة مثل الإنسان لا بدون قيد من القيود ولا معه فان لحاظ عدم قيد معها يسمى في الاصطلاح بالطبيعة بشرط لا مثل لحاظ الإنسان مقيدا بعدم الكتابة ولحاظها بشرط الكتابة مثلا أي مخلوطة يسمى في الاصطلاح بالماهية بشرط شيء واما معنى اللابشرط القسمي هو لحاظ الماهية مقيدة بهذا القيد ومعنى المقسمي هو لحاظ الماهية مع عدم لحاظ هذا القيد أيضا والمهملة هي الماهية التي من حيث هي ليست إلّا هي والتحقيق ان الموضوع له ليست المهملة وهي غير اللابشرط المقسمي والقسمي أيضا لا يكون الموضوع له فلنا دعا وثلاثة.

اما عدم كونه المهملة فلان المراد بوضع الألفاظ الإفادة والاستفادة والمهملة حيث لا تكون قابلة لحمل شيء عليها في الخارج لا تكون موضوعا لها وان كان يحمل عليها الحكم الذهني مثل الإنسان نوع.

لا يقال ان المتبادر من الوضع هو انه موضوع للمهملة فان لفظ الإنسان وضع للطبيعة مع عدم لحاظ شيء معها والدليل على الوضع ليس إلّا التبادر لأنا نقول حيث ان الدليل العقلي يمنع من ذلك يكون هذا التبادر بدويا والعرف عند التوجه بذلك يتغير نظره ويحكم بما قلناه لأن الإفادة لا تكون الا على غير هذا الوجه.

لا يقال ان الموضوع له يمكن ان يكون شيئا وهو المهملة واما في صورة اتخاذها موضوعا لحكم تلاحظ مع شيء آخر بواسطة قرينة ليصح ان يترتب عليه الحكم وهذا غير مربوط بالوضع لأنا نقول هذا أيضا يحتاج إلى عناية حين الحكم والواقع عدم العناية بذلك عند المحاورين.

واما عدم كون المهملة هي اللابشرط المقسمي بل تكون شيئا آخر هو ان اللابشرط إذا كان هو المصداق المجرد فأين الطبيعة حتى تكون الموضوع لها فان هذا أيضا يكون قسما من الأقسام بالنسبة إلى أصل الطبيعة واما عدم كون

٢٥٤

الوضع للابشرط القسمي أيضا فلان ذلك أيضا يكون من الأقسام ولا يكون له وجود الا في الذهن ولا ينطبق على المصداق الخارجي ولكن حيث ان للفظ مدلول بالذات وهو المفهوم الذهني ومدلول بالعرض وهو المصداق الخارجي فيكون الموضوع له هو الطبيعي بلحاظ وجود افراده في الخارج والمدلول بالذات كذلك قابل الانطباق على الفرد والحصص.

فاما ان يكون منحصرا لمصداق في الخارج أو يكون مرآتا لجامعه للافراد المتعددة وهذا هو معنى الشيوع في الافراد وللإطلاق والفرق بين العام الأصولي والمطلق الشمولي هو ان المطلق يكون شيوعه بالنسبة إلى الحصص ولا يكون دالا على الخصوصيات الفردية ولكن العام يكون دلالته أولا على الحصص وثانيا على الافراد التي تحت الحصص بخصوصيتها ولا يكون لنا الجامع في الشياع بل يكون في الحصص بنحو السريان والتبادل وصرف الوجود ويكون الشيوع المنتزع من الجميع من المعقولات الثانية التي ليست لها ما بإزاء في الخارج والشيوع بهذا العنوان يكون متباينا فان الشيوع في صرف الوجود وقسميه له فرق بحسب معنى كل واحد من الثلاثة وهذا معنى ما في بعض مكتوباتنا من التباين في معنى الشيوع.

ثم ان معنى المطلق كما مر يكون على المشهور هو لحاظ المعنى بنحو اللابشرط المقسمي بحيث يكون مطلقا عن هذا القيد ومن أقسام ذلك مصداق المجرد والساري وصرف الوجود ومن افراده أيضا المهملة ويمكننا رفع اليد عما ذكرنا في صدر البحث من ان المهملة غير اللابشرط وعلى ما قال السلطان ان مصداق المجرد وهو اللابشرط أيضا يكون من الأقسام والفرق بين المسلكين هو ان المشهور لا يحتاجون في فهم المراد بالنسبة إلى مصداق المجرد إلى قرينة وعلى مسلك السلطان حيث انه كان أيضا من الأقسام يحتاج إلى قرينة في تعيينه حيث ان اللفظ موضوع للمهملة عنده وفرق آخر هو ان المشهور يقول بان العام الأصولي يكون دلالته على الفرد مع خصوصيته بالوضع كما في قول القائل أكرم كل رجل ولا يحتاج إلى القرينة وعلى مسلك السلطان حيث يكون الانطباق على الحصص أولا يحتاج إلى قرينة في الانطباق على الخصوصيات.

٢٥٥

ولا يخفى ان هذا البحث من دلالة اللفظ على المصداق المجرد أو على بشرط شيء أو بشرط لا يأتي في الاعلام الشخصية أيضا فان دلالة لفظ زيد على الذات أيضا اما يكون في جميع حالاته أو لا فان لزيد أيضا وجودات بالنسبة إلى جميع الأزمان وجميع الأحوال فان زيدا مع الكتابة أو مقيدا بعدمها غير زيد بنحو اللابشرط غاية الأمر يكون هذا وجود واحد ويلاحظ بالنسبة إلى الحالات وفي غيره يكون في الوجودين فالعلم أيضا هو الشائع في الفرد الشخصي بالنسبة إلى الأحوال فضلا عن النكرة.

واما التحقيق في المقام فهو ان الموضوع له لا يكون المصداق المجرد لما مر من انه قسم من الأقسام فان الإنسان من دون الخصوصيات المضيقة أو المشخصة غير الإنسان من دون هذا اللحاظ ولا يكون ما ذكره السلطان أيضا لأن اللابشرط مطلقا قسميا كان أو مقسميا لا يكون هو الموضوع له اما القسمي فهو واضح من جهة ان التقييد بلا شرطية يحتاج إلى عناية زائدة ويكون الاستعمال في غيره مجازا وهكذا التقييد بعدم التقييد بلا بشرطية أيضا نحو تقييد فلا يكون المقسمي أيضا فيكون نفس الطبيعة بدون لحاظ ما من اللحاظات هي الموضوع لها فان الواضع يضع لفظ الإنسان للذات بدون هذه العنايات.

ولا يرد الإشكال الذي كان فيما هو القسم من لزوم المجازية بواسطة استعمال قسم في قسم آخر على هذا القول بتقريب ان يقال ان استعمال الطبيعة في الفرد أيضا يحتاج إلى قرينة فيكون استعمالها في الفرد أيضا مجازا فلا يكون الإشكال مختصا بذاك التعريف فان زيدا الذي هو الإنسان يكون مطابق إنسانيته هو النّفس الناطقة لا اللحية ولا الطول وكونه في وضع كذا أو لون كذا فان هذه الخصوصيات لا يدل عليها لفظ الإنسان فلا بد لها من قرينة.

لأنا نقول ان الطبيعة هنا يكون مثل الهيولى بالنسبة إلى الوجودات فانها مع كل شيء بوجودها الإبهامي وهكذا الطبيعة تكون بحيث تنطبق على كل الافراد

٢٥٦

بدون لحاظ شيء آخر بخلاف ما قاله المشهور فان ذلك لا ينطبق على جميع الأقسام.

ومن هنا ظهر ما في كلام النائيني قده من اختياره ان الموضوع له هو اللابشرط المقسمي ولكن التطبيق يكون بالنسبة إلى الطبيعة المعراة عن القيود الذي في الخارج زعما منه ان المقسمي يكون من الكلي العقلي وعدم وجود مصداق له في الخارج وزعم ان الطبيعة المهملة عبارة عن الطبيعي فانه قده زعم ان الطبيعة أخذت بحيث لا ينطبق على الخارج ولكن على ما قلناه يكون هي مرآتا عن الخارج وينطبق على جميع الافراد كالهيولى وهو قده زعم ان الطبيعة المهملة تكون هي الطبيعي الذي يكون في الذهن ويترتب عليه الحكم الذهني مثل الإنسان نوع.

في مصاديق المطلق من علم الجنس وغيره

هذا كله في معنى المطلق اما البحث عن مصاديقه التي يطلق عليها المطلق مما يناسب المقام فموارد : الأول والثاني علم الجنس واسم الجنس اما الأول فمثل أسامة واما الثاني فمثل رجل وفرس وحيوان وسواد وبياض من الجواهر والاعراض والفرق بين الأول والثاني بعد كون كل واحد منهما للشياع بحيث يصدق على كل فرد بكونه موضوعا للطبيعة المهملة هو ان اسم الجنس يكون وضعه لكل ما يصدق عليه الطبيعة من دون لحاظ شيء آخر وعلم الجنس يكون الوضع للطبيعة مقيدا بأنها المشارة بإشارة ذهنية كالعلم والعلم بالعلم ولذا تكون معرفة بواسطة هذه الإشارة فالأسامة هو الأسد المشار إليه بإشارة ذهنية والأسد هو نفس الطبيعة.

وقد اتكل عليه الخراسانيّ قده في الكفاية بان هذا التعريف فيه لفظي ولا يزيد على أصل الطبيعة شيئا والقيد الذهني لا يأتي في الخارج وإلّا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل وحيث يصح فلا مجال لأن يقال انه شيء غير

٢٥٧

أصل الطبيعة فان المتبادر هذا وغيره خلاف الوجدان فان الحمل يكون بدون لحاظ شيء آخر ان قلنا مثلا جاء أسامة.

وقد أشكل عليه شيخنا العراقي بان الذهن حيث يكون في الخارج يكون الطبيعة مع الإشارة خارجية فالأسامة في الخارج والإشارة الخارجية أيضا فعل من افعال النّفس فيه هذا أولا وثانيا ان علم الجنس يكون لحصة توأمة مع الإشارة فلكل واحد منهما مصداق في الخارج ولا يكون من المعاني الحرفية كما في العلم بالعلم إذا أخذ مستقلا منشأ الأثر كما في القطع الجزء الموضوعي مثل ان الغصب المعلوم يكون منشأ الأثر وترتيب الأحكام في بعض الموارد لا لنفس الغصب.

والجواب عن الأستاذ قده هو ان الأسامة لا تحكى عن مفهومين بل عن مفهوم واحد لعدم الدال على مفهوم الأسامة نعم يمكن ان يدعى ان هذه اللفظة وضعت لتمام ما في الخارج الذات وما يكون معها ولكن هذا لا يناسب مسلك القائل بالوضع الاشتقاقي مثل من يقول بان الضارب وضع لذات متصفة بالضرب بان يؤخذ أصل الضرب والذات والنسبة بينهما وهي المعنى الحرفي بخلاف القول بالوضع الجامدي كان يقال الضارب موضوع لهذا المجموع من الرّأس إلى القدم من دون ملاحظة ذات وصفه والنسبة فعلى هذا لا يكون لأسامة لفظ دال على الذات ولفظ دال على الإشارة وانتسابها إليها بالمعنى الحرفي ولا بالمعنى الاسمي على الوضع الاشتقاقي حتى يأتي ما يقوله الأستاذ قده ولكننا على حسب مسلكنا لنا ان نقول به (١) بالوضع الجامدي.

والثالث : المعرف بلام الجنس مثل الرّجل والمعرف باللام العهدي

__________________

(١) أقول هذا لا يوجب إثبات ما كنا بصدده لأنه بعد صحة ذلك بنحو الوضع الجامدي أيضا يكون خلاف التبادر فان الواضع من أين لاحظ الإشارة؟

٢٥٨

سواء كان عهدا ذهنيا أو عهدا حضوريا أو ذكريا والمعرف بلام الاستغراق مثل العلماء.

والظاهر ان اللفظ هنا موضوع لما كان موضوعا له بدون هذا أي بدون الألف واللام وخصوصية الاستغراق والعهد تكون مستفادة من حرف التعريف فيكون من باب تعدد الدال والمدلول ومعنى الجنس المعرف في مثل الرّجل هو انه رجل وليس بمرأة وهذا واضح.

والرابع : النكرة مثل رجل وجاء رجل من أقصى المدينة أو جئني برجل وتعريفها مثل نفسها نكرة ومعنى مثل جاء رجل أي رجل واحد مرددا بين الافراد.

وقال الخراسانيّ قده ان النكرة في الجملة الاخبارية تكون معينة في الواقع غير معينة عند المخاطب لأن المخبر يعرف من يخبر عنه بشخصه واما إذا وقعت تحت الأمر فيكون مرددا عند المخاطب بالكسر والمخاطب بالفتح وقد أشكل عليه بان وضع الرّجل نكرة وغيرها واحد ولا فرق بينهما فكلما قيل في غيرها يقال فيها أيضا :

والجواب عنه ان الخصوصية هنا مستفادة من دال آخر مثل التنوين ولكن كلامه قده ومن تبعه مثل شيخنا النائيني قده لا يخلو عن نظر من حيث القول بان النكرة مقيدة بقيد الوحدة في صورة وقوعها تحت الأمر لأن المراد بها ان كان الوحدة الذهنية أي مفهوم الوحدة فهي لا فائدة فيها ولا يكون وقوعها في الخارج ولا يكون الشياع مستفادا منها لأنها امر شخصي ذهني مع انه خلاف المتبادر وان كان الوحدة المصداقية في الخارج فيكون الخارج ظرف التشخص ولا يصير الشخص شايعا وهو خلاف التبادر أيضا.

وقال شيخنا العراقي (١) بان النكرة معناها هو الطبيعة في الحصص بجامع

__________________

(١) أقول الخراسانيّ قده أيضا أراد هذا الوجه فانه قال بقيد الوحدة ولكن حيث ـ

٢٥٩

التشخص لا تشخص فرد خارجي مثل تشخص زيد أو عمرو بل بما يكون قابلا للصدق على كل فرد فرد على التبادل ولا يكون مثل الجنس القابل للتطبيق على المجموع فهو فرد منتشر فمن حيث فرديتها تكون مثل العلم الشخصي ومن حيث انتشارها تكون مثل الجنس وهذا هو معناها في الواقع وقيد الواحدة يكون هو المحدد لها وبالفارسية يعبر عن القيد كذلك (به چوب گز نكرة) سواء كان هذا المعنى مستفادا من التنوين أو من اللفظ ويكون التنوين قرينة عليه.

والفرق بينها وبين الجنس هو ان قصد الخصوصية في إتيان العمل على الثاني يكون تشريعا لأنها لا تكون تحت الوضع بل التطبيق بحكم العقل بخلاف النكرة فان قصد الخصوصية لا يكون تشريعا لأنه يكون الخصوصية أيضا تحت الوضع كما في التخيير الشرعي والعقلي فان التخيير بين خصال الكفارات شرعي ولذا يمكن قصد خصوصية الصوم أو خصوصية الإطعام أو عتق الرقبة في العمل ولا يكون تشريعا واما التخيير العقلي مثل إتيان الصلاة المأمورة بها مع عدم ذكر الخصوصية في الأمر بالطبيعي بقصد الخصوصية مثل كونها على المنارة أو في المسجد أو في الدار فان تطبيق الطبيعي على هذه الافراد عقلي لا شرعي فقصدها تشريع مضر بقصد القربة.

فتحصل من جميع ما تقدم ان التحقيق هو ان الموضوع له في الألفاظ هو اللابشرط المقسمي وان شئت فافرض انه المهملة ومسلك شيخنا النائيني قده وهو اللابشرط القسمي عندنا هو المصداق المجرد تبعا للمشهور وعلى هذا المسلك يكون الشياع بأصل الدليل لأنه عندهم هو المقسم واما على التحقيق من انه قسم يكون الشياع أيضا بواسطة القرينة وكذلك الخصوصيات الأخر ونحن بعد جريان المقدمات في الإطلاق نحتاج إلى قرينة أو دليل لإثبات كون الإطلاق سريانيا أو تبادليا.

__________________

ـ لا يمكن ان يكون المراد المفهومية منها ولا الشخصية ضرورة ان البحث في النكرة لا في العلم الشخصي يكون هو الفرد بالخصوصية الشائعة إلّا انه يكون توضيحا لكلامه قده.

٢٦٠