مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

ان الإبراز يكون لمصلحة أخرى واما ما كان غير موقت فيأتي فيه البيان السابق من جواز النسخ قبل العمل.

والجواب عنه قده هو انه على فرض تسليم المبنى في القضايا الحقيقية من ان الحكم يكون على الموضوع المقدر وجوده ولم يكن فعليا قبله فنقول ان الحكم ان كان بداعي البعث نحو العمل لا يتصور نسخه قبل وقته وان كان بنحو الامتحان فلا فرق بين ان يكون القضية حقيقية أو خارجية واما تفصيله الثاني فلا نفهمه.

وقال شيخنا العراقي قده ان وزان النسخ في الأحكام يكون وزان التكوينيات فانه كما ان يبوسة الكلية علة تامة لمرض ما لو لا إيجاد المانع وتحصيل الرطوبة فإذا وجد المانع لا يؤثر ما هو العلة اثره ويعبر عنه بأنه كان مقتضيا لذلك فجاء المانع ورفع الاقتضاء فهكذا في الشرع والأوامر والنواهي المولوية ربما يحدث شيئا يكون له مصلحة أقوى من مصلحة الواقع فلا يؤثر أثرها فينسخ فالنسخ يكون مثل حصول المانع.

ان قلت لا يكون لنا علم بتكليف على هذا لاحتمال المانع قلت ما ذكرناه يكون لرفع المناقضة وفي صورة وجود الناسخ الكاشف عن كونه مقتضيا وفي صورة عدم الناسخ يحكم على ظاهر التكليف من كونه علة تامة للبعث وبعبارة أخرى نقول تكون المصلحة في الإبراز في صورة وجود الناسخ فيلقى جهة استمرار الحكم كما في التقية فالنسخ قبل العمل ممكن.

وقد أشكل على إبراز العموم أولا بان هذا يكون بالنسبة إلى الآمر الذي لا يعلم بالواقع واما الشارع المقدس فانه عالم بما سيقع وثانيا بان اللازم منه عدم تطابق الإرادة الجدية مع الإرادة الاستعمالية ويلزم تغيير الإرادة وثالثا بان الواقع لو لم يكن له مصلحة فلأيّ وجه أبرزه المولى.

٢٢١

والجواب اما على مسلك (١) العراقي قده من انه يكون من باب المقتضى والمانع فانه لا يلزم الجهل لأنه يكون على الواقع إلى آن وجود المانع وإبراز العموم انتهى أمده بذلك وكذلك الإرادة على الواقع ما حصل التغيير فيها فان المصلحة كانت في الإبراز فقط واما على التحقيق من ان المصلحة تارة تكون على الواقع وتارة على الإبراز فائضا لا يلزم الإشكال أصلا لجدية الإرادة عليه وعدم الجهل بالواقع فان إبرازه إلى حين النسخ فينتهى امر مصلحته ويعلم الأمر هذا والإرادة قد تعلقت بمصلحة الإبراز لا مصلحة الواقع فالنسخ كما انه يكون بعد وقت العمل يكون قبله أيضا لكن قبله بالنسبة إلى إبراز العموم وبعده بالنسبة إلى الواقع.

المقدمة الثالثة

في ان تأخير البيان عن وقت الحاجة حيث يكون قبيحا يلزم ان يبحث عن المخصصات الواردة في كلمات المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين فان من دأبهم بيان المخصص منفصلا فان كان مخصصا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح وان كان نسخا فهو أيضا بعيد لأنه لا نسخ بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومما ذكرنا من ان المصلحة ربما تكون في إبراز العموم لا يلزم ذلك فان المصلحة إذا كانت في إبراز العموم يمكن ان يكون ما ورد بعده مخصصا وناسخا ولا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

فتحصل من جميع ما تقدم انه يمكن ان يكون ما ورد من المخصص بعد العام مخصصا وناسخا ثبوتا.

إذا عرفت ذلك فنقول انهم في مقام الإثبات أي إثبات كون ما ورد بعد العموم مخصصا أو ناسخا قالوا بتقديم التخصيص على النسخ ومنهم شيخنا النائيني قده زعما

__________________

(١) يرجع إلى مقالات الأصول لفهم كلامه هذا وغيره بقلمه.

٢٢٢

منه ومنهم ان التخصيص يكون إسقاط العموم الأفرادي والنسخ يكون تخصيصا بالنسبة إلى العموم الأزماني والعموم الأفرادي اما ان يكون مستفادا من مقدمات الحكمة أو من دليل منفصل كما في قوله عليه‌السلام حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام إلى يوم القيامة أو مستفادا من تناسب الحكم والموضوع مثل قوله تعالى أحل الله البيع فانه لا خصيصة لبيع زيدا وعمرو في الحلية وعليه قالوا بان في مقام الدوران بين النسخ والتخصيص حيث كان استفادة العموم الأفرادي بمقدمات الحكمة فالتخصيص مقدم على النسخ لأن الإطلاق يكون في صورة عدم وجود ما يحتمل القرينية في الكلام وحيث يحتمل ان يكون الخاصّ قرينة على عدم وجود الحكم على هذا الفرد لا تجري مقدمات الحكمة بالنسبة إليه فيما كان الخاصّ مقدما على العام فلا يكون أصالة العموم بالنسبة إلى الافراد جاريا حتى يحتاج إلى النسخ في رفع الحكم.

والجواب عنه قده أولا هو فساد المبنى فان استفادة العموم الأفرادي في العام تكون (١) بالوضع لا بمقدمات الحكمة فان أداة العموم كما مر تكون لسعة ما ينطبق عليه المدخول لا لسعة ما يراد منه حتى نحتاج في إثبات المراد إلى مقدمات الحكمة وثانيا ان العام كما انه يكون له عموم افرادي يكون له عموم أزماني أيضا فانه إذا قلنا بان كل فرد من افراد العالم واجب الإكرام يستلزم هذا القول بعدم خصيصة زمان دون زمان في ذلك ، فإذا جاء أو تقدم لا تكرم الفاسق من العلماء كما انه يحتمل ان يكون قاطعا للعموم الأفرادي يحتمل ان يكون قاطعا للعموم الأزماني أيضا فيكون ناسخا لا مخصصا حيث يعنى التخصيص بسقوط حكم الافراد والنسخ بسقوط الحكم في الزمان فيحتمل

__________________

(١) أقول ان الظاهر ان هذا البحث عام يشمل المطلق والمقيد واستفادة الإطلاق تكون بمقدمات الإطلاق قطعا فالأوجه التفصيل بين العام والمطلق.

٢٢٣

ان يكون الحكم إلى الآن على جميع الافراد ومن الآن لا يكون على بعض مثل الفساق ويحتمل ان لا يشمل الفساق من رأس فلا يكون كلام شيخنا النائيني تاما في تقدم التخصيص على النسخ.

ثم ان الخراسانيّ قده في الكفاية قال بما حاصله هو ان التخصيص مقدم على النسخ في صورة الدوران بينهما فيما إذا كان الخاصّ مقدما على العام لغلبة التخصيص في الإسلام على النسخ خصوصا بعد زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث قيل ما من عام إلّا وقد خص واما النسخ فيكون قليلا جدا ثم أشكل عليه النائيني بعد نقل كلامه بان هذا القول مبنىّ على جريان أصالة العموم في هذه الصورة واما على فرض عدم جريانها أصلا كما قررناه فلا تصل النوبة إلى ادعاء الغلبة بل من رأس لا يكون في المقام عموم الحكم للافراد حتى يرفع بالنسخ.

وثانيا ان النسخ يكون أصالة عدمه بالاستصحاب فانه إذا شك في وجود الحكم إلى هذا الزمان يستصحب وجوده لو شك فيه بعد إبراز العموم ولا شك ان الأصل هذا يحتاج إلى يقين سابق وشك لا حق ولا شك انه لو جرت أصالة العموم التي تكون من الأصول اللفظية وكالأمارة بالنسبة إلى الأصل لا يبقى شك تعبدا في بقاء الحكم ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب حتى يتمسك في تقديم التخصيص بالغلبة فان جرى أصل العموم لا يبقى مورد لجريان الأصل في النسخ ولو لم يجر الأصل فيه كما حققناه فيكون التخصيص مقدما بما قلناه لا بما قاله.

وثالثا ان البحث هنا لا أثر عملي له لأنه من المتيقن هو عدم وجود الحكم مثل وجوب الإكرام على الفساق من العلماء من هذا الحين سواء كان إلى الآن أو لم يكن من رأس فان العمل بعد يكون على الخاصّ مطلقا.

وفيه أولا ان اشكاله الأول عليه يكون مبنائيا واما الثاني فجوابه ان عدم النسخ لا يتمسك فيه بالأصل بل كما مرت الإشارة منا كما ان للعام عموم افرادي كذلك عموم أزماني اما بالوضع كما قلنا ان الفرد في عموم الزمان يكون له

٢٢٤

الحكم ولا خصيصة لفرد هذا اليوم أو ذاك وكذا لو كان مستفادا من دليل خارج كما يقال حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة إلخ أو بتناسب الحكم والموضوع كما في قوله تعالى أحل الله البيع فكما ان العموم الأفرادي مستفاد من اللفظ يكون العموم الأزماني أيضا كذلك فيكون كلام الخراسانيّ قده من هذا الحيث.

ان قلت كما يقوله قده فقها وأصولا ان الخطاب الواحد لا يمكن ان يكون متكفلا لبيان أصل الحكم وأطواره وبعبارة أخرى لا يكون متكفلا لحدوث الحكم وبقائه بل يكون متكفلا لحدوثه فقط ضرورة ان مفاد أكرم العالم هو ان العالم واجب إكرامه أيّ شخص كان واما انه في أيّ حال كان وفي أيّ زمان كان حيث يكون في الرتبة المتأخرة من الحدوث لا يمكن ان يكون الخطاب متكفلا له كما تدل عليه فاء التفريع مثل تحركت اليد فتحرك المفتاح فهنا يقال حدث الحكم فيكون باقيا فعلى هذا يستحيل إثبات العموم الأزماني من نفس العام.

هذا بالنسبة إلى أصل الخطاب واما الرواية التي تكون دليلا منفصلا فمعناها ليس ان حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يمكن ان ينسخ بكلام آخر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بل المراد ان حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة باق ولا ينسخ أحكام هذا الدين غير هذا الدين مثل دين اليهود والنصارى فلا تكون في صدد بيان ما نحن بصدده.

وفيه أولا ان الوجدان قاض بأنه يمكن ان يقول المولى إكرام (١) العالم واجب مستمرا حتى نستفيد أصل الحكم واستمراره من خطاب واحد.

__________________

(١) الاستمرار هنا فهم من دال آخر وهو كلمة مستمرا ومراده عدم استفادة الاستمرار من نفس إكرام العالم فيلزم الجواب عنه على غير هذا الوجه وان كان كلامه قده لا يتم ويرد عليه بقية الإشكالات.

٢٢٥

والجواب البرهاني عليه هو ان ما ادعاه من ان بين الحدوث والبقاء رتبة مثل تحرك المفتاح المعلول لتحرك اليد لا يصح فان من الضروري عدم كون علة البقاء الحدوث بل الحدوث والبقاء امران انتزاعيان عن الوجود باعتبارين حتى يقول بان الحدوث في الرتبة مقدم على البقاء ويكون البقاء طور الحكم الذي يكون على الموضوع وله ان يقول من أين ثبت الإطلاق الأزماني إذا كان الحدوث والبقاء غير مربوط أحدهما بالآخر.

فنقول كما مر إذا ثبت الإطلاق الأفرادي يثبت الإطلاق الأزماني أيضا به لأن الفرد لا محالة يحتاج إلى زمان ما ولا خصيصة لأول الزمانين وآخره فعمود الزمان بالنسبة إلى الافراد قابل للانطباق فبالإطلاق نأخذ ونقول بالعموم الأزماني فالحكم وان كان بنحو القضايا الحقيقية وطور الشيء لا يستفاد إلّا بعد إحراز وجوده ولكن في المقام خصيصة وهو الملازمة بين الإطلاقين فلا وجه لإشكاله قده على فرض كون دليل العموم الأزماني لفظيا كما اعترف في العموم الأفرادي ويكون توجه اشكاله على فرض ان يكون كلا الدليلين لفظيا.

واما جوابه عن الرواية فهو أيضا غير صحيح لأنها مطلقة فان حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال إلى يوم القيامة معناه بالإطلاق هو انه لا ينسخ بهذا الدين وبغيره ولا خصيصة فيها بان يقال محمول على ان غير هذا الدين لا ينسخ هذا الدين.

واما الجواب عن اشكاله الثالث وهو عدم الثمرة للبحث عن كون الخاصّ ناسخا أو مخصصا فهو انه يكون له ثمرة عملية مهمة في صورة كون العام مقدما على الخاصّ ووقت العمل عليه ولم يعمل عليه فان قلنا بان الخاصّ يكون مخصصا لا يكون عليه القضاء لأن الحكم يكون مخصصا من رأس واما ان كان ناسخا فيجب القضاء إلى الحين مضافا إلى عدم اختصاص البحث في المقام بل يأتي في صورة كون الخاصّ مقدما على العام ولكن يكون مصلحة في الإبراز.

٢٢٦

ثم انه قده قال علي فرض تسليم كون العموم الأزماني والأفرادي بالدليل اللفظي يكون الشك في النسخ مسببا عن الشك في التخصيص فإذا رفع الشك في الثاني بواسطة جريان أصالة العموم لا تصل النوبة إلى الشك في النسخ وإذا لم يجز فيه لا يبقى الشك في عدم النسخ فإذا اخترنا التخصيص في رتبة السبب لا يبقى الشك في عدم النسخ.

والجواب عنه ان الشكين لا يكونان سببيا ومسببيا بل الشك فيهما يكون من ناحية العلم الإجمالي بان الخاصّ اما ان يكون ناسخا أو مخصصا مضافا بان الحاكم والمحكوم يتصوران في دليلين لا دليل واحد إذا كان الحكم على نحو القضية الحقيقية وقد مر ان الإطلاق من جهة الافراد والأزمان تام فلا وجه لكلامه قده في تقديم التخصيص على النسخ فتكون المعارضة بين النسخ والتخصيص باقيا.

واما الخراسانيّ قده قال بان الظاهر من قول القائل لا تكرم الفساق من العلماء بعد قوله أكرم العلماء هو الحكم الواقعي أي ان الفاسق يحرم إكرامه من رأس لا من هذا الزمان فعليه يكون التخصيص مقدما على النسخ الذي يكون لازمه كون الخاصّ حكما ظاهريا وفيه ان ظهور العام أيضا كذلك فان الظاهر من قول القائل أكرم العلماء هو ان العلماء واجب إكرامهم جميعا واقعا لا ظاهرا بحيث يكون لازم ذلك ان يكون الخاصّ ناسخا لا مخصصا فلا يصير ما ذكره قده أيضا رافعا للمعارضة ومعينا لترجيح أحد الطرقين هذا كله على المبنى العتيق وهو ان تقديم الخاصّ على العام في النسخ يكون من جهة التخصيص في الأزمان وفي التخصيص من جهة الافراد وسيجيء ما هو التحقيق.

ثم ان شيخنا العراقي قده قال في مقالات الأصول بان حقيقة النسخ يكون مرجعها إلى التصرف في الجهة فإذا كان الخاصّ مقدما على العام ان قلنا بالتخصيص فقد جمعنا بين دلالتها برفع اليد عن بعض مدلول العام والعمل بالخاص أيضا وان قلنا بالنسخ فقد تصرفنا في جهة الصدور مثل التقية في إبراز العموم وتوضيح كلامه قده يحتاج إلى مقدمتين :

٢٢٧

المقدمة الأولى ان المصلحة على ثلاثة أنحاء فانها اما ان تكون على الواقع أو على الإبراز أو على نفس الأمر فان كانت في الواقع بان تكون في الإكرام مثلا في قول القائل أكرم العلماء يكون الخاصّ مخصصا وان كانت في الإبراز يكون مثل التقية في الحكم.

والمقدمة الثانية : ان الكلام الصادر عن الموالي أو الرواية الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام يكون له جهات ثلاث.

الأولى : التعبد بصدوره :

والثانية : التعبد بجهته وهو عدم كون صدوره تقية.

والثالثة : التعبد بدلالته والأولى مقدمة بالرتبة على الثانية ضرورة انه ما لم نتعبد بصدور الخبر لا وجه للبحث في انه صدر تقية ولبيان الحكم ظاهرا أولا بل لبيان الحكم واقعا والجهة الثانية مقدمة على الجهة الثالثة بالرتبة لأنه ما لم يحرز أصل الصدور وانه صدر لا لتقية لا تصل النوبة إلى البحث عن دلالته فان صدر وكان لبيان الحكم واقعا نتكلم في دلالته كما هو واضح ويكون شرحه في باب التعادل والتراجيح وحال التقية في الكلام حال البداء في التكوينيات ولا يخفى ان كل الجهات يحرز ببناء العقلاء وهم حكام فيها ، فإذا عرفت ذلك فيقول شيخنا العراقي بأنا إذا راجعنا إلى العقلاء نرى انهم ما دام يمكن الجمع بين الدليلين والعمل بهما لا يطرحون أحدهما والتخصيص يكون فيه التعبد بصدور الخاصّ وصدور العام كلاهما والنسخ يكون التعبد بصدور الخاصّ من حين النسخ باطلا لأنه بالنسبة إلى ذلك الآن لا أثر له وبالنسبة إلى ما مضى لا يكون منشأ الأثر فنلتزم بالتخصيص ليكون صدور الخاصّ والعام كلاهما محققا ويترتب عليه الأثر من جهة وجوب القضاء إذا لم يعمل على طبقه على النسخ وعدم وجوبه على التخصيص.

وقد أجاب بعد نقل التوجيه في مقالات الأصول بأنه لا يتم هذا الاستدلال لأنه يمكن

٢٢٨

ان يكون للخاص أثر بعد وجدان العام ولو على النسخ مثل الماء (١) الذي يكون محكوما بالطهارة وكان هذا الحكم من باب التقية ثم نسخ الحكم بالطهارة وكان الشخص متوضئا به فانه بعد ظهور النسخ يسقط حكم الطهارة ويبقى الحكم بالنجاسة فأثره وجوب القضاء للصلاة المأتية بها وتطهير ما لاقى هذا الماء ولا يكون لترتب هذه النتيجة على النسخ أو ذاك على التخصيص ترجيح على ان الكلام يكون في الأعم من الخاصّ المقدم والمؤخر عن العام وهذا يكون في خصوص ما كان مقدما عليه واما المؤخر عنه لا يترتب عليه هذا الأثر فيدور امره بين النسخ من باب التعبد بالجهة ووجوب التعبد بالصدور.

ثم وجه هو قده تقديم التخصيص بوجهين آخرين الأول ان الصدور مقدم رتبة على الجهة وهي على الدلالة كما مر فعلى هذا إذا قدم أصالة الصدور والتعبد به في الخاصّ لا يبقى مكان لجريان أصالة التعبد بالجهة لأنه قبل هذه الرتبة جرى الأصل في الصدور من باب ان ملاحظة الجهة تكون بعد ملاحظة ان ما تحت اللفظ يكون مرادا جديا ضرورة انه لو لم تكن الإرادة الاستعمالية مطابقة للإرادة الجدية لا وجه للقول بأنه صدر تقية أولا حتى يقال بأصالة الجهة لعدم الفائدة فيها فعلى هذا أي عند إحراز الإرادة الجدية يكون التخصيص مقدما على النسخ الذي يكون من باب التعبد بالجهة لأن الخاصّ قبل ان تصل النوبة إلى هذه المرتبة يصير بيانا للعام وشارحا له فتم أوزار الدلالة والظهور فان أصالة عموم العام وكونه صادرا لبيان الحكم الواقعي أو لكون المصلحة في الإبراز صار سببا لدوران الأمر بين النسخ والتخصيص وحيث أثبتنا قبل الجهة ان ظهور العام يكون في ما بقي بعد صدور الخاصّ وضمه إليه لا تصل النوبة

__________________

(١) أقول هذا القدر من الأثر لا يرفع الإشكال لأنه يكون في مصداق من المصاديق وبعد ترتيبه يبقى العام والخاصّ ويحتاج للتعبد كذلك إلى أثر فعلى فرض صحة هذا الاستدلال اللازم هو الجمع مهما أمكن كما ذكره.

٢٢٩

إلى جهة الصدور (١).

ولا يقال ان الخاصّ المؤخر يمكن ان يكون شارحا للعام المقدم ويصح هذا الكلام فيه واما الخاصّ المقدم لا يكون شارحا لأنا نقول لا فرق في الشارحية بين المقدم والمؤخر فانه بضم أحد الدليلين إلى الآخر نستفيد ما ذكر.

اما الوجه الثاني هو ان أصالة الظهور انما يجري في الظهورات الصادرة لبيان الحكم الحقيقي الواقعي فالأصول الجهتية منقح موضوع الأصول اللفظية ولازمه تقدم الأصول الجهتية على اللفظية رتبة وحينئذ لا يصلح الأصول اللفظية للمعارضة مع الأصل الجهتي فلا مجال لرفع اليد عن الجهة بإجراء الأصول اللفظية وإبقاء حجية الظهور بحاله كيف ولا ينتهى النوبة إلى أصالة الظهور بلا جهة وعلة فالأصول الجهتية جارية في رتبة نفسها بلا معارض وبعد جريانها ينتهى الأمر إلى الأصل الدلالي فيؤخذ به لو لا وجود ما هو أقوى دلالة عليه كما لا يخفى.

وبذين التقريبين أيضا نلتزم في وجه تقدم التصرف الدلالي على التقية لا بصرف إبقاء التعبد بسندهما في التصرف الدلالي دون التقية كيف وهذا الوجه غير جار في مورد يكون التقية في عموم الحكم لفرد لا الحكم العام إذ ح لأخذ دليل العام في الافراد الخارجية عن صورة التقية مجال كما لا يخفى فتدبر.

والجواب عنه قده هو ان هذا القول في دليل واحد صحيح ولكن في الدليلين

__________________

(١) أقول الإشكال الّذي يأتي في ذهني هنا هو ان إحراز الإرادة الجدية بواسطة عدم القرينة على خلافها ومعناها هو عدم اللغو والاستهزاء في الكلام بل إذا قال أكرم العلماء بدون تخصيص الفساق ثم قال لا تكرم الفساق منهم معناه عند الاستظهار هو ان إكرام الفساق أيضا لازم ولو لمصلحة في الإبراز واما إثبات ان المصلحة هل كانت في الإكرام وهو الفعل الخارجي أو في الإبراز لا يكون في وسع أصالة التطابق في الاستعمال والجد بل يحتاج إلى دليل آخر.

٢٣٠

لا يصح لأن أصالة الجهة في دليل لا تكون مقدمة على أصالة الظهور في دليل آخر الا على القول بان ما مع المتقدم متقدم وهو كما ترى.

تتمة

قد تحصل من جميع ما تقدم ان النسخ لا يستلزم تغيير الإرادة بناء على كونه تخصيصا في الأزمان ولا يكون لازمه التصرف في الجهة فان جهلنا بكيفية المصلحة لا يلازم جهل المولى أيضا بل كما مر ليس النسخ الا انتهاء أمد المصلحة في ما كان إبراز العموم فيه المصلحة ولا يلزم ان نقول بان الحكم كان في النفوس الفلكية ثابتا فنسخ بل المولى كان يعلم من الأول ان الحكم يكون إلى اليوم الفلاني ولكن نحن ما علمناه.

فصل في البداء

فانه حيث قيل ان النسخ في الشرع كالبداء في التكوينيات يلزم البحث عن البداء لكن مجملا حيث لا يكون المقام مقام بحثه والبحث هنا يكون لإثبات ان البداء لا يلازم جهل الأنبياء عليهم‌السلام فيما أخبروا به ولم يقع وأمثال ذلك من الشبهات فنقول ان شرح هذا المطلب في شرح أصول (١) الكافي لصدر المتألهين وفي مرآة العقول للمجلسي ومعناه لغة ظهور الشيء فنقول ان سر البداء في التكوين للإنسان هو ان يكون الشخص بين خوف ورجاء ولا يطمئن النّفس بشيء وجدته ولا يكون لازمه

__________________

(١) في صفحة ٣٧٨ كتاب التوحيد باب البداء في فصول سبعة وبعده سائر الروايات وشرحها مما يزيد بيانا وما ذكره الأستاذ مد ظله في هذا المقام يكون لبيان ان البداء لا يكون لازمه جهل الأنبياء فانه يمكن ان يكون مجهولا لهم أو غير مجهول واما سر جهات البحث والتحقيق التام في الروايات يحتاج إلى بيان مستقل مشروح.

٢٣١

القول بالإرادة المطلقة لله تعالى وهي ما صدر منها المراد بدون الشبهة والإرادة المعلقة المسماة بالمشية وهي ما صدر الشيء عنها بشرط فعل من الأفعال كما سنقول ان هذا من المذاهب السخيفة.

وما ورد من الروايات بان الصدقة وصلة الرحم تزيد في العمر وتدفع البلاء يكون معناه ان ما ذكر متمم مقتض لدفع البلاء الّذي يكون مقتضية أيضا موجودا فان جمع المقتضيات يوجب ان يحصل العلة التامة لدفع البلاء ولا نحتاج إلى ما قال بعض الفلاسفة من ان صلة الرحم حيث يوجب النشاط يلزمه طول العمر لأن له نقض بان بعض الموارد لا يوجب النشاط بل يحصل الغم لجهة من الجهات ولا نحتاج إلى القول بجهل الأنبياء بالواقع فان نظام الوجود يقتضى ذلك.

يعنى ان الله تبارك وتعالى حيث يكون علمه عين الانكشاف يعلم ان زيدا مثلا يكون له مقتضى المرض وحيث انه يتصدق يدفع عنه المرض وهكذا النبي مثلا فإذا تصدق ودفع عنه المرض لا يكون هذا وجها لأن نقول بان إرادة الله تعالى قد تغيرت أو علمه تعالى قد تغير فان العلم ليس علة للصدور بل علته هي الإرادة فالصدور من جهتها الا على القول بعينية العلم والإرادة وليس كذلك.

والحاصل : انا نرى في الروايات ان الزناء مثلا لازمه منع السماء من المطر وذهاب البركة وفي مقابلها روايات ان الصدقة مثلا تدفع البلاء فان معنى الأولى ليس ان هذا علة تامة لذلك بل معناه ان مقتض ومعنى الثانية انها مانعة والمقتضى يؤثر اثره إذا لم يكن مانع في البين كما ان الطبيب يحكم بان هذا المريض لا يكون لمرضه دواء ويموت في اليوم الفلاني ثم يدعوا هذا المريض أو أقرباؤه ولا يموت في ذلك الوقت فان المقتضى للموت كان ولكن وجد المانع وهو الدعاء والطبيب يكون جاهلا بما يقع بالأخرة ولكن الله تعالى وبعض السفراء يعلمون ما يقع آخر الأمر من عدم الموت ولا يلازم هذا جهلهم صلوات الله عليهم.

وهكذا كل ما أخبر به الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام من ان الأمر الفلاني سيقع ولم

٢٣٢

يقع فانه ليس بكذب بل اخبار بالمقتضى ودفع الأمر بواسطة الصدقة أيضا اخبار به كذلك وفي الروايات قرائن لما ذكرناه وهو شايع في البيانات العرفية كما يقول الصديق لصديقه قد سقطت عن الاعتبار فلا تغفل مع انه لم يسقط ولكن تم المقتضى لسقوطه بحيث لو غفل وفعل فعلا آخر يوجب سقوطه لتمامية الاقتضاء.

ومثل ذلك الاخبار بوقوع الزلزلة عن العلماء الطبيعي ثم يحدث قنوات يوجب منعها أو يدعو الناس فيدفع عنهم البلاء فمعنى البداء هو ان الناس يظهر لهم ما لم يعلموا لا ان الله تعالى ظهر له شيء أو الأنبياء صلوات الله عليهم.

ولا يخفى انه لا يكون التعبد بكيفية البداء من الشرع مثل كيفية الرجعة بل المسلم انه يجب الاعتقاد بها على حسب ما ورد الروايات المتواترات مجملا نعتقد بأنه يكون هذا حقا وما ورد من الشرع أيضا بيان في معناه.

ومن ما ذكرناه يظهر ضعف ساير المسالك.

الأول ما قيل من ان البداء يكون لنكتة ان لله تعالى علمين علم مخزون عنده مختص بذاته وعلم غير مخزون فما هو المخزون له تعالى ومنه البداء وما ليس بمخزون فيحصل لغيره تعالى من الأنبياء والأوصياء والأولياء على حسب مراتبهم.

وفيه أن البداء كما ذكرنا لا يكون له بيان من الشرع وما ورد في اللغة هو ظهور ما خفي ويصدق هذا المعنى بان يكون الشيء مخفيا عن الناس فيمكن ان يكون غير خفي للأنبياء والأئمة عليهم‌السلام واما مخزونية العلم ليست جزافية فانه ليس البخل للمبدإ تعالى بالنسبة إلى الإفاضة بل معناه هو ان العلم الذي لا يمكن للمخلوق أخذه لعدم ظرفيته له يكون مختصا بذاته وهو العلم بكنه ذاته فيكون في التشبيه كمرآة فان خلفها لا يرى فيه شيئا وأمامها يرى فيه كل ما يقابله فالذات والعلم بكنهه يكون مخفيا على الناس كخلف المرآة وما دونه كأمامه ممكن لغيره ان يعلمه والبداء ليس من العلم بكنه الذات.

لا يقال ان لنا روايات بان البداء يكون من العلم المخزون كما في الوافي

٢٣٣

وهذا لا يناسب ما ذكرتم بأنه ليس البداء من العلم المخزون.

لأنا نقول ان المجلسي قده متبحر هذا الفن قال بان الرواية ضعيفة السند بواسطة مجهولية الراوي على انها معارضة بروايات أخرى دلت على ان العلم علمان علم مخزون وعلم علمه الأنبياء وفيه البداء وتلك الرواية واحدة والجمع بان يقال ان المراد بقوله عليه‌السلام وفيه البداء أي في العلم المخزون ليس بداء واما علم الأنبياء ففيه البداء بمعنى انه يظهر خلافه غير وجيه لأن المراد من كلمة من في قوله ومنه البداء ان كان هو النشوية فلا يختص بالمخزون بل كل الموجودات يكون ناشئا عن ساحة قدسه تعالى وعلى فرض كون المراد به التبعيضية فلا يكون له المعنى أصلا لأن ما بدا أي ظهر خلافه لا يكون من العلم في شيء حتى يقال انه من العلم المخزون.

واما القول بان علم الأنبياء فيه البداء يكون مخالفا للروايات التي دلت على عدم البداء في علمهم والروايات المعتبرة متضمنة مطلقة ومعناها ما قلناه على انه لا داعي بان يكون اخبار الأنبياء في الأمور المربوطة بالناس من باب الجهل فلو سلم عدم علمهم بجميع ما في وسع الممكن لا نسلم جهلهم فيما أخبروا به وثالثا على فرض كون الأنبياء لهم نفوس كلية ووساطة في الفيض فلا محالة يجب ان يكون علومهم أيضا غير متناه على حسب ولايتهم في التكوين وليس نفوسهم كالنفوس الجزئية ولا معنى لوساطة الفيض الا هذا.

نعم على فرض إنكار وجود نفوس كلية لا يصح هذا الوجه من الإشكال واما ما ورد في القرآن وقل رب زدني علما فمعناه انه حيث يكون وساطة النبي في الفيض ظليا ولا يكون مفوضا إليه يقول بهذا القول.

واما المسلك الثالث في المقام وهو ان لله تعالى إرادتين مطلقة ومعلّقة والثانية مسماة بالمشية فما فيه البداء يكون من قبيل الثانية كما في بعض الروايات ففيه ان التعدد لا يناسب وحدته تعالى من جميع الجهات على ان لازمه جهله تعالى بأحوال الموجودات وهو قبيح.

٢٣٤

فصل في مقدمات الحكمة

قد عرف في محله ان النكرة مثل رجل لا يدل إلّا على ماهية مبهمة عارية عن القيد وان الشياع والسريان يفهم من قرينة حال أو مقال أو حكمة ومقدمات الحكمة ثلاثة أحدها ان يكون المولى بصدد البيان لا إيراد الكلام إجمالا ثانيها ان لا يكون في الكلام قرينة على قيد من القيود وثالثها ان لا يكون القدر المتيقن في دائرة الخطاب وهذا القيد أعني دائرة الخطاب يذكر للاحتراز عن القدر المتيقن مطلقا لأن كل شيء يكون له المتيقن في الخارج وهو لا يمنع عن الأخذ بالإطلاق.

ثم انه قال سلطان العلماء بان أسماء الأجناس موضوعة على الطبيعة المهملة ولها أقسام منها الإطلاق وان المطلق أيضا له فردان سرياني وتبادلي ويعبر أيضا بالطبيعة السارية وصرف الوجود ومعنى الشيوع التبادلي هو الاكتفاء بكل فرد فرد على سبيل البدلية مثل جئني برجل والسرياني معناه الإتيان بتمام الافراد والمصاديق من المطلق هذا.

ثم اختلف في نتيجة المقدمات التي يقال لها في الاصطلاح سراج الفقه في أربعة أقوال أو لها ان يكون الفائدة منها والحاصل من جريانها تعيين المطلق ولكن التبادل أو السريان لا يفهم منها ويثبت بدال آخر وهذا ما ذهبنا إليه ثانيها ان يثبت ان الّذي يكون تحت الأمر هو تمام المراد ويفهم من الخطاب الإطلاق وعدم السريان عند عدم القرينة كما قال شيخنا الأستاذ العراقي ثالثها ان يكون النتيجة إثبات صرف الوجود في الأمر والنهي رابعها وهو مختار شيخنا النائيني قده ان يكون الفائدة السريان في جميع الافراد إلّا ان يمنع عنه مانع.

دليلنا على الأول ان المولى إذا كان في مقام البيان وقال أعتق رقبة نفهم منه ان الرقبة التي كانت تحت الأمر تمام المراد والإهمال الثبوتي لما كان محالا نحكم بان

٢٣٥

مراده طبيعة مطلقة عارية عن القيد وبعبارة واضحة ان كلامه يرشدنا إلى ان المصلحة والمفسدة تكون في الطبيعة المجردة غاية الأمر لا يثبت انها سرياني أو تبادلي.

وربما يشكل عليه بان الاستفادة من الألفاظ يلزم ان يحفظ فيها الجهات الفنية وقد قلتم ان الألفاظ وضعت على الطبيعة المهملة وهي المقسم فلما دل اللفظ على هذه الطبيعة فمن أين يثبت أحد الأقسام بلا مرجح.

وقد يجاب عنه بان المقدمات وان كان عملها رفض القيود ولكن لما كان الإطلاق امرا عدميا فلا يحتاج إلى شيء فيقدم والقيد الوجوديّ مثل الإيمان يحتاج إلى مئونة زائدة فيكفى للإطلاق عدم القيد.

ضعفه واضح لأنه لا معنى للقول بان الإطلاق امر عدمي بل هو امر وجودي ولدقته وقلة حظه من الوجود يتوهم كونه عدميا فالذي يمكن ان يقال في الذب عن الإشكال هو ان المطلق وان كان قسما من الأقسام إلّا ان هذا القيد لما كان أخف مئونة من غيره فيحمل عليه العرف والفرق بين هذا وغيره واضح.

فان قلت بعد ما أطلتم الكلام في ذلك ما صار المعنى واضحا حتى يستفاد منه في الفقه لأن غاية ما أثبتم كانت هي الإطلاق وما ثبت التبادل والسريان بوجه وبعبارة واضحة ان اللفظ إذا كان مهملا لا فرق في الإهمال بين الكثير والقليل والإهمال من جهة السريان والتبادل أيضا إهمال.

قلت ان الخطابات من الشرع الأنور يفهم المعنى منه تارة في الرتبة السابقة من البعث مثل ان يقول أعتق رقبة مؤمنة واحدة وتارة يفهم من البعث من انضمام ساير المقدمات مثل مقدمات الحكمة وما نحن فيه أيضا كذلك ويتضح المعنى بالأعم من البعث والموضوع أعني نفهم بالمقدمات ان الرقبة مطلقة ونفهم التبادل في الأوامر لأن المولى يطلب منا الطبيعي وهو يوجد بإيجاد فرد ولا يكرر وفي النواهي السريان لأن الطبيعة فيها لا توجد إلّا بترك جميع الافراد والانزجار عنه.

وبعبارة واضحة يستفاد من اللزوم العقلي في الأوامر صرف الوجود وفي

٢٣٦

النواهي الطبيعة السارية نعم يمكن ان يكون قرينة على خلاف ذلك فيحكم على مقتضاها مثل أحل الله البيع فان عدم إرادة بيع واحد من البيوع معلوم أو مثل لا تأكل الثوم ليلة الجمعة لأن الملائكة تتأذى برائحته فيعلم انه إذا أكل دفعة لا بأس بالتكرار لأن ما خيف منه قد وجد إلّا ان يكون الأكل موجبا لزيادة الرائحة.

الثاني من الأقوال هو ما قال العراقي قده وهو ان يكون ما تحت اللفظ تمام المراد وذلك يفهم بالخطاب ونتيجة المقدمات هي ان المهملة تكون مراد المتكلم ولكن البعث ولازم الخطاب يرفع الإهمال وإذا انطبق الطبيعي مع فرد لا يوجد امتثال آخر ولا يتكرر هذا كلامه رفع مقامه.

ولكن يمكن ان يوجه الإشكال عليه بان المهملة التي تكون المقسم لا يمكن إرادتها لأنه لا يمكن إرادتها الا في ضمن قسم من الأقسام وأيضا على فرض التسليم فلازم قوله قده القول بالتبادل حتى في النواهي أيضا.

والذب عنه ان يقال ان الآمر والواضع تارة يكون عنده المعنى قابلا للتصور بنفسه فيتصوره ويضع اللفظ بإزائه ويقصده بحياله وتارة يتصوره في ضمن الأقسام مثل الرقبة في ضمن المؤمنة والكافرة والواحدة والكثيرة والحاصل كلامه ره صحيح إلّا إذا نقول بواسطة وهي إثبات المجرد والمطلق بالمقدمات خلاف ما قاله قده الثالث من الأقوال ما قاله شيخنا الأستاذ النائيني والحائري (قدهما) وهو القول بالسريان في الأوامر والنواهي وهو ان الإطلاق على قسمين قهري ولحاظي ومعنى الأول ان يكون نفس اللفظ مقتضيا للإطلاق بدون لحاظ اللاحظ بخلاف الثاني فإذا توجهت الإرادة إلى المهملة وجيء بالأمر أو النهي كان السريان فيه قهريا ولا يحتاج إثباته إلى امر زائد.

وله قده عبارة أخرى وهي ان المقدمات ترفض القيود والعقل يسريه ولا فرق في البعث أو الزجر إلّا ان يدل على خلافه دليل والحاصل لما كان إرادة المهملة محالا فلا بدّ ان يئول اللابشرط المقسمي إلى القسمي منه والطبيعة إذا كانت

٢٣٧

ذات مصلحة أو مفسدة يكون البعث إليها والزجر منها حيثما وجدتا لتساوي الطبائع.

وفيه ان المقدمات وان كانت نتيجتها رفض القيود ولكن لا تفيد تعيين قسم دون آخر وان قلتم بان الإطلاق يكون أخف مئونة فإذا يحمل عليه فمن أين يثبت التساوي الطولية في جميع الافراد بل يمكن ان يكون المصلحة التامة في أول فرد من المأمور به والشاهد على هذا ان العلماء رضوان الله عليهم تمسكوا في الأوامر بصرف الوجود وفي النواهي بالطبيعة السارية على ان المبنى عندنا فاسد فان اللفظ غير موضوع للمصداق المجرد بمعنى انه يكون فانيا في الافراد وهو المقسم بل هو قسم.

القول الرابع ان يكون نتيجة المقدمات صرف الوجود مطلقا في الأوامر والنواهي وبيان ذلك ان اللفظ موضوع للمهملة فلما استحال إرادتها أفراد الماهية الخالية عن القيود بعد جريان المقدمات ويستفاد مطلوبية صرف الشيء وهو جرمه أو مبغوضيته وصرف الشيء لا يتكرر مطلقا.

وفيه ان الطبيعة قابلة للسريان ، والصرفية تحتاج إلى دليل والشاهد على هذا أيضا ما مر من مسلك العلماء والزجر عن المقسم لا يمكن إلّا بترك جميع الافراد أينما وجد.

وينبغي التنبيه على أمور

الأمر الأول قد مر ان المقدمات للإطلاق ثلاثة كون المولى في مقام البيان لا الإجمال والإهمال وان لا يكون قرينة في الكلام على المراد وان لا يكون القدر المتيقن في مقام التخاطب : والناص بالثالث الخراسانيّ قده ومن تبعه ونحن في هذا التنبيه نكون بصدد معنى القدر المتيقن في مقام التخاطب والمراد منه وانه ضار بالمقدمات أم لا.

٢٣٨

فنقول المتكلم إذا ألقى الكلام على المخاطب اما يكون لكلامه انصراف إلى فرد مخصوص مثل قول القائل في النجف جيء بالماء فينصرف ذهن المخاطب إلى ماء الفرات مثلا لأنه كان مشروب الناس ومعلوم ان الانصراف خارج عن البحث لأنه لا شك فيه واما ليس له ذلك فكان في الخارج بحسب حكم العقل له افراد متيقنة مثل أعتق رقبة فان الرقبة لا محالة تشمل المؤمنة لأنها المتيقن منها وهذا لا يكون المراد من المتيقن في مقام التخاطب بل معناه ان اللفظ في مقام المحاورة يقوى كونها للمتيقن ولكن لا ينفى احتمال الخلاف مثل ان يرجح في الذهن كونها مؤمنة ولا يبلغ إلى حد الانصراف.

وبعبارة واضحة المتيقن في مقام التخاطب هو ما كان استفادة ذلك من اللفظ وهو في غير المقام من العقل والتدبر فيها.

ثم لتوضيح المقام ينبغي إيراد كلام وهو ان الخراسانيّ قده قائل بان المتكلم يجب ان يبين كل قيد أراد إلحاقه به عند التخاطب وان أطلق في مقامه وجاء بالقيد بعده يصير من المتعارضين ويراعى الظاهر والأظهر والنائيني والحائري رضوان الله عليهما قائلان بان إلحاق القيود لا يلزم ان يكون حين الخطاب فإذا جاء بقيد بعد زمن الخطاب يكون بيانا وعلى هذا المبنى اختلف بينهما وبينه بأنه لا فرق بين المتيقن في مقام التخاطب وخارجه فان كان مضرا ففيهما وإلّا فلا : ولا وجه للتفصيل.

والحاصل ان للخراساني دعويين : إحداهما ان المتيقن في مقام التخاطب مانع عن الإطلاق وثانيتهما انه في غير مقام التخاطب لا يضر والدليل على هذا انه في مقام المحاورة يكفى بيان تمام المراد لا التنبيه على انه تمام المراد وللمولى ان يحتج على العبد بان يقول ، قلت لك ما له المتيقن في مقام التخاطب لأنس ذهنك به وكان واجبا عليك إتيانه.

٢٣٩

وفي كل الدعويين إشكال على مبنى العلمين وهو ان المتيقن في مقام التخاطب لا يضر لأنه لو كان للكلام ظهور وانصراف يمكن ان يتكل عليه العبد فهو وإلّا فلا وعلى فرض الإضرار فلا فرق بين مقامه والخارج.

وبعبارة أخرى ان المولى ان كان في صدد بيان تمام مراده يجب ان يبينه ولو كان للمورد خصوصية يجب ان يبين انها تكون دخيلة في الحكم أم لا وحيث ما بينه نأخذ بالإطلاق والشاهد عليه ما رأيتم من قول الفقهاء المورد لا يكون مخصصا ويقول به حتى مثل الخراسانيّ ولا فرق بين المتيقن في مقام التخاطب والخارج والجواب عنهما انه ان كان المراد عدم إخلال القدر المتيقن بالإطلاق فلا نسلمه (١) لأن للمولى الاحتجاج بأنه حيث كان احتمال التطبيق على ما هو المتيقن فلما ذا تعديت عنه.

وان كان عدم تمامية المحاورة كذلك فنقول أيضا لا إشكال فيه بعد تمامية الاحتجاج فان بيان الشرع أيضا يكون مثل بيان الموالي العرفية واما قولهما بأنه يكون مثل القدر المتيقن في قولهم المورد لا يخصص فلا وجه له ، لأن هذا الكلام يصح في مقام ضرب القانون ولذا نحتاج في أمثال الموارد من بيان الحكم كبرويا أولا حتى نقول في مقام تطبيق القانون الكلي ان المورد لا يكون مخصصا واما القدر المتيقن في المقام فلا يكون مثل ذلك في غير مورد التخاطب لأن كل مطلق يكون

__________________

(١) أقول لا يتم الاحتجاج للمولى على العبد لأن المتيقن في مقام التخاطب لا يكون بحيث يوجب الانصراف على الفرض فكما ان في العمل احتمال انه الواقع كذلك يكون احتمال عدم الأخذ بالإطلاق موجبا لاحتمال العقاب بتركه ، وللمولى ان يقول انى لو أردت المقيد لذكرت القيد فلم ما أخذت بظاهر كلامي ولا يصح له الاحتجاج عليه بان المتيقن يكفيك واما إذا صار موجبا للانصراف فلا كلام فيه فيكفى في كون الإطلاق تمام المراد كون المولى بصدد البيان.

٢٤٠