مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

في المجلس وتوهم ان فهم المخاطب وإصغاءه يكون له مدخل في الخطاب فهو فاسد ، فحقيقة الخطاب بالفارسية يكون معناها (برو آوردن) مثل يا أيها اللذين آمنوا أقيموا الصلاة فان الخطاب يكون للذين آمنوا ولا فرق في ان يكون بمواجهة شخص المخاطب أو المعدوم في ظرف وجوده ولا يلزم ان يكون في الخطاب انبعاث وانه هو التحريك ولو بدون التحرك ولعل نظره قده هو ان الخطاب في الزمان الحاضر لا يمكن لا في ظرف الوجود وشاهده قوله بوجوب المعلق في بابه.

واما الإشكال الثالث فنذكره في متن البحث وهو ان وضع أدوات الخطاب هل يكون لخصوص الحاضرين أو يعمهم والغائبين والمعدومين.

المقدمة الثانية في ان التكاليف من الشارع يكون على ثلاثة أقسام أو لها ان تكون على نحو القضايا الحقيقية (مثل النار حارة) ولا اختصاص لها بالمشافهين مثل لله على الناس حج البيت.

ثانيها ان يكون بنحو القضايا الخارجية مثل أكرم من في الصحن وهذه يقال لها في الاصطلاح القضية الخارجية ومعناها ان الحكم يختص بالموجودين لا غير لسعة مدخول الأدوات مثل الذين آمنوا في قوله يا أيها الذين آمنوا.

ثالثها ما كانت مصدرة بالأدوات الخطابية إذا كان مدخولها ما يدل على العموم مثل يا أيها الذين آمنوا قوموا للصلاة.

اما القسم الأول فعلى مسلكنا من صحة تكليف المعدومين فضلا عن الغائبين لا غبار عليه من جهة انه لا يختص بالمشافهين وعلى ما ذهبوا إليه أيضا لا يكون موردا للإشكال لقبولهم التكليف الإنشائي غاية الأمر بالنسبة إلى الموجودين يصير فعليا وبالنسبة إلى غيرهم إنشائيا ويصير فعليا بعد الوجود وهذا يكون خارجا عن محل النزاع هذا في الدورة السابقة اما الآن فحيث يكون تكليف المعدومين محالا عند الخراسانيّ قده فيكون داخلا فيه واما على ما هو التحقيق فلا إشكال فيه بعد دخوله في

٢٠١

محل النزاع وقولهم بالتكليف الإنشائي مناف لقولهم بالمحالية.

واما القسم الثاني وهو القضية الخارجية ففي الشرع يكون مما شذ وندر وهذا الإشكال في انه يختص بالموجودين المقيدين بالصفة المخصوصة كما مر مثاله فيما مر وهذا أيضا لا يدخل تحت دائرة النزاع لأن الحكم يختص بالموجودين في الخارج قطعا.

واما القسم الثالث فهو يكون مورد النزاع فإذا تمهد هذا فنقول ما يكون موردا للنزاع وهو المصدر بالأدوات فعلى ما ذهبنا إليه فحاله واضح لأن الخطاب لا يكون فيه التضييق بل يشمل المعدومين والغائبين واما على ما ذهب إليه مخالفونا ففيه إشكال والتكليف وان كان يمكن عندهم بنحو جعل القانون ولكن الخطاب يكون مخصوصا بالموجودين فكيف المحيص عنه وعموم المدخول لا يفيد شيئا لأنه يكون تابعا للأدوات فاذن كان الخطاب مختصا بالمشافهين ولا يثبت إلّا بدليل اشتراكهم مع الموجودين في التكليف.

ثم انهم تمحلوا لرفع الإشكال بتمحلات ثلاثة أولها هو ان الحقيقي منه لا يمكن ولكن الأدوات وضعت لإنشاء المفهوم فحرف النداء يكون موضوعا لإنشائه ولذا يمكن خطاب الجدار وغيره من غير ذوي العقول والإنشاء يكون خفيف المئونة والمائز يكون هو الداعي وهو اما التحزن أو التشوق.

مثل أيا شجري خابور ما لك مورقا كأنك لم تحزن على ابن طريف.

أو قول القائل لله يا ظبيات القاع قلن لنا ليلاي منكن أم ليلى من البشر فنفس المفهوم تكون لمعنى عام لا لخصوص الحقيقي منه نعم له انصراف إلى الإنشائي الجدي للحاضرين لو لا المانع والقرينة في الشرع على اشتراكهم بنحو جعل القانون والمفروض عدم الإشكال فيه.

وفيه ان (١) الألفاظ مثل ما وضع للتمني والترجي والنداء لا يكون لإنشاء المعنى

__________________

(١) أقول على فرض عدم صحة قول الخراسانيّ قده وهو بعيد لا يكون حقيقة النداء ـ

٢٠٢

بل لفظ الياء وضع مثلا لحقيقة النداء والإنشاء يحتاج إلى دال آخر ولا فرق بين بعث الاخباري والإنشائي في الاستعمال ولا دخالة للقصد غاية الأمر تارة يوجد له ما بإزاء في الخارج فيكون معناه الاخبار عنه وتارة لا يكون كذلك فبحكايته عن البيع يوجده مثل إخبارك عن ان زيدا قائم فانه لا فرق في نفس الخطاب من حيث الصدق والكذب بل إذا كان في الواقع أيضا لذلك يكون صادقا وإلّا كاذبا وهذا الجواب يكون بعد ادعائنا انصراف الخطاب إلى الحقيقي أيضا رافعا للإشكال على التحقيق.

والحاصل مما أفاده قده ان أدوات الخطاب لا يكون فيها الضيق والاختصاص بخصوص المخاطبين الحاضرين مجلس الخطاب فعلى ما اخترناه لا نزاع ولا إشكال انما الكلام فيما عالج به إشكال القائلين بالخصوصية وهو ان الإنشاء بالنسبة إلى المدلول الحرفي والاسمي يحتاج إلى الدال وليس معنى الياء مثلا كذلك بل يكون لحقيقة النداء وهذا لا يكون علاجا إلّا بنحو من المجاز.

التمحل الثاني وهو من أستاذنا النائيني قده وهو ان الخطاب الحقيقي وان كان مما يستحيل رجوعه إلى الغائبين والمعدومين إلّا انه ينزل المعدوم منزلة الموجود ويكون في باطن القضايا الحقيقية التنزيل فالخطاب بالنسبة إليهم على فرض الوجود وفيه بعد إذعان المبنى وهو استحالة الخطاب وفرض الوجود في القضايا الحقيقية فغاية ما يستفاد من ذلك هو تنزيل المعدوم منزلة الموجود وفي الخطاب يحتاج إلى الحضور(١)

__________________

ـ فقط في صورة حضور المخاطب بل يكفي الربط الخاصّ بين الشجر ومخاطبه بقوله أيا شجري خابور إلخ.

(٢) هذا ما أفاده مد ظله اما ما يخطر ببالي هو ان المعدوم إذا فرض وجوده لا يكون فرض هذا الوجود عند الإمكان بل يكون في نفس هذا الفرض نحو حضور عند المخاطب بالكسر.

٢٠٣

وهذا لا يفيده كما قال العراقي رحمه‌الله ففرض الوجود لا يكفي بل يجب فرض الحضور وفرضه لا يكفي بل يجب الحضور نفسه.

التمحل الثالث وهو المشهور بالاصطيادي لأنه أخذ من قولهم بصحة الوضوء الحرجي بوجود المصلحة فيه والكلفة زالت بالحرج لا المصلحة فيقال الخطاب وان كان مختصا بالموجودين ولكن إطلاق المادة في وجود المصلحة يقتضى العموم للمعدومين والغائبين وفيه ان إطلاق المادة لا دليل عليه على ان إطلاق المدخول محكم فيما إذا لم يكن ما هو قرينة على التخصيص ومقدمات الحكمة تتم فيما إذا لم يكن ما يصلح للقرينية فإذا احتملنا ان وجود المصلحة لعله يكون للموجودين الحاضرين وعدم ذكر التخصيص بهم مع انه في مقام البيان كان لظهور لفظة الياء الصالحة للقرينية على الاختصاص ولا وجه للتمسك بإطلاق المادة.

وهنا تمحل آخر وهو ان خطابات الناس تحتاج إلى اجتماع بدني ولا يمكن التوجه به إلى الغائبين والمعدومين وخطابات الله تعالى لا تحتاج إلى ذلك بل يصدق مع اجتماع ما ولا وجه له وليس الواقع كذلك بل يصدق على ما ضبط في المسجلة (ضبط صوت) وما يوجد في الشخص أو بوسيلة التلفن أو السماعة (بلندگو) انه خطاب فالله تعالى لما كان محيطا بنا بإحاطة ربوبية والأئمة عليهم‌السلام بإحاطة ولائية يمكن لنا الخطاب إليه تعالى وإليهم عليهم‌السلام ونطلب الحاجات منه ونخاطبهم ونقول اشهد انك تسمع كلامي وترد سلامي في الزيارة ولا اشمئزاز في الخطاب منا فكذلك لا إشكال في خطاب الله تعالى والأئمة عليهم‌السلام بالنسبة إلى المعدومين والغائبين بنوع من الحضور قال في الكفاية إحاطته تعالى بالمخلوقين والخطاب منه تعالى لا إشكال فيه انما الإشكال في طرف المخاطب الغير القابل لأن يتوجه إليه الخطاب مضافا بان الإحاطة منه تعالى ومنهم عليهم‌السلام لا يكون كالحضور ولا يكون سنخ الإحاطة مثل الموجود فنقول ما قاله قده (١) صحيح إلّا انه لم يجب عن صحة خطابنا بالنسبة إليه وإليهم فحما نحن نخاطب الله

__________________

(١) عدم ذكره لهذا يكون من جهة كونه خارجا عن محل الكلام والنقض والإبرام ـ

٢٠٤

وإياهم فانهم يخاطبونا.

نعم في صورة كون المخاطب معدوما لا يصح منهم أيضا.

ثم بقي في المقام شيء وهو ان خطابات الرب تعالى كيف يكون فهل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسطة للإيصال أو نزل القرآن بجملته على قلبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يوصله إلى الناس ويصيرون مخاطبين أو ان المخاطب الحقيقي يكون هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخطاب يا أيها الذين آمنوا يصحح بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كأنه كان كل المؤمنين لأكملية إيمانه وجوه :

وتظهر الثمرة في انه ان كان من قبيل الأول والثاني يكون داخلا في محل النزاع إلّا انه لا أظن كونه من قبيل الأول ولا يكون من قبيل الثالث والمخاطب لا يكون هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط دون الناس ويلزم القول بالخطاب الإيقاعي كما قال الخراسانيّ قده إلّا ان يقال بكونه حقيقيا لأن الإيمان الأكمل الّذي هو بمنزلة كل الإيمان كان في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيصح خطابه بيا أيها الذين كما مر.

في ثمرة البحث والنزاع

أقول ذكر هنا ثمرتان الأولى هي ان كان التكاليف للأعم لا يحتاج في حجية الظهورات إلى الاشتراك في التكليف ومراعاة اتحاد الصنف وغيره وان كان مختصا بالمشافهين فالظواهر يكون حجة بالنسبة إليهم فقط وحجيتها بالنسبة إلى غيرهم تحتاج إلى دلالة الإجماع والعقل والضرورة والاتحاد في الصنف وإذا لم يكن الاتحاد فلا اشتراك.

__________________

ـ والقياس كما فرضه مد ظله لا وجه له ظاهرا لأنه رد في ما أورده قده بعدم قابليتنا له وخطابنا وإياه تعالى له فرق مع خطابه إيانا لأنه يسمع كلامنا ويرى حالنا ونحن لا يكون فينا هذه القابلية فتأمل.

٢٠٥

وأجاب عنه المحقق الخراسانيّ بان هذا يكون ثمرة على مسلك القمي القائل بان الظواهر حجة بالنسبة إلى من قصد افهامه واما على ما قلناه فلا لأن الظواهر لا تختص بهم فقط.

الثمرة الثانية هي صحة التمسك بالإطلاق كما في صلاة الجمعة فانه على فرض عموم الخطاب يؤخذ بإطلاقه في صورة الشك في ان وجود الإمام عليه‌السلام شرط أم لا وكلما يكون سببا للشك من تبادل الأحوال والأصناف يدفع بأصالة الإطلاق بخلاف ما إذا كان مخصوصا بهم فقط فيجب اتحاد الصنف إذا ثبت الاشتراك بدليل آخر وأجاب عنه المحقق الخراسانيّ قده بأنه على فرض الاختصاص أيضا يمكن التمسك به لأن المخاطبين أيضا كان لهم إطلاق في زمنه وهو يكفينا وهو ان القيود تكون تارة غير منفكة فان لم يبين لا يكون نقض غرض في البين مثل ان يكون الهاشمية شرطا لمن هو مورد للخطاب وكان هاشميا ولكن لا يكون في الإسلام عرض لازم كذلك وتارة لا يكون كذلك بل يمكن انفكاكها فهم يتمسكون بالإطلاق كوجوب صلاة الجمعة عند حضور الإمام عليه‌السلام فإذا ثبت بمقدمات الحكمة عدم مدخلية الحضور يثبت في حال الغيبة أيضا.

وفيه انه إذا رأى المخاطب انهم موصوفون بالصفة التي لها مدخل في الغرض فما أخل به إذا لم يقيد فلا يفيد بالنسبة إلى الذين هم متأخرون ولا ندري وجود الصفة فيهم.

وما ذكره الخراسانيّ قده من الثمرتين لا يصح لأنه يكون مرجعه إلى ثمرة واحدة فان الظهورات إذا صارت حجة فعلى فرض عدم الاختصاص بالمشافهين يمكن الأخذ بإطلاقها عند الشك في قيد أو شرط للتكليف فالثمرة واحدة وإذا لم تكن حجة فلا يمكن الأخذ بالإطلاق أيضا لعدم حجية ما له الإطلاق.

٢٠٦

فصل في بيان ضمير يرجع إلى بعض العام

إذا كان عام في الكلام ويرجع إليه ضمير يعلم ان المراد منه بعض العام فهل يكون هذا دليلا على تخصيص العام أم لا فيه خلاف مثل قوله تعالى المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وبعولتهن أحق بردهن فان الضمير في بعولتهن يرجع إلى الرجعيات ولا يخفى ان النزاع يكون فيما كان للعام حكم برأسه وللخاص حكم آخر في كلام واحد أو كلامين كما مر في المثال فان العام حكمه التربص ثلاثة قروء والخاصّ حكمه الأحقية بالرد بخلاف ما إذا لم يكن كذلك مثل المطلقات أزواجهن أحق بردهن فان العام وهو المطلقات لا حكم له برأسه في هذه العبارة ولا يخفى أيضا ان النزاع في مورد معلومية المراد من الضمير.

فقيل بحفظ العام في عمومه لأصالة العموم فيه وقيل يتقدم أصالة عدم الاستخدام في الضمير لتطبيقه مع المرجع وقيل بتساقط الأصلين والمشهور كما عن المحقق الخراسانيّ تقديم أصالة العموم ولا يكون مجرى لأصالة عدم الاستخدام لأنه يكون عبارة عن تطابق الضمير مع المرجع والتمسك بالأصل انما يجوز في ما كان الشك في المراد لا في الاستعمال لأن الأصل العقلائي لا يجري إلّا في هذا المورد وإذا شك في انه استعمل على نحو الحقيقة أو المجاز لا يكون أصل يحرزه.

واما أصالة العموم أيضا فتكون في صورة عدم احتفاف الكلام بما يحتمل القرينية واما في صورة احتفافه كما في المقام الّذي يحتمل ان تكون الجملة الثانية قرينة على كون المراد منه هو الخاصّ وهذا يكون دليل القائل بالتعارض والتساقط.

والحق ان الكلام يصير مجملا لأن الضمائر المبهمات ولا يكون الموضوع لها معلوما حتى يقال انه يوجب تخصيص العام أم لا ولم يكن الموضوع له هو الرجعيات وهي مما يكون الوضع والموضوع له فيه عاما.

٢٠٧

واما ما عن الخراسانيّ قده من ان الأصل العقلائي لا يكون إلّا في مقام استظهار المراد لا في مقام بيان كيفية الاستعمال ففيه ان أصالة عدم الاستخدام بمدلولها الالتزامي يوجب ان يكون المراد بالعامّ هو الخاصّ فإذا قلنا بان الأصل عدم كون المراد بالضمير شيئا وبمرجعه شيئا آخر يلزم من ذلك ان يكون المراد بالمطلقات الرجعيات فقط ليتطابق الضمير مع مرجعه.

واما الإشكال على أصالة العموم بان هذا الأصل أيضا يجري في صورة عدم كون العام مقرونا بما يحتمل قرينيته وهو الجملة الثانية فائضا لا يتم لأن العام مما يمكن ان يكون فيه الكاشفية عن المراد بخلاف الضمير فانه لا كاشفية له فما له كشف لا يمنعه ما لا كشف له وهو الجملة الثانية وكيف كان فلا طريق لنا لتقديم أصالة العموم ولا لتقديم أصالة عدم الاستخدام فالكلام مجمل لا طريق إلى إحراز المراد منه.

فصل في ان العام هل يصير مخصصا

بالمفهوم المخالف أو الموافق أم لا

أقول يجب البحث عن مقدمة في المقام وهي في معنى المفهوم فنقول قد مر منا في بحث المفاهيم ان المفهوم هو الحكم الغير المذكور لموضوع مذكور خلافا لمن قال انه حكم غير مذكور لموضوع غير مذكور وهو اما مخالف أو موافق فالأوّل مثل قول القائل الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء ومفهومه الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شيء وضابط أخذ المفهوم المخالف هو اشتمال الحكم على خصوصية توجب انتفاء الحكم عند انتفائها بان يثبت ان الخصوصية علة ومستقلة ومنحصرة وان المنتفي بانتفائها سنخ الحكم لا شخصه كما مر في محله.

واما المفهوم الموافق وهو الثاني فهو ان يكون الخطاب مشتملا على ملاك

٢٠٨

الحكم فقط مثل لا تشرب الخمر لسكره أو لإسكاره والضابط الفقهي فيه هو ان الملاك ان كان واسطة في ثبوت الحكم على الموضوع فيتعدى عنه إلى غيره مثل كون الإسكار واسطة في عروض الحكم للخمر واما إذا كان واسطة في الثبوت فلا يسرى منه إلى غيره مثل ان يكون علة الحكم بحرمة الخمر سكر الخمر لا ان الخمر حرام لسكره.

وقال النائيني قده بأنه فرق بين ان يقال لا تشرب الخمر لأنه مسكر وبين ان يقال لا تشرب الخمر لإسكاره فان العبارة الأولى يكون المستفاد منها ان المسكر حرام غاية الأمر انطبق على الخمر واما العبارة الثانية فالظاهر منها ان الخمر هو الحرام ولكن علته الإسكار ولعل للإسكار في الخمر خصوصية لا يمكن التعدي عنها إلى ساير المسكرات.

والجواب عنه ان التنصيص بالعلة يمنع عن هذا الاحتمال فإذا قلنا علة حرمة الخمر الإسكار فحيثما يوجد السكر يحكم بالحرمة ولا فرق بين العبارتين من حيث عموم العلة.

إذا عرفت ذلك فنقول إذا كان المفهوم هو المفهوم المخالف فيقدم على العام لقوة الظهور وحكومته عليه مثل ما في قوله عليه‌السلام خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء ومفهوم قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء وهو ان الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شيء فان العام بإطلاقه دل على ان الماء سواء كان بهذا القدر أم لا لا ينجسه شيء والمفهوم بخصوصه دل على ان الماء الّذي لم يكن بقدر الكر ينجسه شيء.

وقد يوجه التقديم بان دلالة الخصوصية التي تكون في المنطوق ويؤخذ منها المفهوم على الانحصار وعدم بديل لها تكون بمقدمات الحكمة ودلالته على ان القيد يكون قيد الحكم لا الموضوع يكون بالوضع واما دلالة العام على العموم يكون بمقدمات الحكمة فيقدم ما دل بالوضع على ان القيد قيد الحكم على ما هو بها ولا يكون

٢٠٩

في وسع العام إثبات ان الماء إذا كان كرا أو غير كر لا ينجسه شيء بل يدل على ان خصوص ما هو قدر الكر لا ينجسه شيء بعد تخصيصه بالمفهوم.

وفيه ان طريقنا لتقديم المفهوم على العام هو ان المفهوم أيضا من شئون المنطوق فكما انه خصص بالمنطوق كذلك خصص بالمفهوم أيضا لأقوائية الدلالة والحكومة وشيخنا النائيني قده وان قال بان دلالة العام على العموم بمقدمات الحكمة ودلالة المفهوم على ان القيد قيد الحكم أيضا بالمقدمات ولكن قال بان الخاصّ مقدم لتقديمه بالرتبة وللحكومة على العام وفيه ان دلالة العام على العموم ليس بالمقدمات على التحقيق بل بالوضع ودلالة الخصوصية على انها للحكم بالمقدمات لا بالوضع فلا يتم هذا الوجه.

ولكن ظهر الوجه الصحيح لتقديمه فلا نقول بالتعارض من باب كونها بالمقدمات ولا بالتقديم من باب كون دلالة المفهوم بالوضع واما قوله بان الخاصّ حاكم على العام فيكون على فرض كونه قرينة له واما على فرض القول بأنه مقدم من باب كونه أقوى دلالة وأظهر وربما يقدم العام أيضا بهذا الملاك فلا وجه له ولا وجه لتقديم العام عليه بهذا الملاك أيضا.

ثم ان الأنصاري قده قال بان العام ان كان أنبأ عن التخصيص فلا وجه لتقديم الخاصّ عليه كما في قوله تعالى (ان جاء كم فاسق بنبإ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فان المفهوم وهو مجيء الفاسق بالخبر لا يقدم عليه لأن العلة وهي إصابة القوم بجهالة وهي ربما يكون مع تبعية خبر العادل أيضا لأنه يمكن ان يسهو في النقل فيكون العمل عليه عملا بالجهالة.

وأشكل عليه النائيني قده بما حاصله هو ان تقديم خبر الواحد على ما دل على النهي عن اتباع الظن مع آبائه عن التخصيص لأن المناط فيه أيضا هو عدم إصابة الظن للواقع دائما يقول به الشيخ قده فكيف يفصل بين المقام وآية النبأ

٢١٠

فقال في مقام الحل ان الدليل إذا دل على عمل لا يكون إتيان ذاك العمل من باب الجهل بل القيام عليه يكون بالعلم التعبدي وهو الحجة على تصديق العادل فالإصابة لا تكون بالجهل.

وفيه انه أجاب عن الجهالة ولكن لم يجب (١) عن ان الندامة أيضا تكون علة في الآية بقوله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وهي كيف لا تحصل مع الإصابة بغير الواقع.

فتحصل ان الخاصّ المفهومي يقدم على العام ولكن بما ذكرنا من انه من شئون المنطوق لا من باب ما ذكروه هذا كله في ما إذا كانت النسبة بين العام والخاصّ العموم والخصوص المطلق.

واما إذا كانت عموما من وجه أي كانت النسبة بين العامين من وجه فقال النائيني قده ان الملاك هو ما كان في ساير الموارد من التعارض ولكن لا يتم فنقول المثال لذلك في الفقه هو ان يقول ان الماء الجاري عاصم سواء كان كرا أو لا ومفهوم دليل الكر هو ان كل ما ليس بكر لا عاصمية له مطلقا أي سواء كان جاريا أو لا فالجاري بقدر الكر لا كلام في عاصميته وغير الكر الغير الجاري أيضا لا كلام في عدم عاصميته انما الكلام في الكر الغير الجاري وهنا يمكن ان يقال ان المدلول الالتزامي في قولنا الجاري عاصم هو ان الجاري يكون في مقابل الكر وله عنوان على حدة فلا ينعقد المفهوم لدليل الكر بالنسبة إليه فيكون معنى ذكر العدل لقوله الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شيء فيقال الماء إذا لم يكن جاريا أو لم يكن بقدر الكر ينجسه شيء ولا يقال بالتعارض لأن الدليل في الجاري متكفل لبيان انه عدل للكر بالوضع والمفهوم لدليل الكر يكون بواسطة مقدمات الحكمة.

هذا كله في المفهوم المخالف واما المفهوم الموافق فهو أيضا اما ان تكون

__________________

(١) أقول والجواب عنه الإقدام على العمل بحجة لا يترتب عليه الندامة أيضا لأنه معذور في عمله فلا يكون العمل بالجهالة ولا يترتب عليه الندامة.

٢١١

النسبة بينه وبين العام العموم والخصوص المطلق أو العموم والخصوص من وجه.

فالأوّل مثل ان يقال لا تكرم الفساق وهو العام وأكرم فساق خدام العلماء وهو الخاصّ ومفهوم هذا الخاصّ بالأولوية هو ان فساق العلماء يكون إكرامهم واجبا فكما انه يخصص العام بالمنطوق يخصص بالمفهوم بالأولوية وأقوائية الظهور في الخاصّ منطوقا ومفهوما ففي الواقع يكون الخاصّ المنطوقي مقدما على العام بمدلوله المطابقي والالتزامي وهذا هو السر في تقديمه لا ما قال النائيني قده من ان النسبة هو العموم من وجه وهذا أحد موارد تقديمه.

والثاني مثل لا تكرم الفساق وأكرم خدام العلماء بيان ذلك هو ان الفاسق منهي الإكرام سواء كان عالما أو خادمه وخدام العلماء يجب إكرامهم سواء كانوا فاسقين أم لا وفي المقام أيضا.

ربما يقال بتقديم الخاصّ على العام وان كان النسبة بينه وبين المفهوم العموم من وجه لأن الجمع العرفي يقتضى ذلك وهذا لأن في تقديم الخاصّ الذي هو العام الصغير منطوقا ومفهوما إسقاط عام واحد وهو الكبير وهو قوله لا تكرم الفساق واما إذا لم يقدم يلزم إسقاط عامين العام الأول وهو قوله أكرم خدام العلماء والثاني مفهومه وهو أكرم العلماء بالأولوية فإذا دار الأمر بين إسقاط أصالة العموم في الطرفين أو طرف واحد فالجمع العرفي يقتضى تقديم إسقاط العام الواحد وأصالة عمومه لا إسقاط العامين.

وفيه ان المفهوم كما مر منا يكون من شئون المنطوق فان قوله أكرم خدام العلماء لا يكون إلا عام واحد فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر فيكون مثل سائر موارد العموم من وجه من التعارض والتساقط فتحصل انه إذا كانت النسبة بين العام والمفهوم العموم والخصوص المطلق يقدم المفهوم واما إذا كانت النسبة العموم من وجه فلا وجه للتقديم.

٢١٢

فصل : في الاستثناء المتعقب بالجمل

إذا كان عام وبعده استثناء مثل قول القائل أكرم العلماء وأضفهم وأطعمهم الا الفساق منهم أو مثل أكرم العلماء وأطعم الفقراء وأضف الشعراء الا الفساق منهم ومثل قوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا الا الذين تابوا) فهل الاستثناء يرجع إلى الجميع فلا يجب إكرام الفاسق منهم وكذلك الإطعام والضيافة أم يختص استثناء الفاسق بالجملة الأخيرة أو يفصل بين ما كان عقد الوضع فيه مكررا كالمثال الثاني والآية فلا يرجع الا إلى الأخير واما ما كان عقد الوضع فيه غير مكرر فيرجع إلى العقد الوضع الأول أي الجملة الأولى ومنه إلى سائر ما عطف عليه وجوه وأقوال :

وقد اختار شيخنا الأستاذ النائيني قده التفصيل مستدلا بأنه لا شبهة ولا ريب في ان الاستثناء يرجع إلى عقد الوضع فإذا كان مكررا في الكلام فيأخذ الاستثناء محله في الجملة الأولى ولا يكون له مقام آخر لأنه أخذ مطلوبه كما في الآية فان قوله تعالى فاجلدوهم ثمانين جلدة عقد وضع وقوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا عقد وضع آخر فيكون الاستثناء عن الجملة الأخيرة فقط فمن تاب يقبل شهادته.

والجواب عنه قده هو ان الاستثناء على نحوين وصفي وإخراجي فما يرجع إلى عقد الوضع هو الوصفي فقط واما في الإخراجي فيكون مرجعه الحكم فان قلنا معنى أكرم العلماء الا الفساق منهم يرجع إلى ان العالم الغير الفاسق يجب إكرامه حتى يكون لفظة إلّا بمعنى غير فيكون المناط عقد الوضع واما على فرض كونه إخراجا عن الحكم فلا يرجع إليه والمقام يكون الاستثناء عن الجملة وهي مركبة من موضوع ومحمول ونسبة بينهما سلمنا رجوعه إلى الموضوع فأي فرق بين قولنا أكرم العلماء وأضفهم وأطعمهم وقولنا أكرم العلماء وأضف العلماء وأطعم العلماء حتى يقول بأنه لم يتكرر عقد الوضع في الأول وتكرر في الثاني فهل يكون فرق بين الضمير الراجع

٢١٣

إلى العلماء أو ذكرهم بنحو الاسم الظاهر في القضية.

واما القول بان سنخ الحكم إذا كان على نهج واحد مثل الإكرام المتعلق بالعلماء وكذلك الضيافة والإطعام يكون عقد الوضع واحدا واما إذا كان سنخ الحكم متعددا بتعدد المتعلق مثل العلماء والشعراء فيكون عقد الوضع متعددا فلا وجه له فانه لا فرق بين متعلق واحد أو متعلقات في تشكيل عقد الوضع.

ثم ان قوله قده بأنه على فرض كون عقد الوضع واحدا بان الاستثناء يرجع إلى الجميع في مثل ما كان بنظره عقد الوضع فيه واحدا فأي دليل له على ذلك فان قال بان أصالة تطابق الضمير مع المرجع يقتضى ذلك أي تطابق ضمير أضفهم مع العلماء ضرورة انه لو لا تخصيص العلماء في هذه الجملة يلزم ان يكون المراد بالضمير أشمل من المراد من المرجع لأن المراد منه للأعم من الفاسق والعادل والمراد بالمرجع العادل فقط فائضا لا وجه له لأنه منقوض باستدلاله فيما كان عقد الوضع متعددا فانه إذا أخذ الاستثناء محله في الجملة الأولى لا يبقى له محل بالنسبة إلى سائر الجمل فانه كيف يقول بذلك بالنسبة إلى رجوعه إلى الأخير ولا يقول به في هذا المورد فان هذا شيء عجيب.

واما أصل هذا القول أيضا فلا وجه له لأن الموضوع له في الأداة والمستعمل فيه والوضع يكون عاما كما حرر في موضعه فحيث يكون عاما يمكن ان يكون الاستثناء الواحد راجعا إلى الجميع في مقام الثبوت ويدعى انه لا إشكال في الرجوع إلى الجميع ثبوتا واما إثباتا فسيجيء بعيد هذا.

ويمكن ان يكون مراد شيخنا الأستاذ قده على حسب مبناه في المعاني الحرفية وحاصله هو ان النزاع وقع بين القوم في ان المعاني الحرفية هل تكون إخطارية مثل الموضوع والمحمول أو إيجادية بمعنى انه كما ان لزيد وجود وهو الموضوع ويجيء في الذهن وللقيام وجود رابطي يجيء فيه يكون للنسبة أيضا وجود خارجي

٢١٤

يخطر بالبال أو وجودها يكون صرف النسبة الذهنية بمعنى ان النّفس توجده في صقعها.

فان كان إيجاديا يكون لفظ واحد واستثناء واحد في المقام كاشفا عن وجود واحد ولا يمكن ان يكون الاستثناء الواحد راجعا إلى الجميع واما ان كان اختياريا كما هو الحق فيمكن رجوعه إلى الجميع ومعنى وجوده هو ان الموضوع والمحمول يكون لهما الاستقلال في التصور واما الربط فيكون إخطاره بواسطة الطرفين وهذا شأن المعنى الحرفي فهكذا يجب ان يفهم كلامه الشريف لا كما فهموه ويصير روحه الشريف بهذا البيان الذي بيناه له مبتهجا غاية الابتهاج.

فتحصل انه حيث يكون الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عاما يمكن رجوع الاستثناء إلى الجميع لكن يحتاج التعدد إلى دال آخر فان إمكانه لا يوجب إثباته.

وما عن الخراسانيّ قده من رجوعه إلى الأخير في مقام الإثبات أيضا يكون مشكلا لأنه بعد صلاحية رجوعه إلى الجميع فأي خصيصة للأخير والتبادر غير معلوم ولو ثبت لا ينفي إرجاع الاستثناء إلى الآخرين أيضا.

واما القول بأصالة العموم في الخاصّ ليكون لازمها رجوعه إلى الجميع وعدم الاختصاص بطائفة دون أخرى بادعاء ان الخاصّ حيث يكون أقوى يكون حاكما على العام فائضا لا وجه له لأن العام والخاصّ يكون لهما مادة مشتركة وهي مثلا الإكرام في أكرم العلماء الا الفساق منهم وعنوان مختلف كالعالمية والفاسقية وكذلك الحكم وهو مثل يجب ويحرم وحيث لا يتم الاستثناء إلّا بحكم التقدير مثل ان يرجع الا الفساق إلى قولنا لا تكرم الفساق فيكون التقدير في الحكم فقط لا بين العالم والفاسق ولا بين الإكرامين المنهي عنه والمأمور به وحيث يكون التقدير واحدا ولا وجه لتقديرات مختلفة كان يقال لا تكرم الفساق ولا تطعمهم ولا تضفهم فلا وجه لرجوعه إلى الجميع وإتمام البحث بذلك لأنه يحتاج إلى دليل ولا دليل لنا على التكرير

٢١٥

وبهذا الوجه أيضا يشكل إرجاعه إلى الأخير فقط لعدم الخصيصة فيه.

ثم انه بعد عدم ظهور ذلك بالدليل فهل يمكن ان يتمسك بأصالة العموم في العام المستثنى منه ويقال بان الأخير هو المتيقن وأصالة العموم في البقية تقتضي عدم استثنائه أم لا فيه بحث فقال الخراسانيّ قده ان كان أصالة العموم من باب التمسك بالظهور العقلائي ففي المقام لا يمكن التمسك بها لأن في المقام يكون الكلام محفوفا بما يحتمل القرينية وهو وجود الاستثناء بعد الجملات واما ان كان جريانها من باب التعبد فيمكن ان يقال بجريانها ولقد أجاد فيما أفاد على مسلكه قده بأنه لا إشكال في إمكان الرجوع إلى الجميع وانما الإشكال في إثباته.

فصل في ان عام الكتاب

هل يمكن تخصيصه بالخبر الواحد أم لا

لا إشكال في تخصيصه بالخبر المتواتر لأنه قطعي وانما الكلام في الخبر الواحد وسند القائلين بعدم تخصيصه به هو ان الكتاب مقطوع الصدور وخبر الواحد ظنية ولا يخصص القطعي بالظني مع انهم لم يتوقفوا في تخصيص الخبر المتواتر الذي يكون أيضا قطعيا بالخبر الواحد الظني مع ان الروايات التي وردت في ان المخالف للكتاب زخرف وقالوا عليهم‌السلام لم نقله بإطلاقها تشمل حتى صورة كون المخالفة بالعموم والخصوص المطلق وقد استدل الشيخ الأنصاري قده بالسيرة القطعية العملية من العلماء على تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وهي دليل على صحة التخصيص.

وفيه ان السيرة تكون سندية ولعل سندها ما ذكر من الوجوه الأخر من ان الاخبار الناهية عن العمل بمخالف الكتاب مختصة بصورة المخالفة التباينية وغيرها فكيف يرفع اليد عن المقطوع بالمظنون.

فنقول تقريبا للحق ولمرامه قده ان الخبر يكون له جهات : الصدور والجهة

٢١٦

والدلالة فدليل حجية الخبر الواحد يدل على التعبد بالصدور وأصالة عدم صدوره تقية على التعبد بالجهة وبناء العقلاء يدل على التعبد بالدلالة فيجب ان نرى من أي جهة يكون معارضا للكتاب والذي هو الحق هو ان المعارضة تكون من جهة الدلالة لا من جهة السند ولا الجهة لأن دليل حجية جعل الظن منزلة العلم والفرض عدم كونه عن تقية فيبقى الإشكال من حيث الدلالة فهنا نقول دليل ظهور الآية بناء العقلاء وهو ظني فيها ودليل ظهور الدلالي في الخبر أيضا بنائهم وهو ظني أيضا فالسند وان كان في الكتاب قطعيا ولكن الدلالة ظنية فالحق ملاحظة الدلالتين لا السندين ، فحينئذ نقول يقدم الخاصّ على العام من باب الحكومة لأن دليله هو بناء العقلاء وهو التعبد بظهوره من باب نظره إلى العام وشرحه له ولا يخفى ان كل تخصيص في دليله قبل الحكم بالتخصيص يلزم ان يكون من باب الحكومة فما يقال من ان الجمع العرفي يقتضى ذلك سره حكومة دليل تقديم الخاصّ على دليل العام وهو بناء العقلاء.

نعم لو كان الخاصّ قطعيا يكون تقديمه على العام بالورود لا بالحكومة لأن الظن حجة في صورة عدم وجود العلم فما قال الشيخ قده من التقديم لعله يكون من باب هذه النكتة وهي الحكومة ، وقال بعض محشي الكفاية بان التقديم يكون من باب الورود لأن العلم دلالته مشروط بعد ورود الخاصّ فحيث ورد لا يكون له العموم فنقول له نعم في صورة وجود الخاصّ القطعي يكون التقديم بالورود واما في صورة التقديم بالتعبد يكون حصول الشرط تعبدا وحكومة كما في المقام فلا يكون واردا.

وقال شيخنا النائيني قده ان الخاصّ حاكم على العام لأنه في المتصل والمنفصل قرينة على المراد منه وبه يستكشف المراد وفيه ان المبنى غير صحيح فان الخاصّ ليس قرينة بل يكون تقديمه من باب الأقوائية والأظهرية والمخصص المنفصل يكون

٢١٧

هادما للحجية لا هادما للظهور فهكذا يرفع الإشكال عن تخصيص الكتاب بالخبر الواحد بقي إشكال آخر وهو ان الاخبار الناهية عن العمل بالخبر المخالف للكتاب على فرض عدم شمولها للعام والخاصّ واختصاصها بصورة التباين تبقى بلا مورد لأنه ليس لنا في الشرع خبر دال على مخالفة الكتاب بالتباين فلا بد من حملها على صورة المخالفة بالعموم والخصوص.

والجواب عنه بان زمان الصدور كان ما يخالف الكتاب بالتباين وان لم يكن في زماننا هذا مخدوش لأنه يلزم استهجانها بالحمل على الفرد النادر وكذلك الجواب بان المراد من المخالف للكتاب ما قالوه عليهم‌السلام بقولهم عليهم‌السلام لم نقله يكون هو المخالف الواقعي وفي مقام الثبوت واما المخالف الظاهري فقالوه والعام والخاصّ لا يكونان مخالفا في الواقع للجمع العرفي بينهما وان كان في بدو الأمر تكون المخالفة لأن العبارات لا تكون بهذا المضمون فقط ليحمل على هذا بل وردت بلسان انه زخرف مع ان أصل هذا الكلام عجيب لا يستأنس العرف به ولا يستظهره.

فصل في بيان معنى

النسخ والفرق بينه وبين التخصيص

وينبغي البحث في ذلك عن مقدمات الأولى انه قد اشتهر ان الفرق بين النسخ والتخصيص هو ان الأول يكون بعد حضور وقت العمل بداعي ان التكليف يكون للبعث والانبعاث وهو يكون بعد حضور وقت العمل فان جاء دليل بعده يكون ناسخا للحكم لا انه مخصص له وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ولكن التخصيص لا يكون كذلك فانه يتصور قبل وقت العمل فان الحكم إذا لم يبلغ وقت العمل به رفعه لا يكون نسخا له.

ولكن الشيخ الأنصاري والآخوند (قدهما) أيضا تبعا له تصورا النسخ قبل وقت العمل ببيان ان العام يمكن ان يكون إلقائه لبيان حكم الفرد المشكوك

٢١٨

وفهم من كلامهما شيخنا النائيني ان المراد هو ان العام يمكن ان يكون لإعطاء الضابطة في الشبهة المصداقية لطرد الشك فما رفع ونسخ ولو كان قبل وقت العمل لا يكون هو ضابطية العام لذلك بواسطة ورود المخصص لأنه لا يكون مربوطا بالعمل والحكم بالنسبة إلى ما خصص واقعا لا يكون من الأول متحققا وبالنسبة إلى غير هذه الجهة كان ولا نسخ له بواسطة الناسخ.

وبعبارة أخرى بالنسبة إلى الواقع لا يكون إبراز العموم بل بالنسبة إلى الحكم الظاهري وهو لا يرفع وقد أشكل شيخنا النائيني قده على ما زعمه في فهم كلامهم بان العام لا يكون في صدد بيان مصداقية المصداق كما مر منه قده في التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية فان مفاد قول القائل أكرم العلماء العدول يكون هو انه كلما تحقق هذا الموضوع يكون الحكم بوجوب الإكرام واما صورة الشك في موضوعية شيء للحكم لا يكون العام بصدده فيكون تخصيص العام بعد العمل من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح ولا يصلحه ما ذكروه بان التخصيص يتصور حتى بعد العمل وثانيا ان أصالة تطابق الإرادة الجدية مع الإرادة الاستعمالية تقتضي ان يكون مفاد العام تحت الإرادة الجدية وحجة على العبد وإلّا لم يحصل لعام ظهور والاحتجاج به في الحكم الواقعي غلط.

أقول ان كلامه قده على ما فهمه من كلام العلمين صحيح إلّا انه يمكن ان يكون مرادهم بذلك هو ان المصلحة على قسمين فانه تارة تكون في العمل بالعموم مثل ان يكون إكرام جميع العلماء له مصلحة وتارة تكون في إبراز العموم بمعنى انه لا يكون مصلحة الإكرام الا في العدول منهم ولكن يكون مصلحة ثانية تقتضي إبراز العموم والتخصيص يكون وروده كاشفا عن انتهاء أمد الواقع أعني مصلحة الإكرام والنسخ يكون كاشفا عن انتهاء مصلحة إبراز العموم وبينهما فرق واضح فالتخصيص بعد حضور وقت العمل لا قبح فيه.

٢١٩

ونظير ذلك الأصول في مقابل الأمارات فان أصل البراءة يكون جعله لمصلحة التسهيل ولو كان حكم الواقع غير ما اقتضته فإذا وجدت الأمارة ينتهى أمد مصلحة التسهيل ويجب العمل على طبق مصلحة الأمارة فيمكن ان يكون المقام أيضا كذلك والسر في الإشكال على هذا البيان هو ان الأحكام إرادات مبرزة والإبراز يلزم ان يكون ناشئا عن مصلحة فإذا لم تكن فيصير الإبراز لغوا ولم يتصور مصلحة ثانوية كذلك.

فان قيل بان ما ذكر يصح في الأوامر الامتحانية لا كل الأوامر قلنا ان الإبراز تارة يكون للامتحان وتارة يكون للابتلاء فان الأول يكون وقت العمل هو وقت قبول الأمر والثاني لا يكون كذلك.

المقدمة الثانية

في ان النسخ لا يلزم ان يكون بعد العمل وقد ظهر بيانه مما تقدم ثم ان شيخنا النائيني قده فصل في المقام بتفصيلين الأول هو بيّن كون الحكم بنحو القضية الخارجية أو بنحو القضية الحقيقية ففي الأول قال بأنه لا يتصور النسخ قبل العمل والتخصيص بعده لأن الحكم إذا صار فعليا كما في الخارجية بواسطة اجتماع الشرط وارتفاع المانع فعلا لا وجه لتخصيصه وانما يتصور النسخ فقط واما الحكم بنحو القضية الحقيقية فحيث لا يكون فعليا قبل فعلية الموضوع فيمكن تخصيصه ويتصور نسخه أيضا قبل وقت العمل لأن تحقق الحكم يكون على الموضوع المقدر وجوده فما ذكروه من لغوية النسخ قبل العمل يكون في القضايا الخارجية فقط لا الحقيقة الغير الموقتة واما التفصيل الثاني في القضايا الحقيقية فهو انه قده فرق بين كون الواجب موقتا مثل صوم شهر رمضان فان الوجوب موقت بهذا الشهر وبين كونه غير موقت فقال في الأول بأنه لا يتصور النسخ ولو جاء ما يكون رافعا للحكم يكون كاشفا عن

٢٢٠