مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

هو العدالة ولا يكون النزاع أيضا في صورة إحراز ان القيد يكون بنحو الوصفية فانه لا يجري الأصل بالنسبة إليه لأنه مثبت بل النزاع في صورة كون المركب ذاتا وصفة إحرازا لاتصاف دخيلة والكلام في انه هل يمكن إثبات الاتصاف بواسطة أصالة العدم ففي المثال السابق إذا كان اتصاف زيد بالعدالة شرطا لوجوب إكرامه والاتصاف بعدم الفسق فهل يمكن إثبات ذلك بواسطة أصالة عدم الفسق أم لا.

فمن قال بجريان الأصل يقول به ومن قال بأنه مثبت والأصل المثبت لا تجري لا يقول به فإذا عرفت ما ذكرناه من تحرير محل النزاع.

فنقول أحسن ما قيل في المقام هو ما عن شيخنا الأستاذ النائيني قده في هذا ويذكر لتوضيحه مقدمات المقدمة الأولى هي كلامه السابق في ان العام يتصف بنقيض الخاصّ بالبيان السابق وهو ان العام بعد التخصيص اما ان يكون مقيدا بالقيد أو يكون مطلقا أو مهملا والإهمال غير ممكن لأن المتكلم حكيم والإطلاق خلاف غرضه فانه لو كان مطلقا فأي فائدة لذكر القيد فيتصف العام بنقيض الخاصّ لا محالة فإذا قال أكرم العلماء الا الفساق منهم يكون معناه ان من هو موضوع الإكرام هو العالم العادل من غير فرق بين المخصص المتصل والمنفصل غاية الأمر في المتصل لا ينعقد الظهور من أول الأمر وفي المنفصل ينعقد الظهور فيه ويقطع حجيته واما لب الإرادة فهو مقيد.

وفيه انه قد مر منا اختيار شق ثالث وهو غير الإطلاق وغير الاتصاف والتقييد وان كان مثله في المعنى وهو ان العام بعد تخصيصه يضيق دائرة افراده مثل ما إذا مات بعض افراد العالم من الفساق أو العدول فكما انه يوجب قلة افراد العام فهكذا في المقام.

المقدمة الثانية هي ان المركب من القيد والمقيد قد ثبت في المقدمة الأولى انه يكون اللازم هو ضم نقيض الخاصّ إلى العام ولكن لا يلزم من ذلك كونه بنحو الاتصاف فقط بل من الممكن ان يكون بنحو المقارنة أو الاتصاف والنعتية إلّا ان

١٨١

يدل دليل على كونه بنحو النعتية والآن نريد ان نثبت بالبرهان انه لا يمكن ان يكون القيد إلّا بنحو النعتية وهو ان العرض في وجوده مفتقر إلى الموضوع ووجوده في نفسه عين وجوده في غيره.

فإذا ثبت مقارنة الذات مع الصفة بمقتضى المقدمة الأولى يثبت ان هذه الذات متصفة في الرتبة السابقة على المقارنة لأن الذات قبل ملاحظة المقارنة اما ان تلاحظ مع القيد أو مطلقا أو مهملا والإطلاق والإهمال لازمه التهافت وعدم كون المتكلم حكيما فان ذكر القيد مع عدم لحاظه بل لحاظ عدمه حين ملاحظة الإطلاق واضح التهافت فلا بد ان يكون القيد ملاحظا في رتبة الذات بنحو النعتية فيكون الحلول مقدما على المقارنة فثبت ان القيد يكون بنحو النعتية.

المقدمة الثالثة في انه يجب ملاحظة ان ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له فانه لا قوام للصفة بدون الموصوف ويكون التقابل بين كان الناقصة وليس الناقصة بالعدم والملكة فإذا قيل زيد ليس بعالم يكون معناه ان ما من شأنه ان يكون عالما لا يكون كذلك فتكون النسبة بين الصفة المنتفية عن الموصوف هو الربط السلبي لا سلب الربط فكما انه يحتاج وجود الصفة وإثباتها للموصوف إلى وجود الموصوف كذلك سلب الصفة عنه أيضا يحتاج إلى وجوده وهذا بخلاف مفاد كان التامة وليس التامة كما انه يكون في الجوهرين والعرضين كذلك فانه لا احتياج إلى إثبات الموضوع ولكن الذات والصفة قد عرفت ان قاعدة الفرعية تمنع عن ملاحظة الصفة بدون الموصوف.

فإذا عرفت هذه المقامات تعلم انه لا يكون مجال لاستصحاب العدم الأزلي فانه إذا لم تكن المرأة لم تكن القرشية فإذا وجدت لا نعلم انها متصفة بها أم لا فلا يمكن جريان استصحاب العدم الأزلي فإذا كان لنا عام بان يأس القرشية إلى ستين سنة ويأس غيرها إلى خمسين سنة وشك في ان هذا الفرد قرشي أم لا لا يمكن إدراجها

١٨٢

تحت عموم الحكم لغير القرشية بواسطة استصحاب عدم القرشية لأن مقتضى المقدمة الأولى هو ان المرأة الغير القرشية متصفة بالعدم النعتيّ حكمها كذا.

وبمقتضى المقدمة الثانية ثبت الاتصاف بنحو النعتية بالعدم أي عدم القرشية وبمقتضى المقدمة الثالثة وجود الصفة محتاج إلى وجود الموصوف ونحن حين لم تكن المرأة لا يكون لنا إثبات اتصافها بعد القرشية حتى نستصحبه حين الشك وهو آن وجودها وهكذا إذا كان الشبهة في مصداقية شيء للمخصص أو للعام فإدراج الفرد بواسطة الأصل تحت العام كذلك لا أساس له الا على نحو الأصل المثبت لأن اللازم العقلي لقولنا انه حين لم يكن الموصوف لم تكن الصفة هو عدم وجود الصفة بعد وجود الموصوف بمعنى إثبات عدم الاتصاف لعدم الحالة السابقة لعدم الاتصاف لما ذكرنا من انه يحتاج إلى الموضوع ولم يكن قبل هذا حاصل كلام شيخنا النائيني في المقام.

والجواب عن المقدمة الأولى قد مر في ذيلها فلا وجه لتكراره واما الجواب عن المقدمة الثانية فهو ان العدم حيث انه لا يكون شيئا لا يكون معنى لاتصاف الموضوع به فلا معنى للقول بان عدم شيء لشيء يكون من باب ربط سلبي لا سلب الربط خلافا للمنطقيين بل الحق معهم ومعنى العرض هو انه إذا وجد في خارج وجد في الموضوع لا ان المعدوم أيضا يوجد في الموضوع فانه على قول شيخنا الحائري قده ان لنا العقل وان فرض عدم كوننا من المعقوليين فنحكم بمقتضاه.

مضافا بأنه نقلب عليه ما قال في الوصف من انه هل يكون مقيدا به أو مطلقا أو مهملا فنقول المقارن أيضا يكون الذات بالنسبة إليه مطلقا أو مهملا أو مقيدا.

ثم انه قيل في مقام الجواب عنه قده بان المقدمة الأولى لا تنكر فان الموضوع بعد ذكر القيد ينقلب ويصير مقيدا ولكن لا بنحو الاتصاف بل بنحو المقارنة فيكون

١٨٣

هذا القائل منكرا للمقدمة الثانية فان الوصف إذا كان في لسان الدليل مستقلا لا وجه لإرجاعه بنحو النعتية إلى الموصوف نعم في الأمر الوجوديّ مثل العدالة يجب ان يتصف الموضوع به فإذا قيل أكرم العالم العادل يجب ان يكون العدالة محرزة واما العدم فلا يصير قابلا للاتصاف به لأنه لا يكون بإزائه شيء بل هذا العدم على الاصطلاح محمولي فيمكن ان يقال لم يكن زيد ولم يكن فسق في السابق فوجد زيد وشك في وجود الفسق فيستصحب العدم المحمولي فلا إشكال في جريان أصل العدم الأزلي فيمكن في صورة الشك في القرشية استصحاب عدم الانتساب إلى القريش بعد وجود المرأة ولا وجه لإثبات اتصاف المرأة بعدم الانتساب إلى القريش حتى يكون لازما عقليا.

وفيه ان قوله العدم حيث لا يكون له ما بإزاء لا يمكن الاتصاف به يلزمه عدم صيرورة هذا العدم جزء الموضوع ولو بنحو المقارنة فان العدم لا أثر له فلا معنى لقبوله المقدمة الأولى عنه قده فان قال بان عدم الفسق من حيث انه يكون مرآة للعدالة يكون مقارنا والعدالة امر موجود فنقول له أيضا فعلى هذا صار هذا العدم من الأمور الموجودة التي يمكن ان يكون له ما بإزاء ويجب ان يقول بصحة اتصاف الموضوع بالأمر الوجوديّ.

والحاصل ان قال بأنه عدمي نقول كيف صار جزء الموضوع وان قال انه وجودي نقول كيف لا يصح الاتصاف هذا أولا وثانيا ان القضية السلبية قضية وله موضوع ومحمول ورابط لكن الرابط سلبي أي يكون للموضوع ربط (١) سلبي إلى المحمول لا انه يكون

__________________

(١) أقول قوام القضية في الذهن وله موضوع ومحمول ونسبة ذهنية والقضية وان كان مقتضى صدقها الانطباق على الخارج ولكن معنى السلبي هو انه لو تفوه محالا ان يكون للعدم نحو وجود في الخارج يكون هو عدم اتصاف الموضوع بهذا المحمول لا انه يكون ـ

١٨٤

من باب سلب الربط وثانيا ان نقيض القرشية عدمها لا عدم الانتساب إلى القريش نعم استصحاب العدم المحمول مثل عدم الفسق وعدم القرشية من لوازمه العقلي هو عدم اتصاف المرأة بالقرشية والرّجل بالفسق وهو غير جار بالنسبة إلى الأثر العقلي ولا يخفى عليكم ان رد مقدمات شيخنا الأستاذ قده لا يكون لازمه قبول جريان الاستصحاب بل يجب بعده بيان كيفية جريانه فانتظر ، ومن الطرق لجريان الأصل في المقام طريق الخراسانيّ قده في الكفاية فانه قال ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن بذلك العنوان أي العالم إذا خصص بغير الفاسق يكون كل العناوين غير عنوان الفاسق باقيا فيه والخارج فقط هو الفسق كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد الا ما شذ ممكنا فبذلك

__________________

ـ له وجود واقعا في الخارج ومعنى المقارنة والجزئية للموضوع لا يكون إلّا محدودية موضوع الحكم من حيث المصداق وحد الشيء نفاده.

كما انه مد ظله يقول تقريبا لعدم اتصاف العام بنقيض الخاصّ ولا أدري كيف تمسك في رد كلام شيخه الأستاذ بكلام الحائري قده وقال بان العرض إذا وجد في الخارج يحتاج إلى الموضوع وقال بان العدم ليس بشيء حتى يحتاج استصحابه إلى الموضوع وهنا انقلب الكلام وصار الربط موجودا فان ربط شيء بشيء يستدعى وجود المربوطين وقد أوردنا عليه هذا بعد الدرس ولم يأتنا بمقنع.

واما قوله وثالثا فهو بهذا التعبير يكون من المشاحة في اللفظ فان معنى عدم القرشية هو عدم الانتساب إلى القريش فان كان التعبير هو ان نقيض القرشية عدمها لا عدم الاتصاف بها حتى يحتاج إلى الموضوع فهذا القائل يكون في صدد نفى الاتصاف والمقارنة فقط ولا وجه لهذا الإشكال عليه.

١٨٥

يحكم عليه بحكم العام وان لم يجز التمسك به بلا كلام.

وحاصل مرامه قده ان العام مثل أكرم العلماء الا الفساق منهم يكون الخارج عنه هو الفاسق وهو يكون له فرد التزامي وهو عدم الانتساب إلى العدالة كما ان العادل يكون له فرد التزامي وهو عدم الانتساب إلى العدالة فغير المنتسب إلى الفسق هو العادل وغير المنتسب إلى العدالة هو الفاسق فإذا أحرز عنوان العام ولم يحرز عنوان الانتساب إلى الفسق يمكن ان يستصحب عدم الانتساب إليه ويترتب عليه الأثر لأن العام غير معنون بعنوان ضد الخاصّ فلا يلزم إثبات الاتصاف بعدم الفسق ليكون مثبتا.

وقد أشكل فيه بان المستصحب يجب ان يكون اما حكما أو موضوعا ذي حكم ففي المقام ان كان الاستصحاب لإدخال هذا الفرد تحت عموم الحكم به فهو بواسطة انطباق عنوان العام عليه يكون داخلا حيث يكون عالما لعدم تعنونه على الفرض بعنوان ضد الخاصّ وان كان لإخراج الفاسق فهو خارج ولا احتياج إلى هذا الأصل ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بان استصحاب العدم يكون لترتيب أثر النقيض فهنا يكون استصحاب عدم الانتساب إلى الفسق لترتيب أثر العدالة ويكون من باب إثبات موضوع لحكم شرعي وهذا شأن كل استصحاب عدمي.

ولكن الجواب الصحيح عنه هو ان عدم الانتساب إلى الفسق لا يكون في موضوع الدليل فان الخطاب بإطلاقه (١) يقتضى ان يكون الصفة حالة في الموصوف فإذا قيل

__________________

(١) أقول لا معنى لإطلاق الخطاب هنا فانه يكون الكلام فيما إذا شك في كونه وصفا أو مقارنا وإلّا فما هو المحرز كونه مقارنا لو كان للخطاب إطلاق كذلك يمكن ان يستصحب بدون إشكال المثبتية وحاصل مراده هو ان الدليل دل على ان الانتساب إلى الفسق كان في لسان الدليل ويكون له الأثر فاللازم إثبات عدم الاتصاف وأصالة عدم الانتساب إلى الفسق لا تكفي في إثبات الاتصاف بعدم الفسق وبعد ففيه التأمل من حيث ان الفاسق ليس إلّا من هو منتسب إلى الفسق فإذا أحرز بالأصل عدم الانتساب إليه يكفى لترتيب أثر النقيض لخفاء الواسطة.

١٨٦

أكرم العالم العادل يكون معناه ان العدالة التي يكون موصوفها زيدا يكون لها الأثر فعدم الانتساب الّذي يكون لازم هذا المعنى يحتاج إلى مئونة زائدة ولا يتعدى عما دل عليه الخطاب فلا وجه لجريان الاستصحاب بهذا البيان.

وقد انتصر شيخنا العراقي للمحقق الخراسانيّ (قدهما) بان تقديم الخاصّ على العام حيث يكون من باب تقديم أقوى الحجتين على الأخرى والحكم يكون فعليا ولا يقبل ما هو مناف له يمكن ان يقال بان الحكم بإكرام العالم مع وصف العدالة حيث ينافيه الانتساب إلى الفسق فلا محالة يجب ان لا يكون هذا الانتساب حتى يمكن ان يكون الحكم فعليا فنفهم ان وجوب الإكرام لا يكون فعليا الا بعد إثبات عدم الانتساب إلى الفسق وهو يثبت بواسطة الأصل وهذا هو الأثر له حيث يوجب رفع ما هو مناف لفعلية حكم العام.

وفيه ان هذا وان كان صحيحا لكن ليس تحت الخطاب بل يكون من الملازمات العقلية ونحن في صدد ان يكون الاستصحاب فيما يترتب عليه الحكم الشرعي وهو الاتصاف بالعدالة في وجوب الإكرام وعدم الاتصاف بالفسق في عدم وجوبه.

طريقنا في جريان أصل العدم في المقام

ثم ان لنا طريقا في إثبات استصحاب العدم الأزلي يجب التوجه إليه وهو يحتاج إلى مقدمات الأولى انه لا شبهة في ان صقع القضية يكون هو الذهن فانها مركبة من أمور ثلاثة الموضوع وهو الوجود الجوهري (١) والمحمول وهو الوجود الرابطي والربط وهو

__________________

(١) أقول لا يخفى عدم لزوم كون الموضوع الوجود الجوهري في جميع القضايا وان كان تعبيره مد ظله في جميع الموارد بهذا النحو وذلك لأن قول القائل العلم نور لا يكون ـ

١٨٧

الوجود الرابط فان الذهن يفرق المحمول عن الموضوع ويحمل عليه ويرى رابطة بينهما سواء كان له ما بإزاء في الخارج كالأمور الوجودية في الخارج مثل قول القائل زيد عالم أو لم يكن موجودا مثل قوله زيد معدوم ولكن ما هو في الخارج لا يكون إلّا وجودا واحدا فان زيدا وعلمه وجود واحد ويكون العرض فيه مرتبة من وجوده وليس الخارج الا الذات والعرض ولا يكون الوجود الرابط فيه فتقييد شيء بشيء يكون صقعه الخارج فان كون العلم في زيد يكون في الخارج وكذلك الفسق والعدالة.

المقدمة الثانية لا يخفى ان استصحاب الأمر الوجوديّ يكون لترتب أثر الوجود مثل استصحاب حياة زيد لترتيب الأثر الّذي هو وجوب النفقة ولكن في الأمور العدمية يكون لطرد أثر النقيض وهو الوجود فان استصحاب عدم العدالة يكون لترتيب أثر النقيض وهو طرد آثار العدالة ولا يخفى ان أثر المركب ينتفي بانتفاء أحد اجزائه فيكون حكم القضية منتفيا بانتفاء أحد اجزائها اما الموضوع أو المحمول فينتفى الحكم بالإكرام بعدم زيد أو بعدم العدم مع وجود زيد الموضوع ولا يخفى أيضا ان وجود الأثر الشرعي للشيء بقاء يكفى للاستصحاب ولو كان حين حدوثه بلا أثر فان زيدا حين لم يكن لم يكن لعدم عدالته الأثر ولكن حين الوجود يترتب الأثر عليها فيكفى في الاستصحاب وصحته هذا الأثر.

المقدمة الثالثة لا شبهة ولا ريب في ان أثر المركب متأخر عنه وجودا وعدما فان زيدا العادل يكون وجوب العدالة متأخرا عنه وهكذا عدم العدالة أو عدم زيد يكون عدم وجوب الإكرام متأخرا عنه.

__________________

ـ موضوعه الجوهر وهكذا قوله البياض لون مفرق للبصر فهذا التعبير تعبير تسامحي محمول على الغالب.

١٨٨

ثم ان ترتيب الأثر تارة يكون في لسان الدليل بين الطبيعتين مثل ان يقال ان الشرط المخالف للكتاب يبطل العقد فان هذه الطبيعة وان كانت مرآتا للخارج ولكن الخارج يكون ظرف وجوده وكذلك النسبة بين القرشية واليأس إلى ستين سنة فان طبيعي اليأس إلى ستين يكون في صورة كون المرأة قرشية.

وتارة يكون الحكم على الوجود الخارجي مثل الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء فانه بعد وجود الماء في الخارج وكونه بقدر الكر يرد عليه الحكم بعدم النجاسة فمن يجري استصحاب العدم الأزلي في مثل الشك في القرشية يكون من باب ان الحكم يكون بين الطبيعتين فيمكن ان يقال المرأة لم تكن قرشية فكذلك يجر عدمها إلى حين الشك في وجودها واما إذا كان الحكم على الخارج فحيث لا يكون الكر في الخارج حتى يكون عليه الحكم فإذا شك في حصول الكرية لا يمكن استصحاب عدمها ليترتب عليه الحكم بالتنجيس فانه لا أزل له حتى يستصحب.

واما جريان استصحاب عدم القرشية فالنعتي منه جار أي المرأة حين لم تكن ، لم تكن قرشية فإذا وجدت وشك فيها نستصحب عدمها النعتيّ.

فإذا عرفت (١) ما ذكرنا من المقدمات فنقول في المقام حين لم يكن هذا الدم الموجود فعلا موجودا لم يكن حيضا فإذا وجد وشك في حيضيته نجري استصحاب عدمها فان مقتضى المقدمة الأولى والثانية هو عدم دخل الوجود في أصل الحكم فكما انه يكون أثر طبيعة الدم المربوط بالحيضية ترتب أحكام الحائض كذلك أثر عدم الطبيعة عدم ترتب أحكامها فانه يكون نقيض وجوده وأثر النقيض مترتب.

__________________

(١) لا يخفى انه مد ظله لم يتعرض في الأصول لنتيجة المقدمات وقد اعترضوا عليه ونحن لتتميم البحث في الطبع قد أخذنا ما رأيت عما كتبنا في الفقه تقريرا لبحثه أيضا في هذه المسألة بعد ترتيب المقدمات هذه ثم ببيان آخر.

١٨٩

وبمقتضى المقدمة الثالثة ان العدم لا ينقلب إلى الوجود بواسطة وجود أحد اجزائه فإذا وجد الدم لم ينقلب عدم الحيضية إلى الوجود فيكون ثابتا في حال عدمه والأثر يكون لنقيض كان الناقصة وهو عدم كون الدم حيضا لا لليس الناقصة حتى يكون معناه اتصاف الدم بعدم الحيضية فلا يقال ليس الدم حيضا بل يقال لم يكن بحيض وبالوجدان ترى ان عدمه مستمر ولشدة الوضوح أشكل فيه فجريان الأصل الأزلي لا إشكال فيه : واما إثبات أثر الاستحاضة فيكون لحكومة هذا الأصل على أصالة عدمها.

ولكن بعد في المقام إشكال وهو ان الأصل لا يجري هنا لأوله إلى الفرد المردد لأن الشك في كون الدم بدون توالي الثلاثة حيضا أم لا فعلى فرض عدم شرطية التوالي يكون حيضا قطعا وعلى فرض شرطيته لا يكون حيضا قطعا ولا يجري الأصل فيه ولعل ما في حواشي بعض نسخ طهارة الشيخ الأعظم الأنصاري قده من الإشكال في الأصل هنا يكون لهذه النكتة لا للإشكال في الأصل الأزلي فتدبر.

فصل في وجوب الفحص عن المخصص

في جواز العمل بالعامّ وعدمه

ثم ان العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصص هل يجوز أم يجب الفحص؟ فيه خلاف : فمن قائل بوجوب الفحص مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين المخصص المتصل وبين المنفصل فعند احتمال الثاني يجب الفحص دون الأول وهذا يفهم من دأب المتكلمين على ذكر لقرائن متصلة أو منفصلة فروايات أئمتنا المعصومين عليهم‌السلام حيث يكون لها مخصص غالبا ولكن من دأبهم عليهم‌السلام ذكره منفصلا فيجب الفحص عنه.

ثم ان الفحص عن المخصص هل يكون من باب الفحص عن الحجة مثل

١٩٠

أصل البراءة العقلية أم لا فان هذا الأصل في صورة كون الدليل قبح العقاب بلا بيان يكون الفحص واجبا لاستقرار الحجة لأن موضوعه عدم البيان فيجب الفحص ليظهر البيان لو كان موجودا.

وربما يفرقون بين الأصل العقلي وهو قبح العقاب بلا بيان والأصل النقليّ وسنده حديث الرفع فقالوا في الثاني بأنه لأي دليل يجب الفحص فان ما لا يعلم مرفوع ولا يكون في هذا الدليل ذكر عن الفحص : وفيه انه لا فرق بين الأصل العقلي واللفظي في ذلك فان في الثاني أيضا قام الإجماع على وجوب الفحص فوجوب الفحص عنه فيه أيضا يكون مثل الفحص عن المخصص ويمكن ان يقال في الدليل النقليّ أيضا يكون العقل مستقلا بوجوب الفحص من باب استقرار الجهل حتى يثبت عدم العلم لأن اللازم من القول بالعمل بالبراءة بدون الفحص هو هدم الدين فان الدليل الدال على كوننا مكلفين وعدم كوننا كالبهائم يحكم أيضا بوجوب الفحص واما الشبهات الموضوعية فعدم وجوب الفحص فيها لا يوجب هدم الدين ضرورة انه لو قلنا بان الماء المشكوك طهارته يكون طاهرا والشيء المشكوك في انه خمر أو ماء يكون حلالا لا يلزم سقوط حكم الاجتناب عن النجس والخمر فجريان الأصول الحكمية بدون الفحص يوجب هدم الدين بخلاف الأصول الموضوعية.

ثم انه هل يكون الفحص عن المخصص مثل الفحص عن المعارض أم لا؟ الحق ان الفحص عن المخصص فيما أحرز ان دأب المتكلم على إتيان القرينة منفصلة يكون لاستقرار الظهور فان بناء العقلاء لا يكون على الاتباع الا بعد الفحص بخلاف الفحص عن المعارض فانه يكون بعد استقرار الظهور فلا يقاس المقام به.

ثم الدليل على وجوب الفحص عن المخصص أولا يكون هو العلم الإجمالي

١٩١

بوجود واجبات ومحرمات في الشرع الأنور ففي كل مورد يجب الفحص حتى ينحل العلم الإجمالي سواء كان من موارد الأصول أو يكون مثل المقام فان العلم الإجمالي بوجود مخصصات للعمومات الواردة في الكتاب يمنع عن العمل بالعامّ قبل الفحص عنه وهي في الكتب المعتبرة موجودة فلا بد من الفحص فيها حتى يحصل العلم بالعدم.

فان قلت العام والخاصّ يكونان في الكتب المعتبرة واما موارد الأصول فلا يكون في الكتب المذكورة فان لنا كثيرا من الأحكام الواقعية من الواجب والحرام ولا يكون في الكتاب فمن أين يطلب ما يكون بيانا بالنسبة إلى أصل البراءة قلت ان هنا علما إجماليا كبيرا وهو العلم بوجود واجبات ومحرمات وعدم كوننا كالبهائم وهذا قد انحل بالعلم الإجمالي الصغير وهو العلم بوجود عدة من الأحكام في الكتب التي بأيدينا فانا لا نعلم ان العلم الإجمالي الكبير هل بقي مع وجدان ما في الكتب شيء لا نعلمه منه أم لا فحيث يحتمل التطبيق نأخذ بما في الكتب.

واما احتمال الواجبات والمحرمات في اللوح المحفوظ فهو خارج عن محل الكلام لأنا نكون في صدد وجدان ما وصل بواسطة الطرق المعمولة إلينا وليس لنا إلّا الكتب المعتبرة.

وقد أشكل في المقام بأنه إذا فرضنا ان المخصصات التي تكون في الشرع تبلغ إلى أربعة آلاف فوجدناها جميعا في كتاب الصلاة مثلا فينحل العلم ولا يجب الفحص عن مخصص العام الوارد في كتاب الحج والدّيات مثلا مع ان الإجماع قائم على وجوب الفحص فلو كان السند هو العلم الإجمالي ففي هذه الصورة كيف يجب الفحص مع انحلاله.

فأجاب عنه شيخنا النائيني قده بما حاصله ان هنا علما إجماليا دائرا بين

١٩٢

الأقل والأكثر فان العلم الإجمالي بوجود مخصصات لعمومات الصلاة وهي أربعة آلاف بعد وجدانها ينحل بواسطة وجدان هذا المقدار واما العلم الإجمالي الّذي يكون دائرته أوسع وهو العلم بوجود مخصصات في ساير الأبواب أيضا يمنع عن العمل بعموماته بدون الفحص فلنا بعد انحلال الأول علم إجمالي غيره بوجود مخصصات في ساير الأبواب فيجب الفحص كما ان الخلوة مع الأجنبية روايات تحريمها بعضها في باب الطلاق وبعضها في باب الإجارة فلا يكتفى بالفحص في باب واحد.

والحاصل إذا كان عنوان العلم الإجمالي دائرا بين الأقل والأكثر يجب الفحص لينحل العلم فيها مثل من يعلم ان دينه يكون حتما مائتين ويحتمل ان يكون أكثر وله دفتر فانه لا يكون له جريان البراءة بعد فحصه في الدفتر ووجدان هذا القدر فانه يجب الفحص من أول الدفتر إلى آخره حتى يعلم بعدم شيء آخر عليه.

وفيه ان هذا الكلام لا يتم فان الغنم الموطوء إذا كان في أغنام ثم علمنا انه يكون في السود منهم لا يجب الاجتناب عن غير السود فان البراءة تجري بالنسبة إلى الأكثر ولو كان احتمال الوجود في الأكثر أيضا.

والذي يصح في الجواب هو ان المخصص لا يكون من الأول مختصا بباب بل يعلم انه يكون في جميع الأبواب لا باب واحد بالخصوص حتى يكون وجدان البعض كافيا وقال شيخنا العراقي الأقل هنا مردد بين المتباينين لأنا نعلم اما ان يكون مخصص باب الصلاة في بابها أو في غيرها فيجب الفحص في البابين.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال بان العام قبل الفحص عن مخصصه لا ينعقد له ظهور ومقدمات الحكمة غير جارية مع احتمال المخصص وفيه انه قده ممن قال بان باب الفحص عن المخصص يكون مثل باب الفحص عن المعارض فكيف يقول بهذا الكلام هنا نعم هذا مقبول على ما مر منا من عدم قياس الباب بباب المعارض وانه لا ينعقد الظهور قبل الفحص عن المخصص بعد علمنا بان دأب المتكلم إتيان

١٩٣

القرائن منفصلة مثل دأب أئمتنا عليهم‌السلام هذا هو الإشكال الأول في العلم الإجمالي مع جوابه.

الإشكال الثاني هو انه لو كان المدار على العلم الإجمالي فإذا تفحصنا ولم نجد شيئا يكون مخصصا فيلزم ان لا نعمل على طبق العموم ولو لم نجد المخصص لأن العلم الإجمالي حيث لم ينحل لا يكون لنا العمل بالعموم مع ان الإجماع على خلافه وفيه ان العلم الإجمالي يكون بوجود مخصصات بحيث لو تفحصنا عادة لوجدناها في الكتب لا انه يكون مطلقا فإذا تفحصنا ولم نجد يجب العمل على طبق العموم أو الأصل العملي.

الدليل الثاني لوجوب الفحص هو عدم الظهور للكلام قبل الفحص إذا كان المتكلم ممن دأبه إتيان القرائن المنفصلة لكلامه فانه لا يتبع العقلاء من كان دأبه كذلك في الأخذ بظهور كلامه الا بعد الفحص عن مخصصه فلا ينعقد الظهور للكلام أصلا وما هو المتبع هو الظهورات.

فان قلت احتمال التخصيص هنا ليس أزيد من العلم بالمخصص فان القرائن المنفصلة تكون هادمة للحجية لا الظهور فكيف في صورة احتماله يقال بأنه لا ينعقد الظهور قلت(١) حيث ان دأب المتكلم على إتيان القرينة منفصلة يكون الكلام مما

__________________

(١) أقول جوابه هذا مختصر لا يشبع الجواب بل يمكن ان يقال في الجواب أولا انا لا نسلم المبنى بان العام بعد التخصيص بالمنفصل يسقط حجيته فقط بل نقول بعد وجدان المخصص انه هادم للطهور أيضا وعلى فرض التسليم يكون فيما لا علم بوجود مخصصه فعلا ثم نجده بعده.

واما ما يكون مخصصه المنفصل موجودا في ذيله كما هو الموجود في الكتب بأيدينا ولو كان عند الصدور منفصلا فلا نقول بانعقاد الظهور بل يكون ـ

١٩٤

يحتف بما يحتمل قرينيته للتوقف في ظهوره.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال بان الدليل تام لكن على حسب ما زعم من مبناه الفاسد عندنا وهو ان للعام دلالة على العموم الأفرادي بالوضع ودلالة على العموم بمقدمات الحكمة وبعبارة أخرى ألفاظ العموم موضوعة لسعة ما يراد من المدخول كما عليه الآخوند قده لا لسعة ما ينطبق عليه المدخول فيجب إحراز ما يراد بواسطة مقدمات الحكمة وحيث ان المقدمات في ما كان دأب المتكلم إتيان المخصص منفصلا لا يمكن جريانها في هذه الصورة فلا يمكن العمل على العام بعمومه قبل الفحص عن المخصص فزعم انه لو لم يكن الاحتياج إلى المقدمات لم يكن وجوب الفحص.

وفيه ان المبنى فاسد فان أدوات العموم موضوعة لسعة ما ينطبق عليه المدخول لا لسعة ما يراد منه ولكن نقول بان الظهور لا ينعقد من الأول ولو كان الأداة لسعة ما ينطبق عليه ولا فرق في عدم انعقاد الظهور بين الأصول والأمارات فان دليل الأصل

__________________

ـ عندنا كالقرائن المتصلة والمناط على الظهور عندنا لا الظهور عند الراوي عند أول آن إلقاء الكلام إليه.

وفيما لا يكون المخصص موجودا بالفعل كما هو محل الكلام يكون وجوده محتملا فعلى مبنى القائل بانعقاد الظهور يجب ان يقال ان الظهور ينعقد ولكن ليس بحجة كما هو مبنى الأستاذ مد ظله.

لا ان يقال ان الظهور غير منعقد من الأول ودأب المتكلم على إتيان القرائن منفصلة يوجب احتمال وجود القرينة وعدم العمل على طبق الظهور كما انه يمكننا ان نقول بانعقاد الظهور ولكن بعد وجدان القرينة يسقط الظهور والحجية كلاهما وكان هذا توهم الظهور إلى الآن لا الظهور الواقعي.

١٩٥

أيضا أمارة فيتوقف في دلالة رفع ما لا يعلمون قبل الفحص عن دليل مثل الأمارة والعلم غاية الأمر وجدان الأمارة والعلم يكون موجبا لرفع موضوع الأصل وهو الشك فيكون واردا بخلاف وجدان المخصص فانه يكون حاكما على العام لأن موضوعه ليس الشك بل هو يكون في مورد الشك.

نعم في الدليل العقلي مثل قبح العقاب بلا بيان لا يجيء هذا الدليل فعدم انعقاد الظهور مشترك بين الأصل والأمارة (١).

الدليل الثالث لوجوب الفحص هو ان للمولى بعد إحراز مولويته وظيفة وهي انه يجب عليه ان يبلغ ما عنده من التكاليف بعبيده بالطرق المعمولة وهو إنزال الكتب وإرسال الرسل وقد بلغ كذلك وللعبد أيضا وظيفة وهي انه يجب ان يتفحص عما يعلم انه يكون مراد مولاه فيجب عليه الفحص في الكتب والسؤال عمن هو أهل له ليتضح عليه ما يكون عن المولى من التكاليف ولا عذر له بدونه فان تفحص عادة ولم يجد ولو كان في الواقع موجودا فيكون معذورا.

وزعم شيخنا النائيني قده انه مختص بالأصول لقبح العقاب بلا بيان فإذا كان البيان بالطرق المعمولة يكون العقاب معه ولكنه أعم فان كل تكليف حيث حصل العلم الإجمالي بوجوده يجب الفحص عنه بهذا الدليل وهو (٢) امتن الوجوه المذكورة في المقام.

__________________

(١) أقول عدم انعقاد الظهور خلاف مبناه في الأصول بان وجدان المخصص المنفصل يكون هادم الحجية لا الظهور عنده فيتم على مبنى غيره مد ظله.

(٢) أقول وهذا أيضا يكون متوقفا على العلم الإجمالي بالتكليف فانه حيث علمنا انا لسنا كالبهائم فيقتضى وظيفة العبودية ما ذكره فيكون هذا والدليل السابق من العلم الإجمالي متوافقين من حيث طريق الاستدلال ومختلفين من حيث التعبير.

١٩٦

وكيف كان فلا شبهة في وجوب الفحص عن المخصص والمقيد بجميع الأدلة المذكورة في المقام ولا عذر بدونه للعبد مع وجود ما يرجع إليه.

ثم بقي شيء في المقام وهو انه قد يقال بأنه فرق بين ان يكون تأخير بيان المخصص عن وقت الحاجة في العام بواسطة التقية مثلا وكون المولى في ضيق الخناق وبين ان يكون لمصلحة ثانوية مثل ان يكون إكرام جميع القوم مدة له مصلحة واقعا ثم حصلت مصلحة أخرى للتخصيص فعلى الأول يكون الفحص عن المخصص موجبا لتزلزل العام فانه بعده يعلم عدم عموميته وكان إلى حين وجدانه عمومه خياليا بخلاف ما إذا كان للخاص مصلحة ثانوية وللعام مصلحة أولية فانه لا وجه للفحص عن المخصص ولا داعي لنا فيه بل نعمل على طبق العام ونحرز مصلحته.

ولكن فيه ان الفحص واجب في كلا المقامين لأن أمد العمل بالعامّ ينتهى عند وجدان الخاصّ وحيث انا نحتمل وجوده يجب علينا الفحص بمقتضى ما ذكرنا من أدلة وجوب الفحص ولا فرق بين العامين في ذلك فانتهاء المصلحة في نفس العمل أو في شيء آخر يكون سبب قطع العام عن الحجية.

ثم ان مقدار الفحص هو الخروج عن معرضية العام للتخصيص وانحلال العلم الإجمالي فان الفحص بمقدار تقتضي العادة يوجب العلم بعدم المخصص أو الاطمئنان بعدمه وهو يكفي.

__________________

واما الدليل الثاني وهو عدم انعقاد الظهور فيكون بالنسبة إلى العمومات والمطلقات التي وصلت ولم نتفحص عن مخصصها والمقام يكون بالنسبة إلى أصل وجوب الفحص والتعلم وهو دليل عام يشمل الأصول والأمارات.

١٩٧

فصل في خطابات المشافهة (١)

هل الخطاب في القرآن وغيره يختص بالموجودين في مجلس الخطاب أو الأعم منهم ومن الغائبين والمعدومين وهنا مقدمتان لا بد من التوجه إليهما قبل الورود في الاستدلال.

__________________

(١) أقول ان هذا البحث قليل الفائدة أو لا فائدة له أصلا لأنه بعد ما كان من ضروريات الدين ان الكتاب والسنة لا يختص بمن كان حاضرا في مجلس التخاطب ويشمل الغائبين والحاضرين والمعدومين وان شرع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مستمر إلى يوم القيامة وان القرآن معجزة باقية في كل زمان ومعنى كونه معجزة في كل زمان هو ان ظهوراته لا تختص بالمشافهين.

فلا يبقى مجال للبحث عن الاختصاص وللقول بان الثمرة هي التمسك بالإطلاق والظهور على فرض عدم الاختصاص وعدم التمسك على فرضه فانه لا ثمرة له أصلا.

والشاهد على ذلك هو ان الموافق والمخالف لا نرى في مورد من الفقه لا في رواية ولا آية ان لا يتمسك بالإطلاق مبنيا على هذا الا من شذ في موارد شاذة على نحو الاحتمال لا الجزم واليقين حتى يكون استناده إلى المبنى في هذا الفصل والفتوى عليه.

فان الأئمة عليهم‌السلام في موارد الأخذ بالآيات يستدلون بالآية مثلا ويذرون فهم الظهور بعهدة السامع في كلماتهم ولا يكون في مورد من الموارد كلام من الاختصاص بل يمكن وجدان روايات على عمومية الخطاب مثل ما نقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحاصل معناه انه قال اللهم ارحم إخواني فقيل له صلى‌الله‌عليه‌وآله ألسنا إخوانك قال إخواني الذين يأتون في آخر الزمان ولا يرونني ويؤمنون بي بواسطة مكتوب في الصفحات فانه يكون معناه حجية الظهور والإطلاق لكل من أخذ القرآن.

على ان الخطاب يكون على عنوان المؤمنين فكل من صار مؤمنا يشمله وكيف كان فمن الضروريات ان المشرعين والمحدثين والفقهاء وكل من استدل بآية أو رواية لم يكن في صدد ـ

١٩٨

المقدمة الأولى وهي ان الإشكال في المقام يكون من ثلاثة إنظار اثنان منها عقلي والآخر وضعي اما الإشكال العقلي الأول فهو ان جعل التكليف حقيقة هل يمكن للمعدومين ولو بنحو غير الخطاب أم لا قال الخراسانيّ قده تبعا لجماعة ان التكليف الجدي الحقيقي لا يمكن بالنسبة إلى المعدومين ضرورة إلّا ان إنشاء التكليف بنحو القانون والقضية الحقيقية لا بأس به فبالنسبة إلى الموجودين يكون الخطاب حقيقيا وبالنسبة إلى المعدومين إنشائيا وفائدته عدم لزوم الإنشاء إذا وجدوا كما إذا قيل لله على الناس حج البيت (١).

أقول ان المحقق الخراسانيّ والأستاذ العراقي ذهبا إلى وجود الواجب المعلق مثل إرادة الحج فعلا في الموسم وشرطه لا يكون باختيار المكلف فالوجوب فعلى والواجب استقبالي وعلى فرض قبوله فكيف لا يعقل تكليف المعدوم

__________________

ـ الفحص عن فهم الحاضرين وإلا لزم ان يكون لنا كتب مخصوصة بان الحاضرين في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف فهموا الكلام وظهورات الروايات والآيات تسقط عن الحجية ويلزم الهرج والمرج في الدين هذا بالنسبة إلى أصل الثمرة اما إنكار مثل الخراسانيّ قده لفعلية الخطاب فهو الحق ويكفي إنشائه أيضا ليستدل به والأخذ بظهوره وإطلاقه.

نعم مبناه في الواجب المعلق وكذا مبنى النائيني قده فيه نظر فان لنا إرجاع الواجب المعلق إلى المشروط ونقول بان التكليف إنشائي والبحث عن ذلك مر منا في أقسام الواجب.

(١) أقول والّذي يخطر ببالي ان النزاع في هذا من جهة كونه بنحو القانون وبنحو التكليف لا ثمرة تحته إلّا انه يصير التكليف على قول الخراسانيّ قده بالنسبة إلى المعدومين إنشائيا وبالنسبة إلى الموجودين فعليا بخلافه على قول الأستاذ فانه في كلا الحالين يكون فعليا والفعلية في زمان العدم لا أظن ان يكون تحتها ثمرة حتى بالنسبة إلى المقدمات كما في الواجب المشروط على مسلك الأستاذ وما يدعى ثمرة له فيه بحث فالنزاع يكون لفظيا.

١٩٩

بان يكون الوجوب والفعلية في الحال والفاعلية في زمان وجود المكلف في ظرفه ولا فرق بين معدومية المراد كما في المعلق والمراد منه كما في ما نحن فيه.

ولا يتوهم ان التكليف في المعلق يكون بالنسبة إلى المخاطب الموجود بخلاف ما نحن فيه لأنا نقول لا يكون موضوع التكاليف الافراد والوجود في الخارج لا دخالة له بخصوصه بل هو يكون على فرض الوجود وهذا لا يستلزم الوجود في الخارج بل يعمه والمعدوم ولكن النقص يكون بما مر من انه لا فرق بين معدومية المراد والمراد منه واما الحل فهو ان التكليف إرادة أو بعثا ان كان لازمه وجود الموضوع فلا فرق فيهما وان كان حقيقته هو القابل لأن يحرك نحو العمل والفعلية في الحال والفاعلية في ما بعده فلا فرق بينهما على انه يمكن التعدي من الواجب المعلق إلى غيره مثل أقم الصلاة في الوقت فان التكليف لا يكون معلقا ولكن الصلاة أيضا تحتاج إلى المقدمات فلا بد ان ينفصل التحريك عن التحرك زمان إتيان المقدمات.

والحاصل ان هذا يكون بابه باب من يريد ختان ولده إذا تزوج وصار ذا ولد والتكاليف منه تعالى يكون أيضا كذلك وبعشق وإرادة أزلية فالتكليف بالمعدوم ممكن كما في المعلق وغيره بالنظر الدّقيق.

واما الإشكال الثاني فهو على فرض تسليم معقولية تكليف المعدوم هل الخطاب الحقيقي بالنسبة إليه جائز عقلا أم لا قال المحقق الخراسانيّ ومن تبعه وشيخنا النائيني انه محال ضرورة لأن حقيقة الخطاب تحتاج إلى المخاطب بالفتح ولا مواجهة بالنسبة إلى المعدوم والغائب فهو مخصوص بالحاضرين.

أقول التحقيق ان هذا لا وجه له أيضا فان الخطاب جائز بالنسبة إلى المعدومين فضلا عن الغائبين لأنه لا يحتاج في صحة الخطاب إلى الحضور في المجلس لأن الخطاب مع التلفون وبالكتابة يكون خطابا عرفيا فنحن إذا فرضنا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان كان له صوت حتى يسمع من في آخر بقاع الأرض يصدق انه خاطبهم مع عدم حضورهم

٢٠٠