مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

واما الجواب عن القاعدة المنطقية فهو ان يقال وان كان هذا الارتكاز صحيحا ولكن في مقابله ارتكاز آخر وهو ان العام الذي يرد عن المتكلم لا يكون بصدد بيان مصداقه فان الحكم يتبع وجود موضوعه فان كان محرز الموضوعية فهو وإلّا فلا يكون في وسع الحكم ان يحكم بان الشيء الفلاني يكون هو موضوعه فإذا قلنا أكرم العلماء يكون حكم الإكرام ثابتا لوجود العالم المحرز العالمية فإذا شك في شخص انه عالم أم لا نتمسك بالعامّ فنقول انه أيضا من افراده فما هو في وسعه عند الشك هو انه بعد إحراز العنوان أي عنوان الموضوع مثل العالم إذا شككنا في ان بعض الطواري مثل الفسق يخرجه عن الحكم أم لا نتمسك بالعموم.

واما إذا خصص عن الحكم فرد ولا نعلم انه ليس بموضوع له أو كان موضوعه ولكن خصص الحكم لا يكون في وسعه إثبات انه ليس بموضوع أيضا ولا فرق في ما نقول من عدم تكفل العام لإثبات مصداقه أو طرد مصداقية شيء بين ان يكون الأثر لهذا العام أو غيره ففي المثال المذكور لا حاجة إلى التمسك بالعامّ لأن زيدا مثلا معلوم انه خارج عن الحكم قطعا ولكن ان ثبت انه ليس بعالم فربما يترتب عليه آثار أخر فانه مخصص من حكم الإكرام قطعا ولكن ربما يكون حكم على العلماء من غير سنخ هذا الحكم فعلى فرض كونه عالما يشمله وعلى فرض كونه جاهلا أعني الحكم بان خروجه يكون من باب التخصص لا يشمله فتحصل ان العام بمدلوله الالتزامي لا يمكنه ان يطرد الخارج عن حكمه عن عنوان موضوعه.

__________________

والعلامة النائيني قده مصرح في أوائل الخيار بان قول القائل ولا تكرم زيدا يكون معناه ان زيدا ليس من العلماء على ما مر فنسبة الكلام بإطلاقه إليه قده له وجه ونسبته إلى الخراسانيّ قده غير تام بل هو في خصوص المعاملات يقول بذلك واشكاله عليه غير وارد على مبناه مد ظله.

١٦١

الأمر الثاني

في انه هل يمكن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية له أو لمخصصه أم لا المشهور هو ان العام لا يمكن التمسك به في صورة كون الشبهة في مصداقه مثل قولنا أكرم العلماء ولا يعلم المأمور أن زيدا من العلماء أم لا فانه لا يكون في وسع العام إثبات كون هذا موضوعه وهذا عليه اتفاق الكل واما الشبهة المصداقية في المخصص مثل ان يخصص العام المذكور بالفساق فنشك في فرد انه من الفساق حتى يشمله حكم الخاصّ أو من العدول حتى يشمله حكم العام ففيه خلاف :

ويختلف المراد حسب اختلاف المسالك فانه على فرض تعنون العام بضد عنوان الخاصّ المنفصل فيقول القائل بعدم إمكان التمسك به لأن الموضوع مركب ولم يحرز بعض اجزائه فانه إذا ثبت ان قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الفساق يرجع إلى قولنا أكرم العدول وما أحرزنا قيد العدالة ما أحرزنا الموضوع فلا يشمله حكم العام ولا يمكن الخاصّ ان يحكم بان هذا موضوعه فان الحكم كما مر لا يثبت موضوعه ولكن بعضهم في باب الضمانات وفي باب الكر يتمسكون بعموم العام في شبهة مصداقية المخصص ويستدلون بان العام هو المقتضى والخاصّ ليس بمانع اما اقتضاء العام فلان عنوان العام مثلا صادق على هذا الفرد والخاصّ اخرج الفساق وهو لا يكون في وسعه الا إخراج من علم فسقه واما من شك فيه فلا يمكنه طرد الشك عنه والحكم بخروجه فلا مانعية له فموضوع العام محرز والتخصيص غير ثابت فيشمل الحكم.

وفيه ان هذا على مسلك القائل بان العام يعنون بضد الخاصّ قابل للجواب بان يقال لم يحرز جزء موضوع العام اما على مسلكنا من عدم التعنون فيشكل دفعه ولكن لنا ان نقول ان العام قد خصص بواقع الفسق لا بالفسق المعلوم وهو مردد بين الفاسق

١٦٢

وغيره فلا ندري ان العام هل يكون شاملا له أم لا فلا يمكن التمسك به.

لا يقال ان العام من الأمارات ومثبتها حجة فانه يثبت ان هذا الفرد غير خارج عنه فان المدلول الالتزامي للعموم هو عدم تخصيص هذا الفرد منه كما ان شمول الحكم لجميع الافراد الذي يكون تحته يقينا يكون بالمطابقة فلازم قول القائل أكرم العلماء هو ان زيدا العالم الّذي لا ندري انه فاسق أم لا يكون تحت العموم لئلا يلزم تخصيصه.

لأنا نقول مر منا ان الذي يكون في وسع العام هو شمول الحكم لجميع افراد المصداق له وطرد الشك عنه واما ما لا يكون فردا له فلا يمكن إثبات فرديته أو قابليته لشمول الحكم له بواسطة نفس العام.

ثم ان هنا كلاما عن المحقق الخراسانيّ قده في مقام الاستدلال لعدم التمسك بالعامّ في شبهة مصداقية المخصص في الكفاية وكلام نقل شيخنا العراقي قده عنه في الدرس وهو يخالف مع ما في الكفاية ولكن ما فيها حيث يكون خلاف مرامه قده من عدم تعنون العام بضد الخاصّ فما نقل عنه في الدرس أولى بشأنه اما ما في الكفاية (ص ٣٤٢) فهو انه قال لا كلام في عدم جواز التمسك بالعامّ لو كان المخصص متصلا به ضرورة عدم انعقاد الظهور للكلام الا في الخصوص واما إذا كان منفصلا عنه كما هو مفروض البحث فعلا ففي جواز التمسك به خلاف.

والتحقيق عدم جوازه إذ غاية ما يمكن ان يقال في وجه جوازه ان الخاصّ انما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة ولا يكون فعلا حجة فيما اشتبه انه من افراده أي من افراد الخاصّ فخطاب لا تكرم فساق العلماء لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه فلا يزاحم خطاب أكرم العلماء ولا يعارضه فانه يكون من قبيل مزاحمة الحجة لغير الحجة.

فأجاب بان هذا في غاية الفساد فان الخاصّ وان لم يكن دليلا في الفرد المشتبه

١٦٣

فعلا إلّا انه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد فيكون قول القائل أكرم العلماء دليلا وحجة في العالم الغير الفاسق فالمصداق المشتبه وان كان مصداقا للعام بلا كلام إلّا انه لم يعلم انه من مصاديقه بما هو حجة لاختصاص حجيته بغير الفاسق وبالجملة العام المخصص بالمنفصل وان كان عمومه في الظهور كما إذا لم يخصص بخلاف المخصص بالمتصل إلّا انه في عدم الحجية الا في غير عنوان الخاصّ مثله فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين فلا بد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين.

وفيه ان هذا الكلام لا يناسب قوله بعدم تعنون العام لأنه فرض ان موضوع الإكرام هو العالم الغير الفاسق وهذا هو معنى التعنون.

واما ما نقل عنه في الدرس فهو ان الخاصّ حيث لا يوجب التعنون ويكون مثل صورة موت الفساق فيكون ظهور العام منعقدا في ما هو المضيق من الأول لكن الظهور الذي يكون للعام مثل أكرم العلماء يكون قابلا للتخصيص فان ظهوره في ما هو المتيقن من افراده حجة وفيما لا يكون كذلك أي يكون مشتبها ليس بحجة فانه لا شبهة في ان العام حجة في البقية فقطعة من الظهور سقطت عن الحجية بواسطة التخصيص وبالنسبة إلى هذا الفرد لا نعلم انه يكون حجة أم لا وهذا الكلام يكون له وجه حيث لا يرجع إلى التعنون بل حجية الظهور بالنسبة إلى الفرد صار محل الإشكال.

والحاصل ان التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصص يرجع إلى إحراز قابلية الفرد للحكم وهو ليس في وسع العام لأن الحكم لا يحقق موضوعه.

ومن التقاريب في المقام تقريب شيخنا الأستاذ النائيني قده فانه على حسب مبناه من ان العام يصير معنونا بعنوان ضد الخاصّ ويقيد به يقول بان المخصص المنفصل وان لم يكن موجبا لتعنون العام في ظهوره بعنوان ضد الخاصّ ولكن في حجيته يصير معنونا فانه إذا قيل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من العلماء يكون معناه ان ظهور العام

١٦٤

في العالم الغير الفاسق حجة وفي غيره ليس بحجة فالموضوع مركب عن العالم الغير الفاسق وحيث لم يحرز عدم الفسق فلا يصير مصداقا للعام فكما انه لا يمكن التمسك بالعامّ عند الشبهة في مصداقه كذلك لا يتمسك به في المقام.

وفيه أولا ان المبنى فاسد كما مر ولا يلزم تكراره فان العام لا يصير معنونا بالتخصيص فانه غير التقييد وثانيا على فرض تسليم المبنى حيث انه قده يقول بان الفرق بين الأصل والأمارة هو ان الأول مثبته ليس بحجة بخلاف الثاني فله ان يقول بان المدلول الالتزامي في العام هو ان الفرد لا يكون خارجا عن تحته ومدلوله المطابقي حجيته بالنسبة إلى مطابقه من الافراد المعلومة.

وثالثا انه قال في التقريب لا فرق بين القضايا الخارجية والحقيقية في ما ذكر فانه ان قال أكرم من في الصحن وخصصه ثم شك في مصداق المخصص فلا يمكن التمسك بالعامّ وهذا لا يناسب مرامه فانه قال فيما مر في الفرق بين الخارجية والحقيقية ان الآمر يجب ان يلاحظ جميع الشرائط موجودا في المأمور ثم يأمره في الأولى دون الثانية فنفس القضية تكون طاردة للشك حيث لا يكون في عهدة المكلف شيء حتى يرى انه هل يمكن التمسك بالعامّ أم لا نعم مع ما قلنا بأنه لا يمكن إثبات قابلية الفرد للعام بنفسه يصح ما يقول من عدم التمسك به في المقام مع فرض غمض العين عن الإشكال الأخير في القضية الخارجية والحقيقية.

ومن التقاريب ما عن بعض الأعاظم وأظن انه السيد محمد الفشاركي وهو ان ما يكون في عهدة الشارع والمقنن هو جعل الحكم كليا فان شأنه ان يقول ان الخمر حرام لا ان يقول هذا خمر في مقام تعيين المصداق فانه يكون وظيفة المأمور فان كان خمرا يجتنبه وإلّا فلا والمقام أيضا كذلك فان تعيين كون زيد مثلا من الفساق أو العدول ليس من شأن الشارع والمقنن حتى نقول يثبت بواسطة إلقاء العموم.

والجواب عنه هو ان الموضوعات الشخصية وان لم يكن وظيفة الشارع بيانها

١٦٥

وتعيينها ولكن الموضوعات الكلية بنحو جعل القاعدة والضابطة فعليه ان يبينه كما انه جعل اليد أمارة الملكية فأي إشكال في المقام في ان يجعل لنا ضابطة حتى نرجع إليها عند الشك كما في المقام فلا يكون كلامه تاما من هذه الجهة وان كان أصل المطلب صحيحا بتقريب ما مر.

ومن التقاريب لعدم جواز التمسك بالعامّ في شبهة مصداقية المخصص تقريب شيخنا الأستاذ العراقي قده فانه يقول بان المقتضى لشمول العام لهذا الفرد من الأول لا يكون موجودا حتى يبحث عن المانع لأن المتكلم يجب ان يكون ملتفتا إلى ما يتكلم به والفرد المشكوك كونه من المخصص لا يكون معلوما عند الموالي العرفية غالبا فانهم في صدد بيان أصل الحكم واما ان زيدا يكون مشمولا له أم لا فيكون خارجا عن تحت كلامهم فإذا قيل لا تكرم الفاسق من العلماء ثم شك في ان زيدا يكون من الفساق أم لا فلا يكون عام أكرم العلماء شاملا له لعدم العلم بحاله حتى يكون المصلحة في الأمر بإكرامه مثلا بل العام متكفل لبيان حكم العلماء فقط اللذين هم غير الفساق وكلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام أيضا منزل على فهم العرف وان كانوا عالمين بحال الافراد أيضا ولكن لا يكون العام عندهم أيضا لطرد الشك عن الافراد.

فان قلت ان الشارع جعل أحكاما للموضوعات المجهولة مثل اليد التي تكون أمارة الملكية عند الشك فيها وكذلك السوق دليلا على طهارة اللحم والشحم والجلد وحليته إذا كان سوق المسلمين فكيف يقال لا يكون العام في صدد رفع الشك عن الافراد المشكوكة للجهل بحالها.

قلت (١) ان الإشكال لا يكون واردا على شيخنا الأستاذ قده لأن الكبرى

__________________

(١) أقول عمدة سند الأستاذ مد ظله نقلا عن أستاذه قده هو ان الجهل مانع عن اقتضاء التام ـ

١٦٦

في ذلك مجعولة لبيان حكم الشك بخلاف ما نحن بصدده فان الكبرى وضعت لبيان حكم الافراد الواقعية وهذا الكلام وان كان لطيفا ولكن يمكن ان يقال ان العام بالنسبة إلى اللوازم حتى هذا اللازم حجة لأن مثبت الأمارات حجة.

والجواب عن هذا التقريب هو انه ليس في وسع العام إثبات هذا اللازم ولو كان إثباته للوازم ما هو فرده يقينيا بلا إشكال كما مر هذا كله سند القائلين بأنه لا يمكن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصص وأما سند القائلين بأنه يمكن التمسك به فوجوه : الوجه الأول ان العام كما انه يكون له إطلاق وشمول للافراد فكذلك يكون له شمول بالنسبة إلى الأحوال ومنها حال الشك اما الأول فواضح لأنه إذا قيل أكرم العلماء يشمل كل فرد من العالم في كل حال من حالاته قائما أو قاعدا في مكان كذا وكذا فلا إشكال في ان يكون بعض حالاته وهو حال كون هذا العالم مشكوك العدالة أيضا داخلا تحت عموم العالم.

وفيه أولا ان الخطاب يكون على الواقع لا المشكوك ولا يستحيل ما ذكر إذا كان الإنشاء متعددا بان يكون كبرى مجعولة لحكم الواقع وكبرى أخرى للمشكوك ولكن مر انه لا يكون دأب العقلاء بيان الكبريين بإنشاء واحد. وثانيا لا تكرم الفساق أيضا على هذا الفرض يكون له إطلاق أحوالي ففي حال الشك في الفسق أيضا يتمسك به ويقال لا يجب الإكرام بل منهي عنه والخاصّ حيث يكون حاكما على العام يقدم ولا يتوقف في حكم هذا الفرد بل يحكم بأنه ليس من افراد العام

__________________

ـ والإيراد عليه بان الجهل غير مانع فيمكن ان يجعل كبرى لحكم موارد الاشتباه كما في السوق واليد فيكون الإشكال من هذه الجهة واردا واما من جهة انه كما وقع ذلك في السوق واليد ففي المقام أيضا يقع فلا يكون واردا بما ذكره الأستاذ مد ظله من الفرق.

١٦٧

الوجه الثاني للقائلين بإمكان التمسك بالعامّ في شبهة مصداقية المخصص هو قاعدة المقتضى والمانع بان يقال ان العام يكون مقتضيا والخاصّ مانعا فان قول القائل أكرم العلماء يكون معناه ان كل فرد من افراد العالم يكون له اقتضاء للإكرام والخاصّ بقوله لا تكرم الفساق من العلماء يكون معناه ان الفسق مانع عن تأثير المقتضى فكلما ثبتت المانعية بواسطة إحراز الفسق فيمنع عن التأثير واما في صورة الشك في المانع فالأصل يقتضى العمل على طبق العام الذي هو مقتض.

والجواب عنه على التحقيق هو إنكار الصغرى لا الكبرى أي انا نسلم تمامية قاعدة المقتضى والمانع ولكن نقول بان المقام لا يكون من ذاك الباب خلافا لشيخنا النائيني حيث منع الكبرى وتصور ان يكون العام مقتضيا والخاصّ مانعا وما نقول من عدم الاقتضاء على مسلك التحقيق من ان العام ليس في وسعه إثبات المصداق لنفسه وغاية ما يكون في وسعه هو بيان حال ان الافراد التي تكون تحته يقينا يكون الحكم عليها في كل حال فعلى هذا لا يشمل من الأول الفرد المشكوك حتى نقول العام مقتض والخاصّ مانع.

وهكذا على مسلك بعض الأعاظم الذي مر وهو السيد محمد الأصفهاني قده فانه قال ان العام يكون متكفلا لبيان الحكم فان الموالي يكون بنائهم في مقام جعل القانون بيان الحكم لا بيان ان هذا مصداق وذاك ليس بمصداق فان هذا يكون شأن العرف فانه يكون له بيان الموضوع فعليه نقول لا يكون للعام بيان ان هذا فرد له حتى نقول ان هذا عالم مثلا وله اقتضاء وجوب الإكرام فان الوجوب لا يكون وجوده مسلما لهذا المشكوك وهكذا على مسلك شيخنا الأستاذ النائيني قده القائل بان المخصص المنفصل وان كان لا يوجب تعنون العام بضد الخاصّ ولكن ما يعنون هو الحجة بمعنى انه إذا قيل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم يكون معناه ما هو الحجة من إكرام العلماء هو العالم الذي ليس بفاسق في لب الإرادة واما الفاسق ومن شك في فسقه فهما خارجان عنه حيث ان معلوم الفسق يكون خروجه

١٦٨

قطعيا والمشكوك يكون الشك في حجية العام بالنسبة إليه والشك في الحجية مساو للقطع بعدم الحجية فعلى هذا لا يكون العام مقتضيا لوجود الحكم في هذا الفرد فلا يكون من باب المقتضى والمانع حتى يقال ان باب الضمان واليد اللذان يكون الظاهر منهما التمسك بالعامّ في شبهة مصداقية المخصص يكون باب تطبيق قاعدة المقتضى والمانع.

الوجه الثالث للقائل بالتمسك بالعامّ في المقام هو ان المقام يكون من باب الشك في القدرة ويلزم في ذاك الباب الإقدام على العمل حتى يظهر الخلاف بيانه ان غاية ما يستفاد من الخاصّ هو ان العام في افراده ليس بحجة ولكن للعام دلالات دلالة مطابقية على ان الوجوب يكون على كل فرد من الافراد ودلالة أخرى في طولها على ان إكرام كل فرد مثلا يكون محبوبا ودلالة أخرى على ان المحبوب له مصلحة تامة وما هو الساقط من تلك الدلالات هو الدلالة المطابقية وهو حجية العام بالنسبة إلى الخاصّ واما الدلالة على المصلحة والمحبوبية فلا تسقط فان المولى يحب إكرام هذا العالم ولكن يرى انه مقرون بالفسق ولا يمكن ان يكرم في صورة العلم بالفسق واما في صورة الجهل به فيكون الشك بعد تمامية الخطاب بأنه هل القدرة على إكرام هذا العالم تكون أم لا وحيث ان الخطاب تام فيجب الإتيان به ولا يوجب الشك في القدرة سقوط الخطاب فيقدم الإكرام على عدمه.

وفيه كما ان للعام دلالات كذلك للخاص دلالات أيضا فان قوله لا تكرم الفاسق أيضا يدل على ان الخطاب فعلى وفعله مبغوض وله مفسدة تامة فالمفسدة والمصلحة والمبغوضية والمحبوبية متعارضتان فلما إذ يقدم ملاك أحدهما على الآخر في الفرد المشكوك واما الشك في القدرة فانه تارة تكون القدرة مأخوذة في الخطاب مثل حجوا ان استطعتم وهي دخيلة في الملاك أيضا فحيث شك فيها لا ملاك أصلا :

هكذا على مسلك الشيخ الحائري وقده من انه أيضا يحتمل الإرشاد إلى

١٦٩

ما يحكم به العقل لأنه يشك في وجود الملاك وعدمه على هذا والشك فيه يوجب الشك في الحجية وهو مساو مع القطع بعدمها وعلى فرض عدم أخذ القدرة في الخطاب فانه وان كان اللازم عند الشك فيها وجوب الإتيان بالعمل ولكن في صورة سقوط الخطاب عن الحجية فعلى مسلك القائل بان سقوطه يوجب سقوط (١) الملاك أيضا ولا يمكن التمسك بإطلاق المادة أيضا فلا وجه لوجوب الإتيان بالعمل لعدم الدليل عليه.

واما على مسلك القائل بان للهيئة إطلاق كما هو التحقيق وهكذا على مسلك القائل بإطلاق المادة من حيث المصلحة وان كان بقاء الملاك موجبا لوجوب الإتيان بالعمل ولكن في المقام المناقضة التي ذكرناها بين مدلول التزامي العام ومدلول التزامي الخاصّ يمنع عن الأخذ بالعامّ وتقديمه على الخاصّ فليس أحدهما دليلا فيسقطان بالتعارض في الملاك (٢).

__________________

(١) أقول سقوط الملاك هو التحقيق من جهة كون الخطاب انحلاليا ولا كاشف لنا غيره في تثبيت الملاك والحكم على الطبيعي بدون فرض الانحلال على الافراد لا يفيد ولا يكون مطرح الكلام لأنه أيضا يكون الحكم عليه بلحاظ افراده وقد مر مرارا في المقامات المناسبة مشروحا.

(٢) أقول وأضف إليه ان الشك في القدرة يكون مجرى الاشتغال إذا كان التكليف محرزا وفي الشبهة المصداقية للمخصص بعد عدم إمكان التمسك بالعامّ ولا بالخاص لا دليل على وجود الحكم عليه حتى يقال يكون الشك في القدرة بعد إحراز التكليف فلو كان الشك من ناحية جعل الشرع إحراز القدرة وعدمه يكون من قبله ببيان حدود الحكم وإلّا فالمكلف في المقام لو لا هذه الجهة لا يكون الشك في انه قادر على إكرام من شك في فسقه وهذا غير من يعلم انه مكلف بالصلاة ويحتمل الموت في وسطها فانه يجب عليه الإقدام.

١٧٠

هذا كله في صورة كون المخصص لفظيا وقد ظهر ان التحقيق عدم إمكان التمسك بالعامّ في شبهة مصداقية المخصص واما إذا كان المخصص لبيا مثل ان يقال لعن الله بنى أمية قاطبة ثم علمنا بالدليل العقلي انهم ملعونون لبغضهم لأهل البيت عليهم‌السلام فلو كان شخص مؤمنا بهم عليهم‌السلام يكون خارجا عن العموم فهل يمكن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لمخصصه أم لا فيه خلاف.

وقد استدل لإمكان التمسك بالعامّ فيما شك في فرديته مثل ان لا نعلم ان زيدا من المؤمنين منهم أم لا بوجوه غير تامة عندنا منها ما عن صاحب الكفاية (في ص ٣٤٣) وحاصله انه قده وان لم يقل بالتمسك بالعامّ في ما كان المخصص لفظيا ولكن يقول في المقام بأنه يمكن التمسك بالعامّ وحاصل دليله قده هو ان العقلاء يفرقون بين إلقاء الحجتين في مقام التخاطب أو حجة واحدة فانه إذا كان المخصص لبيا فما صدر عن المولى الا حجة واحدة وهي إلقاء العموم وحيث انه لم يأت بالمخصص لفظا نفهم ان النكتة في ذلك هي إعطاء الضابطة لمقام الشك بحيث لو لم يتمسك بالعامّ في مقام الشبهة لعد عاصيا ولم يكن معذورا عند المولى.

مثلا إذا قال أكرم جيراني ثم حصل القطع بأنه ما أراد إكرام العدو منهم فان شك في فرد منهم انه عدوه أم لا يؤخذ بعموم إكرام الجيران أو في المثال المعروف يؤخذ بعموم اللعن في من شك في انه من بنى أمية المؤمن أم لا : بخلاف ما إذا صدر عن المولى حجتان حجة على العام وحجة على الخاصّ فانه يكون ذكر الخاصّ لنكتة انه لا يريد من العام عمومه من الأول فكأنه ما أراد العموم من رأس فلا يكون ضابطة لطرد الشك عند العقلاء ثم قال بل يمكن ان يؤخذ بالمدلول الالتزامي بعد دخول المشكوك في العموم فيقال في المثال المعروف المشكوك في إيمانه داخل في عموم اللعن ومن لوازمه انه لم يكن من المؤمنين.

وفيه انه لا فرق بين المخصص اللفظي واللبي فانه كما ان المخصص المتصل

١٧١

اللفظي يوجب عدم انعقاد ظهور العام من أول الأمر بل ينعقد الظهور في الخصوص من رأس كذلك المخصص اللبي المتصل يوجب عدم انعقاد الظهور وكما ان المخصص المنفصل يوجب قطع حجية العام على التحقيق بالنسبة إلى ما خصص واقعا كذلك المخصص العقلي الذي يكون منفصلا يمنع عن الحجية ومعنى انفصاله هو ان يكون حكم العقل بعد التأمل أو يكون المخصص هو الإجماع كما خصص قولهم فانظروا إلى رجل منا يبين حلالنا وحرامنا إلخ في مقام السؤال عن الأحكام بان شرطه العدالة به.

ولا فرق بين تعنون العام بعنوان قيد الخاصّ أم لا في قطع حجية العام بالنسبة إلى افراد المخصص واما عدم ذكر المخصص لفظيا فلا يكون قرينة على ان العموم لإعطاء الضابطة عند الشك وتمنع ان يكون دأب العقلاء ما ذكره قده فان العام لا يكون متكفلا لبيان حكم الفرد المشكوك سواء كان المخصص لفظيا أو عقليا ، ومن الوجوه ما قال شيخنا الأستاذ النائيني قده في المقام بما حاصله هو ان المخصص المتصل العقلي يكون مثل المخصص المتصل اللفظي في عدم انعقاد ظهور للعام في عمومه وانعقاد الظهور من أول الأمر في الخاصّ ولكن المخصص المنفصل العقلي فلا يكون مطلقا مثل اللفظي في عدم إمكان التمسك به في الشبهة المصداقية للمخصص بل فيما كان القيد العقلي يرجع إلى الموضوع لا يمكن التمسك بالعموم وفيما لا يرجع فيمكن التمسك به فاما الأول مثل قولهم عليهم‌السلام بالرجوع إلى من يبين حلالهم وحرامهم وقد خصص بالإجماع بمن كان عادلا فحيث ان قيد العدالة يرجع إلى الموضوع فيكون المأمور بالرجوع إليه هو العالم العادل فإذا شك في فرد انه من العدول أولا لا يمكن التمسك بعموم الرجوع لطرد الشك عنه واما إذا كان ما يحكم به العقل من باب علل الحكم مثل ان يقال لعن الله بنى أمية قاطبة ونعلم ان العلة لوجوب لعنهم هي مبغوضيتهم عند الأئمة عليهم‌السلام لكونهم غير مؤمنين فحيث انه لا يمكن

١٧٢

ان يكون ما هو علة الحكم في رتبة الموضوع له فلا يكون لنا ان نأخذ قيد الإيمان في الموضوع ونتوقف في صورة الشك في إيمان فرد بل يتمسك بالعامّ وهو ضابطة لطرد الشك ولا يعنون في هذه الصورة بعنوان ضد الخاصّ واما إذا شك في ان القيد هل يكون قيدا لموضوع أو يكون من علل الحكم مثل قول القائل أكرم جيراني وخصصه العقل بمن كان من أصدقائه فشك في فرد انه من الأعداء أو من الأصدقاء فائضا لا يمكن التمسك بعموم العام لطرد الشك عنه لعدم إحراز كون العام طاردا للشك في المقام حيث لا نعلم ان الصدق من علل الحكم أو من مقومات الموضوع هذا كلامه رفع مقامه والجواب عنه قده أولا بأنه لا فرق فيما ذكره بين كون المخصص لفظيا أو لبيا متصلا أو منفصلا فانه علل الحكم لا يمكن ان يؤخذ في الموضوع وثانيا يلزم عليه ان يقول بهذا القول في صورة كون لب الإرادة مخصصا ومعنونا بعنوان ضد الخاصّ لأنه لا فرق في عدم صيرورة الموضوع مركبا على قوله بين ان يكون لب الإرادة معنونا كما في المخصص اللفظي المنفصل أم لا.

وثالثا ان التحقيق عدم اقتضاء للعام بالنسبة إلى هذا الفرد كمال قال شيخنا العراقي قده لا انه يكون له الاقتضاء حتى يكون الشك في المانع فان العام لا يتكفل بيان حكم الفرد من حيث صيرورته مصداقا له كما مر سواء كان العام معنونا بعنوان ضد الخاصّ أو لا يكون لما في صورة فرضه قده من عدم إمكان أخذ ما هو في رتبة علة الحكم في موضوعه ورابعا من أين لا يمكن أخذ قيد الإيمان في الموضوع في المثال المذكور لو قلنا بان العام يعنون بعنوان ضد الخاصّ فان الجهات التعليلية ترجع في العقليات إلى الجهات التقييدية.

ومن الوجوه للتمسك بعموم العام في المخصص اللبي المنفصل ما عن بعض الأعيان(١)

__________________

(١) وهو الشيخ محمد حسين الأصفهاني قده في نهاية الدراية عند متن الكفاية وهو قوله والسر ـ

١٧٣

في شرح كلام الآخوند قده وحاصله مع تنقيح منا هو ان إلقاء العموم من المتكلم بنحو العموم يدل على ان الحكم فعلى من جميع الجهات لا انه حيثي من جهة بعض المخصصات وظاهره انه لا منافي للعام في عمومه أصلا وهكذا كل فرد بعد أكرم العلماء من المصاديق لا يكون له مزاحم في شمول الحكم له ثم إذا جاء المخصص اللفظي مثل لا تكرم الفساق من العلماء فهو يدل على ان العام يكون له المنافي فان عنوان الخاصّ مثل الفسق يثبت ان العام من هذه الجهة يكون ساقطا عن عمومه وليس شأن المخصص إلّا إثبات منافاة عنوان الخاصّ لعنوان العام وبالملازمة يدل على وجود المنافي أي وجود الفاسق في العلماء وإلّا فيكون إلقاء الخاصّ لغوا لأنه إذا لم يكن العلماء الا العدول فليس وجه لا لقاء الخاصّ لأنه لا فائدة فيه.

هذا في المخصص اللفظي واما المخصص اللبي فلا يكون كذلك بل يدل على المنافاة فقط وان لا يشمل حكم الإكرام لفساق العلماء واما إحراز ان الفاسق يكون فيهم فلا يكون في وسعه ولذا يتمسك بعموم العام لعدم إحراز ان هذا الفرد يكون من المخصص أم لا لعدم العلم بوجود الخاصّ خارجا وهذا هو الفارق بين اللفظي واللبي.

ثم قال قده إيرادا على نفسه لا يقال بان دلالة العام على عدم وجود المنافي متقومة بدلالته على عدم وجود المنافاة فإذا أحرز بالخاص ان المنافاة متحققة بواسطة المخصص اللبي يدل بالملازمة على ان المنافي أيضا متحقق لأن مثبتات الأمارات

__________________

ـ في ذلك أي في ان التمسك بالعامّ في المخصص اللبي ممكن (في صفحة ١٩٠) ولا يخفى لمن رجع إلى كلامه في كتابه المذكور انه في صدر البيان لم يفرق بين اللبي واللفظي من المخصص ثم في وسطه قال ويمكن ان يقال وقرب وجه التمسك ثم قال لا يقال لأنا نقول وادي الجواب بعبارة مغلقة أداها الأستاذ مد ظله بتقريب ما ذكرناه.

١٧٤

حجة فلا فرق بين اللفظي واللبي في إثبات المنافي فاختل دلالته على عدم المنافي فلا يمكن التمسك به لأنا نقول صرف وجود المنافاة التي ثبتت بالمخصص اللبي لا يثبت ان للعام مناف موجود وما يمنع عن دلالة العام وجود المنافي لا صرف احتمال المنافاة لهذا الفرد الخاصّ ولا يسقط ظهوره إلّا بالنسبة إلى ما هو حجة أقوى حيث لا يهدم المنفصل ظهوره وحيث لا يدل الخاصّ على وجود المنافي لا يضر بدلالة العام فلا ملازمة بين وجود المنافاة ووجود المنافي فيمكن ان يكون المنافاة دون المنافي.

والجواب عنه قده هو ان كل ما قاله يرجع إلى ان يكون العام متكفلا لبيان مصداقية الفرد وحيث لا يمكن كما مر ان يحقق الحكم موضوعه كذلك في المقام لا يمكن التمسك بالعامّ في الفرد المشكوك ويقال انه ليس بمناف له وان كان جعل الكبريين لإثبات حكم الواقع وحكم المشكوك ممكنا كما في مورد اليد والسوق حيث جعل الحكم لطرد الشبهة عن المصداق.

فتحصل انه لا وجه للتمسك بالعامّ في المخصص اللبي وجميع ما قيل في ذلك مخدوش.

الأمر الثالث

قال الخراسانيّ قده في الكفاية وهم وإزاحة : ونقول في مقام شرحه وجوابه فاعلم انه لا يمكن التمسك بالإطلاق في الشبهات المصداقية له ولو بناء على جواز التمسك بعموم العام في ذلك وذلك لأن العام حسب ما اخترناه بعد التخصيص يكون افراده ضيقا ولا يضر بموضوعية الافراد الباقية تحته من حيث مصداقيته للحكم بخلاف المطلق بعد التقييد فان القيد يرجع إلى الموضوع ويكون كالجزء له بحيث انه إذا شك في شرطه أو جزئه يكون الشك في أصله تحقق الموضوع ولا يقول عاقل

١٧٥

بتحقق الحكم مع الشك في وجود موضوعه فانه لا يحكم بصحة الصلاة مع الشك في حصول شرطها بواسطة التمسك بإطلاق الدليل وإلّا فيلزم ان يقال بان هذا ليس شرطا لها فلا شك في ان الشك في حصول الشرط والجزء لا مجال لرفعه بالتمسك بالإطلاق.

فإذا عرفت ذلك فنقول قال قده بأنه ربما يتمسك بعموم العام فيما إذا شك في فرد لا من جهة التخصيص بل من جهة أخرى كما إذا شك في صحة الوضوء بمائع مضاف فصار متعلقا للنذر فقيل يصح الوضوء بواسطة التمسك بعمومات وجوب الوفاء بالنذر فيستكشف منه صحته لأن الوفاء به واجب وكلما يجب الوفاء به فلا محالة يكون صحيحا وإلّا فلا وجه لوجوب الإتيان مع عدم الصحة.

وربما يؤيد لمرامه بما ورد في صحة الإحرام قبل الميقات بالنذر وهكذا نذر الصوم في السفر فانه وان كان الإحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت غير صحيح وهكذا يكون الصوم في السفر حراما ولكن بعد النذر بسببه يصير صحيحا فأي؟ إشكال في ان يكون كل مورد شك في جوازه أيضا يتمسك بعموم الوجوب ويقال بالصحّة.

ثم انه قده أجاب بما حاصله هو ان العناوين الثانوية مثل النذر وإطاعة الوالد لا يكون عموماتها متكفلة لرفع الشك عن العناوين الأولية التي أخذ الحكم مع الموضوع متعلقا للعناوين الثانوية مثلا شرط صحة النذر هو كونه راجحا وشرط وجوب إطاعة الوالد هو كونه ما امر به مباحا وحلالا فانه لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في حلية شيء أو رجحانه بعموم دليل وجوب الإطاعة أو وجوب الوفاء بالنذر لإثبات الحلية والرجحان ثم قال قده نعم لا بأس بالتمسك بالعامّ إذا لم يكن الموضوع مقيدا بحكم وأحرز القدرة على إتيانه فانه يمكن التمسك بعموم العام لأنه لا يريد إثبات حكم بواسطته وعليه فإذا كان العنوان الأولى حكما مثل الحرمة التي تضاد الوجوب فيقع التزاحم بين المقتضيين ويجب تقديم ما هو أقوى ملاكا وهذا القول منه قده هو

١٧٦

الصحيح بخلاف ما قاله في حاشيته على المكاسب بأنه يمكن الجمع العرفي بينهما حينئذ وان لم يكن أحدهما أقوى لا يؤثر شيئا فلا محالة يصير محكوما بحكم آخر كالإباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة.

فنقول انه لا معنى لقوله ربما يتوهم التمسك بالعامّ لا من جهة التخصيص إلّا ان يقال بأنه يكون من باب التمسك بالمطلق في ما إذا شك في وجود القيد ومعنى قوله لا يتوهم عاقل هو ما ذكرناه في صدر البحث من نكتة عدم جواز التمسك في هذا المقام ولو قلنا به في الشبهة المصداقية في العام ثم قال اما التأييد بالصوم في السفر والإحرام قبل الميقات فلا وجه له لأن الدليل الخاصّ دل على الصحة ونقول ان الروايات على أربع طوائف : روايات وجوب الوفاء بالنذر وروايات صحة الصوم (١) وفي السفر وعدم صحته فيه وروايات الإحرام قبل الميقات بالنذر (١) وروايات (٢) وجوب كون متعلق النذر راجحا وما دل على الصحة في الموردين يكون حاكما على ما دل على شرطية الرجحان في ساير الموارد ويدور امر الحكومة بين ان يكون الخروج من باب التخصيص أي

__________________

(١) أقول وهي على ما تفحصنا في الوسائل ج ٧ باب ١١ من أبواب من يصح منه الصوم في صحة الصوم في السفر بالنذر.

(٢) في الوسائل ج ٨ في باب ٩ من أبواب المواقيت وفي باب ١١ و ١٣ من أبوابها.

(٣) أقول لم نجد بهذا المضمون رواية ولذا صار محل الخلاف بين الفقهاء نعم في الوسائل ج ١٦ في كتاب النذر ص ١٨٢ عقد صاحب الوسائل الباب الأول من أبوابه بهذا العنوان عند قوله باب انه لا ينعقد النذر حتى يقول لله على كذا ويسمى المنذور ويكون عبادة فانه استظهر من الروايات في الباب الواردة فيما هو العبادة ان المنذور يجب ان يكون عبادة ولا يكون العمل عبادة إلّا ان يكون راجحا ولكن لا يمكننا الاستدلال بها لأن موردها الحج والهدى ولا يكفي ذلك لاستفادة العموم.

١٧٧

تخصيص دليل الرجحان بان يقال لا يشترط الرجحان في الموردين وان يكون خروجه من باب التخصيص فيقع الإشكال من هذه الجهة أو لا وثانيا يقع الإشكال من حيث ان الصوم والإحرام من العباديات وامر الوفاء بالنذر توصلي فكيف يمكن إثبات تعبديتهما به.

فأجاب الخراسانيّ قده عن الأول بان النص كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات وعدم الأمر بها استحبابا كان المانع قد ارتفع بالنذر وفيه ان هذا الجواب لا يناسب ما ورد في الروايات من ان الإحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت فان هذا التعبير مشعر بعدم الملاك له قبلها (١) وأجاب ثانيا بأنه يمكن ان يكون النذر سببا لرجحانهما بمقارنته لهما فان المانع من رجحان الإحرام قبل الميقات الذي كان كالصلاة قبل الوقت قد ارتفع بواسطة النذر وفيه ان العناوين الثانوية لا تقدم على العناوين الأولية فان النذر لا يمكن ان يثبت الرجحان ما لم يكن المتعلق راجحا قبله.

والجواب الثالث انه يمكن ان يحصل الرجحان لا بمقارنة النذر بل من باب الأمر المتعلق بالوفاء به فيكون الرجحان في مقام الامتثال حاصلا لأنه يحصل بعد الأمر بالوفاء بالنذر وعلى جميع التقادير يكون الحكومة على نحو التخصص لا التخصيص في الموردين.

__________________

(١) أقول على فرض شرطية الرجحان لا يمكن إثباته بالنذر على جميع التقادير في الجواب لأن المراد به هو ان يكون العمل راجحا مع قطع النّظر عن النذر فلو كان صحة النذر متوقفة على الرجحان والرجحان متوقفا عليها لكان هذا هو الدور الواضح واما في الموردين المنصوصين فبعد قيام الدليل على الصحة لا فرق بين ان يكون الخروج عن ما دل على وجوب الرجحان بالتخصيص أو التخصص على فرض وجود كبرى كلية لفظية وفيه تأمل.

١٧٨

وفيه انه لا طريق لنا لإثبات هذا لأن المصلحة في الوفاء والأمر تعلق به ولا يوجب هذا إيجاد مصلحة في العمل المأتي به حتى يصير راجحا فلا يكون الأمر سببا لرجحانه وثانيا لا يبقى على هذا نذر غير صحيح فبكل عمل تعلق يصير الأمر بالوفاء سببا لرجحانه وان كان مرجوحا وقبيحا.

واما الجواب عن إشكال العبادية والتقرب فعلى فرض تسليم حصول الرجحان في المتعلق فلا إشكال لأنه يمكن ان يتقرب إلى الله بالعمل الراجح واما على فرض تسليم ما ذكرنا من الإشكال فهو أيضا مشكل لعدم حصول التقرب بما هو غير راجح بل مرجوح.

تتمة

ربما يتوهم على القول بتعنون العام بعنوان ضد الخاصّ التهافت بين قولهم بجواز التمسك بعمومه إذا كان المخصص مجملا بان يكون امره دائرا بين الأقل والأكثر مثل ان يكون المراد من الفاسق الخارج عن حكم إكرام العلماء مرددا بين كونه مرتكب الكبيرة فقط أو أعم منه ومن مرتكب الصغيرة فانهم قالوا حيث ان الشك هنا يكون هنا في زيادة التخصيص يكون الأصل عدمها بخلاف المقام فانهم لا يقولون بالتمسك بالعامّ مع الشبهة في المصداق للمخصص فأي فرق بينهما فان هذا أيضا يرجع إلى الشك في زيادة التخصيص بالنسبة إلى هذا الفرد وعدمها والأصل عدم زيادته.

والجواب عنه (١) ان العام حيث لا يكون متكفلا لحكم الفرد كما مر لا يمكن

__________________

(١) أقول هذا الجواب يكون على فرض عدم تعنون العام رافعا للإشكال ولكن على فرض التعنون ففي المثال المعروف أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من العلماء يجب إحراز ـ

١٧٩

التمسك به بخلاف صورة كون المخصص مجملا فانه لا يرجع إلى ذلك.

في استصحاب العدم الأزلي

لإدراج المشكوك تحت العام

ثم انه ربما يتوهم في المقام بأنه إذا شك في مصداقية شيء للمخصص الرجوع إلى استصحاب العدم الأزلي لإدراج المشكوك في العام بان يقال بان الأصل عدم كون هذا الفرد من الفساق فيكون من العلماء العدول فيشمل العام وهو وجوب إكرام العلماء لا الفساق وقبل الورود في هذا البحث من حيث جريان الأصل وعدمه يجب ان يعلم ان محل النزاع في جريان استصحاب العدم الأزلي وعدمه يكون في أي مورد من الموارد.

فنقول لا شبهة في انه يجري في صورة كون المركب الذي نشك في جزئه مركبا من جوهرين مثل شرطية فري الأوداج الأربعة مع وجوب كون الحيوان مواجها إلى القبلة وغيره حين الذبح في الحلية فانه إذا شك في وجود أحدها يرجع إلى الأصل لإثبات عدمه وكذا إذا كان مركبا من عرضين والعرض وان كان لا يمكن انفكاكه تكوينا عن الموضوع ولكن يكون لسان الدليل بحيث جعل فيه النّظر الاستقلالي إلى كل واحد منهما على حدة ولا يكون النزاع أيضا في صورة كون المركب ذاتا وصفة وقامت القرينة على ان الاتصاف غير دخيل بل الصفة بالاستقلال يكون محل النّظر في الدليل فانه أيضا يمكن استصحاب عدم الصفة عند الشك فيها مثل صورة كون المانع هو الفسق لا كون الشرط لوجوب الإكرام

__________________

ـ عدالة كل فرد ومشكوك الفسق يكون مشكوك العدالة أيضا ولو من ناحية الشبهة في المفهوم فكيف يتمسك بالعامّ فيه دون ما إذا شك في المصداق.

١٨٠