مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

من العناوين التي هي فوق المقولة لأن المجموع من حيث المجموع ليس إلّا الافراد.

فتحصل انه لا طريق إلى إثبات الاستغراق ولا المجموعية عند الشك فيهما بالأصل.

التنبيه الثاني لا يخفى ان أدوات العموم وان كانت مشتركة في المعنى وهو الاستيعاب ولكن يكون لبعضها خصيصة من حيث الاستعمال فان لفظة الكل يستعمل في العموم الأفرادي ولا يستعمل في البدلي والمجموعي ولفظة أي يستعمل في العموم البدلي دون غيره ولفظة الجميع يستعمل في الاستغراق تارة وفي المجموعية أخرى والعبارة الصريحة للمجموعي ان يقال لا يرفع هذا الحجر الا جميع من في الدار وأيضا يجب ان يعلم ان العام غير محدود من طرف الزيادة مثل ان يقال أكرم كل رجل فانه لا يحد وعدد وفي الدورة السابقة قلنا بذلك ويجب ان نتممه في هذه الدورة ونقول بأنه في طرف النقيصة يكون له حد وان لم يكن محدودا في طرف الزيادة فان العام المجموعي لا يكون أنقص من ثلاثة مجموعا والأفرادي لا يكون أنقص من ثلاثة منفردا.

التنبيه الثالث لا يخفى ان دلالة أسماء الاعداد على الافراد أيضا تكون بنحو الشمول مثل أدوات العموم فان قول القائل أكرم عشرة يكون معناه إكرام كل فرد منهم مثل قوله أكرم كل عالم ولكن يكون الفرق بينهما بوجهين الأول ان دلالة أسماء الاعداد على الافراد يكون بالاستقلال لأنه معنى اسمي ولكن دلالة ألفاظ العموم على الافراد يكون بنحو المرآتية فان لفظة كل لا يصدق على الرّجال بالاستقلال بخلاف لفظة العشرة فان هذه تصدق على العدد المخصوص من الإنسان مثلا وهو العشرة والثاني هو عدم العمومية الغير المحدودة للعدد بخلاف ألفاظ العموم فانه لأحد لكثرته كما مر.

١٤١

ثم لا يخفى ان ألفاظ العموم إذا دخل على أسماء الاعداد يكون مثل دخوله على غيره من حيث استفادة العموم وهكذا إذا دخل على التثنية والجمع مثل ان يقال أكرم كل عشرة أو أكرم كل اثنين من العلماء أو كل ثلاثة أو جمع منهم فانه يدل على ان كل ما تحقق العشرة أو الاثنان أو الجمع يجب إكرامه وعدم الفرق واضح من جهة انه ليس للعموم معنى الا الشمول في أي مورد كان ولا وجه لما عن بعضهم من ان مدخول الكل إذا كان مميزه منكرا يستفاد منه العام المجموعي مثل أكرم كل عشرة رجال بخلاف صورة كونه معرفا مثل أكرم كل عشرة من الرّجال فانه يدل على الاستغراقي لأن هذا لا يكون في طبع اللفظ بل ربما يستفاد من الخارج.

ثم ان هنا إشكالا وهو انه لو كان فرد تارة متمم هذه العشرة مثلا فأكرمه مرة ثم بعده صار متمم عشرة أخرى ليشمله الحكم ثانيا وهكذا ثالثا فهل يجب إكرامه مرات عديدة في ضمن جميع العشرات أم لا؟ ظاهر صدق العنوان عليه وان كان هو وجوب إكرامه في المرات ولكن نحن أجبنا عن هذا الإشكال في الدورة السابقة بان الخطاب منصرف عن هذا الفرد لكن في هذه الدورة نقول بان الملاك الّذي صار سببا لوجوب إكرامه في ضمن العشرة قد تم (١) في المرة الأولى ولا يكون في الدفعات الأخر لأن عنوان العشرة هو فوق المقولة ويكون بلحاظ الانطباق على الافراد.

التنبيه الرابع قد اختلف في ان الألف والنون الداخلين على التثنية مثل رجلان

__________________

(١) أقول هذا ان كان له دليل من الخارج فلا كلام وإلّا فمن أين يثبت انه إذا صار جزء لهذه العشرة لم يكن عليه الخطاب مع عمومه ومن أين يثبت عدم الملاك مع عمومه فلو كان لعدم شموله انصراف فهو وإلّا فالحكم يشمله.

١٤٢

والياء والنون الداخلان على رجلين والياء والنون أو الواو والنون الداخل على الجمع مثل مسلمين ومسلمون هل يكون معناه مثل ذكر العدد فرجلان مثلا هل يكون مثل قولنا اثنان رجل وقولنا رجال هل يكون مثل قولنا ثلاثة رجال أم لا؟ فقيل في مقام الفرق ان معنى التثنية والجمع تعدد الطبيعة من الأول ومعنى العدد تكرار الطبيعة وان كان المعنى في الواقع واحدا ولكن يكون نظير كلمة من الابتدائية ولفظة الابتداء فان الأولى حرف والثانية اسم وهكذا يفرقون الأدباء بين إيراد الكلام بهما أو بلفظ الاثنين أو ثلاثة فلم يوضع الألف والنون والواو النون للاثنين والثلاثة.

التنبيه الخامس (١) في انه هل يكون تخصيص العام موجبا لتعنون العام بنقيض الخاصّ أو ضده أم لا فيه خلاف وهنا يجب علينا توضيح هذا الكلام عن شيخنا الأستاذ النائيني قده حيث انه قائل بذلك في بعض الصور وهو صورة كون التخصيص في القضايا الحقيقية فانه يقول بان العام يتعنون بضد الخاصّ مثلا إذا قلنا أكرم العلماء الا الفساق يقول يرجع العام إلى قولنا أكرم العلماء العدول فان العدالة ضد الفسق فاستثنى الثاني وصار العام متصفا بنقيضه وهو الأول.

فنقول انه قده يقول ان القضايا تارة حقيقية وهي التي تكون الحكم على الطبيعة

__________________

(١) أقول لا يخفى ان ثمرة هذا البحث تظهر في صورة الاحتياج إلى إثبات العنوان فان من يقول انه يعنون العام بعنوان ضد الخاصّ يجب عليه إحراز الضد ولا يكفى نفى الخاصّ مثلا يجب إحراز العدالة ولا يكفى عدم الفسق إذا كان العام مخصصا بان يقال أكرم العلماء الا الفساق منهم ولكن لا يجيء هذا في الضدين الذين لا ثالث لهما مثل الفسق والعدالة في البالغ بعد مضي مدة من البلوغ فان إحراز عدم الفسق يلازم العدالة ولو كان في هذا المثال إشكال ففي ما لا ثالث له مثل النور والظلمة يكون ما ذكرناه واضحا.

١٤٣

مرآة عن الافراد المفروض وجودها في الخارج فجعلت الطبيعة واسطة للوصول إليه مثل أكرم العلماء فان عنوان العالم يكون تحت الحكم وهو طبيعة من الطبائع وهذا بخلاف القضية الطبيعية فان الحكم يكون على الطبيعة بشرط لا مثل قولنا الإنسان نوع فانه لا ينطبق على الافراد الخارجية أصلا وتارة يلاحظ القضية خارجية مثل ما إذا قال القائل أكرم من في الصحن أو أكرم هؤلاء مشيرا إليهم فان الحكم في الواقع يكون على الافراد الخارجية ويكون العنوان مشيرا إليه ولا يكون النّظر إليه أصلا فيكون هذا مثل ان يأمر بكل واحد واحد بعنوان انه زيد وعمر وخالد أسود أو أبيض.

ثم استنتج من هذا التقسيم ان التخصيص في القضايا الحقيقية يجب ان يكون نوعيا موجبا لتعنون العام بضد الخاصّ واما في القضايا الخارجية فلا يكون الا فرديا فإذا اخرج زيدا عن حكم إكرام من في الصحن فلا يعنون القضية بضده بان يقال أكرم من في الصحن الّذي هو غير زيد ويكون من آثار القضية الحقيقية أيضا هو ان إحراز شرائط التكليف يكون بيد المكلف المأمور والآمر يكفيه لحاظه.

فإذا قال المستطيع يجب عليه الحج لا يلزم ان يرى استطاعة زيد موجودا فيه بل زيد نفسه يلاحظ نفسه فان كان فيه الشرط وهو الاستطاعة فيجب عليه الحج وإلّا فلا بخلاف القضايا الخارجية فان إحراز وجود الشرط في متعلق الحكم فعلا لازم على الأمر فيجب ان يكون زيد مستطيعا حتى يمكن له ان يرسله إلى الحج ويقول أيها الفلان اذهب في هذه السنة إلى الحج.

ويقول قده أيضا مبنيا على هذه المباني ان الحكم قبل حصول الشرط لا يكون إلّا إنشائيا فان المولى في القضايا الحقيقية إذا لاحظ المستطيع وحكم عليه بوجوب الحج لا يصير هذا الحكم فعليا إلّا إذا صار زيد في الخارج مستطيعا وقبله لا يكون إلّا إنشائيا ولذا لا ينكر فعلية الوجوب في الواجب المشروط على خلاف ما اخترناه ولا يخفى

١٤٤

ترتب الثمرة على هذا البحث حيث انه على قوله يكون لواجد الماء قبل وقت الصلاة إهراقه لعدم فعلية التكليف بخلاف ما نقول فانه يجب حفظه حيث يكون التكليف فعليا (١).

ثم ان بيانه قده على ان العام يعنون بعنوان ضد عنوان الخاصّ هو ان العام بعد التخصيص اما ان يقيد بقيد وجودي أو عدمي وهو المطلوب واما ان يبقى على عمومه السابق وهو خلاف الفرض حيث فرض تخصيص العام واما ان يصير مهملا ولم يقل به أحد فلا بد ان نختار الأول قضاء لحق التخصيص فنقول ان قول القائل أكرم العلماء وقوله ولا تكرم الفساق إذا ضم أحدهما إلى الآخر يكون معناه أكرم العلماء العدول لأن العلماء مطلقا لا يجب إكرامهم ولا تصير القضية مهملة.

والجواب عنه أولا ان القضايا الحقيقية على ما قاله قده يكون خلاف التحقيق عندنا بل ما فرضه حقيقية يكون خارجيا عندنا لأن فرض وجود الموضوع عند إلقاء الحكم يكون معناه هو ان كل فرد يكون موجودا خارجا يكون مصب هذا الحكم ومن لم يكن موجودا لا يكون الحكم بالنسبة إليه فعليا ولكن نحن نقول الحكم يكون على الطبيعة ولا يكون شرطه الوجود بل الطبيعة المرسلة القابلة للتطبيق على كل فرد سواء كان موجودا فعلا أو معدوما فكان العام بمنزلة وضع الحكم لكل فرد فرد في فلاخن وإرساله إليه فيلقى الحكم على كل موضوع بواسطة أداة العموم.

وثانيا ان الأحكام يكون في الواجب المشروط أيضا فعلية ويحكم حين الصدور في مثل الحج بوجوبه على كل من استطاع وقد تم الحكم أوزاره وحصول الاستطاعة في

__________________

(١) قد مر منا بان وجوب حفظ الماء يكون مما يحكم به العقل والعرف بعد العلم بالتكليف وان كان بنحو الإنشاء على فرض عدم كون الواجب المشروط قبل شرطه فعليا من هذه الجهة فان العلم بإنشاء المولى يكون هذا اثره أيضا.

١٤٥

الخارج لا يكون شرطا لهذا الحكم كما مر شرحه في الواجب المطلق والمشروط على ان ما قال قده يكون على حسب المشهور من ان الحكم يكون مجعولا واما على ما هو التحقيق من ان الأحكام إرادات مبرزة فلا يستقيم لأن الإرادة إذا أبرزت لا تحتاج إلى شيء آخر لتصير حكما.

وثالثا ان ما قال من تعنون العام بعنوان ضد الخاصّ لا يصح لأنا نسأل منه قده الفرق بين ان يكون التخصيص في لسان الدليل أو يصير دائرة العام ضيقة مثلا إذا قال المولى أكرم العلماء وجاءت صاعقة بعده ومات جميع الفساق منهم بها فهل ينقلب هذه الجملة بواسطة الموت عما هي عليه ويعنون بعنوان العدالة فهل هذا إلّا مثل التخصيص الفردي وأخذ بعض افراد العلماء عن تحت الحكم مثل من قال أكرم من في المسجد من العلماء ثم كان من المقتدرين فأخذ أيادي الفساق منهم وأخرجهم من المسجد لئلا يشمل حكم الإكرام إياهم فهل يقول في القضية الخارجية بذلك؟ فانه قد عرفت انه يصرح بعدم تعنون العام في القضايا الخارجية ولذا نقول لا فرق بين هذا وصورة كون التخصيص في كلام القائل فليس التخصيص الا مقراض بعض افراد العام عن تحت العموم وان كان الباقي واقعا متصفا بالعدالة.

فلنا عليه جواب نقضي وهو ان ما قاله قده يجيء في القضايا الخارجية أيضا وحلّي وهو ان تضييق دائرة العموم لا يوجب تعنون العام بعنوان كما في القضايا الخارجية فالمصداق يكون منحصرا فالتخصيصات طرا يكون مرجعها إلى التضييقات في التطبيق ودليلنا التبادر كما مر شرحه في هذا الجواب عنه قده.

ورابعا ان فرقه بين القضية الخارجية والحقيقية بان الشرائط في الأولى يجب إحرازها من قبل الأمر دونه في الثانية ففيه ان الشرائط في كليهما يجب ان تكون محرزة عند الأمر حتى يصح الحكم منه فان الوجود الخارجي للشرط لازم فيهما ولا يكفى اللحاظ المحض فتحصل انه لا وجه لما أفاده قده في المقام ولا في سائر المقامات.

١٤٦

التنبيه السادس (١)

في ان العام هل يكون بعد التخصيص مجازا في البقية مطلقا أو لا مطلقا أو يفصل بين كون المخصص متصلا فيكون مجازا وبين كونه منفصلا فيكون حقيقة أو يفرق بين كون التخصيص بإلا أو بغيره وجوه وأقوال.

والتحقيق عدم صيرورته مجازا بعد التخصيص مطلقا ويتم المطلوب ببيان أمور الأول ان استعمال اللفظ تارة يكون مع الإرادة الجدية على تطبيقه على المعنى وتارة لا يلاحظ ذلك وموطن الإرادتين ليس بواحد فان اللفظ يكون بحسب الوضع مرآتا لمعنى ما فإذا استعمله المتكلم تبعا للوضع لا يكون له التصرف في هذا الموطن فانه لا يكون له ان يستعمل لفظ الرّجل في غير الّذي يكون هو الموضوع له بل له التصرف في الإرادة الجدية بإضافة قيد أو شرط بدال آخر وموطن الحقيقة والمجاز هو الإرادة الاستعمالية فحيث لا يكون له التصرف في دلالة لفظ الرّجل على طبيعي المعنى فلا محالة يستعمله في ما وضع له ويأتي بدال آخر على التقييد فإذا قال القائل جاء رجل من أقصى المدينة يسعى ويريد به حبيب النجار لا يكون استعماله للفظة رجل في حبيب بل في معناه وبدال آخر يريد انه حبيب.

نعم لو كان إتيانه بدال آخر لانقلاب المعنى ويأتي به لإراءته انه لا يريد معناه الحقيقي يصير مجازا مثل قوله رأيت أسداً يرمي فان القيد يكون لإرادته ان الأسد لا يكون المراد منه الحيوان المفترس.

الأمر الثاني لا فرق في القرينة بين المتصل والمنفصل في انه يكون من

__________________

(١) أقول الحق عدم صيرورته مجازا تبعا للأستاذ مد ظله وغيره.

١٤٧

الدوال على التخصيص في المقام بيان ذلك ان الإطلاق كالتقييد يكون قيدا فان اللفظ وضع للمهملة والإطلاق بمقدمات الحكمة والتقييد بذكر القيد يكون خارجا عن أصل المعنى فإذا استعمل لفظ الرّجل فيكون مرآة عن طبيعي المعنى من دون الإطلاق والتقييد وبمقدمات الحكمة إذا استفيد الإطلاق أو بقيد العلم إذا استفيد التقييد ينفك الإرادة الاستعمالية عن الإرادة الجدية فان الجد في القيد أو الإطلاق.

فان قلت ان الألفاظ تكون فانية في المعاني وليس المعنى الا ما هو المراد الجدي للمتكلم وإلّا يلزم ان يكون لاغيا فعلى هذا لا فرق بين الإرادة الاستعمالية والإرادة الجدية وليس هذا إلّا تقسيم الإرادة بنحو معضل مبهم قلت ان الألفاظ ان كانت موضوعة للمصداق المجرد يصح ما قيل ويصير التقييد بقيد موجبا لاستعمال اللفظ في غير ما وضع له ومجازا واما على التحقيق من انه يكون موضوعا للمهمل والتجرد والقيد كلاهما خارجان عن معناه فلا تكون الإرادة الجدية عين الإرادة الاستعمالية فعلى هذا كل قيد أضيف إلى اللفظ لا توجب خروجه عن معناه الحقيقي فالعام يكون مستعملا فيما وضع له والإرادة الجدية تكون ضيقة في صورة التخصيص.

الأمر الثالث

ان أدوات العموم أيضا لا يصير بالتخصيص مجازا كنفس المدخول لأنها وضعت لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول لا لتوسعة ما يراد منه فعلى هذا إذا كان الاستعمال في المدخول بالبيان السابق حقيقيا يصير استعمال أداة العموم أيضا كذلك وهكذا نقول في المخصص المنفصل لكن لا نقول بان الخاصّ يكون قرينة على تضيق العام بقاء وان كان حين إلقاء المتكلم قد فهم منه العموم بدون التخصيص بل نقول بان المخصص المنفصل يكون مقدما على العام من باب أقوائية الظهور بالنسبة إلى العام وإلّا فالعام قد تم أوزاره وربما يقدم لأقوائيته لبعض المؤيدات ولو صار المخصص المنفصل

١٤٨

مهملا لا يمكن إهماله بالتمسك بالعموم المستفاد من لفظة الكل أو غيره لأنه لا يكون مربوطا به بل يرفع إهماله بواسطة مقدمات الحكمة فإذا شك في قوله لا تكرم الفساق من العلماء بعد ما قال أكرم العلماء بأنه لم يعلم هل أراد من الفاسق خصوص شارب الخمر أو يعم حتى من يحلق اللحية فلا يتمسك بالعموم بل يجري المقدمات ويقال لو أراد فسقا بالخصوص لذكره وحيث لم يذكره فيشمل جميع افراد ما يوجبه.

ثم انه ربما يقال بأنه على فرض شيخنا النائيني قده من ان العام يعنون بعنوان ضد الخاصّ يصير التخصيص مرجعه إلى التقييد فيصير المراد من إكرام العلماء الا الفساق منهم أكرم العلماء العدول فيكون منطبق العموم هو الخاصّ في المتصل والمنفصل فيكون العام بعد التخصيص مجازا لاستعماله في بعض معناه بخلافه على قول القائل بعدم تعنون العام بضد الخاصّ كما اخترناه لأن دائرة العموم صارت ضيقة لا ان الكل مثلا لم يستعمل في ما وضع له وهو العموم.

والجواب عنه هو انه لا فرق في المبنيين من هذه الجهة لأن الإرادة الاستعمالية على مسلكه قده وعلى مسلكنا غير الإرادة الجدية فله قده ان يقول مع ان العام يصير معنونا بضد الخاصّ ولكن يكون مدخول الأداة ونفسها مستعملا في معناه الموضوع له فلم يرد من العلماء ولا لفظة الكل الا معناه الموضوع له ولأن الإرادة لتوسعة الحكم وهي حاصلة واما العنوان فهو مستفاد من دال آخر فلو كان لفظة الكل لتوسعة ما يراد من المدخول يكون بعد التخصيص أيضا كذلك ولو كان لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول فكذلك فلا أثر للاختلاف في تعنون العام بضد الخاصّ وعدمه في ذلك ولا للاختلاف في ان الكل لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول أو لتوسعة ما يراد منه لأن القيد يكون بدال آخر فكل من القيد والمقيد يكون لإراءة منطبقة.

١٤٩

ثم ان مسلك المحقق الخراسانيّ قده حسب ما مر هو ان الكل لتوسعة ما يراد من المدخول وعلى هذا أيضا يقول بان العام بعد التخصيص لا يصير مجازا لتعدد الدال والمدلول اما في المخصص المنفصل فانه وان كان في بدو الأمر ظاهرا في ان المراد هو العموم وأداته يوجب توسعته ولكن بعد ورود المخصص يظهر ان المراد كان ضيقا والكل وغيره يوجب توسعة ما كان مضيقا فيكون قوله أكرم العلماء ولا تكرم الفساق مثل ان يقال أكرم العلماء العدول أي كلهم واما المخصص المتصل ففي الواقع ليس مخصصا بل ينعقد الظهور عند تمام كلام المتكلم في المراد الضيق من الأول فتعدد الدال يوجب حل الإشكال على جميع المسالك.

واما الإشكال عليه بأنه لو كان المراد الخاصّ فلما ذا أظهر العموم ثم أتى بالمخصص المنفصل فلا يكون عليه فقط بل هو مشترك الورود علينا وعلى جميع من تصور المخصص المنفصل فأجاب هو بان سره هو ضرب القاعدة عند الشك أي إذا شك في زيادة التخصيص يرجع إلى العموم لطرد الاحتمال مثل ما إذا قيل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق وشك في ان الفاسق هل هو مرتكب الكبيرة فقط أو مرتكب الصغيرة أيضا فاسق فهو خارج عنه فانه يمكن التمسك بعموم العام لطرد هذا الشك.

وفيه انه قده قائل بان أداة العموم لتوسعة ما يراد من المدخول فان كان في المقام ما يريده المتكلم أعم من كون المنكشف مستفادا من القرينة المتصلة أو المنفصلة ففي المقام حيث يكون استعمال العام في الخاصّ بدون ذكر التخصيص مجازا فلا عام ولا إخراج وان كان ما يراد خصوص ما كان المخصص متصلا ففي المنفصل يصير مجازا.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني قده حيث زعم انه قده أراد بضرب القاعدة عند الشك الحكم الظاهري مثل مفاد الأصول فقال بان الأدلة الظاهرية مثل البراءة والاستصحاب لا مخصص لها فان الدليل المخالف لها اما ان يكون أمارة من الأمارات

١٥٠

ولا شبهة في حكومتها عليها واما قطعا ولا شبهة في كونه وارد عليها لأنه يوجب ذهاب موضوعه فلا معنى لضرب القاعدة عند الشك وفيه ان هذا عجيب منه قده لأن المحقق الخراسانيّ قده لم يذكر في بيانه للمطلب كون العام واردا لحكم مورد الشك كالاحكام الظاهرية حتى يرد عليه الإشكال بل مراده هو وجود الحجة الشرعية بعد الشك في زيادة التخصيص لا الحكم الظاهري.

ولنا أيضا ان نجيب عن الإشكال بأنه لأي نكتة يؤخر التخصيص في المنفصل فنقول اما التخصيص قبل وقت العمل فهو غير مربوط بالعمل ويكون لمصالح أخر واما ما كان بعد العمل فيكون لمصلحة ثانوية وربما تكون المصلحة في إكرام جميع العلماء وربما تكون في خصوص العدول منهم.

ثم ان لنا إشكالات أخر على شيخنا النائيني وهي مبنائية بعد اتفاقنا على ان العام بعد التخصيص لا يصير مجازا وهو قوله بان الأداة لتوسعة ما يراد من المدخول ونحن نقول انها لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول على ما هو المتبادر وقال بان مقدمات الحكمة تثبت (١) ما يراد منه ونحن نقول انه لو كان كذلك فلا نحتاج إلى ألفاظ العموم مثل كل وغيره : وقال أيضا في مقام المعارضة بين العام الأصولي والمطلق الشمولي ان العام مقدم ونقول له لأي نكتة يقدم العام بعد ما استفدتم المراد بالمقدمات أيضا كما في المطلق : ويقول ان العام يعنون بعنوان ضد الخاصّ ونحن نقول انه لا يعنون وكل ذلك قد مر شرحه ولنا إشكال بنائي عليه في الأخير وهو انه على فرض تعنون العام بضد الخاصّ ففي القضايا الخارجية التي لا يعنون العام

__________________

(١) أقول ان كان مرادهم هو ان المدخول بواسطة بناء العقلاء على ان الإرادة الاستعمالية موافقة للإرادة الجدية فيصح ان يقال انه ينكشف المراد هذا بالمقدمات والتوسعة بأداة العموم ولكن كلماتهم غير ظاهرة في ذلك.

١٥١

بهذا العنوان يلزم ان يكون الاستعمال مجازيا إذا قيل أكرم كل من في الصحن الا زيدا لأن العنوان وهو كونهم في الصحن قد استعمل في غير ما وضع له وهو الجميع وحيث لا يعنون فالمدخول يصير خاصا ولذا نسي مبناه وقال في هذا المقام أيضا بأنه يعنون العام بضد الخاصّ خلاف ما قاله في ذاك المقام من عدم التعنون في القضايا الخارجية وهذا من التهافت في الكلام.

فصل في ان العام بعد التخصيص

هل يصير حجة في الباقي أو يصير مجملا

فيه أقوال الحجية مطلقا (١) وعدمها مطلقا والتفصيل بين المخصص المتصل وبين المنفصل بأنه حجة في الثاني دون الأول والحق عندنا هو الحجية مطلقا ولا يخفى ان هذا البحث يكون معنونا في الكفاية والبحث عن صيرورة العام مجازا أو حقيقة بعد التخصيص يكون في ضمنه دليلنا على المطلوب هو ان العام كما مر تحقيقه لا يصير بعد التخصيص مجازا بل يكون التخصيص من باب مقراض بعض افراد العام عن تحته بدال آخر فعلى هذا فلا دليل على عدم الحجية في الباقي ولا يكون مجازا حتى يقال لا ندري انه أي مرتبة من المراتب أريد من العام اما في المتصل فواضح من جهة ان الظهور لا ينعقد الا في المرتبة الخاصة ويكون الضيق في دائرة العموم من أول الأمر واما في المنفصل فلان العام وان لم يقطع ظهوره في العموم الّذي انعقد من الأول ولكن تنقطع حجيته بالنسبة إلى ما يفيده المخصص لا بالنسبة إلى البقية والحاصل ان المخصص بقدر ما يدل عليه عنوانه يخصص العام ولا يكون له ربط بسائر الافراد فإذا قيل أكرم العلماء الا الفساق منهم يكون ما هو الخارج الفساق فقط

__________________

(١) أقول لا إشكال في حجيته مطلقا تبعا له مد ظله وغيره وان كان الكلام في بعض ما ذكره مد ظله وغيره مما لا يكون المجال لإيراده فعلا في التذييل.

١٥٢

واما النحويون أو الكلاميون وغيرهم من العلماء مثلا فهم تحت العموم لعدم دال على إخراجهم.

واما القائل بعدم الحجية مطلقا فاستدل بان الفطرة قاضية بان الإرادة الجدية غير منفكة عن الإرادة الاستعمالية فان من يتكلم يفنى اللفظ في المعنى ولا يخفى ان اللفظ يكون له فناء واحد في معنى واحد فقط فإذا قيل أكرم كل عالم الا الفساق يكون دلالة العام على البقية في ضمن الدلالة على الجميع فإذا انتفى الدلالة على البعض ينتفي عن الكل أيضا لأنه ليس للفظ واحد دلالتان فإرادة الباقي لا تكون داخلة في ما وضع له اللفظ بل يصير لفظ العام مثل لفظ كل أو المدخول مجازا وحيث لا قرينة على إرادة أي المراتب من الباقي يصير العام مجملا وأداة العموم تكون لتوسعة ما يراد من المدخول لا ما ينطبق عليه المدخول.

فأجاب الشيخ الأنصاري قده كما حكى في الكفاية بأنه على فرض صيرورة العام مجازا فذلك لا يضر بدلالة اللفظ على الباقي فان العموم معناه هو شمول الحكم لكل فرد من الافراد ودلالة العام على كل فرد من افراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر ولو كانت مجازية لأن المجازية تكون من باب عدم شمول العام للافراد المخصص لا من باب شموله للباقي فالمقتضى للدلالة على البقية موجود والمانع مفقود وانما المانع يكون عن شمول العام للافراد المخصصة وهو التخصيص واما غيره فلا يكون كذلك فأجاب الخراسانيّ قده عنه بان دلالة العام على كل فرد كانت في ضمن دلالته على المجموع فإذا فرض عدم هذه الدلالة الوضعيّة وصار مجازا وأمكن ان يكون مراتب التخصيص أقل أو أكثر فأي دليل يدل على مرتبة خاصة ودلالة العام على كل فرد على حدة لا تقتضي ان يكون العام ظاهرا في الباقي فالمانع وان كان مفقودا ولكن لا مقتضى له بعد عدم الوضع.

وأقول لا أساس لكلام الشيخ قده اما أصل المجازية فالمقام يكون بالنسبة

١٥٣

إليها غير ساير المقامات فانه إذا قيل رأيت أسداً يرمي يكون معناه عدم إرادة معنى الأسد الّذي يكون هو الحيوان المفترس لا بعض مفهومه وفي المقام يكون المراد بالمجاز هو بعض افراد العام بعد التخصص يكون محكوما بحكمه وهذا في القرينة المنفصلة مع البناء على ان التخصيص المنفصل يوجب هدم ظهور العام (١) لا هدم حجيته فواضح لأن الذي يريد المعنى المجازي كيف لم يأت بالقرينة متصلة فكأنه يكون لاغيا لو أراد غير الموضوع له ولم يأت بالقرينة وحيث ان القرينة منفصلة نستكشف عدم كون المراد مجازا والإرادة الجدية منفكة عن الإرادة الاستعمالية فلا يقال انه لم يكن العام مراده الجدي بل مراده الجدي هو الخاصّ وهو بعد ذكر المخصص يظهر لأن للكلام ظهور وضعي فعند الاستعمال اما ان يراد ذلك فهو حقيقة أو يراد غيره فهو المجاز مع الإتيان بالقرينة لا بدونها واما على فرض عدم انهدام الظهور بل انهدام الحجية في العام المخصص بالمنفصل فائضا لا مجاز لأن العموم يكون باقيا بحاله حتى بعد التخصيص وانما يقدم الخاصّ لأقوائية ظهوره على ان ما ذكره قده لا يناسب معنى العام لأن أداة العموم تكون موضوعة لمعنى سعى عقلاني بسيط ولا جزء له فكيف جزاه قده وقال بان عدم دلالته على البعض لا ينافى دلالته على البعض الآخر وهو الباقي لأن هذا فرع ان يكون العموم ذا اجزاء فإذا كان بسيطا ومعناه الجميع (وبالفارسية همه) فيكون غير قابل للتجزية فكيف يجزيه فانه يسقط عن كونه جميعا بواسطة عدم شموله البعض وادعاء ان دلالة العام على الفرد يكون بنحو الإجمال وعلى

__________________

(١) أقول ومن هنا يظهر حجة المفصل بين المخصص المتصل والمنفصل ضمنا فلا تغفل.

١٥٤

الكل بنحو التفصيل لا وجه له أصلا بل الدلالة واحدة وفي العام المخصص بالمنفصل حيث لا ينهدم الظهور على التحقيق لا نقص في الدلالة وانما القصور حصل من ناحية الحجة الأقوى على خروج بعض الافراد عن الحكم وفي المتصل يكون افراد العام من الأول مضيقا فتوهم ان العام يكون له دلالة على الخاصّ وعلى العام معا مندفع بان العموم والخصوص مفهومان متمايزان لا يجتمعان في موضوع واحد وهو العام فقط.

فان قلت إذا كان العام بعد التخصيص مضيق الافراد في المخصص المتصل والمنفصل وكان مدخول العام هو الذي يكون مرددا للمتكلم فكشفنا بالتخصيص ان الإرادة الجدية تكون محدودة لا يبقى للعام دلالتان دلالة على العام في صورة كون المخصص منفصلا ودلالة على الخاصّ فلا يبقى ظهور حتى يكون متبعا مثل صورة كونه مجازا وهذا يكون عليه بناء العقلاء قلت هذا نشأ من عدم تصور بقاء ظهور العام حتى بعد التخصيص فانا لا نقول في المخصص المنفصل ان العام له دلالتان بل نقول ان له دلالة واحدة والدليل الآخر وهو الخاصّ يكون أيضا ظاهرا في معنى فيقدم ظهور الخاصّ على العام لأقوائيته.

واما كلامنا مع شيخنا النائيني (قده) هنا فيرجع إلى الاختلاف في المبنى فانه قده قال بان العام المخصص بالمتصل يكون من الأول محدودا فكأنه لا تخصيص أصلا والتمسك بالعامّ فيه في مورد الشك يكون تمسكا بالعامّ من غير ثبوت تخصيص فيه أصلا وفي المخصص المنفصل أيضا يمكن التمسك بالعامّ في موارد الشبهة ولا يضر بالعامّ بل يضر بإطلاقه فان العام وان كان لتوسعة ما يراد من المدخول ولكن حيث ان المدخول صار مقيدا من جهة لا ينافى التمسك بالعموم من ساير الجهات فإذا خصص من ناحية الفسق لا ينافى عمومه من ساير الجهات إذا قيل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم فالعام بعد التخصيص حجة ولا إشكال فيه.

١٥٥

وفيه ان كلامه قده متين على حسب مبناه ولكن مر ان العام لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول لا المراد وان العام لا يعنون بضد الخاصّ ولا نحتاج مع مقدمات الحكمة لإثبات ما يراد من المدخول إلى لفظة الكل.

ثم انه قد ظهر حجة المفصل بين المخصص المتصل والمنفصل في مطاوي ما ذكرناه من الكلمات وحاصله ان العام إذا خصص بالمتصل فكأنه ما خصص أصلا فيكون حجة وينعقد الظهور في المضيق من الأول واما في المنفصل فلا يكون حجة لانعقاد الظهور أولا والشك بعد التخصيص في مقدار دلالة العام على الافراد فلا ندري أي مقدار منه يكون باقيا تحته.

وحاصل الجواب عدم الفرق بين المخصص المتصل والمنفصل فانه في المخصص المتصل يكون العام من الأول دالا على الافراد والمنفصل أيضا يخرج عنه ما دل المخصص على خروجه ويبقى الباقي تحته.

فصل في بيان إجمال المخصص

ثم ان المخصص إذا صار مجملا فهل يسرى إجماله إلى العام أم لا وهل يكون الفرق بين كون إجمال المخصص راجعا إلى الأقل والأكثر مثل قول القائل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم فدار امر الفساق بين ان يكون مصداقهم هو مرتكب الكبيرة فقط أو يشمل مرتكب الصغيرة أيضا فيكون الشك في كثرة التخصيص وقلته وبين ان يكون المخصص امره دائرا بين المتباينين بان لا نعلم ان المصداق له هل هو هذا أو ذاك مثل القرء الذي يكون دائرا بين ان يكون حيضا أو طهرا فيه خلاف وقبل البحث فيه ينبغي تقديم امر وهو ان العام كما مر لا يعنون بعنوان ضد الخاصّ خلافا لشيخنا النائيني قده في المخصص المتصل فان ما مر من هذا البحث عنه في السابق كان شاملا للمخصص مطلقا وهنا يقول بالتعنون في المخصص المتصل فقط فكان القائل

١٥٦

إذا قال أكرم العلماء الا الفساق منهم قال أكرم العلماء العدول على مذهبه قده.

واما نحن فنقول التخصيص يكون مثل موت الفسقة فكما انه لا يضر بساحة العام كذلك التخصيص وهو قده يجب ان يقول بان لب الإرادة أيضا يعنون بعنوان ضد الخاصّ وان لم يصرح به وفي المخصص المنفصل قال بأنه ان قلنا بان المخصص كذلك يوجب هدم ظهور العام بعنوان العام بضد الخاصّ بقاء بخلاف ما إذا قيل ببقاء الظهور وهدم الحجية.

إذا عرفت ذلك فنقول البحث هنا في مقامات : المقام الأول فيما إذا كان المخصص المتصل مجملا والحق (١) انه يسرى إجماله إلى العام لأن لب الإرادة من العام لا يكون حده معلوما فانا لا نعلم في المثال الذي مر ان العام محدود بمرتكب الكبيرة أو مرتكب الصغيرة وعلى فرض قول شيخنا النائيني بالتعنون فهذا واضح لأنا لا نعلم ان العالم العادل الذي هو مصداق العام هل يكون خصوص تارك الكبيرة أو يشمل التارك للصغيرة أيضا ، المقام الثاني في المخصص المنفصل فانه يختلف القول فيه على اختلاف المسالك فانه تارة يقال بان العام يعنون بعنوان ضد الخاصّ وتارة يقال بعدمه وأيضا تارة يقال (٢) بأنه هادم الظهور وتارة يقال بأنه هادم الحجية فقط فعلى مسلك التحقيق من ان العام لا يعنون بعنوان ضد الخاصّ وهو هادم الحجية فقط فنقول إجمال المخصص كذلك لا يسرى إلى العام فيكون تخصيص العام بالنسبة إلى المتيقن مسلما مثل

__________________

(١) أقول للعام قدر متيقن وقدر مشكوك لا عذر لأحد في المتيقن الباقي تحته من الافراد تمسكا بالإجمال انما الكلام في المشكوك وفيه يشكل التمسك بعموم العام كما هو واضح.

(٢) الحق انه هادم الظهور والحجية كليهما كما هو دأب العقلاء والمتكلمين وسيجيء انه يمكن التمسك بالعامّ أيضا لأن المتيقن من هدم الظهور هو هذا المتيقن لا غيره.

١٥٧

مرتكب الكبيرة بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة في المثال الذي مر يكون الشك في زيادة التخصيص فيتمسك بالعامّ لرفع الشك واما على مسلك شيخنا النائيني قده (١) وهو ان العام يعنون بعنوان ضد الخاصّ فيشكل التمسك بالعموم عند الشك لأن لب الإرادة يخصص بواسطة المخصص والعام لا يكون عنده إعطاء الحجة لمقام الشك بل يقول بان العام لا أثر له بعد تخصيص لب الإرادة.

مع ذلك يقول بان العام يكون حجة عند الشك وبيانه ان المقتضى لوجوب إكرام العالم موجود والمانع وهو الخاصّ غير معلوم في غير المتيقن فلا مانع من التمسك بالعامّ.

وفيه ان مثل المحقق الخراسانيّ قده القائل بان العام يكون لإعطاء الحجة عند الشك يكون له ان يقول بذلك وان كان لب الإرادة عنده أيضا مخصصا لكن الكاشف وهو العام حيث لا يخصص بالزائد من المتيقن لا وجه لتخصيص الإرادة بالأزيد منه واما هو قده فيقول بتخصيص لب الإرادة ولا يقول بان العام ضابطة عند الشك حتى يمكنه التمسك به في المقام وان كان لا يقول بان الخاصّ يكون هادما للظهور بل هادما للحجية.

واما القائل (٢) بان الخاصّ يكون هادم الظهور أيضا لقرينيته للعام بقاء فحيث يسقط ظهور العام عنده بعد ورود التخصيص لا يكون له التمسك به عند الشك فيكون إجماله ساريا إلى العام.

__________________

(١) أقول انه قده في هذا البحث في تقرير بحثه (أجود التقريرات) حرر بان المنفصل لا يوجب التعنون فارجع إليه.

(٢) أقول لهذا القائل ان يتمسك بالعامّ ويقول بان المتيقن ، من هدم الظهور هو المتيقن من التخصيص ولا دليل لنا على أزيد منه كما هو التحقيق.

١٥٨

ثم انه ربما يقال بان البحث في ان العام هل ينهدم ظهوره فقط بورود الخاصّ المنفصل أو تنهدم حجيته فقط يكون في العام والخاصّ عند المحاورين والمتكلمين في أمورهم العرفية وكثيرا ما يأتون بالمخصص المتصل أيضا واما العام والخاصّ في الروايات عن أئمتنا عليهم‌السلام فكثير اما يكون بنحو الانفصال ولكن حيث ان كلام أولهم يكون كلام آخرهم عليهم‌السلام فلا محالة يجب ان يقال بان العام يعنون بعنوان ضد الخاصّ أو يقال بان الخاصّ يكون هادما للظهور والحجية كليهما مثل المخصص المتصل والمهم في نتيجة هذه المباحث هو ما صدر عنهم عليهم‌السلام.

وفيه ان المبنى غير صحيح فانه لم يثبت ان كلامهم عليهم‌السلام يكون واحدا حتى يكون المنفصل مثل المخصص المتصل وعليه أيضا لا نسلم صيرورة العام معنونا بضد الخاصّ هذا كله في صورة دوران الأمر في التخصيص بين الأقل والأكثر.

المقام الثالث في صورة كون دوران الأمر بين المتباينين والتحقيق فيه هو ان الخاصّ حيث لا يكون له قدر متيقن يوجب إجمال العام ولا يتمسك به على المسالك.

إيقاظ : ان ما ذكرنا من التمسك بالعامّ في صورة الشك في المخصص يكون في صورة كون العام مخصصا بالعنوان الواقعي الذي يكون للخاص مثل الفسق الواقعي كما هو الظاهر من الأدلة ودأب المتكلمين واما إذا كان التخصيص بمن علم فسقه فيكون التخصيص فيمن علم بأنه فاسق ولا يشمل غيره ممن شك فيه من رأس على جميع المسالك وهذا محتاج إلى دليل خاص كان يقال أكرم العلماء الا المعلوم فسقهم.

وينبغي التنبيه على أمور في المقام الأول في انه هل يكون تخصيص فرد عن الحكم مرجعه إلى التخصص أم لا مثلا إذا قيل أكرم العلماء ثم قيل لا تكرم زيدا فهل يكون مرجع إخراج زيد عن حكم الإكرام إلى عدم كونه عالما أو لا.

١٥٩

التحقيق عدم كون العام في صدد هذه الجهة حتى إذا شك في ذلك نتمسك به ونقول بان خروج هذا الفرد يكون من باب التخصص فما عن الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة وكذا ما عن الخراسانيّ (١) في الصحيح والأعم من التمسك بالعامّ لرفع هذا الشك والقول بالتخصص لا وجه له فان العام يكون في مقام طرد الشك عن شموله كما هو مصداق له واما ما هو خارج عن حكمه فلا يكون في صدده.

فان قلت ان من المسلم في المنطق ان القضية الصحيحة هي التي يكون لها عكس نقيض صحيح ومن المسلم أيضا ان مثبتات الأمارات حجة دون الأصول وما ذكرتموه يكون مخالفا للقاعدتين فاما الأول فلان عكس نقيض قولنا يجب إكرام كل عالم هو ان كل من ليس بعالم لا يجب إكرامه فإذا دل الدليل على ان زيدا لا يجب إكرامه نفهم بالالتزام من العكس انه ليس بعالم ولذا لا يجب إكرامه وحيث ان هذا أمارة ومثبتها حجة فنأخذ به ونقول زيد ليس من العلماء فلا إشكال في التمسك بالعامّ في ذلك.

قلت ان الفرق بين الأمارة والأصل لا يكون من جهة حجية مثبت أحدهما دون الآخر بل من باب ان أحدهما موضوعه الشك وهو الأصل والآخر مورده الشك وهو الأمارة فرب أمارة لا يكون مثبتها حجة من جهة ورب أصل يكون مثبته حجة مثل أصالة الصحة.

__________________

(١) أقول بحث المحقق الخراسانيّ في الصحيح والأعم يكون في خصوص المعاملات لا مطلق ما خصص وحاصله ان المعاملات أمور عرفية والشرع والعرف متفقان في ان الاسم موضوع لخصوص الصحيح منها وتخطئة الشرع العرف في بعض الموارد تكون كاشفة عن عدم صدق الاسم عليه ويكون خروجه بالتخصص لا بالتخصيص وهو مد ظله أيضا موافق معه في هذا المبنى كما فصله في مباحث الخيار وأوائل البيع في تقرير أصالة اللزوم فيه وان كان مبناه قده خلاف التحقيق فانا لا نجد من تخطئته التخصص والبحث موكول إلى محله.

١٦٠