مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

والحمد كله لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وآتاه الله الحكم وفصل الخطاب وعلى آله الأطهار الأبرار الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واللعنة الدائمة على مخالفيهم وغاصبي حقوقهم ومناصبهم إلى يوم الدين

تذكرة فيها تبصرة لأهمية مباحث الألفاظ

اما بعد فقد وعدت في الجزء الأول من كتابي المسمى بمجمع الأفكار ان أهدي إليكم أيها الإخوان المحصلون أيدكم الله وإياي تذكرة أخرى بعد ما جئت بتذكرة فيه في المقدمة وهي العمدة فأقول انه لا شبهة ولا ريب في ان الألفاظ قوالب المعاني وكل إنسان يظهر مطلوبه اما بالتلفظ واما بالكتابة أو غير ذلك كالإشارة باليد وسائر الجوارح والعمدة في إظهار ما في الضمير هو الكتابة والتكلم بالألفاظ.

ومن المعلوم ان الألسنة المختلفة من العربية والفارسية والإنجليزية وغيرها لها لغات مختلفة ولا بد في مقام استعمالها من مراعاة الوضع في جميع ذلك وليس لأحد أن يخرج عن طريقة الواضعين في ذلك اللسان ولا استنباط لغة من لغة أخرى فربما يكون المصدر له معنى ولا يكون لمشتقاته هذا المعنى بل معنى آخر فلو كان مثلا لكلمة العذب معنى يسمى بالفارسية گوارائى ليس لأحد ان يقول ان العذاب أيضا من هذه المادة فهو أيضا عذب فان هذا إثبات اللغة والوضع

٣

بواسطة العقل ومن عند النّفس من دون ملاحظة وضع الواضع وبعبارة أخرى ما شاع بين النحويين من ان المصدر أصل الكلام قد أبطل عند الأصوليين المتأخرين بان وضع المشتقات ليس بقانوني بل يكون وضع كل كلمة بإزاء كل معنى بنحو الجمود فمن الممكن ان يكون للضرب معنى وهو بالفارسية زدن وللإضراب بفتح الهمزة معنى آخر وهو الأمثال والنّظائر والقواعد التي عندهم وان كانت متبعة إلّا ان الخروج عنها أيضا في بعض الموارد يكون غير منكر ولذا تريهم يقولون مثلا مات ماضي يذر ويدع بل ندعي ان الظهور الكلامي ربما لا يكون كظهور مفرداته عند الوضع فان مراد المتكلم يفهم من صدر كلامه وذيله وربما يكون الصدر قرينة للذيل وربما يكون بالعكس ولذا نفهم من قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما (النساء آية ١٦٢) ان المراد بالكلام هو التلفظ بإيجاد الصوت في الشجرة لظهوره كذلك ونفهم من قوله تعالى ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح (آل عمران آية ٤٠) ان المراد بها هو جهة مبرزية الكلام ولذا يصدق على المسيح عليه‌السلام انه كلمة منه.

وإذا كان الكلام في امر نبع الماء وسفينة نوح في قوله تعالى واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ثم ورد قوله تعالى ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون (في سورة هود آية ٣٩) فلا مجال لتوهم ان الغرق يكون في بحر المحبة والرحمة وتوهم ان ما ورد من الوعيد بالنار من الآيات المباركات يكون المراد منها نار العشق بصرف إطلاق النار عليه أيضا حقيقة أو مجازا كما يزعم من خرج عن قانون المحاورة والعقلاء ويدعى من عند نفسه ان له لغة مختصة به فان المتكلم بالعربية لا بد ان يلاحظ وضع لغة العرب وفهم عامة العقلاء الظهور من اللفظ لا ان يدعى من قبل نفسه ان معنى هذه اللغة هكذا أو ظهور العبارة كذا وانا افهم لا غيري.

٤

فان من فهم من غير طريق اللفظ ان كان نبيا أو وصى نبي معصوم فالمتبع فهمه من طريق آخر وان كان غير معصوم فنضرب كلامه على الجدار ولا نصغي إلى ادعائه حتى انه لو ادعى الكشف والشهود نقول له ما لا إمضاء له من معصوم لا وقع له فانه ربما جاء من الأوهام الشيطانية ووساوسه ومن أين لنا إثبات ان هذا وصل إلى الحق بل لعله وصل إلى الباطل حسب طغيان نفسه بخروجه عن قالب المعنى وهو اللفظ ودخوله في عالم الوهم والخيال فهو كالنساج نسج العنكبوت وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت.

ومن هذا الطريق هلك من هلك وهلك من هو تابع له وظهر في مقابل منطق المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين منطق من يسمى نفسه بالعارف بالحقائق ويوجب خلط الحقائق بل لا منطق له لأنه يتكلم كيف يشاء بما يشاء أعاذنا الله تعالى من هذا الطريق ورزقنا الله فهم كلمات المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

واما الرؤيا الصادقة فلا ننكرها كما لا ننكر الكشف والشهود إلّا انه ما لم يحصل منطبقهما في الخارج لا طريق لنا لإثبات الصدق فضلا عن وجود نصّ صريح على خلافه.

والحاصل إذا كان للفظ معنى ظاهر فنتبعه وان كان معناه متشابها فنذره في سنبله ليبينه معصوم عالم بمعاني الألفاظ في ساير العوالم فان القرآن الشريف الّذي هو أفصح كلام وأبلغه منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فان كان في وسع المخاطب بيان مطلب من المطالب العالية فيبينون له وإلّا فيسكتون وهم المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين.

فمن باب المثال فارجع في تفسير ن في سورة القلم وانظر إلى الروايات في تفسير

٥

نور الثقلين وغيره فان كلمة «ن» فسرت في كلام المعصوم عليه‌السلام بأنه نهر في الجنة أو انها لوح من نور فان هذه الكلمة حيث لا يكون لها ظهور يفهمه كل أحد بل لا ظهور له بحسب الوضع اللغوي في لسان العرب ويكون معناه في غير هذا العالم لا بد ان يتبع وضع الله تعالى هذا اللفظ لذاك المعنى ولا طريق للبشر إلى فهم معناه بهذا النحو إلّا باخبار معصوم.

ولو تفوه من لا عصمة له بمعنى لأمثال هذه الألفاظ أو غيرها بادعاء الكشف والشهود لا نصغي إليه ولا يسمن ولا يغنى كلامه من جوع الجهل بل في رواية سفيان قال عليه‌السلام بعد كلام في ذيل تفسيره كلمة «ن» بأنها نهر في الجنة قم يا سفيان فلا آمن عليك : أي ليس في وسعك فهم هذه المعاني كما أقول ولا أتكلم بكلام لا يكون في وسع المخاطب فهمه فهلم إلى من يجلس في مجلس العوام ويدعى ما يدعى من فهم المعاني من غير دليل ليته يبين المتشابهات أو ما لا معنى له عندنا ثم ما كنا نسمع منه فانه يغير معاني ما هو أظهر من الشمس فكأنه وضع لإغراء الناس بالجهل والخروج عن الفهم.

ولعمري ان أمثال هذه الدعاوي صدر عمن صدر لعدم الإحاطة بالروايات الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام أو لعدم القدرة على الجمع بينها والتعمق فيها بل أخذوا شيئا قليلا منها واكتفوا بأوهامهم في بسط المعاني وكيف كان فنضرب عن هذا ذكرا ونذهب إلى أصل المطلب وهو ان المعاني لا بد ان يفهم من الألفاظ الموضوعة لها عند أهل المحاورة وليس لنا تحريف الكلام عن مواضعه ومن هنا لا بد من الدقة التامة في الآيات العقلية في القرآن المجيد المبينة لصفات الله تعالى وسائر الحقائق فإذا وصلنا إلى مورد ليس في وسعنا استفادة المعنى الّذي نريد من هذا اللفظ ليس لنا ان نطبقه على معقولاتنا إلّا إذا كان حكم العقل ضروريا بحيث يوجب الظهور للفظ فإذا كان الظهور البدوي من قوله تعالى «الرحمن على

٦

العرش استوى» على شيء ينكره العقل الضروري نفهم عن كلمة استوى معنى آخر وهو كون معناها استولى بتفسير أهله.

فإذا عرفت ذلك مجملا فنقول قد ظهر لك الاحتياج إلى بحث تام ودقة كاملة في فهم الظهورات من الألفاظ.

ويظهر ان مباحث الألفاظ في علم الأصول من أهم المباحث وأدقها ولا بد لكل ناطق وباحث ومفسر وفيلسوف وفقيه من كونه خبرة في كيفية فهم الظهورات من الألفاظ ولا يختص هذه المباحث بالفقيه فقط فان الأصول العملية ان كانت مختصة بالفقيه لكون فائدة قواعدها غالبا في الفقه من البراءة والاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ وأصالة الصحة وغيرها فمباحث الألفاظ لا تختص بعالم دون عالم فان الفيلسوف في مباحث الإلهيات بالمعنى الأعم أو بالمعنى الأخص أو في الطبيعيات إذا آل امره إلى الاستفادة من آية أو رواية بل إلى الاستفادة عن كلام من سبقه تأييدا لكلامه لا بد له من ملاحظة ظهور هذا الكلام فيما اراده وهكذا غيره.

فإذا دققت النّظر ترى ان صحة استعمال اللفظ فيما يناسب له وانه لا بد له ان تكون بشهادة الوجدان وعدم استهجانه ليكون التشبيه في الوجه الحسن بالقمر أو بالشمس لا بشيء آخر لا يختص بالفقه.

وجريان أصالة الحقيقة وأصالة عدم النقل وعدم الاشتراك وساير الأصول العقلائية لا يختص به وهكذا كون المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدإ أو في الأعم لا يختص به وظهور الأمر في الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة والنهي في الحرمة أو الكراهة لا يختص بالأمر الشرعي وان كان الفقيه يستفيد منه في الشرع وهكذا بحث كون الألفاظ موضوعة للصحيح أو الأعم لا يختص به وهكذا إلى بحث العام والخاصّ والمطلق والمقيد وتخصيص العام بالخاص والمطلق بالقيد والفرق بين الخاصّ والقيد المتصل وبين المنفصل وسراية الإجمال منهما إليهما وعدمها

٧

والفرق بين الحكومة والورود والتخصيص من جهة الدقة العلمية وغير ذلك مما لا يختص به.

وهكذا ساير المطالب الّذي لا مجال للإطالة هنا فان التذكرة لا وسع لها لنبين كل مورد من الموارد في مباحث الألفاظ ولا بد من استفادة خصوصيات الموارد من مجالس البحث ولا يسع مقالة واحدة بيان جميع ذلك.

ثم اعلم ان كل طلبة في أي شعب من شعب العلم لا بد له من بلوغ مرتبة الاجتهاد في مباحث الألفاظ ليمكنه الاستفادة منها بالتحقيق عند احتياجه ولا يكفى بحث ما هو المعمول من الكتب في السطح المتوسط سيما مع عدم التعمق في المطلب حقه بل لا بد من التدبر والتأمل فيما قالوه واختيار مسلك وطريق من الطرق بالجد والجهد عند علماء الفن مع فراغ البال فانه لا يمكن التخلص عن احتمالات كل مسألة واختيار وجه من الوجوه الا به وقبل هذا التعمق فالغالب كون المرء عدو ما جهله.

فبدا مما ذكرناه بحمد الله ان الاحتياج إلى المباحث اللفظية يكون لكل أحد ولو لم يرد كونه فقيها ان أراد ان يصير محققا في فهم الكلمات من عموم البشر بحيث يمكنه الاستدلال جدا بظاهر الكلام بل لو لم يكن مسلما أيضا يفيده فهي أوسع فائدة من غيرها بل مباحث الأصول العملية أيضا محتاجة إلى التعمق في الأصول اللفظية فكم من زلة أو زلات وقعت لغير واحد من باب الخروج عن قانونها والدخول في خلط فهم المعنى من الألفاظ بالاستنباطات العقلية في باب اللغة والوضع وينجو من ينجو من هذا الهلاك بقدر بسط يده في هذا العلم وبقدر نبوغه مع صفاء ذهنه وفي الخاتمة نرجو التوفيق من الله لما يحب ويرضى لنفسي ولإخواني المحصلين ببركة النبي الأعظم محمد وآله الطاهرين عليهم صلوات الله وسلامه وان يجعل لنا التوفيق للتفقه في أحكام الله تعالى من طريق الأئمة عليهم‌السلام ومن كتاب الله تعالى بهدايتهم وتعليمهم عليهم‌السلام.

٨

فانى ما أظن ان يكون علم أصعب من علم الفقه الّذي يكون علم الأصول مقدمة له خصوصا مع غيبة صاحبنا الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن العسكري عليه‌السلام كيف لا وهو شأن ولى الله وخليفته في أرضه وشأن الأنبياء طرا فانهم مع كون إظهار ساير العلوم في وسعهم كان اعتناؤهم بهذا العلم وعلم التوحيد وبيان الأحكام للناس لعدم وصول فهم البشر العادي إليه وإلى مصالحه والعلماء ورثتهم وساير العلوم حيث يكون غالبا لأمر الدنيا جعلوه للناس وبينوا أنموذجا منه لأن الناس لا يمكن ان يكونوا طلابا للمجهول المطلق وكل ما فهموه كان من طريق الأنبياء حتى صنعة اللبوس وغيره فيلزم التوجه إلى الله تعالى بكل الجهد لنصير قابلا لوراثتهم في ذلك فان الوراثة هذه كسبية وليست بقهرية والحمد الله وحده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المؤلف ـ ٢٧ شهر الصيام سنة ١٣٩٧

٩

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي خلق الإنسان وعلمه البيان والصلاة والسلام على الناطق بالصواب محمد وآله الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وسيما على الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن صاحب الزمان روحي وأرواح العالمين له الفداء واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

اما بعد فهذا هو الجزء الثاني من مباحث الألفاظ في الأصول من كتاب مجمع الأفكار تقريرا لبحث العلامة الفهامة المحقق المدقق آية الله العظمى الحاج ميرزا هاشم الآملي النجفي أدام الله ظله حاميا للدين والمسلمين بيد مؤلفه الأقل محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي القمي مع ما بلغ إليه النّظر القاصر في تذييلاتها حسب ما يقتضيه المجال والحال من رسم التقرير والتذييل وحققتها بحسب الوسع والله تعالى هو المعين ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى وعليه التوكل.

١٠

المقصد الثاني في النواهي

فصل في معنى النهي

قال المحقق الخراسانيّ (قده) في معنى النهي بأنه يكون طلب ترك الفعل كما ان الأمر يكون طلب فعله والبعث إليه ومعنى طلب الترك هو إبقاء العدم فانه يكون تحت الاختيار على ما هو مقتضى الفطرة فلا يشكل بان النهي عن الشيء بمعنى طلب عدمه لا معنى له لأن العدم ليس بشيء.

لكن في المقام بحث وهو ان الوضع في المشتقات اما ان يكون قانونيا أو بنحو الجمود فعلى الأول يجب ان يكون لنا مادة وهيئة فكما ان في الأمر بالضرب تكون مادة وهي الضرب وهيئة وهي ربطه بالفاعل ربطا بعثيا كذلك في النهي عن الضرب يجب ان يكون لنا مادة يتعلق بها الزجر مع ان الترك لا يكون شيئا حتى يكون الربط إليه متصورا لأن الربط يحتاج إلى مربوط ومربوط إليه فعلى هذا يكون تعبيره بان النهي هو طلب الترك خلاف البرهان واما على فرض كون وضع المشتقات على نحو الجمود فمحالية كون الترك مطلوبا يكون بالوجدان لا بالبرهان فالصحيح ان يقال كما ان الأمر يكون بعثا إلى الوجود أو الإيجاد كذلك متعلق النهي يكون الوجود ويكون النهي هو الزجر عنه.

ثم ان النواهي يكون من أسباب الردع في الإرادة التشريعية ولا يجب ان يكون المقتضى في الفاعل موجودا حتى يصح الردع عن المنهي عنه مثلا من لا يكون فيه الداعي لفعل شرب الخمر والزنا يجوز نهيه عنه بمعنى جعل الداعي على تركه بحيث لو شاء ان يفعل يكون له الداعي على الترك فلا يكون معناه الكف عن الوجود أيضا

١١

في المرة والتكرار في النواهي

ثم انه لا دلالة لصيغة النهي على المرة ولا التكرار كما ان الأمر أيضا لا يقتضى أزيد من البعث إلى صرف الوجود إلّا ان تكون قرينة على الدلالة على أحدهما ولا يمكن إثبات السريان بمقدمات الإطلاق أيضا بان يقال ان المولى كان في صدد البيان ولم يبين قيد المرة فالطبيعة تدل على السريان لأن المقسم وهو الطبيعة المهملة لا يكون فيه قيد السريان ولا عدمه فان الإطلاق قيد للطبيعة يجب إثباته كما ان التقييد أيضا كذلك ولكن بعد عدم إمكان كون المهملة تحت الخطاب فبضميمة حكم العقل نفهم المراد وان المنهي جميع الافراد.

وقد يقال بان القرينة العامة في النواهي وهي الكاشفية عن المفسدة تكفي لإثبات السريان وهو كما ترى لأن المطلوب يمكن ان يكون ترك مفسدة صرف الوجود يعنى تكون المفسدة في صرفه لا في الطبيعة السارية.

ثم انه على فرض كون النهي للسريان قال المحقق الخراسانيّ (قده) بان المكلف إذا عصى الامتثال في بعض الأزمان يكون النهي باقيا في غيره سواء قلنا بتعدد المطلوب أو وحدته لأن النهي إذا كان ساريا ينحل إلى الافراد في كل زمان طوليا وبالنسبة إلى كل فرد عرضيا لأن النهي كاشف عن المفسدة ولا تختص مفسدتها بزمان دون آخر.

وفيه انه على ذلك أيضا يمكن ان يكون المجموع من حيث المجموع تحت النهي بحيث لو عصى فرد منه لا يبقى مجال لدرك مصلحة ترك بقية الافراد فمن أين يقال لا فرق بين تعدد المطلوب ووحدته فانه على الأول يمكن ان يكون النهي باقيا بعد العصيان بخلافه على الثانية فيجب البحث عن إثبات وحدة المطلوب وتعدده

١٢

واما الكشف عن المفسدة مطلقا فائضا يمكن منعه لاحتمال حصول المفسدة بعصيان الفرد وعدم الأثر لإتيان ساير الافراد لحصول ما يحترز عنه بفرد واحد.

نعم في مقام الإثبات يمكن ان يقال ان قيد المجموعية من حيث المجموع بعد السريان يحتاج إلى مئونة زائدة فان الظاهر ان كل فرد يكون منهيا عنه وان لم يكن الامتثال بالنسبة إلى ساير الافراد ولكن لا يمكن رفع القيد بالإطلاق المقامي ولا بأصالة عدم كونه قيدا نعم تجري البراءة بالنسبة إلى الحكم.

ثم انه لا فرق على فرض السريان بين الافراد التدريجية وغيرها فان كل دليل يستفاد منه السريان في الافراد العرضية : يستفاد منه السريان في التدريجية سواء كان عمومية المفسدة أو ساير الطرق ولا يكون الزمان الا ظرفا للحكم ولا يكون قيدا حتى لا يكون الحكم على الفرد في غيره هذا ما قيل.

ولا يرد عليه ان الأحكام على نحو القضايا الحقيقية فلذا يكون السريان في الافراد الطولية والعرضية كليهما فان النهي إذا كان عن شرب الخمر لا يكون النّظر إلى الافراد الخارجية بخصوصيتها بل إلى نفس الطبيعة وهي قابلة للانطباق على كل فرد فلا نحتاج إلى ما قيل من عدم قيدية الزمان لأنه يقول ان هذا طريق آخر غير القول بان الأحكام على نحو القضايا الحقيقية ولا إشكال في تعدد الدليل على مطلب واحد.

ولكن الإشكال عليه هو انه من أي دليل ثبت ان الزمان يكون ظرفا لا قيدا وعلى فرض كونه كذلك أيضا لا يفيد لأن إثبات صرف الوجود أو الطبيعة السارية في النواهي أيضا يكون كالأوامر فربما يكون الزمان ظرفا ولكن نفهم ان المنهي صرف الوجود مثل ان نعلم ان الملاك للنهي هو الأمر الفلاني وقد حصل بالفرد مثل النهي عن أكل الثوم لرائحته فانه إذا حصلت الرائحة الكريهة ولا تشتد بأكل ساير الافراد لا يكون النهي عنه في المرة الثانية والثالثة وهكذا فظرفية الزمان لا تدل على السريان.

١٣

الفصل في اجتماع الأمر والنهي وامتناعه

اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه على أقوال فقيل بعدم الجمع مطلقا وقيل به مطلقا وقيل بأنه في مقام الجعل غير ممتنع وفي مقام الامتثال ممتنع.

ثم لا يخفى انه لا يكون هذا التعبير يعنى اجتماع الأمر والنهي في عنوان الباب مناسبا بعد تضاد الأحكام فانه لا يجوز الجمع بين المتضادين أعني الأمر ـ والنهي فالمناسب ان يقال هل يسرى الأمر إلى متعلق النهي بواسطة تعدد الجهة أم لا.

ثم قبل ذكر مقدمات القوم في المقام يجب ان تعلم مقدمة منا منقحة لموضوع البحث وهي ان البحث تارة يكون في جوازه في مقام الجعل والسراية فيه وأخرى يكون البحث في مقام الامتثال.

ثم ان البحث هل هو صغروي أو يكون صغرويا في الصغروي كما عن شيخنا النائيني (قده) فانه قال بان البحث يكون في ان الواحد هل يكون ذا عنوانين وجوديين انضماميين أو لا يكون الشيء الواحد الا وجودا واحدا بعد فرض جواز الاجتماع ثم النزاع أيضا يكون من جهة ان الباب هل هو باب التزاحم أو باب التعارض من باب ان الجهة تقييدية بمعنى ان الحركة الصلاتية لا يمكن ان يكون النهي عنها حتى لا يكون الملاك الا للصلاة أو للغصب فيكون الباب باب التعارض فان باب التعارض لا زال يكون الملاك فيه واحدا ولا يمكن ان يكون الملاك فيه للنهي والأمر كليهما مثل ثمن العذرة سحت ولا بأس بثمن العذرة أو ان الحركة لأنها صلاة مثلا لا يمكن ان يتعلق بها النهي ولأنها غصب لا يمكن ان يتعلق بها الأمر حتى

١٤

يكون الباب باب التزاحم فان وجود الملاك لكل واحد منهما وعدم القدرة على الاجتماع يكون ملاك باب التزاحم وكيف كان بعد تلك المقدمة ينبغي البحث عن المقدمات عند القوم.

المقدمة الأولى

وهي المقدمة الثالثة في الكفاية وهي ان المسألة هل تكون أصولية أو كلامية ومن مبادئ الأحكامية فيها خلاف.

والحق ان فيها مجال البحث والتطبيق في الثلاث من جهات شتى اما كونها أصولية فلان البحث الأصولي هو الّذي تقع نتيجته كبرى للصغريات الفقهية ففي المقام ان قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي يمكن تصحيح الصلاة في الدار الغصبي في صورة الجهل به برهانا لا بالإجماع فقط وتكون هذه ثمرة فقهية وعلى فرض عدم جواز الاجتماع في صورة الجهل بالغصبية يتمسك بالإجماع وفي صورة العلم به لا يمكن ان يكون للعبادة امر فمن قال بوجوب وجود الأمر لتصحيح العبادة مثل صاحب الجواهر (قده) لا يمكنه تصحيح العبادة بدونه كما سيأتي البحث عن ذلك عند بيان الثمرة للبحث.

واما صحة كونها كلامية فمن باب ان مآل البحث عن ذلك يرجع في صورة عدم جواز الاجتماع إلى عدم إمكان التكليف لأنه يكون من التكليف بالمحال ولا يصدر عن المولى الحكيم وما قيل من ان البحث الكلامي يكون في صورة بيان الثواب والعقاب لا وجه له لأن البحث عن امر تكويني إذا رجع إلى وجود التكليف وعدمه يكون كلاميا لا البحث عن الثواب والعقاب فقط ولا يخفى على المتدبر ان موضوع الفلسفة والكلام واحد كما قرر في محله فلا وجه لما عن شيخنا النائيني (قده) من ان البحث عن واقعية من الواقعيات لا يكون مربوطا بالكلام بل مربوط بالفلسفة.

١٥

واما صحة كون البحث عن مبادئ الأحكامية فمن باب انه يكون البحث عن ان الوجوب والحرمة هل يجتمعان أم لا والبحث عن الاجتماع وعدمه يكون من البحث في حال من حالات الحكم والبحث عن مباديه معناه البحث عن عوارضه فتحصل ان البحث أصولي أيضا في المقام مع إمكان كونه غير أصولي أيضا.

المقدمة الثانية

في حقيقة معنى الواحد الّذي يكون البحث في انه هل يكون مجمع الحكمين المتضادين فقد توهم كما عن صاحب الفصول وغيره بان المراد هو الواحد الشخصي الخارجي لا الواحد النوعيّ مثل السجود لله وللصنم فان السجدة نوع واحد افرادها لله تعالى والآخر للصنم وتوهم ان المسألة تصير أصولية إذا كان البحث عن الواحد الشخصي لأنه يكون البحث في ان الواحد الشخصي هل يجوز تعلق الأمر والنهي به أم لا ولا إشكال في إمكان تعلق النهي بالسجود للصنم وتعلق الأمر بالسجود لله تعالى جل شأنه فلا يكون محل البحث والنزاع.

ولكن التحقيق غير ما ذكروه فان البحث ليس في الواحد الشخصي الخارجي لأن ما في الخارج وهو الحركة الشخصية في مثل الصلاة والغصب ينطبق عليه عنوان الغصب والصلاة من باب تطبيق ما كان فوق المقولة على المقولة مثل تطبيق عنوان من في الصحن على الرّجال والنساء ولا شبهة في ان الخارج ظرف سقوط الأمر أو النهي والكلام يكون فيما قبله أي قبل الامتثال والعصيان في الخارج ولا يحصل التعدد في الخارج بواسطة تعدد العنوان.

فما هو محل البحث هو ان الأمر بطبيعي الحركة من باب انها صلاة هل يسرى إلى محل النهي عن طبيعي الحركة من باب انها غصب بالانحلال حتى يجوز الاجتماع أو لا يمكن سريان مورد الأمر بالحركة إلى مورد النهي عنه حتى

١٦

لا يجوز الاجتماع فان البحث هكذا بحث كلي ولا يكون الشخص محل الكلام.

فالطبيعي قبل الوجود هو الّذي يكون محل البحث لا انه بعد الوجود كما عن شيخنا النائيني (قده) فانه يقول بان ما ذكرناه يعنى تعلق النزاع بالطبيعي يكون أحد شطري البحث وشطره الأخر هو ان الفرد الشخصي الخارجي هل يمكن ان يقال انه وجود ان انضماميان بواسطة تطبيق العنوانين عليه حتى يكون متعلق النهي شيء ومتعلق الأمر شيء آخر أم لا.

ولا يخفى ما فيه من ان الوجود الواحد من الحركة في الخارج لا يصير حركتين وتحت مقولتين أو فردين من مقولة واحدة بل فرد من مقولة الحركة في المثال المعروف يعنى الصلاة في المكان الغصبي ولكن نحتمل ان يكون هذا من اشتباه المقرر أو وقع سهو في الكلام فانه (قده) أجل شأنا من ان يقول بهذا القول فتحصل ان البحث يكون في الطبيعي قبل الوجود ولا شبهة في عدم تعدد الفرد الخارجي بواسطة تطبيق العنوانين عليه.

المقدمة الثالثة

في تحرير محل النزاع في المقام فان الظاهر من عنوان البحث بأنه هل يجوز اجتماع الأمر والنهي هو الأمر والنهي الفعليان ولا شبهة في عدم جواز اجتماعهما كذلك على الواحد من حيث انه الواحد لأن هذا القول لا يوافق أحد المذاهب الثلاثة في باب اجتماع الأمر والنهي بيانه ان المسالك في بيان القول الجواز ثلاثة.

الأول ما عن الميرزا القمي (قده) وهو ان أفق متعلق الأمر غير أفق متعلق النهي ولا يأتي من أفق الطبيعة إلى الخارج لأن الطبيعة الواحدة من الحركة كيف يمكن ان يكون الأمر والنهي الفعليان متوجهين إليها.

١٧

والمسلك الثاني مسلك شيخنا النائيني (قده) ومن تبعه وهو أنه من وجود الأمر والنهي على الواحد يكشف انا ان المتعلق يكون له وجودان انضماميان فهو (قده) أيضا لا يقول بتعلق الأمر والنهي بالواحد.

والمسلك الثالث مسلك من قال بان الواحد حيث يكون منطبق عنوان الصلاة والغصب يمكن ان يتوجه إليه الأمر والنهي كل على عنوان فلا يكون الواحد من حيث انه الواحد على جميع المسالك مجمعا لهما حتى يقال هل يجوز اجتماعهما فيه أم لا.

فان قلت يمكن ان يكون المراد من اجتماع الحكمين الحكم الإنشائي فانه على فرض جواز الاجتماع في ذلك المقام يصير الباب باب التزاحم لوجود الملاك لكليهما في مقام الإنشاء وانما الإشكال في الامتثال من باب عدم القدرة على الجمع واما على فرض عدم الجواز فيكون الباب باب التعارض ولا يبقى الملاك الا لأحدهما بعد الترجيح.

قلت سواء قلنا بالجواز أو لم نقل يكون الباب باب التزاحم لوجود مصلحة الأمر ومفسدة النهي وانما الإشكال في سريان الحكم من أحدهما إلى مورد الآخر ولا يمكن الحكم الإنشائي أيضا كذلك بان يريد المولى الغصب وفعل الصلاة بحركة واحدة لأن الإشكال في باب اجتماع الأمر والنهي لا يكون من باب اجتماع الضدين حتى يقال بأنه يمكن ان يكون الحكمان في مقام الجعل والإشكال نشأ من ناحية كونهما ضدين بل من باب عدم قدرة العبد على امتثال التكليف حتى انه في إنقاذ الغريقين أيضا إذا كان الإنقاذ غير مقدور للعبد في زمان واحد بالنسبة إليهما لا يمكن ان يكون الأمران والإرادتان فعليين أو إنشائيين لعدم قدرة العبد على الامتثال فلا مجال للبحث عن انه هل يجوز الاجتماع أم لا في مقام الجعل أيضا وهذا إشكال عنوان البحث وطرحه هكذا يعنى التعبير بأنه هل يجوز الاجتماع أم لا.

فالصحيح ان يقال يجب ان يطرح البحث بأنه هل يجوز اجتماع الحب

١٨

والبغض في مرتبة ما بعد المصلحة والمفسدة وما قبل الإرادة والجعل والفعلية أم لا فانه يمكن ان يكون الشيء محبوبا ومبغوضا في نفس المولى لمصلحة من وجه ومفسدة من وجه ولا يريده لأنه يرى عدم قدرة العبد على الامتثال ففي فرض إمكان تصوير جمع الحب والبغض يكون إتيان العمل بدون الأمر مثل الصلاة منسوبا إليه فان منسوبية محبوبية الشيء إلى المولى هي مورد البحث لا محبوبيته في نفسه فلا يكون المقام مثل مدحت اللؤلؤ لصفائه فتصح الصلاة مثلا على فرض الإمكان واما على فرض عدم إمكان اجتماع الحب والبغض فلا يبقى مجال للقول بصحة العبادة كذلك الا في صورة تقديم جانب الأمر لا جانب النهي.

فتحصل ان البحث لا يكون في مقام الجعل ولا الفعلية بل في ما قبلهما والمدار على المحبوبية والمبغوضية لا المصلحة التي تكون للشيء قبل ذلك ولا الجعل الّذي بعده والحاصل المصلحة والمفسدة متقدمتان على المحبوبية والمبغوضية هما متقدمتان على الجعل والمدار على الوسط من المقامات.

المقدمة الرابعة

في فرق مسألة اجتماع الأمر والنهي مع مسألة النهي في العبادة وفيه خلاف فقيل بان المقام يكون البحث في صورة كون العنوان الّذي يكون متعلق النهي مثل الغصب غير العنوان الّذي يكون متعلق الأمر كالصلاة بخلاف باب النهي في العبادات فان النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق مثل صل ولا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه.

وفيه انه يمكن ان يكون النسبة فيها أيضا عموم من وجه كما يقال صل لا تصل في الدار المغصوبة فان الغصب يكون منهيا عنه والصلاة مأمور بها ففي مورد الاجتماع يصدق عنوانهما جميعا فلا يكون الملاك في الفرق ما ذكر وقيل بان

١٩

الفرق بين المقامين هو ان المسألة الثانية تكون من صغريات البحث عن المسألة الأولى على فرض القول بالامتناع والتعارض فانه إذا ثبت في المقام انه لا يمكن اجتماع الأمر والنهي في الصلاة في الدار المغصوبة يظهر ان العبادة كذلك غير صحيحة فيقال بان النهي في العبادات موجب للفساد لعدم جواز الاجتماع واما على فرض القول بالاجتماع فلا يكون كذلك لأن الفرض أن النهي عنها موجود.

وقال المحقق الخراسانيّ (قده) بان الفرق بين المقامين هو تعدد الجهة ووحدتها وان المقام يكون كبرى للنهي في العبادة إذا قلنا بعدم جواز الاجتماع وبتقديم جانب النهي لأنهما على هذا ينتجان نتيجة واحدة لكن مع كون ذاك الباب عنده أيضا باب التزاحم.

وفيه ان الفرق بين المقامين هو ان القائل بعدم جواز الاجتماع هنا يقول بصحة العبادة في الدار المغصوبة مثلا في حال الجهل لعدم تنجيز النهي فالامر يؤثر اثره بخلاف باب النهي في العبادة فانه سواء كان عالما أو جاهلا تكون العبادة باطلة لعدم الملاك في العمل كذلك فالفرق الواضح بين المقامين هو هذا ولم يكن ذاك الباب من صغريات هذا الباب ولو قلنا بالتعارض وبتقديم جانب النهي واما ما قاله (قده) من ان ذاك الباب باب التزاحم ويكون وجود النهي مانعا من الامتثال ويكون هذا المقام كبرى لذاك المقام فهو على حسب مبناه من التزاحم فلقد أجاد على مبناه فيما أفاد ولا يكون عليه إشكال لكن حيث ان النهي في العبادات يكون بابه باب التعارض كما سيجيء يكون مبناه فاسدا.

فتحصل ان التحقيق هو ان باب النهي في العبادات باب التعارض ببيان ان النهي إذا صار مقدما لا يبقى ملاك الأمر حتى يقال بصحة العبادة في صورة الجهل بواسطة الملاك بخلاف المقام فانه على فرض إمكان وجود المحبوبية والمبغوضية كلتيهما في نفس المولى سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي أو لم نقل يمكن تصحيح العبادة بواسطة الملاك في صورة الجهل وعدم فعلية النهي.

٢٠