مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

إذا بلغ قدر كر لم ينجسه كل شيء.

فاما ان يكون المراد بالسلب سلب العموم بمعنى ان كل شيء لم ينجسه بل بعض الأشياء ينجسه واما ان يكون المراد عموم السلب أعني كل فرد فرد من افراد النجس لا ينجسه فعلى الثاني يكون من السالبة الكلية ونقيضها على حسب الميزان هو ان الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه بعض الأشياء وهو لا يستقيم مع ما عليه الفقهاء من ان الكر لا ينجسه شيء أي شيء كان.

فقال شيخنا النائيني قده في هذا المقام بان القاعدة الميزانية وان كانت كما ذكر ولكن هذا لا ينافى الاستظهار فان معنى ما في المنطق هو ان الّذي يوجب سقوط السلب الكلي عن الكلية هو الموجبة الجزئية لا ان الموجبة الكلية لا يكون في وسعها النقيضية ففي المقام يمكن ان يستظهر من لسان الدليل ان الموجبة كلية.

وقد ينسب إليه ما لا يليق بشأنه العلمي وهو انه قيل انه قده يريد ان هذا وان كان بحسب العقل كذلك ولا محيص عنه ولكن يمكن الاستظهار على خلافه وفيه ان ما هو الممنوع عقلا كيف يمكن استظهاره وقوعا.

ثم انه قده قال في مقام الإثبات بان عموم الحكم اما يستفاد من الأدوات الموضوعة له مثل الكل والجميع أو يستفاد من أمثال النكرة في سياق النفي مثلا فان كان من قبيل الأول فحيث يمكن لحاظه فلا غرو في ان يكون العمومية له بواسطة تعدد افراد الموضوع في الخارج.

وبعبارة أخرى ان الربط الواحد الّذي يكون في تشكيل القضية واحدا يمكن ان يكون متعددا بواسطة تعدد المربوطين بالانحلال فإذا قيل الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه كل شيء فالماء هو الطبيعي القابل للانحلال والشيء أيضا كذلك والحكم بعدم التنجس أيضا يتعدد فمعناه ان الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه البول ولا الغائط ولا الميتة واما إذا كان من قبيل الثاني فحيث لا يمكن لحاظه ويكون مغفولا لا يمكن

١٢١

استفادة عمومه بهذا التقريب لأنه معنى حرفي ، وفيه أولا ان المبنى فاسد فان الفرق بين النكرة في سياق النفي والكل في استفادة العموم لا معنى له لأن المعاني الحرفية قابلة للإطلاق والتقييد وملحوظة أيضا فان لحاظ المجموع من حيث المجموع في النكرة في سياق النفي أيضا يحتاج إلى مئونة فيحمل على الاستغراق كما في الكل وثانيا ان الربط يكون في تشكيل الكلام وهو واحد فان المتكلم بربط واحد يربط كل ما هو مربوط فكيف يمكن ان يتعدد فلا طريق لنا لاستفادة عموم الحكم الا التبادر في المفهوم والمنطوق.

لا يقال لا فائدة في إثبات عموم الحكم في المفهوم بل على فرض كون المفهوم موجبة جزئية أيضا يكون لنا الدليل من الخارج على العمومية وهو عدم القول بالفصل في أقسام النجس فان الماء القليل ينجس بكل فرد منه إجماعا فان قلت ان العموم محتاج إليه في القول بان المتنجسات أيضا تكون مثل النجس في الحكم فانفعال القليل من المتنجس يستفاد من العموم لا الإجماع قلت ليس في طبع هذا المفهوم الا كون القليل مثل سائر المائعات من حيث عدم العاصمية بطبعه واما ان المنجس له فيجب ان يثبت من الخارج فان ثبت منه ان المتنجس أيضا منجس له فلا نحتاج إليه وان لم يثبت فلا دلالة لهذا العموم على النجاسة فلا حاجة إلى العموم لا في النجس ولا في المتنجس.

لأنا نقول ان القول بان القليل ينجسه كل شيء نجس لا مطلق الشيء وان كان طاهرا يكون صحيحا ولكن ربما يرد علينا الشك بان القليل المورود فيه النجس أو المتنجس هل ينفعل فقط أو الأعم منه ومن الوارد على النجس وكذا نشك في ان القليل المورود فيه النجس أو المتنجس هل يكون الحكم بنجاسته مختصا بصورة عدم استهلاك النجس فيه أو يعم حتى صورة الاستهلاك والطارد لهذا الشك يصير هو العموم لا غير فقد صار إثبات العموم محل الاحتياج.

١٢٢

فان قلت غاية ما يستفاد من العموم هو العموم الأفرادي لا الأحوالي وما قلت يستفاد من العموم الأحوالي قلت كل عموم افرادي يلازم العموم الأحوالي لأن كل فرد لا محالة يكون في حال غير حال الفرد الآخر واما قولهم بان المستفاد من المفهوم ان الماء بطبعه غير عاصم الا الكر ولا يفهم منه سعة التشريع بالنسبة إلى النجس والمتنجس ففيه ان المستفاد من المفهوم هو ان كل شيء يوجب النجاسة قد خرج عنه الأشياء الطاهرة قطعا وغير الطاهر من النجس والمتنجس يبقى تحت العموم بلا إشكال فهذا هو فائدة وجود العام في المقام.

هذا كله في صورة إحراز الأصل في التداخل أو عدمه في تعدد الشرط واما مع عدم الإحراز فإذا شك في ان تعدد السبب هل يوجب تعدد المسبب أم لا؟ فتجري البراءة عن الاستقلال لأنه يوجب تكليفا زائدا ضرورة انه على فرض الاحتياج إلى الكثير يكون الإتيان بغير الواحد تكليفا زائدا فالأصل البراءة عن الزائد والأقل هو المتيقن واما إذا ثبت ان الأصل يقتضى عدم التداخل وقام دليل خاص على الاكتفاء بالواحد كما في باب الأغسال ثم شك في تطبيق المخصص على جميع الأغسال من الواجبات والمستحبات والمختلفات فالقاعدة تقتضي الاشتغال لأن ما هو المتيقن يؤخذ به ويؤخذ بأصالة العموم في القاعدة التي اقتضت عدم التداخل وهذا واضح.

هذا كله في صورة الشك في الاحتياج إلى إحراز الوجوبين والوجودين معا بان لا نعلم ان كل شرط يقتضى وجوبا ووجودا أم لا واما إذا شك في الجهة الثانية بعد إحراز الجهة الأولى بان يكون اقتضاء كل شرط وجوبا على حدة مسلما ولكن شك في انه هل يحتاج إلى امتثال متعلق كل وجوب على حدة من حيث الوجود أم لا فقيل بالاشتغال حيث يكون الشك في الامتثال لا في أصل التكليف ، وفيه ان الأصل هنا أيضا البراءة لأن الشك يرجع إلى طور التكليف حيث انا لا نعلم ان الوجوب المتعدد المتأكد علينا أو الوجوب المتعدد مع تعدد وجود الامتثال

١٢٣

وكل مورد يكون الشك في طور التكليف ولو كان من ناحية الفراغ كما في المقام تجري البراءة.

هذا كله على فرض وحدة ماهية الأغسال واما على فرض تعدد الماهية كما هو الظاهر من قوله عليه‌السلام في باب تداخل الأغسال باب ٤٣ من أبواب الجنابة في الوسائل فإذا اجتمعت عليك حقوق يجزيك غسل واحد فالأصل هو الاشتغال وليس من تداخل السبب ولا المسبب إلّا ان يدل دليل على كفاية الواحد كما في الأغسال ومعنى الحقوق في الرواية هو العمل الخارجي الّذي ينطبق عليه العنوان مثل عنوان غسل الجنابة والحيض وغيره ، نعم في صورة انطباق العناوين على شيء واحد وان كان يمكن الاجتماع كما في قول القائل أكرم عالما وأضف هاشميا فانه يمكن ان يكون ضيافة عالم هاشمي منطبق عنوان الإكرام للعالم والضيافة للهاشمي ولكن هذا يكون في صورة عدم ادعاء انصراف كل شرط إلى جزاء متعدد في الخارج وجودا بحيث يتعدد الفعل كما هو الظاهر من كل شرط حسب تعدده.

ثم انه على فرض كفاية الفعل الواحد مع اجتماع العناوين مثل الأغسال المتعددة فهل يرجع إلى الواجب التوصلي لعدم النية في غير الواحد أو يبقى على التعبدية بان يقال انه مع كون بقية الأغسال بدون النية أيضا تسقط فيكون من باب التوصليات التي يكون المراد هو صرف وجودها والنية غير دخيلة أو يحتاج إلى النية لكل واحد حتى ينحفظ التعبدية بها.

ولا يخفى انه لا إشكال في ان يصير الشيء مع اجتماعه مع الغير توصليا ومع انفراده يحتاج إلى النية ويكون تعبديا فالغسل إذا كان مع غيره موجبا لسقوط تكليفه يمكن كونه توصليا ومع الانفراد يكون تعبديا محتاجا إلى النية.

فيه بحث فعلى مذهب المحقق الخراسانيّ قده إذا شككنا في التعبدية والتوصلية

١٢٤

يجب الاحتياط بإتيان العمل مع النية حتى يحصل اليقين بالفراغ لأنه لا يمكن أخذ قصد الأمر في الأمر وبالأمرين أيضا مستحيل عنده فالاشتغال اليقينيّ يقتضى البراءة اليقينية ولكن على التحقيق من إمكان قصد الأمر في الأمر بنحو الطولية كما حررنا في محله وإمكان أخذ قصد الدعوة في العمل بواسطة الأمرين فالبراءة العقلية والشرعية كلتاهما جاريتان.

ثم انه هل الحكم بكفاية الواحد مثلا في باب الأغسال عن الجميع يكون من باب الرخصة أو العزيمة فيه كلام فنقول إحراز هذا يتوقف على الاستظهار من لسان الدليل فان الظاهر من قوله عليه‌السلام في باب الأغسال من كلمة يجزيك هو الرخصة لا انه الفرد المعين الّذي لا محيص عنه فله ان يأتي بكل واحد منفردا ومن الممكن عدم استفادة ذلك من دليل آخر :

ثم انه إذا شككنا في انه على وجه الرخصة أو العزيمة فيكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير لأنا نشك في انه هل الواحد معينا شرط أو يكون التخيير بينه وبين الجميع ففي ساير المقامات وان كان (١) الأصل يقتضى التعيين للشك في الفراغ ولكن هنا حيث دل الدليل على كفاية الواحد تجري البراءة عن التعيين هذا حاصل ما أردناه في مفهوم الشرط وقد مر ان الحق وجود المفهوم له ،

__________________

(١) أقول مسلكه هو البراءة عن التعيين لأنه مد ظله يرجعه إلى الشك في طور التكليف ولعل قوله بذلك يكون جاريا على ما جرى عليه البعض ثم ان الدليل لو دل على عدم التعيين يكون هو المتبع وفي صورة الشك لا فرق بين المقام وسائر المقامات فلا نفهم الفارق الّذي يوهمه العبارة ولعل مراده أيضا ذلك.

١٢٥

فصل في مفهوم الوصف

اعلم انهم اختلفوا في وجود المفهوم للوصف وعدمه فقوم ذهبوا إلى عدم المفهوم له مستدلا بان الوصف يكون قيد الموضوع وكل قيد يكون للموضوع يكون داخلا في قوام الكلام فانه لا يمكن أخذ المفهوم لما هو داخل في قوام الكلام من الموضوع والمحمول وإلّا يلزم ان نقول ان اللقب أيضا يكون له المفهوم وذهب المستدلون على وجوده إلى ان طبع الكلام يقتضى موضوعا ومحمولا واما ذكر الوصف للموضوع فيجب ان يكون صرف عنان الكلام إليه لنكتة وهي إرادة المفهوم وإلّا فلا وجه لذكره فإذا قال القائل أكرم زيدا العالم يكون معناه ان غير العالم لا يجب إكرامه ويكون مثل الشرط فان قيد الحكم أيضا يرجع إلى الموضوع فلا فرق بين قوله أكرم زيدا العالم وأكرم زيدا ان كان عالما.

فأقول ان ميزان أخذ المفهوم كما مر هو ان يكون القيد علة ومستقلة ومنحصرة لسنخ الحكم لا لشخصه واستفدنا ذلك كله في مفهوم الشرط من مقدمات الحكمة ولكن في المقام لا يمكن الاستفادة كذلك فان قلت لم يأتي المتكلم بالوصف قلت لعله يكون مشخّصا مثل ان يريد ان زيدا العالم يجب إكرامه اما غيره فهو ساكت عنه أو منوّعا مثل أكرم الرّجل العالم فانه يمكن ان يريد ان حصة الإكرام في الرّجل يكون مقيدا بهذا الشرط لا غيره لعناية إليه لا إلى غيره فالمتكلم من باب الاضطرار إلى التنويع والتشخيص يذكر الوصف وإلّا فلما ذا لا يعبر عن الوصف بنحو القضية الشرطية ليستفاد منها المفهوم ، ثم ان شيخنا الأستاذ النائيني قال في المقام تقريبا لعدم المفهوم للوصف بما حاصله ان القيد تارة يكون قيدا للمفرد مثل المقام الّذي يكون الوصف للموضوع وتارة يكون القيد للجملة كما في الشرط فان الحكم يكون مقيدا بالقيد المذكور

١٢٦

ففي الأول نقول بان إثبات الشيء لا يقتضى عدم غيره واما في الثاني فلو قلنا بإطلاق الحكم عن القيد يصير خلاف الفرض وهو تقييد الحكم بذكر الشرط ، وفيه ان هذا يكون عين المدعى وهو وجود المفهوم للوصف وعدمه فان القائل بعدم المفهوم يقول بان الحكم لا يكون سنخا والعلة لا تكون منحصرة إذا كان القيد للموضوع فهو (قده) يحتاج إلى دليل آخر غير هذا؟

وينبغي التنبيه على أمور

الأول انه بعد تسليم ان للوصف مفهوما فيكون الاختلاف في انه هل يقتصر في الحكم على الموضوع المذكور في القضية أو يتعدى منه إلى غيره مثل ما إذا قيل في الغنم السائم زكاة فمفهومه هو ان في الغنم الغير السائم أي (المعلوف) لا زكاة فهل يمكن ان يعمم الموضوع ويقال بان الإبل المعلوف أيضا لا زكاة فيه أم لا فقد ذهب بعض العامة كبعض الخاصة إليه والسر فيه ما قيل بان الموضوع حيث يكون مثل اللقب لا مفهوم له فلا يستفاد من الغنم ان الإبل ليس كذلك ففي المعلوف لا زكاة سواء كان غنما أو لا والعامة يقولون بالقياس أيضا لأن علوفة الغنم تحتاج إلى مئونة زائدة بخلاف السوم ، ولا فرق في ذلك بين الإبل والغنم فوجوب الزكاة في السائمة يكون من جهة السائمية وعدمه في المعلوفة يكون من جهة الاحتياج إلى المئونة فالوجوب وعدمه يكون دائرا مدارهما في كل الموارد وفيه ان الحكم أنيط بالوصف لا بالموضوع حتى يقال ان الموضوع لا مفهوم له فمعناه ان الغنم بوصف السوم فيه الزكاة فإذا كان معلوفا لا زكاة فيه واما غير الغنم فلا يستفاد حكمه من هذه القضية واما القياس فمع انه من أصله باطل لا يفيد في المقام أيضا لاحتمال الخصيصة في هذا الموضوع.

الأمر الثاني انه قد يتوهم ان حمل المطلق على المقيد في العام والخاصّ

١٢٧

المثبتين مثل أكرم العلماء وأكرم الفقهاء من العلماء يكون من باب مفهوم الوصف بتقريب ان يقال ان ذكر قيد الفقاهة يكون معناه انتفاء الحكم عند انتفاء هذا الوصف فيكون حمل المطلق عليه من هذا الباب ولكن هذا توهم فاسد لأنه إذا لم يحرز من الخارج وحدة المطلوب لا وجه للحمل المذكور مثلا إذا أحرزنا من الخارج ان الدراهم لا يكفى جميع العلماء نفهم ان المراد بهم هو الفقهاء المذكورون في الخاصّ.

واما إذا لم يكن كذلك فلا وجه للحمل أصلا ويقدم الخاصّ على العام بوجه فمفهوم الوصف سواء كان حجة أو لا يحمل العام على الخاصّ في صورة إحراز وحدة المطلوب ولا يحمل عليه في صورة عدم الإحراز سواء كان عموم المطلق شموليا أم بدليا.

فصل في مفهوم الغاية

والبحث هنا في مقامين الأول في ان الغاية هل تكون داخلة في المغيا أم لا مثلا إذا قلنا سرت من البصرة إلى الكوفة فهل يكون سير الكوفة أيضا داخلا أم لا والثاني هو البحث عن ان الحكم هل ينقطع عند الغاية أم لا حتى نستفيد منه المفهوم حتى انه إذا قيل صوموا إلى الليل يكون معناه ان الحكم بوجوب الصوم ينقطع عند الليل وهذا يكون الأقوال فيه ثلاثة وجود المفهوم مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين ان يكون الغاية قيدا للموضوع فلا مفهوم لها وكونها قيدا للحكم أو لمتعلق الحكم فلها مفهوم وطريق أخذ المفهوم يكون هو الضابطة الكلية وهي كون القيد علة ومنحصرة والمحمول هو سنخ الحكم وفي المقام إثبات جميع ذلك يكون أظهر من استفادة المفهوم في الشرط فيما ندعيه.

ثم ان عدم المفهوم للقيد الراجع إلى الموضوع في مثل قول القائل الوجه من قصاص الشعر إلى الذقن يجب غسله فلان أهل كل محاورة كما مر يكون بنائهم

١٢٨

على ان كل ما يكون موضوع حكمهم يقدمون في تكلمهم ولو ذكر قيد يكون لشرح الموضوع ولا يكونون بصدد أخذ المفهوم منه فهذه العبارة معناها ان هذا الحد يجب غسله واما غير هذا فيكون الكلام ساكتا بالنسبة إليه بخلاف ما إذا قيل يجب الصوم إلى الليل فان القيد يكون للحكم والحكم مهملا يحمل على الموضوع فإذا جاء قيد في الكلام بعد ذكر الموضوع بدون القيد مع كون الحكم مقيدا نفهم ان الحكم لا يكون مع عدم هذا القيد.

واما إذا صار متعلق الحكم مقيدا مثل ان يقال السير من البصرة إلى الكوفة واجب فهل السير الّذي يكون في الكلام يصير مقيدا بواسطة الغاية أم لا فيه خلاف ونحن في الدورة السابقة اخترنا تبعا لأساتيذنا عدم المفهوم له ولكن في هذه الدورة نرجع عنه لأن السير إذا صار مقيدا يكون مثل ما إذا صار الحكم بالسير مقيدا فإرجاع القيد إلى المتعلق يكون مثل إرجاعه إلى الحكم.

ولقد أجاد شيخنا النائيني قده حيث قال بان قيد الفعل يكون حاله حال الشرط في وجود المفهوم له فلا يرجع قيد الفعل إلى اللقب في عدم المفهوم ولا تكون الغاية مثل الوصف الّذي لا يكون له مفهوم لأن المتفاهم العرفي في الغاية غيره في الوصف ولا فرق أيضا بين كون الغاية مصدرة بكلمة حتى أو إلى هذا هو البحث عن المقام الثاني.

واما المقام الأول وهو دخول الغاية في المغيا وعدمه فالأقوال فيه أربعة : الدخول مطلقا وعدمه مطلقا والتفصيل بين التصدير بكلمة إلى وبين التصدير بكلمة حتى بالحكم بالدخول في الثاني دون الأول مستدلا بقول القائل أكلت السمكة حتى رأسها وهو المثال المعروف فان معنى هذه العبارة ان أكل الرّأس أيضا كان داخلا في الحكم بخلاف كلمة إلى فانه لا يأتي فيه ذلك : وتفصيل آخر بين ما يكون الغاية من جنس المغيا وما لا يكون كذلك والحكم بالدخول في الأول دون الثاني.

والحق هو عدم دخولها في المغيا مطلقا لأن المعاني الحرفية النسبية في

١٢٩

مقابل المعاني الاسمية وضعت للنسبة ففي المثال كلمة من وضعت للنسبة الابتدائية وكلمة إلى للنسبة الانتهائية وطرفا النسبة خارجان عنها فان ما قبل لفظة من لو كان داخلا أيضا فيما بعده يكون خلاف وضع هذه الكلمة للابتداء ووضع كلمة إلى وحتى للانتهاء فان كان ما بعدها داخلا فيما قبلها يكون خلاف وضعها فلا يكون الغاية داخلا في المغيا أصلا.

ومن هنا ظهر فساد القول بالتفصيل بين كونها من جنسين أو جنس واحد فانه لا تأثير للاختلاف في تغيير وضع الكلمة وهكذا التفصيل بين إلى وحتى بالمثال المعروف فانه يكون من اشتباه حتى العاطفة بحتى الانتهائية فان كلمة حتى في المثال تكون للعطف لا للغاية والمثال الصحيح لحتى الانتهائية ما ورد من قوله تعالى في سورة القدر (سلام هي حتى مطلع الفجر) فان ما بعد الفجر لا يكون داخلا في حكم ما قبله فتحصل ان وجود المفهوم للغاية أصرح من الشرط وكذا لا يدخل الغاية في المغيا مطلقا ولا وجه للتفصيل في المقامين المتقدمين.

فصل في مفهوم الحصر

ولا شبهة في وجود المفهوم له مثلا إذا قيل انما زيد قائم يكون معناه انه قائم لا غيره ولكن اختلف في انه هل يكون هذا مستفادا من المنطوق أو المفهوم فربما قيل بأنه مستفاد من المنطوق وليس من المفهوم في شيء لأن وضع كلمة انما ومثله الا يكون لهذا المعنى.

وفيه ان المائز بين المنطوق والمفهوم في كلمة انما واضح لأن المفهوم هو الحكم الغير المذكور لموضوع مذكور فإذا قيل انما يعمر مساجد الله من آمن بالله يكون معناه المنطوقي ان من آمن بالله يعمر المساجد واما ان غير المؤمن لا يعمر المساجد فلا يكون من المنطوق فالمذكور هو المساجد والحكم بعمارتها

١٣٠

من المؤمن يكون مذكورا والحكم بان الكافر لا يعمرها لا يكون مذكورا (١) فيكون مثل مفهوم الشرط غاية الأمر الدلالة على الانحصار هنا بالوضع ولكن في الشرط يكون بمقدمات الحكمة.

واما كلمة الا فانها يكون وضعها لإخراج الموضوع مثل إذا قيل جاء القوم الا زيدا يكون معناه خروج زيد من القوم وبالملازمة نفهم انه لم يجئ فان إخراجه لا معنى له إلّا إخراجه عن حكم القوم ومع ذلك لا يكون مذكورا بل يكون من لوازم المنطوق فما توهمه بعض الأساطين في المقام من ان هذا لا يكون من المفهوم بل من المنطوق لا وجه له.

ثم ان هنا إشكالا في كلمة لا إله إلّا الله من النحويين ومنهم الزمخشري فانه من المسلم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبل إسلام من يعترف بهذه الكلمة إذا أجراها على لسانه إقرارا بتوحيده تعالى ومع ذلك صار محل الإشكال لهم من باب ان خبر لفظة لا ـ يلزم ان يكون محذوفا فانه اما ان يكون المقدر لفظة موجود بان يقال لا إله موجود إلّا الله أو لفظة ممكن بان يقال لا إله ممكن إلّا الله وكل منهما لا يثبت المدعى وهو الإقرار بواجب الوجود الواحد لأنه على التقدير الأول يكون معناه عدم وجود إله إلّا الله ولا ينفى إمكانه فمن الممكن ان يكون لله فرد غير موجود ممكن وعلى التقدير الثاني أعني الإمكان فمعناه لا إله ممكن إلّا الله الممكن وهو ينافى الوجوب لأنه نفى كل إله ممكن إلّا الله الممكن.

وفيه انه غير وارد على التقديرين اما على التقدير الأول فنسأل منه ما المراد

__________________

(١) هذا مع غمض العين عن صدر الآية المباركة «ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله» وإلّا فالمنطوق في المؤمن والكافر حاكم بشأنهما كما هو واضح.

١٣١

من لفظة الله فان كان المراد منه واجب الوجود فمعنى العبارة لا واجب الوجود موجود إلّا الله الواجب وكذلك على التقدير الثاني نقول لا واجب الوجود ممكن إلّا الله بمعنى ان غيره لا يمكن ان يكون موجودا وهو المطلوب ولا وجه لوحشة المحقق الخراسانيّ قده من تقدير الإمكان حيث لم يقدره ولم يبحث عنه وان كان المراد من الله هو الخالق فمعناه لا خالق موجود أو ممكن إلّا الله فائضا يدل على التوحيد لأنه إذا قلنا ان الخالقية منحصرة فيه تعالى ولم تكن موجودة فيه من غيره نعلم ان كل موجود غيره يكون هو المخلوق والمخلوق هو الممكن فهو الواجب وغيره ممكن.

وكذا ان قلنا انه لا خالق ممكن إلّا الله أي لا إمكان لخالق غيره بل هو الفرد الوحيد فيستحيل فاعلية غيره وان كان المراد من الاله هو المعبود كما هو الظاهر فان العرب في مقابل عبدة الأصنام كانوا يقولون بذلك من باب ان المعبود منحصر فيه ولا يكون الأصنام وغيره معبودا فتارة يعنى بالمعبود هو الّذي يكون له استحقاق العبودية فمعنى الكلمة لا معبود مستحقا للعبادة فعلا وإمكانا إلّا الله تعالى وهو المطلوب لأن الّذي لا يكون له استحقاق ذلك لا فعلا ولا إمكانا هو الواجب تعالى.

وان كان المراد من المعبود هو المعبود الموجود الخارجي فهو مع انه كذب في ذلك الزمان لأن عبدة غيره وهم العابدون للصنم كانوا كثيرين وكان معبودهم أيضا أصناما كثيرة لا يفيد ما كانوا بصدده لأنهم كانوا بصدد حصر المعبودية فيه تعالى هذا كله على فرض الاحتياج إلى تقدير الإمكان أو الموجود ولكن الحق هو انا لا نحتاج في أمثال هذه العبارات إلى تقدير افعال العموم كما هو شايع في لسان العرب كما لا نحتاج إليه في كلمة لو لا الامتناعية وليس التامة.

ثم ان في المقام ذكر فروع في الفقه ويكون البحث فيه عن الاستثناء وقد ذكرها صاحب الشرائع منها انه لو قال في مقام الإقرار ليس لزيد على عشرة الا درهما فقال (قده)

١٣٢

ونسب إلى المشهور بأنه ليس عليه شيء ووجه المسالك قوله بان الاستثناء ان كان بعد الحكم المذكور في الكلام ثبت الدرهم الواحد في ذمة المقر لا محالة واما إذا كان الاستثناء من نفس الموضوع قبل الحكم عليه لم يكن في الكلام دلالة على كون الاستثناء استثناء بعد الحكم ولا يكون الكلام المزبور إقرارا بشيء فكأنه قال ليس لزيد على تسعة.

وقد أجاب عنه شيخنا النائيني قده بان الاستثناء على قسمين وصفي وهو ان يكون الأداة وصفا لما سبقه وإخراجي وهو ان يكون موجبا لإخراج المستثنى من المستثنى منه والفرق بينهما هو ان الّذي يكون وصفيا يكون إعراب المستثنى والمستثنى منه فيه واحدا مثل ان يقال له على عشرة الا درهم أو ليس له على عشرة الا درهم فان العشرة مرفوعة ودرهم أيضا ومعناه ان العشرة التي هي غير درهم يكون على أو لا يكون على.

واما الإخراجي فهو ان يختلف إعراب المستثنى مع إعراب المستثنى منه مثل ان يقال ليس له على عشرة الا درهما فالدرهم يكون خارجا عن العشرة فيكون المفاد ليس على تسعة والمقام من قبيل الثاني فيكون الاستثناء إخراجيا بعد الحكم ولا معنى لإرجاع القيد إلى الموضوع ولا للفرق بين إرجاعه إليه وإلى الحكم كما عن المسالك قده.

وفيه ان ما قال ادعاء محض فانه كيف لا يقال عشرة الا واحدا يكون على أو لا يكون على فان الاستثناء يكون قبل الحكم ويرجع إلى الموضوع ومعناه له على تسعة أو لا يكون له على تسعة واما نحن فنقول في كل مورد شك في ان الاستثناء وصفي أو إخراجي فالأصل البراءة لأنه من دوران الأمر بين الأقل والأكثر فللمقر إجرائها وكذا للحاكم والقاضي عند الشك فيه والفرض يكون في صورة كون الّذي بأيدينا عن المقر العبارة بهذا النحو وإلّا فان كان حاضرا فنسأل منه المراد ويتم المطلوب.

١٣٣

فصل في مفهوم اللقب والعدد

وحاصل القول فيه انه لا شبهة في ان قولنا ان زيدا قائم أو يجب الطواف سبعة أشواط يدل على ان الموضوع أو العدد يكون تحت الحكم الفعلي وان العلة المستقلة المنحصرة لهذا الحكم هو وجود الموضوع والعدد ولكن الكلام في ان المحمول يكون سنخا أم لا فلا ندري هل سنخ الطواف انتفى بواسطة عدم السبع أم لا : وطريقنا عكس المشهور فانهم بعد انحصار العلة يستريحون لأخذ المفهوم واما نحن فنقول بان اللازم هو ان يصير الحكم سنخا فلا يكون لهما مفهوم من باب عدم العلم بانتفاء السنخ عند انتفاء الموضوع والعدد المخصوص ولا يصير معنى قولنا زيد موجودان غيره غير موجود وقد ظهر التفصيل في البحث فيما مر في غيرهما فلا نعيده.

فصل في العام والخاصّ

قد اختلف في أدوات العموم من جهة انها هل وضعت لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول أو لتوسعة ما يراد منه بعد ما كان معنى العموم هو التوسعة في الافراد والأحوال والحق انها تكون لتوسعة ما ينطبق عليه المدخول فان لفظة الكل وضعت لتوسعة افراد الرّجل ان قلنا كل رجل في الدار قائم يعنى ما يدل عليه لفظة الرّجل بحسب طبعه ولا يكون منوطا بإرادة المتكلم كما سيظهر بعيد هذا في مقام التفصيل.

وهو انهم قسموا ما يدل على العموم على ثلاثة أقسام الأول الأسماء الدالة عليه مثل كل وجميع الثاني الألف واللام الداخل على الجمع والثالث وقوع النكرة في سياق النفي الّذي يحكم العقل فيه بالعمومية اما الأول فقد مر انه قد اختلف فيه بأنه هل يكون موضوعا لتوسعة ما يراد من المدخول أو لتوسعة نفس المدخول فقد ذهب المحقق الخراسانيّ ومن تبعه إلى الأول واستدلوا عليه بان لفظة كل لا يكون لها اقتضاء

١٣٤

العموم بل بمقدمات الحكمة نفهم ان المدخول لو كان له قيد لكان يذكره المتكلم وحيث لم يذكره فيكون للمدخول سعة بواسطة الكل ، وفيه انه لو كان كذلك فأي حاجة إلى لفظة كل بل المقدمات توجب السعة وليس كذلك لأنا نستكشف من وضع كل لذلك السعة ولا نحتاج إليها في إثباتها.

لا يقال ان لفظة الكل في أي مورد تكون تدل على السعة وفي أي مورد لم تكن فالعقل بالمقدمات يحكم بالسعة ولكن دلالة كل عليها بالوضع لا بالإطلاق وتظهر الثمرة عند التعارض مع المطلق الشمولي فان كان في الكلام ما يوجب السعة بالوضع مثل لفظة كل يقدم العام على المطلق بخلاف صورة استفادة العموم من مقدمات الإطلاق فانه بعد التعارض يتساقطان أو يقال بان السعة تستفاد من حكم العقل لا من لفظة الكل ولكن حيث يكون للفظ سعة من حيث الافراد وسعة من حيث الأحوال يثبت الأولى بواسطة كل والثانية بواسطة المقدمات فيكون وجود كل في الكلام لذلك مفيدا كما قال بهذا شيخنا النائيني قده.

لأنا نقول أولا ان الكل وضع لطرد الشك من جهة الأحوال أيضا ولا يختص وضعه بالسعة الفردية نعم لو فرض انه يكون لتوسعة ما يراد من المدخول يكون لهذا الكلام وجه ولكن قد عرفت ما فيه وثانيا كل عموم افرادي يلازم العموم الأحوالي فان كل فرد لا محالة يكون في حال من الأحوال وثالثا لو لا لفظة الكل من أين يثبت ان اللفظ يكون للإطلاق الشمولي مع إثبات العموم الأحوالي فقط بواسطة المقدمات فان لازم هذا القول عدم إمكان إثبات المطلق الشمولي من حيث الافراد في أي مورد لا يكون لفظة الكل.

فتحصل ان العموم معناه السعة بواسطة ما دل عليها وفي مقابله معنى الخاصّ فانه يكون في صورة دلالة اللفظ على بعض مدلوله بواسطة إضافة قيد مثل انطباق

١٣٥

العالم على بعض مدلوله وهو العادل فقط مثلا : هذا حكم مدخول مثل لفظة كل والجميع وسيظهر حكم القسمين الآخرين في ما سيأتي.

وينبغي التنبيه على أمور

الأمر الأول في تقسيم العام إلى الاستغراقي

والمجموعي والبدلي

فان الأول معناه هو شمول الحكم لكل فرد فرد من افراد المصداق بدون لحاظ المجموعية والثاني معناه شمول الحكم بلحاظ المجموع من حيث المجموع مثل ملاحظة رجال متعددين علة واحدة لرفع الحجر الفلاني بحيث لو لا المجموع لا يحصل الرفع وكما في قولنا أكرم العلماء دفعة واحدة فان المجموع من حيث المجموع من العلماء في المثال إذا حصل إكرامهم يحصل الملاك بحيث انه لو بقي فرد لأضر بالمقصود وما حصل المطلوب والثالث معناه هو شمول الحكم بنحو السعة لكن على فرد واحد فلا يكون التعيين في فرد فقط فمن حيث الامتثال يكون المكلف في سعة من جهة انطباق الحكم على أي فرد أراد مثل قولنا أكرم عالما فانه قابل للانطباق على زيد وعمرو وبكر وغيرهم على البدل.

ثم انه يظهر من المحقق الخراسانيّ قده ان معنى العموم وهو الشمول والسعة يكون منحفظا في الجميع لأن معنى العموم هو السعة وهو منحفظ حتى في البدلي مع قطع النّظر عن الحكم أيضا وفيه (١) ان العموم يستفاد من سعة الحكم واتساعه

__________________

(١) أقول لعل نظره قده إلى حاق معنى السعة وهو يشمل السعة في الامتثال ولو لم يكن الحكم لكل فرد فان المكلف له ان ينطبق حكم الإكرام على زيد أو على عمرو أو على خالد وليس هذا مثل قول القائل أكرم زيدا فانه لا سعة فيه لا من جهة الحكم ولا من جهة الامتثال.

١٣٦

على الافراد فانه إذا لم يكن حكم فكيف يقال بالعموم والشمول.

ويظهر عن شيخنا النائيني قده عدم ربط العموم التبادلي بالحكم لعدم تعلقه بجميع الافراد وإطلاق العموم عليه يكون من باب المسامحة نعم التوسعة في تطبيق الحكم على الفرد في الامتثال ولكن تارة تستفاد من مقدمات الإطلاق في مثل قوله أكرم عالما وتارة طبع الكلام بالوضع يقتضيه كما في قول القائل أكرم أي رجل شئت فان المستفاد من لفظة أي العموم البدلي : وفيه أولا ان الحكم يكون تابعا للمصالح في نفس الأمر ومن كيفية تعلقه نفهم العموم ولا فرق في استفادة هذا المعنى من مقدمات الإطلاق أو من وضع الكلام فعلى أي تقدير يكون معنى العموم منحفظا وثانيا ان المقدمات في كل المقامات لا ينتج نتيجة واحدة فانها تنتج في الأوامر ان الحكم مطلوب بنحو صرف الوجود مثل أكرم عالما وصل وفي النواهي تفيد طبيعة سارية مثل لا تشرب الخمر وفي الجمع المحلى باللام يستفاد منها المجموعية.

وثالثا ان العموم التبادلي يستفاد من لفظة أي وكذا الاستغراقي من لفظة كل والمجموعي من لفظة المجموع وغيره بالوضع ومقدمات الحكمة في كل مورد جرت لا تكون مقتضاها إثبات العموم بل يكون شأنها رفض القيود فتكون جريانها في جميع شعب العام مثل جريانها في العموم البدلي فكيف يشكل بأنه تارة يستفاد العمومية فيه بالمقدمات وتارة بطبع الكلام خلافا لمن ظن انها تكون لإثبات العموم والسعة.

ثم ان هنا إشكالا وهو ان العموم كما ذكر يكون معناه الإحاطة والسعة والاستيعاب ، والاستيعاب محتاج إلى مستوعب بالفتح ومستوعب بالكسر وهكذا السعة والإحاطة فيكون مثل المعاني الحرفية التي لا قوام لها الا بالطرفين فتقسيم العام بما يكون مستفادا من مثل لفظة الكل الموضوعة لذلك ومن الألف واللام الداخلين على الجمع ومن النكرة في سياق النفي والقول بان الأول اسم والثاني

١٣٧

حرف والثالث حكم العقل لا يستقيم مع كون الإحاطة والشمول معنى حرفيا مطلقا في الجميع.

والجواب عنه هو ان مفهوم لفظة الكل يكون مثل ساير المفاهيم المستقلة في اللحاظ وانما يستفاد الاستيعاب والإحاطة من تطبيق الحكم على الافراد فيكون هذا من لوازم المعنى لا من باب كون معنى لفظة كل الإحاطة والشمول كما في سائر الألفاظ مثل قوم وهؤلاء ويكون الألف واللام والنكرة في سياق النفي أيضا كذلك فما أجبنا في الدورة السابقة من ان لفظة الكل أيضا يكون لها المعنى الحر في مثل غيرها غير تام على ما حققناه في هذه الدورة.

ثم في هذا كله الحكم بالنسبة إلى العموم المستفاد من لفظة كل واضح واما استفادة العموم من الألف واللام فمحل خلاف فربما قيل بأنه يكون في الجمع دالا على العموم مثل إكرام العلماء وفي المفرد لا يدل والمتأخرين على عدم الدلالة مطلقا فان المدخول مهمل يجب ان يحرز المراد فيه بمقدمات الحكمة وذلك لأن الف واللام سواء كان للعهد الذكرى أو الذهني أو الخارجي يكون معناهما الإشارة اما إلى الخارج أو إلى ما في الذهن أو ما ذكر قبلهما ولا يكون في معناهما العمومية فيكون مثل هذا في الدلالة على الإشارة.

والشاهد عليه انه إذا كان بدون المدخول لا يدل على العموم بخلاف لفظة الكل فانه يدل على العموم وان لم يكن له مدخول فإذا قيل كل رجل يدل لفظ كل على معنى ولفظ رجل على الطبيعة فيكون الدال والمدلول متعددين ولا يخفى عليكم انه على التحقيق كما مر لا يستفاد العمومية في مدخول كل بمقدمات الحكمة بل بالوضع فلا أثر للألف واللام في استفادة العموم بل يجب استفادته من مقدمات الإطلاق أو غيره.

واما النكرة في سياق النفي فقال المحقق الخراسانيّ فيها كما قال في لفظة الكل بأنه يكون جريان المقدمات لتوسعة ما يراد من المدخول ولكن على التحقيق

١٣٨

هنا أيضا ان التوسعة تكون للمدخول لا لما يراد منه وبعبارة واضحة لا يكون المراد من الرّجل الرّجل المراد مثلا بل الرّجل ذاته واستفادة العمومية من النفي يكون من باب ان المقسم إذا صار منفيا يكون هذا عين إرسال النفي فإذا قيل لا رجل في الدار يكون النفي متوجها إلى طبيعة الرّجل بجميع افراده وأحواله فالاستعمال يصير موجبا لكشف المراد لا ان كلمة النفي أو ان النكرة يكون لها العموم فلا دال عليه سوى الاستعمال وعلى هذا يصير الإيجاب والنفي من حيث عدم استفادة العموم واحدا من حيث عدم الدال المستقل لهما بمعنى كون أصل مدلول اللفظ من الرّجل فيهما واحدا غاية الأمر ان النفي حيث يكون متعلقا بالطبيعة يستفيد العقل منه العموم.

هذا كله في صورة استظهار العموم الأفرادي أو المجموعي من الدليل واما إذا شك في الاستغراقية والمجموعية فهل الأصل يقتضى الأولى أو الثانية فيه خلاف فربما يظهر عن شيخنا الأستاذ النائيني ان الأصل الاستغراقية لأن العموم هو الاستيعاب ولا يكون حاق معناه الا هذا فإذا كان الحكم على الافراد كلا فقد حصل معناه واما لحاظ وحدة امتثال الحكم على المجموع فيكون امرا زائدا على أصل الشمول الّذي معناه شمول الحكم لجميع الافراد فالفارق بينهما لحاظ الوحدة الاعتبارية في المجموعي وعدم لحاظها في الاستغراقي فحيث شك في اعتبار الوحدة فالأصل يقتضى عدمه فيؤخذ بالاستغراق.

والجواب عنه هو انه ان كان مراده من الاعتبار ما لا يكون إلّا مثل التعظيم والتكريم من الأمور الاعتبارية التي هي فوق المقولة الّذي يستفاد من نحو قيام في مقابل الغير أو غيره فهذا لا يمكن المساعدة عليه لأن المجموعية والاستغراقية تكون دخيلة في المصلحة واقعا فان الحجر الثقيل يجب ان يرفعه مجموع العشرة ولا يكفى كل واحد منهم له بخلاف ما لا يكون كذلك فكيف يقال ليس إلّا اعتبارا

١٣٩

واما ان كان مراده مع انه امر واقعي يكون الزائد قيد الوحدة لا أصل العموم فلا يمكن المساعدة عليه أيضا لأن الاستغراق أيضا يكون امرا واقعيا وله مئونة زائدة على أصل العموم فكيف يقدم أحدهما على الآخر فمع عدم القرينة في صورة الشك يحصل الإجمال لا الاستغراق.

فان قلت ان المطلق الشمولي والعام يكونان على نهج واحد فكما ان الاحتياج إلى مقدمات الحكمة يكون لرفض القيود وإثبات الإطلاق ولا يحتاج إلى شيء زائد لإثبات الشمول بحيث انه لو كان معه لحاظ شيء آخر يكون خارجا عن أصل معنى الشمولي كذلك الكل وغيره بالوضع يدل على السريان بحيث ان لحاظ الوحدة يكون خارجا عن أصل معنى السريان فالأصل يقتضى الاستغراقية قلت لا يكون مقدمات الحكمة في الإطلاق الشمولي الا لرفض القيود على التحقيق لا لإثبات الإطلاق كما قلت بل بعد عدم الدليل من الخارج عليه وتساوى اقدام الحكم بالنسبة إلى كل فرد يحكم بالشمول ومثله العام فان قيد الاستغراقية والمجموعية يكون خارجا عن أصل مدلول السعة ويلزم استفادته من طريق آخر لأنك عرفت انهما قيدان واقعيان.

ثم انه ربما قيل بان الأصل في العام المجموعية ببيان ان كل فرد فرد من افراد الرّجل لا يصدق عليه كل رجل بل هو الرّجل فإذا قيل أكرم كل رجل يجب ان يكون المجموع من حيث المجموع تحت امتثال واحد حتى يصدق إكرام كل رجل وإلّا فلا يصدق فالاستغراقية خلاف الأصل وتحتاج إلى دليل على حدة والجواب عنه ان الكل لا يكون ملحوظا بالاستقلال حتى نكون في صدد وجدان معناه بنحو الاستقلال في المصداقية بل يكون مرآة عن الافراد الخارجية فان القائل في مقام قوله أكرم زيدا أو أكرم عمراً وهكذا يلاحظ الجميع ويجعل الكل مرآة لجميع افراد الإكرام فمعناه البعث إلى تحصيل هذا المعنى في الخارج عموما والمجموعية خارجة عن أصل معناه فإذا لوحظ بعنوان المجموعية يكون الكل والمجموعية كذلك

١٤٠