مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٢

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٢

بالمعنى الأخص غير وجيه لأن اختلاف الموارد هو الملاك في أخذ المفهوم وعدمه لا كون اللازم هو البين بالمعنى الأخص أو البين بالمعنى الأعم.

الأمر الثالث في ان المراد بالانتفاء عند انتفاء الشرط أو الوصف (أي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط أو الوصف) يكون هو انتفاء سنخ الحكم فهل يكون المراد انتفائه عن موضوع مذكور في الكلام أو يكون المراد انتفائه عن غير المذكور فعلى القول بان القيود طرا يرجع إلى الموضوع وان كانت قيودا للحكم كما عن شيخنا النائيني (قده).

فيكون المراد انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط عن موضوع غير مذكور لأن مفاد قول القائل أكرم زيدا ان جاءك هو ان زيدا الجائي يجب إكرامه فيكون عدم وجوب الإكرام لموضوع غير مذكور في القضية وهو ان زيدا الغير الجائي لا يجب إكرامه واما على التحقيق من ان قيود الحكم لا يرجع إلى الموضوع فالموضوع في هذه القضية هو زيد فقط فيكون مذكورا في القضية وفاقا للمحقق الخراسانيّ (قده).

فتحصل ان المراد من انتفاء الحكم عن الموضوع هو الموضوع المذكور في القضية على التحقيق واما على رأي شيخنا (قده) فيكون المراد انتفائه عن الموضوع الغير المذكور في القضية ويترتب على رجوع القيد إلى الموضوع وعدمه نتائج في بحث الكر في مفهوم قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء إذا كان الموضوع الماء فقط أو الماء البالغ قدر كر وهكذا في غير الكر في سائر المقامات.

الأمر الرابع في ان المراد من الحكم الّذي ينتفي بانتفاء القيد في صورة وجود المفهوم هو السنخ واما الشخص فلا بد من انتفائه فيجب ان نبين معنى الشخص (١)

__________________

(١) أقول المراد بالشخص هو الإرادة المتعلقة بالقيد والمقيد وهو الإكرام مثلا عند المجيء ـ

١٠١

والسنخ حتى يتضح مقالة القوم في ذلك فنقول لا شبهة ولا ريب في ان تشخص كل

__________________

ـ وهي شخصية والمراد بالسنخ هو الحكم بدون القيد وهو فيما له مفهوم لا يكون له واقع لأن شخص الإرادة ضيق والمراد أيضا كذلك ولا يكون معنى لسنخية الحكم فان الحكم اما ان يكون مجعولا أو يكون هو الإرادة المبرزة وعلى أي حال إذا أبرزت الإرادة بنحو مخصوص مثل الإرادة على الإكرام عند المجيء لا تكون الإرادة بنحو آخر مثل الإرادة على الإكرام عند عدم المجيء من نوع تلك الإرادة بل هما نوعان مختلفان تحت جنس واحد.

وما ذكره المحقق الخراسانيّ (قده) من ان خصوصية الاستعمال لا تدخل في المستعمل فيه وكذا ما ذكره الأستاذ مد ظله من توسعة المراد كلام غير تام قد حصل من الخلط بين ان الحكم هل يتعلق بالشخص أو الطبيعة وقد مر منهم انه يتعلق بالطبيعة مرآة عن الخارج وإلّا فالخارج ظرف حصوله يكون ظرف سقوط التكليف لا ظرف ثبوته والطبيعي من حيث هو لا شأن له وهو غير قابل للامتثال فان الإرادة المتعلقة بالإكرام عند المجيء تكون من حيث المراد وتعلق الحكم بالطبيعة لها توسعة وقابلية للسريان وهذا غير مربوط بالقول بان إرادة الإكرام مع المجيء تكون من سنخ إرادته بدونه.

والمراد بانتفاء شخص الحكم هو ان من المسلم ان الإرادة التي تعلقت بالمجيء إذا لم يكن المجيء لا تكون حتما واما غيرها فيحتاج إلى دليل فان كان القيد علة منحصرة فلا تكون أصلا وان لم يكن كذلك فالإرادة لم تتعلق من الأول الا بهذا القيد واما غير هذا فالحكم ساكت عنه أو أثبتنا من الخارج عدم دخالة القيد فتوسعة الإرادة من شخصها لا من الخارج.

فالبحث عن المرة والتكرار وان الحكم متعلق بالطبيعة أو غيرها يجب ان لا يخلط بالمقام ولها محل آخر كما مر منهم والتعبير بانتفاء سنخ الحكم وشخصه لا يناسب بل يمكن ان ينزل البحث في المتعلق بان يقال ان المنتفي هل هو شخص الإكرام أو السّلام أو طبيعته وهو غير مربوط بالحكم.

والمراد بالشخص هو الإكرام عند المجيء ولو كان هو طبيعيا أيضا فيرجع البحث إلى انه هل يكون حكم آخر غير هذا أم لا أو يرجع البحث إلى ان القيد هل يكون له مفهوم أم لا.

١٠٢

شيء بنحو وجوده واما ما هو الخارج عنه يكون من أمارات التشخص والتميز مثل الزمان الخاصّ والمكان الخاصّ فقالوا بان الشخص أي الحكم الّذي يكون على إكرام زيد عند المجيء يكون هو ذلك وهو منتف عند انتفاء المجيء ويكون انتفائه عقليا لعدم المجيء واما سنخ الحكم فلا يكون انتفائه عقليا لإمكان إكرام زيد في غير صورة المجيء لفرد آخر من الإكرام.

فان قلت ان سنخ الحكم أيضا ينتفي ويكون انتفائه عند انتفاء القيد عقليا لأن الحكم ليس إلّا إبراز ما هو في النّفس وهو ليس إلّا إبراز واحد شخصي كما تعرض له المحقق الخراسانيّ (قده).

قلت وأجاب هو (قده) عنه بان الاستعمال الشخصي لا يوجب شخصية المستعمل فيه سواء كان الوجوب مثلا مستفادا من صيغة الأمر مثل أكرم وصل وتوضأ وغيره أو باستعمال ما دل بمادته على الوجوب مثل يجب الصلاة والوضوء فالقائل الّذي يأمر بالإكرام عند المجيء لا يوجب استعماله لهذا اللفظ في هذا المعنى ان يصير المعنى الطبيعي الّذي كان للإكرام وللحكم شخصيا فيكون المراد من السنخ هو الطبيعي وفيه ان الأحكام لا تكون مجعولة بل هي إرادات مبرزة والإرادة تكون شخصا وبعبارة أخرى صرف الوجود من الحكم الّذي يكون على الإكرام بشرط المجيء لا يكون له ثانيا حتى يكون في مقابله الطبيعة وهي سارية.

ولكن التحقيق ان يقال ان الإرادة لا تكون بدون المراد وهي وان كانت شخصه ولكن المراد يمكن ان يتصور له افراد في الخارج مثلا فان الإكرام يكون له افراد بدون المجيء ومعه وهذا هو المراد بالسنخ وينتفي الحكم إذا انتفى القيد إذا كان القيد الّذي في الكلام علة للحكم ومنحصرة بحيث لا يقوم غيرها مقامها مثل خفاء الأذان بعد عدم خفاء الجدران في السفر فان خفاء الأذان علة للقصر ولكن لا تكون منحصرة لأن خفاء الجدران أيضا علة يقوم مقامه ويستظهر ذلك من الوضع أو مقدمات الحكمة.

١٠٣

ونحن نستظهر من كلام الفقهاء والأصوليين من مسلمية انتفاء شخص الحكم عندهم عند انتفاء القيد ان المراد في البحث هو السنخ ومن مسلمية حمل العام على الخاصّ إذا كانا مثبتين عند إحراز وحدة المطلوب ان العلة يجب ان تكون منحصرة فإذا قال أكرم عالما ثم قال أكرم هاشميا وأحرزنا ان المراد بالعالم هو الهاشمي نفهم ان العلة المنحصرة لوجوبه هو الهاشمية فشروط أخذ المفهوم ثلاثة كون القيد علة ومنحصرة وان يكون (١) المنتفي سنخ الحكم وعدم الكلام في انتفاء شخصه إذا عرفت هذه المقدمات والأمور فنقول يجب البحث عن ما له المفهوم وما لا يكون له المفهوم من الموارد.

فصل في مفهوم الشرط

مثل قول القائل أكرم زيدا ان جاءك فان الإكرام صار مشروطا بشرط وهو المجيء فيجب على ما تقدم إحراز عليته له بنحو الانحصار وكون المنفي شخص الحكم لا سنخه فان الوجوب سواء استفيد من الصيغة مثل أكرم زيدا ان جاءك أو مثل يجب إكرام زيد عند المجيء يكون مطلقا من كل قيد الا هذا القيد فبضميمة مقدمات الحكمة وهي كون المولى في مقام البيان مع انه حكيم ولم يكن ما يحتمل القرينية على عدم دخالة القيد نفهم ان هذا القيد دخيل في الحكم بالإكرام بحيث لا وجوب عند عدمه.

لا يقال ان الحكم يمكن ان يكون مع قيد آخر فكيف يمكن ان يقال بان هذا القيد ينتفي بانتفائه الوجوب فان العلة الواحدة وان كان لها معلول واحد ولكن قاعدة

__________________

(١) ومما تقدم ظهر ان العمدة هي البحث عن انحصار العلة وعدمه وانتفاء شخص الحكم أو سنخه يكون من نتائج وجود المفهوم وعدمه.

١٠٤

الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد تكون فيما يكون واحدا بالوحدة البسيطة ولا تجيء القاعدة وقاعدة الواحد لا يصدر منه الا الواحد في الواحد بالنوع وبالنجس كما صرح به الحكماء فعلى هذا فحيث يكون المقام من الواحد بالنوع ولأن المراد بالإكرام نوعه فهو يمكن ان يصدر عن علة أخرى فلا وجه لأخذ المفهوم من القضية الشرطية فعدل المجيء الّذي يمكن ان يصير علة أخرى للحكم من الشروط سواء ذكر أم لم يذكر لا فرق في عدم الانتفاء بانتفائه فلا مفهوم للشرط.

لأنا نقول ان القاعدة العقلية المذكورة صحيحة ولكن ندعي في المقام بان مقدمات الحكمة تحكم بان القيد لو لم يكن دخيلا لم يذكره المتكلم أو كان يأتي بقرينة على عدم دخله في الوجوب وهذا كاشف عن عدم قيام عدل آخر مقامه.

وربما قيل ان المقدم هو أسبق العلل وهو هنا المجيء ولو كان غيره أيضا علة وفيه انه لا فرق في هذا النحو من السبق بل المدار على مقدمات الحكمة هذا في مقام الثبوت واما في مقام الإثبات فان الحكم سواء كان بالمادة مثل يجب إكرام زيد عند المجيء أو بالصيغة مثل أكرم زيدا عنده يجب ان يلاحظ في وضع الألفاظ ما هو الحق من المسالك فان سلطان العلماء واتباعه يقولون بان الألفاظ موضوعة للإطلاق إذا لم يكن القيد مذكورا واما نحن فنقول ان الإطلاق وصرف الوجود كليهما حصة والمقسم هو الطبيعي المهمل فعلى هذا الوجوب الّذي استفيد من المادة أو الهيئة ان كان مطلقا يشمل جميع أنحائه مع المجيء وبدونه فإذا قيد بالمجيء يكون جميع افراده منتفيا بانتفاء هذا القيد ونستفيد منه ان القضية يكون لها مفهوم بالوضع.

واما إذا كان اللفظ موضوعا لصرف الوجود فلا وعلى ما اخترناه فحيث ان الإطلاق يكون أحد الأقسام فلا يستفاد من حاق اللفظ فيجب استفادة الإطلاق أي إطلاق الوجوب في المقام من مقدمات الحكمة فنقول بان جميع افراد الوجوب

١٠٥

منتف بانتفاء القيد المذكور في الكلام فيكون استفادة المفهوم على ما اخترناه من مقدمات الحكمة وعلى ما اختاره غيرنا من الوضع فيكون إناطة الإكرام بالمجيء إناطة مهمل لا إناطة مهملة فعلى كلا التقديرين يمكن استفادة المفهوم من القضية الشرطية ولا فرق في كون الوجوب مستفادا من الصيغة أو المادة من باب ان الوضع والموضوع له على التحقيق في كلتيهما عام.

فان قلت ان كان هذا طريق استفادة المفهوم فاللقب أيضا يكون له مفهوم ويلزم منه انه إذا قال القائل زيد موجود إنكار وجود غيره وهو يرجع إلى إنكار الصانع ولم يقل به أحد لأن لفظ زيد الّذي هو الموضوع لم يقيد بشيء ولم يذكر له عدل بأو أو الواو بان يقال زيد وغيره موجود أو زيد أو غيره موجود فيجب الحمل على الإطلاق بان يقال سنخ الحكم بالوجوب منتف بانتفاء زيد بالمقدمات أو بالوضع وهو كما ترى.

قلت فرق واضح في بناء المتكلمين بين ما يكون ذكره مما لا بد منه ولا يكون الكلام تاما الا به أو ما يكون من أطوار الموضوع أو المحمول فان الموضوع والمحمول والنسبة اللازم بحيث لا يخلو منه قضية واما القيود فلا دخل لها في صحة السكوت على هذا الكلام فمن يقول ان زيدا موجود لا ينظر إلى زيد من حيث ملاحظته مع غيره بل من باب انه لا بد منه في حمل الوجود عليه فيذكره لذلك فلا يصح أخذ المفهوم منه بخلاف مثل المجيء الّذي يكون قيدا للموضوع أو الحكم فانه من الطواري ويلزم ان يكون ذكره لدخله في الحكم وإلّا فلا وجه لذكره.

ولذا نقول المفهوم حكم غير مذكور لمذكور أي الموضوع مذكور في القضية المنطوقة نعم على مسلك المشهور (١) القائل بان الألفاظ موضوعة للطبيعة السارية

__________________

(١) أقول الوجود ليس كغيره في الحمل ولذا قال الفلاسفة ان قولنا زيد موجود ـ

١٠٦

يأتي الإشكال لأن الوجود مثلا موضوع للطبيعة ولم يذكر له قيد فينتفى بانتفاء الموضوع فيلزم ان يكون للقب المفهوم.

فان قلت هذا في اللقب صحيح واما في الوصف فلا لأنه ليس من مقامات الموضوع فلأي سبب يفرق بين أكرم زيدا ان جاءك وأكرم زيد الجائي قلت الفرق بينهما ان الوصف يرجع إلى الموضوع في زيد بخلاف الشرط فانه يقيد الحكم خلافا لشيخنا النائيني القائل بان كل قيد في الحكم يرجع إلى القيد في الموضوع وعليه فلا فرق بينهما فمن قال أكرم زيدا العالم يكون مراده ان الموضوع هو زيد العالم لا زيد الجاهل وغيره من باب انه يريد ان يتبين حكم هذا الفرد لا ان ينفى الحكم عن غيره وهو الجاهل فتمام العناية إلى جهة الموضوعية وفي الشرط أيضا يقال بان الموضوع فيه لا مفهوم له ولا يقيد إطلاق الحكم واما من جهة الشرط فهو يقيد إطلاق الحكم.

ثم الإشكال أولا على الشرط الّذي يكون الحكم فيه مستفادا من الصيغة بأنه معنى حرفي ولا يقبل الإطلاق والتقييد قد مر جوابه في مطاوي ما ذكرناه من ان الوضع في الحروف أيضا عام وكذلك الموضوع له مثل الأسماء وبيانه في محله عند ذكر أقسام الوضع.

وثانيا بان المعاني الحرفية مغفولة أيضا يكون جوابه في محله وحاصله ان النسبة بين الموضوع والمحمول والحكم تكون متصورة ويكون الالتفات إليها وغير مغفولة فلا إشكال في مفهوم الشرط من هذه الجهة.

ويمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر وهو ان يقال ان المتكلم الّذي يكون بصدد بيان المراد إذا انحرف عما يصح السكوت عليه من الكلام يكون له غرض في زيادة

__________________

ـ يكون واقعه ان الوجود الأصيل هو زيد وشرح الكلام لا يليق بالمقام ولا أظن المشهور ان يقولوا بذلك لو قالوا بالطبيعة السارية لأن الوجود ليس بطبيعة بل هو فوقها.

١٠٧

القيد والشرط فيكون لكلامه المفهوم ولا يغفل عن ذلك.

ثم ان من الشروط ما كان مقوما للموضوع مثل ان رزقت ولدا فاختنه فان موضوع الحكم بالختان هو ان يرزق ولدا وبدونه لا يمكن الختان فقيل في المقام انه لا مفهوم له ولو كان لغيره مفهوم ومن هنا قال الشيخ الأعظم قده بان آية النبأ (ان جاءكم فاسق إلخ) لا مفهوم لها لأن الشرط محقق للموضوع خلافا للمحقق الخراسانيّ قده حيث يقول بان للآية مفهوم.

وربما قيل في مقام بيان المفهوم لهذا النحو من الشرط بان الموضوع لا يكون له اقتضاء لأخذ المفهوم والشرط مقتض له فحيث صار الموضوع بنحو القضية الشرطية فلا إشكال في ان يكون له مفهوم من جهة الشرطية وما قيل من عدم وجود المفهوم للقب يكون في صورة عدم كونه بنحو الجملة الشرطية كما في المثال وفيه ان مقوم الكلام لا يمكن أخذ المفهوم منه لأن المتكلم يكون في مقام بيان حكم هذا الموضوع لعدم قوام الكلام الا به لا من جهة الموضوعية واما الآية فيجيء الكلام فيها.

لا يقال ما الفرق بين قول القائل خذ ركاب الأمير وقوله ان ركب الأمير فخذ ركابه فان بيان الموضوع بنحو الشرطية لا يكون إلّا لإرادة المفهوم وإلّا لأداه بالنحو الأول من غير استعمال أداة الشرط لأنا نقول يمكن ان يكون الفرق من باب تحقق الموضوع خارجا في خذ ركاب الأمير وبيان المطلب بنحو القضية الحقيقية في قوله ان ركب الأمير فخذ ركابه حتى لا يكون مختصا بحال دون حال. واما الآية المباركة فالموضوع فيها يكون النبأ ومن شرط وجوب التبين عنده مجيء الفاسق به لا العادل فلا يكون الشرط محققا للموضوع فلا ينقض القول بعدم المفهوم لما يكون الشرط محققا للموضوع فيه بالآية المباركة فانها لها طريق آخر لأخذ المفهوم منها وهو ما ذكرناه.

ثم من الملحقات بالشرط المحقق للموضوع صورة كون الشرط في الحكم

١٠٨

من اللوازم للموضوع مثل ان يقال الشيء الفلاني حلال ان جهلت به فان الحكم بالحلية منوط بالجهل بحكمه والجهل به يكون من محققات موضوع الحلية فان الشرط وان كان شرطا للحكم ولكن يرجع إلى تحقق الموضوع.

فصل في تعدد الشرط واتحاد الجزاء

الشرط المتعدد في الشرعيات مع الجزاء الواحد كثير ومثاله المعروف في الأصول هو قولهم إذا خفي الجدران فقصر وإذا خفي الأذان فقصر فان خفاء الجدران شرط للقصر وكذلك خفاء الأذان فيجب بيان ان المدار عليهما أو على كل واحد منهما بحيث يكون كل واحد جزء العلة أو كون كل واحد علة مستقلة منحصرة بحيث يحصل التعارض بينهما.

فنقول ان الجزاء تارة يمكن تكراره وتارة لا يمكن بل هو واحد فالثاني كالمثال فان الصلاة الواحدة الواجبة قصرا لا تتعدد لأن الثابت من الشرع الأنور وجوب صلاة واحدة ففي هذه الصورة يجب بيان تمام ما مر في أخذ المفهوم من الشرط من علية الشرط واستقلالها وانحصارها وكون المنفي سنخ الحكم ففي المقام قيل بان دلالة الشرط على العلية المستقلة تكون بالوضع لأن الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد والقصر واحد فلا يصدر الا عن الواحد ودلالته على الانحصار تكون بمقدمات الحكمة لعدم ذكر العدل في كل واحد منهما فيحصل التعارض اما بين المنطوق والمفهوم أو بين المنطوقين.

ولكن التحقيق هو ان السعة والضيق في المفهوم تكون تابعة للمنطوق فلو كان للمفهوم إطلاق يكون متخذا من إطلاق المنطوق فإذا قيل إذا خفي الجدران فقصر يكون بمنطوقه شاملا لصورة وجود خفاء الأذان وعدمه وكذا إذا قيل إذا خفي الأذان فقصر يكون مطلقا من جهة خفاء الجدران وعدمه.

ومن هنا يتضح ان دلالة الشرط على الاستقلال مثل دلالته على الانحصار فان القائل

١٠٩

بان التعارض بين مفهوم أحدهما ومنطوق الآخر يدعى ان الشرط بواسطة استقلاله لا يعارض مع الشرط الآخر لأنه لا ينافي ان يكون الشرط مستقلا أي يكون له تمام التأثير ولم يكن جزء العلة التامة ومع ذلك لا يكون منحصرا بل تقوم علة أخرى مقامه ويصير عدلا له بل بواسطة الانحصار يعارض مع غيره لأن خفاء الأذان إذا كان هو السبب الوحيد للقصر لا غير فيصير معارضا لما دل على ان خفاء الجدران أيضا سبب وهذا القائل يدعى ان دلالة الشرط على الانحصار يكون بالوضع ودلالته على الاستقلال بمقدمات الحكمة فالمنطوق يدل على الانحصار فقط والمفهوم على الاستقلال والوضع مقدم على مقدمات الحكمة فيرفع اليد عن الاستقلال بواسطة دلالة الوضع على الانحصار.

وما ذكر ينتج ان كل واحد من الشرطين علة منحصرة بالدلالة الوضعيّة ويمكن الجمع بينهما على البدل بان يصير أحدهما عدل الآخر واما الاستقلال فلا. فلا يستقر التعارض أيضا.

وفيه أولا ان المبنى فاسد لأن الدلالة على الانحصار أيضا تكون بمقدمات الحكمة لا بالوضع وثانيا ان الدلالة على الانحصار بالوضع فقط تكون في صورة عدم القرينة على خلافه ومقدمات الحكمة قرينة على خلافه وهو الاستقلال وثالثا (١) ان العلم الإجمالي الطولي مثل العرضي منجز فالشرط يدل على كونه دخيلا في كل زمان ومكان ورتبة الانحصار وان كان مؤخرا عن الاستقلال ولكنه أيضا في طوله فيجب العمل على طبقه لأنا نعلم انه اما يدل على الاستقلال أو الانحصار.

__________________

(١) العلم الإجمالي في المقام لا مقام له لأنه يكون دائرا مدار الاستظهار العرفي فان استظهرنا الاستقلال والانحصار فهو وإلّا فما استظهر فهو المنجز لا غيره.

١١٠

فتحصل (١) ان التعارض مستقر ففي كل مقام يرجع إلى الأصل المناسب فان كانت حالته السابقة السفر فيستصحبه ويقصر وان كان الحضر فيستصحبه ويتم الصلاة هذا كله في صورة عدم إمكان تكرار الجزاء.

واما إذا كان الجزاء متعددا يعنى قابلا للتكرار مثل ما إذا قيل ان أفطرت فكفر وان ظاهرت فكفر ففيه بحث ويجب أولا البحث عن ان الأسباب والعلل هل تتداخل في الشرعيات أم لا فنقول الأقوال في تداخل الأسباب خمسة فقيل بالتداخل مطلقا وقيل بعدمه مطلقا والثالث التفصيل بين ما إذا كان الشرط متعددا من حيث النوع وبين ما كان متحدا بالنوع فيلزم تعدد الجزاء على الأول ولا يلزم على الثاني.

مثال الأول قول القائل ان ظاهرت فكفر وان أفطرت فكفر فحيث ان الإفطار والظهار ليسا من نوع واحد فيجب تعدد الجزاء بتعدد الشرط ومثال الثاني قوله ان نمت فتوضأ فانه في صورة تعدد النوم لا يتعدد الوضوء بل الجميع موجب لوضوء واحد الرابع هو القول بالتداخل في المسبب بمعنى ان وجودا واحدا يمكن ان يكون متعلقا للوجوبين فيؤكد أحدهما الآخر (٢).

__________________

(١) أقول القرينة اما متصلة أو منفصلة فإذا ورد من الشارع إذا خفي الأذان أو إذا خفي الجدران فقصر في كلام واحد فنحكم بان كل واحد علة مستقلة غير منحصرة واما إذا ورد في كلامين فيكون كل واحد منهما كالقرينة المنفصلة ويمنع عن جريان مقدمات الحكمة في الانحصار فيبقى الاستقلال ويسقط الانحصار فيرفع اليد عن إطلاق اللفظ في الانحصار وهو الإطلاق بنحو أو ويثبت الإطلاق في الاستقلال وهو الإطلاق عن ذكر العدل بالواو فكل واحد علة وإذا اجتمعا لا يضر أحدهما بالآخر وإذا افترقا يكون كل واحد علة.

(٢) أقول لم يذكر مد ظله من الاحتمالات الخمسة خامسها كما لم يذكره في تقريره المطبوع في الدورات السابقة بعد ما راجعت إليه وكان عنوان الاحتمال على الخمس وقد ذكر الجميع في أجود التقريرات للعلامة الخوئي مد ظله في الأمر الثالث في ص ٤٢٣ فان ـ

١١١

ولا يخفى عليكم ان هذا البحث يتمشى على فرض قبول كون الشرط علة مستقلة وإلّا فعلى فرض كونه جزء العلة فلا مجال الا للقول بالتداخل وأيضا يكون البحث على فرض كون المراد بالجزاء هو صرف الوجود لا الطبيعة السارية وإلّا فلا إشكال في عدم التداخل على هذا الفرض.

والتحقيق ان الشرط والسبب المستقل لا يتداخل لظهور الكلام في الاستقلال فلو لا الدليل من الخارج يقتضى وجود نيام كثيرة وجوب وضوءات متعددة وكذا وجود نوم وبول وريح يقتضى وضوءات كذلك وللشرط المتعدد ظهور متعدد وإذا دار الأمر بين ظهور واحد وهو ظهور الجزاء بمقدمات الحكمة في صرف الوجود يقدم الظهورات عليه على ان صرف الوجود يكون في صورة كون الشرط واحدا مثل ما إذا قيل إذا نمت فتوضأ وصورة نوم واحد ولا يدرى المكلف انه يجب عليه التكرار أو يكفى المرة في الوضوء فيحكم بمقتضى مقدمات الحكمة ان صرف الوجود يكفى واما في صورة تعدد الشرط فلا يكون كذلك على ان دلالة السبب المتعدد على التعدد بالوضع ودلالة المأمور به على صرف الوجود بمقدمات الحكمة والوضع مقدم عليها فلا بد من إتيان الجزاء متعددا.

فان قلت ظهور الشرط في الاستقلال أيضا بمقدمات الحكمة فلا وضع ليكون مقدما عليها قلت انه على التحقيق صحيح ولكن كل علة يحتاج إلى المعلول والمعلول الواحد لا يكون إلّا عن العلة الواحدة والفرض ان العلة ولو بالمقدمات متعددة فالمعلول متعدد وهذا بخلاف العلة الواحدة فان معلولها بالمقدمات يثبت كونها على نحو صرف الوجود :

__________________

ـ شئت فارجع فانه بينه ببيان آخر ويمكن ان يقال الخامس هنا هو ان يكون الشرط هو الجامع وكل واحد منهما مصداقه فينتج الاستقلال فيتداخل مع القول بان كل واحد منهما علة مستقلة ففي الواقع يرجع الأقوال إلى الأربعة والأمر سهل.

١١٢

فان قلت ان متعلق كل علة للحكم هو معلولها الّذي يكون هو الحكم وتعدد الحكم لا ينافى وحدة الامتثال فإذا قيل ان أفطرت فكفر وان ظاهرت فكفر فمعناه ان كلا من الإفطار والظهار يقتضى وجوب الكفارة وهذا النحو من الوجوب يكون متأكدا بمثله لتعدد علته واما من حيث الامتثال فتكفي الواحدة وعلى هذا لا يبقى ثمرة فقهية للبحث عن ان الشرط المتعدد يحتاج إلى جزاء متعدد أم لا.

قلت نحن في الدورة السابقة وان قبلنا الإشكال ولكن عند التحقيق نرى ان الحكم تابع لمصلحة وهي قائمة بالخارج فالحكم بوجوب شيء يكون من باب ان وجوده في الخارج يكون له مصلحة ومن هذه المصلحة تنشأ الإرادة التي تصير بالإبراز حكما فنقول ان الكلام في الوجوب المستقل المؤثر الّذي يكون اثره تعدد الامتثال وهذا هو الثمرة الفقهية في البحث عن ان العلة والشرط إذا صارت متعددة تصير سببا لتعدد الامتثال أم لا.

ثم ان شيخنا النائيني قده قال بما قلنا من عدم تداخل الأسباب والشروط لكن بنحو آخر وهو ان الشروط في الحكم على حسب مبناه يرجع إلى الموضوع فتعدد الشرط يوجب تعدد الموضوع والموضوع المتعدد يكون حكمه أيضا متعددا ولكن في الشروط التي تكون من النوع الواحد مثل البول الّذي يكون شرطا لوجوب الوضوء يكون كفاية وحدة الامتثال من باب ان مشتهى الحكم حاصل لا من باب ان المتعلق يدل على صرف الوجود بان يقال ان مقتضى مقدمات الحكمة عدم وجوب التكرار بحيث لو دل دليل على وجوبه يصير منافيا له وهذا هو الفارق فان كان المتعلق على نحو صرف الوجود فلا يمكن ان يصير البول الثاني سببا للوضوء ثانيا.

واما على فرض القول بان مشتهى الحكم حاصل فيمكن ان يقال بان البول الثاني سبب لوجوبه ثانيا وفيه ان إنكار صرف (١) الوجود يرجع إلى إنكار المفهوم

__________________

(١) أقول هذا لا يرجع إلى إنكار المفهوم بل حيث ان الشرط متعدد يكون لازم قوله ـ

١١٣

لأن قاعدته هو ان العنوان الفلاني منحصرا علة ولا شيء آخر يقوم مقامه وهو مستقل في العلية واما على ما ذكره قده فيكون المعنى ان هذا علة مستقلة ولا يكون منحصرا فيمكن ان تأتي علة أخرى مقامه وعلى فرض تسليم ان الشرط ظاهر في الانحصار فلازمه تعدد الوجوبين كما مر لا تعدد الامتثالين.

ومن هنا ظهر ان القول بالتفصيل بين الشروط إذ كانت من جنس واحد وبين ما كان من نوع واحد لا وجه له وكذلك لا وجه لتداخل المسببات وكذلك ظهر بطلان القول بالتداخل مطلقا.

وببيان آخر في مقام جوابه قده هو ان الشرط المتعدد بواسطة جريان مقدمات الحكمة يدل على ان الجزاء لا يكون صرف الوجود الّذي يحصل معه التعارض بين مفاد الشرطين بل يدل على الطبيعة السارية وهو ان كل شرط يحتاج إلى جزاء على حدة سواء كان الشرط متعددا بالنوع مثل الظهار والإفطار الموجبين للكفارة أو متحدا بالفرد مثل البول والبول ومثل النوم والنوم إلّا ان يدل على دليل على التداخل وهذا الاختيار ليس من باب ادعاء الوضع في الشرط وادعاء مقدمات الحكمة في الجزاء بل كلاهما يتمان بها لا به.

__________________

رفع اليد عن الانحصار بواسطة ان أحد الشرطين قرينة على عدم الانحصار ولعل هذا هو مراد شيخ شيخنا.

١١٤

وينبغي التنبيه على أمور

الأمر الأول في انه هل يوجب تعدد الشرط تعدد متعلق التكليف من اقتضائه تعدد الجزاء أم لا مثلا إذا قيل كلما جاءك فقير فأكرمه فهل المدار على تعدد متعلق الإكرام مثل زيد وعمر وبكر أو إذا جاء زيد مرات عديدة يجب تعدد إكرامه لأنه من مصاديق الفقراء والشرط وهو المجيء قدر كرر فيه خلاف.

والحق هو ان طبع القضية لا يدل إلّا على تعدد الإكرام عند تعدد المجيء واما تعدد المتعلق فهو ساكت عنه وقيل انه مطلق من جهة المتعلق فانه يدل بإطلاقه على ان مجيء الفقير متعددا سواء كان زيدا أو عمراً موجب للإكرام وعلى فرض عدم الإطلاق فقيل ان الأصل يقتضى الاشتغال وفيه حيث ان الشك يكون في طور التكليف لا المكلف به يكون المقام مقام البراءة فيكفى إكرام زيد متعددا.

الأمر الثاني في انه هل يكون مجال البحث عن تداخل المسببات بعد البحث عن تداخل الأسباب أم لا فيه خلاف فقيل بان القول بعدم تداخل الأسباب لازمه عدم تداخل المسببات أيضا لأن السبب المتعدد لا محالة يحتاج إلى مسبب كذلك ولكن التحقيق هو ان البحث في ما تقدم ان كان من جهة ان تعدد الشرط يوجب تعدد الحكم وهو الوجوب من دون سراية إلى الوجود فيكون المجال للبحث عن المسبب أيضا بأنه هل يمكن تحويل متعلق واحد للوجوبين أم لا وان كان من جهة ان تعدد الشرط هل يحتاج إلى امتثالين وتحويل وجودين إلى المولى فلا مجال للبحث عن تداخل المسببات لأن الوجودين يكونان مسببين فإذا ظهر حكمهما فلا يحتاج إلى بحث جديد.

الأمر الثالث في انه إذا صار شيء واحد متعلقا لعنوانين فيما إذا كان بين العنوانين العموم من وجه فهل يكفى وجود واحد لكونه منطبق العنوانين أم لا مثلا إذا قيل

١١٥

أكرم العالم ان جاءك وأكرم الهاشمي ان جاءك فان أكرم هاشميا غير عالم وعالما غير هاشمي فقد امتثل الخطابين ولا معارضة بينهما بمعنى عدم ربط كل بالآخر.

فإذا كان العالم في مورد من الموارد هاشميا أيضا فهل يكفى إكرام واحد لذلك الشخصي ويراد به امتثال خطاب إكرام الهاشمي وإكرام العالم أم لا فيه خلاف فقيل بان كل شرط يحتاج إلى جزاء ويحدث به وجوب وتعدد الإضافة بالعلم والهاشمية يكفى للامتثال ولا يخالف هذا استقلال كل شرط فانه بحاله ولكن اتفق إمكان الامتثالين بوجود واحد.

وفيه أولا ان من الواضح ان تعدد الإضافة لا يوجب تعدد المضاف إليه فان شخصا واحدا بواسطة تطبيق عنوان الأب والابن والخال والعم وغيره عليه لا يصير متعددا وثانيا ان الهاشمي والعالم يكون لهما جامع وهو الإنسانية وهو ليس إلّا واحدا فيكون نظير باب اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد لكن هنا يكون من اجتماع الأمرين فعلى فرض امتناع الاجتماع ففي المقام أيضا كذلك من حيث الامتثال وثالثا ان الجزاء لا يكون هو الوجوب حتى يقال لا يضر باستقلاله لأنا نقول بالوجوبين في متعلق واحد بل هو الوجود فكل شرط يقتضى إيجاد وجود من الإكرام مستقلا وهو غير ممكن في الواحد وتعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون ، ثم ان شيخنا النائيني قده قال بأنه ان كان الشرط متعلقا بصرف الوجود فيهما أو صرف الوجود والطبيعة السارية يمكن القول بكفاية الامتثال الواحد لهما واما إذا كان متعلقا بالطبيعتين الساريتين فلا مثلا إذا قيل ان جاءك زيد فأكرم عالما بنحو صرف الوجود وان جاءك زيد فأكرم الهاشمي بنحو السارية أو أكرم هاشميا بنحو صرف الوجود فيمكن ان يقال انه يكفى إكرام واحد عن الإكرامين واما إذا قيل ان جاءك زيد فأكرم الهاشمي وان جاءك زيد فأكرم العالم فلا.

والدليل عليه هو ان الحكم في صرف الوجود يكون على الطبيعة ولا يسرى

١١٦

إلى الافراد ولذا يكون التخيير بين الافراد عقليا لا شرعيا فلا يجتمع الحكمان على فرد واحد في صرفي الوجود ويكون الحكم على الفرد والطبيعة في صورة كون أحدهما بنحو السارية وموطن الطبيعة غير موطن الفرد واما في الطبيعتين الساريتين فالحكم يكون على الفرد ولذا يكون التخيير شرعيا.

والجواب عنه أولا ان الحكم على الطبيعة أيضا يكون بلحاظ الوجود في الخارج والطبيعة من حيث هي لا حكم لها والتخيير مطلقا شرعي غاية الأمر التطبيق على الفرد في الصرف يكون على نحو الفرد التبادلي وفي السارية على نحو الشمول لجميع الافراد وثانيا ان الكلام يكون في ان الظاهر من كل خطاب هو انه يحتاج إلى وجود على حدة لا ان يكون كل خطاب موجبا للوجوب فقط خلافا للمشهور حيث ذهبوا إليه فلا يكفى القول بان الحكم في موضع يكون بنحو صرف الوجود وفي الآخر بنحو الطبيعة السارية لرفع هذا الإشكال ولا دافع لظهور الخطاب كذلك.

الأمر الرابع (١) في ان الجزاء إذا كان متعددا من حيث العنوان فهل يمكن القول بالتداخل أم لا : فيه خلاف : مثلا إذا قال القائل ان صرت ضيفا لفقير فاجعله ضيفا لك وأطعمه وان أفطرت فكفر فهل يكفى إطعام الفقير الّذي صار ضيفا له من باب ان يكون هذا الإطعام مصداقا للضيافة ومصداقا للكفارة أيضا أم لا. والفرق بينه وبين البحث السابق يكون في تعدد متعلق المتعلق عنوانا هناك وفي تعدد العنوان في متعلق التكليف هنا فربما قيل بان هذا مبنى على جواز

__________________

(١) توضيح هذا البحث أصلا ونتيجة قد تعرضنا له في بحث تداخل الأغسال في الفقه في بحث غسل الجنابة شرحا لمتن العروة فليرجع إليه أو إلى ساير الكتب المتعرضة له في هذا المقام.

١١٧

اجتماع الأمر والنهي في بابه فان قلنا بان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون فيكون الأمر بلحاظ والنهي بلحاظ آخر فيمكن ان يقال بان كل شرط يحتاج إلى جزاء مستقلا ولكن حيث يكون الواحد مجمع العناوين يمكن القول باكتفائه به واما على فرض القول بامتناع الاجتماع فلا يكفى بل يجب ان يجيء بالمتعدد والجواب عنه هو انه غير مبنى عليه بل حيث ان الظاهر من كل شرط هو ان الجزاء يجب ان يكون متعددا وجودا فلا يكفى الواحد.

ولا نقول بتعدد الوجوبين فقط حتى يقال هذا يكون مصداقا لامتثالهما معا فالحق انه لا يكفى الواحد كذلك في المقام.

الأمر الخامس في ان تعدد الشرط هل يوجب تعدد المشروط واقعا أم لا مثلا إذا قال القائل إذا صارت المرأة حيضا يجب عليها الغسل وان صارت جنبا يجب عليها الغسل فهل الغسل الّذي يكون هو غسل الأطراف من الرّأس واليمين واليسار يكون متعددا بواسطة تعدد الشرط ولو كان عند الدقة هذا وذاك غسل لا فرق بينهما؟.

ولا يخفى عليكم ثمرة هذا البحث وان كان التقرير في الدورة السابقة غير متعرض له فانه على فرض تعدد المشروط واقعا بتعدد ماهية الشرط تصير الروايات في باب تداخل الأغسال على القاعدة والمراد بالقاعدة ظهور كل شرط في الاستقلال والانحصار واما على القول بالاتحاد واقعا فتكون الروايات على خلاف القاعدة ويكون الحكم بالتداخل واقعيا وإرشادا إلى ان كل ما كان واحدا بالدقة يكتفى به ولو كان بالتنزيل يتعدد وينتج على الفرض الأول ان كل مورد يمكن فيه التداخل ولو لم يكن عليه الدليل إثباتا على فرض عدم القول بانصراف كل دليل وشرط إلى تعدد الوجود في الخارج واكتفينا بالواحد خارجا مع كونهما متعددا واقعا.

بخلافه على الثاني فانه على الاتحاد واقعا يحتاج إلى تنزيل من الشرع.

١١٨

ثم ان الحق هو عدم إمكان إثبات تعدد المشروط بواسطة اختلاف السبب أعني الشرط لأن التعدد على الفرض يستفاد من إضافة الشرط إلى المشروط وهي متأخرة عن المتضايفين فما هو المتأخر كيف يمكن ان يؤثر في حقيقة المتقدم فان اللازم من هذا هو كون شيء واحد متقدما ومتأخرا فتحصل ان تعدد الشرط جنسا لا يوجب تعدد المشروط واقعا فلا يترتب عليه ما ذكرناه من الثمرة.

الأمر السادس ربما قيل بان البحث عن ان الشرط المتعدد هل يقتضى جزاء متعددا أم لا متوقف على القول بان الأسباب الشرعية علل أو معرفات فعلى الثاني يمكن ان يكون لشيء واحد معرفات عديدة وعلى الأول لا يكون لعلة واحدة الا معلول واحد وهذا عن الفخر قده وقد أجاب عنه المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية.

فنقول البحث في ذلك تارة يكون في إمكان كون العلل الشرعية مؤثرات وتارة يكون البحث بعد الفراغ عن إمكانه في وقوعه فعلى الثاني وهو البحث عن وقوعه يكون معناه انه لم يكن ذلك في الشرع لا انه لا يمكن أصلا فعلى هذا يصح جوابه قده عن الفخر (قده) بأنه لا ضابطة في ذلك بل في بعض الموارد يكون الأسباب مؤثرات وفي الآخر كاشفات وهذا يدور مدار الاستظهار وفي تعدد الشرط حيث يكون الظاهر استقلال كل شرط في العلية والانحصار يجب العلاج.

واما على فرض الكلام في إمكان ذلك فيجب ان يكون وجهة البحث في الإمكان وعلى فرضه يمكن وقوعه في الشرع ولا يصح على هذا الجواب بالاستظهار وان العلل الشرعية مؤثرات تارة وكاشفات أخرى ففي هذا المقام قيل بان البرهان اما انى أو لميّ أو لا يكون أحدهما بل العلل الشرعية معرفات فقط اما الإنّيّ فهو الّذي يكون العلم من المعلول بوجود العلة واما اللميّ فهو يكون في صورة حصول العلم بالمعلول من العلم بالعلة وهذا واضح والمقام ليس أحدهما فان الحكم يكون

١١٩

إرادة مبرزة من المولى ومعلوم ان البول في قوله ان بلت فتوضأ لا يكون له دخل في الإرادة فلا تأثير له في الحكم فهذا ليس علة له.

وفيه ان الحكم تابع للمصلحة ولا شك في ان مصلحة الوضوء تكون في صورة حدوث الحدث وحيث ان الإرادة بعد المصلحة فلا بد ان تكون مؤثرة فالبول مؤثر في الحكم غاية الأمر تكون الإرادة منوطة بظرف حدوث ما هو الدخيل فيه فتكون الإرادة المنوطة فعلية حين الإبراز.

وما عن الميرزا القمي قده من ان المعرف بالفتح يكون قابل الصدق على المعرف بالكسر بخلاف السبب فانه يمكن ان يقال الإنسان حيوان ناطق ولا يمكن ان يقال الحرارة نار لأن النار سببها لا وجه له لأن الكاشف في كلام الفخر قده ليس حدا ماهويا حتى يكون قابل الصدق بل يكون المراد انه دخيل في المصلحة أم لا ولا شك في دخله فيها هذا على فرض كون الأحكام تابعة للمصالح واما على فرض الأشعري المنكر للحسن والقبح أيضا فلا يتم هذا الكلام لأن ظهور كل شرط يكون في كونه تمام العلة لوجود المشروط فهو مساو للسبب في الفعلية من حيث الاستقلال في التأثير فان كان المراد هو الأثر الشأني فلا خصيصة للشرط بل يقال في العلة أيضا ولكن حيث لا يصح هذا القول ويخالط الظهور فالأثر يكون للشرط ولا يكون جزء المؤثر فلا فرق في السبب والشرط إلّا بان السبب يكون مؤثرا تكوينيا والشرط مؤثرا شرعيا.

الأمر السابع قد ظهر مما تقدم ان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الشرط وقد صار هذا محل البحث في الرواية التي وردت في الكر في قوله عليه‌السلام الماء إذا بلغ قد كر لم ينجسه شيء لأنه من المسلم في القواعد الميزانية ان نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية فان نقيض لا شيء من الإنسان بحجر بعض الإنسان حجر فعلى هذا ان كان المراد بالشيء الّذي لم ينجس الكر هو كل شيء بمعنى ان الماء

١٢٠