مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

فلا يمكن ان يكون لنا جامع بين هذه الأجناس فأين الذاتي فلو كان الجامع بين الصلاة الواحدة غير ممكن فبين المختلفات التي بعضها صلاة الغرقى وبعضها صلاة جعفر لا يمكن بالأولوية لأن بعض تلك الصلوات يكون من مقولة واحدة وبعضها مركبا من مقولات فان كان الجامع ذاتيا فلا يمكن انطباقه على الكثير بما هو كثير مختلف لأن البسيط غير قابل التطبيق على الكثير وان كان الجامع عنوانيا فكيف يولد من الجميع عنوان واحد بل يكون كل واحد ناهيا عن الفحشاء بنحو من الأنحاء.

لا يقال ان الظاهر من الروايات وحدة الجميع لصدق الصلاة عليها لأنا نقول لا يكون هذا الا ظهورا ويناسب الوحدة العنوانية أيضا ولا نحتاج إلى إثبات الوحدة الذاتيّة فمرتبة منها تكون ناهية عن الكذب والأخرى عن الغيبة وأخرى عن التصرف في أموال الناس فعلى هذا ما ذكره المحقق الخراسانيّ قده يكون ممنوعا.

ولكن يمكن ان يقال في المقام ان الصلاة وضعت لمعنى جوهري فيها أو لمقولة من المقولات العرضية وكانت تلك المقولة هي الأصل وساير الاعراض يكون من المشخصات الفردية غير داخلة في حقيقتها بنحو ان يكون التقيد جزء والقيد خارجي كما ان الإنسان يصدق على زيد مع مقارنته بمشخصات عارضية خارجة عن حقيقته.

وقد أشكل أيضا على مسلك المحقق الخراسانيّ (قده) من انه يكون لنا جامع ذاتي مثل الناهي عن الفحشاء وبان ما ورد من الروايات الذي يكون به إثبات ذلك يكون بالسنة مختلفة ففي بعضها انها قربان كل تقي وانها معراج المؤمن ولا يخفى ان كلا من هذه العناوين غير العنوان الآخر.

وفيه ان القرب يكون له مراتب فمرتبة منه يمكن ان يكون هو ترك الإنسان الفحشاء والمنكرات ومرتبة منه المعراج إلى الله تعالى فيكون هو الجامع لغيره من العنوانات فلا محذور.

وقد أشكل على مذهبه أيضا بان الجامع الذي يكون ذاتيا وقد فرضتموه

٨١

بسيطا كيف يمكن ان يكون منطبقا على ما ذكرتم من الاجزاء فان تطبيق البسيط على المركب محال وغرضكم من هذا البحث هو التمسك بالبراءة في صورة الشك واللازم من عدم تطبيق عنوان البسيط على المركب هو القول باشتغال الذّمّة ما دام الشك في حصول المحصل له.

وفيه ان ذلك يكون في البسيط الّذي لا يكون متخذا من حاق الاجزاء واما في ما يكون متخذا من حاق الاجزاء مثل الإنسانية التي تكون متخذة من حاق الافراد الخارجية مع إلقاء الخصوصيات فلا إشكال فيه وإذا كان الشك فيه يكون الشك في السعة والضيق.

واما إشكال المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية على نفسه بان الجامع اما ان يكون امرا مركبا وهو لا يكاد يمكن إذ كل ما فرض جامعا كذلك يمكن ان يكون صحيحا وفاسدا واما ان يكون بسيطا وهو لا يخلو اما ان يكون عنوان المطلوب أو ملزوما مساويا له والأول غير معقول لبداهة استحالة أخذ ما لا يتأتى من قبل الطلب في متعلقه مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب وعدم جريان البراءة مع الشك في اجزاء العبادات وشرائطها لعدم الإجمال حينئذ في المأمور به فيها وانما الإجمال في ما يتحقق به وفي مثله لا مجال لها كما حقق في محله مع ان المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها وبهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا.

والجواب عنه هو ان الجامع هو المفهوم الواحد المنتزع عن حاق الافراد الخارجية ولا يكون الأمر متعلقا بأمر بسيط مثل باب الطهارات ويكون الشك في المحصل لها فانها يجب الإتيان بما شك في جزئيته لتحصيل ذلك الأمر واما في المقام فلا يكون كذلك بل الأمر البسيط منتزع عما في الخارج وهو يتفاوت بتفاوت الخارج ومع الغمض ان هذا الإشكال يكون في صورة عدم القول بالمراتب حتى في الطهارات فان البسيط في عين بساطته يمكن ان يكون ذا مراتب متفاوتة كالنور المائة الشمعية بالنسبة إلى عشرين شمعة مع ان الكل نور.

٨٢

والحاصل انا نبحث عن جامعين في المقام جامع عقلي وجامع عرفي ولا نتعرض لسائر الأقسام الذي قيل في المقام كما عن بعض الأعيان (قده) وغيره اما العقلي فهو ما مرّ عن المحقق الخراسانيّ قده ويستدل عليه بالبرهان الآتي وهو انا نستكشف من لسان الأدلة وحدة الأثر من جهة ان الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر أو أنها قربان كل تفي أو انها معراج المؤمن وحدة جميع الصلوات ولا بد ان يكون هذا الأثر أثرا لما هو الأساس ويوجد في جميع الصلوات من المقصورة والتامة غير صلاة الغرقى فانها ليست بصلاة أصلا كما سيجيء ويمكن ان يستدل بروايات وردت في أبواب الخلل في الصلاة ففي بعضها ان الصلاة ثلثها ركوع وثلثها سجود وثلثها الطهارة وروايات أخرى دالة على ان لكل من ذلك أبدال في صورة اعتذار بعض الكيفيات وقد مر الجواب عن إشكال اختلاف المقولات بأنه يمكن ان يكون بعضها هي الأصل وهذه الروايات أيضا دالة على ذلك وفي بعض الروايات تحريمها التكبير وتحليلها التسليم والحاصل يمكن ان يستفادان الأصل فيها هو الأركان من النية وغيرها وغير الأركان من الإضافات التي لا يكون لها الدخل في أصلها كما ان حالات المصلى من كبر السن وغيره غير داخل في كونه إنسانا فان الإنسانية لا تتوقف على وجود اللحية وعدمها ولكن يكون بنحو اللابشرط بالنسبة إليها كذلك أصل الصلاة يكون اللابشرط بالنسبة إلى القنوت مثلا ولكن المحقق الخراسانيّ قده يختار أصلية بعض المقولات مثل الركوع والسجود الّذي من مقولة الوضع ولا يخفى انه لا يلزم لنا إحراز ان الأصل في الصلاة أي المقولات وإلّا فلا يبقى لنا الشك حتى نتمسك بالإطلاق وعدم دخل جزء فيها.

الثاني : الجامع العرفي وهو ان الجماعة التي تكون في مكان واحد تصلون بعضهم حاضر وبعضهم مسافر وبعضهم معذور من الركوع بالحد الأول وهو وصول اليدين إلى الركبتين إلى ان يصل إلى حد الإشارة يطلق عليهم انهم تصلون وتأتون بالصلاة فالكل صلاة ولا ترون دخلا للأعمال الزائدة التي تأتي بها بعضهم بالنسبة إلى وظيفته في صدق

٨٣

عنوان الصلاة وهذا يكفى للجامعية بالتبادر.

اما الجامع على الأعمي فهو أيضا يكون في كلماتهم ومنهم المحقق الخراسانيّ (قده) وفي تصويره وجوه ولكن ظهر على التحقيق من البحث في الجامع الصحيحي تصوير الجامع للأعمي من جهة الدقة واحتمال أصلية بعض الاجزاء ومن جهة الصدق العرفي وهو ان الجماعة التي تصلون وفيهم من يفسد صلاته يطلق عليهم عنوان إتيان الصلاة من غير فرق فعلى الأعمي إذا كان لنا جامع يكون الفرق بين صلاة الناسي والمتذكر فان بعض افراد الصلاة صحيح بالنسبة إلى الناسي دون المتذكر.

في ثمرة البحث في الصحيح والأعم

قد ذكر له ثمرتان (١) أحدهما الأخذ بالإطلاق في مقام الشك والثاني البراءة إذا كان الشك في دخل جزء أو شرط اما الأول فهو مثل ساير الموارد فإذا قيل أعتق رقبة وشك في كونها مؤمنة أو كافرة نقول كان المولى في مقام البيان ولا يكون في الكلام ما يحتمل قرينيته ولم يأت بما هو دال على دخل شيء آخر غير ما يصدق عليه الرقبة فلا محالة لا يكون الإيمان شرط لها وهذا يكون بعد صدق عنوان كونها رقبة واما مع عدم الصدق فالعام والمطلق لا يمكنهما إيجاد موضوعهما فان إكرام العالم يكون فرع وجوده فان شك في كونه عالما لا يمكن الأخذ به وإذا شك في كون العدالة دخيلة أم لا بعد صدق العنوان فتأخذ بالإطلاق أو العموم ففي المقام نقول إذا كان لنا الشك في دخل قيد في مسمى الصلاة لا تأخذ بإطلاق لفظ الصلاة على ما شك فيه ولا نطرد القيد بواسطته على الصحيحي لأنه ليس لنا صلاة حتى يؤخذ بإطلاقها واما على الأعمي فإذا شك في دخل قيد لكن لا في المسمى لأن الفرض ان الصحيح صلاة والفاسد أيضا كذلك بل

__________________

(١) الأخذ بالإطلاق إحدى مقدماته عدم بيان المولى القيد مع كونه حكيما في صدد البيان فما هو مناط الاحتجاج به قبح الخطاب بلا بيان وهو البراءة العقلية فيكون مرجع الثمرتين إلى شيء واحد وهو البراءة.

٨٤

في المأمور به فنأخذ بالإطلاق ونقول كان المولى في مقام البيان أي بيان تمام المراد ولم يأت بالقرينة على شيء يكون له دخل في مراده فلا يكون دخيلا بعد صدق عنوان الصلاة بخلاف ما إذا لم تصدق الصلاة على ما شك فيه أصلا.

لا يقال : ان الإبهام والشك إذا كان في جزء من الاجزاء لا فرق بين كون الصلاة موضوعة للصحيح أو موضوعة للأعم فانه سواء وضعت الصلاة على خصوص الصحيح أو الأعم يكون الشك في دخل شيء في التسمية أو في المأمور به لأنا نقول الإبهام وان كان فيها ولكن في الأعمي غير مضر وفي الصحيحي مضر فان الإبهام على الصحيحي يكون في أصل صدق الصلاة وعلى الأعمي لا يكون بهذه الدرجة فانه لا شبهة في صدقها وانما الإبهام من جهة أخرى وهو قابل الدفع بالإطلاق بخلافه على الصحيحي.

ثم قد أشكل على هذه الثمرة بإشكالات. منها ان هذه لا يكون لها وقوع في الخارج وان كان من حيث التصور غير بعيد لأنه ليس لنا في دين الإسلام موردا يكون الأخذ بإطلاق التكاليف لإثبات جزء أو عدمه ضرورة ان كل المطلقات مثل أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة يكون في صدد أصل التشريع ولا يكون في مقام البيان فإحدى مقدمات الإطلاق هنا مفقودة وهي كون المولى بصدد البيان فأين الأخذ بالإطلاق بل البيان انما يستفاد من الروايات البيانية مثل رواية حماد في بيان اجزاء الصلاة فلو كان لنا إطلاق تصح هذه الثمرة ولكن لا يكون لنا أصلا.

والجواب عن هذا الإشكال انه دعوى بلا دليل والوجدان يثبت خلافه فان الإطلاقات التي في مقام البيان في باب الجماعة كثيرة والفقهاء يأخذون بها عند الشك في جزء وغيره وعلى فرض التسليم يكون الإطلاق مقاميا على ما فرضتموه.

فان قلت ان المقامي يزاحم اللفظي مطلقا نأخذك بالمنع ولكن لا تقول بذلك فنقول ان الإطلاق اللفظي يكون في القيود الغير المغفولة حاكما على الإطلاق المقامي واما في القيود المغفولة فيتمسك به دونه.

٨٥

الإشكال الثاني هو ما ذكره الشيخ قده (في تقريراته) والعجب من شيخنا الأستاذ قد تلقاه بالقبول ولم يجد محيصا عن رده وهو ان الخطابات من الشرع لا تكون على غير الصحيح من العبادات بل يكون له مطلوبا (١) ولا محالة يكون طالبا له ويجب لنا ان نسلم إليه ما هو مطلوبه ولا يكون الخطاب على الاسم حتى يفرق بين مسلك الصحيح والأعم.

وفيه ان هذا الإشكال واه جدا بيانه انا لو كنا في صدد كشف مراد المولى من غير طريق الألفاظ يكون هذا صحيحا ولكن ليس لنا إلى مراداته سبيل إلا ما جعله طريقا إليها وهو العبائر الدارجة بين أهل كل لغة فإذا رأينا ان موضوعا من الموضوعات يصدق عليه الصلاة ويكون مطلوب المولى هو الصلاة وشك في شيء انه جزء لها أم لا يكون لنا ان نقول هذه صلاة قطعا على الأعمي والجزء مشكوك فيه فهو مرفوع وان كان المولى لا يكون هذا كافيا له في الواقع واللبّ وهذا شأن كل عام إذا خصص فان المولى يرجع تخصيصاته إلى التخصص في الواقع ولكن ما دام لم يأت بالمخصص نعمل على طبق العام ولا يكون له محيص عن قبوله لعدم بيان شيء آخر فكيف يمكن ان يقال بان المولى طالب للصلاة الصحيحة الواقعية في كل مقام ولو لم يأت بما هو دال عليه.

__________________

(١) لعل مراد الشيخ (قده) هو ان الشارع مع طلبه الصحيح يجب ان يبين ان الصحيح ما هو فان الموضوع العرفي يجب إحرازه من العرف اما الشرعي فيجب ان يكون مبينا من عند الشارع قبل الحكم فإذا بين للصلاة خمسة اجزاء وشك في دخالة سادس نقول بان الصلاة عنده هي تلك الاجزاء لا غير لأنه كان في مقام البيان ولم يأت بجزء آخر واما ما يقول الأستاذ (مد ظله) بعد ما سألته عنه بان هذا هو الإطلاق المقامي ونحن في صدد الإطلاق اللفظي ففيه بحث من جهة أخذ الإطلاق وان إحدى مقدماته عدم البيان فيرجع إلى البراءة وسيجيء توضيحه.

٨٦

ثم ليعلم ان المخصص اللبي على قسمين متصل ومنفصل والأول هو الذي لا يحتاج إلى التأمل مثل شرطية القدرة في كل تكليف فانها لا تحتاج إلى تأمل بل الخطاب إذا ألقى يكون حافا بهذه القرينة.

واما الثاني فهو ما يحتاج إلى التأمل مثل انه إذا قيل اللهم اللعن بنى أمية قاطبة فان خروج المؤمنين عنهم وتخصيصهم يكون بعد التأمل في ان الإيمان مانع عن اللعن والبعد عن الله تعالى والتمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية التي تكون (١) من قبيل الثاني لا إشكال فيه فانه يمكن ان يكون العام طاردا لاحتمال الخلاف فإذا شك في شخص انه من بنى أمية أم من المؤمنين فعموم الخطاب يوجب لزوم اللعن والنكتة في ذلك ان المخصص هو المراد لا العنوان أعني في المقام مثلا عنوان كونهم مؤمنين ووجوب اللعن حجة على عدم الإيمان.

إذا عرفت ذلك ففي المقام وان كان خطاب المولى متوجها إلى الصحيح مثلا فإذا قيل صل يطلب الصلاة الصحيحة لا ما كانت فاسدة وهذا يعلم بعد التأمل في ان الفاسدة لا تكون مطلوبه فإذا شك في صلاة هل هي الصحيحة أم لا يتمسك بالأمر لطرد احتمال الخلاف وهو احتمال دخل جزء في الصحة على فرض كون الشبهة مصداقية إلّا ان يعلم فساد الصلاة كذلك كما إذا قال المولى أكرم أصدقائي ثم شك في شخص انه من أعدائه أو أصدقائه يتمسك بالعامّ لطرد احتمال العدوية.

نعم إذا كانت الشبهة المصداقية ناشئة عن الشبهة المفهومية لا يتمسك بالعامّ كما في المقام فانه إذا كان الشك في دخل جزء أو شرط يكون مفهوم الصحة غير معلوم بالنسبة إلى هذا العمل فتكون الشبهة في كونها مصداقا للصحيح أم لا.

__________________

(١) لم يظهر لي وجه هذا الكلام بعد ان كل عام قد خصص فهل يمكن ان يوجب العام وجود موضوعه ويحتج عند المولى فان إحراز الموضوع قبل الحكم من الضروريات فما لم يحرز لا يكون الحكم متصورا وهذا أيضا مقبول عنده (مد ظله) وخصوصية المقام غير مفهومة لنا.

٨٧

والحاصل في المقام لا يمكن التمسك بالعامّ من باب كون الشبهة مفهومية.

الثمرة الثانية : هو التمسك بالبراءة على الأعمي والاشتغال على الصحيحي لأنه إذا كان المدار على إتيان الصلاة الصحيحة يكون الشك في الاجزاء التي تكون محصلة لهذه العنوان فيجب الإتيان بكل ما يحتمل دخله فيه واما إذا كان المدار على الأعم فان العنوان صادق والشك يكون في دخل الزائد في المطلوب والأصل البراءة عن الزائد :

وقد أشكل على ذلك الشيخ الأنصاري (قده) وهو ان التكليف ان صار منحلا بواسطة العلم ببعض الاجزاء تصح هذه الثمرة واما إذا لم ينحل فلا وجه لها بل يجب القول بالاشتغال :

وفيه ان الشيخ (قده) ما كان له وقت الفكر وتعرض له بالإجمال ولكن ما هو المهم هو انه هل يصير التكليف على الأعمي منحلا أم لا فربما يقال لا ينحل التكليف على الصحيح من جهة ان الصلاة بسيطة ويكون الشك في المحصل بخلافه على الأعمي لأنه لا يكون له جامع حقيقة.

وفيه ان البسيط يكون هنا عين الاجزاء ولا يكون مثل الطهارة غير مقدماتها وعلى فرض التسليم قد مر منا مرارا ان البسيط أيضا يكون له مراتب واما عدم الجامع الذاتي على الأعمي أيضا قد مر بطلانه من جهة انه فعليّ على الصحيحي واما على الأعمي يكون شأنيا أي اقتضائيا لأن بعض اجزاء الصلاة أيضا له لياقة انضمام بقية الاجزاء إليه فيصير تاما ناهيا عن الفحشاء.

إذا عرفت ذلك فنقول الحق ان الألفاظ وضعت للصحيح والفاسد ويستدل عليه بأمور ، الأول : ديدن العقلاء في جميع مخترعاتهم على ان يجعلون الاسم لما هو الأعم من الصحيح والفاسد فان لفظ الطيارة ما جعل بإزاء الصحيح منها بل الأعم ولا يكون للشارع ديدن خلاف ديدنهم فانه جعل لفظ الصلاة وأمثالها من العبادات بحيث يطلق على الصحيح والفاسد.

٨٨

لا يقال ان غرضهم عكس ذلك فان الغرض من كل شيء يرشد الذهن إلى ان يئول إلى ذلك الشيء وغرض العقلاء من مخترعاتهم هو الاستفادة عن صحيحها وفاسدها لا وقع له عندهم لعدم إيفائه بغرضهم فلا محالة يجعلون الاسم لذلك لا للأعم منه ولو أطلقوا عليه يكون بعناية التنزيل منزلة الصحيح لا باعتبار وضع اللفظ له حقيقة.

وفيه ان الغرض ولو كان في الصحيح ولكن يمكن ان يكون عندهم توسعة في مقام الإفادة والتفهيم والتفهم فيوضع اللفظ للأعم بحيث لا يحتاج إلى عناية في التطبيق على الصحيح نعم في باب الإنشاءات والإخبارات حيث يكون المراد متوجها إلى الصحيح يستعمل في الصحيح مثلا إذا قيل صل يكون المراد إتيان الصلاة الصحيحة وكذلك إذا أخبر(١) عن شيء يكون الاخبار عن صحيحة.

الثاني ان مقتضى كون الشريعة سمحة سهلة هو وجود إطلاقات فيها يمكن التمسك بها في مقام الشك وإلّا فاللازم هو الاحتياط في كل مورد نشك في شيء وهو خلاف مقتضى الشريعة فعلى هذا لما يكون جعل الألفاظ في الشرع للأعم مفيدا لأخذ الإطلاق فالمتعين هو الأعم وكان الخراسانيّ (قده) ملتفتا إلى ذلك ولذا قال بأنه ليس لنا إطلاق بل كل ذلك صار مبينا بالأدلة البيانية ولكن شيخنا النائيني (قده) يأخذ بالإطلاق المقامي أو الأحوالي.

لا يقال قد مر ان الشرائط على ثلاثة أقسام وقسمان منها لا يمكن ان يكونا مستفادين من الإطلاق وهو الشرط الذي يأتي من قبل الأمر مثل قصد القربة والشرط الذي يستفاد من مزاحمة خطاب المهم بالأهم مثل الإزالة عن المسجد بالنسبة إلى الصلاة وهذان لا يمكن ان يكونا تحت الأمر حتى يؤخذ الإطلاق بالنسبة إليهما فيصير بحث الصحيحي والأعمي غير مفيد لأخذ الإطلاق أضف إلى ذلك ان الحاكم في المقامين هو العقلاء فانه يرى لزوم إتيان الأهم أولا ووجوب قصد القربة بعد كون الإهمال

__________________

(١) الاخبار أيضا يمكن ان يكون عن الصحيح والفاسد بحيث لو قال اشتريت سيارة يطلق اللفظ في الأعم ولا يكون مجازا في الفاسد.

٨٩

الثبوتي محالا فانه اما ان يكون قصد القربة دخيلا أو لا فلا وجه لعدم بيانه فحيث ما بين بأمر آخر نفهم منه دخالته لأنه كان في ضيق الخناق من إظهاره بهذا الأمر لأنا نقول وان كان لا يمكن أخذ ذلك في متعلق الأمر ولكن الوضع يكون مقرونا بذلك الشرط بالبيان المتقدم فانه يوضع اللفظ للحصة المقرونة بعدم المزاحم أو بقصد القربة على الصحيحي ولها بدون ملاحظة المقرونية على الأعمي وبعبارة أخرى نحتمل ان تكون الإزالة مثلا دخيلة في الملاك أو تكون غير دخيلة فيه فعلى فرض كونها دخيلة فيه فما يطرد هذا الاحتمال يكون إطلاق الخطاب. فعلى هذا يقال في الحج على فرض عدم دخل الاستطاعة في الملاك انه صحيح ولو جاء به في حال الفقر والوضوء صحيح ولو كان مضرا بالبدن إذا لم يكن عدم الضرر دخيلا في الملاك وإلّا فلا يكون له اقتضاء الصحة ويؤكد ما نقول إطلاق العرف الألفاظ على الأعم بدون العناية فان جماعة تصلون وفيهم صلاة صحيحة وفاسدة يطلق عليهم انهم تصلون أي تأتون بالصلاة من دون العناية في إطلاقها على الفاسد (١).

الدليل الثالث للأعمي صحة التقسيم إلى الصحيح والفاسد فهو الموضوع للأعم منهما ولذا يصح استعماله في كل واحد وإلّا فلو كان موضوعا لخصوص الصحيح لا يمكن إطلاقه على الفاسد وكذلك لو كان موضوعا للأعم ولذا لا يكون للمحقق الخراسانيّ (قده) القائل بان الألفاظ موضوعة لخصوص الصحيح ان يقول باستعمالها في الفاسد حتى مجازا لأنه لا يكون لنا علاقة مصححة لاستعمال الخاصّ في العام.

لا يقال ان التقسيم يكون بلحاظ المعنى في الخارج ولا يكون بلحاظ اللفظ حتى يقال انه يحتاج إلى مقسم لفظي فصحة التقسيم لا ربط له بالألفاظ لأنا نقول لقد أجابوا

__________________

(١) صحته بالنسبة إلى الحقيقة والمجاز أيضا لا إشكال فيه مثل ان يقال الأسد أسدان ما يفترس وما يمشي على رجلين والعمدة استعماله بدون العناية في الحقيقة ومعها في المجاز والعناية بالنسبة إلى القسم يسرى إلى العناية بالنسبة إلى التقسيم.

٩٠

عن هذه الشبهة بان اللفظ مرآة عن المعنى فلذا يكون التقسيم بالنسبة إليه تقسيما بالنسبة إلى اللفظ فيحتاج إلى المقسم ولكنا نقول لا يكون هذه الشبهة قابلة للجواب لأن المدلول للفظ اما ان يكون بالذات أو بالعرض والأول هو الصورة الذهنية ولا يكون التقسيم بالنسبة إليها والثاني اما ان يكون في الخارج على نحو الصحة والفساد ولا يكون لنا في الخارج مقسم دون أحد الأطراف.

ثم نرجع إلى كلام المحقق الخراسانيّ (قده) في المقام وحاصله انه يقول بان الدليل الّذي أقامه لوضع الألفاظ على الصحيح وهو التبادر وصحة السلب عن غيره حاكم على دليل صحة التقسيم لأنها تكون من التمسك بأصالة الحقيقة وهي أصل تعبدي والتبادر وصحة السلب غير تعبديين فلا محالة يكون الاستعمال في خصوص الصحيح على نحو الحقيقة وفي الفاسد على نحو المجاز.

والجواب عنه انه على فرض الوضع للصحيح فقط لا يكون له ان يقول بأنه يستعمل في الأعم بنحو المجاز لما مر انه لا علاقة بين الخاصّ والعام إذا أردنا استعمال الأول في الثاني وثانيا لا يكون الدليل على العموم أصالة الحقيقة بل التبادر أيضا.

الرابع من الأدلة على الأعمي استعمالات الشرع (١) لفظ الصلاة وغيرها فيما هو أعم من الصحيح والفاسد لا يقال ان الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز لأنا نقول حيث لا يكون للشرع ديدن غير ديدن العقلاء ويكون هذا ارتكازهم فبضميمته نقول استعماله يكون بنحو الحقيقة لا المجاز ومنه قوله عليه‌السلام لا تعاد الصلاة الا من خمس إلخ فان معنى هذه العبارة ان كان ان الصحيحة من الصلاة لا تعاد الا من خمس لا يرجع إلى محصل لأن ما لا يكون فيه إحدى الخمس لا يكون صحيحا فمعناه ان الصلاة تكون لها المعنى الأعم فان كان فيها الخمس فهي لا تعاد وان لم تكن فيها الخمس تعاد لأنها

__________________

(١) استعمالات الشرع لا تكون دليلا على وضع اللفظ للصحيح أو الأعم لأن ما استدل به يكون فيه قرينة على الصحيح وعلى الأعم ومن الممكن ان يكون الوضع لأحدهما واستعمل في الآخر مع القرينة.

٩١

فاسدة فهي أعم من الصحيح والفاسد.

فان قلت الصلاة المذكورة هي الصحيحة ويقدر صلاة أخرى بعد لفظ إلا بأن يقال لا تعاد الصلاة الا الصلاة من خمس لتكون الأولى للصحيحة والثانية للفاسدة نقول هذا خلاف ارتكاز أهل الأدب والواقع فان المراد في الاستثناء هو ان الصلاة التي قلنا لا تعاد تعاد من خمس.

ان قلت غاية ما في المقام هو ان هذه العبارة استعملت فيها الصلاة بنحو الأعم وهو غير دال على الوضع قلت مر أنه مع ضميمة الارتكاز (١) بان الشارع لا يكون له طريق سوى ما هو المرتكز في الأذهان عند العقلاء يفهم الحقيقة ومنها قوله عليه‌السلام : من زاد في صلاته فليستقبل صلاته وتقريب الاستدلال هو انه ان كان المراد استقبال الصلاة التي زاد فيها فهو تكرار للفاسدة لأن المراد هو ان يستقبل صلاته التي صلى فلا محالة أراد الشارع بلفظ الصلاة الأعم ليكون المراد استقبال الصحيحة منها بإتيانها.

ومنها قوله عليه‌السلام : دعى الصلاة أيام أقرائك فان النهي هنا اما ان يكون مولويا (٢)

__________________

(١) العمدة في جميع الاستعمالات هو الارتكاز ولا شأن للاستعمال بدونه فهو الدليل وغيره ليس دليلا.

(٢) لو كان المراد من المولوية إتيان العمل بداعي قول المولى مع عدم إحراز المصلحة (وبالفارسية چون أو گفته است با عدم علم بملاك فعل) لا فرق بين ان يقول المولى أرشدك إلى ان وبر ما لا يؤكل لحمه مبطل للصلاة أو يقول لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه فان تركه يكون من جهة ان المولى قال ذلك وإلّا فلا سبيل لنا إلى إحراز أن ذلك مبطل وان كان المراد إتيان ما للعقل إليه سبيل مثل قبح الظلم فلا فرق بين ان يقول أرشدك إلى تركه أو لا تظلم لأن العقل أيضا يقول لا تظلم فانه قبيح فما يقوله الأستاذ مد ظله من النهي المولوي يكون في صورة قوله لا تصل في وبر إلخ والإرشاد في صورة قوله أرشدك لا نفهمه إلّا ان يكون النزاع لفظيا بان نسمي أحدهما إرشاديا والآخر مولويا وهو ينكره على ما سألته عنه ـ

٩٢

أو إرشاديا فان كان من قبيل الأول فاللازم منه هو ان يكون المأمور به تحت قدرة المكلف وهنا لا يكون قادرا عليه لأن صلاة الحائض لا تنعقد صحيحة لأنها حائض فالنهي كذلك يوجب سلب القدرة على امتثالها فالمراد بالنهي هو الأعم أي دعى الصلاة سواء كانت فاسدة أو صحيحة فهي استعملت في الأعم.

وقد أشكل على هذا التقريب شيخنا العراقي (قده) بان المراد بالصحيح هو الصحيح من غير ناحية النهي فان الحيض يكون مزاحما لها فلو كان فيها جميع الشرائط غير هذا الشرط يحرم قراءتها وقد دل الإجماع القطعي على ان الحائض لو صلت إلى خلاف جهة القبلة أو بدون الطهارة أو غيرها من الشرائط ما فعلت فعلا حراما فالمراد بالصحيح الصحيح من غير هذه الجهة وقد مر ان الشرائط التي تكون متأخرة عن رتبة الأمر مثل قصد القربة وما يفهم شرطيته من المزاحمة مثل خطاب أزل النجاسة عن المسجد المزاحم للصلاة لا يكاد يمكن ان تكون دخيلة في تسمية الصلاة فوضعت الصحيحة لغيرهما من الاجزاء والشرائط.

أقول قد مر منا بان أمثال هذه الشروط وان لم يكن ملاحظا بنحو الجزئية للمأمور به ولكن يكون ساير الاجزاء والشرائط مطلوب المولى في ظرف كونها مع قصد القربة وعدم المزاحمة بنحو القضية الحينية لا الشرطية فلا إشكال في كونها للأعم واما الإجماع فيكون مخصصا في المقام على أن المراد بالصحيح هو الصحيح من غير هذه الجهة وهذا لا ينافى كونها موضوعة للأعم وبالقرينة يفهم شيء آخر واما إذا كان الأمر للإرشاد بمعنى بطلان الصلاة ومعناه لا تفعل لأنها لا تقع صحيحة فتكون الصلاة موضوعة للصحيحة فقط والمراد بالنهي انها لا تقع في حال الحيض فهذا الكلام عن الإمام عليه‌السلام لا يكون دليلا على الاستعمال في الأعم.

وفيه انه لا معنى لكون النهي إرشاديا بل الأوامر والنواهي عن الشارع المقدس يكون الكل مولويا ولكن بعض النواهي يكون مبين الملاك وبعضها غير مبين ضرورة ان كل نهى كاشف عن مفسدة في متعلقه فإذا قيل مثلا لا تلبس السر بال قائما

٩٣

يكون لنكتة وقوع الرّجل فيه وإيجابه انخراقه فإذا قيل دعى الصلاة أيام أقرائك يكون معناه جعل هذا أي عدم الحيض شرطا لها وجعله كذلك كاشف عن فساد الصلاة ولا يكون له مفسدة أخرى حتى نقول بحرمة إتيان الصلاة في هذا الحال ويكون مثل لا تصل في وبر مال لا يؤكل لحمه واما إذا لم يكن مبينا فلا بد ان نتعبد بأنه يكون فعله حراما مطلقا.

والحاصل ان شرطية القدرة للتكليف تكون بالفطرة لا بالبرهان والتكليف في المقام سواء كان النهي إرشاديا أو مولويا غير ممكن اما المولوي فلعدم إمكان القول ببطلان الصلاة المشروطة بعدم كونها في حال الحيض لأن الزجر يكون بداعي الانزجار فما لا يكون له امتثال كيف ينهى عنه مولويا واما الإرشادي فانه أيضا غير ممكن لأن كل أحد يفهم ان الصلاة المشروطة بعدم كونها في حال الحيض تبطل بكونها في حال الحيض ولا يلزم إرشاده فانه يكون من قبيل ان يقال الماء رطب فلا محالة يكون استعمال لفظ الصلاة في الأعم من الصحيح والفاسد الشامل لما هو صحيح من جهة غير هذا الشرط.

ومن الأدلة على الأعمي ما ذكره المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية وهو ان المتسالم بين الفقهاء هو ان النذر على ترك الصلاة في المكان المكروه مثل الحمام صحيح لرجحان النذر بواسطة انه يتعلق بترك الأمر المكروه وحيث انه لا يمكن ان يقال ان النذر تعلق بالصلاة الصحيحة حتى من جهة النذر فان اللازم من وجوده عدمه لعدم إمكان إتيان الصحيحة كذلك في ذاك المكان حتى يمكن تعلق النذر به والقدرة شرطه فلا محالة استعملت لفظ الصلاة في الأعم حتى يشمل الصحيح من غير جهة النذر ليمكن حنث النذر.

وقد أجاب قده عنه بجوابين الأول ان غاية ما يدل عليه هذا الدليل هو عدم صحة تعلق النذر بالصحيح لا عدم وضع اللفظ له شرعا فان القرينة على صحة هذا النذر صار سببا لأن نقول قد تعلق بالأعم ويلزم منه كون وضع اللفظ للأعم.

٩٤

وفيه انه قده حيث ما تصور الجامع بين الافراد على الأعم لا يمكنه ان يقول باستعماله فيه حتى مع القرينة بل يلزمه ان يقول جعل اللفظ للفاسد وعلى فرض تصوره فنحن ندعي باستعمال اللفظ بلا عناية فيكون دليل الحقيقة وهو يدعى استعماله معها فلا يكون كذلك.

والثاني ان الصحة من غير جهة النذر متصورة فيصح ان يتعلق النذر بهذا اللحاظ ضرورة إمكان إتيان الصحيح كذلك.

وفيه ان الصحيح اللولائي يكون معناه الأعم ولا فرق في قلة ما هو دخيل في الصحة الفعلية أو كثرته وأجاب شيخنا العراقي (قده) أيضا بان متعلق النذر يجب ان يكون راجحا مع قطع النّظر عن النذر فالشيء الذي لا يكون تركه راجحا لو لا النذر لا يصح تعلق النذر به فان الصلاة في المقام مع قطع النّظر عن النذر لا يكون تركها راجحا لأن العبادات معنى كراهتها هو قلة الثواب لا انه يكون تركها راجحا فما يدعى من صحة النذر والتسالم عليه يعارضه التسالم على شرطية كون متعلق النذر راجحا لولاه وبعبارة أخرى يكون النذر على عدم تطبيق ما هو الراجح فعله على خصوص هذا المكان مثل الحمام وفيه ان (١) الراجحية حتى من قبل النذر تكفي لصحته ولا نسلم وجوب السبق.

فان قلت ان المقام يكون من باب النهي في العبادات وهو يوجب الفساد ولا يبقى للصحة مجال.

قلت هذا مبنى على القول بان النذر إذا تعلق بشيء مكروه أو مستحب أو حرام أو واجب يوجب تأكد الكراهة أو الاستحباب أو الحرمة أو الوجوب واما على مبنى القائل بان العنوان الذي تعلق به النذر غير عنوان أصل العمل ويكون الأمر أو النهي بالنسبة إلى النذر ومتعلقه طوليا (٢) فلا يجيء هذا الإشكال لأن الباب

__________________

(١) هذا الكلام خلاف متسالم الفقه والقائل به قليل جدا وعليه يرجع إلى عدم الاحتياج إلى المرجح في النذر.

(٢) في صورة تعدد العنوان لا معنى المفرق بين الطولية والعرضية خصوصا إذا كان أحدهما عليه الأمر والآخر عليه النهي فانه لا يصلح لتأكيد أحدهما بالآخر.

٩٥

يكون على هذا التقدير باب اجتماع الأمر والنهي فان النهي تعلق بعنوان الصلاة في الحمام والأمر يكون على ذات الصلاة فمن قال بصحة العبادة في ذاك الباب ولو لم يكن الأمر بها فعليا ويكفيه وجود الملاك يمكن ان يقول بصحة الصلاة كذلك كما عليه المحقق القمي من صحة الصلاة في الدار الغصبي وكان يميل إليه شيخنا الحائري (قده) ولكن لما كان خلاف مسلك التحقيق فلا تصح في صورة العمد لعدم حصول قصد القربة.

ومن الأدلة على القول بالأعم قوله عليه الصلاة والسلام بنى الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس الأربع وتركوا هذه فلو ان أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم تقبل له صوم ولا صلاة.

وتقريب الاستدلال هو ان نقول ان الأربع إذا كان شرطه الولاية ثم استعمل لفظ الصلاة والصوم بقوله لو ان أحدا صام نهاره وقام ليله إلخ يظهر منه انه استعمل في الأعم فان الصلاة بدون الولاية باطلة خصوصا باعتبار قوله عليه‌السلام بنى الإسلام على الخمس فان الأخيرة إذا لم تكن لم يكن الإسلام محققا.

فان قلت الاستعمال يكون أعم من الحقيقة والمجاز.

قلت الاستعمال إذا كان مع العناية يصح ذلك ولكنا ندعي انه يكون بدونها في الأعم والرواية مما لا نفهمه ويجب رد علمها إليهم عليهم‌السلام فانه ان صح ان بناء الإسلام على الخمس لازمه عدمه بدون واحد منه وتعارض مع هذه روايات كثيرة أخر وهي ما دل على ان قوام الإسلام على الشهادتين التوحيد والنبوة.

ففي مقام الجمع يمكن ان يقال ان الإسلام على مراتب مرتبة منه يترتب عليه الآثار الظاهرية مثل الطهارة وصحة المناكحة ومرتبة منه يوجب القرب والزلفى إلى الله تعالى.

وبعبارة أخرى في الإسلام تارة يكون الكلام بالنظر الفقهي وتارة بالنظر العرفاني والكلام في بحث الصحيح والأعم يكون في الإسلام بالنظر الفقهي ومن فروعه الصلاة المسقطة للقضاء

٩٦

والإعادة والصوم كذلك سواء حصل القرب أم لم يحصل فعلى هذا يمكن ان يكون استعمال الصلاة والزكاة وغيرهما في الرواية في الصحيح الفقهي وان كانت غير صحيحة من حيث القرب هذا أولا وثانيا ما المراد من الخمس والبناء عليه فانه ان كان الاعتقاد بالخمس فلازمه ان يكون عدم الصحة مستندا إلى عدم اعتقاد ذلك لا على الكفر مع ان بطلان عبادة الكافر يكون باعتبار كفره وعدم إظهاره الشهادتين كما هو المسلم : وان كان المراد به العمل على طبقه فانه من يدعى التشيع ربما لا يصلى ولا يزكى فهل يمكن ان يقال انه كافر وأنه ليس على الإسلام مع ان في بعض الروايات أن تارك الحج يموت يهوديا أو نصرانيا وهذا مما يكون شاهدا على ان المراد بالإسلام في الرواية كان الإسلام الواقعي القربي وهو غير مربوط ببحث الصحيح والأعم.

واما المحقق الخراسانيّ (قده) فقد أجاب بان الشاهد على استعمال الصلاة وغيرها في الرواية في الصحيح هو قوله عليه‌السلام بنى فان البناء يكون على الصلاة الصحيحة لا الفاسدة وله ان يقول بان اللفظ مستعمل في الصحيح الحيثي كما قال في ساير المقامات ولكن لازم قوله بذلك هو ان يقال بان الأمر لو كان كذلك لزم ان يقال بأنه بنى على أربع لا على الخمس فان الصحيح بدون الولاية لو كان صادقا يكون بناء الإسلام عليه ولا تتوهم ان للولاية وجهتان استقلالية ومقدمية فبالنظر إلى الثانية تكون جزء مباني الإسلام وبالنظر الأولى تكون شرطا.

وفيه ان فساد العبادة حينئذ يكون من قبل عدمها لا من قبل الكفر ومن الضروري ان الكافر مأمور بالفروع وبطلان عمله يكون من قبل كفره هذا تمام الدليل على الأعمي (١).

واما الصحيحي فهو أيضا يستدل بأمور : الأول التبادر وهو ان المخترعين إذا

__________________

(١) الفرض هنا على ان من لم يكن له الولاية لا يكون له الإسلام فهو كافر فيرجع بطلان العبادة بالاخرة إلى الكفر ومع التوجه إلى معارضة الرواية مع ما دل على كفاية الشهادتين في الإسلام فهو مسلم غير مقبول العبادة وليس بكافر.

٩٧

اخترعوا شيئا ووضعوا له اسما يكون المتبادر إلى الذهن هو المعنى الصحيح لأنه هو الذي يتعلق به الغرض ولا يكون للشرع طريق خلاف ما عليه العقلاء فانه أيضا يضع ألفاظ العبادات على الصحيح كما عن الآخوند (قده).

وقد أشكل عليه بان التبادر في زماننا لا يفيد الوضع لأنه يمكن ان يكون اللفظ مستعملا في المعنى بالقرينة ثم بواسطة كثرة الاستعمال صار منقولا واما التبادر في زمن الشرع فلا طريق لنا إليه غاية الأمر انا نعلم انه كان في ذاك الزمان مستعملا في غير المعنى اللغوي.

والجواب عنه هو ان هذا إشكال في أصل التبادر وهو غير وارد عليه لأنا إذا رأينا استعمال اللفظ في زماننا هذا في غير المعنى اللغوي بدون القرينة ثم شككنا في حالته السابقة نتمسك بأصالة عدم القرينة ونثبت الوضع السابق ضرورة ان المثبت من الأصول اللفظية حجة ولكن يمكن ان يقال بان النزاع يكون في انه هل يكون في عموم الاستعمالات مستعملا في الصحيح أو الأعم وعند التأمل يظهر ان الأوامر الإنشائية يكون لخصوص الصحيح لأن المطلوب من الطلب هو ما يترتب عليه الأثر وهو الصحيح ولكن في غير هذه الصورة يكون الصلاة صادقة على جماعة تصلون وفيهم من يفسد صلاته ولا يضر فسادها بصدقها.

والدليل الثاني لهم صحة سلب الصلاة حقيقة عن الفاسدة فانها ليست بصلاة بالحمل الشائع بخلاف الصحيحة فان الحمل عليها وجداني والجواب عنه ان صحة الحمل حقيقة وبدون العناية والقرينة على الفاسدة أيضا مما لا يخفى فان الفاسدة منها صلاة فاسدة بالضرورة لا أنها لحم فاسد مثلا.

والدليل الثالث للمحقق الخراسانيّ (قده) هو الأثر المرتب عليها وقد خالف هذا المسلك في بحث العام والخاصّ أصولا وفي الفقه في موارد كثيرة وتقريب ذلك هو ان الصلاة قربان كل تقي ولا شبهة ولا ريب ان التي هي القربان تكون الصلاة الصحيحة واما الفاسدة فلا تكون موجبة له فكل ما كان قربانا يكون هو الصلاة واما غيره فربما

٩٨

يكون مقطوع الخروج عن هذا العنوان وربما كان مشكوكا مثل الصلاة الفاسدة فانها ليست بقربان ولكن لا ندري انها يصدق عليها الصلاة أم لا وأصالة العموم في ان كل قربان تقي هو الصلاة تقضى بان اسمها غير صادق على الفاسد وعكس النقيض من هذه العبارة هو ان كلما ليس بقربان للتقى لا يكون صلاة.

والجواب عنه ان أصالة العموم لا توجب ان تحدث الموضوع لنفسها فان عموم كل صلاة قربان لا يثبت ان هذه ليست بصلاة وصحة الحمل على الفاسدة وجدانية لا تحتاج إلى برهان.

على ان هذا الكلام من المحقق الخراسانيّ (قده) مخالف لما يقول من ان المراد بالصحيح هو الحيثي فان الصحيح الحيثي لا يوجب القرب بل ما كان كذلك هو الّذي يكون جميع اجزائه تاما لا ما هو الحيثي فان الصحيح الحيثي والأعم لا فرق بينهما.

والدليل الرابع له هو ان ديدن العقلاء على ان كل ما يخترعونه يضعون الاسم بإزاء صحيحة لأنه الّذي يتعلق به الغرض ولا تتعلق عناية بالفاسد منه ليوضع له الاسم ولا يشذ الشارع المقدس عن طريقتهم فهو أيضا مثلهم.

وفيه ان العقلاء في إنشاء اتهم وان كانوا يريدون الصحيح فقط مثل من يشتري سيارة فيقول للبائع أعطنيها أي أعطني ما هو الصحيح بخلاف الإخبارات فانه لو قال أحد رأيت سيارة لا ينسبق إلى الذهن الصحيح فقط على ان اقتضاء الشريعة السمحة السهلة هو الوضع للأعم وإلّا فلا يبقى لنا إطلاق لفظي فانه في كثير من مقامات التعارض يتمسك بالإطلاق ولو لا الوضع للأعم لا يمكن أخذه ومعارضته ولا يكفى الإطلاق المقامي على ان الصحيح عنده (قده) حيثي وهو يخالف ما ذكره فان الديدن لو كان على متابعة الأغراض فأي فائدة في الناقص وأي فرق بينه وبين الأعم.

٩٩

في جريان بحث الصحيح والأعم في المعاملات

في البحث عن الصحيح والأعم في المعاملات : قد اختلف كلام الاعلام في المقام والمشهور ان أسماء المعاملات ان قيل بان وضعها يكون للمسبب وهو الأثر الحاصل من العقد في البيع وهو النقل والانتقال وفي الإجارة هو النقل في المنافع وهكذا فلا إشكال في عدم جريان البحث عن الصحيح والأعم لأن الأثر يدور امره بين الوجود والعدم ولا يكون النقل والانتقال حاصلا على فرض فساد الأسباب لا انه حاصل فاسدا واما إذا قلنا بان أسماء المعاملات موضوع للأسباب فللبحث عن ذلك مجال واسع لأن السبب يكون على قسمين صحيح وفاسد فمثل لزوم كون العقد عربيا لازمه فساد العقد بدونه هذا ما قيل.

ولكن لا يكون هذا القول تاما بل على فرض القول بكون أسمائها للمسبب أيضا يمكن تصوير النزاع على بعض المسالك في الملكية فان المسالك فيها ثلاثة. الأول ان تكون اعتبار محض عند العقلاء مثل ان يعتبروا بعد جريان الصيغة ان هذا الدار لزيد أو يعتبروا عدمه فانه على هذا قابل للبحث (١) عن الصحيح والأعم لأنهم تارة يعتبرون الملكية الصحيحة وتارة يعتبرون الفاسدة ولا مئونة للاعتبار.

والثاني ان تكون الملكية امرا واقعيا له وعاء واقعي بحيث انه إذا جرت الصيغة يوجد في التكوين شيء هو الملكية سواء وجد معتبر أم لا وعلى هذا لا يكون للبحث عن الصحيح والأعم مجال لأن الواقع اما حصل أو لم يحصل ولا معنى لحصوله فاسدا.

والثالث (٢) هو ان تكون الملكية اعتبارية ولكن مقوم الاعتبار هو نظر العرف

__________________

(١) لأن الشارع مثلا لا يقول لا تعتبر بل يقول اعتبارك الملكية فاسد.

(٢) وهذا الاحتمال هو موافق التحقيق لأن العقلاء وان كانوا يعتبرون ولكن اعتبارهم لا يكون جزافيا بل من باب المصالح والمفاسد الفردية أو الاجتماعية وكذلك أصل تصوير النزاع في المسببات على مسلك الاعتبارية في الملك موافق للتحقيق لأن الشارع لا يقول في البيع الربوي على هذا أيها العرف ما اعتبرت الملكية بل يقول اعتبارك باطل.

١٠٠