مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

إذا ورد في رواية فبأصالة الحقيقة يكشف المراد وان كان معنى اللفظ واضحا ولكن يكون الشك من جهة انه هل استعمله اللافظ في معناه الحقيقي بإرادة جدية أم لا بل يكون له إرادة استعمالية فائضا لا بحث عن التبادر وغيره من العلائم بل المتبع بناء العقلاء على ظاهر حالهم من إقامة القرينة لو كان المراد خلاف الجد.

واما على فرض عدم العلم بالمفهوم فيكون البحث عن أصالة الحقيقة موجها إذا كان المدار على الظهور الصادر واما إذا كان المدار على الظهور الواصل فاللفظ بعد إيراده لا يحتاج إلى شيء آخر لأن يفهم المعنى منه ولكن لا يخفى أن جريان أصالة الحقيقة فيما جرت فيه على فرض قبول ان مثبتها حجة لا يوجب ان يكون المعنى الواقعي لهذا اللفظ ما يثبت بها على انه يمكن إحراز الواقع بأصل آخر بواسطة القرائن بنحو القهقرى بأن نقول كان اللفظ حافا بالقرائن متصلا إلى زماننا كما يكون حافا بها في هذا الزمان ويفهم منها الظهور.

والحاصل لا نحتاج إلى البحث عن علائم الوضع ولا ثمرة لها فقهيا بل لنا ما يمكن الاستغناء عنها ولكن نبحث عنها لتشريح الذهن فنقول اما التبادر فهو ان يكون أول ما يفهم من اللفظ بعد إيراده أسبق وآنس بالذهن من سائر المفاهيم وهذا علامة كونه حقيقة فيه.

وقد أشكل عليه بأنه يلزم منه الدور لأن وضع اللفظ على المعنى حقيقة يتوقف على التبادر ضرورة لزوم وجود الأنس قبله والتبادر يتوقف على كون اللفظ موضوعا لهذا المعنى.

ولا يخفى ان هذا الإشكال وما يأتي من الجواب عنه يكون موروثا من الحكماء مثل الشيخ أبي علي بن سينا ومن يحذو حذوه وأخذ المحقق الخراسانيّ (قده) عنهم وكذا شيخنا الأستاذ العراقي (قدس‌سره) وان كان هو لم يطالع كتبهم الا قليلا وقد أجاب المحقق الخراسانيّ (قدس‌سره) بان العلم بالتبادر الّذي يكون الوضع متوقفا عليه يكون العلم الإجمالي الّذي حصل من لسان الأب والأم لأهل ذلك اللسان واما ما يطلبه المستعلم يكون علما تفصيليا حصل بعد الوضع هذا إذا كان مستعلما واما إذا كان المراد التبادر

٦١

عند أهل المحاورة فتعدد العلمين واضح من جهة ان اللفظ إذا كان عندهم آنس بالمعنى ونحن نريد العلم به علمنا ما هو غير علمهم بالوضع فلنا فردين من العلم فرد منه يتوقف التبادر عليه وفرد منه لا يتوقف عليه بل يكون في طول الوضع.

الإشكال الثاني ما نقله المحقق الخراسانيّ (قدس‌سره) وهو ان تبادر المعنى من اللفظ يكون علامة الحقيقة إذا كان غير مستند إلى قرينة واما إذا استند إلى ما يحتمل قرينيته فلا يجدى أصالة عدم القرينة لإحراز الحقيقة بالتبادر بمعنى كونه هو السبب لانسباق المعنى إلى الذهن وقد أجاب قده عنه بان أصالة عدم القرينة يتمسك بها عند إرادة كشف مراد المتكلم لا كشف ان هذا اللفظ موضوع لذاك المعنى ولا مشاحة في جريان هذا الأصل.

ثم انه ربما يخطر بالبال أصالة عدم القرينة على ما عليه القدماء من جريان هذا الأصل تعبدا لإثبات الحقيقة.

وفيه ان مدرك أمثال هذا الأصل يجب ان يكون بناء العقلاء وهو ممنوع فانه لا تعبد عندهم والتحقيق انه يمكن استكشاف الإسناد إلى حاق اللفظ باطراد التبادر أعني عدم اختصاصه بمورد دون مورد بحيث يتبادر في جميع الأحوال والأطوار فيظهر انه من حاق اللفظ واما لو كان ذلك مختصا بمورد دون مورد فلا يعلم ان التبادر مستند إلى حاق اللفظ أم لا.

الثاني من علائم الوضع الاطراد والحق انه سبب التبادر لأنه بالشيوع عند أهل المحاورة يفهم ان الموضوع له لهذا اللفظ هذا المعنى ولكن معناه استقلالا هو انه يكشف عن الغلبة ان معنى هذا اللفظ ذلك المعنى ولو لم يكن معناه الحقيقي ما كان لذلك وجه.

الثالث من علائم الوضع عدم صحة السلب وصحة الحمل لا يخفى ان الحمل على أقسام ثلاثة.

الأول : الحمل الأولى الذاتي المستعمل في موارد التحديد كحمل الحيوان الناطق على الإنسان ويكون من حمل الاجزاء التفصيلية لشيء عليه.

٦٢

الثاني ما يكون أيضا من الحمل الذاتي مثل حمل أحد المترادفين على الآخر مثل الغيث هو المطر.

والثالث : حمل الشائع الصناعي وهو اما حمل الطبيعي على الفرد أو حمل الكلي على الكلي مثل حمل الإنسان على الضاحك.

ثم ان في الحمل في جميع الموارد نحتاج إلى جهة اتحاد وجهة اثنينية ولولاها لما أفاد الحمل شيئا لأن حمل الشيء على النّفس غير مفيد وهذا التغاير في الحمل الشائع محقق إذا التغاير بين الفرد والطبيعي واضح مثل زيد إنسان فان زيدا له معنى وللإنسان معنى آخر قابل للحمل على الكثيرين واما الوحدة فباعتبار المصداق الخارجي واما الحمل الذاتي المستعمل في التعريفات فالتغاير يكون باعتبار المطابقة للواقع يعنى باعتبار الإجمال والتفصيل بمعنى انهما واحد ذاتا إلّا ان هذه الذات قد تلاحظ بنحو الجمع ويعبر عنه بالإنسان وقد يعبر عنه بالحيوان الناطق وتلك الملاحظة واحدة أي ملاحظة المعنى.

واما الحمل المستعمل في اللغات (١) أي حمل أحد المترادفين على الآخر مثل الغيث

__________________

(١) في هذا القسم من الحمل قد أتعب الأستاذ مد ظله نفسه الشريفة بان المطر يكون له أطوار فباعتبار انه غوث المسلمين يقال له الغيث وباعتبار الطيران في السماء المطر ثم قال باعتبار المفهوم كما في المتن الذي أخذت من جزوته بخصوصه ليكون احفظ فقال بان المطر بواسطة المعنى الارتكازي في الذهن يحمل على الغيث عند التدبر ولكن الّذي يجيء في الذهن هو خلاف ما ذكره فنقول في أمثال هذا الحمل الذي يكون المراد منه هو العلم بالوضع لا يكون الحامل بصدد انه لأي جهة يقال للمطر الغيث أو المطر ولا يكون هذا في ارتكازه ضرورة عدم دلالة الألفاظ على المعاني بمناسبة ذاتية تكون للعقل إليها سبيل.

نعم الواضع يلاحظ تارة الغوث وتارة الطيران وبمناسبة ذلك أو نحوه يوضع اللفظ للمعنى ولكن الحمل يكون للعلم بالوضع فقط فانك إذا كنت غير عالم بوضع الغيث على ما وضع له المطر وكنت عالما بوضع المطر عليه فيقال لك الغيث هو المطر ويكون معناه أيها ـ

٦٣

هو المطر فباعتبار اتحاد المفهوم والحقيقة يكون له جهة وحدة والاختلاف باعتبار أطوار التحقق في الذهن وبعبارة أخرى ان الشخص إذا كان مريدا كشف معنى الغيث فيلاحظ فطرته فإذا رأى المطر بما له من المعنى الارتكازي يحمل على الغيث فيظهر انهما متحدان معنا فيعلم بوضع الغيث تفصيلا.

إذا عرفت ذلك فان الحمل الأولى الذاتي من آيات الوضع بتقريب ان الحيوان والناطق بما لهما من المعنى الارتكازي على الإنسان يكشف عن وحدة المعنى فيظهر مفهوم الإنسان تفصيلا.

وقد أشكل شيخنا العراقي (قده) بان اتحاد معنى الحيوان والناطق مع الإنسان غير معقول ضرورة ان المعنى التفصيلي لا يتحد مع الإجمالي مفهوما ولكنه مندفع بان اختلافهما يكون بالإجمال والتفصيل ومن جهة الذات يكونان واحدا وهذا لا يضر في كشف المعنى إذا المقصود كشف معنى مفهوم الإنسان بما له من المعنى البسيط وحمل الحيوان والناطق يدل على ان ما هو مفهوم الإنسان هو مفهوم حيوان الناطق تفصيلا ثم لا فرق في دلالة الحمل على اتحاد المفهوم بين ان يتحقق عند نفس المستعلم حسب ارتكازه أو عند العرف كما هو واضح.

واما الحمل الشائع الصناعي فان كانت من قبيل حمل الطبيعي على الفرد فيدل على اتحاد المفهوم فيكون آية للوضع مثلا انه لو أريد كشف معنى الإنسان تفصيلا يلاحظ ارتكازه ويفحص عن فرد من الحيوان مثل زيد ويرى انه يحمل

__________________

ـ العالم بوضع المطر على هذه الذات وحكايته عنها يكون لها حاك آخر وهو الغيث في اللغة العربية فالاتحاد من جهة وحدة الذات والاختلاف من جهة تعدد اللفظ ولا نحتاج إلى أزيد من ذلك لا ان المطر له أطوار وجودية.

والحاصل الحمل كذلك لا يكون لفهم مناسبات الوضع بل لأن يفهم ان هذا اللفظ الذي يكون مركبا من ميم وطاء وراء ويكون غير المركب من غ ي ث لها معنى واحد وحكايتهما واحدة ولعمري هذا واضح وإطالة البيان كانت لتوضيح خصوصيات المقام لئلا تختلط المرام.

٦٤

عليه الإنسان فيكشف عن وحدة مفهوم الإنسان مع زيد فيظهر مفهوم الإنسان تفصيلا ولا فرق بين الرجوع إلى ارتكازه أو إلى العرف واما ان كان باعتبار حمل أحد الكليين على الآخر مثل الضاحك إنسان ربما يقال ان الحمل فيه لا يكون آية للوضع لما تقدم ان علاميته اما بالوحدة ذاتا كما في الحمل الذاتي أو بوحدة مفهوم المحمول مع ما في ضمن الفرد الخارجي (١) وكلاهما ليسا في المقام إذا الناطق ليس متحدا مع الضاحك مفهوما وحقيقة بما هي وجود الناطق وجود. الضاحك بخلاف الإنسان وزيد إذ وجود زيد بما هو وجود زيد وجود إنسان.

تتمة

قد مرت الإشارة إلى ان الوضع من علائمه أيضا الاطراد والآن نبحث عنه تفصيلا : فنقول : المشهور هو ان الاطراد أيضا من علائم الوضع مستقلا ويكون قسيما للتبادر وعدم صحة السلب ولكن التحقيق عدم كونه علامة بالاستقلال بل من مقدمات حصول التبادر لأن المستعلم بواسطة غلبة استعمال لفظ في معنى ما يحصل له العلم بان هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى الّذي يفهم منه بدون القرينة فيكون علامة الوضع تبادر المعنى من اللفظ بدون القرينة واما الاطراد وهو بمعنى الشيوع والغلبة وهو يحتاج إلى ذات له الشيوع والغلبة فهو إذا كان شايعا غالبا بحيث لا يحتاج إلى القرينة لفهم ذاك المعنى يكون دليلا على الحقيقة بعد ما تبادر المعنى

__________________

(١) لما كان الضحك من خواص الإنسان فقط وان الناطق من الحيوان أيضا هو الإنسان فقط فيمكن ان يقال كل ما كان مطابقا لأحدهما هو المطابق للآخر مثل ان يقال الإنسان حيوان ناطق فان كل ما كان مطابقا للفظ الحيوان والناطق يكون مطابقا للفظ الإنسان فالإشكال بالنسبة إليه غير وارد وكذلك مطابقة الإنسان مع زيد فانه ان لوحظت الخصوصيات في زيد لا يكون من تلك الجهة مطابقا للإنسان واما مع قطع النّظر عن خصوصياته العارضية فالمفهومان متغاير ان يمكن حمل أحدهما على الآخر.

٦٥

من جهته عند إطلاق اللفظ وخلوه عن القرينة ثم ان الثمرة للبحث عن ان (١) اللفظ هل كان حقيقة في المعنى أو مجازا يظهر في باب حجية الأمارات على بعض المسالك فانه فيها ثلاثة.

الأول ان يكون المناط على الظهور الواصل لكن لا مستقلا بل بحيث يكشف منه ان الصادر أيضا كذلك كما هو الحق والثاني ان يكون المناط على الظهور الصادر فقط سواء كان له ظهور حين الوصول أم لا كما عن الحكماء والثالث ان يكون المدار على الظهور الواصل من غير نظر إلى الصادر فعلى الأولين إذا كان اللفظ ظاهرا في المعنى ولم يكن قرينة نستكشف كونه حقيقة بأصالة عدم النقل عن معنى إلى هذا الزمان بتشابه الأزمان وأصالة عدم وجود القرينة حين الصدور أيضا والفرق بين مسلكنا ومسلك القدماء هو انهم يتمسكون بأصالة عدم القرينة في صورة إجمال الواصل من حيث وجود قرينة محتملة الدالة على المجازية لأصالة الحقيقة تعبدا ونحن لا نجريها لأن الواصل ما لم يكن كاشفا عن ان الصادر ما هو لا يكون بناء العقلاء على التمسك بكونه حقيقة في المعنى إذا كان عنده ما يحتمل القرينية الذي يصير سببا لإجمال الظهور بدون القرينة واما القائلين بان المناط على الظهور الواصل فقط ومنهم المحقق الخراسانيّ (قده) قالوا بأصالة الحقيقة تعبدا بمعنى

__________________

(١) الذي ذكره مد ظله ثمرة لذلك لا تكون مفيدة ظاهرا لأن أصالة عدم النقل في الشرعيات لا يلزم ان يكون بالنسبة إلى المعنى الموضوع له بل إذا رأينا ظهور لفظ في المعنى وشك في ان اللفظ كان الظاهر من معناه في السابق مع القرينة أو بدونها هذا أم لا فأصالة عدم النقل تحكم بان الصادر أيضا كان كذلك ولا نحتاج إلى أصالة عدم القرينة لإثبات ان الموضوع له كان بدون القرينة بل نكون بصدد كشف المراد ولو كان اللفظ في السابق مع القرينة.

نعم البحث عن وجود الحقيقة يفيد في صورة احتمال قرينة في اللفظ أو المقام الدالة على خلاف ما هو الظاهر منه فحيث كان معلوما لنا المعنى الحقيقي فنرجع إليه بعد أصالة عدم القرينة بخلاف صورة عدم وجود الحقيقة.

٦٦

عدم الفرق بين كون اللفظ حقيقة في المعنى أو مجازا بعد ظهورها فلا يكون البحث عن علائم الحقيقة عندهم فيه فائدة.

في تعارض أحوال اللفظ

الأمر الثامن في الكفاية في تعارض أحوال اللفظ فان له أحوالات ستة الحقيقة والمجاز والاشتراك والاستخدام والإضمار والإطلاق والتقييد فقال بعض أهل الأدب لا اعتبار بملاحظة الترجيح بين المحتملات ما لم يصل إلى حد ظهور اللفظ في معنى ما وقال بعضهم بملاحظة الترجيح ورأي الآخوند (قده) أيضا هو الأول ولذا لم يبحث عن تعارض الأحوال مفصلا ولكن الحق عدم كون الأحوال كذلك بل لبعض أحواله مرجح على بعض ويكون له ثمرات في الفقه فنقول مستعينا بالله تعالى انه قد مر ان المسالك في باب حجية الأمارات ثلاثة : الظهور الواصل أو الصادر أو كليهما بحيث يكون الواصل كاشفا عن كون الصادر كذلك فعلى هذا إذا دار الأمر بين الحقيقة وغيرها من المجاز والاشتراك وغيرهما فاما ان يكون في الكلام ما يحتمل قرينيته على خلاف الحقيقة أولا يكون فعلى الثاني لا إشكال في ان الترجيح مع الحقيقة على جميع المسالك فان المدار على الظهور والأصل العقلائي عليه أيضا وهو هنا موجود واما على فرض وجود ما يحتمل القرينية فعلى التحقيق من ان اللفظ ما لم يكن له ظهور عندنا لا واقع لظهوره الصادر فيصير مجملا واما على مسلك شيخنا الأستاذ العراقي (قده) من جريان أصل التعبدي فهنا أيضا يجري أصالة عدم القرينة ويحكم بكون اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي وهكذا إذا دار الأمر بين كونه منقولا عن معناه الحقيقي إلى حقيقي ثانوي أو بقائه بحاله مع الشك في أصل وضع له غير هذا الوضع لا ما علم له حالة سابقة في معنى آخر فهنا أيضا أصالة عدم النقل مع عدم ما يحتمل القرينية جارية مطلقا واما مع وجوده فلا تجري على مسلك التحقيق فيصير مجملا وتجري على مسلك القائل بجريان الأصل التعبدي.

٦٧

ولكن الحق عدم معنى محصل للأصل التعبدي وان كان شيخنا الأستاذ يتمسك به.

اما إذا دار الأمر بين المعنى الحقيقي الثانوي لكونه منقولا أو المعنى المجازي فائضا مع عدم احتمال القرينة تجري أصالة عدم كونه مجازا ومع احتماله يصير مجملا على التحقيق وغير مجمل على فرض جريان الأصل التعبدي وهكذا الكلام إذا دار الأمر بين كون المراد هو المطلق أو المقيد فبجريان مقدمات الحكمة لإثبات الظهور أو التعبد يثبت الإطلاق وهكذا القول إذا دار الأمر بين الإضمار وعدمه فان أصالة عدم الإضمار جارية إلا على فرض وجود قرينة عليه مثل أكثر الآيات الواردة في أحوال بنى إسرائيل واما إذا دار الأمر بين الإضمار وساير الاحتمالات غير الحقيقة فعلى التحقيق يكون مجملا والقائل بجريان الأصل التعبدي أيضا يقول في المقام بعدم حجيته لتعارضه مع الأصل التعبدي في الآخر.

ولا يخفى عدم الاعتبار بالتعارض هنا لعدم إثبات التعبد بالظهور لعدم كونه أصلا عقلائيا وعدم بنائهم على ذلك.

ولكن التحقيق ان الدوران بين الإضمار وغيره أيضا لا يوجب الإجمال مطلقا بل ربما يكون الظهور حسب القرائن مع بعض الأطراف فتدبر.

هذا كله إذا كان تاريخ الاستعمال وتاريخ الوضع أو النقل وغيره معلوما واما إذا كان التاريخ مجهولا فاما ان يكون كلاهما مجهولي التاريخ أي الوضع والاستعمال واما أحدهما فقالوا ان المقام يكون مثل الفرع الفقهي المعروف وهو من يعلم صدور حدث منه وطهارة فتارة يعلم تاريخ أحدهما وشك في تقدم الآخر أو تأخره وتارة لا يعلمهما سواء كان حالته السابقة معلومة أو مجهولة ففي كل مورد جرى الاستصحاب في ذاك المقام يجري هنا أيضا وفي صورة كون المجهول كلاهما فاما لا يجري الأصل أو يجري ويتعارض ويتساقط فيرجع إلى أصل آخر ففي المقام قالوا

٦٨

إذا كان تاريخ الوضع معلوما دون تاريخ الاستعمال وشك في النقل إلى حين الاستعمال كما إذا ورد كلام عن الصادقين صلوات الله عليهما لا ندري انه كان قبل النقل أو بعده فاستصحاب عدم النقل عن الوضع الأول يثبت ان اللفظ الصادر عن الإمام عليه‌السلام كان على طبق الوضع الأول ويحمل على ذاك المعنى :

وفيه ان أصالة عدم النقل والوضع الجديد ان صارت موجبة للظهور في الوضع الأول لا إشكال فيه واما إذا لم تكن موجبة له فلا فائدة فيه.

نعم ان قال أحد بان هذا الأصل تعبدي أو انه ان لم يجر في ساير المقامات كأصالة الحقيقة التي تكون عند القدماء ولكن في المقام يجري فلا إشكال في فائدة الأصل إلّا انه ممنوع في جميع الموارد فانه لا يكون في العقلاء بناء على ذلك أصلا.

واما إذا علمنا تاريخ النقل دون الوضع واستعمل اللفظ فأصالة عدم الاستعمال إلى حين النقل تثبت استعماله في المنقول إليه.

وفيه ان هذا أيضا ان صار موجبا للظهور فمسلم إلّا انه لا يوجبه والأصل التعبدي ممنوع.

واما في مجهولي التاريخ فالأصلان يجريان ويتساقطان وعن المحقق الخراسانيّ (قده) عدم الجريان والتوقف لأن أصالة عدم الوضع أو الاستعمال تثبت عدم نفسه واما العدم المضاف إلى غيره فلا.

الأمر التاسع من الكفاية في الحقيقة الشرعية

ينبغي قبل الورود في المطلب ، البحث عن أمور : الأول : انه لا شبهة ولا ريب في ثبوت الوضع التعييني بواسطة الاستعمال كمن استعمل لفظ زيد ويريد به المعنى الخارجي وان هذه الذات يكون هذا الاسم موضوعا لها.

وقد أشكل عليه أولا بان اللازم من ذلك الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي لأنه بإرادة المعنى يرى اللفظ فانيا وبلحاظ ذاته يكون مستقلا.

٦٩

والجواب عنه أولا بان المراد بذلك هو جعل العلقة بين طبيعي اللفظ والمعنى دون شخص هذا اللفظ فان هذا لا يكون الطبيعي بل بواسطة وجهته الطبيعية التي غير هذا اللفظ يجعل اللفظ للمعنى ويتحقق به الوضع وبوجهته الشخصية (١) يستعمل في المعنى وثانيا ان للنفس القدرة على ان تلاحظ الآلية والاستقلالية ثم بواسطة الاستعمال يفهم الوضع والاستعمال بتعدد الدال بمعنى قيام قرينة على ان هذا الاستعمال (٢) وضع أيضا أو يقال يكون الوضع في المرتبة المتقدمة على الاستعمال في النّفس.

واما الإشكال على هذا بان اللازم منه عدم كون الاستعمال حقيقة أو مجازا ضرورة عدم كون الاستعمال مسبوقا بالوضع ليصير حقيقة ولا مقرونا بقرينة المجاز ليصير مجازا فمندفع بأنا لا نلتزم ان الاستعمال يجب ان يكون على أحد الأنحاء المذكورة بل هذا الاستعمال غير الحقيقة والمجاز.

الأمر الثاني في ان البحث في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه هل يختص بالألفاظ المخترعة في شرعنا الإسلام أو يشمل جميع ما كان له عنوان في الشرائع السابقة مثل الصلاة والصوم أو في العرف مثل البيع فقالوا بان النزاع مختص بالمخترعة.

وفيه ان النزاع عام يشمل غير المخترعة أيضا من حيث الثمرة ومن حيث العنوان اما الثاني فلان وجود عنوان في الشرع السابق مثل الصلاة والصوم لا يوجب ان يكون تسمية هذا المعنى بخصوصياته في هذا الشرع بذلك الاسم إمضاء لما في الشرع السابق أو في العرف مثل البيع فمن الممكن ان يكون وضعه اللفظ من باب الاستقلال في الجعل على انه لم يثبت وجود هذه العناوين بأسمائها في الشرع السابق بل كان بغير هذا الاسم من اللغات

__________________

(١) أقول هذا صحيح على فرض القول بالحصة في الطبيعي على إشكال واما على فرض ان الطبيعي ليس إلّا الفرد الذي لا ينافى وجوده وجود فرد آخر فكل إشكال في الطبيعي فهو في الفرد أيضا.

(٢) في هذه الصورة أيضا لا يخفى الاحتياج إلى القرينة لأن ما في النّفس يحتاج إلى الكاشف.

٧٠

الآخر والبيع وان كان امرا دارجا بين الناس ولكن يمكن ان يكون البيع في لسان الشارع مع ضميمة القيود غير ما في الناس فيمكن تصور وضع على حدة في نظره فالبحث عام واما الثمرة فيتصور فيه أيضا كما لا يخفى.

الأمر الثالث في بيان ثمرة البحث ذكروا لذلك ثمرتين : الأولى انه على فرض ثبوت الحقيقة الشرعية إذا صدر لفظ من الشارع مثل الطواف في البيت صلاة ولم يأت بقرينة يحمل على معناه الشرعي فيقال يكون الطواف مثل الصلاة في وجوب الشرائط واما على فرض عدم وجود الحقيقة الشرعية لا يحمل عليها بل على المعنى اللغوي.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني (قده) بان ما صدر عن الشرع إذا كان معلوم الماهية لا مشاحة في الاسم على ان كلما صدر عن الشرع يكون محفوفا بقرينة يفهم المعنى فلا نكون بصدد ان ما صدر حقيقة أو مجاز.

وفيه ان ادعاء ان كل ما صدر عنه يكون محفوفا بالقرينة لا دليل عليه وان ما يقول بان الحقيقة والمجاز غير مؤثر فممنوع لأنه على فرض الشك يكون المرجع الحقيقة دون المجاز.

الوجه الثاني لبيان الثمرة انه على فرض وجودها لا يحمل اللفظ عليها في صورة الشك بل إذا لوحظ مع المعنى اللغوي أيضا يكون مشتركا وهو يحتاج إلى قرينة معينة وبدونها يصير اللفظ مجملا بخلاف صورة عدمها فانه يحمل على المعنى اللغوي.

قد أشكل عليها شيخنا العراقي (قده) بأنه على فرض وجود الحقيقة الشرعية واللغوية مما لا يمكن حمله على المعنى الحقيقي بل يكون مثل المشترك الذي يحتاج في تعيين المراد منه إلى قرينة وبدونها يصير مجملا فلا فرق بين وجود الحقيقة وعدمها في الإجمال.

وفيه بعد كون الصادر كلاما عن الشرع ويكون في مقام بيان مراداته لا وجه للإجمال لأن الظاهر على الفرض هو ان كل ما يقول الشارع يكون بصدد بيان مراده الشرعي بحيث لو أراد غيره احتاج إلى ضم قرينة فلو أراد اللغوي يجب ان يضم قرينة فإذا كان خاليا عنها يحمل على الحقيقة الشرعية.

٧١

إذا عرفت هذه الأمور فنقول لا يخفى عليكم في هذا المقام ان المراد هو كشف إرادة الواضع أو المتكلم باللفظ ولا يكون لكشف خصوص الوضع لذلك خصوصية والكلام هنا تارة يكون بالنسبة إلى الحقائق المخترعة ولا شبهة في وجود الحقيقة الشرعية بمعنى إرادة الشارع وضع اللفظ لذاك المعنى بواسطة الاستعمال كما هو ديدن العقلاء في ما يخترعونه من الوسائل اليومية وتارة يكون الكلام في غيرها مثل الصلاة التي مثلا كانت في الأديان السابقة وأضاف الشارع إليها قيودا وشروطا ويستعمل ذاك اللفظ فيها ففي هذا المقام يكون الاحتمالات ثلاثة.

الأول ان يكون مراده بالاستعمال هو الاستعمال في المعنى اللغوي الّذي كان عليه الشريعة السابقة والإضافات والخصوصيات تكون بدال آخر والثاني ان يكون استعماله بطريق المجاز والثالث ان يكون مراده بالاستعمال هو النقل عن المعنى الأصلي إلى المعنى الشرعي أو يكون استعماله من باب تعيين اللفظ للمعنى الذي معناه وضع هذا اللفظ مستقلا في المعنى والحق هو الشق الثاني من الاحتمال الثالث فان ديدن العقلاء على وضع اللفظ على المعنى بنحو التعيين لا النقل عن معنى إلى معنى آخر مع العناية إلى الوضع الأول واما ساير الاحتمالات فلا يكون دأب العقلاء عليها والثمرة الأولى تترتب على فرض النقل أيضا ولكن الثمرة الثانية لا تترتب لأنها تتوقف على ثبوت الوضع لأن الاشتراك يكون من باب التوسعة في اللفظ التي دلت على معان متعددة بخلاف النقل فانه يكون لفظ واحد على معنى واحد ويترتب على ما نقول هو انه إذا صدر رواية عن الصادقين عليهما‌السلام واستعمل فيها لفظ وشككنا في ان المراد معناه اللغوي أم لا سواء كان من المستحدث أم لا يحمل على المعنى الشرعي وقد فصل المحقق الخراسانيّ (قده) بين المستحدث وغيره بقبوله الحقيقة الشرعية في المستحدث دون غيره ودليله عليه التبادر في الأول ولكن لا يكون تاما لإثبات الحقيقة الشرعية لأنه من الممكن ان يكون استعماله أولا في المعنى الشرعي

٧٢

بواسطة القرينة ثم صار (١) منقولا فيجب ان يضم إليه ديدن العقلاء من انهم إذا اخترعوا شيئا يسمونه باسم جديد.

واما في غير المستحدث مثل الصلاة والصوم والزكاة كما في الآية وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وكتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم واذن في الناس بالحج فانه (قده) وان قال بعدم حقيقة شرعية فيها ولكن التحقيق خلافه لأن الشرائع السابقة ما كانت صلاتهم موسومة بهذا الاسم وصومهم بهذا بل الألفاظ من سنخ لسانهم نعم قال شيخنا النائيني (قده) الصلاة في الإنجيل يكون بهذا اللفظ (٢) المعروف عندنا وعلى فرض كون عباداتهم مسمى بهذه الأسماء لا يفيد قوله أيضا لأنه لا علاقة بين تلك العبادات وما بأيدينا من الأعمال والفطرة (٣) قاضية بذلك.

ثم ان الكلام إلى هنا كان في إثبات الوضع التعييني في الشرع واما الوضع التعيني بالنسبة إلى أواخر عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيما زمن الصادقين عليهما‌السلام لا شبهة فيه فان الألفاظ لو استعمل في صدر البعثة مع القرينة فانه بعد أنس المسلمين بها لا معنى

__________________

(١) هو (قده) أيضا ما اكتفى بالتبادر فقط بل ضم إليه عدم وجود العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي بين الصلاة في شرعنا والصلاة في شرعهم فانها كانت في شرعهم أدعية فقط وفي شرعنا يكون لها فرق تام فليلاحظ عبارته في الكفاية والغرض هنا عدم اكتفائه بالتبادر فقط وان كان ما ضم إليه فيه ما لا يخفى في خصوص مثاله وأمثاله من كفاية العلاقة بكونها دعاء وصلاتنا أيضا دعاء مع ركوع وسجود مثلا.

(٢) وفي تقريرات النائيني (قده) عن الخوئي (مد ظله) هو إنجيل برنابا

(٣) في قضاء الفطرة بذلك نظر لأنه يكفى للتشبيه اشتماله على جزء من أعمالنا ففي الحج مثلا لو كان لهم طواف ولو لم يكن بخمسة أسبوع وفي ساير الأعمال يكفى للعلاقة خصوصا مع ضميمة ان المراد من جميع الشرائع الخضوع لله تعالى والفرق بالكمال والنقص بحسب مصلحة كل زمان فان حبل الدين متصل من آدم إلى الخاتم.

٧٣

لإتيان القرينة مع الاستعمال.

هذا كله بالنسبة إلى العبادات اما المعاملات فانها أيضا لها حقائق شرعية بنحو آخر وهو انها كانت من سابق الزمان بين الناس والعالمين من الدول وغيرهم والشارع ما أتى بعنوان جديد بل أمضى ما فيهم بتلك الأسماء ولكن قد تصرف في منع البعض مثل البيع الربوي وأمثاله.

في الصحيح والأعم

الأمر العاشر مما في الكفاية انه وقع الخلاف في ان ألفاظ العبادات هل كانت لخصوص الصحيحة منها أو الأعم ولتوضيح المقام يلزم البحث عن أمور.

الأول في انه هل يأتي النزاع في خصوص صورة القول بوجود الحقيقة الشرعية أو يكون شاملا حتى على فرض العدم فان المحقق الخراسانيّ (قده) والنائيني (قده) على ان الإثبات لذلك مشكل واما أصل تصوير النزاع في مقام الثبوت فيعم الجميع فانا نحتاج في مقام الإثبات إلى ان نحرز أن ديدن العقلاء على استعمال المجازات في الأعم مما اجتمع فيه الاجزاء والشرائط أم لا وبعبارة أخرى المريد لاستعمال اللفظ في المعنى المجازي لا بد ان يأتي بقرينة فلا نعلم انه يأتي بجميع ما هو الدخيل من القرائن من الاجزاء أم لا مثلا لو كان الصلاة معناها في ساير الشرائع ما يتركب من خمسة اجزاء فهل عند إرادتها في شرعنا وهي مضاف إليها خمسة أخرى يستعمل اللفظ مجازا في خصوص ما هو جامع لجميع الخمسة أو يستعمله مجازا ولو بإتيان بعض القرائن الذي لا يوجب تمامية العمل ونحتاج إلى إثبات ديدن الشرع فمن لا يقبل ديدنه بالنسبة إلى غير الصحيح فيقول انه استعمل اللفظ في خصوص المعنى الصحيح فعلى فرض القول بان ثمرة وضع اللفظ لخصوص الصحيح عدم أخذ الإطلاق عند الشك في شرط أو جزء وجريان أصالة البراءة عما شك في شرطيته يكون في المقام أيضا ثم هنا كلام عن الباقلاني (قده) بان الألفاظ التي كانت في الشرائع السابقة تستعمل

٧٤

في معناها الحقيقي ولإضافة القيود والشرائط في شرعنا يؤتى بما هو دال عليه فيكون الدال على الأصل لفظ والدال على الاجزاء لفظ آخر وفي المقام قد أنكروا عليه شمول بحث الصحيح والأعم على هذا المسلك حتى أخذوا ورود النزاع على مسلكه شبيه السخرية ولكن لا وجه لإنكارهم لأنه كلما نقول في شمول البحث بالنسبة إلى المجاز نقول أيضا بالنسبة إلى ذلك بتقريب ان نقول لا نعلم ان ديدن الشرع هل كان بان يذكر عند استعمال اللفظ في معناه الحقيقي جميع الدوال على الإضافات والشروط لا فعلى الأول يكون تحت بحث الصحيح وعلى الثاني تحت بحث الأعم فالتحقيق عدم الفرق بين المسالك من حيث ترتيب الثمرة فعلى الصحيحي لا يمكن الأخذ بالإطلاق عند الشك في شرطية شيء أو جزئيته وعلى الأعمي يمكن الأخذ بالإطلاق بصرف صدق الاسم ولا تتوهم في المقام ان الإطلاق مقامي بل لفظي لما سيجيء آنفا الأمر الثاني قالوا ان الصحة معناها التمامية كما ان النقص يوجب الفساد وصحة كل شيء عندهم بحسبه فانها مع الفساد معنى إضافي فصحة صلاة الغرقى بنحو وفسادها في مقابلها وصحة صلاة المسافر بنحو وكذا فسادها وصحة الحاضر أيضا كذلك فان الصحة في كل ذلك تحاسب بالنسبة إلى الأثر المترقب منه مثل سقوط القضاء والإعادة في الصحيح لموافقة المأتي به للمأمور به.

وفيه أولا انا نحتاج في ذلك إلى ميزان ليكون عليه مدار الصحة والفساد وهو ان يكون لنا طبيعي يكون اللفظ موضوعا له فانه من الضروري ان غير الصحيح من الصلاة لا يكون مثل ساير الأشياء فان غيرية الصلاة الفاسدة للصحيحة غير غيرية السفر جل لها فيكون لنا لفظ يشمل كل واحد منهما فان الصلاة الفاسدة أيضا صلاة ولكن تكون ناقصة.

وثانيا ما يقال من ان المراد بالصحيح هو المسقط للقضاء والإعادة أو ما هو المطابق للأمر أو ما يترتب عليه الأثر لا يخفى ما فيه فان الإسقاط للقضاء والمطابقة للأمر يكون بعد رتبة الأمر والكلام هنا في أصل توجه الأمر وبعبارة أخرى : هذه

٧٥

العناوين انتزاعية لا بد لها من منشأ انتزاع يكون هو مصداق الصحة والتمامية فما هو الميزان في الصحيح والفاسد يكون تمامية الاجزاء والشرائط فما يكون تام الاجزاء والشرائط يكون متعلق الأمر أو مسقطا ، للقضاء والإعادة أو يترتب عليه الأثر المقصود وهو الموضوع له للصحة وفيما نحن فيه يكون هو المأمور به.

ثم ان البحث في الاجزاء والشرائط من حيث شمول البحث عن الصحيح والأعم لها من وجوه : الأول الاجزاء للعمل مثل القيام والركوع والسجود وغيره مما هو داخل في ماهية ما مثل الصلاة. الثاني الشرائط الشرعية من غير ناحية المضادة مثل الوضوء والستر مثلا للصلاة. الثالثة الشرائط من ناحية المضادة مثل ان إزالة النجاسة عن المسجد شرط لصحة الصلاة فانها ضدها وهي شرط لها بعد عدم إمكان الجمع بينهما في آن واحد. الرابع الشرائط التي لا يمكن أخذها في الخطاب مثل قصد القربة فانه على مسلك القوم يجب ان يكون بأمر آخر غير الأمر بالصلاة وعلى التحقيق يمكن أخذا الإطلاق من الخطاب بالنسبة إليه أيضا.

إذا عرفت ذلك فنقول : لا شبهة في جريان النزاع في ذلك من جهة التسمية فانه لا ندري ان الشارع سمى ما هو الجامع لجميع الاجزاء صلاة حتى تكون موضوعة للصحيح أو ما هو الناقص أيضا صلاة حتى تكون موضوعة للأعم.

واما الشروط الشرعية فقيل بأنها لا يكاد يمكن ان تكون دخيلة في التسمية ضرورة ان شرط الشيء يكون بعد رتبة تحقق ذاك الشيء فيكون الوضوء شرطا للصلاة فما دام لم يتحقق المسمى بالصلاة فأي شيء هو المشروط حتى تكون الطهارة شرطه فان التقييد بالشرط دخيل في صحة الصلاة فلا يجيء البحث عن الصحيح بالنسبة إلى ذلك لعدم وجه لقولنا ان الصلاة هل وضعت مثلا لما هو مجمع الاجزاء والشرائط أو الأعم وفيه ان تأخر الشرط عن المشروط عقلا مطلب وكون الشرط مع المشروط في التسمية بحيث يكون التقيد داخلا والقيد خارجا مطلب آخر فللواضع ان يضع اللفظ بإزاء الاجزاء المتقيدة بكونها مع الطهارة وهذا لا إشكال فيه فما عن العلمين الأستاذين العراقي والنائيني (قدس‌سرهما) من ان الاجزاء دخيل في الاقتضاء دون الشرائط

٧٦

فانها لا تكون في رتبة المقتضى وان كان في نفسه صحيحا ولكن لا ربط له بصحة التسمية وعدمها فان للواضع ان يجعل الموضوع له للفظ كلاهما فكونها في الواقع خارجا عن المسمى مطلب ودخولها في محل النزاع من حيث ترتب الأثر على الصحيح والأعم مطلب آخر واما الشرائط التي تكون من مزاحمة الصلاة مع غيرها مثل الإزالة فائضا يقول العلمان الأستاذان بعدم تصوير النزاع فيها لأن الصلاة لا تكون صلاة لو كان للإزالة دخل فيها حتى تزاحمها فأين المزاحمة بين الصلاة والإزالة وبعبارة أخرى يجب ان تكون المصلحة في الإزالة تامة وتكون أهم بالنسبة إلى المصلحة في الصلاة وتجب بتمامية مصلحتها ليقال هي مهمة وتلك أهم واما مع عدم المصلحة فلا تزاحم بل الصلاة لا تكون صلاة.

والجواب عنه هو ان المسمى بالصلاة ولو كانت الاجزاء بدون هذا القيد ولكن يمكن ان يتعلق امر الشرع بما هو أعم فالصلاة المأمورة بها هي الصلاة مع عدم كونها مزاحمة بالإزالة.

وزاد شيخنا العراقي (قده) مضافا إلى عدم تصوير التزاحم بأنه من جهة الثمرة أيضا لا يأتي فيها نزاع الصحيح والأعم في أخذ الإطلاق على الأعم في صورة الشك في شرط أو جزء بل يوجب الإجمال لأن مسمى الصلاة ولو أخذ مقترنا بذلك الشرط ويمكن دخوله بهذا النحو تحت النزاع ولكن من اتفاقهم صدق الصلاة عليها بدون هذا الشرط أيضا يكشف عن عدم دخل هذا القيد في مسماها.

والجواب عنه انه بعد إمكان تصوير كونها مأمورة بها مع هذا القيد فصدق الصلاة عليها بدونه يكون بنحو من العناية والمجاز لا بنحو الحقيقة على فرض الصحيحي واما على الأعمي فهي صلاة واقعا.

القسم الثالث من الشروط ما يكون متأخرا عن الأمر بها مثل قصد الأمر أو القربة عند إتيان الصلاة وامتثالها الذي به يتحقق عباديتها فانه قبل الأمر بها لا يكاد يمكن ان يكون ذلك من الشروط التي أخذت في المأمور به كما عن العلمين الأستاذين

٧٧

العراقي والنائيني فلا يجيء البحث عن الصحيح والأعم فيها.

والجواب هو ان قصد القربة إذا لم يكن دخيلا في الصحة فأين الصلاة الصحيحة فان لازم ذلك هو وضع الصلاة للأعم ولا فرق بين سعة دائرة الأعم أو ضيقها وعدم إمكان أخذ القيد في الأمر محال من باب عدم إمكان الإظهار وضيق الخناق فحيث لا تقييد لا يمكن أخذ الإطلاق أيضا فانه يكون في صورة إمكان التقييد فمن يصلى الصلاة بدونها ما صلى صلاة صحيحة حقيقة ولا تصدق على ما أتى به منها الصلاة إلّا بنحو العناية والمجاز.

الأمر الثالث في أخذ الجامع وهنا بحثان بحث في ان أصل البحث عن الصحيح والأعم هل يتوقف عليه أو لا وبحث آخر في انه هل يكون لنا جامع أم لا.

اما الثاني فقيل ان الجامع في الصلاة متصور فان جميع الصلوات من صلاة الغرقى وصلاة جعفر الطويل والقصير كلها تكون تحت جامع وهو اما الغاية مثل كونها ناهية. عن الفحشاء والمنكر وهي معراج المؤمن أو قربان كل تقي واما من جهة الآثار وهو كونها مسقطة للقضاء أو الإعادة ومفرغية الذّمّة فان صارت ناهية عن الفحشاء فهو المطلوب من الجميع وان لم تصر فتكون مسقطة ومفرغة للذمة إذا كان اجزائها الشرعية كاملا هذا عن المحقق الخراسانيّ (قده).

وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ النائيني (قده) بان المفرغية تكون في الرتبة الرابعة فكيف يمكن ان تكون الموضوع له للصلاة فان الموضوع في الرتبة الأولى قبل الأمر ثم الأمر يقع عليه ثم يحصل العلم به ثم بعد الإتيان بالمأمور به يحصل الفراغ فلا يكاد يمكن ان يكون جامعا لجميع افراد الصلاة قبل الإتيان بها.

واما الإسقاط وعدم الإعادة فهو أيضا يكون بين مراتب متكثرة فانه لا ربط بين مسقطية صلاة الغرقى ومسقطية صلاة الحاضر وصلاة جعفر وساير الصلوات الطويل مثل صلاة الشيخ الأنصاري الذي يقرأ في القنوت دعاء الكميل فهل يمكن ان يكون

٧٨

هذا العنوان جامعا بين المتفرقات كذلك واما كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر (١) فهو أيضا غير صحيح لأن كثيرا منها لا تكون ناهية عن الفحشاء ضرورة انا نرى الناس يصلون ولا يكونون في صدد ترك الغيبة مثلا وأمثال ذلك فكيف يمكن ما لا يترتب على العمل الا قليلا يصير جامعا لجميع الصلوات والقانون المرسوم بين الحكماء الشامخين حاكم بان الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد وفي المقام عنوان النهي عن الفحشاء واحد يجب ان يكون ما يصدر منه واحدا لا ان يكون بعض افراده غير مترتب عليه هذا الأثر وبعض افراده مترتب عليه والفرض ان الصلاة علة له ولا تكون معدة على ان ترتب الأثر على العمل لا يكون من نفس العمل بل هو عناية الله تعالى فانه يترتب الآثار بفضله ومنّه ولا تأثير لفعل العبد فيه الأعلى فرض الاعداد ويكون الجامع عرفيا لا واقعيا.

ويرد عليه ان ما ذكره معدا غير مقبول فانه من الممكن ثبوتا ان يجعل الله تعالى ملازمة بين فعل العبد وترتب الآثار في التكوين ويكون الأثر مترتبا عليه كذلك

__________________

(١) أقول انى اسمع هذا الكلام من أساتيذي أي ان بعض افراد الصلاة غير ناهية عن الفحشاء أو لا تكون معراجا وقد سمعته عن سيدنا الأستاذ (مد ظله) في سالف الزمان في الدرس لكن لا أدري انه عقيدته عليه أم لا ولكن في ذهني شيء وكتبته في ذيل جزوات سيدي الأستاذ وهو ان المراد بكونها معراجا أو ناحية عن الفحشاء إذ كان هو ان من يصلى يجب ان لا يجيء بمنكر أصلا فيكون المؤثر صلاة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ولا سهم لبقية الناس فيه وهذا كلام لا يمكن المساعدة عليه فان الطاهر من الدليل ان المؤمن صلاته معراج وناهية عن الفحشاء وعلى التحقيق يكون العروج إلى المعنويات والانتهاء عن المنكر بالنسبة إلى الأشخاص متفاوتا فصلاة علي عليه الصلاة والسلام يوصله إلى أعلى الدرجات وصلاة العالم المتقي مثلا يوجب تركه الغيبة وصلاة من دونه يوجب عدم التصرف في مال الغير لأنه يرى ان من شروط صحتها عدم كون اللباس غصبيا وهكذا وبالوجدان نفرق بين من يصلى ومن لا يصلى أصلا ويكون تاركا لها فان من آمن وصلى يكون عروجه بصلاته وانتهائه عن المنكر والفحشاء بقدر إيمانه فان الذي يسجد في مقابل عظمة الله يعرج بهذا القدر بخلاف من لا يكون كذلك.

٧٩

واما مسألة قدرة الله تعالى فهو امر آخر فان وجود الشخص أيضا منه ولا مانع من ذلك إثباتا فانه يمكن ان يأمر بإتيان الناهي عن الفحشاء الذي هو المعلول أو الصلاة وهي العلة فالعبادة علة تامة للأثر ولا تكون معدة فقط.

وثانيا لو سلمنا عدم كونها علة تامة لترتب الأثر ولكن لا يمكن رفع اليد عن الاقتضاء فان كونها مقتضية وصيرورتها علة تامة بشرط من الشروط ولو كان خارجا عن قدرة العبد لا ينافى أصل الاقتضاء وحينئذ يمكن الأمر بإتيان المؤثر لا الأثر وكون الجميع مشتركا في الاقتضاء لا ريب فيه وتخلف الأثر في بعض الافراد لا ينافيه.

واما الإشكال بتأخر الإسقاط عن الأمر بمراتب لا يضر فإن الذي يكون جامعا هو طبيعي كون الصلاة مسقطة وما يكون مسقطا فعلا هو الصلاة الموجودة وهو لا يضر بكون طبيعي الإسقاط أو المفرغية جامعا بين الافراد والجامع العرفي لا يلزم بين افراد الصلاة.

والعجب عن شيخنا الأستاذ (قده) فانه تصور الجامع في التخيير العقلي بين التكليفين أو التكاليف ولم يتصوره هنا.

ثم ان الجامع على قسمين عنواني وهو ان يكون بين افراد الصلاة اشتراك من جهة الاسم واما من حيث الواقع فكل واحد منها شيء وكذلك لو كانت موضوعة لعنوان الناهي عن الفحشاء.

وفيه ان هذا خلاف الارتكاز فان قوله ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يوجب الظهور بان الصلاة كلها تكون بهذه الصفة ولها هذا الأثر الواقعي.

وذاتي أي وجامع ذاتي وهو ان يكون صدقها على جميع افراد الصلوات وكذلك اجزائها كصدق الإنسان على جميع افراده وأشخاصه متواطيا وقد أشكل على ذلك بان الصلاة الواحدة مركبة من مقولات متعددة من الوضع والكيف وهي أجناس عالية ليس فوقها جنس

٨٠