مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

ذلك فمن أين يفهم الإشارة ولو وضع للإشارة فكيف لا يفهم منه الإشارة الا بإعانة يد أو حاجب أو غيره ولو كان موضوعا للمفرد المذكر المشار فهذا يكون من تعدد اللحاظ أي لحاظ ان هذا المشار إليه فيشار إليه والوجدان بخلافه على انه يلزم منه الدور لأن هذا القيد يجب ان يكون قبل الاستعمال فإذا جاء من قبل الاستعمال يجب ان يتقدم الشيء على نفسه.

والتحقيق في المقام ان أسماء الإشارة ومنها لفظ هذا وضعت للمشار إليه في حين الإشارة مع العناية بان القضية الحينية لها فرق مع المشروطة.

والدليل على ما نقول هو القواعد العربية بان وضع هذه الألفاظ يكون بنحو الجمود ولا يكون لها هيئة ومادة والتبادر من ان لفظ هذا ما وضع الا لشيء واحد وعدم صحة إراءة اللفظ الواحد للمعنيين فانه لا يكون للفظ هذا إلا مدلول واحد ولا يكون له مدلولان المشار إليه والإشارة ولا يكون الإشارة قيدا للموضوع له والتبادر يكون أصم لا يفهم منه ان الخصوصية التي تكون فيه هل تكون بنحو القيدية أو بنحو الحينية فحيث لا يمكن إرادة المعنيين فلا محالة نقول وضع لمعنى واحد هو المفرد المذكر في حين الإشارة والقول بان الخصوصية جاءت من الاستعمال يلزم منه الدور كما مر آنفا لأن لحاظ المعنى بشراشره وقيوده يجب ان يكون قبله.

ان قلت ان التعينات الخارجية ان كانت من غير جهة الاستعمال فالقول به خلاف الوجدان وان كانت من قبله فيكون باطلا للدور الّذي ذكرت.

قلت ان العلة للتعينات لا تكون من قبل الاستعمال بل النّفس عند إرادتها تعيين شيء من الأشياء لشدة حبها في تعيين ذلك الشيء تستعمل شيئا آخر من الأعمال كالإشارة باليد أو العين وأمثال ذلك فيوجب تعيين المشار إليه فهو تحريك من النّفس لا من قبل الاستعمال هذا ما هو التحقيق في المقام ولكن في المقام أقوال أخر لا بأس بنقلها.

فمنها أنها موضوعة لنفس الإشارة الخارجية فكما ان لفظ زيد موضوع لذات معينة كذلك هذا موضوع لمعنى مبهم هو الإشارة.

٤١

وفيه ان الإشارة تكون وجودا رابطا ولا يكون لها الاستقلال في المفهومية على أنه لا يفهم الإشارة بلفظ هذا بل تحتاج إلى شيء آخر فلا يكون ما قيل صحيحا في المقام.

ومنها قول من قال بان هذا موضوع لمعنى مبهم متقيد بالإشارة.

وفيه ان كان المراد بذلك هو ما نقول بأنه موضوع للمعنى في حين الإشارة إليه فهو وإلّا فلا وجه له لأن القيد لا يمكن ان يكون من قبل الاستعمال وملاحظته قبله خلاف الوجدان كما مر.

ومن الأقوال قول القائل بأنه من أدوات الإشارة كما ان العين واليد أيضا من أدواتها وفيه ان الإشارة بابها باب الحكاية عن المعنى وهذا لازمه النّظر الاستقلالي إلى هذا اللفظ كاستعمال اللفظ في اللفظ كما سيجيء ولو كان المراد منه ان بناء العقلاء يكون على وضعها أداة فهو خلاف الوجدان ضرورة ان صرف لفظ هذا لا يكون إشارة ومما ذكرنا في أسماء الإشارة ظهر حال الموصولات أيضا فانها أيضا تكون موضوعة لمعنى مبهم يتعين بالصلة مثل الّذي في الدار هو زيد والمحقق الخراسانيّ (قده) يقول في المقام أيضا مثل ما قال فيه :

وقد أشكل في المقامين بان هذه المعاني لإبهامها وعدم استقلالها كيف يوضع لها اللفظ فانها لا ترى إلا مندكة في الغير.

والجواب عنه نظير ما مر عن النائيني (قده) بان الطرفين الذين يندك المعنى فيهما لا يلاحظان بالذهن فوق الذهن اما ما نقول فهو عدم دخالة الطرفين في معنى الإشارة والموصول بل يوضع مقرونا بالتعيين وسرّ كون تلك المبهمات معارف هو التعيين الّذي يكون فيها.

٤٢

فصل في ان المجازات تكون العلاقة فيها

بالوضع أو بالطبع

قد اختلف في ذلك ونحن نبحث تارة عن أصل محل النزاع وأخرى عن ثمرته.

والتحقيق ان محل النزاع هو ان الاستعمال في المعنى المجازي هل يحتاج في ملاحظة المناسبة إلى وضع أو أن كل مورد رأى الطبع حسن الاستعمال يكفى كما عن المحقق الخراسانيّ (قده) ولو لم يرد من الواضع وضع بالنسبة إلى العلاقة.

وقال السكاكي في المقام ينزل المعنى المجازي لخصوصية (مثل الشجاعة في الأسد) منزلة المعنى الحقيقي فيستعمل اللفظ فيه فيقال رأيت أسداً يرمي عند إرادة الرّجل الشجاع فننزله أولا منزلة الأسد لشجاعته فيستعمل اللفظ فيه.

وقال العلامة الشيخ محمد رضا الأصفهاني (قده) بان اللفظ في بدو الأمر يستعمل حقيقة في معناه الحقيقي أي المستعمل يرى زيدا أسدا واقعا ويستعمل اللفظ فيه ولكن الفارق بين المعنى الحقيقي والمجازي هو ان الإرادة الجدية في المعنى الحقيقي مطابقة للإرادة الاستعمالية وفي المجازي لا تكون مطابقة لها.

والمائز بين القولين هو ان التنزيل في مجاز السكاكي يكون قبل الاستعمال وفي طريق الأصفهاني بعد الاستعمال.

والجواب عن الأول ان هذا القول يختص بالمجازات التي تكون العلاقة فيها المشابهة ولا يشمل ساير المجازات وثانيا ان هذا خلاف الوجدان فنحن نرى عدم التنزيل قبل الاستعمال في المجازات.

واما الجواب عن الثاني هو الجواب عن الأول بإضافة ان إرادة المعنى الحقيقي بعد وجود القرينة على إرادة المعنى المجازي لغو لا طائل تحته لأن الإرادة الاستعمالية إذا

٤٣

خالفت الإرادة الجدية لا فرق بين استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أو المجازي بالقرينة ان قلت انك لا محالة مبتلى بالقول بالانفكاك بين الإرادتين على مسلك التحقيق لا القدماء فان العام كثيرا ما يستعمل ويراد به الخاصّ مع انه لا يقال بان استعماله يكون مجازا مع كونه على ما ذكر مجازا فلا يكون البحث عن ذلك لغوا.

قلت فرق بين استعمال العام في الخاصّ وساير المجازات فان الخاصّ يكون فرد من افراد العام والرّجل الشجاع لا يكون من أفراد الأسد وتظهر ثمرة القول بان العام يستعمل في العموم حقيقة في صورة كون المخصص منفصلا فعلى فرض الشك (١) في زيادة التخصيص نرجع إلى أصالة العموم بخلاف صورة عدم القول بأنه حقيقة في العموم وفي المخصص المنفصل يكون الفرد عين العام وثالثا لا يجيء ما ذكره (قده) في ما كان بين المشبه والمشبه به تضادا مثل استعمال السواد (٢) مكان البياض هذا حاصل ما استفدنا (٣) من كلام السكاكي والشيخ محمد رضا الأصفهاني وما ذكرنا من الإيراد عليه.

والمشهور في المقام هو ان المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له بالقرينة ولا يكون استعماله فيما وضع له.

__________________

(١) لا فرق في انفصال المخصص واتصاله بعد ما كان الموضوع له للعام للجميع فإذا خصص لا يكون استعماله فيما وضع له فان المعنى العام لا يكون هذا الفرد وذاك بل مجموع ما يتصور من الافراد يجيء في الذهن عن إطلاقه وعلى أي حال الخاص قرينة في كلا المقامين.

(٢) بر عكس نهند نام زنگى كافور

(٣) ولكن عند التحقيق يرجع كلام العلمين المذكورين إلى شيء واحد فان الادعاء لا محالة يجب ان يلاحظ في الاستعمال فان قال أحد شمس تظلني عن الشمس لا يمكن ان يراد بالشمس الأولى الكرة التي في السماء فيستعمل اللفظ فيها واما ادعاء ذلك فله وجه واللطافة يكون فيما ذكره العلمان وإشكال الأستاذ عليهما لا نفهمه فلعله شيء فوق أذهاننا.

٤٤

ولكن التحقيق ان العلاقة التي تكون سببا ومجوزة للاستعمال يجب ان تكون بالوضع من الواضع ولا يتم ما ذكره الآخوند (قده) من حسن الطبع.

فان قلت أين الواضع في وضع الألفاظ حتى نرجع إليه في وضع العلائق بل الألفاظ كلها استعمالات من البشر في مقام احتياجاتهم.

قلت هذا أيضا مما أوجب القواعد فان لغة العرب يكون لها قواعد وضوابط فان الفاعل مرفوع عنده والمفعول منصوب والمضاف إليه مجرور وكذا الفاعل مقدم على المفعول والفعل مقدم عليهما فلو لم يراع أحد ما هو الدارج بين أهل هذا اللسان فقد خرج عن طريق المحاورة ففي العلائق أيضا يجب ان يراعى ما راعوه ولكن الّذي يسهل الخطب في المقام هو ان حسن الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي أيضا يكون من العلائق التي ثبت إجازة الواضع له.

ثم الثمرة (١) بين المجاز برأي الأصفهاني (قده) وغيره يظهر في موارد :

منها ما ورد من الرواية في آنية الذهب والفضة والمفضضة من قوله عليه‌السلام كره آنية الذهب والفضة وآنية المفضضة وكذا لا تأكل من آنية الذهب الفضة وآنية المفضضة فانه قد قامت القرينة في ساير الروايات على ان النهي في الآنية المفضضة لا يكون ظاهرا في الحرمة بل الكراهة وكذا الكراهة لو كان معناها الحقيقي هو الحرمة.

فهنا قد أشكل بان استعمال لفظ واحد في معنيين غير جائز فلا يمكن على رأيهم استعمال كره أولا تأكل في الحرمة والكراهة معا وهذا يصح في صورة كون الاستعمال أي استعمال اللفظ على المشهور في غير ما وضع له واما على مبنى الأصفهاني

__________________

(١) قد استفدنا من مبحثه الفقهي عند البحث عن آنية الذهب والفضة هو ان العطف في ما ذكر يكون في حكم التكرار فلا إشكال أصلا حتى يكون هذا البحث دافعا له على انه مد ظله قال بان استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد جائز فما ذكره ثمرة لا يكون له كثير فائدة.

٤٥

فحيث ان اللفظ قد استعمل في المعنى الحقيقي بنحو عموم المجاز (١) فيصح ان يكون كل منهما مرادا والحرمة تستفاد من قرينة خارجية والكراهة أيضا ولو لم نقل بان استعمال اللفظ في الأكثر من معنى جائز فمع عدم جوازه يصح هذا النحو من الاستعمال.

في أنحاء استعمال اللفظ في اللفظ

استعمال اللفظ في اللفظ يكون على أنحاء استعمال اللفظ في شخصه واستعماله في نوعه وصنفه ومثله اما استعماله في شخصه مثل ان يقال زيد ثلاثي فان لفظ زيد هنا لا يكون حاكيا عن معنى زيد وهو الذات الخارجية بل يكون المراد نفس هذا اللفظ وقد أشكل على هذا النحو من الاستعمال فقال بعضهم مثل شيخنا الأستاذ العراقي (قده) بان هذا النحو من الاستعمال يكون خارجا عن طور ساير الاستعمالات ودليل القائلين بان هذا أيضا يكون من طور ساير الاستعمالات هو ان اللفظ يكون له وجهتان وجهة نفسه وهي كونه لفظا من الألفاظ ووجهة حكايته وهي كونه بهذا النّظر ثلاثيا أي موضوع ومحمول ونسبة بينهما.

فأشكل صاحب الفصول (قده) بان الدال والمدلول هنا واحد فانه ليس لنا إلّا لفظ واحد فكيف يمكن ان يكون شيئين فان المحكي بالعرض في ساير الألفاظ المستعملة في المعاني يكون شيئا خارجا ويصير اللفظ فانيا فيه وهنا ليس لنا خارج

__________________

(١) ومعناه انه استعمل لفظ الأسد في الشجاع فلا يكون من استعمال اللفظ في معنيين بل في معنى واحد والخصوصيات تفهم بدال آخر هذا ولكن لا يكون الإشكال في استعمال اللفظ في الأكثر من معنى إذا كان التعدد من دال آخر متصل بالكلام مثل ان يقال جئني بعين باكية ووازنة أو استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي على مسلك المشهور مثل ان يقال جئني بأسد يرمي ويفترس بل في صورة عدم تعدد الكاشف على الظاهر من كلماتهم.

٤٦

غيره على ان لنا قضية معقولة وقضية خارجية فان (١) المعقولة يجب ان تكون لها ثلاثة اجزاء موضوع ومحمول ونسبة بينهما فإذا قلنا زيد قائم يكون لفظ زيد حاكيا عن معنى هو زيد والقيام حاكيا عن صفة في زيد في الخارج ونسبة عن المعنى الحرفي في الخارج القائم بالمنتسبين وفي المقام لا يكون لنا إلا شيئان وهو المحمول والنسبة واما الموضوع فلا يكون فان غير زيد في العقل وهو الثلاثية والنسبة.

وقد أشكل شيخنا العراقي (قده) بان ذلك يكون من الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي فانه قد مر بأن وضع الألفاظ على المعاني لا يكون مثل الاعلام على رأس الفراسخ بل يكون من باب الفناء في المعنى فعلى هذا لفظ زيد إذا كان حاكيا يكون آليا وإذا كان محكيا يكون استقلاليا والجمع بينهما كما ترى فان حيثية الفناء لا تجتمع مع حيثية الاستقلال والبقاء.

وحاصل الجواب عن الأخير هو ان اللحاظين لا يكونان عرضيين بل يكون كل واحد منهما في طول الآخر فانا نتوجه إلى عنوان آليته أولا ثم بعد ذلك نتوجه إلى استقلاليته بالقرينة ثانيا فان للعقل عرض وسيع لاعتبار المعاني واللحاظات.

واما الجواب عن إشكال صاحب الفصول فهو ان اتحاد الدال والمدلول هنا ولزوم كون القضية مركبة من جزءين انما يضر إذا كان لنا مدلول ولكن في المقام ليس لنا مدلول بل الدال فقط.

__________________

(١) لا يخفى ان القضية هي ما قضى به والقضاوة هو الحكم النفسيّ ولكن نحتاج إلى مظهر فهو اما ان يكون اللفظ أو غيره في الموضوع والمحمول والحكم النفسيّ يحتاج إلى تصور واقع الموضوع والمحمول والنسبة بينهما والتعبير بالقضية الخارجية لا معنى له فاللازم ان يقال الموجب لتصور الموضوع أو المحمول أو النسبة بينهما اما اللفظ أو غيره ولا زال يحتاج المحمول إلى موضوع ولكن لا الموضوع الّذي يكون في اللفظ فقط ولا يكون كل لفظ حاك بل ربما يكون النّظر إليه استقلالا ويكون نفس اللفظ موضوعا من الموضوعات الخارجية فان لكل شيء نحوا من الوجود في الخارج.

٤٧

وبيانه هو ان في ساير الموارد يكون الحكم بالمحمول على واقع الموضوع فان القائل إذا قال الخمر حرام يريد ان ذات الخمر وهي المائع الخارجي يكون لها حكم الحرمة فيرى أولا هذا الواقع (١) ثم تارة يمكنه ان يرينا الموضوع ويقول حرام وتارة ينزل اللفظ منزلته ويقول الخمر حرام ففي صورة وجود الواقع يكون إراءة الموضوع بنفسه أو باللفظ واما في صورة عدم واقع له الا هذا اللفظ فلا إشكال في إراءة اللفظ فقط ويكون هو تمام المراد ولا يكون شيء ورائه ليكون هذا حاكيا عنه فلذا يتحصل القضية منه ومن المحمول والنسبة ولا يرد إشكال فيه فيكون هذا اللفظ في الواقع من إلقاء نفس الموضوع في ذهن السامع كما إذا أتى بالخمر بنفسه ولم يستعمل فيه لفظ ويقال حرام.

واما استعمال اللفظ في نوعه فهو ان يقال ضرب فعل ماض فان المراد بذلك ان هذا اللفظ وما شابهه من الافراد يكون محكوما بكونه فعل ماض فيستعمل في الطبيعي الشامل له ولغيره.

وقد أشكل عليه المحقق الخراسانيّ (قده) بان هذا أيضا يكون من اتحاد الدال والمدلول لأن هذا وان كان أوسع من استعمال اللفظ في شخصه لاستعماله في غيره أيضا ولكن حيث يكون نفسه أيضا من افراد الطبيعي يكون متحدا معه فيكون الدال والمدلول واحدا على ان الفرد يكون ملازما مع الخصوصيات فإذا استعمل الطبيعي فيه يجب ان يكون بنحو من المجاز ولا علاقة مجوزة بين الطبيعي والشخص فان الخصوصيات تنافي الطبيعي بما هو هو والجواب عن الاتحاد ما مر.

__________________

(١) لا يخفى على هذا لا يكون لنا حاك ومحكي وفان ومفني حتى يقال استعمل اللفظ في شخصه ويحتاج إلى محكي هو شخصه فيكون من اتحاد الدال والمدلول بل يكون النّظر إلى اللفظ هنا استقلالا ويكون إيجاده موجبا لوجوده ووجود كل شيء حاك عنه شيئيته فانه مثل ذات الخمر الّذي يؤتى به ويجعل موضوعا وهذا النحو من الاستعمال دارج في العرف ولا تكون الدارجية وكونه مثل ساير الاستعمالات متوقفة على كونه حاكيا فتدبر.

٤٨

واما الجواب عن الشق الثاني من الإشكال فهو ان المستعمل فيه في جميع الطبائع يكون هو الشخص والسنخية بين الطبيعي والفرد موجودة فيقال في المقام بعبارة واضحة حيث كان هذا فردا من الطبيعي يكون إشكال اتحاد الدال والمدلول مرتفعا ومن حيث ان الطبيعي لا زال يستعمل في الفرد واستعمال الشيء في فرده يكون بينهما كمال المناسبة يندفع إشكال عدم السنخية.

فتحصل ان الآخوند وشيخنا العراقي ومن تبعهما حيث رأوا ورود الإشكالات قالوا في ذلك أيضا بان نحو استعماله غير ساير الاستعمالات.

بقي إشكال آخر في المقام وهو ان الشخص إذا ضرب يده على شيء وجاء بمصداق الضرب ثم قال فعل ماض لا يصح لعدم الربط بين المحمول والموضوع فأي فرق بين ان يقول ضرب فعل ماض بعد فرض عدم مدلول له وان يضرب ويقول فعل ماض.

والجواب عنه بين الضرب الخارجي والمحمول لا يكون مناسبة بخلاف ما إذا أتى باللفظ فانه تشكل منه نسبة بين الموضوع والمحمول في لسان أهل المحاورة.

واما استعمال اللفظ في مثله فهو ان يراد غير هذا اللفظ الصادر عن اللافظ كأن يقال ضرب فعل ماض ولم يردان نفس هذا اللفظ بل أريد ان أمثاله فعل ماض.

واما ثمرة البحث في استعمال اللفظ في اللفظ

تظهر في الصلاة فانها مركبة عن افعال وأقوال والأقوال على ثلاثة أقسام.

منها ما يكون إنشاء اللفظ بأي طور كان مثل القنوت فانه لا يعتبر فيه عبارة خاصة مأثورة بل يكفى كل عبارة فيه.

ومنها ما يكون مثل تسبيحات الأربع ويكون إنشائه بعبارة مخصوصة ومنها ما يكون مثل إياك نعبد وإياك نستعين واشهد ان لا إله إلّا الله وحده لا شريك له الّذي يكون بعبارة المتكلم فانه يجب قراءة القرآن في الصلاة والآن نحن في مقام ان القرآن ما هو؟

٤٩

فعلى التحقيق من اعتبار استعمال للفظ في مثله يكون هذا اللفظ الصادر مثل إياك نعبد فانيا (١) في اللفظ الصادر عن جبرئيل فان القرآن هو لفظه ولا يكون إنشاء المعنى بهذا اللفظ من عند النّفس قرآنا فلو أردنا معنى إياك نعبد وصدر عنا هذه العبارة ما قرأنا القرآن ومن لم يفهم معنى استعمال اللفظ في مثله قال في أمثال هذا ان إنشاء اللفظ بعد إرادة المعنى فقط لا إشكال فيه ولا يلزم الفناء في لفظ جبرئيل.

في عدم دخل الإرادة في الموضوع له

الحق عدم دخل الإرادة بأي نحو منها في وضع الألفاظ للمعاني بل اللفظ موضوع لذات المعنى من غير دخالة شيء فيه فان الإرادة على ثلاثة أقسام لا يعتبر في الوضع شيء منه.

الأول الإرادة الجدية وهو ان يريد اللافظ معنى اللفظ بماله من الواقع والإرادة.

التفهيمية مثل استعمال العام عند إرادة مجيء القرينة المنفصلة فانه بإلقاء

__________________

(١) في أمثال المقام لا يكون لنا حاكيا ومحكيا حتى يكون اللفظ الصادر عنا حاكيا وما صدر عن جبرئيل محكيا ضرورة ان مثل الشيء لا يكون فانيا فيه بل يكون فرد مثله ويتعلق النّظر بإيراده بعبارة مخصوصة مستقلا ويكون هذا امرا قصديا فانا إذا قصدنا بعبارة إياك نعبد ما صدر عن جبرئيل يصير قرآنا كما ان الأدعية أيضا كذلك مثل ما في دعاء الكميل إلهي وربي من لي غيرك أسأله كشف ضري فانه يصير من دعاء الكميل إذا قصدت به ما صدر عن علي عليه‌السلام ولا إشكال في قصد المعنى عن العبارة بعد القصد.

لا أقول إنشاء المعنى بقصد القرآن قرآن بل إنشائه وقصده بعبارة مخصوصة مقيدا بها يكون قرآنا فلا يكفى في مقام إياك نعبد انما نعبد إياك ولو فهم المعنى منه أيضا ولا يكفى قول القائل إياك نعبد من غير قصد القرآن والحاصل قصد المعنى لا يضر بالقرآن بل هو الموجب للخضوع والخشوع.

٥٠

اللفظ لا يكون له جد للمعنى بنحو العموم ولكن يريد استعمال اللفظ للتفهيم والإرادة الاستعمالية دون التفهيمية مثل العام المتصل بالمخصص فانه من حيث اتصال المخصص ما أراد المتكلم افهام المخاطب العمومية ولا يريدهما جدا بنحو العموم ولكن يريد استعماله فقط(١).

دليلنا على ان الألفاظ موضوعة على ذات المعاني هو التبادر فان اللافظ لا يرى غير المعنى حين يتكلم وجدانا ولذا لو لفظ بها النائم والساهي أيضا تفيد المعنى واما غيرنا فيمكن ان يتصور وجوها في المقام من كون الإرادة قيدا بحيث يكون التقيد داخلا والقيد خارجا أو يكون المعنى مقرونا بالإرادة على نحو الحينية لا المشروطة أو يكون القيد والمقيد خارجا ولكن الإرادة تكون من خصوصيات الاستعمال وفي جميع الاحتمالات تارة نتكلم في مقام الإثبات وأخرى في مقام الثبوت اما صورة كونها قيدا للمعنى فيرد عليه إشكالات :

منها انها أي القيدية يلزم منها الدور لأن الإرادة من خصوصيات الاستعمال فان اللفظ قبله حيث لم يصدر عن المتكلم لا يتعلق به إرادة وما يستعمل فيه اللفظ يجب ان يكون موجودا قبل الاستعمال فإذا كان هو أيضا متوقفا على الاستعمال يلزم تقدم الشيء على نفسه.

الثاني يلزم التجريد في الحمل فان الإرادة لو كانت دخيلة يلزم القائل إذا قال زيد قائم أن يجرد القيام عن الإرادة ضرورة انها لا تكون محمولة على زيد بل نفس القيام والوجدان بخلافه فانه بدون عناية التجريد يحمل عليه.

__________________

(١) بقي انفكاك الإرادة الجدية عن الاستعمالية بان تكون هي لا غير وهي لعدم إمكانها عند من يستعمل اللفظ لم يتعرض لها فانه لا يمكن ان تكون الإرادة الجدية بدون استعمال الدال عليها فان الكلام في استعمال اللفظ وإلّا فالإرادة الجدية ربما تكون في نفس المتكلم ولا استعمال لمانع.

٥١

الثالث انه يلزم منه الوضع (١) العام للموضوع له الخاصّ ضرورة ان الواضع يرى المعنى بدون لحاظ خصوصية الإرادة ثم يضع اللفظ للخاص وهو المعنى مع الإرادة وقد مر عدم وجود وضع العام للموضوع له الخاصّ حتى في الحروف فان الوضع في المقام عام وكذلك الموضوع له ولا يكون وضع عام للموضوع له الخاصّ فلا يمكن تعقل هذا القسم.

واما إذا قلنا بان الخصوصية من قبل الاستعمال كما عليه الآخوند كما مر منه في وضع الحروف فلا يرد عليه الإشكالات الثلث لأنه لا يرى دخالة الإرادة في المعنى أصلا بل يرى خارجا منه.

واما الإثبات فقد ادعى المحقق الخراسانيّ (قده) بان وضع الألفاظ يكون لإفادة المعنى فالإرادة الجدية دخيلة في كل لفظ استعمل وثمرته (٢) انا لا نحتاج في إثبات إطلاق اللفظ إلى قرينة خارجة عن ذاته بل الظاهر من استعمال كل لفظ هو ان كل ما يمكن ان يكون معناه يكون داخلا تحته بأصالة الحقيقة فان المطلق حقيقة في الشمول على الطبيعة والتقييد خلاف الحقيقة.

__________________

(١) لزوم ذلك يكون على فرض كون الوضع للخاص واما الفرض فليس كذلك بل يرى القيد والمقيد ويضع اللفظ لهما فيكون اما بالوضع الخاصّ والموضوع له كذلك أو الوضع العام والموضوع له العام إذا كان المعنى مما له العمومية ضرورة انه لم ير ذات المعنى ثم يضع اللفظ له مع الخصوصية ولو كان فعلى مبنى القائل بالوضع العام والموضوع له الخاصّ غير مشكل وان كان المبنى خلاف التحقيق والحاصل ان الغرض يكون في صورة ان يرى الإرادة جزء المعنى ثم يضع اللفظ له لا ان يكون من خصوصيات الاستعمال أو الحينية.

(٢) لا يخفى بيان الثمرة قد كرر في هذه الصفحات المتلوة ثلاث مراتب استطرادا هنا وما بعده واستقلالا في آخر الفصل.

٥٢

وفيه (١) ان أصالة الحقيقة أيضا تكون من الأصول العقلائية ونحتمل عدم مراعاة اللافظ مقتضاها واستعمل اللفظ مجازا فإحراز كونه بصدد مقام بيان تمام المراد من اللفظ يجب ان يكون بدليل آخر فنحتاج لإثباته إلى التبادر لإثبات عدم دخل شيء فيه فلا يكون كلام الآخوند (قده) أيضا تاما إثباتا.

في ثمرة دخل الإرادة في الوضع وعدمه

واما ثمرة البحث عن ان الإرادة هل تكون جزءا للمعنى أم لا تظهر في الوضع فان كانت جزءا فاللفظ بنفسه يدل على كون دلالته بالوضع على المعنى جديا فلا نحتاج إلى إثبات الإرادة أيضا بمقدمات أخر حافة بالكلام واما إذا لم تكن جزءا فحيث يكون اللفظ موضوعا لذات المعنى فنفسه يدل على المعنى وبمئونة زائدة تثبت ان المراد بالمعنى هو الذات وان الإرادة الجدية في النّفس موجودة لظاهر حال المتكلم وبناء العقلاء على إيراد الكلام عن إرادة جدية.

__________________

(١) هذا الإشكال غير وارد لأنه على فرض كون الإرادة الجدية جزء المعنى التي تترتب عليها هذه الثمرة دون الاستعمالية والتفهيمية لا تكون بعد في صدد بيان المعنى بأصالة الحقيقة فان المقام مقام جريان أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدية وحيث كان من خصوصيات هذا المعنى انه إذا لم تكن الإرادة الجدية معه انه لم يكن شيء أصلا فتكون الإرادة مقومة للمعنى لا شبهة في انه إذا صدر الكلام لا بد ان تكون الإرادة الجدية معه وإلا فأي شيء ذلك المعنى؟ مثلا إذا كان معنى الإنسان الحيوان الناطق فإذا لم يرد المتكلم الناطق فأي شيء يريد.

فان قلت : يمكن ان يريد المعنى المجازي نقول بالفرق في المقام وهو انه إذا لم يرد المتكلم الناطق يمكنه إرادة الحيوان مثلا مجازا.

واما المعنى الّذي تكون الإرادة جزءا له فاما ان يراد فهو واما ان لا يريد المتكلم شيئا فأين المعنى ولكن الّذي يسهل الخطب هو عدم تصور كون الإرادة جزءا للمعنى ولذا يكون تصور ما نقول أيضا مشوبا بالصعوبة.

٥٣

والجواب عنه هو ان هذا متصور في صورة كون اللفظ حاكيا عن الوجود الواقعي للإرادة في النّفس واما إذا كان كاشفا فقط فلا يفهم ان الإرادة موجودة واقعا أم لا فان الواقع وخياله يكون بينهما فرق واضح فربما نتخيل ان ما في الدار حية فيظهر انه كان في الواقع صديقا وهكذا ولا فرق بين كون الإرادة جزءا للمعنى أو لم تكن من هذه الجهة فان الدلالة تابعة للوضع لا انه تابع لها فيجب ان تثبت الإرادة بوضع آخر وهو غير موجود في اللفظ وإثباته يكون بالمقدمات لا محالة في كل الموارد.

ثم ان هنا كلاما عن الشيخ أبي على سينا والخواجة في منطق الإشارات وعن العلامة في جوهر النضيد (وهو شرح تجريد الخواجة عن العلامة) وهو ان الدلالة الوضعيّة تابعة للإرادة ففي (١) باب المفرد والمركب وان الثاني هل يكون لجزء لفظه دلالة على

__________________

(١) منطق الإشارات الطبع الجديد ج ١ ص ٣٢ والظاهر من عبارتهم ما لا ربط له بما ذكر في المقام.

ضرورة ان كون الدلالة تابعة للإرادة غير البحث عن الإرادة الجدية جزء المعنى أم لا بحيث ان الواضع إذا وضع يكون وضعه اللفظ بإزاء المعنى مع الإرادة الجدية مثل لفظ الإنسان على الحيوان الناطق مع الإرادة.

بل الّذي يكون في المقام هو ان قانون الوضع يقتضى ان يكون حد المعنى تحت إرادة الواضع سعة وضيقا فان إرادة الواضع من لفظ عبد الله المعنى العلمي يصير علما وان أراد المعنى الإضافي يكون للعبد معنى وللآلة معنى آخر فدلالة هذا اللفظ على المعنى الأول تابعة لإرادته ودلالته على المعنى الثاني أيضا كذلك والمتلفظ الذي جرى على قانون الوضع ان أراد المعنى الأول فهو وان أراد الثاني أيضا فهو المتبع وكذلك بقية المعاني التي وضع لها اللفظ فلو لم يرد الواضع من لفظ عبد الله معنى ولم يرد المتكلم أيضا لعدم إرادة الواضع فكيف يمكن ان يقال هذا اللفظ دال على هذا المعنى فانه لا يكون نسبة اللفظ والمعنى ذاتية حتى يقال في أي مقام كان يدل على المعنى سواء أراد الواضع أو لم يرد وكذلك المتلفظ أراد أو لم يرد وهذا هو المراد من كلام المحقق الخراسانيّ (قده) من قوله تكون التبعية في الدلالة التصديقية أي التصديق بان هذا مراد اللافظ فانه يجب إحرازه بقرينة كما قال (قده) اما ـ

٥٤

جزء معناه أم لا ما لفظه (لأن دلالة اللفظ لما كانت وضعية كانت متعلقة بإرادة المتلفظ الجارية على قانون الوضع فما يتلفظ به ويراد به معنى ما ويفهم عنه ذلك المعنى يقال انه دال على ذلك المعنى وما سوى ذلك المعنى فمما لا يتعلق به إرادة المتلفظ وان كان ذلك المعنى أو جزء منه بحسب تلك اللغة أو لغة أخرى أو بإرادة أخرى يصلح لأن يدل به عليه. انتهى).

واما عبارة العلامة في جوهر النضيد ان اللفظ لا يدل على معناه بذاته بل باعتبار الإرادة.

وقد تصدى لشرح العبارة المحقق الخراسانيّ ويخالفه الفصول في المعنى فقال (قده) ما حاصله ان الوضع في الدلالة التصورية غير تابع للإرادة ولكن في الدلالة التصديقية تابع لها أي التصديق بان المعنى مراد للافظها يتبع إرادته منه ويتفرع عليه تبعية مقام الإثبات للثبوت ولذا لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة واما الدلالة التصورية فهي غير محتاجة إلى ما ذكر بل تكون حتى لو صدر اللفظ عن النائم والساهي.

والجواب عنه هو ان كلامه من أصله باطل أو لا ولا ينطبق على المقام ثانيا لعدم

__________________

ـ قوله عدم كونه تابعا للإرادة في التصورية كما صدر عن النائم والساهي فانه يدل اللفظ على المعنى لكن لا على الوجه الذي يمكن ان يقال هذا مراد فيترتب عليه الآثار وهذه الدلالة أيضا يكون في الواقع لمسبوقية السامع بالوضع وإرادة الواضع فانها في أصل فهم المعنى تابعة لإرادة الواضع واما إرادة اللافظ فلا للقرينة على خلافها وهو النوم أو السهو ومن هنا ظهر وجه كلام النهاوندي (قده) واما ما يذكره الأستاذ (مد ظله) من عدم إحراز الواقع بالكاشف فهو مما لا يكون الكلام فيه على ما فهمناه.

والحاصل تبعية الدلالة للإرادة كلام وجزئية الإرادة الجدية كلام آخر وما عن العلمين غير الثاني وهما أجل شأنا من ان يتكلما بان الإرادة الجدية جزء المعنى ويترتبوا عليه ثمرته والشاهد على ما نقول هو انهم جروا البحث في المركبات التي دلالتها على المعنى التركيبي والعلمي ليست على حد سواء. فتدبر.

٥٥

تبعية الدلالة التصديقية للإرادة فانها في أفق النّفس ربما يكون لها واقع وربما لا يكون مثل من يزعم أن في الدار أسدا ولم يكن فيه الأسد ويصدق بان في الدار أسدا فلا يكون الدلالة التصديقية تابعة للإرادة الواقعية واما عدم التطبيق على المقام فلان المراد بالدلالة فيه هو التصورية فان الواضع يتصور المعنى أو لا ثم يضع له اللفظ فانظر إلى ما ذكرنا من عبارة الخواجة والعلامة فان مرادهما الدلالة التصورية لا التصديقية وقد وجه كلام العلمين (الشيخ أبي على سينا والخواجة) العلامة الحلي قده (١).

بما حاصله يرجع إلى بيان ثمرة البحث عن ان الإرادة جزء أم لا فعلى فرض كونها جزءا يدل اللفظ عليها بالوضع وعلى فرض عدم كونها جزءا يدل عليها بضميمة بناء العقلاء.

والجواب عنه ما مر من انه لا ملازمة بين الواقع والدلالة فربما يكون الدال مطابقا مع المدلول وربما لا يكون مطابقا فلا يكون كلامه (قده) صحيحا ولكن من جهة بيان المقام لا يكون كلامه اشتباها فانه لم يتعد عن ان المراد هو الدلالة التصورية لا التصديقية كما فهمناه.

ثم ان المحقق النهاوندي قال في المقام بان الواضع تعهد عند الوضع ان يكون هذا اللفظ مفيدا للمعنى إذا اراده المتكلم واما إذا لم يرد المتكلم هذا المعنى فلا يفيد فان أراد من لفظ الله معناه فيفيده واما إذا قيل عبد الله ولم يرده بشخصه لا يكون

__________________

(١) عبارة العلامة في جوهر النضيد ص ٧ قال العلامة وهاهنا بحثان : أحدهما ان المفرد قد يكون لبعض اجزائه دلالة لا من حيث انه جزء من اللفظ المستعمل بل من حيثية أخرى ولقصد مغاير فانه من حيث هو جزء من هذا اللفظ لا يراد منه شيء أصلا وانتفاء الإرادة يستلزم انتفاء الدلالة لأنها تابعة إذا الألفاظ انما يدل بحسب الإرادة والقصد لا لذواتها ومثاله ان عبد الله وأمثاله قد يكون علما فيكون مفردا وقد يكون نعتا فيكون مركبا وأخطاء من جعله غير مفرد حالكونه علما لما تقدم وثانيهما إلخ.

انتهى موضع الحاجة من عبارته قده

٥٦

مفيدا للمعنى ولا يكون دالا عليه.

وفيه لا وقع لتعهد الواضع بعد كون اللفظ مرآتا لذات المعنى سواء اراده أم لا.

سلمنا تعهده ولكن مع ضميمة التعهد أيضا إذا جيء باللفظ لا يدل على ان واقع الإرادة موجودة في كل مقام استعمل اللفظ بل يكون طريقا من الطرق وكاشفا فربما يخطأ وربما يصيب فالدلالة تابعة للإذعان بالإرادة لا بها نفسها فتحصل من جميع ما ذكر عدم تبعية الدلالة للإرادة واقعا.

ثم الثمرة لهذا البحث تظهر في صورة ورود رواية مجملة ووجود ما يحتمل القرينية وإرادة المجاز فعلى ما هو التحقيق لا يمكن التمسك بأصالة الحقيقة لأن الإرادة لا تكون جزء الوضع واما على مسلك المخالف فحيث تكون جزءا فأصالة الحقيقة تحكم بان المراد هو الواقع لا المعنى المجازي واما في صورة ظهور الرواية وعدم الإجمال فلا فرق بين المسلكين لوجود الكاشف على ما هو التحقيق أو وجود ما هو دليل الواقع على مسلك المخالف فان الظهورات متبعة وببناء العقلاء تكشف الإرادة الجدية.

في وضع المركبات

قد اختلف في ان وضع المركبات هل كان هو وضع المفردات مطلقا أو يكون لها وضع على حدة مطلقا أو التفصيل بين الجملة الفعلية والاسمية بالقول بالوضع في الثانية دون الأولى أو (١) وجه رابع وهو ان الوضع تعلق في المركبات بمجموع المادة والهيئة.

__________________

(١) أقول الحق ان اجزاء القضية من الموضوع والمحمول والدال على النسبة بأي وضع جعل مقارنا يفهم المعنى بمعنى انه إذا جعل لفظ زيد لذات وهو الموضوع ولفظ قائم لوصف من من الأوصاف ولفظ است مثلا بالفارسية للكاشفية عن ربط ما ولا نحتاج في تشكيل الجملة إلى وضع جديد بل نرتب بأي ترتيب ونفهم معنى الجملة مثل ان يقال زيد قائم است أو يقال ـ

٥٧

لا شبهة ولا ريب بعد مراجعة الوجدان ان المشتقات تكون موضوعة لربط ذات ما بوصف ما فان الضارب وضع لربط الضرب بالذات ولكن لا تكون الذات معينة ونحتاج في الهيئة الكلامية إلى ان تصير الذات مشخصة ولا ريب ان النسبة الناقصة لا تغني مثل قولنا زيد القائم لأنه لا يتشكل منه جملة فيحتاج إلى هيئة تامة مثل ان نقول زيد قائم أو قام زيد فانه من الضروري ان الدلالة التصورية في هذا لا تفيد الربط مثلا لفظة زيد تحكى عن ذات ولفظة القيام عن صفة ما واما ربط هذه الصفة بتلك الذات محتاج إلى جعل على حدة ثم انه قد فصل بعضهم بين كون الجملة اسمية أو فعليه فقال بعدم احتياج الهيئة إلى جعل آخر سوى جعل المفردات في الثانية والدليل عليه هو انه إذا قلنا ضرب مثلا لما كان دالا على الصدور في زمان ماض وهو يحتاج إلى فاعل هو الذات فإذا ضم إليه ذات وجعلت بعده يكون ربطه بها من غير مئونة بخلاف قولنا زيد قائم فانه لا يفهم من الاسم الاحتياج إلى الذات فلا محالة يجب ان تجعل الهيئة للربط.

والجواب عنه هو انه لا فرق في ذلك بينهما فان قولنا قائم أيضا يكون مما يحتاج إلى ذات تكون حاملة للقيام فلو لم يكن محتاجا إلى الهيئة فالفعل لا يحتاج إليه وان احتاج فهو أيضا كذلك.

__________________

ـ قائم زيد است أو يقال زيد است قائم فلا شبهة في ان هذا الترتيب يفهم اتصاف زيد بالقيام نعم لما كان بعض الأنحاء م التركيب يفيد الحصر اما حصر الموصوف بالصفة أو حصر الصفة بالموصوف وبعض أنحاء التركيب لا يفيده مثل تركيب زيد قائم است ويحتاج فهم ذلك إلى بناء من الواضع توهم المتوهم ان الجملة تحتاج إلى وضع جديد والأستاذ مد ظله اعترف بان الجملة من هذا الوجه تحتاج إلى وضع حديد ويريد أن يقول انها وراء ذلك أيضا تحتاج إلى وضع وهو خفي علينا فان الكلام في انه إذا وضع الموضوع الشخصي والمحمول والنسبة هل تحتاج إلى شيء آخر في صيرورة الكلام جملة أم لا واما مثل زيد قائم الذي لم يكن لنسبته كاشف لفظي ان كان لها كاشف غير اللفظ فهو جملة وإلّا فلا ولو قلنا بان الدال عليها هو الحركة بقولنا زيد قائم بالضم لا زيد قائم بالجزم ولا يخفى انه لا ثمرة لهذا البحث فقهيا.

٥٨

على انه يلزم من القول بان الفعلية لا وضع لها بالنسبة إلى الهيئة اختصاص الفعل بما ذكر بعده فقط فإذا قلنا قام زيد يكون لفظ قام موضوعا لزيد فقط وان لا يمكن استعماله في عمرو.

واما القول بان للهيئة وضعا على حدة وللمادة وضع كذلك وللمجموع أيضا وضع آخر فهو مما لا وجه له لأنه إذا كان للمادة وضع وللهيئة وضع آخر فأي احتياج في القول بان للمجموع أيضا وضعا فان ذلك لغو.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) زاد في الكفاية بعد قوله بعدم الوضع للمركبات غير وضع المفردات ان هذا الكلام باطل لاستلزامه الدلالة على المعنى تارة بملاحظة وضع نفسها وأخرى بملاحظة وضع مفرداتها وتعدد الدال على مدلول واحد لغو.

وفيه ان للهيئة وضعا آخر غير وضع المفردات فكما ان الدال متعدد فالمدلول متعدد ولا نقول ان الواضع حين وضع الهيئة يضع المفرد أيضا بل حين وضعها لا تكون العناية إلى مفرداتها ولا يكون مسلكنا مسلك من يقول بان للمجموع أيضا وضعا.

وان كان اشكاله (قده) من جهة انه لا يكون للنفس ان يكون لها تعدد اللحاظ فهو أعظم شأنا من هذا الكلام فان النّفس من صقع ربوبي ولها عنايات كثيرة.

ثم ان في كلماتهم ان للمادة وضعا شخصيا واحدا وللهيئة وضع قانوني فانه إذا قلنا زيد ضارب فان مادة الضرب يكون وضعها شخصية واما الضارب فهو على هيئة فاعل فهو وكل ما شابهه يفيد الصدور ولا يخفى انه سيجيء البحث عن ذلك في المشتقات وفي المقام يكون البحث فيه اطراديا.

وفيه انه لا فرق بين الهيئة والمادة فانها أيضا تكون في ضمن الهيئة فلو كان الوضع قانونيا ففيهما ولو كان جامدا ففيهما أيضا.

تتمة

في ان دلالة اللفظ على المعنى فيما إذا كانت القضية كاذبة على أي نحو هي فان صاحب الفصول (قده) أشكل في المقام بعد فرض ان الألفاظ كواشف المعاني

٥٩

بان القضايا الكاذبة حيث لا واقع لها فكشف اللفظ عن المعنى غير صحيح فلا بد أن يقال بان دلالتها على المعنى تكون على نحو المجاز ولكن التحقيق خلاف ذلك فان اللفظ موضوع للمعنى من حيث هو هو لا من حيث وجود مطابقة في الخارج ولا من حيث عدمه وطبيعي المعنى تارة يكون زعميا وأخرى واقعيا ففي القضايا الصادقة إذا قال القائل زيد قام يكون مطابق هذه الجملة كون زيد في الخارج متصفا بالقيام واما في صورة عدم الخارج فالقائل يفرض في نفسه ان يكون لهذا اللفظ معنى ولو بزعمه ويستعمله في الواقع الزعمي ففي كلا المقامين يكون اللفظ كاشفا عن المعنى ولا يكون استعماله مجازا.

فصل في علائم الوضع

علائم الوضع الحقيقي ثلاث : التبادر والاطراد وعدم صحة السلب وعلائم المجاز خلاف ذلك أي عدم التبادر والاطراد وصحة السلب والذي ينبغي ان يبحث عنه في المقام هو تنقيح موضع النزاع فنقول مقدمة له ان دلالة الألفاظ على المعاني اما تكون بملاحظة أصالة الحقيقة تعبدا كما عليه القدماء أو يكون المدار على الظهور وهو على قسمين : الظهور الصادر والظهور الواصل فان المدار في الأول هو كشف دلالة اللفظ على المعنى في زمن الأئمة عليهم‌السلام إذا صدر عنهم كلام ولو كان المدار على الثاني فيكفى ظهور اللفظ في المعنى في زمن الوصول مثل لفظ كره فان الدارج في زماننا هو الكراهة المصطلحة ولكن في زمانهم لا نكشف انه لأي معنى كان مثلا وطريق كشف الظهور الصادر على فرض كون المدار عليه أصالة عدم النقل وأصالة عدم القرينة وأصالة الحقيقة عند الشك في النقل والمجاز.

فإذا عرفت ما ذكرناه ففي المقام أي مقام ذكر علائم الوضع ان كان اللفظ له معنى حقيقي ولكن يكون الشبهة في التطبيق فلا مقام لبحث العلائم فان أصالة الحقيقة يكفى للتطبيق مثاله لفظ كره مثلا فلو كان معناه واضحا وتكون الشبهة في التطبيق

٦٠