مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

حين كون الماء في الآنية الغصبية لا ملاك له حتى يقال بأنه يزاحم حرمة الغصب ضرورة ان الوجدان الأعم من العقلي والشرعي شرط لوجوبه وهو مفقود اما على فرض كون ـ المقابلة في الآية بين الوضوء والتيمم قاضية بالشرطية شرعا كما في التيمم فواضح من جهة دخله في الملاك واما على فرض كون الوجدان المفهوم من الآية إرشادا إلى حكم العقل فلا ملاك أيضا لأن احتمال الدخل الشرعي يكفى لعدم الملاك له بدون الشرط.

والجواب عنه هو ان المقابلة بين الصدر والذيل في الآية ممنوعة ولا يكون شرط الوضوء الوجدان بل هو شرط عقلي فلا يكون دخيلا في الملاك فاحتمال الإرشاد ممنوع بل يتعين غيره على ان الوضوء في المقام ولو لم يكن عليه الأمر ولكن من الأمر في ساير الموارد استكشفنا ملاكه فاما بإطلاق المادة على المشهور أو بإطلاق الهيئة على المنصور (١) نقول بوجود الملاك الفعلي له فيكون الباب باب التزاحم على ان القدرة تحصل بالتدريج إذا أخذ الماء غرفة غرفة والكلام في هذا الفرض لا فرض كون الوضوء بالارتماس فانه يصير الوضوء عين التصرف في مال الغير واما القول ، بأنه إذا كان بقصد التخلص عن الغصب يصح الوضوء لا وجه له لأن القصد لا يقلب التصرف المحرم محللا واما التمسك بقاعدة الناس مسلطون على أموالهم بتقريب ان يقال ان الماء ملكه فله التصرف فيه ففيه أولا انه معارض بالناس لصاحب الآنية وثانيا ان مفاد القاعدة حيثي بمعنى انه لا يكون للشخص التصرف في ماله بحيث يوجب الضرر على الغير وعلى فرض العمومية أيضا فقاعدة لا ضرر تزاحمها فلا وجه للتمسك بتلك القاعدة فالطريق الوحيد هو الترتب.

__________________

(١) أقول مر الإشكال في إطلاق المادة وفي بقاء الدلالة الالتزامية بعد سقوط الدلالة المطابقية وعدم الكاشف للملاك بقاء يكفى لعدم العلم به.

٣٦١

التنبيه الرابع

في انه هل يكون قاعدة الترتب جارية في صورة كون الفردين طوليين مثل دوران الأمر بين القيام في الركعة الأولى وبين القيام في الركعة الثانية في الصلاة أو تختص بصورة كون الفردين عرضيين مثل إنقاذ الغريقين فنقول تارة يكون القيام في الثانية مساويا للقيام في الأولى في الملاك ويبحث من حيث التخيير أو تقديم أحدهما وتارة يكون القيام في الثانية أهم فقال شيخنا النائيني (قده) في صورة التساوي بان المقدم هو القيام في الركعة الأولى ولا يمكن القول بوجوب حفظ القدرة للركعة الثانية لأن اللازم منه هو القول بالشرط المتأخر وفعلية وجوب الواجب المعلق وهو محال لأن (١) الأمر به في الأولى متوقف على الترتب بعصيان القيام في الثانية وحيث لا يكون العصيان متحققا فلا يكون المشروط به فعليا فوجوبه في الأولى غير فعلى لمحالية الشرط المتأخر.

__________________

(١) هذا ما تلقينا منه مد ظله عند الدرس وفي تقريرات النائيني (قده) أيضا كذلك تقريبا ولكن المقام لا يكون البحث في العصيان ويكون خارجا عن بحث الترتب كما لا يخفى بل العلامة النائيني (قده) يقول بان الخطاب فعلى بالنسبة إلى الأولى فهي أولى بالقيام ولا وجه لوجوب حفظ القدرة للثانية للتساوي وله مد ظله ان يقول بان التكليف فعلى فيكون مخيرا ولعله مراده أيضا في التقريرات والحق مع النائيني لعدم فعلية تكليف المعلق لأنه يرجع إلى المشروط.

واما بالنسبة إلى أصل الفرع فيكون البحث مجانيا لأن العلم بالقدرة كذلك لا يكون إلّا لمن يعلم الغيب أو من أعلمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام واما الناس فهم لا يعلمون ما يجيء وبناء العقلاء هو صرف القدرة فيما بأيديهم فان حصلت القدرة ثانية أيضا يصرفونها وربما يذهب ما في أيديهم من القدرة بعدم صرفها فبناؤهم على صرفها حين العمل وما سيجيء يكون امره بيد الله تعالى.

٣٦٢

وفيه ان المبنى فاسد لأن الشرط المتأخر غير محال والواجب المعلق يكون على حسب ما اخترناه وجوبه فعليا مضافا بان العقل يحكم بأنه يلزم حفظ غرض المولى وعدم جعله في ضيق الخناق ولذا نقول بأنه يحرم إهراق الماء قبل الوقت لأن لازمه جعل المولى في ضيق الخناق في الوقت ليأمر بالتيمم فيكون مخيرا في تقديم القيام في الأولى أو في الثانية.

واما على فرض كون القيام في الثانية أهم فانه (قده) وان كان قائلا بان التقديم مع ذلك ولكن لا بالترتب خلافا لما هو التحقيق من جريانه بيانه (قده) على ذلك هو ان عصيان الأهم شرط لفعلية تكليف المهم وهو غير متحقق عند خطاب المهم فان الترتب كان في صورة كون خطاب المهم وعصيان الأهم وامتثال المهم في آن واحد وفي المقام حيث لم يجئ أمد الخطاب الفعلي بالأهم الا على نحو الواجب المعلق أو الشرط المتأخر لا يكون عصيانه متصورا فما لم يتحقق لا يكون شرط الخطاب بالمهم موجودا فلا يصح الترتب فان عصيانه اما يكون بفعل المهم فيكون من تحصيل الحاصل بان يقال معناه ان أتيت بالمهم فأت بالمهم لأن إتيانه موجب لتحقق العصيان وهو موجب لوجود الأمر وبعد إتيانه يسقط الأمر لا انه يكون مأمورا به فيكون مثل باب اجتماع الأمر والنهي كالصلاة في الدار الغصبي والعمل الواحد كيف يمكن ان يكون مأمورا به ومنهيا عنه من جهة العصيان ومن جهة مصلحة نفس العمل فان الامتثال عين العصيان واما يكون بعمل آخر فلا قدرة له على الإتيان ح في الأولى أيضا والتكليف بغير المقدور محال.

وفيه أولا ان هذا الكلام منقوض بالصلاة والإزالة فإن العصيان في ذلك المقام لا يكون متحققا الا بعد إتيان المهم فكيف يصح الترتب عنده والتعقب بالشرط كاف ـ فكذلك المقام واما ادعاء عينية الامتثال والعصيان في المقام فهو ممنوع جدا لأن الفرد ـ الواحد لا يمكن ان يكون مصداقا لطبيعتين واما ترك حفظ القدرة فيمكن ان يكون بثالث(١) بان لا يصلى أصلا فلا ينحصر بالقيام في الأولى حتى يكون هو السبب الوحيد

__________________

(١) يكون الكلام في تصحيح القيام في الركعة الأولى ومن لم يصل يكون خارجا عن بحث الترتب لأنه عصى امر الأهم والمهم كليهما.

٣٦٣

لعدم القدرة في الثانية فمن لوازم القيام في الأولى هو ترك القيام في الثانية وعصيانه واما الحل فهو ان يقال ان المقام أيضا يكون مثل ساير الموارد في رفع إشكال الترتب بان يقال كما ان القدرة على إتيان العمل تحصل بنحو الشرط المتأخر كذلك القدرة على ـ القيام تحصل بنفس الدخول في الأولى قائما وكلما يأتي بجزء قائما تحصل القدرة لإتيان الجزء الآخر كذلك.

ثم انه (قده) قال بأنه من هنا ظهر عدم مجيء الترتب في باب اجتماع الأمر و ـ النهي أي من كون القيام في الأولى عين عصيان الأهم وهو القيام في الثانية لا من لوازمه ظهر ان إتيان الصلاة في الدار الغصبي الّذي هو عين الغصب لا يصلح بالترتب وفي هذا بحث وهو ان المبنى في باب اجتماع الأمر والنهي اما يكون هو تعدد الوجودين بنحو الانضمام في الجمع أو وحدتهما ومع الوحدة اما يكون تعدد العنوان كافيا لتعدد ـ المعنون وكونه من جهة مأمورا به ومن جهة منهيا عنه أولا وعلى التقادير فاما ان يقال بجواز الاجتماع في مقام الجعل والامتثال كليهما كما عليه القمي (قده) أو يقال بامتناعهما أو يفصل بين مقام الجعل والامتثال بالقول بالامتناع في مقام الامتثال دون الجعل.

فعلى فرض كونهما وجودين انضماميين فلا شبهة في جريان الترتب أصلا لأن متعلق النهي وجود ومتعلق الأمر وجود آخر مثل الصلاة والإزالة فمن ترك الأهم وهو حرمة التصرف في مال الغير وأتى بالمهم وهو الصلاة يكون صلاته صحيحة للأمر الترتبي ولكن الإشكال فيه من جهة أخرى وهو ان العمل الّذي يكون عبادة يجب ان يكون قابلا للتقرب به وهذا العمل حيث ان لازمه عصيان الأمر الأهم مما لا يتقرب به فلا تصح الصلاة فالإشكال في العبادات يكون من جهة عدم إمكان قصد التقرب لا من جهة عدم إمكانه.

فان قلت فأي فائدة في البحث في جريان الترتب وعدمه مع عدم الفائدة له في العباديات لعدم إمكان قصد التقرب ولو أمكن الترتب قلت في صورة الجهل بالحكم تظهر الثمرة

٣٦٤

فانه لو صح الترتب يكون للصلاة امر مع عدم العلم بالغصب لأن شرطية إباحة مكان المصلى قد فهمت من ضم الأمر والنهي لا من النهي المتعلق بالصلاة نفسها مثل لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه فالشرط لا يكون دخيلا في الواقع كالطهارة التي واقعها الشرط لا يقال في صورة الجهل بالموضوع يكون عدم فعلية النهي سببا لصحة الصلاة فمن جهل الغصبية يكون صلاته صحيحة من جهة عدم النهي لا من باب الترتب لأنا نقول ان الجهل بالحكم هو المراد كمن لا يعلم ان الصلاة في الدار الغصبية باطلة من جهة التقصير لا القصور فانه مع عصيان امر التعلم يكون عليه الأمر بالصلاة نعم لو احتمل الحرمة لا تصح الصلاة ولو أتى بها رجاء خلافا لشيخنا العراقي (قده) حيث قال بكفاية الرجاء لأن الواجب عليه الفحص.

واما على فرض وحدة الوجودين فالقائل بجواز الاجتماع أيضا يجب ان يقول بالبطلان من جهة عدم قصد التقرب واما على فرض كفاية تعدد العنوان ولو كان الوجود واحدا ففي الدورة السابقة قد قررنا الترتب ببيان ان خطاب المهم يكون على عنوانه عند عصيان خطاب الأهم الّذي كان على عنوانه وقد عدلنا عنه في هذه الدورة لأن الوجود حيث كان واحدا يكون المأمور به عين المنهي عنه فكيف يمكن إصلاحه بالترتب مع قطع النّظر عن عدم إمكان قصد التقرب وهذا ليس (١) إنكار المبنى القائل بتعدد العنوان لأن الخطابات حيث تكون على الماهية وصقعهما العقل لا الخارج أمكن ان يكون على العنوانين بل يكون الإشكال من جهة المنطبق في الخارج.

__________________

(١) وهذا يكون على فرض الامتناع في مقام الامتثال دون الجعل لا على الجواز مطلقا ولا يكون المراد بتعدد العنوان هذا بل هو ان يكون موجبا لتعدد المعنون في نظر العقلاء وان كان لا يصح على ان الماهية أيضا بلحاظ الوجود الخارجي تكون متعلقة للحكم لا بما هي في الذهن وهذا يرجع إلى الامتناع في مقام الجعل أيضا والكلام يكون في صورة جواز الاجتماع لا الامتناع.

٣٦٥

فان قلت يصح الترتب في صورة الجهل بالحكم كما مر بذلك البيان قلت حيث ان الوجود واحد لا يمكن الترتب في مقام الجهل أيضا لأن المأمور به هو المنهي عنه.

هذا كله على فرض جواز الاجتماع واما على فرض عدم جوازه فلو كان الباب باب التزاحم فيمكن القول بجريان الترتب بمملوية الملاك فيهما ولو لم يكن الأمر واما بناء على التعارض فحيث لا يكون الملاك تاما لا يصح الترتب لعدم كشف الملاك.

فتحصل انه على فرض جواز الاجتماع يكون الإشكال على صحة الصلاة هو عدم التقرب لا عدم الترتب في بعض الفروض وعلى الامتناع فعلى التزاحم يجري الترتب دون التعارض.

التنبيه الخامس

في ان الواجب إذا توقف على مقدمة محرمة فصارت محللة لأهميته فان عصى وترك الواجب فهل يكون النهي على المقدمة كذلك بالترتب أم لا فمن عصى من ان يدخل ـ الدار المغصوبة لإنقاذ الغريق فهل يكون النهي عن دخوله بالترتب أم لا بان يقال ان عصيت امر الإنقاذ فلا تغصب وقد مهد شيخنا النائيني (قده) لجريان الترتب هنا مقدمات.

الأولى ان ذا المقدمة إذا كان غير أهم لا يترشح منه الوجوب إلى المقدمة المحرمة مثلا إذا كان دخول الدار الغصبية لغير إنقاذ الغريق وأمثاله لا يترشح منه الوجوب على الدخول ليصير واجبا بعد كونه حراما فهو خارج عن محل البحث فيجب ان يكون ذو المقدمة أهم حتى يكون حفظ القدرة عليه واجبا فان قلت في صورة التساوي أي تساوى ملاك ذي ـ المقدمة مع ترك الدخول فاللازم هو القول بالتخيير لأن خطاب حفظ القدرة سالم عن ـ المعارض قلت انه في صورة التساوي حيث لا يكون قائلا بالواجب المعلق لا يقول بوجوب حفظ القدرة والتخيير بين الفعل والترك لا معنى له شرعا لأن اللازم منه على هذا هو ـ التخيير في دخول الدار الغصبية وعدم دخولها.

٣٦٦

أقول لا يكون (قده) (١) محتاجا إلى إنكار الواجب المعلق بل لو كان قائلا به أيضا يمكن الإشكال بما مر من انه لا معنى للتخيير بين الفعل والترك شرعا.

الثانية قد ظهر ان البحث في المقام يكون فيما كان الواجب حفظه أهم من ترك المقدمة المحرمة.

الثالثة ان المقدمة الواجبة قد مر في البحث عنها انها هي التي تكون موصلة إلى الواجب بمعنى الحينية لا بمعنى ان قصد الإيصال دخيل كما قال صاحب المعالم ولا بمعنى موصلة صاحب الفصول ولا ذات المقدمة فعلى هذا لو أتى بالمقدمة التي من شأنها الإيصال إلى الواجب فان قلنا بان الذات تكفي لكونها واجبة تكون الحرمة في صورة عدم إتيان ذي المقدمة من باب التجري واما لو قلنا بان قصد الإيصال دخيل في عنوان المقدمية فمع عدم القصد يكون حراما في ذاته غير واجب أصلا واما على فرض الحينية فتكون ـ المقدمة على فرض إتيان ذي المقدمة بعد عدم قصدها واجبة في الواقع وحرمتها تكون من جهة التجري.

والحاصل ان النائيني (قده) يكون من القائلين بان قصد التوصل غير لازم في ـ المقدمة بل الّذي يكون واجبا يكون ما هو في ظرف الإيصال ولكن في المقام قال بان ـ الإرادة أي إرادة ذي المقدمة دخيلة في الوجوب ونحن نحمل كلامه (قده) على ان مراده ان الإرادة توجب رفع التجري أيضا فتصير المقدمة واجبة محضة بخلاف عدم إرادة ذيها فانها واجبة في الواقع إذا وصلت إلى ذي المقدمة لا في الظاهر فانه يكون متجريا في قصده.

إذا عرفت ذلك فقال القائل بالترتب في المقام بوجود المقتضى وهو وجود النهي في المهم على تقدير عصيان الأهم وعدم مانعية ما يتصور مانعا فمن الموانع هو ان من

__________________

(١) أقول تكثير الأدلة لا إشكال فيه ولكن المقام لا يكون مقام البحث عن الواجب المعلق لأن التكليف بدخول الدار وعدمه يكون فعليا غير معلق على شيء لأن الفرض ان الدخول حرام بحرمة نفسية وواجب بعد فعلية وجوب ذي المقدمة فهو واجب مطلق.

٣٦٧

شرائط التكليف بالمهم عصيان الأهم وهو يكون في المقام كالشرط المتأخر وهو محال ومنها ان المقام يكون مقام اجتماع الأمر والنهي ولا يكون من باب تزاحم المصلحتين حتى يكون من باب التزاحم فأجاب أولا بان الشرط يكون هو التعقب بالعصيان لو كان مريدا لذيها بإتيانها فكما ان العقل يجمع بين الخطابين يحكم بان أحدهما في طول الآخر يكون صحيحا وثانيا بان اختلاف الرتبة يكفى في كون المقام من غير باب اجتماع الأمر والنهي ببيان ان الخطاب بالأهم يكون مقدما في الرتبة ثم بعد هذه الرتبة يكون العصيان أو الإطاعة متحققا ثم بعده يكون النهي متحققا فرتبة الحرمة متأخرة فلا اجتماع في ظرف واحد فيكون خطاب النهي عن دخول الدار الغصبي متأخرا عن ـ الخطاب بإنقاذ الغريق ولا يخفى (١) انه (قده) يكون قائلا بان المقدمة للواجب يكون لها وجوبان نفسي من الأمر المنبسط على الاجزاء والشرائط وغيري وهو القطعة من ـ الخطاب التي تكون عليها بعنوان ان الداعي إليها هو ذوها فحيث يكون الخطاب بإنقاذ الغريق نفس الخطاب بالمقدمة ضرورة احتياجه إليها يصير خطاب المقدمة نفسيا وخطاب النهي عن الدخول أيضا كذلك لكن في الرتبة المتأخرة فلا اجتماع في المقام فهذا المانع أيضا مندفع.

واما الإشكال باستحالة ان تكون المقدمة في رتبة ذيها فهو مندفع بان المراد هو الأمر النفسيّ الّذي يأتي على المقدمة من ذي المقدمة.

أقول بعد كون متعلق الأمر والنهي واحدا خارجيا لا يتصور تصحيح متعلق الأمر والنهي بالتعدد بالرتبة فان الدخول في الدار اما يكون واجبا أو حراما بعد اتحاد الزمان فلا يصح الترتب لهذا الإشكال على انه (قده) قال في بعض المقامات بالرتبة وفي البعض

__________________

(١) أقول لا دخل لإثبات الأمر النفسيّ في المقدمة حتى يصحح الرتبة بل حيث يكون للأمر المقدمي أيضا إطاعة وعصيان يأتي فيه الرتبة ولكن في وجود الأمرين للمقدمة بحث والحق عدم تعدد الأمر كما مر في موضعه وفي المقام لا تكفي الرتبة لرفع الإشكال كما عن الأستاذ مد ظله.

٣٦٨

الآخر بخلافها مثلا في صورة الإجارة على عمل له امر في نفسه قال باندكاك الأمر الإجاري في الأمر النفسيّ ولم يقل بالتعدد بواسطة الرتبة وفي المقام قال به والاختلاف في الكلام دليل على عدم تمامية المبنى.

ولكن التحقيق هو عدم جريان الترتب في المقام لأنه على فرض كون الواجب من المقدمات هو الموصلة أو الحينية ففي صورة عدم إتيان ذي المقدمة حيث لا يحصل شرط الوجوب لا وجه للقول بوجوبها بل تبقى على حرمتها الذاتيّة للغصب واما على فرض كون الواجب هو مطلق المقدمة سواء كانت موصلة أم لا تكون واجبة على أي حال ولا تكون محرمة واما الإشكال بأنه على فرض ترك ذي المقدمة فمعنى القول بالنهي عنها هو انه ان تركت الدخول في الدار فاترك الدخول على فرض ان غير الداخل يكون عاصيا بنفس العمل فهو مندفع بأنه يمكن ان يقال ان لم تكن مريدا لذي المقدمة ـ فاتركها لأنها غصب نعم الإشكال بان المقام يكون من باب اجتماع الأمر والنهي صحيح ولا يصلح بالرتبة لأن الواحد الشخصي لا ترتب فيه.

لا يقال كون الوجود واحدا في الامتثال لا يوجب الإشكال في مقام الجعل ولا يتهافت ببيان ان الإطلاق والتقييد في المقدمة تابع للإطلاق والتقييد في ذيها فإذا لم يكن الإطلاق فيه ممكنا لا يمكن فيها أيضا ففي المقام نقول لا شبهة في ان الإطاعة والعصيان متأخران عن الخطاب ولا تأتى الأمن قبله فلا يمكن ان يكون متوقفا عليه بلزوم تقدم الشيء على نفسه فلا يمكن ان يكون الخطاب مطلقا حتى يقال انه في ظرف العصيان أيضا موجود ويكون معنى ادخل الدار هو وجوب الدخول سواء أطاع أو عصى وكذا معنى ذي المقدمة وهو إنقاذ الغريق مثلا فإذا لم يمكن الإطلاق في الثاني لا يمكن في الأول أيضا لأنه تابع فعلى هذا لا يكون في ظرف العصيان خطاب بالمقدمة حتى يقال بأنه يجتمع مع النهي فيكون من باب اجتماع الأمر والنهي فعلى هذا يكون الخطاب بنحو المهملة لا المشروطة بالعصيان ولا المطلقة ولا الحينية فلا تهافت في الجعل فيمكن ان يجيء الترتب فيه فالذات واجبة وباعتبار الترتب تكون محرمة لأنا نقول ان المهملة محال فان الخطاب لا بد ان يكون على

٣٦٩

متعلق معلوم هذا أولا وثانيا لا يكون لنا الكبرى بأنه كلما لا يصح التقييد لا يصح الإطلاق لأن المراد بالإطلاق هو رفض القيود لا جمع القيود فلا يكون معنى عدم التقييد بالعصيان هو عدم الخطاب في حاله بل الإطلاق الذاتي بحاله وثالثا على فرض عدم إمكان تقييد ذي المقدمة لا نسلم عدم إمكان إطلاق المقدمة فانه يمكن التفكيك بينهما عقلا (١) واما التهافت في مقام الجعل أيضا فلان العنوانين غير أصليين بخلاف الغصب والصلاة ضرورة ان المقام ليس إلّا النهي عن الدخول باعتبار ذاته والأمر يكون بعنوان انه مقدمة للواجب.

هذا كله في المقدمة المتقدمة واما المقدمة المقارنة مثل ترك الإزالة التي هو مقدمة لفعل الصلاة فيأتي فيه الكلام كما مر فانه على فرض كون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده تكون الصلاة منهية عنها من جهة انها ضد الإزالة ومأمورة بها على فرض ترك الإزالة للترتب فاجتمع الأمر والنهي في فعل واحد فان الشرط الّذي هو العصيان يكون مقارنا لفعل الصلاة فعلى فرض القول بتعدد مركز النهي والأمر بالرتبة يمكن القول بالترتب وإلّا فلا.

ثم ان المحقق الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية (قده) قال بان اللازم من القول بالترتب هنا هو اجتماع الأمر والنهي في الأهم أيضا لأن ترك الإزالة حرام في ذاته وواجب لأنه مقدمة للصلاة الواجبة على فرض الترتب فاجتمع الأمر والنهي في ترك واحد وأجاب عنه شيخنا النائيني (قده) بان مقدمة الواجب المشروط غير لازمة التحصيل فان وجوب الصلاة مشروط بترك الإزالة فما دام لم تترك ما كان الشرط حاصلا فلا يكون الوجوب فعليا ليجب تحصيل مقدمته. هذا تمام الكلام في الترتب والحمد لله أولا وآخرا.

__________________

(١) أقول إذا كانت المقدمة مطلقة لا يسرى إطلاقها إلى ذيها واما إذا كان ذوها مطلقا فيسري إليها الإطلاق نعم يمكن ان لا يسرى قيده إليها لو كان مقيدا بان يكون الطلب بالنسبة إليه مقيدا وبالنسبة إلى المقدمة مطلقا لكن بدليل آخر لا نفس دليل ذيها.

٣٧٠

الفصل السادس في ان الأمر بالشيء مع علم الأمر بفقدان شرطه

هل يكون متصورا أم لا (١)

قد اختلف الكلام في ان هذا البحث يكون كلاميا أو أصوليا وكيف كان فلتوضيح المقام نقول ان الأحكام اما يكون على نحو القضايا الحقيقية أو الخارجية فان متعلق الأمر في الأولى يكون نفس الطبائع من دون تقدير الوجود على ما هو التحقيق أو على فرض الوجود على ما عليه شيخنا النائيني (قده) والثانية يكون المتعلق فيها هو الخارج مثل أكرم من في الصحن ثم المراد بالشرط في المقام اما يكون شرط الواجب أو الوجوب وعلى التقديرين اما يكون المراد شرط الإنشاء أو شرط الفعلية فعلى فرض كون البحث في الأحكام على نحو القضايا الحقيقة وكون المراد من الشرط شرط الوجوب والمراد بالحكم هو الحكم الإنشائي فلا شبهة في عدم تحقق الحكم لعدم وجود علته ومن المستحيل تحقق المعلول بدون تحقق العلة واما على فرض كون الشرط شرط الواجب والوجود الخارجي مثل الطهارة التي تكون شرطا للصلاة وساير المقدمات التي يتوقف عليها الواجب فلا إشكال في إمكان الأمر به مع فقدانه بل يكون عدمه شرطا نعم ما يكون انتفائه أبديا فالامر بمشروطه لغو وما كان الشرط له موجودا عند الأمر يصير كالواجب المعلق لا المشروط فان الوجود الاتفاقي يكون شرطا وهو حاصل هذا كله في صورة كون القضايا حقيقية واما في صورة كون الأحكام على نحو القضية الخارجية فلا شبهة ان علم الأمر بوجود الشرط شرط في الوجوب فان من أراد ان يأمر شخصا معينا بالذهاب إلى الحج في يوم معين يجب ان يعلم موجودية جميع الشروط له مثل الاستطاعة ليمكن البعث إليه واما إذا كان الشرط

__________________

(١) أقول هذا البحث ان كان المراد منه إثبات أثر فقهي فهو مفقود لأن الله تعالى وسفراءه إذا كان الكلام في أمرهم يعلمون ما هو شرط أمرهم واما البحث عنه بالنسبة إلى الموالي العرفية فهو غير مربوط بما نحن بصدده في الأصول.

٣٧١

شرط الواجب ففي الشروط العادية لا يجب علمه واما الشروط الغير العادية يجب ان يكون الأمر متوجها إليه فالبحث في انه هل يمكن ان يأمر الأمر مع فقدان الشرط يجب ان يحلل هكذا حتى يعلم ان مورد البحث أي شيء هو.

الفصل السابع في ان الأوامر تكون متعلقة بالطبائع لا بالأفراد

فنقول يجب في المقام التوجه إلى أمور توضيحا له الأول التوجه إلى الوجود والماهية والتحقيق على ما هو المحقق في الفلسفة ان الأصل في عالم الكون هو الوجود وان الماهيات كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ويكون صقعهما الذهن والوهم فقط والوجود هو منبع كل خير ولا خير غيره فهو الأصل لا غيره.

والثاني التوجه إلى ان البحث في المقام لا يكون لغويا بان يكون في انه هل الموضوع له في الطلب هو الطبيعة والماهية أو الوجود بل يكون فلسفيا يجب الدقة فيه ووزان هذا البحث يكون وزان الاختيار في الإنسان فانه من أعرف الأشياء وجدانا ومن أصعبها برهانا فكذلك في المقام يكون متعلق الطلب واضحا من حيث الوجدان وخفيا من حيث البرهان.

والثالث ان الغرض في المقام ان نتوجه إلى ان المصلحة التي صارت سببا للأمر أو المفسدة التي صارت سببا للنهي هل هي قائمة بالوجود أو بالماهية.

والرابع ان الطبيعة في المقام يكون لها مصداقان فان القائل إذا قال يجب الحج على المستطيع يكون فيه طبيعتان طبيعة المستطيع وطبيعة الحج ولا يكون الأولى محل البحث لأنه لا شبهة في ان الطبيعة يكون سببا لبسط الحكم على الأفراد وفي الواقع يكون المستطيع الخارجي والجنب الخارجي وغيره عليه حكم الحج والغسل وغيره ولا يأتي البحث في ان الأمر بأي شيء تعلق ففي الواقع تعلق بالافراد الخارجية بالعنوان العام وهو المستطيع والجنب كما انه قد يكون العنوان العام الإنسان الّذي له أفراد.

٣٧٢

وانما الكلام في الطبيعة الثانية أعني الحج فانه يكون وجوده الخارجي بإتيانه في الخارج ظرف سقوط التكليف وماهيته في الذهن بدون الوجود لا أثر لها ولا مصلحة فيها ولذا صار محل الإشكال وكذلك الصلاة والزكاة فلا تخلط كما يكون فيه الخلط في الكلمات فان الأولى خارجة عن محل البحث والثانية داخلة فيه والحاصل يكون البحث في متعلق فعل المكلف الّذي هو المأمور به.

والخامس يجب ان تعلم بعد جميع ما ذكر انه لا فرق بين الإيجاد والوجود إلا بالاعتبار وهو اعتبار نسبة الفعل إلى الخارج ونسبته إلى الفاعل فانه ينتزع الإيجاد إذا نسب إلى الفاعل والوجود إذا نسب إلى الخارج.

فإذا عرفت جميع ما ذكر فيقول المحقق الخراسانيّ (قده) بان البعث يكون بإيجاد الماهية الذهنية في الخارج لا الماهية فقط ولا الوجود الحاصل لما مر من عدم الفائدة في البعث كذلك من جهة محالية طلب الحاصل وعدم أثر للماهية لأنها من حيث هي ليست إلا هي والفطرة مساعدة معه وان كان إقامة البرهان مشكلة وفي مقابله القائل بان البعث لا يكون بالإيجاد بل بالماهية لكن لا في رتبة الذات لأنها فيها ليست إلا هي بل فيما دونها لغاية الإيجاد وفيه ان الماهية لا تكون مركز المصلحة بل المصلحة في الوجود فعلى هذا يكون تعلق الأمر بالماهية أو بالوجود باطلا لعدم المصلحة في الأولى ولزوم تحصيل الحاصل في الثاني.

فقال شيخنا العراقي (قده) بان الأمر تعلق بالطبائع الحاكية عن الخارج أي بلحاظ وجودها فيه لكن يجب ان يعلم ان الصورة من الشيء في الذهن تارة تكون موجودة فيه مع كون متعلقها في الخارج مثل الصورة التي تجيء في ذهن المعمار من الدار الموجود في الخارج فانها تكون مع جميع الخصوصيات وتارة يتصور في النّفس صورة دار ويريد إيجادها في الخارج بواسطة البناء وهذه الصورة لا تكون مع الخصوصيات التفصيلية متصورة بل بنحو من الإجمال.

فإذا عرفت ذلك فالأوامر المتعلقة بالطبائع من قبيل الثاني دون الأول فيتعلق

٣٧٣

الأمر بماهية الصلاة التي يراد إيجادها في الخارج لا الصلاة الموجودة هذا كلام الأستاذ (قده).

ولكن في الذهن شيء بعد مساعدة الفطرة وهو ان الصورة لا مصلحة فيها والإيجاد والوجود واحد على مسلكه فيعود المحذور من تحصيل الحاصل وعدم المصلحة في الماهية فالحق ان يقال (١) ان الإيجاد والوجود ليسا بواحد فان نسبة الفاعلية غير النسبة المفعولية فيكون الطلب متعلقا بالإيجاد الّذي يكون هو فعل الفاعل أو بالماهية لغاية الإيجاد أي لتوجد في الخارج والشاهد على تعددهما هو فصل لفظة الفاء الدال على الترتيب الذاتي فانه يقال الشيء قررت فأمكنت فأوجدت فوجدت كما يقال تحركت اليد فتحرك المفتاح فكما ان اتحاد الزمان لا يوجب اتحاد العلة والمعلول فكذلك في المقام فان رتبة الإيجاد قبل الوجود والمصلحة تكون في الفاعلية.

ثم ان الأمر إذا تعلق بالطبيعة على نحو صرف الوجود فهل تكون الخصوصيات الفردية داخلة تحت الطلب أم لا فيه خلاف مثلا إذا كان الأمر بالصلاة فهل خصوصية كونها في المسجد دخيلة في المأمور به حتى يجب قصد القربة بها أيضا أولا وعلى فرض عدم الدخل فهل المأمور به الحصة من الطبيعي أو نفسه فيه خلاف.

ولا يخفى ان الفرد الجوهري في الخارج مثل الإنسان وساير الطبائع لا محالة يكون مقرونا بإعراض كثيرة مثل الكم والكيف والأين والوضع وغيره والمراد

__________________

(١) أقول ويمكن ان يقال حيث ان الأشياء تكون موجودة في الملكوت أو في صقع مناسب لها بالصورة المناسبة لها فيكون الأمر بإتيان مقدمات وجودها في الناسوت ففي المثال يكون معنى صل ائت بالصلاة الموجودة في الملكوت في الخارج ويدل على ذلك ما روى عن مولانا علي بن موسى الرضا عليه‌السلام من ان ما هاهنا دليل على ما هناك ولكن مع مراعاة ان المصلحة في الإيجاد أيضا أي المصلحة الفاعلية فان للعبد فيض عمله بواسطة الفاعلية والمولى يريد الإفاضة عليه وإلا فكل شيء يكون وجوده في أي صقع منحفظا غير محتاج إلى شخص هذا. وان لم تكن في وادي هذه الكلمات فذرها في سنبلها.

٣٧٤

بان الأمر على الطبيعي هل يسرى إلى الأفراد أم لا هو ان هذه الخصوصيات هل تكون تحت الأمر أم لا فإذا قيل جئني بالماء فهل يكون وجوده في الظرف الصيني أيضا مطلوبا أم يكون المطلوب هو الطبيعي فقط.

ثم الفرق بين الحصة والطبيعي والفرد هو ان الإنسان يكون له وجود في الخارج بوجود زيد الّذي يكون له وجود جوهري مع ضميمة ساير المقولات العرضية ومن هذه المرتبة تنتزع الفردية للإنسان.

ثم ان الضمائم لا يكون دخيلا في صيرورة زيد متشخصا بل تشخصه بنفس الوجود الجوهري الممتاز عن سائر الوجودات فان زيدا لو ألقى منه جميع العوارض مثل كونه ابن عمرو وأبا فلان مع طول كذا وعرض كذا ولون كذا يكون غير بكر بنفس وجوده وهو الوجود الإنساني الّذي هو الحيوان الناطق فزيد إنسان وعمرو كذلك ولكنهما ممتازان بنفس الوجود فمن هذه المرتبة تؤخذ الحصة فيقال زيد حصة من الإنسان وعمرو كذلك مع ان الطبيعي يصدق عليهما.

ثم يكون لزيد وجه اشتراك مع سائر الأفراد وهو كون الجميع مصداقا للإنسان فبهذا النّظر يصدق عليه انه الطبيعي وينتزع منه فيكون الوجود الواحد الخارجي منشأ لانتزاع الفرد والحصة والطبيعي باعتبارات مختلفة فالوجودات المتعددة حصص للطبيعي وما لا تعدد له وهو وجه الاشتراك هو الطبيعي.

فإذا عرفت ذلك ففي صورة كون متعلق الأمر والنهي الطبيعة السارية يكون الحصص أيضا تحت الأمر والنهي مثل لا تشرب الخمر فانه يكون جميع الحصص مبغوضا وفي صورة كون المتعلق صرف الوجود يكون التكليف على الطبيعي مثل لا تأكل الثوم فانه يكون النهي عن صرف الوجود بحيث لو أتى بفرد منه حصل المكروه وهو الرائحة الكريهة وبقية الأفراد لا تكون تحت النهي.

والتخيير في الأفراد على فرض كون الحصص متعلقا يكون شرعيا وعلى فرض كون الطبيعي متعلقا يكون عقليا وحيث ان الأمر يكون بنحو صرف الوجود في

٣٧٥

جميع الموارد والنواهي أيضا كذلك لو لم يكن قرينة على السريان يكون متعلق الأمر الطبيعة والتخيير في الأفراد يكون عقليا خلافا لشيخنا العراقي (قده) القائل بالتخيير الشرعي لأن تعيين الفرد يكون من باب اللابدية العقلية فإن الطبيعي لا يوجد في الخارج بوجود فرده ولا يسرى الحكم منه إلى الخصوصيات فإذا قيل جئني بالماء يكون بنحو اللابشرط بالنسبة إلى الكأس الصيني وغيره ولا يكون بشرط الخصوصية ولا بشرط عدمها (١) ثم هنا فصل في ان نسخ الوجوب يبقى بعده الجواز أم لا وحيث لا فائدة فقهية فيه لا نبحث عنه.

فصل في التخيير الشرعي

فنقول ان التخيير الشرعي هو ما ورد في لسان الدليل عن الشرع مثل التخيير بين صوم ستين يوما وبين عتق الرقبة أو إطعام ستين مسكينا فان الإشكال في مقام الثبوت في نحو تعلق الوجوب على التخيير مع ان المصلحة مما هو قائم بالواحد وبالجميع فانه ان أتى بواحد منها كفى وان أتى بالمجموع أيضا يكون مطلوبا والكلام في نحو وجود المصلحة في نظر الآمر التي تقوم بالواحد وبالجميع فان المردد من حيث انه مردد لا يمكن ان يتعلق به الآمر ولذا قيل يتعلق الأمر بالجامع وقيل بان الباب باب التزاحم أي تزاحم المصالح في ظرفها ومن هنا وقع في المقام أقوال.

الأول ان يكون التكليف متعلقا بالجامع بمعنى ان التكليف تعلق بما هو الجامع بين مصلحة الصوم والإطعام والعتق ولا يكون الأمر بالافراد إلا بنحو الإرشاد إلى ما هو الواقع وعليه فالتخيير عقلي.

__________________

(١) أقول فتحصل من جميع ما تقدم منه مد ظله ان المراد بالطبيعي الّذي هو تحت الأمر هو طبيعي المأمور به لا طبيعي المكلف والمراد بالنزاع هو البحث عن دخل الخصوصيات الفردية في المأمور به وعدمه وان الأمر على الطبيعي أو النهي عنه يكون بنحو صرف الوجود الا مع وجود قرينة على السريان وتعلق الأمر بالطبيعي يكون معناه إيجاده في الخارج.

٣٧٦

الثاني ان يكون التكليف متعلقا بكل واحد على التعيين لكن يكون منوطا باختيار العبد فكل ما اختاره يكون هو المعين في الوجوب.

والثالث ان يكون التكليف متعلقا بالجامع الانتزاعي وهو عنوان الأحد لا على التعيين القابل للانطباق في الخارج على كل واحد من الأفراد.

والرابع ان يكون التكليف متعلقا بكل واحد على التعيين لكن يكون الإلزام مشروطا بعدم سبق الآخر بحيث انه لو سبقه غيره يكون إلزامه ساقطا مع بقاء أصل المحبوبية فيكون الفرد بالنسبة إلى القرين مطلقا قابلا للجمع معه وان يكون منحازا عنه.

هذا كله بالنسبة إلى المصالح واما بالنسبة إلى الإرادة فتتعلق الإرادة الناقصة بكل واحد بمعنى انه يريد المولى هذا على فرض عدم الإتيان بذلك كما ان في الملكية الناقصة تكون الإرادة ناقصة وكما في باب التزاحم إذا كان المتزاحمان متساويين فان إنقاذ أحد الغريقين يتعلق به الإرادة على فرض ترك الآخر إذا لم يمكن الجمع.

والصحيح من الأقوال هو القول الرابع اما الأول ففيه ان إمكان الجمع يضاده فلا يكون الجامع هو المكلف به واما الثاني فلان التكليف لا يكون منوطا بإرادة العبد حتى يكون الله تعالى لا يريد المعين إلا إذا اراده العبد لأنه تصويب محال.

واما الثالث (١) فلان عنوان الأحد على الترديد لا يكون له وعاء في الخارج فانه

__________________

(١) قد مر منا في كل موضع قال مد ظله بذلك مثل موارد العلم الإجمالي بان عنوان الأحد مرآتا عن الخارج لا إشكال فيه فان الصوم والإطعام لكل واحد عنوان خاص وهو الصوم والإطعام وعنوان عام وهو ان كل واحد يصدق عليه أحدهما بالنسبة إلى الآخر فكيف لا يتصور ان يقول المولى أريد أحدهما وأنت في سعة للتطبيق على أي منهما شئت فكما ان الإنسان جامع عرضي لزيد وعمرو وسائر أفراد الإنسان كذلك الأحد عنوان عرضي لهذا وذاك.

ولا أقول ان هنا ذاتا واحدة مصداقا لطبيعتين حتى يقول الواحد الشخصي لا يمكن ان ـ

٣٧٧

لا شبهة في ان الإلزام إذا ذهب بواسطة فعل الأحد لا يذهب أصل المطلوبية فيمكن ـ الجمع مع البعض الآخر هذا في مقام الثبوت.

واما مقام الإثبات (١) ففي ارتكاز الفقهاء هو ان الخطابات التخييرية في الشرع يكون معناها منع الخلو لا منع الجمع والشاهد عليه انه يمكن قصد القربة بخصوصية كل مثل خصوصية الإطعام والصوم ولذا نقول يكون التخيير شرعيا بخلاف مثل الصلاة في ـ المسجد وفي الدار مثلا فان قصد المكان بخصوصه ممنوع لعدم خطاب عن الشرع به وهذا إذا جمع بين الخصالين في آن واحد مثل الإطعام والعتق واضح واما في التدريجيين مثل الصوم وأخويه فالقائل بمنع الجمع يقول بان الثاني إتيانه لغو ونحن نقول بان الإلزام لا يكون فيه كما يقول المولى لعبده اما يكون الواجب عليك الكنس في الدار أو الشراب

__________________

ـ يكون مصداقا للصوم ولعنوان الأحد بل أقول ان العناوين العامة وضعت لسهولة التعبير عن الأفراد بوجه فان وضع الإنسان أيضا يكون كذلك وفي الخارج لا يكون لنا إلا الأشخاص مثل زيد وعمرو ولذا قال بعض الأعلام من الفلاسفة ان الأشخاص في القيمة كل واحد منهم نوع منحصر في فرده ونقول في الدنيا أيضا كذلك حسب مبانيهم فان لكل موجود حد خاص من الوجود وتشخص كل شيء بوجوده لا بالعوارض المشخصة ولعل هذا هو مراد النحرير النائيني (قده) من تعلق الخطاب بالجامع مع كون الأفراد بيانا له.

(١) طبع التخيير لا يقتضى ذلك بل المفهوم منه هو أحد الخصال مثلا بحيث لو أراد الجميع ولو بنحو الاستحباب في ما عدا الواجب يجب ان يحرز بالخطاب وحيث ما أحرز لا طريق لنا إلى إثبات المصلحة.

والمثال بكنس الدار وإشراب الأشجار لا ينطبق هنا لأن القرينة موجودة فيه على مطلوبيتهما نعم لا يضر الضميمة فانه يكون مثل ساير الأعمال غير مبطل لما فعل فان المطلوب أحدها والبقية لو كان دليل عام على مطلوبيتها فهو وإلا لغو فان إطعام المساكين في نفسه مطلوب ولكن لو أتى به بقصد انه كفارة يشكل القول بالمطلوبية لعدم الدليل ومع عدمه يكون تشريعا.

٣٧٨

الأشجار فانه يعلم ان أحدهما إلزاميّ والآخر مطلوب واما إشكال ان الواحد لا يصدر منه إلا الواحد فمندفع بان هذا يكون في الواحد الشخصي اما النوعيّ فيصدر منه الكثير كالحرارة التي تصدر من الشمس والنار والحركة والمقام أيضا كذلك فان المصلحة تقوم بالصوم والإطعام والعتق فما عن شيخنا النائيني (قده) بان الخطاب يتعلق بالجامع والأفراد يكون بيانا له لا وجه له لأنه مردد ولا يمكن الأمر بالمردد.

واما قوله بان لإشكال في الإرادة التكوينية وارد من جهة انه لا يمكن ان لا يعلم الشخص ما يريده من العمل فان الطلب لا يكون إلا بعد تصور الشيء بحده وتصور جميع ما هو دخيل في المصلحة والقادر الحكيم هو الله تعالى وهو عالم بكل شيء واما الإرادة ـ التشريعية وهي ان تكون الإرادة بكليات قبل الوجود مثل من يريد الصلاة ويريد إتيان زيد لها فيمكن ان يكون فيها الجامع بان يريد منه أحد المصاديق لا على التعيين.

ففيه انه بعد عدم تصوير الجامع لا سبيل إلى هذا البيان فانه متوقف على إمكانه فان المردد لا ثبوت له لا في الخارج ولا في الذهن لا يقال فما ذا تقول في العلم الإجمالي فانه يتعلق بالمردد وهو نجاسة أحد الكأسين مثلا فكلما قلت فيه فيجب ان يقال في ـ المقام أيضا فان العلم يتعلق بالعنوان القابل للانطباق على الخارج لأنا نقول ان العلم يكون له منطبق تفصيلا لأنه عين الانكشاف (١) وهو الصورة الحاصلة في النّفس التي هي

__________________

(١) أقول كون العلم عين الانكشاف لا شبهة فيه وانما الكلام في مراتب الانكشاف ولا شبهة في ان من علم ان الشبح في الخارج حيوان لأنه يتحرك ولكن لا يعلم انه إنسان أو أسد يكون عالما بشيء وجاهلا بخصوصية هذا الشيء بخلاف من يعلم انه إنسان ثم يعلم انه زيد والترديد في المعلوم يكون منشؤه القصور في العلم بالنسبة إلى الخصوصيات ولهذا يجعل العلم الإجمالي في مقابل العلم التفصيلي والمعلوم التفصيلي أيضا مقابل للمعلوم الإجمالي.

والحاصل العلم الإجمالي يكون معلومه الإجمالي مرددا في الخارج بخلاف العلم التفصيلي وللإجمال والتفصيل مراتب شدة وضعفا كما حرر في محله في العلم بحقائق الأشياء وفي خصوص البحث عن حقيقة العلم في الكتب المربوطة.

٣٧٩

المعلوم بالذات وانما الترديد يكون في المعلوم بالعرض فلا ترديد في العلم بل في ـ المعلوم فلا يقاس المقام به مع عدم تماميته في نفسه.

ومما يستدل به في المقام هو الوجدان فانه أصدق شاهد على ان التكليف تعلق بأحد العناوين فيكون معنى أعتق رقبة أو صم ستين يوما أو أطعم ستين مسكينا ان أحد هذه ـ الثلاثة واجب على التخيير فيكون الوجوب متعلقا بالأحد القابل للتطبيق على ذا وذاك لا ان مفهوم الأحد متعلق الحكم بل هو مرآة عن الخارج.

وفيه ان هذا لا يكون جوابا عن الإشكال بان المردد بما هو مردد لا يمكن تعلق التكليف به.

واما التضاد في المصلحة بان يكون للصوم مصلحة تضاد المصلحة في الإطعام مثلا فقيل بأنه لا وجه له من باب ان المصلحة قابلة للكسر والانكسار فيكون المحصل بعدهما هو الواجب ولا تبقى المصلحة فيهما حتى تتضادان.

وفيه ان هذا في صورة كون أحدهما أهم وكون الآخر مهما يصح واما في صورة التساوي فكيف يكون الكسر والانكسار متصورا فان الموجودين لا يكسر أحدهما مصلحة الآخر فان لكل مصلحة قائمة به فان مصلحة الصوم لا ربط له بمصلحة الإطعام فيكون التخيير بينهما عند المضادة.

في تصوير التخيير بين الأقل والأكثر

ثم انه هل يكون التخيير بين الأقل والأكثر ممكنا أم لا فيه خلاف من باب ان دخول الأقل في الأكثر يكون موجبا لسقوط التكليف بالأقل قبل وقوع الأكثر فلا يكون التخيير متحققا مثلا في التسبيحات الأربعة إتيان واحدة منها توجب عدم بقاء الموضوع للتخيير ثانيا ضرورة سقوط التكليف بإتيان الأقل وقال من كان بصدد تصحيحه بان من أراد أن يكتب خطا طويلا إذا كان الفعل واحدا من دون وجود زمان فاصل في الوسط يكون فاعلا للطويل لا للقصير فالواحد بشرط عدم الغير يكون هو الأقل وبشرطه يكون

٣٨٠