مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

الطرفين وكشف خطاب واحد من العقل للعلم الإجمالي بعدم رفع المولى يده عن كلا الطرفين فيكون الشك عند احتمال الأهمية راجعا إلى الشك في زيادة التكليف ولا يكون العقل كاشفا عنه فان المتيقن منه هو التكليف بأحدهما لا على التعيين واما على قول القائل بعدم سقوط الخطابين وعدم معارضة الإطلاقين فلا يتساقطان فحيث يكون الحاكم هو العقل في البين فلا محالة الاشتغال اليقينيّ بالتكليف يلزم فيه البراءة اليقينية بحكم العقل فالحق مع الأستاذ في أصل المطلب لا في الطريق.

ومن الثمرات هو ان في التكليفين الطوليين مثلا دوران الأمر بين القيام في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية يحكم بالتخيير بينهما كما في العرضيين إذا كان التخيير شرعيا لعدم الفرق في نظره بين الأولى والثانية فانا نعلم بوجوب إتيان قيام واحد في إحدى الركعات ولا وجه للتقديم واما إذا كان عقليا كما هو مبناه (قده) فالواجب صرف القدرة في الركعة الأولى لأن المتيقن هو ذلك.

وقد أشكلنا عليه في السابق بإشكالين أحدهما انه خلاف مبناه لأنه (قده) لم يقل بالواجب المعلق وفي المقام يكون التكليف بالنسبة إلى قيام الركعة الأولى فعليا وبالنسبة إلى القيام في الركعة الثانية غير فعلى فلا تخيير بل المتعين هو إتيان القيام في الأولى ولكن عدلنا عنه بان المراد من التزاحم هو ان الملاك لكل واحد من الطرفين موجود كما في العرضيين لأن التكليف فعلى فالتخيير يكون من هذا الباب وهو غير منكر.

والإشكال الثاني عليه هو ان التكليف بإتيان كل واحد يكون مشروطا بعدم إتيان الآخر فان كان المراد بالعدم العدم السابق على كليهما فهو حاصل قبلهما فلا ترجيح لتقديم الأولى على الثانية بعد حصول شرطه ولذا لا يقول (قده) بذلك وان كان مشروطا بالعدم اللاحق فهو أيضا غير حاصل إلّا بالإتيان والامتثال لأحدهما وهو أول الكلام لأنه ما لم يحصل الشرط لم يحصل المشروط ففعلية أحد التكليفين على التحقيق تكون في حين عدم امتثال الآخر بنحو الشرط المتأخر (١).

__________________

(١) أقول قد مر منا بيان لتصوير هذا الكلام مشروحا عند إصلاحه المقام بالقضية ـ

٣٤١

ثم ان هنا إشكالا آخر وهو ان التكليفين إذا كانا مشروطين بقدرة شرعية مثل ـ النذر لزيارة سيد الشهداء عليه‌السلام ووجوب الحج مع كون الاستطاعة والقدرة لأحدهما فقط لا يكون الباب من التزاحم لعدم حصول شرط كليهما ولا من باب التعارض لعدم ـ التكاذب الّذي هو شرط لذاك الباب.

والجواب عنه ان الشرط حاصل وهو القدرة فانه لا يكون شرط الحج هو القدرة عليه وعلى أشياء آخر وكذلك النذر بل القدرة عليه فقط وهنا القدرة على كل مع قطع النّظر عن الآخر حاصلة والإشكال من ناحية ظرف الامتثال وعدم إمكان الجمع في هذا المقام.

فصل في الترتب

ثم انه على فرض عصيان امر الأهم مثل الإزالة والإتيان بالمهم مثل الصلاة هل يكون العمل صحيحا أم لا فقد تصدى قوم لإثبات الأمر بالمهم بواسطة القول بالترتب بمعنى انه مع عصيان امر الأهم يكون الأمر بالمهم فعليا فمنهم الميرزا الشيرازي و ـ السيد محمد الأصفهاني وشيخنا الأستاذ النائيني (قدس‌سرهم) ومنعه آخرون ومنهم المحقق الخراسانيّ والشيخ الأنصاري (قدهما) وادعوا بان الأمر بالأهم لا يسقط في حال العصيان والإتيان بالمهم فان الوجوب في الأهم يكون مطلقا وفي المهم لا يكون معلقا على ترك الأهم حتى يكون الشرط حاصلا عند عصيانه.

ولتوضيح الترتب وتصحيحه مهدت مقدمات بعضها غير صحيح وبعضها غير دخيل في مقام الإثبات.

المقدمة الأولى في ان طور الخطاب في الأهم والمهم يكون طوليا بحيث لا يمكن اجتماعهما في ظرف واحد مثلا لو كان الأهم وجوب قراءة القرآن والمهم دخول المسجد وان

__________________

ـ الحينية للإشكال في القضية الحينية في الخطابات الشرعية وان مرجعها إلى التقييدية فارجع إليه فيما سبق آنفا.

٣٤٢

كان من الممكن ان يجتمع القراءة مع الدخول فيه ولكن يجب ان لا يجتمع بل يقدم القراءة على الدخول فلا يكون الخطاب بالمهم في حال عدم إتيان الأهم ولو أمكن الاجتماع فضلا عن صورة عدم إمكان الاجتماع فلا خطاب بالمهم في ظرف عدم العصيان واما في صورة العصيان فحيث يكون الموضوع لكل منهما في طول الآخر فقد حصل موضوع المهم بعصيان الأهم ولا يكون له موضوع حتى يكون له امر وان تحصل المناقصة فلا مناقضة أصلا لطولية الموضوع.

وفيه ان هذا الدليل عين المدعى لأن البحث في انهما هل يقبلان الاجتماع حتى تحصل المطاردة والمناقضة أم لا يقبلان حتى لا تحصل.

المقدمة الثانية

ان كل قيد في الحكم يرجع إلى الموضوع مثلا إذا قيل حجوا أي استطعتم يصير معناه يجب الحج على المستطيع وكل حكم لا يستغنى عن موضوعه فان كان الموضوع فهو وإلّا فلا حكم وكل واجب مشروط بنفس حصول الشرط بقاء لا ينقلب إلى الإطلاق فلا يصير الواجب المشروط مطلقا فعلى هذا إذا كان موضوع الأمر بالمهم لا يتحقق إلّا بعصيان امر الأهم والعصيان في ابتداء الأمر لا يوجب حصول الموضوع وصيرورة ـ الواجب المشروط مطلقا فلا يكون الحكم بالأهم موجودا ليصير الخطابان متطاردين بل لا زال يكون خطاب الصلاة مشروطا بترك الإزالة وهو حاصل.

وفيه ان الشرط لا يرجع إلى الموضوع لا من حيث الأدب لفرق أهل اللسان (١) بين قول القائل يجب الحج على المستطيع أو يجب الحج ان استطعتم وكذلك العقل على انه لو لم يرجع الشرط إلى الموضوع أيضا يكون المقصود حاصلا لأن دخالة الشرط في

__________________

(١) أقول ما وجدنا فريقا بين القضيتين عند أهل الأدب بالنسبة إلى ما نحن بصدده فان لب الواقع عند الدقة يكون واحدا في الجملتين وهكذا لا فرق عند العقل أيضا لأن لأن الموضوع يكون من له الاستطاعة سواء كان بنحو الشرطية أو القيدية.

٣٤٣

الحكم أقوى من دخالة الموضوع لأنه من مقومات علته التامة والواجب المشروط بعد حصول شرطه لا يصير مطلقا فالامر بالصلاة بعد عصيان الإزالة لا يصير مطلقا بالعصيان مضافا إلى ان المطاردة لا يتوقف على القول بعدم صيرورة الواجب المشروط مطلقا بحصول شرطه بل نفس إطلاق دليل الأهم يكون حتى في ظرف الإتيان بالمهم فالمطاردة بحالها كما عن المحقق الخراسانيّ في الكفاية.

المقدمة الثالثة

ان فعلية التكليف في الواجبات المضيقة تكون متحدة مع زمان وجود الموضوع مثلا ان الصوم عند طلوع الفجر يكون زمان فعلية الحكم فيه متحدا مع زمان وجود الموضوع وهو طلوع الفجر فيكون مناط الموضوع والحكم مناط العلة والمعلول في ترتبهما بالذات للفاء الترتيبية بالترتيب العقلي كقولهم تحركت اليد فتحرك المفتاح مع كون كل واحدة منهما أي الحركتين في زمان واحد فعلى هذا في الواجبات المضيقة أيضا يقال بذلك فان ظرف امتثال التكليف بالمهم يكون متحدا زمانا مع عصيان امر الأهم فإذا صار عصيان امر الأهم علة لوجود الامتثال بالمهم فكيف يتصور الانفكاك الزماني حتى يقال بان الأمر بأحدهما يطارد الأمر بالآخر.

وبعبارة واضحة الأمر بالأهم اما ان يكون في زمان وجوده في الخارج وهو تحصيل الحاصل فهو محال واما ان يكون في ظرف عدمه وهو أيضا محال لعدم إمكان الأمر بإيجاد الشيء في ظرف عدمه فلا امر بالإزالة في ظرف العصيان وهو ظرف عدمه :

والجواب عنه أولا ان فعلية التكليف لا يتوقف على وصول زمان موضوعه بل يكون فعليا حتى قبل ذلك الزمان ولذا نقول بالواجب المعلق فعلى هذا المبنى فعلية التكليف بالمهم لا يتوقف على إثبات اتحاد زمان عصيان الأهم معه وثانيا ان البعث بالأهم يكون حتى في حال العصيان فان قلت كيف يكون الأمر بالشيء في حال عدمه قلت

٣٤٤

البعث يتوجه إلى الماهية من حيث هي هي لا من حيث الوجود حتى يكون من تحصيل الحاصل ولا من حيث العدم حتى يكون غير ممكن كما في ساير الخطابات وثالثا لا يكون العصيان علة لامتثال تكليف المهم فان بين العلة التامة والمعلول التكويني والعصيان بونا بعيدا فإنه يحتاج بعد العصيان إلى إرادة المكلف إيجاد المأمور به إتيان المهم وامتثال امره فان البعث والانبعاث منفكان ولذا نعترف بالواجب المشروط والمعلق كليهما خلافا لشيخنا النائيني (قده) (١) وفي الواجبات الفعلية أيضا كذلك لانفكاك زمان الأمر مع زمان الإتيان بالمأمور به.

ثم انه أجاب بعض بعض الأساطين من مشايخنا بان تقدم الخطاب زمانا كما انه لازم في ظرف الامتثال كذلك لازم في ظرف العصيان فيجب الخطاب قبل كل واحد منهما وحيث ان العصيان والإطاعة بالنسبة إلى الإزالة والصلاة متحدان كذلك الأمر يجب ان يكون متقدما ولا امر بالمهم قبل عصيان الأهم.

والجواب عنه هو ان القائل بذلك يدعى ان العصيان بالنسبة إلى الأهم يوجب سقوط الخطاب بالنسبة إليه نعم يتوجه الإشكال على القائل بذلك بأنه كيف يكون الخطاب الّذي هو علة العصيان والامتثال معلولا له بحيث يوجب سقوطه والصحيح ان يقال ينتهى أمد الخطاب فلذا لا يكون محركا بعد الامتثال.

المقدمة الرابعة

ان الخطاب يتعلق بالطبيعة بقيد انها موجودة لأنه طلب الحاصل ولا بقيد العدم لأنه طلب للجمع بين النقيضين فعلى هذا لا يمكن تقييد الخطاب بذلك وما لا يمكن تقييده لا يمكن إطلاقه لأن النسبة بينهما عدم الملكة فعلى هذا لا يمكن الخطاب بالمهم بنحو ان يقال صل سواء عصيت امرها أولا وأزل سواء عصيت امرها أولا فلا يجتمع خطاب الأهم مع المهم بحيث يقال تجب الإزالة سواء عصيت امرها أم لا ليتحقق لها

__________________

(١) أقول وقد مر ان الموافق للنظر هو مبنى النحرير النائيني (قده)

٣٤٥

امر في صورة الإتيان بالصلاة وعصيان امرها ليجتمع الأمران ويتضادان فيطرد أحدهما الآخر فعلى فرض ترك الإزالة لا يكون الخطاب له فيكون امر المهم بلا مزاحم.

والجواب عنه انه لا يكون الطلب مقيدا بما قيل حتى يلزم الدور بل التقييد يكون من حيث المطلوب فان الطلب يمكن ان يكون بمهملة الإزالة لا بقيد العصيان ولا بقيد الإطاعة بمعنى ان الأمر والنهي يتوجه إلى الطبيعي من حيث هو هو لكن بحيث يكون مرآتا عن الخارج فان الأمر متوجه إلى الإزالة لا بقيد العصيان ولا الامتثال حتى يلزم محذور اجتماع النقيضين يعنى الوجود والعدم في الأول لامتناعه أو تحصيل الحاصل في الثاني.

نعم الصلاة في الخارج مثلا اما يؤتى بها فيحصل امتثالها أو لا فيحصل عصيانها وهذا غير مربوط بأصل المطلب فالإطلاق في الأهم يكون بحاله حتى في ظرف العصيان فيطرد الخطاب بالمهم ويضاده هذا أولا.

وثانيا ان الإطلاق معناه رفض القيود وطرده لا جمع القيود بمعنى ان يكون معنى الأمر بالإزالة في ظرف العصيان هو الأمر بها معه أو الأمر بها مع الامتثال حتى يلزم تحصيل الحاصل أو اجتماع النقيضين فنفس الطبيعة مطلقة بإطلاقها ذاتا أي بحيث يمكن ان تنطبق على جميع القيود فالطبيعة تكون في الاصطلاح بنحو اللابشرط عن القيود لا بشرط شيء حتى يلزم المحذورات.

مضافا بان القول بان النسبة بين الإطلاق والتقييد العدم والملكة أو غيره وحيث لا يمكن تقييد لا يمكن الإطلاق غير منوط بالمقام فان الكلام في المقام في المتعلق وهو انه هل يوجب العصيان بالنسبة إلى الأهم ان يسقط إطلاقه أو انه غير قابل لذلك وقد مر ان العصيان بالنسبة إلى الأهم لا يكون علة لصحة الأمر بالمهم.

٣٤٦

المقدمة الخامسة

لا شبهة في ان الإطلاقين بالنسبة إلى الطرفين طوليان بمعنى ان الإزالة والصلاة وان أمكن اجتماعهما أيضا لا يحصل الامتثال فلا بد من تقديم امتثال الأهم على المهم ولا شبهة أيضا ان الخطاب أعني الأمر بالأهم متقدم على الامتثال أو العصيان كليهما لأنهما يتصوران بعده ضرورة انه ما دام لم يكن خطاب لم يكن العصيان والامتثال صادقين فعلى هذا ظهر ان عصيان الأهم في طول امره ثم الأمر بالمهم بعد العصيان الّذي يكون متأخرا عن الأمر فيكون الأمر به متأخرا عن الأمر بالأهم برتبتين رتبة امره ورتبة عصيانه وكيف يمكن ان يجتمع المتقدم برتبتين مع المتأخر كذلك فعلى هذا في ظرف عصيان الأهم لا يكون الأمر به أصلا حتى يلزم محذور الطرد ومضادة الإطلاقين في المهم والأهم فيكون المقام مثل صورة كون الخطابين عرضيين فانه كما لا يمكن الأمر بالجمع يكون الخطاب لأحدهما على التخيير ولا يكون بالنسبة إلى كليهما والمانع عدم القدرة والمانع في المقام هو اقتضاء الخطاب الطولية ولا فرق بين المانعين من جهة عدم فعلية الخطاب الا لأحدهما.

وقد أجاب المحقق الخراسانيّ (قده) عن الإشكال في الكفاية بان خطاب المهم لا يأتي في رتبة الأهم ولكن الأهم يكون إطلاقه في رتبة المهم ولا يسقط بالعصيان ولعل مراده (قده) اجتماعهما في زمان واحد وإلّا فالتقدم بالرتبة مما لا إشكال فيه فان الأهم خطابه لا يكون في رتبة خطاب المهم ولكن حيث ان في زمان امتثال المهم لا يسقط خطاب الأهم بالعصيان يطرد المهم لذلك على ان المضادة بين الخطابين على أي تقدير لا ترتفع والّذي يرتفع هو طلب المضادة فما قال (قده) من ان ملاك المتضادين هنا موجود لا يتم بل الأنسب ان يقال ان ملاك طلب المتضادين يكون في هذه الصورة.

ثم ان هنا كلاما عن السيد محمد الأصفهاني الفشاركي في تصوير الترتب وهو

٣٤٧

ان الأهم يكون الأمر به مقدما على العصيان وعلى الأمر بالمهم وفي هذه الرتبة يكون له الاقتضاء واما في مقام الامتثال فهو منعزل عن ما كان له في رتبة الذات فانه إذا عصى يكون مقام الأمر بالمهم امتثاله بلا معارض فرفع المناقصة يكون بواسطة اختلاف الرتبة ضرورة ان المتقدم رتبة لا يمكن ان يكون له مقام في الرتبة المتأخرة.

وفيه ان الكلام ليس في التقدم الرتبي وفي مقام الذات فقط بل لو أمكن اجتماع الأهم والمهم في ظرف الامتثال في زمان واحد أيضا يقال بعدم القدرة على الإتيان لطولية الملاك فان الكلام ليس في ان الاتحاد في الرتبة يكون أولا وكذلك الاتحاد في الزمان بل الكلام في ان الأمر بالأهم يكون مطلقا بحيث يقول بسد جميع أنحاء عدمه حتى من جهة الصلاة والأمر بالمهم يكون معلقا بمعنى انه يبعث إلى سد جميع أنحاء عدمه الا من ناحية الأهم بمعنى انه ما دام وجود الأهم لا يكون الأمر بالمهم أصلا فكيف يمكن ان يقال بسقوط امر الأهم هذا أولا.

وثانيا ان العصيان للأهم لا يكون في رتبة الامتثال للمهم من جهة ان ذلك لا يتصور إلّا بعد الأمر فان الاتحاد في الرتبة والاختلاف فيها يكون في صورة كون الشيئين معلولين لعلة واحدة أو أحدهما علة والآخر معلول وفي المقام علة العصيان هي سوء اختيار المكلف وعلة الطاعة هي انقياده واما طولية الأمر بهما فتكون مستفادة من كون أحد الخطابين مشروطا والآخر مطلقا وهو خطاب الأهم فانه مطلق وخطاب المهم معلق على عصيانه.

ثم انه لا يخفى ان أساس القائل بالترتب مثل الميرزا الشيرازي (قده) لا يكون طولية الأمرين بالرتبة بل أساسهم على ان العصيان موجب لصيرورة خطاب المهم فعليا وكان الحق معهم لأن الشرط الّذي يكون في الواجب المشروط تارة يكون خارجا عن اختيار المكلف مثل الدلوك بالنسبة إلى الصلاة واما يكون تحت الاختيار مثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة وما كان تحت الاختيار اما يكون اختياره بسوء

٣٤٨

اختيار المكلف أولا فما كان خارجا عن الاختيار يصير الوجوب فعليا بعد وجوده اتفاقا واما ما كان تحت الاختيار فلا فرق بين إتيانه بسوء الاختيار أولا لأن الشرط حاصل على كلا التقديرين فان الأمر بالمهم يبعث إلى سد جميع أنحاء العدم الا عدم الأهم فلو عصى أحد وسد نحو عدمه من جهة عصيان الأهم أيضا فقد حصل شرطه ويصير فعليا فلا إشكال في وجود الأمر بالمهم بواسطة الترتب وإمكانه يساوق مع إثباته (١).

لا يقال كما قال بعض الاعلام من أهل الفلسفة من محشي الكفاية وأخذه عن أستاذه الماتن ولا يكون شيئا جديدا بان ما قيل صحيح في صورة كون الخطابين متساويين كما في صورة دوران الأمر بين إنقاذ الغريقين لأن الخطاب بعدم إنقاذ هذا مشروط بعدم إنقاذ الآخر واما في المقام فليس كذلك لأن خطاب الأهم ينادى بأنه يجب ترك الصلاة في جميع الأحيان حتى آن العصيان لأنا نقول خطاب المهم يكون على فرض ترك الأهم ومع تركه لا يكون له مزاحم فلا مضادة بينهما وبعبارة أخرى فعلية الحكم تكون

__________________

(١) أقول لا يخفى ان المقدمات التي ذكرت في المقام كلها غير تامة باعتراف الأستاذ مد ظله أيضا واما ما تصور في المقام من الترتب بنحو الحينية أي حين عصيان الأمر بالأهم يكون الأمر للمهم وان كان لا إشكال في إمكانه لو كان عليه دليل مثل ان يكون في في لسان دليل ان عصيت امر الأهم فأت بالمهم ولكن هذا يكشف عن قصور دليل الأهم وهذا بخلاف صورة كون إطلاق الأهم بحاله ولكن يمكن إصلاح الترتب في المقام بان يقال ان الكلام يكون في صورة كون الباب باب التزاحم بعد كون الدليلين للمهم والأهم مطلقين فلو ثبت إمكان ان يقول المولى انى أطلب منك الأهم وحين عصيانه أطلب منك المهم مع كون الأمر بالأهم أيضا بحاله في ظرف الترك يثبت الأمر بالمهم بحاله ولا نقول بان العصيان يجب ان يكون صادقا بل ترك الأهم بأي نحو حصل ولو من باب السهو والغفلة عنه يصح الخطاب بالمهم ويصح ولو لم يكن العصيان صادقا كما انه مد ظله أيضا في طي الكلمات يقول بان المدار على الترك لا على العصيان.

٣٤٩

بإمكان ان يكون داعيا إلى متعلقه وفي ظرف إتيان المهم يكون للأهم فعلية وإمكان داعويته إلى متعلقه بحاله والامتناع يكون بالغير وهو العصيان فلو لا عصيان إتيان الأهم لا مانع من داعويته وخطاب المهم أيضا يكون في ظرف عصيان الأهم وهو حاصل فعلا ولا يكون الامتناع بالغير بالنسبة إليه ويكون جميع ما يمكن ان يكون الخطاب محركا حاصلا فالخطاب بالمهم يكون في ظرف عصيان الأهم ولا فرق بين صورة تساوى الخطابين أو كون أحدهما أهم والآخر المهم للتفاوت في الملاك.

ولتتميم البيان نقول بمقالة تكون كالصلح بين منكري الترتب ومثبتيه وهو ان الفعلية تنفك عن الفاعلية في الخطابات ألا ترى ان الخطاب بالنسبة إلى الناسي والنائم فعلى ولا يكون له فاعلية والفعلية تارة تكون مشروطة بشرط وأخرى لا تكون كذلك فان الواجب المشروط على التحقيق وجوبه فعلى وفي المقام يكون المهم كالواجب المشروط بالعصيان أو الترك والأهم يكون وجوبه مطلقا ففي ظرف عصيان الأهم كلاهما فعليان لأن التكليف لا يسقط بالعصيان عن الفعلية والمراد بالعصيان هو البناء على ان يكون تاركا للأهم مع وحدة زمان المهم والأهم وعدم القدرة على الاجتماع لا مضى زمان الأهم لئلا يبقى زمان لامتثال المهم أيضا.

في إثبات الترتب بلازم فروع فقهية

ثم قد تمسك العاجزين عن إثبات الترتب بفروع فقهية للدلالة على صحة الترتب بالملازمة.

منها ما إذا كان قصد الإقامة محرما من جهة نهى الوالد مثلا ولده فعصى وقصدها فقيل بان الواجب عليه الصلاة التامة لأن قاصد العشرة كالمتوطن فانه وان عصى بواسطة قصده العشرة ولكن صار موضوع التمام محققا وكذا يجب عليه الصوم بعد كونه حراما على المسافر بواسطة القصد فانه إن لم يقصد ما كان عليه الا القصر وعدم الصوم :

٣٥٠

ومنها صورة وجوب أداء الدين قبل تمام سنة الخمس فمن عصى ولم يؤد دينه يقولون بان خمس المال عليه واجب فان أداء الدين كان واجبا وبعصيانه تحقق وجوب التخميس بالنسبة إلى المال الّذي يكون في يده وهذا دليل على الترتب.

فأجاب المحقق الخراسانيّ (قده) المنكر للترتب بان هذا وأمثاله كاشف عن تمامية أمد الأهم بواسطة العصيان وهذا مختص بصورة وجود الدليل واما صورة عدم الدليل عليه فإطلاق الأهم يمنع عنه هذا أولا وثانيا ان الأمر بالمهم يكون إرشاديا بعد كون العقل حاكما بوجوبه من باب ان من ترك الأهم يكون عليه عقوبة لوجوب إتيانه فيمكن تخفيف العقوبة بإتيان المهم هذا.

ولكن التحقيق في أمثال ما ذكر هو القول بان التضاد التكويني يكون مرجعه إلى دوران الأمر بين بين المهم والأهم والقول بالترتب وعدمه فان الأمر بالإزالة فورا والأمر بالصلاة لا يكون التضاد بينهما من الشرع بل من ناحية عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما بحيث لو كان قادر الا يكون التضاد متصورا بخلاف المقام الّذي يكون التضاد من الشرع من باب حكمه بالحكمين المتضادين فان الحكم بوجوب الصوم عند قصد الإقامة يكون ضدا لحرمة قصد العشرة من ناحية الشارع وكذلك الحكم بوجوب الرمس في الماء عند الصوم لإنقاذ الغريق ولو صار موجبا لبطلان الصوم يكون الجمع بين المتضادين من ناحية حكم الشرع بان الصوم يبطل والإنقاذ واجب.

فإذا عرفت ذلك فنقول فيما يكون التضاد من الشرع لا يكون الباب باب التزاحم بل مرجعه إلى تخصيص أحد الدليلين للآخر مثلا إذا قيل يحرم الرمس في الماء عند الصوم لأنه من مبطلاته فبالإطلاق أو العموم يشمل الرمس للإنقاذ أيضا فالدليل الدال على وجوبه للإنقاذ قد خصص هذا العام أو قيد هذا الإطلاق بأنه في صورة إنقاذ الغريق لا إشكال في الرمس فيكون مخصصا ولا ملاك لدليل العام في هذا المقام وكذلك عدم وجوب الخمس على من عليه دين يكون مخصصا بصورة عصيانه

٣٥١

الأداء في سنة الاكتساب فانه يجب عليه في هذه الصورة وكذلك إذا قيل المسافر يحرم عليه الصوم يخصص بان القاصد ولو كان عن عصيانه يجب عليه فيكون مخصصا له.

فان قلت في صورة وجوب إنقاذ الغريق ان لم ينقذ فهل يجوز عليه ان يرتمس في الماء لعدم الملاك للصوم في ظرف وجوب إنقاذ الغريق أم لا فان كان القول بالثاني كما هو الحق وعليه الإجماع فيعلم ان الصوم في ظرف الارتماس أيضا يكون له الملاك فكيف قلتم بالتخصيص.

قلت في صورة عدم الإنقاذ وان كان يحرم عليه الارتماس في الماء لكن لا من باب الترتب بل من باب وجوب الأخذ بالإطلاق فيما سوى مورد التخصيص ومورده صورة الارتماس للإنقاذ لا الارتماس مطلقا وباب المتزاحمين يكون في صورة مملوية الملاك وفي صورة الإنقاذ لا يكون ملاك للصوم أصلا فتحصل ان الأمثلة لا تكون شاهدة على الترتب وقوعا.

ثم انه قد أشكل على القائل بالترتب مثل الميرزا الشيرازي (قده) كما عن الآخوند (قده) بان اللازم على القائل به هو تعدد العقاب عند العصيان لكليهما وهو ممنوع لأن الثواب والعقاب يكونان في صورة قدرة العبد على الإتيان وفي المقام لا يكون له قدرة الا على إتيان أحدهما فانه لو جاء بالأهم لترك المهم وإذا جاء به ترك الأهم وعلى فرض كون العقاب واحدا فهو يكون على الواحد وهو الأهم فلا يمكن القول بالترتب لهذه الجهة.

والجواب عنه نقضا بالواجب الكفائي فانه وان كان مثل دفن الميت واجبا على جميع الافراد ولكن العقاب الواحد ينبسط على الجميع وحلا بان العقابين لا إشكال فيهما لأن المكلف كان قادرا على ترك كليهما وان لم يقدر الا على إتيان أحدهما والعقاب يكون على الترك وحيث كان متعددا فهو أيضا متعدد وبعبارة أخرى حيث ان الإتيان بالأهم والمهم واجب يكون تركه حراما فمن تركهما فعل ما هو حرام

٣٥٢

عليه وهو ترك كليهما فيكون معاقبا عليهما (١) على ان باب الثواب والعقاب غير منوط بالفقه ولا بالأصول الّذي أيضا يكون اثره الحكم الشرعي فلا وجه للإشكال على القائل بالترتب بهذا النحو.

في ان إمكان الترتب يلازم وقوعه

ثم ان الترتب على فرض تصويره يكون ملازما لوقوعه فان من توهم انه يحتاج الإثبات أيضا إلى دليل فقد خرج عن طريق الحق لأن الكلام يكون في المقام الّذي يكون الباب باب التزاحم ويكون الإطلاق للأمر بالنسبة إلى المهم والأهم ثابتا فان الصلاة مطلقة من جهة انه أزال النجاسة عن المسجد أم لا والإزالة أيضا كذلك بالنسبة إلى الصلاة ولكن الدليل دل على ان الإزالة مقدمة على الصلاة وحيث لا يمكن الجمع فيقيد إطلاق الصلاة بصورة كونه مشغولا بالإزالة واما صورة تركها بالعصيان فلا وجه للتخصيص فانه على فرض إمكان الترتب يشمل الدليل بنفسه بإطلاقه.

والقائل بعدم الإطلاق يكون اشكاله على شمول الإطلاق للمقام عقليا من جهة عدم إمكان شموله فإذا أمكن شموله فلا وجه للتخصيص في الزائد من المتيقن و ـ هو صورة كونه مشغولا بالإزالة وهذا نحو جمع عرفي عقلائي بين الخطابين عند العقلاء ولا فرق في ذلك بين ان يقال في باب التزاحم بمقالة الرشتي من سقوط الإطلاقين في باب التزاحم وان العقل حاكم بالتخيير أو يقال بان العقل كاشف عن بقاء أحد الخطابين فان الجمع العرفي يقتضى ما ذكرناه.

__________________

(١) أقول وفيه ما لا يخفى فان الزمان الواحد الّذي لا يمكن الإتيان فيه إلّا بأحدهما يكون القول بالعقاب على كليهما فيه من القول بالعقاب على الّذي لا يقدر عليه المكلف وهو محال نعم يمكن القول بان القدرة حيث كانت له لإتيان الأهم يكون عقابه في مقابل ترك الأهم أشد ولو فعل المهم أيضا يكون معاقبا بالنسبة إلى الزائد من مصلحة الأهم.

٣٥٣

ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال بأنه إذا كان المهم منوطا بالقدرة الشرعية ففي هذه الصورة لا يمكن إثبات الأمر بالمهم لأن القدرة الشرعية لا تكون للعاصي لخطاب الأهم فان العصيان لا يوجب حصول القدرة الشرعية وان كان محصّل القدرة العقلية وعلى فرض احتمال كون أخذ القدرة في الخطاب إرشادا إلى حكم العقل فانها وان كانت حاصلة ولكن حيث لا طريق لإثبات ذلك لا يمكن القول بان هذه القدرة حاصلة على ما هو الواقع فيكون الشك في المصلحة والملاك لهذا العمل بدون إحراز ذلك.

والجواب عنه (قده) هو ان القدرة حاصلة ولو بالعصيان فان الخطاب بشيء لا يكون من شرائطه عدم عصيان ساير التكاليف فانه وان حصل العصيان بالنسبة إلى عمل ولكن صار ذلك موجبا لحصول القدرة على عمل آخر ومن الفروع التي يترتب على ما ذكره (قده) هو انه إذا كان الواجب على المكلف في مورد الحرج مثلا التيمم فتركه وأتى بالوضوء فان الوضوء غير صحيح ببيان ان التيمم كما انه يكون شرطه عدم وجدان الماء شرعا يكون الوضوء شرطه الوجدان شرعا بقرينة المقابلة فمن عصى تكليف التيمم فحيث يكون واجدا شرعا للقدرة على الوضوء للحرج لا يكون لعمله الوضوئي ملاك فلا وجه لصحته وفيه ان دليل الحرج للامتنان والإرفاق وكذلك الضرر فمن لا يقبل الامتنان لا يسقط مصلحة الوضوء بالنسبة إليه.

سلمنا ولكن في المقام يكون المهم والأهم كلاهما مشروطين بالقدرة الشرعية على الوجدان والفقدان بالنسبة إلى التيمم والوضوء نعم يكون تصور محل النزاع في المقام بحيث يكون المهم مشروطا دون الأهم بصورة كون وجوب التيمم للعطش فان وجوب صرف الماء فيه دون الوضوء لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية بل بالقدرة العقلية ولعل مراده هنا هذا الفرع ثم ينبغي التنبيه على أمور.

٣٥٤

التنبيه الأول

في ان صحة الصلاة الجهرية في موضع الإخفات وبالعكس يتوهم ان تكون من باب الترتب بعد وجود الدليل إثباتا عليها حيث ان الجهل بهما لا يوجب الإعادة بخلاف ساير الأحكام وبيانه ان الشارع مثلا قال بان الصلاة الكذائية يجب ان يؤتى بها جهرا فان عصى ولم يأت بها كذلك فيجب إخفاتا من باب الأهم والمهم لأن الحكم يكون على عنوانين عنوان الجهر وعنوان الإخفات ولكل منهما مصلحة في طول الآخر فيما إذا كان أحدهما الأهم في صلاة كالجهر في المغرب والإخفات في الظهر فإذا أمكن الترتب يكون الدليل في مقام الإثبات أيضا موافقا له.

وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ النائيني بإشكالات منها ان التزاحم يكون في صورة كون التصادم بين الحكمين اتفاقيا مثل العامين من وجه واما في صورة كون التصادم دائميا مثل المقام من باب التعارض فان جعل الحكم لغو بالنسبة إلى هذا المقام لأنه ليس لأحدهما مورد افتراق يصحح جعل الحكم فإذا لم يكن من بابه فلا يصح الحكم الترتبي لأنه مختص بباب التزاحم وفيه ان ما يكون مصحح كون الباب تزاحما هو عدم قدرة العبد على الجمع فان في العامين من وجه أيضا لا يكون للعبد قدرة على الجمع فلو قلنا بلغوية الخطاب يجب ان يقال فيه أيضا فإذا كان عدم القدرة من ناحية الامتثال يكون الباب باب التزاحم ولا وجه للقول بان التكليف هنا لغو لأن التكليف متوجه إلى كل طرف بنحو الحينية أي حين عدم الإتيان بالآخر.

ومنها أي من الإشكالات ان الترتب يكون مقامه في الضدين الذين لهما ثالث وهو مثل الصلاة والإزالة فان الثالث ترك كليهما واما ما لا ثالث له فترك أحد طرفيه يلازم مع وقوع الآخر فان التارك للجهر في القراءة يكون فاعلا للإخفات وبالعكس فيكون الأمر بنحو الترتب من الأمر بتحصيل الحاصل فان التارك للجهر إذا كان فاعلا لا محالة للإخفات لا وجه لأن يقال ان تركت الجهر فأت بالإخفات فلا ترتب في المقام

٣٥٥

وفيه (١) ان الثالث يلاحظ بالنسبة إلى المكلف وهو كما يقدر على الجهر والإخفات يقدر علي تركهما بان لا يقرأ أو قرأ ولم يكن بداعي القربة فهنا أيضا يكون الثالث متصورا.

ومن الإشكالات هو ان الترتب يكون متصورا في صورة عصيان الأهم ومن يكون جاهلا بالنسبة إلى الحكم لا يصدق العصيان بالنسبة إليه لعدم تنجيز التكليف بالنسبة إليه والعقاب على الجاهل في ساير الموارد يكون لترك التعلم لا لعدم إتيان المأمور به لأنه في ظرف الجهل به لا يمكن ان يقال ان خطابه يكون منجزا سواء كان الجاهل قاصرا أو مقصرا وبعبارة أخرى كما ان إحراز السفر شرط لقصر الصلاة وإحراز الحضر شرط لتماميتها كذلك عنوان الجهر أو الإخفات يجب ان يكون محرزا ليصدق عنوان المعصية بالنسبة إليه فعلى هذا لا يكون شرط الآخر محققا بان يقال ان عصيت امر الجهر فصل إخفاتا وبالعكس لعدم العلم بالموضوع وان كان في الواقع قد عصى الأمر الأول أي ترك فيستحيل ح تصحيح عبادة الجاهل بواسطة الأمر الترتبي.

وقد أشكل عليه أو لا بأنه يمكن تصحيح الأمر بالجاهل كذلك بنحو تحليل الداعي كما انه إذا كان المصلى مثلا ناسيا لبعض الاجزاء ثم بعد الفراغ قيل له تمت صلاته من باب انه إذا كان ناسيا للجزء الفلاني يكون تكليفه بالنسبة إلى أربعة اجزاء مثلا والخامس لا تكون متعلق تكليفه فيقال ان الموضوع للتكليف بالأربعة هو الناسي فكذلك في المقام يقال بان الموضوع للتكليف بالإخفات في موضع الجهر أو بالعكس هو الجاهل لأحدهما فلا إشكال في تحقق موضوع التكليف.

وأجاب عنه بان تحليل الداعي يصح في صورة إمكان تحقق الموضوع فان الناسي إذا كان التكليف متوجها إليه بعنوان انه ناس يصير متذكرا والمتذكر تكليفه التمام فقد انقلب الموضوع وكذلك الجاهل إذا كان موضوعا ينقلب بتوجه الخطاب إليه عالما

__________________

(١) أقول هذا خلاف الفرض لأنه يكون في صورة فرض الشخص قارئا بقصد القربة أيضا واما صورة ترك القراءة أصلا فلا تكون محل الكلام حتى يقال انها الثالث.

٣٥٦

بالتكليف الأول فلا يمكن تكليفه وكذلك الدعوة بعنوان العصيان لأنه يلتفت حين انطباق هذا العنوان عليه نعم يتصور تحليل الداعي في صورة كون العمل واحدا ويكون الاشتباه في وجه العمل مثل الوجوب والاستحباب فانه يمكن ان يكون التكليف متوجها إليه.

وقد أشكلنا عليه في الدورة السابقة بإشكالين أحدهما هو ان العصيان في باب الترتب يكون من باب المثال لأن الكلام كله في رفع غائلة التزاحم والجمع بين التكليفين ومصححه يكون ترك الأهم سواء صدق عنوان العصيان أو لم يصدق وفي المقام يكون الترك حاصلا والعقاب يكون في صورة الترك تقصيرا ولو في المقدمات مثل التعلم وهو في المقام يكون حاصلا.

وللتأمل فيه في هذه الدورة مجال بان يقال بان هذا لا يكون حسما لمادة الإشكال لأن التارك بعنوان انه تارك أيضا لا يمكن ان يصير مخاطبا لأنه بهذا العنوان أيضا يلتفت إلى تكليفه الأصلي.

وقد أشكل عليه ثانيا بان العصيان يصدق بترك الاحتياط أيضا فان الواصل اما يكون هو التكليف نفسه على موضوعه أو يكون الواصل طريقه بنفسه والطريق هنا وأصل بنفسه فان المحتمل يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الجهر والإخفات بإتيان صلاتين معهما لو لا الدليل على كفاية ما فعل مع الجهر فقط أو الإخفات كذلك ولو كان خلاف الواقع وحيث دل الدليل وهو الروايات على الكفاية فيصلح ذلك بالترتب بين ـ الحكم الأولى والثانوي على فرض الجهل به.

وفيه ان المقام اما ان يقال يكون مخصوصا بالجاهل المركب وهو من لا يلتفت إلى جهله ولا يحتمل وجوب شيء آخر عليه أو يكون في الأعم منه ومن الجاهل البسيط وعلى أي تقدير لا يكون إصلاح المطلب بهذا النحو.

فالصحيح (١) في الجواب ان يقال ان الخطاب النّفس الأمري في الجاهل القاصر

__________________

(١) أقول ولكن الإشكال بان اللازم من ذلك هو ان يصير التكليف مقيدا بالعلم به ـ

٣٥٧

لا يكون العقاب على تركه والمولى يصل إلى غرضه وهو ان الجاهل يكون تكليفه الإخفات في موضع الجهر وبالعكس وفي المقصر وان كان العقاب ولكن يكون على ترك التعلم لا على الواقع وتكليفه في ظرفه هو الجهر في موضع الإخفات وبالعكس والخطاب يتوجه بطبيعي الإنسان والخصوصيات الفردية خارجة عنه فان الناسي والجاهل كلاهما إنسان ويتوجه الخطاب إليهما بهذا العنوان لا بعنوان النسيان ولا الجهل بل بعنوان ـ الإنسان فالخطاب كان متوجها إليه بهذا النحو ووصول المولى بغرضه يكون من هذا السبيل ولا يأتي إشكال حصول الالتفات لو كان الخطاب بعنوان الناسي والجاهل أصلا فتحصل انه لا إشكال في الجهر والإخفات من جهة إصلاحه بالترتب (١)

__________________

ـ والجهل به بان يقال تكليف العالم هو الجهر وتكليف الجاهل هو الإخفات واللازم منه هو دور العلامة (قده) كما عليه القوم ولكن حيث ان اشكاله (قده) لا يتم لأن الوجدان فاض بصحة ذلك وكل البراهين يرجع إليه فيكون الإشكال مندفعا عندنا ولكن عنده مد ظله القائل بصحته أي صحة الإشكال عن العلامة فيبقى الإشكال بحاله وسيجيء في آخر مباحث البراءة أيضا التعرض لحكم الجهر والإخفات من هذا الحيث. مفصلا فانتظره.

(١) أقول لا يخفى ان الكلام يكون في تصوير كون العقاب على ترك الجهر في موضعه وترك الإخفات كذلك مع صحة العمل وإلّا فعلى فرض عدم العقاب لا إشكال في ان العالم والجاهل يكون اختلافهم من حيث الحكم كالمسافر والحاضر في لزوم القصر لأحدهما والإتمام للآخر والقول بالعقاب مع الصحة أوجب القول بالترتب وان كان الظاهر من روايات الباب عدم العقاب حسب الارتكاز وان هذا إرفاق من الشرع في خصوص المقام وعلى فرض وجود العقاب أيضا لا يكون البحث من الفقه ولا الأصول بعد صحة العمل بحسب الدليل بل هو مسألة كلامية.

٣٥٨

التنبيه الثاني

في انه لا فرق في جريان الترتب فيما كان الواجبان آنيين مثل إنقاذ غريقين في آن واحد أو تدريجيين كما في الإزالة والصلاة وقد أشكلوا على الأول بندرة الوجود لأنه لا يمكن ان يكون الواجبان في آن واحد فلا ثمرة للترتب هنا فيبقى الثاني وانه وان كان من الممكن جريانه فيه ولكن حيث ان الأمر بالمهم يكون بعد عصيان الأمر ـ بالأهم ولا يتحقق العصيان الّذي هو شرط الأمر بالمهم الا بعد امتثال المهم فيكون من ـ الشرط المتأخر وعلى فرض كون الشرط المتأخر محالا فلا يمكن الترتب لعدم حصول شرط الأمر بالمهم فلا يكون عليه الأمر فلا يصح العمل.

ولا يمكن إصلاح ذلك بما ذكره القوم تبعا لصاحب الفصول (قده) من ان الشرط هو التعقب بذلك فيكون الشرط مقارنا للمشروط لا المتأخر الآن التعقب يكون لحاظه مقارنا لا نفس الشرط والبحث في باب الترتب يكون في صورة عدم وجود دليل على ذلك في لسان الشرع بان يقال مثلا ان عصى كذا فيكون الأمر على كذا حتى يصلح بان ـ الشرط يكون هو التعقب كما يقال في مثل اشتراط صحة الصوم بالأغسال الليلية بل يكون في صورة حكم العقل فقط بعد كون الخطابين فعليين مع فعلية الملاكين ونكون في صدد إحراز الحكم بواسطة تصوير إمكان الترتب.

فالصحيح ان يقال انه على فرض القول بعدم الإشكال في الشرط المتأخر مثل باب الإضافات كإضافة الشخص إلى ولده الّذي لم يتولد وإلى ملكه الّذي زال عنه ملكيته فلا إشكال في المقام أصلا لأن مقتضى الجمع بين الخطابين هو القول بذلك واما على فرض عدم القول بإمكان الشرط المتأخر فنقول أي دليل لكم على ان التعقب بالقدرة في ـ التكاليف التدريجية لا يكفى لفعلية التكليف على ان بناء العقلاء في جميع أمورهم على ان القدرة تحصل فيما سيجيء أو هي باقية ويشرعون في العمل بواسطة الاستصحاب ـ القهقرى مع وجود احتمال الموت يقينا الّذي يسلب به القدرة مطلقا أو ساير المحاذير.

٣٥٩

فان قلت ان الخطاب في التكاليف يكون محرزا ولذا لا عذر للمكلف فيجب عليه الدخول في العمل بصرف احتمال بقاء القدرة بخلاف المقام فان الخطاب من أول العمل غير معلوم قلت انا نقطع بعدم الفرق بين المقام وساير المقامات من حيث دخل القدرة ضرورة ان المقام أيضا يكون عدم القدرة على الجمع سببا للقول بإتيان الأهم أولا فلو كانت حاصلة لكان الجمع واجبا على انه لأي دليل يجب ان يكون العمل التدريجي قدرته موجودة قبل ذلك فان القدرة على ميم عليكم في التسليم لا تكون دخيلة في القدرة على إتيان التكبيرة فانها إذا كانت حاصلة عند كل جزء تكفي ففي المقام أيضا يدخل في العمل وبه يحصل العصيان والقدرة على إتيان المأمور به بالأمر الترتبي وهو المهم.

هذا كله في صورة كون الدوران بين الأهم والمهم قبل الصلاة واما إذا كان بعد الشروع فيها في مثال الصلاة والإزالة فربما توهم ان حرمة قطع الصلاة تحكم بلزوم إتيانها ولا يعتنى بالإزالة التي هي الأهم ولكن التحقيق ان هذا لا كلية له بل يجب ملاحظة الأهمية أيضا في وسط الصلاة فلو كان غيرها الأهم يرفع حرمة قطعها مثل صورة وقوع شخص في وسط الصلاة في حرق أو غرق فان نجاة النّفس المحترمة أهم من إتمام الصلاة فالموارد يختلف حسب اختلاف الملاكات.

التنبيه الثالث

ذكر الفقهاء فرعا من الفروع الفقهية ويكون منهم صاحب الفصول (قده) وينسب الفرع إليه وقالوا بان مراده إصلاح المطلب بالترتب وهو انه إذا كان الماء الّذي يكون ملكا لشخص في إناء الغير فأخذه وتوضأ منه فقال بصحة الصلاة والوضوء ببيان ان ـ التصرف في إناء الغير وان كان حراما ولكن ان عصى المكلف وأخذ الماء يكون له ـ الوضوء به للترتب وقد أشكل عليه بان المناط في هذا الباب هو ان يكون الملاك في كل واحد من الأطراف فعليا ليصدق التزاحم وملاحظة الأهم والمهم وهو هنا ممنوع لأن الوضوء

٣٦٠