مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

قد تعرض لإشكال آخر في الكفاية أيضا وهو ان الوجود ربما يكون مانعا عن تأثير ـ الشيء مثل رجلين يريد أحدهما رفع الحجر والآخر إسكانه في مقامه فكل يصرف قوته في فعله فيكون وجود الضد علة لعدم الضد الآخر فالقوة على إبقاء الحجر في مكانه صارت مانعة عن تأثير قوة الآخر فوجود الضد صار مانعا من تأثير الضد الآخر.

ثم أجاب عنه بان هنا لا يكون وجود الضد مانعا بل يكون لأحدهما القهر و ـ السلطنة على الآخر فيصير علة الإسكان قاهرة فلذا يبقى الحجر في مكانه ولا يكون ـ الضد موجودا ليؤثر فلا يكون للآخر اقتضاء أصلا لا ان يكون وجود الضد من موانعه.

ثم ان شيخنا الأستاذ العراقي قال بان المؤثر والمقتضى يكون مؤثريته واقتضائه في ظرف عدم المانع ووجود الشرط فلا يكون المحرق مثلا طبيعة النار بل هي مع وجود الشرط وهو المماسة وعدم المانع وهو الرطوبة ومن هذا السبيل قال بان عدم المقتضى يكون سببا لعدم الضد لا لوجود المانع والحاصل ان تخصص الطبيعي يكون بواسطة ما هو العارض وهو عدم المانع ووجود الشرط ومن المعلوم ان وجود الطبيعي من حيث هو مقتض يكون مقدما على وجود العارض ضرورة تقدم المعروض عليه فعدم الصلاة يكون مستندا إلى عدم الإرادة الأزلية دون وجود الإزالة.

والجواب عنه هو ان ما يقول من ان الحصة من الطبيعي هي المؤثرة ولا يتخصص إلّا بما ذكر من الشرط وعدم المانع صحيح ولكن لا يكون البعض مقدما على البعض ـ الآخر ضرورة ان اجزاء العلة التامة تكون في صف واحد من التأثير والتقدم بالعلية ولا فرق في جزء دون جزء على ان عدم المانع لا يكون شيئا يكون له التأثير لأنه عدم محض فالدور يكون بحاله باقيا لو قلنا بمقدمية ترك الصلاة للإزالة.

فان قلت لازم هذا الكلام عدم دخالة ترك الصلاة في الإزالة وهذا واضح الفساد لأنها ما لم تترك لا يمكن الإتيان بالإزالة مقدما عليها قلت هذا من جهة توهم الرتبة بين تركها وفعل الإزالة ولكن لا مقدمية لها لفعلها نعم يكون التلازم بينهما فالحق هو لزوم الخلف وملاك المثلين والضدين واحد في هذا البحث فكل ما قيل فيهما يقال في المثلين أيضا.

٣٢١

الوجه الثاني للقول بان الأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده هو التلازم بين ترك أحدهما وفعل الآخر فانه لا إشكال في ان فعل الإزالة يلازم مع ترك الصلاة وهذا لا ينكر لو أنكرنا المقدمية فاما ان يكون الترك حكمه موافقا لحكم المأمور به وهو المطلوب بان يقال كما ان الإزالة واجبة فترك الصلاة أيضا واجب ولا يمكن ان يكون محكوما بحكم ضده مثل ان يكون الترك حراما مع وجوب الفعل وهو مما لا شبهة في بطلانه وكذلك لو كان مباحا فلا محالة يجب ان يقال بان ما يلازم الواجب فهو أيضا محكوم بحكمه.

وفيه ان الأحكام تكون تابعة للمصالح في نفس الأمر على مسلك العدلية من وجود المصلحة لكل حكم فلو كان الترك محكوما بحكم من الأحكام يجب ان يكون ـ لمصلحة من المصالح والعدم لا مصلحة فيه ضرورة ان الترك عدم من الاعدام فان قلت ما من واقعة إلا ولها حكم من الأحكام فكيف يمكن ان يكون الترك هنا بدون الحكم قلت يمكن ان يكون مباحا بالإباحة اللااقتضائية بمعنى ان لا يكون فيه مصلحة تقتضي الحكم بالإباحة بل لا يكون حراما ومكروها ولا واجبا ولا مستحبا ولا مباحا شرعيا فان قلت ان الإرادة التكوينية والتشريعية واحدة فكما انه لا يمكن في الأولى ان تكون بدون ما يلازمها كذلك الثانية لا تكون منفكة عما يلازمها فالامر بالفعل حيث يكون ناشئا عن إرادة تشريعية يكون لازمه النهي عن فعل الضد أي الإرادة على تركه فيصير فعله حراما وفيه انه وان كان كذلك في الواقع ولكن الكلام في انه هل هو إرادة الآمر أم يكون من اللوازم القهرية ونحن ندعي انه يكون من اللوازم القهرية لا الإرادية.

ثم انه قيل بان الضدين الذين لا ثالث لهما يكونان مثل النقيضين في الحكم مثل الحركة والسكون اللذان لا ثالث لهما فان الأمر بأحدهما يكون لازمه النهي عن الآخر فان الأمر بالشيء يكون لازمه النهي عن النقيض حتما ولا يمكن ان لا يكون كذلك فإذا كان حكم ما لا ثالث له مثل النقيضين ويكون الحكم فيه النهي عن الآخر لو صدر ـ الأمر بأحدهما من باب الملازمة فكذلك نقول فيما له ثالث لأن الملاك الّذي يكون فيما

٣٢٢

له ثالث يكون في ما لا ثالث له وهو البغض في الترك فانه يكون في مثل الصلاة والإزالة أيضا في فرض وجوب الثانية قبل الصلاة كما هو كذلك في الفقه.

والجواب عنه هو ان الأمر بالشيء لا يقتضى النهي عن نقيضه حتى يقال في الضدين الذين لا ثالث لهما انهما كالنقيضين فان الحب يكون متعلقا بالشيء واما البغض بتركه فحيث لا يكون له ملاك لا يكون سببا لحكم من الأحكام وان كان في الواقع ملازما لترك النقيض هذا كله حكم الضد الخاصّ وقد ظهر ان كلا الوجهين لا يكونان قابلين للاعتماد عليهما لإثبات حرمة الضد هذا كله الكلام في الضد الخاصّ.

في أن الأمر بالشيء هل يقتضى النهي عن الضد العام أم لا

واما الضد العام وهو الترك فهل يكون النهي عنه أم لا بنحو العينية أو بالتضمن أو بالالتزام ففيه اختلاف فمثل شيخنا الأستاذ العراقي والنائيني قدس‌سرهما ذهبا إلى انه يقتضيه والحق خلافه فنقول اما ان يكون الحكم هو الإرادة المبرزة كما هو التحقيق أو يكون مجعولا بنحو البساطة أو مجعولا بنحو التركيب بان يكون معنى الواجب هو طلب الشيء مع المنع من الترك ومعنى الحرام طلب الترك مع المنع من الفعل والبعث لا يكون إلّا معنى حرفيا كما حرر في محله ولا فرق في الجعل البسيط والمركب فيما نحن بصدده ولكنه قيل بان الحكم لو كان مركبا فلا شبهة في ان الأمر بالإزالة يكون معناه النهي عن تركها لأنه يكون جزء المعنى فالامر يكون دالا عليه بالتضمن.

وفيه ان المبنى فاسد لأنه لا يكون الطلب الا محبوبية الفعل واما النهي عن الترك فهو لا يكون تحت الجعل وعلى فرض البساطة لا يكون له الدلالة الالتزامية على الترك لأن المفسدة لا تكون في الترك بل المصلحة تكون في الفعل.

فان قلت على فرض كون الحكم هو الإرادة المبرزة فيكون الناشئ من الإرادة على الفعل هو الإرادة بالنهي عن الترك ووزان الإرادة التكوينية والتشريعية واحد قلت ان ـ الترك يكون عنوانا عرضيا ولا يكون متعلق الزجر لأنه عدم محض والقول بأنه يكون

٣٢٣

طرد الوجود لا معنى له وهذا هو التحقيق عندنا واما شيخنا العراقي (قده) كان يميل إلى القول بتعلق النهي بالترك وكان قائلا بان النهي عن الضد العام يكون لازم الأمر بالشيء ومن اللازم الغير البين وهو بحيث يصير بينا بعد الالتفات بمعنى انه لو سئل الآمر عن هذا لا بد ان يقول بذلك والجواب كما مر وهو انه يمكن ان يكون الترك محكوما بالإباحة اللااقتضائية لأن الترك يكون عدما محضا.

ثم ان الثمرة للبحث عن الضد يظهر في صورة كون الضد عبادة فانه يكون موجبا للفساد لو قلنا بان النهي في العبادات ينتج الفساد كما هو التحقيق وقد أشكل عليه الشيخ البهائي (قده) بان العبادة تحتاج إلى الأمر ولو لم يكن الأمر مقتضيا للنهي عن الضد فانه لا شبهة في ان الضد لا يكون له امر فعدم الأمر كاف في فساد العمل ومن المعلوم عدم الأمر بالنسبة إلى الصلاة التي يكون الإزالة واجبة قبلها.

والجواب عنه هو ان المسلك ان كان مسلك المحقق وصاحب الجواهر (١) من ان العبادة تحتاج إلى الأمر وحيث لا امر لا يمكن الإتيان بها فالحق مع البهائي (قده) واما على مسلك التحقيق كما عن المحقق الخراسانيّ (قده) أيضا من ان الملاك إذا كان باقيا يمكن إتيان العمل بداعيه فعلى القول بان الأمر يقتضى النهي عن الضد لا يمكن صحة العبادة لأنها منهية عنها والنهي يقتضى الفساد لا من باب ان الملاك يضمحل بواسطة النهي الغيري حتى يقال ان النهي المقدمي الغيري لا يكون فيه ملاك ليوجب اضمحلال ملاك الغير بل من باب ان النهي ولو كان غيريا يمنع من قصد التقرب بالعمل الّذي توجه إليه النهي واما على القول بعدم اقتضائه ذلك فحيث يكون ملاك العبادة بحاله يمكن إتيان

__________________

(١) أقول وقد مر ان الحق هو احتياج العبادة إلى الأمر من باب عدم الكاشف للملاك بدونه فلو فرض كشفه بقرينة بحيث يفهم منه الإلزام والأمر يكفى أيضا تبعا لمن ذكره مد ظله من تبعية الدلالة الالتزامية بقاء أيضا للخطاب ، إلّا ان يصحح العبادة بالأمر الترتبي.

٣٢٤

العمل بداعيه وهذه ثمرة مهمة مترتبة على هذا البحث.

والحاصل من قول البهائي (قده) هو ان طبيعة الصلاة يكون لها افراد فبعضها يكون مزاحما بالإزالة وبعضها غير مزاحم بها والأمر لا محالة ينطبق على الفرد الغير المزاحم فعلى فرض النهي عن الضد فعدم الأمر واضح وعلى فرض عدم القول بذلك أيضا فان العقل حاكم بأنه لا يمكن للمولى طلب هذا الفرد من الصلاة وكذلك المحقق يقول ان الضد لا امر له لكن يمكن ان يكون الأمر بنحو الواجب المعلق أو الشرط المتأخر لأن القدرة شرط كل تكليف وحيث لا تكون القدرة في صورة المزاحمة بالإزالة وتكون بعدها يقال ان الصلاة طبيعتها واجبة في هذا الحين لكن بنحو الشرط المتأخر أو الواجب المعلق الّذي يأتي شرحه.

وفيه ان الخطاب على الطبيعي ينحل ولا شبهة في عدم انحلاله على الفرد الّذي له المزاحم فلا امر له أصلا سواء كان من باب الشرط المتأخر والمعلق أم لا فقال شيخنا النائيني (قده) ان خطاب العاجز بطبعه محال لا انه يكون له الخطاب ويخصص بحكم العقل بعدم إمكان تكليف العاجز فالقدرة تكون قيد الموضوع وهو ما لم يتحقق لا يكون الحكم فعليا وفيه أولا انه على فرض مبناه (قده) من إنكار الواجب المعلق والشرط المتأخر يكون صحيحا ولكن لا يتم مبناه وثانيا ان العقل إذا كان قرينة على عدم خطاب العاجز لا ينافى ان يكون الخطاب بطبعه شاملا ثم يخصص بحكمه فيمكن الخطاب أولا ثم التخصيص بعده وثالثا على فرض كون القدرة شرطا لا يمكن ان تكون شرطا للموضوع لأن ما هو من أطوار الحكم لا يدخل في الموضوع والقدرة من أطواره لا من أطوار الموضوع.

٣٢٥

في بيان وجود الملاك

مع سقوط الخطاب بالتزاحم

ثم لتصحيح العمل بالملاك في ما لا امر له ومنه المقام الّذي تكون الصلاة في ظرف الإزالة غير مأمورة بها قيل بوجهين الوجه الأول هو إطلاق المادة كما عن المشهور وبيانه هو ان القدرة اما شرط شرعي أو عقلي للخطاب بمعنى عدم إمكان امتثال ذلك الا معها فان كانت من قبيل الأول يجب ان تكون مذكورة في الخطاب بان يقال صل ان قدرت كما يقال لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وان كانت من قبيل الثاني فلا يكون أخذها فيه لازما ولا يكون دخيلا في ملاك الحكم بخلاف الأول فانه يكون دخيلا فيه فان الحج لا يكون له مصلحة إلا مع الاستطاعة الشرعية لا العقلية ولا يفهم ذلك أي دخل القدرة في الملاك إلّا بذكرها فيه فحيث لم يذكر فيه نحكم بان المادة مطلقة من هذه الجهة فان الصلاة يكون لها المصلحة سواء كانت القدرة أم لا وهذا معنى إطلاق المادة فلو أتى المكلف بداعي الملاك كفاه ذلك.

وفيه ان القدرة سواء كانت مأخوذة في الخطاب أو لا يمكن ان يقال بعدم الفرق من حيث الدخل في الملاك وعدمه اما أولا فلأنه على فرض ذكرها فيه يحتمل ان يكون إرشادا إلى ما حكم به العقل وهو عدم إمكان إتيان عمل من الأعمال الا في ظرف القدرة فحيث فقدت لا يمكن إتيانه وثانيا انه لو لم يؤخذ في الخطاب أيضا يمكن ان تكون دخيلة في المصلحة ولكن اتكل المولى ما على يحتمل القرينية وهو حاف بالكلام لحكم العقل بان القدرة شرط التكليف والنكتة الوحيدة لأخذ القدرة في الخطاب على فرض كونها كذلك هي حفظ الغرض فلو لم تؤخذ أيضا يكون على هذا الفرض يعنى احتمال الاتكال على القرينة محفوظا.

واما ما مر هنا عن شيخنا النائيني (قده) من ان القدرة من لوازم الخطاب وهي لا تؤخذ في الموضوع والمتعلق لأنه يكون مطلقا من هذه الجهة وان كان مسلما ولكن لا نقول

٣٢٦

بان القدرة يكون من لوازم المتعلق إشكالا على القائلين بإطلاق المادة بل نقول يمكن ان يتكل المولى على ما يحتمل القرينية وهو القدرة في ظرف الامتثال واكتفى به عن ذكر ما هو من شئون الخطاب وقد حفظ غرضه بذلك.

فان قلت ان القدرة التكوينية حيث لا دخل لها في الملاك ولم يذكرها المولى في الخطاب حتى تصير شرعية يلزم نقض الغرض في صورة المزاحمة فان المكلف يأتي بالصلاة مع ترك الإزالة ويحتج بعدم أخذ القدرة الشرعية في الخطاب قلت ما ذكر من احتمال الاتكال على القرينة يوجب إجمال الخطاب ويصيّره بحيث لا يمكن للعبد الاحتجاج بعدم الدخل بل للمولى ان يقول مع احتمالك الدخل باحتمال الاتكال ما أحرزت المصلحة فهو ما انقض غرضه فلا تجري مقدمات الإطلاق لإثبات إطلاق المادة فتحصل أن هذا الوجه لإحراز الملاك عندنا غير صحيح.

والوجه الثاني وهو الصحيح عندنا هو ان الخطاب يكون له دلالة مطابقية على وجوب الامتثال ودلالة التزامية على وجود الإرادة بالمتعلق ودلالة التزامية أخرى على وجود المصلحة والملاك لهذه الإرادة ولهذا الخطاب وهذه الظهورات الثلاث مما لا ينكر ثم في مقام الحجية تنفك الدلالات الثلاث فانه إذا سقط حجية الدلالة المطابقية لا يسقط حجية ساير الدلالات (١) فعلى هذا يكون الظهور في الملاك باقيا كما مر منا مرارا.

فان قلت ان (٢) من المقدمات للإطلاق تمامية البيان أي كون المولى بصدد بيان

__________________

(١) وقد مر منا سقوط الدلالة الالتزامية أيضا بسقوط الدلالة المطابقية ولا يصح العمل الا بالأمر ولو كان هو الأمر الترتبي لأن الخطاب على الطبيعي لا يكفى لإثبات الملاك للفرد الّذي لا يكون تحت الخطاب لمانع من الموانع.

(٢) أقول : هذا الإشكال والجواب يناسب القول بالاخذ بالإطلاق لا ما ذكره مد ظله وان كان قد ذكر في ذيل مطلبه في الدرس وحيث لم يجب عنه مع مسلمية مبناه عنده يصير ما نقول واضحا ولكن أصل مطلبه قد مر منا مرارا انه غير صحيح بل جميع الدلالات في الحجية أيضا طولي فإذا سقط الخطاب سقط بقية الدلالات وكذلك إطلاق المادة أيضا لا يصح.

٣٢٧

تمام ما ذكر وحيث ما أحرزنا انه هل كان في مقام بيان الملاك أم لا فكيف يكشف ذلك فانه يكون في صدد طلب مراده من العبد بنحو المولوية والتعبد قلت قد أجاب شيخنا النائيني (قده) بان للدلالة موطنين موطن بدلالة اللم وهو الطلب بالخطاب وموطن بدلالة الآن وهو انه بعد الخطاب يكشف انه له الملاك ولكن لا يتم هذا الجواب لأنا نقول بان الدلالة الآنية تكون بمقدار كاشفية الخطاب ففي صورة عدم إثبات إطلاقه كيف يكشف ما هو لازمه.

بقي في المقام إشكالان الأول هو ان الّذي نكون في صدده هو القدرة التي دخيلة في امتثال التكليف فانها لو كانت شرطا للوجوب لا يكون الملاك في ظرف المزاحمة مثل مزاحمة الصلاة مع الإزالة ولو كانت شرط الواجب أيضا وهو المتعلق كان المتعلق مقيدا بالقدرة من جهة البعث فلا محالة يوجب ذلك ضيق الوجوب فما الفرق بين كون القيد قيد الهيئة أو قيد المادة مع ان البعث يكون من شأن الهيئة لا المادة والتمسك يكون بإطلاق الهيئة دون المادة في صورة الاحتياج إلى الإطلاق.

وفيه ان في المقام يكون القدرة شرط الواجب والبعث يكون بنحو الواجب المعلق لا المشروط فيكون مثل الموسم الّذي علق عليه الحج فانه تكون الهيئة مقيدة بالقدرة من حيث البعث ولكن القدرة تكون شرط الواجب فلا تكون دخيلة في المصلحة كما ان الموسم لا يكون دخيلا في مصلحة الحج وتكون مثل الطهارة أيضا بالنسبة إلى الصلاة فان الصلاة لها مصلحة بدون الطهارة في ذاتها ولا تكون شرط الوجوب للصلاة حتى لا تجب بدونها نعم لا تصح بدونها في مقام الامتثال فالفرق بين كون القيد قيد الوجوب أو الواجب واضح.

الإشكال الثاني ان المدلول المطابقي وهو البعث يكون مشروطا بالقدرة فحيث كان في المقام ما يحتمل القرينية وهو شرطية القدرة العقلية كذلك يحتمل ان يتكل عليه المولى في ساير المداليل الالتزامية فتكون هي قيدا لسائر المداليل.

وفيه ان الإشكال على القرينة المحتملة يكون في صورة كون ظهور الدلالة

٣٢٨

المطابقية حجة واما على فرض عدم الحجية في ظرف عدم القدرة الشرعية فلا يكون ما يحتمل القرينية مضرا بسائر الدلالات فالدلالة الالتزامية على وجود المصلحة بحالها (١) وبعبارة أخرى عدم ذكر القيد وهو القدرة في الكلام يدل على انها ليست قيدا للوجوب بمراتبه غاية الأمر دخله في مرتبة البعث والإرادة يفهم من العقل وتبقى الدلالة على عدم الدخل في القدرة بحالها.

تنبيه

ربما توهم ان ظهور كل واحد من الخطابين أي خطاب أزل وصل في الفعلية بمراتبها أوجب القطع بكذب أحدهما ضرورة انه لا يمكن الجمع بينهما فحينئذ الواجب ـ الرجوع إلى المرجحات السندية فحينئذ لا مجال لكشف الملاك وفيه ان عدم إمكان الجمع بينهما لعدم القدرة لا يوجب درجهما في كبرى المرجحات السندية إذ دليل الاعتبار في كل منهما تام غاية الأمر العقل يحكم بالتخيير على فرض تساوى الملاك وإلّا يرجح ما هو ـ الأهم ولتوضيح ذلك يجب البحث عن ملاك باب التعارض والتزاحم.

فصل في ملاك التزاحم والتعارض

فنقول يجب ان يبحث عنه في مقامات الأول في ملاك باب التعارض والتزاحم والمائز الماهوي بينهما فان قلت ليس عنوان التزاحم والتعارض في لسان دليل شرعي حتى نبحث عنهما قلت يكون التعارض في لسان بعض الروايات بقوله عليه‌السلام إذا جاءك الخبران المتعارضان إلخ فيجب فهم التعارض وبالمناسبة يجب البحث عن ـ التزاحم أيضا حتى يكون لكل حكمه وهذان الأمران لا يكونان عرفيين حتى نرجع

__________________

(١) أقول هذا على فرض القول بان سقوط الدلالة المطابقية لا يوجب سقوط الدلالة الالتزامية كما هو مبناه مد ظله واما على فرض سقوط الدلالة الالتزامية عن الحجية بواسطة سقوط المطابقية كما هو التحقيق فلا يكون هذا جوابا عن الإشكال.

٣٢٩

إلى العرف في مفهومهما ولو سلمنا كونهما عرفيين أيضا فلنقدم ما يكون الحاكم فيه هو العقل وهو بحث التزاحم فان العقل بعد ملاحظة ان الجمع في الامتثال غير ممكن يحكم بالتزاحم بين الملاكين.

فنقول خلاصة أفكار العلماء وآخر فكر النجفيين هو ان ملاك التزاحم هو عدم إمكان الجمع بين امتثال الخطابين سواء كانا متماثلين مثل صل وأزل أو متضادين مثل صل ولا تغصب فان الكل مشترك في عدم إمكان الجمع في زمان واحد والحاصل إذا كان الأمران أو الأمر والنهي على عنوانين متعددين يكون الباب باب التزاحم.

واما التعارض فهو يكون في صورة كون العنوان واحدا ويكون التكاذب في مقام الجعل والإنشاء مثل ان يقول المولى صل الجمعة ولا تصلها أو يقول تجب الجمعة ولا تجب أو تجب الجمعة وتحرم فانه لا يمكن ان يكون شيء واحد بجهة واحدة متعلقا للأمر والنهي هذا هو الّذي نختاره في هذه الدورة في مقام بيان ملاك التعارض.

واما ما قررناه في الدورة السابقة ويكون في تقريراتنا من ان الأمر بالشيء يكون له مدلول مطابقي وهو البعث ومدلول التزامي وهو المنع من تركه وكذلك النهي عن شيء هو الزجر عنه بمدلوله المطابقي وطلب تركه بمدلوله التزامي والمدلول ـ الالتزامي في كل واحد يكذب الآخر فلا يتم لأن الأمر بالشيء لا يقتضى النهي عن ضده والترك لا يكون شيئا حتى يتعلق به طلب بل هو عدم محض والزجر يكون عن الوجود فالتكاذب في الواقع يكون بين المدلولين المطابقيين على ما وصل إليه فكرنا في هذه ـ الدورة.

ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال في المقام بان ملاك التزاحم هو ان يكون المانع في الامتثال من جهة العبد لا من جهة الجعل بخلاف التعارض فانه يكون المانع من جهة الجعل وتكاذب الدليلين وفيه ان الملاك في التعارض هو التكاذب في مقام الجعل على عنوان واحد وفي مقام الإنشاء واما إذا كان التكاذب من جهة فعلية التكليف لا يكون مندرجا في باب التعارض ففي العامين من وجه مثل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق في مورد

٣٣٠

الاجتماع وهو العالم الفاسق يكون التكاذب من جهة انحلال التكليف لا من جهة أصل إنشائه ولذا يكون مندرجا تحت باب التزاحم لا التعارض (١) لا يقال ان التزاحم يحتاج إلى إحراز الملاك وفي مثل العامين من وجه حيث لا يكون لنا سبيل لكشف الملاك لا يكون من المتزاحمين لأنا نقول للعقل سبيل لكشف الملاك في صورة سقوط الخطاب بواسطة عدم الإمكان الجمع اما بإطلاق المادة أو بإطلاق الهيئة كما نقول من بقاء الدلالة الالتزامية عند سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية (٢) فتحصل ان ملاك التزاحم هو عدم قدرة العبد على الجمع وملاك التعارض وحدة العنوان المنهي عنه والمأمور به هذا هو المائز الماهوي بين البابين.

__________________

(١) هذا التزاحم لا يكون مثل ساير المقامات حتى نحرز الملاك لكليهما ثم نختار أحدهما على التخيير على التساوي أو على التعيين على فرض كونه أهم بل الأصل العقلي على التساقط ومرجعه إلى عدم الدليل على إثبات أحد الطرفين فكأنه لا دليل أصلا لهما ولا يرجع إلى المرجحات السندية بل يؤخذ بالقدر المتيقن من الدليل ولا يكون المرجع مرجحات باب التزاحم أيضا.

(٢) هذا على مبناه مد ظله واما على مبنى من يقول بسقوط الدلالة الالتزامية أيضا عن الحجية بعد سقوط المطابقية كما عن الجواهر والنائيني والمحقق والبهائي (قدس‌سرهم) وهو الحق فلا يتم هذا الجواب وكذلك لا طريق لإثبات الإطلاق للمادة بعد سقوط الهيئة في الدلالة المطابقية لعدم الانفكاك بين المادة والهيئة.

نعم ربما يقال بتقديم أحد المتزاحمين على الآخر لبعض الملاكات فان الشخص مثلا إذا كان له ماء يكفى اما لتطهير ثوبه أو للوضوء به فربما يقال حيث يكون للوضوء بدل وهو التيمم ولا يكون لتطهير الثوب بدل يقدم تطهير الثوب وهذا من باب تقديم أحد المتزاحمين على الآخر وهذا الوجه وان كان غير تام عندنا وعنده مد ظله فان وجود البدل وعدمه لا يكون ملاكا للتقديم فربما يكون المقدم ما له البدل لأقوائية ملاكه ولكن ذكرناه من باب المثال.

٣٣١

المقام الثاني في هذا الباب هو ان في باب التعارض لا يكون للعقل حكم بتقديم أحد الطرفين لعدم سبيل له إلى كشف الملاك الا بالخطاب وهو متكاذب بل الشرع بين ان المقام يكون المرجح له وهو الأوثقية والأشهرية وغيرهما واما في باب التزاحم فحيث يكون الملاك منكشفا فالمناط على أقوى الملاكين بحكم العقل أو التخيير ـ العقلي إذا كانا متساويين وفتوى المجتهدين يكون التخيير فيه من جهة التزاحم لا ـ التعارض ومن الطرق لتقديم أحد الطرفين مثلا أيضا ملاحظة ما له البدل مثل الوضوء مثلا وما ليس له البدل مثل تطهير الثوب.

ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال بان (١) في بعض الموارد لا يكون الإشكال في مرحلة الجعل مثل العامين من وجه فان جعل التكليف في المورد الخاصّ الّذي هو مورد الاجتماع يكون لغوا في مقام الجعل بخلاف الصورة التي يكون التزاحم اتفاقيا مثل ـ الصلاة والغصب والجواب عنه (قده) هو ان الاتفاقي أيضا يكون جعله لغوا لانحلال ـ التكليف في لب الواقع فان الشارع حين جعل التكليف يرى انه في صورة عدم قدرة العبد لا يمكن تكليفه وهو (قده) قائل بالانحلال أيضا ولا يقول بان التكليف يكون على ـ الطبيعي فعند مزاحمة الصلاة بالإزالة في ضيق الوقت أيضا لا يمكن التكليف بكليهما كما انه لا يمكن في صورة غرق الابن والعبد الأمر بإنقاذهما معا.

فان قلت يمكن جعل التكليف في هذه الصور وثمرته يظهر في صورة الترتب فانه

__________________

(١) هكذا كان التلقي في الدرس ولكن الصلاة والغصب أيضا يكون التزاحم فيهما اتفاقيا في مورد الجمع ولعله وقع هنا سهو في البيان وفي تقريرات بحثه مد ظله المثال للدائمي بوجوب الصلاة إلى القبلة وحرمة استدبار الجدي فان التزاحم دائمي لعدم الجمع بينهما أصلا فان وجوب الصلاة إلى القبلة لا يجتمع مع حرمة استدبار الجدي لأنه لا بد منه ليحصل الاستقبال وهذا المثال أيضا لا يكون التزاحم فيه دائميا إلّا إذا فرض الحرمة في خصوص حال الصلاة وإلّا فعلى فرض إطلاق الحرمة لغير حالها فهو من العام والخاصّ ولهما جمع عرفي.

٣٣٢

إذا عصى امر أحدهما وهو الأهم يكون للآخر امر قلت سيجيء ما فيه في التنبيهات عند بيان الترتب.

المقام الثالث في بيان الأمثلة التي تكون في باب التزاحم وأكثرها مخدوشة.

منها الدوران بين الواجب الموسع والمضيق مثل الدين الّذي حل وقته والصلاة التي تكون موسعة الوقت فانه يقدم أداء الدين على الصلاة واستدل له بان وجوب الأداء يكون له الاقتضاء ووجوب الصلاة يكون لاقتضاء بالنسبة إلى هذا الوقت والمقتضى مقدم على اللااقتضاء.

وفيه ان أصل المدعى صحيح ولكن هذا الطريق غير صحيح لأن الصلاة التي تكون في ظرف وجوب أداء الدين تكون فردا من افراد الطبيعي والفرد أيضا له اقتضاء ومن هذا الوجه يتصور التزاحم وإلّا فعلى الفرض الأول فلا يكون التزاحم أصلا لعدم الملاك للصلاة على الفرض الّذي فرض من عدم الاقتضاء لها واما أصل المطلب فحيث يمكن ـ الجمع بين الملاكين وتطبيق الصلاة على غير هذا الفرد فيجب فيه اختيار غير المزاحم من الفردين.

ومنها تقديم ما له البدل على ما لا بدل له وقبل الهمدانيّ (قده) ذلك ويكون له حجر أساسي وبعضهم أشكلوا من حيث الصغرى دون الكبرى كما لو كان له الماء بقدر الوضوء أو إزالة الخبث عن الثوب أو الجسد فانه يقال حيث يكون للوضوء بدل ولم يكن لتطهير الخبث بدل كذلك فيقدم إزالته ويتيمم والقائل بهذا القول ولعله صاحب المسالك يستدل بان البدل واف بتمام مصلحة المبدل مثل الصلاة القصرية في موضع التمام في ـ السفر فانها وافية بتمام مصلحة التمام.

وفيه ان البدل وان كان واف بمصلحة المبدل ولكن لا يفي بجميع مصلحته بل ببعضها وإلّا لم يكن بد لا ففي المقام لا ندري ان مصلحة الوضوء أهم من جهة ما بقي من مصلحته أو مصلحة إزالة الخبث ولا سبيل لنا إلى التقديم الا في مورد دل الدليل

٣٣٣

على التقديم مثل القصر والإتمام (١).

ومنها تقديم إنفاق العيال على الحج إذا كان له المال بقدر ما يحج به أو ينفق على عياله فان وجوب الأول منوط بالقدرة العقلية (٢) والثاني منوط بالقدرة الشرعية والأول واجب مطلق والثاني واجب معلق على الشرط وهو القدرة بقوله تعالى من استطاع إليه سبيلا فان قلنا بان الظاهر من دخل القدرة هو الدخل في الملاك كما عن النائيني (قده) فيكون نفقة العيال مقدمة والإنفاق عليه يوجب عدم بقاء الموضوع للحج بعد صرف القدرة في نفقة العيال وان قلنا باحتمال الإرشاد إلى القدرة العقلية الدخيلة في كل تكليف

__________________

(١) أقول هذا المورد لا يكون من باب البدل والمبدل بل اختلاف الموضوع في السفر والحضر أوجب اختلاف الحكم فأحد الحكمين للمسافر والآخر للحاضر

(٢) أقول القدرة في نفقة العيال أيضا شرعية تكون على حسب المتعارف ولذا لا يلزم على من لا يجد شيئا ويكون له مقام وشخصية مثل مجتهد جليل ان يقوم على الطريق ويسأل الناس ليجد نفقة العيال فلو كانت القدرة عليها عقلية تكون حاصلة في الفرض أيضا.

فالكلام فقط في ان الواجب مشروط في أحدهما ومطلق في الآخر ثم يلاحظ المرجح وهو مع نفقة العيال لاحتمال الأهمية لو كانت القدرة مأخوذة في لسان دليل الحج واحتمل الإرشاد وعلى فرض الدخل في الملاك فهو مقدم قطعا.

على ان نفقة العيال لا تكون معلقة على الموسم وان كان لها موسم بحسبها فان كل يوم يكون التكليف بالإنفاق وقد حصل موسمه ولا يجب قبله وصرف القدرة فيه واجب بخلاف الحج فانه سيأتي موسمه إلّا ان يفرض بفرض نادر أن نفقة يوم لعياله يكفى للحج حين موسمه.

ثم لا يخفى انه لو كان لنا دليل منفصل بان القدرة شرعية في نفقة العيال فكيف يقال بأنها ليست دخيلة في الملاك ويقال في الحج بذلك ولو كان في أحدهما دخيلا في الملاك دون الآخر فائضا بعد حصول القدرة يكون ما هو الدخيل في الملاك حاصلا فللحج أيضا يحصل الملاك فيجب ان يلاحظ ان التقديم لأيهما بنظر أدق مما ذكروه.

٣٣٤

فالظاهر أيضا تقديم النفقة لاحتمال الأهمية وتخصيص دليل الحج بغير هذه الصورة و ـ الحاصل انه على فرض كون دخل القدرة إرشادا في الحج يكون في المقام من الشبهة ـ المصداقية لقوله تعالى لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا لعدم العلم بشموله له.

ومنها أي من الأمثلة في التزاحم هو الدوران بين الحج والنذر لزيارة سيد الشهداء مولانا الحسين عليه‌السلام في يوم عرفة فحصلت القدرة في السنة بحيث تكفي الحج والنذر أو لأحدهما ولكن حيث يكون يوم عرفة غير قابل للجمع فهل التقديم مع الحج أو الوفاء بالنذر فان النذر يكون سببه قبل وجوب الحج لعدم الاستطاعة قبله وكذا إذا دار الأمر بين القيام في الركعة الأولى في الصلاة والقعود في الركعة الثانية أو بالعكس فهل التقديم مع القيام في الأولى أو في الثانية ففي هذا المثال يقال بتقديم صرف القدرة في الأولى لأن التكليف بالنسبة إليها منجز وبالنسبة إلى الثانية معلق والمنجز مقدم على المعلق.

واما المثال الأول فقد يقال فيه بتقديم النذر لتقديم سببه على الحج ضرورة انه ما دام لم تحصل القدرة لم يجب والفرض انه لم تحصل له قدرة على الحج بل على النذر في صورة كون القدرة لأحدهما وفي صورة كونها لكليهما فتقديم السبب يوجب تقديم المسبب وهو في النذر مقدم.

وقد أشكل عليه بان المناط يكون التزاحم في ظرف الامتثال وهو عدم إمكان ـ الجمع بين الحج والزيارة في يوم مخصوص على ان شرط النذر هو ان يكون متعلقه راجحا ولم يكن محللا للحرام وحيث يكون الحج أهم فهو راجح وحيث يكون تركه حراما يكون النذر باطلا لأنه يئول إلى ذلك فلا يكون له رجحان ويكون محللا للحرام.

والجواب عنه ان التزاحم يكون في ظرف الامتثال على فرض ان لا يكون الواجب ـ المعلق قبل حصول شرطه وهو الموسم فعليا واما على فرض الفعلية (١) في المطلق و ـ

__________________

(١) أقول : لا يكون لنا الا واجب مطلق أو مشروط والثاني قبل حصول شرطه ليس بفعلي كما مر في محله فقبل ظرف الامتثال لا فعلية لتكليف الحج على فرض القدرة على كليهما وعلى فرض القدرة على النذر فقط أو الحج فالأوّل قد سقط به الموضوع للثاني.

٣٣٥

المشروط كما هو التحقيق فلا وجه للقول بالتزاحم في ظرف الامتثال فقط بل هو في ظرف الفعلية قبل الامتثال أيضا يكون موجودا ومشروطية النذر برجحان المتعلق ممنوعة بل يكفى عدم المرجوحية واما مسألة محللية الحرام فتعكس عليهم ويقال ترك النذر ـ أيضا حرام والحج هنا يستلزم الحرام وكيف كان يشكل الحكم بتقديم الحج وان كان محتملا وزيارة مولانا الحسين عليه‌السلام مع كمال شرافته بالروايات أيضا لا ينقص عن الحج ولا يقال وجوب الحج في ذاته عند القدرة واستحباب الزيارة عندها من حيث ـ الملاك فيقدم الواجب على المستحب لأنا نقول هل يتفوه أحد إذا دار الأمر بين وجوب علف الدّابّة واستحباب زيارته عليه‌السلام تقديم ملاك الأول على الثاني فان كل واجب لا يكون ملاكه أقوى بالنسبة إلى كل مستحب فلا سبيل لنا لترجيح أحد الطرفين من باب الملاك بهذا النحو هذا كله كان مثالا ذكرناه تبعا للاعلام وفي الواقع يكون البحث فيه مربوطا بالفقه لا بالأصول.

في ثمرة المائز بين التزاحم والتعارض

اما ثمرة البحث في المقام يعنى البحث في مائز التزاحم والتعارض بعد بيان ضابطتهما مختصرا فهي انه لو قلنا في مورد تعدد العنوان بالتعارض لا يكون لنا طريق لكشف الملاك في مثل الصلاة في ظرف مزاحمة الإزالة حتى لو عصى المكلف الإزالة فصلى فيقال بصحة صلاته فانه لا وجه للقول بالصحّة واما على القول بالتزاحم حيث يكشف ـ الملاك ولو سقط الخطاب فالصلاة صحيحة فان لب الحكم هو الملاك والخطاب قشر له (١) في التخيير العقلي والشرعي عند تساوي المصلحتين في باب التزاحم أقول على فرض تساوي المصلحتين فهل التخيير عقلي أو شرعي فيه خلاف فقيل

__________________

(١) أقول : بعد سقوط الخطاب سواء كان من باب التعارض أو التزاحم لا ملاك على ما مر ولا يصح في صورة العلم بوجوب الإزالة وفي صورة الجهل يصح لعدم التكليف إلّا ان يصحح العمل بالترتب كما سيجيء البحث عنه.

٣٣٦

بأنه شرعي والمراد بالشرعية هو انه بعد تصادم الملاكين يمكن إحراز حكم الشرع وعدم رضائه بترك كلا الطرفين مما نعلم انه لو لا الآخر يكون هذا مطلوبه كما عن ـ الرشتي والمحقق صاحب الحاشية (قدس‌سرهما) وقد أجاب عنه شيخنا النائيني (قده) بان التصادم حيث يكون من ناحية عدم قدرة العبد على الجمع يكون الحاكم باختيار أحد الطرفين العقل لا الشرع.

فأقول ان مناط كون التخيير عقليا هو كون الحكم على الطبيعي بعنوان واحد ويكون اختيار مشخصات الفرد بحكم نفس المكلف واختياره مثل الصلاة الممكنة للامتثال في المسجد وفي الدار وفي غيرهما ولا يكون معينا عند الشارع ان أيّ فرد من افرادها تحت التكليف والحاصل كيفية الامتثال والتخيير يكون بنظر العقل.

واما التخيير الشرعي فهو الّذي يكون بيان الفرد للطبيعي بنظر الشارع من دون ان يكون الجامع بين الافراد مثل خصال الكفارات فان الخطاب يكون من الشرع على أحد الأطراف من الصوم والإطعام والعتق لا على التعيين ولكن يكون الخطاب حتميا وقد أشكل بان الخطاب في كل واحد من الطرفين في مورد التصادم في المقام يكون لا محالة مشروطا بعدم الآخر وقبل الامتثال يكون العدم حاصلا فيكون شرط كل تكليف من الشرع حاصلا فيكون الخطابان فعليين وهو محال فيكون أحد الخطابين فعليا في صورة كون العنوان واحدا فضلا عن صورة التعدد كما عن الرشتي (قده) من سقوط أحد الإطلاقين وأجيب عنه بان اللازم منه الدور لأن الخطاب بأحد الطرفين منوط ومتوقف على عدم الخطاب بالآخر وعدم الخطاب بالآخر متوقف على الخطاب بغيره وهذا دور واضح (١) فلا يكون الوجوب مشروطا والحاصل المقام لا يكون من الواجب المشروط.

__________________

(١) أقول الخطاب في كل واحد منهما إذا كان لونه الفعلية في ظرف عدم الامتثال بالآخر لا يكون الفعلية مطلقا مثل ما إذا قيل العصير العنبي إذا غلى يحرم فان الحكم من أصله يكون مشروطا وحصول الحرمة يكون بعد وقوع الشرط وهو الغليان في الخارج ـ

٣٣٧

وأجيب عن الجواب أيضا بان الواجب مشروط لا الوجوب حتى يلزم الدور بمعنى ان أحدهما واجب وفي ظرف الامتثال مشروط بعدم الآخر مثل الصلاة المشروطة بالطهارة وعدم التكتف فان وجوبها غير منوط بعدم التكتف بل لا يبقى موضوع لأحدهما بدون الآخر وفيه هذا أيضا لازمه الخلف لأن كل واحد لا يكون مطلقا بالنسبة إلى الآخر ولا مهملا بل مشروطا وهو خلاف الفرض كما في الاجزاء الارتباطية ولكن الجواب الصحيح هو إصلاح المطلب بنحو القضية الحينية كما مر منا مرارا بان يقال كل واجب في ظرف عدم الآخر لا مقيدا به.

ثم ان العقل (١) وان كان يكشف ان أحدهما يجب الإتيان به للملاك ولكنه لا يثبت ان الملاكين متساويان في الواقع بل يمكن ان يكون في نظر الشرع متعينا والعقل من باب اللابدية يحكم بالتخيير فلا يكون مثل خصال الكفارة التي يفهم التساوي فيه من الشرع بنص الخطاب الكاشف عنه بواسطة كونه تخييريا.

ثم لا يخفى عليكم ان القول بان الحاكم بالتخيير هو العقل غير صحيح في المقام بل الكاشف هو العقل فان التكليف ان تعلق بالطبيعي الجامع بين الافراد يكون التخيير بين

__________________

ـ وهنا يكون شرطية الامتثال بنحو المرآتية عن الخارج فما لم يحصل يكون الخطاب المشروط بحاله في كل واحد منهما والدور يكون في صورة كون أصل الخطاب منوطا بالآخر واما الخطاب المشروط فيكون لكل واحد منهما ولا ينافى الآخر ولا دور بين الخطاب والامتثال في الخارج أيضا لعدم توقف الامتثال الا على علله لا على خطاب ذلك الفرد واما القضية الحينية ففي الخطابات الشرعية ففيها إشكال التقييد أيضا.

(١) أقول انا بعد إثبات تساوي الملاكين بالدليل المثبت له إذا وقعنا في التزاحم ويكون الفرض في هذا المورد فكيف يقال يمكن ان يكون معينا في نظر الشارع فان الملاك الّذي كان محرز التساوي قبل التزاحم لا ينقلب عما هو عليه وأيضا لا نكون في صدده بل نحن تابع للدليل وهو أثبت لنا التساوي والتخيير سواء كان عقليا أو شرعيا ويكون على هذا الفرض.

٣٣٨

إتيانه في ضمن هذا الفرد أو ذاك بنظر العقل من باب انه هو الحاكم بعد عدم بيان كيفية الخصوصيات الفردية من الشرع مثلا في الصلاة فلا يكون المقام من التخيير العقلي بعد عدم الجامع بين الفردين مثل الإزالة والصلاة فان الأمر بطبيعي الصلاة غير الأمر بطبيعي الإزالة نعم الكاشف هو العقل بعد عدم إمكان الجمع بين الإتيان بالفردين في آن واحد.

فالصحيح ان يقال الضابطة لكون التخيير شرعيا لا تكون ما توهم في كلمات القوم من ان التخيير الشرعي ما كان في لسان الدليل فقط مثل خصال الكفارات بل كل مورد يكون أصل الخطاب من الشرع ولا يكون لافراده جامع ولا طريق للعقل إلى الحكم بتساوي الملاكين يكون هو التخيير الشرعي ومقامنا هذا منه لكن التخيير يكون من باب اللابدية في الامتثال بحيث لو أمكن الجمع كان لازما بخلاف مثل الخصال فانه يكون التخيير من طرف الشرع لا من اللابدية.

فتحصل من جميع ما تقدم ان إلقاء أحد الخطابين بواسطة التصادم بين الإطلاقين وعدم إمكان الأخذ بهما من باب التقييد كما عن الرشتي (قده) غير تام لأنه لا يسقط الإطلاق بلا بدية التقييد بعدم الآخر بل أصلحناه على نحو القضية الحينية فكل خطاب يكون موجودا في حين عدم امتثال الآخر وظهر عدم تمامية ما عن المحقق صاحب الحاشية (قده) من ان الحاكم بالتخيير يكون هو العقل من باب اللابدية بل العقل كاشف عن بقاء أحد الخطابين على التخيير وعليه يكون التخيير شرعيا.

في ثمرة النزاع في التخيير العقلي والشرعي

ثم ان شيخنا النائيني (قده) ذكر (١) ثمرات للنزاع في كون التخيير عقليا أو شرعيا فمنها هو ان التخيير ان كان شرعيا لا يكون لترك الطرفين الأعقاب واحد لأن

__________________

(١) وهذا البحث منه (قده) في تقريرات العلامة الخوئي (مد ظله) «أجود التقريرات» فان شئت المراجعة إلى بيانه فارجع إليها.

٣٣٩

الخطاب واحد في الواقع واما على العقلي فيكون لازمه استحقاق العقابين لأنه ترك ترك الملاكين فان قلت انه لا يقدر على الجمع بينهما فكيف يكون معاقبا بعقابين قلت (١) سيجيء البحث في انه حيث يكون له القدرة على تركهما وان ترك كل واحد يكون معاقبا على التركين اللهم إلّا ان يقال ان الحب الفعلي والبغض الفعلي يكون عليه العقاب والثواب واما الحب بالطبيعي الّذي لا يمكن الجمع بين افراده لا يكون مؤثرا وما هو فعلى في المقام هو أحدهما لا كلاهما.

والجواب عن هذه الثمرة انها غير تامة لأنها مربوطة بالاخرة ضرورة ان الثواب والعقاب منوط بها وليس هذه ثمرة فقهية وسيظهر الحال.

ومنها انه لو كان التخيير بين المتزاحمين عقليا يجب القول بالاشتغال في صورة احتمال الأهمية في أحد الطرفين واما إذا كان شرعيا فيكون مبنيا على القول بالاشتغال في التعيين والتخيير الشرعي أو البراءة في صورة احتمال التعيين.

وبيانه على ذلك ان العقل إذا كان حاكما يحكم بالاشتغال بالتكليف ما دام لم يحصل العلم بالفراغ منه واما إذا كان الحاكم الشرع فحيث ان الشك يكون في وجوب امتثال محتمل الأهمية يرجع إلى الشك في أصل جعل التكليف الزائد فالأصل يقتضى البراءة.

وفيه ان هذا يكون بيان كل مورد يكون الشك في التعيين والتخيير فمن قال بالبراءة هناك يقول بهاهنا ومن قال بالاشتغال هناك يقول به هنا أيضا وهذا إشكالنا عليه في الدورة السابقة واما في هذه الدورة ففي الذهن شيء يمكن إصلاح ما ذكره الأستاذ (قده) به وهو ان المتزاحمين إذا قلنا بمقالة الرشتي من تعارض الإطلاق في كلا

__________________

(١) لا يخفى ان القدرة على الترك يكون موجبا للعقاب في صورة كون الفعل مأمورا به واما إذا لم يمكن ان يكون الأمر بكلا الطرفين فيكون الأمر على فعل واحد وله ترك واحد على التخيير فلا وجه لهذا القول أصلا وقد أصلحه (مد ظله) بقوله اللهم.

٣٤٠