مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

والحاصل يكون في النّفس في آن واحد لحاظ امرين ولا إشكال وكذلك لا يرد على مسلك القائل بان وضع الألفاظ للمعاني يكون كالعلم الموضوع على رأس الفراسخ وانه ينزل منزلة المعنى فانه على هذا ينزّل اللفظ منزلة المعنى وكأنه يرى شيئا واحدا وهو اللفظ الموضوع والمعنى يكون من لوازمه.

واما على مسلك القائل بان الألفاظ فانية في المعاني فالإشكال وان كان واردا ولكن الجواب عنه هو ان النّفس تكون قادرة على ان توجد وتلاحظ الجهات المتعددة في آن واحد أليس ترى ان الموضوع في القضية شيء والمحمول شيء آخر والنسبة الحكمية أيضا ثالث والنّفس في آن واحد يحكم بان المحمول للموضوع (١) فهل يمكن ان يقال ان النّفس عند الحكم نسي الموضوع أو المحمول فانها في ظرف واحد ترى جميع ما قلناه ولا إشكال.

واما الإشكال على هذا الوجه بان الاستعمال لا محالة يكون في طول الوضع فالقول بأنه يحصل بواسطة الاستعمال يكون فيه الدور لأن الوضع متعلق بالاستعمال وهو على الوضع.

فهو مدفوع بان التوقف يكون في هذا اللفظ الصادر عند الاستعمال ولكن في الواقع يكون الوضع متعلقا بطبيعي اللفظ لطبيعي المعنى وهذا أحد افراد ذاك الطبيعي

في أنحاء الوضع

الوضع ينقسم إلى قسمين وباعتبار الموضوع له إلى أربعة أقسام متصورة.

اما الأول فربما قيل بأنه اما ان يكون شخصيا مثل وضع الجوامد كزيد لشخص مخصوص ورجل لاسم الجنس واما ان يكون قانونيا قياسيا مثل ضرب ويضرب وضارب

__________________

(١) أقول وهذا أنموذج من صفة من صفات الله تعالى فانه لا يشغله شأن عن شأن مطلقا والنّفس الشئون المتعددة يشغلها واما إذا كانت الجهات قليلة يمكنها ان لا يشغلها شأن عن شأن بحسب قدرتها التي أعطاها الله تعالى إياها.

٢١

ومضروب فان ضرب بمادته قيل يدل على المادة وبهيئته وهي فعل على وقوع الفعل في الزمن الماضي وكذلك يضرب وضارب ومضروب فالأوّل بالهيئة يدل على المستقبل والثاني على صدور الفعل والثالث على وقوع الفعل وهذا هو الذي قد ورثوه من قدماء النحويين ولذا جعلوا في حيص وبيص من جهة ان الذات هل كانت داخلة في اسم الفاعل والمفعول أم خارجة ولكن لا وجه لما قالوه فان الوضع قسم واحد وهو وضع الجوامد وكل ما توهموه يكون وضعه قياسيا يكون عندنا سماعيا فان القائم وضع جامد اللذات الملفوفة والمحفوفة بالمبدإ والضارب كذلك ولا يكون لنا ذات وهيئة ونسبة بل هذا مثل وضع رجل للذّات المعروفة والشاهد على ذلك أنك ترى ان بعض الأفعال لا ماضي له مثل قولهم مات ماضي يذر ويدع ولا يكون على هذا ذات هي المبدأ وهيئة حتى نتفحص عن النسبة بينهما وبذلك نكون في راحة من جملة من المباحث التي تعرض لها القائلين بذلك.

فصل في أقسام الوضع

أقسام الوضع باعتبار الموضوع له أربعة فان الوضع اما عام والموضوع له كذلك واما ان يكون خاصا والموضوع له كذلك أو يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا أو بالعكس هذه هي الأقسام المتصورة اما مثال الأول فقيل مثل وضع الإنسان للمعنى العام القابل للانطباق على كثيرين مثل زيد وعمرو وبكر وغيرهم والثاني مثل وضع لفظ زيد لشخص خارجي واما الثالث فقد زاده الفقهاء رضوان الله عليهم مثل جعل لفظ هذا الموضوع المفرد المذكر المستعمل في شخص خاص أو جعل الحيوان على زيد بوجه والقسم الرابع فقد تصوره بعض بجعل الخاصّ للعام.

والإشكال عليهم في المقام هو ان وضع الخاصّ والموضوع له كذلك مما لا وجه له لأن لفظ زيد مثلا الذي يصير اسما لوجود شخص خارجي يكون كليا بمعنى انه لا

٢٢

يمنع فرض صدقه على كثيرين وكذا المعنى الخارج (١) فان العقل لا يرى مانعا من ان يكون في العالم افراد عديدة بهذه الخصوصيات فيكون الوضع عاما والموضوع له أيضا كذلك فهذا القسم لا يصح تصويره والانحصار على الفرد الخارجي يكون من الاتفاق كما يتفق ان لا يكون لكلي إلا فرد.

ثم ان الوضع العام للموضوع له الخاصّ تارة يكون بنحو اللابشرط القسمي وأخرى بنحو اللابشرط المقسمي والحق هو جعل اللفظ للمعنى بنحو اللابشرط المقسمي والخصوصيات تؤخذ من الخارج مثلا إذا قال القائل وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى يكون لفظ رجل موضوعا للمعنى العام الجنسي والخصوصية التي يفهم منها كونه حبيب النجار تفهم من دال آخر وهو مجيئه من أقصى المدينة في قضية خاصة بقرينة في المقام واما الوضع العام والموضوع له الخاصّ : فقد تصوره الآخوند (قده) بان معرفة الشيء بوجه يكون معرفته بوجه مثلا إذا تصورنا الحيوان فوضعناه على زيد الخارجي يكون معرفته من حيث الحيوانية معرفته بوجه من الوجوه فيكون العام مرآتا للفرد بهذا النحو من المرآتية وفيه ان العام لا يمكن ان يكون مرآتا للخاص بوجه ومن المستحيل ان يكون الطبيعي حاكيا عن وجود شخص أعني وجود الرابط والرابطي فان الإنسان وجود رابطي محمول على زيد وله العمومية فكيف يمكن ان يكون هو نفسه.

وقد أجاب عن المحقق الخراسانيّ (قده) شيخنا العراقي (قده) بان المراد من الوضع العام والموضوع له الخاصّ لا يكون مثل الإنسان المحمول على زيد والقيام المحمول عليه فان الإنسانية والقيام امر اختراعي من النّفس ولا يكون نفس الشخص بل هو حصة منه بل المراد من الوضع العام والموضوع له الخاصّ هو جعل لفظ شخص الّذي يكون له مفهوم عام على زيد الخارجي فانه من رأسه إلى قدمه شخص ولا يكون من رأسه إلى قدمه إنسان بل بعض منه.

__________________

(١) أقول هذا ما قاله الحكماء من ان الجزئي جزئيّ بالحمل الشائع وكلي بالحمل الأولى الذاتي وقد أنكروا وجود الجزئي بان ما في العقل لا يكون إلّا كليا.

٢٣

وفيه ان حكاية الشخص أيضا عن الخصوصية ممنوعة فانه بوجهه العام لا يكون مرآتا للخاص.

ان قلت فعلى هذا ما الفرق بين القضية الحقيقية والشخصية الخارجية فان الأولى متصورة كما في جعل الأحكام فان الحج يجب على المستطيع والصلاة على المكلف بحيث يكون جميع افراد المكلفين والمستطيعين في ذهن الجاعل ويجعل الحكم بنحو العام على الأشخاص ومن المحال ان لا يكون الواضع الحكيم عارفا بخصوصية الافراد الذي تحت الحكم.

قلت ان الوضع عام والموضوع له أيضا فيها كذلك والخصوصية تكون من الخارج فان التقيد والقيد خارج وذات القيد داخل ومن هنا يظهر ان المراد من الوضع العام والموضوع له الخاصّ يمكن ان يكون ملاحظة معنى العام ووضع اللفظ بخصوصه بحيث تكون الخصوصيات خارجة فلاحظ الطبيعي مع الحصص فان خصوصياتها خارجة عنه ليندفع الإشكال.

اما القسم الرابع من الوضع وهو ان يكون الوضع خاصا للموضوع له العام وكيفيته ان يلاحظ الفرد بما انه كاشف عن الطبيعي وفرد منه فيرى زيد من جهة انه إنسان مثلا فيوضع لفظ زيد للإنسان وفيه انه لا وجه لهذا القسم فانه وان كان لحاظ العام والانتقال إليه غير مشكل ولكن لا يمكن وضع اللفظ الخاصّ للعام بعد ملاحظة الخصوصيات هذا كله في بيان الأقسام من حيث التصور واما من حيث الوقوع فيبحث عنه في مقام آخر فنقول لا شبهة في وقوع الوضع العام والموضوع له العام كأسماء الأجناس ووقوع وضع الخاصّ لموضوع له الخاصّ كالأعلام وقد عرفت عدم إمكان وضع الخاصّ للموضوع له العام واما وضع العام للموضوع له الخاصّ فقد توهم انه وضع الحروف ولكنه خلاف التحقيق ويتضح المرام بالبحث في مقامات.

المقام الأول في المعنى الحرفي والبحث فيه في موضعين.

الأول في بيان الأقوال فمنه ما اختاره المحقق الخراسانيّ (قده) فقال ان المعاني الحرفية

٢٤

يوافق المعاني الاسمية في الوضع والموضوع له بمعنى ان الوضع والموضوع له فيه عام فما هو الموضوع له للفظ الابتداء هو الموضوع له للفظ من غاية الأمر يتعهد الواضع ان لا يستعمل لفظ الابتداء إلا استقلالا ولفظ من حين يلاحظ الابتداء مرآتا فكما ان الاستقلالية خارجة عن صقع المعنى كذلك الآلية.

والجواب عنه هو ان المعاني الحرفية والاسمية لو كان متحدا ذاتا فلا يعقل ان يكون لطبيعي واحد طورين من المصاديق مع انه لا يمكن ان يكون المعاني النسبية في الخارج الا في ضمن الطرفين وعلى فرض الاختلاف لا يكون لهما طبيعي واحد جامع لهما ليوضع اللفظ له وعدم إمكان ذلك في الخارج يكشف عن أن طور المعنى في الذهن بحيث لا يمكن لحاظه مستقلا في الحرف والاسم بالعكس.

لا يقال : لو لم يكن معاني الحروف والأسماء مستقلا فأي شيء يكون مدلولا للفظ الابتداء وأي شيء للربط.

والحاصل أي فرق بين الابتداء الذي يكون الدال عليه لفظه والابتداء الذي يدل عليه لفظ من فان كل واحد ابتداء لوحظ استقلالا.

لأنا نقول فرق بين كون الابتداء مفهوما من المفهومات في الذهن فانه لوحظ مستقلا كالظرفية من حيث المفهوم وبين كون اللفظ حاكيا عما هو الواقع في الخارج فان المعنى الحرفي في الخارج بحيث لا يمكن ان يكون مستقلا فيحكي عنه لفظة من (١) ومعنى الابتداء الاسمي بحيث يكون مستقلا فيحكي عنه لفظه.

وقد أشكل شيخنا النائيني (قده) على تقريب الآخوند (قده) بان تعهد الواضع استعمال كل واحد في الخارج كذلك على فرض كون الوضع عاما يجب ان يصحح استعمال أحدهما مكان الآخر وعلى فرض كون الخصوصية من قبل الاستعمال قيدا للمعنى لزم ان يكون استعمال كل واحد في مكان الآخر بنحو المجاز جائزا

__________________

(١) لا يخفى ان الابتداء في الخارج يجب ان يكون بنحو الاندكاك وما لوحظ مستقلا يكون في صقع الذهن فقط واللفظ حاك عنه

٢٥

ونحن نرى ان ذلك غلط ولا يمكن فانه لا يمكن ان يقال لفظة من خير من الانتهاء أو خير من إلى ولا يمكن ان يقال سرت ابتداء البصرة انتهاء الكوفة مقام سرت من البصرة إلى الكوفة.

والجواب عنه ان غرض الواضع كالوضع يتبع فان السبب كما انه معمم ومخصص كذلك الغرض ربما يكون معمما ومخصصا فان الواضع إذا رأى المعنى عاما ثم وضع لفظا ويكون غرضه استعماله مرآة أو استقلالا يجب ان يتبع غرضه فيكون دائرة الوضع أوسع من دائرة الموضوع له (١) وقد أشكل عليه شيخنا العراقي (قده) بان جعل المعنى العام في مقام اللحاظ مرآة لخصوصيات الافراد مع انه لا يمكن لأن حكاية العام تكون عن مطابقه العام لا الخاصّ يكون خلاف الوجدان قطعا فان خصوصيات الافراد في الحروف يكون في اللحاظ الذهني ثم ينطبق على الخارج ولا يمكن ان يقال انه من خصوصيات الخارج فقط.

والجواب عنه (٢) ما سيجيء من تصوره (قده) ان وضع الحروف عام للموضوع له العام حيث يتصور (قده) معنى جامعا اسميا ثم يشير به بين الافراد والطرفين لكونه معنى حرفيا ومن الأقوال.

في معاني الحروف قول شيخنا العراقي (قده) فانه (قده) عرّف المعاني

__________________

(١) لا يمكن ذلك لأن الألفاظ قوالب المعاني والقياس بان السبب معمم ومخصص في غير محله فانه بدال آخر يفهم ان النهي عن الرمان لا يكون لأنه رمان بل لأنه حامض فيكون بيانا لحكم عام في ضمن مصداق من المصاديق وتطبيق العام على المصداق لا إشكال فيه فانه يكون قالبا له فان الرمان حامض تمام الحموضة بخلاف المقام فان الخصوصية خارجة عن أصل المعنى.

(٢) لو تصور (قده) الوضع العام والموضوع له في الحروف لا يلزم ان يلتزم به هنا لأن الحرف والاسم متباينان لا جامع بينهما.

٢٦

الحرفية بأنها إخطارية ويكون مثل الاعراض النسبية كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية وما يدل على ربط الاعراض بالمحال هو الهيئة.

بيان ذلك ان في الخارج أنحاء من الوجود الوجود الجوهري والوجود العرضي والثاني على قسمين الأول الاعراض التي لا تحتاج الا إلى موضوع واحد مثل مقولة الكم والكيف والثاني ما يكون محتاجا إلى طرفين ليوجد مثل مقولة الأين والإضافة وباقي الاعراض والفحص الدّقيق يحكم بان ما وضع للجواهر والاعراض الغير النسبية مثل السواد والبياض يكون معنا اسميا لا مكان لحاظها استقلالا وما وضع للثالث وهو الاعراض النسبية يكون حرفا وكذلك ما وضع لربط الاعراض بمحالها هي الحروف مثل زيد قائم ولا فرق في ذلك بين المفردات والجهة التركيبية مثلا لفظ في في قولنا زيد في الدار يدل على النسبة الآلية بين أحد الشيئين والجهة التركبية على تطبيق زيد والدار وبالجملة يدل على ما ذكر ملاحظة جهة زيد في الدار وعمر وعلى السطح وسرت من البصرة إلى الكوفة فان لفظة في تدل على الظرفية وعلى على الاستعلاء ومن على الابتداء وإلى على الانتهاء والهيئة التركيبية على ربط هذه الاعراض بمحالها فلو لم يكن ألفاظ الحروف موضوعة على الاعراض فأي شيء يدل عليه ولا يمكن تفوه ان الهيئات تدل على الاعراض والحروف على الربط.

لا يقال ان الحروف لو كانت موضوعة للاعراض النسبية فهي بنفسها منتسبة إلى محالها فلا تحتاج إلى رابط آخر لأنه يلزم تكرار الربط بعد دلالة الحروف عليه إذا قيل ان الهيئة أيضا رابطة لأنه يقال ان الحروف للاعراض النسبية التي تكون بنفسها منتسبة إلى الطرفين واما خصوصيات ذلك تستفاد من الهيئة فالهيئة لربط الاعراض بموضوعاتها المشخصة هذا تمام كلامه رفع مقامه.

وفيه ان اشكاله (قده) على المشهور غير وارد لأنه يمكن ان يقال ان لفظة في ومن وإلى وغيرها وضعت لربط خاص فان لفظة في لربط خاص هو الظرفية ولفظة إلى لربط خاص وهو الانتهاء وعلى لربط استعلائي فلا يحتاج إلى تعدد الدال لتكون الهيئة دالة على شيء وفي ومن وإلى على شيء آخر مثل لفظ الفاعل الدال على الذات أي ذاتا ما بالملازمة

٢٧

بعد دلالته على المادة.

والإشكال المتقدم بأنه مع ذلك لا نحتاج إلى الهيئة للتكرار مندفع بما تقدم فحينئذ بعد إمكان كلا الوجهين يرجع إلى الوجدان والتبادر وهما يحكمان بان الحروف تكون لربط خاص فحالها حال الهيئات.

ومن الأقوال في المعاني الحرفية هو القول بان الحرف لا معنى له أصلا بل وزانه وزان الإعراب في الكلمة فكما ان الكلمة في بعض أحوالها تتصل بالفتحة وفي بعض آخر إلى الضمة فكذلك زيد والدار في بعض أحوالهما وهو الظرفية يتصلان بفي الموضوع للظرفية وفي بعض الأحوال يتصل البصرة والكوفة بمن وإلى وهو حال الحركة من البصرة إلى الكوفة.

وفيه ان كان مراده عدم دلالتها على الاعراض كما هو المعروف بين أهل الفلسفة فلا كلام معه ولكن الكلام في انها تدل على الربط الخاصّ وبالملازمة تدل على خصوص النسبة أم لا وإنكار ذلك مكابرة محضة إذا لا حوال التي تطرأ على الدار فما ذا تدل عليه غير ما ذكر فلا بد اما من القول بدلالة تلك الحروف عليها أو الهيئات والثانية لا شأن لها في الدلالة بالوجدان بل شأنها التطبيق فبقي ان تكون الحروف هي الدالة على تلك الأحوال كما ان الأمر في الإعراب أيضا كذلك فان الرفع تدل على فاعلية الفاعل والنصب على مفعولية المفعول.

واما المقام الثاني أعني بيان كيفية وضع الحروف فنقول استقر آراء المتأخرين على ان وضع الحروف كوضع الأسماء عام من جهة الوضع والموضوع له والاستعمال والخصوصية تستفاد من دال آخر.

اما الوضع العام والموضوع له الخاصّ فقد أشكل عليه المحقق الخراسانيّ (قده) بان الخصوصية اما ان تكون من جهة الوجود الخارجي أو الوجود الذهني اما الأول فيرده ان المستعمل فيه كثيرا ما يكون كليا كما في متعلق الأوامر مثل سر من البصرة إلى الكوفة فان الابتداء والانتهاء غير معين يشمل كل ابتداء منه والانتهاء واما الثاني وهو

٢٨

صورة كون الخصوصية بلحاظ الذهن فحيث يحتاج هذا اللحاظ إلى لحاظ آخر فيتسلسل مضافا إلى انه لا يمكن لأن الكلي العقلي لا يمكن ان ينطبق على الخارج.

والجواب عنه هو انه مضافا إلى ان الاحتياج إلى لحاظ آخر ليس بمحذور بل هو اللازم على مسلكه أيضا ان هذا الإشكال يرد على ما اختاره من ان المعنى الحرفي يكون مساويا للمعنى الاسمي واما على التحقيق من كون معاني الحروف معان تعليقية يمكن تصوير خصوصية الموضوع إذ هي ليست شخصية كي يرد ما أفاد بل المقصود ان الموضوع له أخص من الوضع فحينئذ يقال ان الواضع تصور معنا اسميا وجعله مرآتا لمعاني تعليقية وببركة تعليقه يكون أخص من الوضع نعم يرد عليه ان الوضع والموضوع له الخاصّ لا يتصور.

واما الوضع العام والموضوع له العام فالأقوال فيه ثلاثة الأول ما اختاره صاحب الكفاية وتقدم فساد مبناه والثاني ما هو المختار من ان الوضع العام والموضوع كذلك يتصور على نحوين الأول ان يتصور معنا عاما ويوضع اللفظ بإزائه كتصور المعاني الاسمية مثل تصور مادة القيام والضرب ووضع لفظ الضرب والقيام لهما ومن لوازم هذا القسم ان معانيها بما انها أعراض في الخارج لا يتحقق إلّا خارجا لموضوع آخر.

واما في الذهن فيمكن تصوره بوجهين : أحدهما كما في الخارج وثانيهما ملاحظته خارجا عن المعروض وعلى هذا النحو يلاحظ في مقام الوضع ويوضع اللفظ له.

الثاني ان يتصور معان سنخها الربط بين الاعراض وموضوعاتها وهذه المعاني كما انها في الخارج لا تتحقق الرابطة بين الأمرين وتكون معنا تعليقيا كذلك في الذهن لا تتحقق إلا كما في الخارج أعني وجودا رابطا ولا يمكن في أي وعاء فرضت إلّا ان يكون التعليق معها وهذا السنخ تارة يلاحظ بمراتبه معنا اسميا ويوضع اللفظ للجامع المشترك بين المعاني وأخرى يلاحظ كما في الخارج ويوضع للقدر الجامع بين جميع افراد ذلك المعاني.

ثم هذا الوضع لا يجيء في مقام الاستعمال الا معنا مقرونا بطرفين بطور الإبهام

٢٩

ثم ببركة الهيئة الكلامية يرفع الإبهام مثلا لفظ في موضوع لمعنى رابط بين موضوع ما لذات ما على نحو الربط الذهني وفي جملة زيد في الدار يرفع إبهامه ولفظ من وضع لربط تجاوزي بين شخص وذات ما ، وعند التطبيق بقوله سرت من البصرة إلى الكوفة يرفع الإبهام.

ثم ان استعمال الحروف تارة يكون على نحو الفرد الشخصي الخارجي كالأمثال المتقدمة وأخرى يكون على نحو الاستعمال في الطبيعي مثل سر من البصرة إلى الكوفة وفيه وان كان يرفع ، الإبهام ولكن فيه جهة اشتراك باقية بعد رفعه.

ثم المسلك الثالث في المعنى الحرفي هو مسلك شيخنا الأستاذ النائيني (قده) وهو ان الحروف يكون من المعاني الإيجادية فمن تصور زيدا والقيام يوجد الرابط في الذهن بينهما ولا يكون نحو وضع الحروف على المعاني نحو وضع الأسماء وان كان الوضع فيه عاما كالموضوع له كما في الأسماء بل نحو وضعه بعد كونه مصداق الربط هو ان يتصور الطرفان الموضوع والمعمول ثم يلقى جهة الخصوصية مثلا يتصور زيد والقيام والربط بينهما يحصل ثم بالذهن فوق الذهن يلقى خصوصية الطرفين أو يتصور الدار وزيد ثم كون زيد في الدار فيوضع لهذا المعنى لفظة في بالوضع العام بدون لحاظ خصوصية الدار وزيد ولذا ترى ان زيدا ودارا لا يكونان داخلين في المعنى الظرفي فيجعل اللفظ للعموم.

والحاصل وزانه وزان الاعراض فكما ان البياض يكون له الاستقلال في صقع الذهن والحمل يكون في الخارج كذلك المعنى الحرفي.

ان قلت بعد إخراج التقيد أيضا بواسطة الدقة العقلية فما ذا يبقى لهذا المعنى بعد عدم كون القيد ولا التقيد داخلا بعد كونه رابطا لا استقلال له واقعا.

قلت في مقام تقرره الماهوي باق على معناه فله التشخص من جهة والكلية الطبيعية من جهة أخرى وهي جهة عدم لحاظ الخصوصية هذا حاصل كلام شيخنا الأستاذ (قده) في وضع الحروف على معانيه.

٣٠

وفيه ان هذا الكلام متناقض صدر أو ذيلا لأنه بعد لحاظه مستقلا يخرج عن كونه معنى حرفيا واما ما قال من ان وزانه وزان الاعراض فهو غير وجيه فان الاعراض وجودات رابطية لها نوع استقلال بخلاف المقام فانه لا يكون حاله كذلك بل يكون شبيها بالوجود الرابط الّذي لا استقلال له أصلا فان شئت لحاظه استقلالا يخرج عن كونه رابطا.

فصل في نبذة من مهمات الهيئات

المشهور عدم الفرق بين الهيئات من هيئة زيد قام والمعاني الحرفية كما عن الحكماء أيضا أعني لا فرق في اصطلاحهم بين أنحاء وجود الرابط سواء كان في المركب مثل زيد قائم بنحو الجملة أو بنحو الافراد والاتصاف مثل زيد القائم أو نحو الجملة والاتصاف مثل زيد القائم ضارب فهم في مثل القائم أيضا قالوا بوجود ذات وصفة مرتبطة بها بعد اعتقادهم ان المشتقات يكون لها الوضع القانوني أي صيغة فاعل وضعت لكل فاعل مثل قائم وضارب ويكون حاويا للمعنى المصدري وهو القيام والضرب وحاويا لذات متصفة بهذا الأصل فهم قالوا الهيئة معنى ارتباطية اندكاكية لا قرار لها إلا مرتبطا.

ولكن ما هو التحقيق خلاف ما يقولون في المفردات فانى لا أرى وجها لأن يكون وضع المشتقات قانونيا بل وضعها يكون بنحو الانجماد ولكن يرى في الوضع الذات ملفوفة بالصفة ولكن على مبنى القائل بان وضع الهيئة قانوني فالموضوع ذاتا ما فان الضارب في صورة عدم النسبة إلى ذات شخصية يكون موضوعه ذاتا مبهمة وللتطبيق في الخارج يحتاج إلى ان يصير محمولا على ذات شخصية في هيئة كلامية ليصير مفيدا مثل ان نقول زيد ضارب أو زيد الضارب مات وهذا هو المائز بين الهيئة في الجملة والهيئة في المفرد وأيضا شأن الهيئة في المفرد هو الحكاية عن نسبة ثابتة بعد فرض الثبوت فان قولنا زيد القائم ضارب يكون نسبة القيام إلى زيد ثابتة يخبر بها بهذا التعبير واما في الجملة تكون الحكاية عن إثبات النسبة مثل ان يقال زيد ضارب فبهذه الجملة يخبر بإثبات نسبة الضرب لزيد ولذا يقال زيد الضارب يكون بنحو الوصفية وزيد ضارب بنحو

٣١

الاخبار والمقصود من قولهم ان الأوصاف بعد العلم به اخبار معناه الاخبار في جملة أخرى لا في نفس هذه الجملة فان زيد القائم بوصف القيام يصير موضوعا لقولك ضارب فتصير جملة إخبارية.

ثم هنا رواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام مربوطة بالمقام من جهة تقسيم الكلم الثلث ومعانيها نقلت عن طريق العامة والخاصة قال عليه‌السلام الاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن الحركة في المسمى والحرف ما أوجد المعنى في غيره ورواية أخرى عامية فقط :

ثم الفقرة الأولى من الرواية واضحة من جهة ان شيئا ما في الخارج أو في الذهن إذا أردنا إحرازه نضع له لفظا يحكيه مثل لفظة زيد الحاكية عن ذاته.

انما الكلام في الفقرة الثانية والثالثة والحاصل من كلامه عليه‌السلام ان الاسم والفعل من حيث الإنباء عن شيء مشتركان ولكن في الفعل زيادة وهو الإنباء عن حركة المسمى وخروجه من القوة إلى الفعل مثل زيد ضرب ويضرب فضرب ويضرب دالان على ذات وعلى صدور ، عن شخص أو ترقب عن شخص في المضارع.

وقد أشكل على هذا شيخنا العراقي قده بان هذا الكلام في الأفعال الّذي يكون له خارج مثل الضرب والقيام واما ما لا خارج له ليصدر وليكون الفعل منبئا عنه فلا حكاية.

والجواب عنه (قده) ان عدم الخارج لا يكون ربط له بان معنى الفعل كذلك فان المرأة والرّجل كلاهما في الدعاء يقولان : وزوجنا من الحور العين مع انه لا معنى له في المرأة كما ان معنى يضرب لا يكون إلّا إنباء عما يقع ولا يكون له خارج والموجود الخارجي يكون له وجهتان : وجهة ذاتية وهي حيثية ذاته ومادته ووجهة صدورية بالنسبة إلى الغير مثل زيد بالنسبة إلى ذاته وبالنسبة إلى ما هو مبدأ ذاته.

ثم انه قد ذكر شيخنا النائيني (قده) في المقام كلاما نذكره تبرعا ولا يكون له ربط بالمقام لدفع الإشكال الّذي يكون في إجارة البساتين مع وجود الثمرة فيها

٣٢

والإشكال هو ان حقيقة الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة بالغير بجميع المعاني في بابها فإذا كان في البستان عين الرمان لا معنى لتمليك المنفعة بل يكون تمليك العين وقد أجاب بعض بان هذه الإجارة روحها البيع ولكن بما ذكرنا من ان الشيء له وجهتان وجهة ذاتية ووجهة بالنسبة إلى الغير وهنا بوجهة نسبته إلى الغير يدفع الإشكال بان نقول الرمان من حيث ذاته عين ولكن من حيث نسبته إلى البستان وإلى الشجر يكون من ثمراته.

واما الفقرة الثالثة وهو قوله عليه‌السلام الحرف ما أوجد المعنى في غيره فمعناها ان الحرف مضافا إلى إنبائه عن معناه مثل كون زيد في الدار يكون فيه إنباء عن الظرفية ويكون موجد النسبة بين الدار وزيد فهو منبئا وموجد من جهتين ولذا تجد في بعض العبارات ، الحرف ما أنبأ عن معنى في الغير ليس باسم ولا فعل.

وبما ذكرنا يظهر أن ما في بعض العبارات من ان الإنباء مختص ببعض الحروف والإيجاد بالنسبة إلى بعض آخر لا وجه له فان جميع الحروف يكون موجدا للربط ومنبئا عن معنى غير الاسم والفعل.

ثم من الفرق بين جملة زيد القائم وزيد قائم هو ان الوجود شرط في الثانية دون الأولى فان زيد القائم ينبأ عن ماهية متقررة ويكون شأنه شأن الموضوع فكما انه لا يكون فيه قيد الوجود ولا العدم فكذلك هذا فان قولنا زيد لا يحكى إلّا عن الماهية بخلاف قولنا زيد قائم فان معناه ان النسبة بين زيد والقائم واقع خارجا لأن النسبة هنا تامة وهناك ناقصة والتامة اخبار عن ما وقع في الخارج والناقصة ليست باخبار ولذا يصح ان يقال زيد القائم معدوم (١) وتظهر ثمرة كون الوجود قيدا أم لا في استصحاب العدم

__________________

(١) لا فرق بين النسبتين من هذه الجهة لأن معنى زيد القائم ضارب مثلا بالفارسية : زيدى كه قائم است ضارب است. ففي الواقع يكون لنا نسبتان : نسبة القيام إلى زيد ونسبة الضرب إليه فكما يحتمل الثاني الكذب والصدق كذلك الأول وانما المتكلم للأغراض التي في نفسه ضم النسبتين وجعل الكل جملة واحدة وهو اما من جهة علم السامع بالنسبة الأولى فيريد ـ

٣٣

الأزلي في الكر فتارة يكون لسان الدليل الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء وتارة يكون الماء الكر لا ينجسه شيء والمفهوم المخالف فيه أنه إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شيء والماء الغير الكر ينجسه شيء فعلى الأول يكون الوجود قيدا لظهور بلغ في بلوغه في الخارج فعلى هذا إذا استصحب عدم الكرية الأزلية لا يثبت ان هذا الماء الخارجي غير كر بخلافه على الثاني فانه يكون الموضوع الطبيعي في ظرف الوجود فيستصحب عدم كون الماء كرا أو عدم الكرية السابقة وعلى فرض التفصيل في استصحاب العدم الأزلي من جريانه في لوازم الوجود وعدم جريانه في لوازم الماهية فالكرية إذا كانت من لوازم وجود الماء ففي هذه الصورة لا إشكال في جريانه وعلى فرض القول بأنها من لوازم الماهية لا تستصحب.

__________________

ـ المتكلم افهامه بأنه أيضا يعلمه أو ليوجهه في هذا الحين إلى ما علمه لئلا يغفل عن ترتيب آثاره فكأنه فرضه جاهلا مثل قولنا زيد العالم جاء فان المراد مثلا ربما يكون بعد الاخبار بمجيئه التوجه إلى علمه ليعظم حق التعظيم.

٣٤

فصل في الفرق بين الاخبار والإنشاء في الوضع

والبحث فيه في مقامات :

المقام الأول في وضع الألفاظ المشتركة مثل بعت بلفظ الماضي الّذي يستعمل تارة ويراد به الماضي وأخرى ويراد به المستقبل ففي ذلك أقوال.

الأول قول الآخوند (قده) وهو انه (قده) يعتقد ان المعاني الحرفية والاسمية كما كانت خصوصياته من قبل الاستعمال كذلك هذه الألفاظ يكون المعنى عند الوضع واحدا ولكن غرض الواضع حين الوضع هو ان يستعمل تارة في الإنشاء وأخرى في الاخبار وهذا تعهد منه يصير فارقا.

والقول الثاني قول القائل بان الفرق بالقصد فان قصد الواضع استعماله في الإنشاء فهو إنشاء وان قصد استعماله في الاخبار فهو اخبار ويدل على ذلك سياق الكلام وهذا القول يرجع في الواقع إلى قول الآخوند (قده).

والجواب عن ذلك هو ان القصد أيضا يحتاج إلى القصد (١) لأنه يلزم ان يقصد القصد أيضا عند الوضع هذا أولا وثانيا ان ذلك يمكن تصوره في صورة تعدد اللفظ كما في ألفاظ الحروف والأسماء مثل من (٢) ولفظ الابتداء واما في صورة الاتحاد فلا وجه لقوله من

__________________

(١) هذا يكون صحيحا على فرض كون المراد جزئية القصد للموضوع له اما على فرض كون القضية حينية بان يقال انه حين الحكاية عن الإنشاء إنشاء وحين الحكاية عن الوقوع اخبار فلا

(١) لا يرد هذا الإشكال عليه لأنه لا فرق بين تعدد اللفظ واتحاده بل الأمر هنا أسهل مما سبق عن الآخوند في المعاني الحرفية بوجود الجامع هنا دونه فان بعت الاخباري والإنشائي يكون كلاهما ـ

٣٥

ان الخصوصية من قبل الاستعمال ثم ان شيخنا العراقي (قده) أتم كلام أستاذه الآخوند (قده) بان لنا محكي بالذات ومحكي بالعرض فالمحكي بالذات هو المستعمل فيه في الذهن فان بعت الإنشائي والاخباري كلاهما يحكيان عن الواقع الّذي هو البيع ولكن المحكي بالعرض وهو الخارج الّذي يكون مطابقا لها في الاخباري يكون مفروغ الوجود في الخارج ولكن في الإنشائي يراد إيجاده بواسطة نفس الإنشاء.

ولا تتوهم انه يكون مثل المضارع فانه أيضا يكون اخبار بوجود الواقع في المستقبل ولا يراد به إيجاد المعنى والمطابق بخلاف الإنشاء فيكون الاخبار من حيث المطابق جزئيا والإنشاء كليا هذا حاصل كلام الأستاذ (قده) ولقد أجاد فيما أفاد في بيان كلام شيخه.

ونحن أيضا نتم كلامه ونقول بان المحكي بالعرض أيضا فيها واحد فنقول مقدمة للمرام قد مر منا مرارا ان الأحكام يكون إرادات مبرزة في مقابل القائلين بأنها مجعولات والوضعيات أيضا مثل البيع الّذي يفيد الملكية لا وعاء له خلافا للقائلين بان لها وعاء مناسب لها فعلى هذا الحكم هو الإرادة المبرزة فيكون أعد الصلاة بنحو الأمر كاشفا عن إرادتها وجملة يعيد الصلاة اخبار تفيد ذلك ولا يتوهم انها اخبار استعمل في مقام الإنشاء بل استعمل في الاخبار ولكن يخبر بوجود المقتضى بالفتح لوجود المقتضى بالكسر أي يقال يعيد الصلاة لأن المقتضى للإعادة تام فبعت الإنشائي اخبار عن وجود المقتضى لوجود المقتضى فهو أيضا حكاية كما ان الاخبار أيضا كذلك هذا كله في الألفاظ المشتركة.

واما الألفاظ المختصة مثل اضرب وزيد ضارب فالإنشاء يدل على ربط العرض بالذات ربطا بعثيا أعني يتحقق طبيعي الضرب بإرادته بواسطة هذا اللفظ واما الاخبار يكون عن نسبة خاصة خارجية جزئية وهذا غير خفي المعنى انما الكلام في قوله

__________________

ـ حاكيين عن واقع البيع غاية الأمر أحدهما اخبار عن الوجود والآخر اخبار عن الإيجاد على ما هو التحقيق

٣٦

اضرب وأبعثك بالضرب اللذان يفيدان معنى واحدا ولكن يفيد الثاني معنى اسميا والأول بنحو المعنى الحرفي يفيد إرادة إيجاد الضرب.

واما الفرق بين التمني والترجي بنحو الاخبار وبينهما بنحو الإنشاء فهو ان الثاني به يوجد فردا من التمني والترجي كما يقال يا ليت الشباب يعود فهو كما قال الحائري (قده) بالاستعمال يوجد فردا من ذلك بخلاف تمنيت وترجيت فانه يكون اخبارا عن نسبة جزئية خارجية ولذا فصل بعضهم بين المعاني الحرفية فقال بان أمثال ذلك يكون إيجاديا وغيره إخباريا ويكون النداء بالحرف أيضا كذلك مثل يا زيد فانه يوجد به معنى هو النداء ولكن الحق عدم الفرق بين المعاني الحرفية فان كلها إخطارية ولكن يكون الفرق بين أنحائه.

وقد أشكل على ما نقول من الحكاية بان هذا يستلزم الدور وتقديم الشيء على نفسه لأن الحكاية تتوقف على المحكي الخارجي فإذا كان تحقق المحكي بها يلزم الدور.

والجواب عنه انه لا شبهة في ان في النّفس شيء غير معلول للحكاية ولا تتوقف عليه وهو المحكي بالذات فلا يكون التوقف متصورا حتى يلزم الدور انما الكلام في المحكي بالعرض وهو يحصل بواسطة الإنشاء فرد منه في الخارج.

لا يقال في النداء أول ما يخطر بالبال هو خصوصيات المنادى مثل يا زيد فانه يتصور أولا معنى خاصا ثم ينادى فهو اخبار لا إنشاء.

لأنا نقول قال شيخنا الحائري (قده) انه كاشف عن معنى حرفي ولا يوجب خصوصية شخصية ولذا لو تفوه بهذه الألفاظ تمسخرا أيضا تكشف عن معناها ويصدق التمني والترجي والنداء والاستفهام وغيره (١).

__________________

(١) لا يخفى على المتدبر أنه مد ظله لم يبحث عما يكون ما سيذكره في الفصل الآتي ثمرته ومترتبا عليه فان أخذ المفهوم ووجود الواجب المشروط وعدمه يتوقف على البحث عن أن المعاني الحرفية هل تكون مغفولة عنها أم لا كما ذكره بعض الأعاظم في تهذيبه إشارة واما كونه ـ

٣٧

واما التفصيل بكون المعاني بعضها إخطارية وبعضها إيجادية ففيه خبط عظيم فانه لا شأن له إلّا الإخطار في جميع المقامات.

فصل في ثمرة المباحث الثلاثة

المعنى الحرفي ووضعه والفرق بين الاخبار والإنشاء

انك ان سألت عن ثمرة طول البحث في انه هل يكون لحاظ هذا المعنى بنحو الاستقلال أم لا ثم الوضع هل يكون عاما أو خاصا وما الفرق بين الإنشاء والاخبار نقول تظهر الثمرة في المعنى الحرفي في الواجب المشروط فإذا قيل حجوا ان استطعتم فان كان المعنى الحرفي غير مغفول عنه فيمكن ان يقال بان القيد قيد الهيئة فلا وجوب قبل حصول الشرط وهو الاستطاعة واما إذا قلنا بأنه مغفول فكل الواجبات التي يظن انها مشروطة واجبات معلقة أي القيد يكون قيد المادة ولا دخل له في الملاك فان الوجوب فعلى والواجب استقبالي وطول البحث في ذلك يأتي في محله عند البحث عن الواجب المشروط والمعلق إن شاء الله تعالى.

ومن الثمرات صحة أخذ المفهوم عن الشرط وأمثاله في باب المفاهيم لأن الجملة التي نريد أخذ المفهوم منها يجب ان يكون سنخ الحكم فيها معلقا على الشرط لا شخصه فانه إذا قيل الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء فإذا كان عدم حصول التنجس من

__________________

ـ ثمرة على البحث في المعاني الحرفية فلا.

نعم يتوقف البحث في ان شيئا ما مغفولا عنه أم لا على معرفة معناه وهو هنا المعنى الحرفي فانه يلزم فهمه أو لا ثم البحث عنه ثانيا والحق عدم كونه مغفولا عنه فان القائل إذا قال زيد في الدار يرى غير الدار وزيد شيئا هو الكون في الدار وضم هذين الوجودين بنحو الظرف والمظروف.

٣٨

آثار مطلق بلوغ الماء قدر الكر يمكن ان يقال ان السنخ منتف بانتفاء الكرية واما إذا كان شخص الحكم معلقا بمعنى انه يمكن ان يكون واجبا بعلة أخرى فلا يمكن أخذ المفهوم منه فيكون المجيء في قولك ان جاءك زيد فأكرمه قيد الهيئة والمعنى بجميع المراتب من المصلحة والحب والخطاب فلو لم يكن الهيئات مغفولة عنها يصح ذلك واما إذا كانت مغفولة فلا تصح.

واما ثمرة البحث عن ان وضع الحروف هل يكون عاما للموضوع له العام أم لا فتظهر في صورة الإطلاق والتقييد فلو كان وضعها عاما يمكن ان يكون القيد قيدها واما إذا كان خاصا لا يمكن ان تكون مقيدة.

نعم يمكن ان يكون له إطلاق أحوالي في صورة كون الوضع للموضوع له الخاصّ فالثمرة في الإطلاق الأفرادي ضرورة ان الشيء الواحد الشخصي أيضا له حالات يتعدد بتعددها وعلى فرض كون الوضع عاما للموضوع له العام تكون الثمرة الأخرى له وهو صحة أخذ المفهوم وعدم صحته لأنه لو كان عاما يمكن ان يقال سنخ الحكم صار مقيدا كما مر أن ميزان أخذ المفهوم هو إناطة سنخ الحكم بالشرط والآخوند (قده) قائل بان سنخ المادة مقيدة.

واما ثمرة البحث عن الاخبار والإنشاء فهي تظهر في العقود فان قصد الإنشاء الّذي كان معتبرا فيها ويذكرونه الفقهاء في رسالاتهم ويحكمون بعدم صحة العقد مع عدم قصده يجب ان يفهم معناه في المقام ليعين المجتهد للمقلد فهو في مقام الاجتهاد يجب ان يفهم المعنى وانه على أي نحو هو حتى يفتى لمقلده بوجوب القصد على ذلك النحو.

٣٩

فصل في البحث عن المبهمات

مثل أسماء الإشارة والضمائر والموصولات

لا يخفى ان لها جهات من البحث : الجهة الأولى في مشتركات الثلاثة.

لا يخفى ان الثلاثة مشتركة في أمور منها ان لكل ذلك نحو عمومية بحيث يصح انطباقه على افراد متعددة فان لفظ هذا قابل للصدق على الإشارة إلى زيد وعمرو ودار وغيره وكذلك الّذي وهو يمكن ان يكون مرجعه أو معهوده الكثيرين.

ومنها الإبهام ويجب ان يرفع إبهامه بالمشار إليه أو بالمعهود الذهني إذا انطبق على الخارجي في لفظ هو والّذي مثل ما يقال الّذي في الدار هو زيد.

ومنها هو انه يجب ان يتقدم المعنى نوع تقدم مثل تقدم العلم بشيء في الدار فيقال الّذي هو في الدار زيد أو بعد العلم بوجود شخص يقال هذا زيد فلهما نوع تعيين أيضا بواسطة هذا التقدم هذا كله الآثار المشتركة.

الجهة الثانية في آثارها المختصة فلنبدأ ببيان اسم الإشارة فنقول : قد اختلف في ان الإشارة التي وضعت لها أسماء الإشارة بأي نحو هي فهل بالوضع العام والموضوع له الخاصّ أم الموضوع له العام والخصوصية تكون من قبل الاستعمال كما عليه الآخوند (قده) والتعيين هل كان بهذه الخصوصية الخارجية أم بشيء آخر فقال الآخوند (قده) ان وضعها كوضع الحروف فكما ان الوضع والموضوع له فيها عام والخصوصية تجيء من قبل عهد الواضع ان يستعمل في الغير كذلك لفظ هذا وضع لكل مفرد مذكر والخصوصية من قبل الاستعمال في المشار إليه.

والجواب عنه ان لفظ هذا لم يكن موضوعا للمفرد المذكر فانه لو كان معناه

٤٠