مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

الجواب عن صاحب الفصول كما في الكفاية فانه قاض بان الغرض من المقدمة هو الإيصال إلى ذي المقدمة وما يوجب الوصول هو ذات المقدمة لا انها بقيد كونها موصلة.

والجواب عنه هو ان وجداننا على خلاف وجدانه فان المقدمة بالنسبة إلى ذيها اما مهملة أو مطلقة أو مقيدة والكل محال كما مر فلا محيص الا عن القول بالحينية.

ثم ان تصوير المطلب بنحو الشرط المقارن أو المتأخر لصاحب الفصول قده أيضا لا وجه له بيان ذلك هو انه لو كان الشرط لحاظ الإيصال فهو مقارن لأنه لا يحتاج إلّا إلى التصور وهو حاصل إلّا انه أيضا يلزم منه الدور لأن وجوب المقدمة متوقف على لحاظ الإيصال والترتب ولحاظه (١) يتوقف على وجوبها.

اما لو كان بنحو الشرط المتأخر مثل القدرة التي تحصل على الامتثال بعد الأمر بعمل ما فيكون المقام أيضا كذلك بان يكون وجوب المقدمة من آثاره حصول شرط الواجب في الخارج وترتبه عليه ففيه انه يلزم منه التهافت في اللحاظ لأنه يلزم على ذلك ان يكون الوجوب مطلقا من حيث عدم دخالة الترتب فيه ومقيدا من حيث ان المقدمة بقيد الموصلية واجبة (٢).

__________________

(١) أقول لحاظه لا يتوقف على وجوب المقدمة بل منوط بعلله التكوينية فالوجوب متوقف على الإيصال وهو لا يتوقف عليه كما هو واضح.

(٢) أقول هذا لا ينافى كون المقدمة بقيد الإيصال هي الواجبة لأن ما هو المتأخر ولا نظر إليه هو الإيصال الخارجي وهو متأخر واما لحاظه فهو مقارن ولو كان المراد دخل المتأخر واقعا في المتقدم فهو محال تكوينا وما ذكرنا هو أحد وجوه رفع الإشكال عن الشرط المتأخر فيكون في الواقع مثل الشرط المقارن من حيث اللحاظ فلا يلزم التهافت في اللحاظ.

٣٠١

في ثمرة الأقوال في وجوب المقدمة

اما ثمرة البحث في ان الواجب هل المقدمة مطلقا أو بقيد الإيصال هو انه إذا دار الأمر بين الواجبين المتزاحمين وكان أحدهما أهم مثل إزالة النجاسة عن المسجد والصلاة فان الأولى وجوبها فوري دون الصلاة فان أتى أحد بالصلاة مقدما على الإزالة فان أراد المكلف على فرض عدم إتيان الصلاة تحصيل الإزالة فحيث يكون تركها حراما ويكون من المقدمات الموصلة إلى هذا الترك إتيان الصلاة فتكون محرمة لأنها مقدمة للحرام وحيث انه أراد إتيان الإزالة على فرض ترك الصلاة تكون المقدمة موصلة واما على فرض عدم إرادته الإزالة والصارف عنها ولو لم يأت بالصلاة فحيث لم تكن المقدمة موصلة فان قلنا بان مطلق المقدمة تكون محرمة أو واجبة فائضا يكون فعل الصلاة ـ الملازم لترك الواجب وهو الإزالة حراما فتكون باطلة واما ان قلنا بان الموصلة فقط يكون لها الحكم فحيث انه لو لم يأت بالصلاة أيضا لم يكن آتيا بالإزالة فلا تكون الصلاة موصلة إلى الحرام وهو ترك الإزالة فلا تكون محرمة فتصح الصلاة لأنها حيث لم يكن فيها قيد الإيصال إلى الحرام لا تكون حراما لتكون منهية عنها هذا خلاصة ثمرة قول صاحب الفصول قده وأمثاله.

والجواب عنه ان الترك أيضا يكون له فردان ضرورة ان الإزالة يكون لها ترك من قبل الصلاة وترك من قبل وجود الصارف عنها فكما ان كليهما يكون حراما يكون كل واحد منهما أيضا حراما لأن ما هو الحرام يكون ترك الإزالة ويكون مستندا إلى فعل الصلاة أو عدم الإرادة فكل واحد منهما موصل إلى الحرام فلا تكون الحرمة مختصة بصورة كونه مريدا لإتيان الإزالة على فرض ترك الصلاة ومن المعلوم ان المركب ينتفي بانتفاء أحد اجزائه فان الترك المطلق الناشئ من أحد الأمرين حرام ويجب ان لا يحصل وبفعل الصلاة وحدها أيضا يحصل هذا الترك فهي محرمة فلا تصح فعلى فرض وجود الصارف عن الإزالة وعدمه تكون الصلاة باطلة.

٣٠٢

والحاصل وجود الصارف مع إرادة الصلاة علة تامة على ترك الإزالة فحيث انه حرام فمقدمته أيضا حرام فالصلاة منهية عنها فهي باطلة فوجود الصارف وعدمه لا دخل له في كون المقدمة موصلة لصدق المقدمية على جزء يكون دخيلا في الترك.

وعلى فرض الغمض عن هذا الإشكال لا ينتج حرمة ترك الإزالة كذلك بطلان ـ الصلاة ضرورة ان الأمر بالشيء لا يقتضى النهي عن ضده (١) فان ما هو الحرام هو ترك ـ الإزالة وما هو الواجب هو فعلها فمن تركها يكون العقاب عليه لا على إتيان ضده الخاصّ وهو الصلاة فان القول بان الأمر النفسيّ يقتضى النهي عن ضده لا يكون القائل به في المتأخرين إلا شاذا فلا ثمرة أصلا للبحث عن إثبات ان ما هو الواجب أو الحرام من المقدمة هي الموصلة فقط أو غيرها.

الفصل الثالث في تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي

والبحث هنا تارة يكون في تصوير الواجب التبعي والأصلي وأخرى في ثمرة ـ البحث اما أصل تصويره فقال المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية بما حاصله ان الإرادة على الكل فيما يكون له اجزاء أصلية والوجوب أصلي واما بالنسبة إلى الجزء فان كان

__________________

(١) أقول هذا يرجع إلى إنكار نشوء الحكم من ذي المقدمة إلى المقدمة سواء كان الحكم الحرمة أو الوجوب ومعه يكون المقام من صغريات بحث ان الأمر بالشيء هل يقتضى النهي عن ضده أم لا واما على فرض تسليم نشوء الحكم من ذي المقدمة إلى المقدمة فيكون المقام من باب اجتماع الأمر والنهي الأمر بالصلاة نفسيا والنهي عن الإزالة غيريا فمن قال بعدم اجتماعهما في مقام الجعل أو مقام الامتثال فلا بد ان يقول في المقام أيضا ومن يقول باجتماعهما كما نسب إلى الميرزا القمي (قده) فيقول بالصحّة.

وهذا هو مراد صاحب الفصول وأمثاله فان البحث يكون بعد تسليم أصل نشوء الحكم من ذي المقدمة على المقدمة في انه هل يكون النشو منه على المقدمة الموصلة فقط أو على الأعم وعليه فالثمرة لها وجه واما إنكار النشو فهو امر آخر.

٣٠٣

الالتفات إليه فأصلية ووجوبه أصلي وإلّا فتكون تبعية والوجوب أيضا تبعي فالواجب اما أصلي أو تبعي وكذلك المفهوم بالنسبة إلى المنطوق حيث لا يكون الالتفات إليه مستقلا يكون حكمه تبعيا بالنسبة إلى المدلول المطابقي.

والحاصل انه جعل مناط الأصلية والتبعية عدم الالتفات إلى متعلق التكليف و ـ الالتفات إليه بحيث يكون التبعي تابعا لإرادة الأصلي وعلى هذا يمكن ان يكون الوجوب الغيري أيضا نفسيا ولا يختص الغيري بكونه مقدميا لتعلق الإرادة بمصلحة كامنة فيه لا في غيره فهو أصلي دائما.

والجواب عنه هو انه لا ملازمة بين كون الواجب نفسيا وإرادة نفسيته فربما يمكن ان يكون الوجوب النفسيّ مستفادا من المفهوم ولا فرق بين الغيري والنفسيّ من جهة تعلق الإرادة المستقلة بهما وتصوير التبعية في النفسيّ أيضا ولكن التبعي معناه هو ان يكون إرادة شيء معلولة لإرادة شيء آخر فان إرادة المقدمة تكون معلولة لإرادة ذيها وما لا يكون كذلك لا يكون تابعا للغير سواء كان ملتفتا إليه أم لا فلا نتصور ما تصوره قده من التبعية والأصلية في مقام الثبوت اما في مقام الإثبات فيقال بان الدلالة ـ الالتزامية التي يعبر عنها بالمفهوم من الدلالة المطابقية يكون الوجوب المستفاد منها تبعيا والدلالة المطابقية يكون الوجوب المستفاد منها أصليا.

اما ثمرة البحث في ذلك فقيل بأنه ربما يقدم الأصلي على التبعي في مقام المعارضة فإذا عارض المنطوق مع المفهوم يقدم الأول لأصالته ويسقط الثاني لتبعيته وأيضا تظهر ثمرته في صورة ذهاب الدلالة المطابقية وسقوطها عن الحجية (١) فان

__________________

(١) أقول لا شبهة في تبعية الدلالة الالتزامية حدوثا للدلالة المطابقية كما عليه (مد ظله) وانما الكلام في الدخل بقاء فهو (مد ظله) يقول ان سقوط الخطاب عن الحجية في المدلول المطابقي لا يوجب سقوط الملاك بعد كشفه عن الخطاب حدوثا ولا يرى التبعية في حال البقاء ونحن نقول لا كاشف لنا بقاء أيضا فلا ملاك تبعا لصاحب الجواهر قده لنكتة انحلالية الخطابات ففي ظرف الاضطرار أو العسر والحرج وأمثاله إذا ثبت سقوط الخطاب لا دليل لنا على صحة العمل بالملاك إلّا إذا كان لنا قرينة خارجية.

٣٠٤

الدلالة الالتزامية في كشف المصلحة من الخطاب باقية على فرض عدم التبعية فيتمسك بها في صورة كون إتيان العمل بداعي الملاك على مبنى من يقول ببقاء هذه الدلالة كما هو التحقيق واما على فرض التبعية فهي ساقطة ولا مصلحة بعد سقوط الوجوب الأصلي عن الحجية في التبعي لعدم الكاشف لها هذا كله في تقسيمات الواجب مقدمة للبحث عن وجوب مقدمته.

فصل في ثمرة البحث عن مقدمة الواجب

لا يخفى على المتفحص في كلام الأصوليين هو ان المسألة الأصولية هي التي تقع نتيجتها كبرى للصغريات في الفقه كما حرر في محله فعلى هذا نقول ان ثبت مما مر ان مقدمة الواجب واجبة في كل مقام ففي الفقه نقول الوضوء مقدمة للواجب وكل مقدمة للواجب واجبة فالوضوء واجب هذه ثمرة لا تنكر لو ثبت الكبرى مما مر.

وقد أجيب عنها أولا بان الّذي يستفاد من المباحث في مقدمة الواجب ان الملازمة تكون بين المقدمة وذيها فتكون الكبرى ان كل ذي مقدمة تكون الملازمة بينه وبين مقدمته فعلى هذا يقال الوضوء مقدمة للواجب وهو الصلاة مثلا وكل مقدمة تكون الملازمة بينها وبين ذيها فالوضوء تكون الملازمة بينه وبين الصلاة فلا يثبت ان الوضوء واجب فالثابت هو الملازمة لا الوجوب المترتب عليها.

والجواب عن هذا هو ان الملازمة التي تكون بينهما تكون في الوجوب فيقال الوضوء تكون الملازمة بينه وبين الصلاة في الوجوب فينتج وجوبه للملازمة وهذا واضح لا إشكال فيه ضرورة ان الملازمة لا بد ان تتعلق بشيء وهو هنا الحكم الوجوبيّ.

وأجيب ثانيا بان الّذي هو المهم هو ان العقل بعد فهم الملازمة بين المقدمة وذيها

٣٠٥

حاكم بوجوبها فلا ثمرة لإثبات الوجوب من الشرع عليها بعد حكم العقل بالوجوب العقلي فلا ثمرة للبحث عن وجوبها وقد أجيب عنه بأنه لو ثبت الوجوب الشرعي يمكن القول بفسق من ترك جميع مقدمات الواجب الواحد إذا كانت مثلا سبعة ويكون كل واحد منها صغيرة فان المجموع يصير كبيرة وقد أجيب عن هذا الجواب بأنه لو ترك واحدا من المقدمات يترك الواجب ولا تكون البقية محرمة لتحصل الكبيرة.

وقد أجيب عن هذا أيضا بان قاعدة الامتناع بالاختيار توجب القول بحصول الفسق بترك الواحدة فانه وان لم يقدر بعد ترك إحدى المقدمات على إتيان الواجب ولكن يكون عدم فائدة إتيان البقية من سوء اختياره بترك مقدمة واحدة فيكون العقاب على الجميع ويحصل الفسق.

والجواب عنه ان الواجب هو ذو المقدمة ويكون العقاب عليه لا على المقدمات فان كان تركه كبيرة يحصل الفسق وإلّا فلا (١).

__________________

(١) أقول وهذا يرجع في الواقع إلى إنكار الوجوب في المقدمة فحيث لم تكن واجبة لا يوجب تركها فسقا لعدم الوجوب الشرعي ونقول على فرض إثبات الوجوب الشرعي لها أيضا فلا يترتب الثمرة التي ذكروها عليه.

بيان ذلك ان المقدمات العقلية تكون من شئون امتثال المأمور به وتركه يوجب العقاب لا ترك مقدمته بخصوصها واما المقدمات الشرعية مثل الوضوء والغسل فان ثبت لها الوجوب كوجوب الاجزاء لكن بان يكون الأمر منبسطا على القيد في الاجزاء وعلى التقيد في الشرائط كما هو الحق فكما ان ترك القراءة يوجب العقاب كذلك ترك الوضوء والغسل يوجبه لكن بملاك مصلحة المركب وهو لا يكون إلّا الاجزاء والشرائط ويلاحظ الفسق بلحاظ كون ترك الواجب كبيرة أو صغيرة المنبسط على ترك الاجزاء والشرائط.

وعلى فرض عدم كون وجوب المقدمات الشرعية مثل الوضوء والغسل كوجوب الاجزاء فائضا لا يترتب الثمرة لأن العقاب على ترك المأمور به مستقلا.

ثم انه لا سبيل لنا إلى إثبات المقدمة الشرعية إلّا إذا جعل الملازمة بين شيء وشيء مثل ـ

٣٠٦

ومن الثمرات لوجوبها الشرعي هو انه لو ثبت ذلك يكون أخذ الأجرة على المقدمة حراما لأنه يكون من أخذ الأجرة على الواجبات واما على فرض عدم وجوبها كذلك يجوز أخذ الأجرة عليها إلّا ان يقال بان سنخ وجوب المقدمة يكون من سنخ وجوب ذيها فإذا كان أخذ الأجرة عليه حراما كذلك يكون أخذها على مقدمته أيضا حراما.

وقال بعض الأعيان أخذ الأجرة على الواجب غير صحيح لأنه يكون موجبا لسلب المالية عن العمل الّذي يكون واجبا لله تعالى.

__________________

ـ ان يقال لا صلاة إلّا بطهور بعد بيان ان الطهور الوضوء والغسل والتيمم وهذا معناه مثل الأمر بالوضوء وأخويه مستقلا كالأمر بالاجزاء لكن الاجزاء في الصلاة مثلا يلاحظ إتيانها منضمة وعلى حسب الترتيب والموالاة والشرط لا يكون الموالاة فيه معتبرا ولا يرى من الاجزاء لهذا المركب الاعتباري أيضا.

ولا أقول يكون المائز عدم اعتبار الموالاة فقط ليقال الغسل له اجزاء مثلا ولا يكون الموالاة فيه معتبرة بل أقول لا فرق بين الجزء والشرط بعد طلب الشارع المركب من حيث الدخل في الغرض إلّا بالاعتبار والحاصل يجب مراعاة كيفية جعل الشرط والجزء والفرق بينهما وإلّا فنحو الوجوب فيهما واحد.

واما فيما لا ملازمة جعلية من الشرع فلا طريق لنا إلى إثبات الوجوب الشرعي للمقدمة من نفس كون شيء ما واجبا بصرف كون شيء ما مقدمة له كنصب السلم للكون على السطح فإذا صدر خطاب مثلا عن الشرع بالكون على السطح نفهم ان المطلوب هو الكون على السطح فلو تفوه إمكانه بدون أي مقدمة فرضت لا يكون للشرع مطلوب الا هذا ولا نظر له إلى مقدمة أصلا كما نجد ذلك بالوجدان أيضا في الموالي العرفية وعلى فرض العناية إلى مقدمة بخصوصها يكون عليه البيان.

فتحصل انه لا ثمرة في بحث وجوب المقدمة بأي وجه فرض وما ذكرته من البيان ما رأيت في كلام القوم التعرض له بهذا النحو والله المعين.

٣٠٧

ومنها انه لو قلنا بوجوبها الشرعي يكون في صورة توقف ذيها على مقدمة محرمة مثل دخول الدار الغصبية لإنقاذ غريق أو حريق من باب اجتماع الأمر والنهي فانها من حيث كونها مقدمة للواجب تكون واجبة ومن حيث كونها متصرفا في مال الغير تكون حراما فاما ان يكون المبنى فيه جواز الاجتماع أو يكون المبنى عدم جوازه فعلى الأول يكون اللازم ملاحظة أقوى الملاكين لترجيح جانب الأمر أو النهي وعلى الثاني اما يكون الباب أيضا باب التزاحم فائضا كذلك واما يكون من باب التعارض فيجب ملاحظة المرجحات في ذلك الباب وعلى أي حال ففي صورة الجهل بالحرمة يصح العمل لو كان عباديا على مسلك التحقيق من جواز إتيان العمل بداعي الملاك ولو لم يكن له امر وعلى مسلك صاحب الجواهر فائضا حيث لا يكون النهي فعليا يكون إتيان العمل بداعي الأمر صحيحا أو يكون توسعة في جواز قصد الملاك أو الأمر في النية.

لا يقال ان المقام يصير من باب النهي في العبادة لأن مرجع النهي عن التصرف في مال الغير هو ان الوضوء مثلا يكون حراما فان معناه لا تتوضأ في ملك الغير فيكون من باب النهي في العبادة وهو موجب للفساد مطلقا أي سواء كان في صورة الجهل به أو العلم ولا يبقى ملاك لها بعد النهي عنها.

لأنا نقول لا ترجع الجهة التعليلية إلى الجهة التقييدية ليقال انه إذا قيل لا يجوز التصرف لأنه غصب انه يرجع إلى ان الوضوء مع كونه ملازما له يكون منهيا عنه بل يكون عنوان الغصب حراما من جهة ويتعلق به النهي وعنوان الوضوء تحت الأمر فيكون واجبا ويكون الاجتماع في المصداق ولا يكون باب اجتماع الأمر والنهي الا هكذا.

٣٠٨

تتمة

وهي ان المقدمات في الأوامر المعاملية هل تكون واجبة أم لا لنلاحظ الثمرة فعلى فرض الوجوب قال شيخنا العراقي قده في مثل من صار أجيرا لبناء دار مثلا فحصّل المقدمات ولم يبق موضوع للإجارة بان يذهب أرض البناء بالسيل لكونه على شاطئ ـ الوادي ونحوه بالكلية بأنه ان قلنا بان وجوب الوفاء بالعقد يسرى إلى المقدمات أيضا فيجب إعطاء الأجرة بقدرها وعلى فرض عدمه فلا يكون مستحقا للأجرة والجواب عنه هو انه قده يكون الواجب عنده هو المقدمات الموصلة وفي المقام حيث لم تكن موصلة لا تستحق الأجرة عليها والبحث موكول إلى محله في المعاملات.

فصل في تأسيس الأصل عند الشك في وجوب المقدمة

فقيل في المقام بان الملازمة بين المقدمة وذيها لم تكن لها حالة سابقة لتستصحب عدمها الأزلي ضرورة انه كلما كان الواجب الّذي هو ذو المقدمة واجبا فان كان وجوبه يسرى فقد سرى إلى المقدمة وان لم يسر فلم يسر إليها ولا يكون لنا زمان نقول بوجوب ذيها مع عدم وجوبها ليستصحب عدمه فان من لوازم ماهية الواجب النفسيّ هو ملازمته مع ذي المقدمة.

واما عدم وجوب المقدمة فيمكن ان يستصحب لإمكان جعل الوجوب على ذيها دونها لأنه من الممكن ان يتعبد الشارع بان المقدمة غير واجبة بحكم الاستصحاب والإشكال بان وجوبها لا يكون تحت الاختيار بعد وجوب ذيها لأنه من لوازم الماهية مندفع لأن الواقع وان كان كذلك ولكن في ظرف الشك ينفك اللازم عن ملزومه كما في ساير موارد الاستصحاب فانه لو كان في الواقع ملازمة تكون المقدمة واجبة واما في مقام الظاهر فلا يكون كذلك.

لا يقال ان المقام يكون من الشبهة المصداقية لشمول دليل الاستصحاب وهو قوله

٣٠٩

عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك لأن الملازمة لو كانت لا يكون المقام مصداق تطبيقه وان لم تكن يكون مقامه ولا يمكن التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية.

لأنا نقول ان هذه الشبهة سارية في جميع موارد الأمارات والأصول فان تصديق العادل مثلا على فرض عدم مطابقة الخبر للواقع لا يكون له أثر شرعي ويكون لغوا وعلى فرض المطابقة يكون حقا فهل يمكن التمسك به وكذلك مورد أصل البراءة فانه لو كان الواقع كذلك يكون حقا وإلّا فهو لغو والجواب في جميع الموارد هو ان البيان في ذلك كله يكون تماما على الفرض فان المولى يمكن ان يأخذ عبده بان يقول بعد احتمالك وجود الواقع لا يكون لك العذر في ترك العمل به واما القول بأنه يكون خارجا عن ـ الاختيار ولا يمكن التعبد به فقد مر جوابه بأنه يكون في مرتبة الظاهر محكوما بحكم تعبدي.

وقد يجاب عن الإشكال بان إطلاق دليل الاستصحاب يشمل صورة الشك في ـ الحكم واحتمال المانع يدفع بالأصل وفيه ان الشك يكون في أصل القدرة على جعل الحكم في المورد من حيث عدم الإمكان لا من حيث احتمال المانع بعد إحراز القدرة على أصل الجعل فالصحيح ما مر من ان بيانية الأصول والأمارات تكون على فرض مصادفة الواقع واقعا تماما وكفى هذا لإمكان احتجاج المولى للعبد هذا تمام الكلام في بيان الأصل في مقام الشك في وجوب المقدمة.

فصل في الأقوال في وجوب المقدمة من جهة أخرى

قد مر البحث عن الأقوال في وجوب المقدمة من حيث ان الواجب هل هو المقدمة الموصلة أو غيرها وهنا يكون البحث في الأقوال من جهة أخرى فانه تارة يقال بان مقدمة الواجب واجبة بوجوب شرعي وتارة بوجوب عقلي وتارة بالوجوب في خصوص السبب دون الشرط وتارة بالفرق بين الشرط الشرعي وغيره بان الأول واجب دون الثاني.

٣١٠

فأقول ما هو الحق عندنا من ان الأحكام (١) هي الإرادات المبرزة ولا تكون مجعولة فينشأ من الإرادة على ذي المقدمة إرادة على مقدمته ويكون الحكم هو الإرادة وكشفناها ولا نحتاج إلى شيء.

واما القول بان الوجدان حاكم بان من يريد شيئا يريد مقدماته وهو أقوى برهان على وجوب كل ما لا يمكن الوصول إليه إلّا بالمقدمة الموصلة إليه فغير صحيح عندنا لأن الوجوب وان كان مسلما ولكن لا يكون شرعيا على فرض كونه هو المجعول.

لا يقال ان المصلحة الواحدة في المقام للواجب تقضى بان وجوب المقدمة أيضا يكون مثل وجوب ذيها شرعيا لأنا نقول لا ملزم للقول بان وجوبها شرعي بل يحصل الأثر في المصلحة بإتيانها ولو كان الوجوب عقليا ولا نكشف مصلحة زائدة على حصول ذيها لا يقال ان الملازمة تكون بين الإرادتين فنحو الوجوب واحد لأنا نقول (٢)

__________________

(١) الأحكام الإنشائية أيضا تكون من الإرادة المبرزة سواء حصل وقت الامتثال أو لم يحصل والأحكام الفعلية تكون هي الإرادات المبرزة الفعلية المتعلقة بالمكلف والواجب أيضا اما مطلق أو مشروط ولا يكون لنا قسم ثالث وهو المعلق ولكن في مثل الحج ومثل نذر زيارة أحد الأئمة عليهم‌السلام يكون امتثال التكليف عند العقلاء بتقديم مقدمات لا يمكن تحصيلها عادة عند الوقت وهو الموسم في الحج مثلا ولكن لا يمكن لنا القول بان الوجوب قبل الوقت فعلى بل إنشاء الوجوب وإبراز الإرادة من لوازمه الإتيان بالمقدمات التي توجب تفويت المكلف به في ظرفه وقد مر البحث فيه فيما سبق والقائلين بفعلية وجوب الواجب المشروط يقولون بفعليته من هذا الوجه ويكون هذا اثره واما مثل المحقق الخراسانيّ قده المنكر للفعلية فله ان يقول هذا من آثار الوجوب الإنشائي عند العقلاء ولو قيل ان المراد بالفعلية هو الفعلية بالنسبة إلى هذا الأمر يصير النزاع في اللفظ.

(٢) أقول من قال بمجعولية الأحكام أيضا لا محيص إلّا ان يقول بكاشفية الجعل عن إرادة فالملازمة بين المقدمة وذيها تحكم بتلازم الجعلين إلّا انه لا ملزم للقول بوجوب المقدمة شرعيا عليه والتلازم يكون بين الوجودين لا الوجوبين وقد مر الكلام فيه مفصلا.

٣١١

أنتم لا تقولون بان الحكم هو الإرادة وإلّا فعلى ما هو المختار يكون التلازم كذلك صحيحا.

لا يقال ما يؤيد الوجدان بل يكون من أوضح البرهان هو وجود الأوامر على المقدمات الشرعية مثل الطهارات ومن الواضح انه لا يصح الأمر الغيري على المقدمة إلّا إذا كان فيها ملاك الغيرية فالملاك إذا كان في غيرها أيضا نحكم بوجوبه شرعا لأنا نقول ان المقدمات مطلقا لو قلنا بوجوبها سواء كانت في العبادات أو المعاملات شرطا كانت أو سببا يكون الكلام صحيحا وإلّا فلا فان الأمر الغيري إرشادي في الشرعيات بعد بيان المقدمية من الشرع مثل بيان أن الوضوء مقدمة للصلاة.

ثم قد استدل لوجوب المقدمة بوجوه لا يتم منها ما عن الأشاعرة ومنهم أبو الحسن الأشعري بأنه لو لم تكن مقدمة الواجب واجبة فاما ان يكون التكليف مع وجود التوقف عليها باقيا أو لا فعلى الأول يكون التكليف بما لا يطاق والثاني يكون خلاف الفرض فان عدم سقوط تكليف ذي المقدمة لا يكون محل الكلام فتكون المقدمة واجبة لا محالة.

والجواب عنه هو انه على فرض كون الحكم هو الإرادة المبرزة يكون التلازم بين الإرادتين ويثبت الوجوب الشرعي للمقدمة والاستحباب الشرعي أيضا إذا كان ذوها كذلك واما على مسلك القائل بالجعل في الأحكام فلا يثبت الوجوب الشرعي بل يكفى وجوبه العقلي من باب اللابديّة.

في التفصيل بين كون المقدمة شرطا أو سببا

ثم انه ربما يفصل بين كونه المقدمة سببا أو شرطا بان الأول لا يكون فيه مجال البحث والثاني يكون فيه مجاله والدليل لهم هو ان المسبب لا يكون تحت القدرة فكل امر يتوجه إليه يجب ان يتعلق بسببه وفيه ان القدرة لا تكون مأخوذة في لسان دليل من الأدلة ليكون الدليل منصرفا إلى ما يكون تحت

٣١٢

الاختيار بل العقل يحكم بان المكلف به يجب ان يكون تحت اختيار المكلف وهذا لا يفيد الوجوب الشرعي للمقدمة السببية.

والدليل الثاني هو ان الخطاب يكون ظاهرا فيما يمكن ان يكون فعلا للمكلف فما دام لم يكن المكلف به مقدورا له لا يكون الفعل فعله وفيه ان الشرط والسبب لا فرق بينهما في ذلك فان الشرط أيضا يكون جزء العلة والّذي يكون المكلف مأمورا به هو السبب إذا لم يكن المسبب مقدورا.

واما الإشكال بأنه مع وجود السبب يكون المأمور به واجبا بالغير ومع عدمه يكون ممتنعا بالغير فكيف وفي أي زمان يكون تحت الأمر فان الواجب والممتنع لا يؤمر بهما لحصول الأول وامتناع الثاني فندفع بان الممتنع بواسطة الغير يكون الأمر بإيجاد سببه ليصير واجبا بالغير وهو ممكن ولا فرق أيضا بين السبب والشرط في ذلك.

فرع فقهي

ثم في المقام فرع فقهي وهو ان المسبب الّذي لا يكون تحت الاختيار كيف يكون الأمر به مثل العقد الّذي يحتاج إلى إيجاب يكون في اختيار الموجب والقبول الّذي لا يكون باختياره فكيف يشمله الأمر بالوفاء بالعقد فنقول اما يكون الملكية لها وعاء في الواقع أو تكون اعتبارية محضة بان يعتبر المتعاقدان الملكية والناس يعتبرون اعتبارهم وعلي كلا التقديرين ما يكون تحت الاختيار يكون مأمورا به لا ما هو خارج عنه وبعد حصول العقد يكون وجوب الوفاء بالنسبة إلى الطرفين وبعبارة أخرى حيث لا يمكن حفظ ظهور الخطاب في كلا الجانبين يحفظ من الجانب الّذي يكون تحت الاختيار.

٣١٣

في التفصيل بين الشرط العقلي والشرعي في الوجوب

واما التفصيل بين الشرط الشرعي والعقلي فهو أيضا أحد الأقوال في وجوب المقدمة كما في الكفاية وبيانه هو ان الشرط الشرعي يكون تحت الأمر دون العقلي لأن الشروط الشرعية يتوقف إحراز شرطيته على وجود الأمر المولوي لعدم علمنا بملاكات الأحكام وفهم مراتبها من المقدمية والنفسيّة فان الوضوء لا يعلم مقدميته إلّا بأمر الشرع به فيكون وجوبه شرعيا واما المقدمات العقلية فحيث يكون للعقل سبيل إلى إحراز مقدميتها لا نحتاج إلى امر من الشارع بالنسبة إليها فيكون وجوبها عقليا وكذلك الأمر بها.

والجواب عنه هو ان الأمر الغيري لا يمكن ان يستفاد منه مقدمية شيء لشيء لأن الأمر من ذي المقدمة عليها متوقف على مقدمية الغير ومقدميته يتوقف على الأمر وهذا دور بل المقدمات الشرعية تستفاد قبل الأمر بذيها من الشرع والأمر الّذي يترشح من ذيها عليها يكون إرشاديا بعد فهم الملازمة من جهة اخبار الشرع فلذا فرق بين الشرط الشرعي وغيره في ذلك ولكن لا ينافى الوجوب العقلي مع الوجوب الشرعي أيضا ولا فرق في الشرعيات بين استفادة المقدمية من الدليل اللفظي أو العقلي مثل الإجماع.

ثم لا يخفى ان مقدمة المستحب أيضا تكون مثل مقدمة الواجب فان قلنا بان مقدمة الواجب واجبة فنقول مقدمة المستحب أيضا مستحبة والكلام فيه إشكالا وجوابا يكون مثل الكلام في ذلك.

فصل في ان مقدمة الحرام حرام أم لا

قد اختلف في ذلك على أقوال الأول ان المقدمة ان كانت علة للحرام فهي حرام وإلّا فلا والثاني انها مع قصد التوصل إلى ذيها المحرم حرام وإلّا فلا والثالث

٣١٤

ان الموصلة حرام دون غيرها والرابع ان ما كان تحت الاختيار حرام دون غيره كما عن الحائري (قده) فنقول لا إشكال في صورة كون المكلف منصرفا عن الحرام في عدم كون المقدمة حراما نعم إذا كان في طريق الوصول إليه لا يفيد الانصراف عنه عدم الحرمة مثل من يرى انه إذا دخل المجلس الفلاني يصير مجبورا إلى شرب المسكر فانه يحرم عليه دخوله سواء كان منصرفا عنه أو لم يكن ولو فعل بعض المقدمات بحيث خرجت البقية عن اختياره نقول أيضا بحرمتها لأن الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار فالمقدمة الموصلة إلى الحرام بمعنى كونها في طريق الوصول إليه حرام ويترشح البغض من ذيها إليها ولا فرق بين الواجب والحرام فانه كما يترشح المحبوبية من ذيها إليها يترشح البغض منه إليها في المحرم.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) أنكر مقدمة الحرام بما حاصله هو ان كل فعل إذا كان مبغوضا للمولى يكون تركه محبوبا وهذا الترك يتحقق بواسطة ترك إحدى المقدمات فانه إذا ترك بعضها على التخيير يترك ذو المقدمة ولا يخفى ان أسبق المقدمات هو الإرادة على ترك ذي المقدمة ضرورة انه ما لم يكن الصارف عن شيء يأتي به المكلف فإذا كان منصرفا عن إتيانه وكان له مقدمات أخرى غير الإرادة لا يستند الترك إليها وحيث ان الإرادة خارجة عن تحت الاختيار لا يمكن ان يتوجه إليها النهي ضرورة انه يتوجه إلى ما هو المقدور فحيث لم تكن تحت القدرة لا تكون محرمة ولا تأثير لسائر المقدمات أيضا لترك ذي المقدمة بواسطة عدم الإرادة فلا وجه للقول بحرمة مقدمة الحرام مطلقا.

والجواب عنه هو ان ما توهم من القديم من ان الحرام هو ما كان تركه محبوبا والواجب ما كان تركه حراما لا وجه له لأن الترك يستحيل ان يتعلق به الأمر لأنه لا يكون شيئا يؤمر به وينهى عنه فان العدم لا يصير متعلقا لهما بل الحرام ما يكون فعله مبغوضا والواجب ما يكون فعله محبوبا فعلى هذا إذا كان شيئا ما مبغوضا فعله يكون جميع المقدمات التي تكون دخيلة في وجوده حراما فيسري

٣١٥

البغض منه إلى جميع المقدمات لا إلى خصوص الإرادة فقط هذا أولا.

وثانيا ان مقدمات الإرادة تكون تحت الاختيار ولو لم تكن أصل الإرادة إرادية واختيارية فلا وجه للقول بان الترك حيث يستند إلى أسبق العلل وهو الإرادة وهي خارجة عن الاختيار لا تكون المقدمات كلها محرمة.

وثالثا لو كان الأمر كذلك يجب ويلزم ان لا يكون الحرام حراما لأنه بعد جميع المقدمات يحصل الحرام فإذا كان بعضها غير محرمة يكون جزئها الأخير أيضا غير حرام ولازمه عدم حرمة الفعل من أصله (١).

واما القول الرابع عن شيخنا الحائري (قده) فانه التفصيل في المقام بما حاصله هو ان الحرام اما يكون ذاته مبغوضة من دون دخل الإرادة بحيث انه سواء صدر الفعل عن الإرادة أو لم يصدر كان مبغوض الوجود مثل قتل نفس محترمة مثلا فانه يجب المنع عنه ولو صدر عن النائم والسكران.

واما يكون وجوده مبغوضا إذا صدر عن إرادة واختيار فعلى الأول تكون المقدمات محرمة ولو كانت الإرادة خارجة عن الاختيار لأن المبغوضية لا تتوقف عليها وعلى الثاني لا تكون محرمة لأن أسبق العلل وهو الإرادة غير اختياري فلا تكون محرمة.

والجواب عنه أولا هو ان وجوب المقدمة وحرمتها ان كان ناشئا عن وجوب ذيها وحرمته لا نتصور القسمين لأن الإرادة على ذي المقدمة تترشح على مقدمته فكما انه يتعلق النهي به إذا صدر عن اختيار كذلك يتعلق النهي بمقدمته وان كان من الأفعال التوليدية التي تترتب عليها ذو المقدمة بدون الإرادة فلا شبهة

__________________

(١) أقول لا يخفى ان المحقق الخراسانيّ يعترف بان المقدمة التي تخرج المكلف عن الاختيار بحيث لا يقدر على ترك الحرام يكون حراما واما المقدمات التي يبقى معها القدرة على الترك بالاختيار لا يكون حراما عنده لعدم اختيارية الإرادة والإشكال منه مد ظله عليه وارد على هذا الوجه.

٣١٦

في حرمته بلا كلام.

وثانيا ان المبنى الّذي اختاره من ان البغض يرجع إلى حب الترك ممنوع كما مر وان الإرادة اختيارية بمبادئها والمقدمات كلها مبغوضة.

وثالثا ان كان ذو المقدمة غير مجعول ويكون أصل وجوده من حيث ذاته مبغوضا فكيف تكون مقدمته لها الحرمة المجعولة فان الفعل يتعلق به النهي والأمر إذا صدر عن اختيار لا ما يكون خارجا عنه فتحصل انه لا وجه لكلامه قدس‌سره ومن هنا ظهر حال مقدمة المكروه وان الحرام هو المقدمة في ظرف الإيصال لا الموصلة كما يقوله صاحب الفصول (قده) ولا بقصد الإيصال كما عن المعالم كما قلنا في مقدمة الواجب ولا وجه للفرق بين ما يكون ذاته حراما أو ما يكون حرمته مع قيد الاختيار يعنى لا وجه للتفصيل الّذي مر عن الحائري (قده) ولا وجه لما عن المحقق الخراسانيّ (قده) أيضا واما ما كان علة بنحو التوليد فهو أيضا لا شبهة في حرمته كما مر إذا كان مقدمة للحرام ولا في وجوبه إذا كان مقدمة للواجب فمن يعلم ان المشتري يأخذ السكين ليقتل مؤمنا يكون فعله هذا حراما ومن شك في ذلك فاصل البراءة يحكم بعدم الحرمة.

إشكال ودفع

اما الإشكال فهو ان مقدمة الحرام لو كانت حراما لم يقم حجر على حجر لأن القصاب الّذي يبيع اللحم والخباز الّذي يبيع الخبز والمشتري الّذي يشتري كلهم يكونون في مصير تحصيل مقدمة الحرام لأن هذا اللحم والخبز ربما يوجب قوة المرء على الزنا وهو حرام وهكذا يوجب القدرة على القمار وغيره اما الدفع فهو انه إذا علم ان المشتري يشتري اللحم والخبز ليقوى على ذلك يكون الفعل حراما واما مع عدم العلم به واحتماله فقط لا يكون حراما والأصل أيضا يقتضى البراءة فمن يعلم ذلك سواء قصد الإيصال أو لم يقصد يكون فعله حراما ومن لا يعلم فلا كما ظهر من مباحثنا فان المقدمة في ظرف الإيصال إلى الحرام حرام وإلّا فلا.

٣١٧

الفصل الخامس في ان الأمر بالشيء هل يقتضى النهي عن ضده أم لا

قد اختلف في ان الأمر بالشيء مثل الإزالة مثلا هل يقتضى النهي عن ضده مثل الصلاة أم لا وقبل البحث عن ذلك يجب تقديم أمور.

الأول في ان هذا البحث بحث أصولي لأن معنى بحث الأصولي هو ان تقع نتيجتها كبرى للصغريات الفقهية وهنا إذا ثبتت الملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن ضده أو عدمها ينتج في الصغريات مثلا نقول الصلاة ضد للإزالة وكل ضد للشيء المأمور به حرام فالصلاة حرام على فرض ثبوت الملازمة فهي باطلة وإلّا فلا.

لا يقال يمكن عنوان البحث بنحو يصير من المباحث الفقهية بان يقال هل الضد يكون حراما أم لا لأنا نقول وان كان هذا ممكنا ولكن قد مر ان المسألة الأصولية بكون الحكم الثابت فيها ناش عن ملاكات متعددة واما الفقهية هي ما يكون الحكم فيه ناشئا عن ملاك واحد مثلا وجوب الصلاة يكون ناشئا عن مصلحة فيها وهي سنخ واحد وحرمة الضد الّذي يكون هو الصلاة لا يكون ملاكها مثل ملاك حرمة الأكل الّذي يكون هو أيضا من الأضداد.

الأمر الثاني في ان البحث هنا عقلي لأنه يكون من جهة انه يبحث عن انه هل تكون الملازمة بين فعل المأمور به وترك الضد عقلا أو من باب المقدمية أم لا فيكون البحث ثبوتيا لا إثباتيا والبحث الإثباتي هو ان يكون الكلام في دلالة الدليل على حرمة الضد بإحدى الدلالات الثلاثة من المطابقة والتضمن والالتزام لأن المهم هو الأول يعنى البحث الثبوتي واما الثاني فلا يكون فيه فائدة ولذا يجيء البحث في صورة كون الحكم مستفادا من دليل لبي أيضا مثل الإجماع الّذي لا لسان له فان البحث عن الملازمة لا يختص بالدليل اللفظي فقط.

الأمر الثالث ان الاقتضاء في عنوان البحث بأنه يقتضى أم لا هل يكون بنحو العينية بمعنى النهي عن النقيض ليكون معنى أزل النجاسة عن المسجد لا تترك

٣١٨

الإزالة أو بنحو الجزئية أو التلازم وهذا مما فيه خفاء عندنا لأنه لا مفهوم محصل للاقتضاء.

الأمر الرابع ان الضد الّذي في المقام لا يكون هو الضد الاصطلاحي الّذي لا يجتمع مع ضده في موضوع واحد وبينهما غاية الخلاف بل يشمل المثلين أيضا أو المتزاحمين مثل صوم يومين لا يقدر المكلف على الجمع بينهما وإتيان الأزيد من الواحد وكذا يشمل النقيضين لعموم ملاك البحث.

إذا عرفت ذلك فالبحث تارة يكون في انه هل الأمر يكون مقتضيا للنهي عن الضد الخاصّ مثل خصوص الصلاة في مورد وجوب الإزالة وتارة يكون البحث في انه هل يقتضى النهي عن الضد العام أم لا بمعنى كون النهي عن ترك الفعل المأمور به الّذي يلازم مع أحد الأضداد الخاصة.

اما اقتضائه النهي عن الضد الخاصّ فقد استدل له بوجهين الأول من باب المقدمية والثاني من باب التلازم اما الوجه الأول فيكون بيانه هو ان المنافرة تكون بين الضدين وترك الضد يكون من مقدمات فعل الضد مثلا فترك الصلاة يكون من مقدمات إتيان ـ الإزالة فيجري عليه ما يجري في ساير المقدمات فكما ان إتيان مقدمة الواجب واجب فهذا الترك الملازم لفعل المأمور به أيضا واجب وقد أشكل عليه بان الضدين متساويان ويكونان في رتبة واحدة مثل الصلاة والإزالة فكما ان الصلاة ضد للإزالة كذلك الإزالة ضد لها ومساوي المساوي مساو لذلك الشيء فترك الصلاة مساو للإزالة وفي رتبتها فلا يكون مقدمة للإزالة لعدم التقدم.

وفيه ان اتحاد الرتبة يحتاج إلى دليل ويكون في صورة كون الشيئين معلولين لعلة واحدة واما في صورة التلازم فلا يكون لنا القول باتحاد رتبتهما بل هما وجوديان لا يجتمعان في موضوع واحد فعدم الصلاة لا يكون في رتبة الإزالة ولكن أصل المقدمية ممنوع لا من هذه الجهة بل من جهة ان العدم لا حظّ له من الوجود وإلّا يلزم الخلف لأن العدم ما ليس بموجود ولا فرق بين المطلق منه والمضاف فعلى هذا لا يكون ترك الصلاة

٣١٩

مثلا مقدمة للإزالة لأنه عدم ومقدمة الشيء هي التي ينشأ من وجودها وجود ذي المقدمة ولا منشئية للعدم.

وما عن بعض أهل الفلسفة في حاشيته على الكفاية من ان المراد من المقدمة ما يكون في طريق سد عدم شيء آخر وترك الصلاة يكون دخيلا في سد عدم الإزالة فيه ما لا يخفى لأن الّذي يكون دخيلا هو الوجود لا العدم كما قلنا فانه لا يكون مؤثرا وعلى فرض الإغماض عن ذلك كله وهو ان يكون الترك مقدمة لفعل المأمور به ويكون حراما لحرمة ترك الإزالة فأي ربط له بالصلاة (١) فان الصلاة لا تصير حراما فلا يكون النهي متوجها إليها لتكون باطلة فلا يتم القول بان الأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده ـ الخاصّ بهذا البيان والاستدلال.

وقد أشكل عليه ثانيا بان اللازم منه الدور لأن فعل الإزالة لو كان متوقفا على ترك الصلاة يلزم ان يكون تركها أيضا متوقفا على فعل الإزالة لأن التلازم يكون من ـ الطرفين فكما ان ترك ضد الإزالة يوجب فعلها كذلك وجود الإزالة مقدمة لترك الصلاة فيتوقف ترك الصلاة على فعل الإزالة وفعل الإزالة متوقف على ترك الصلاة وهذا دور صريح.

وقد أجاب المحقق الخراسانيّ (قده) بعد بيان الإشكال في الكفاية بان تأثير الترك في فعل الإزالة فعلى واما فعلها يكون تأثيره شأنيا لأن أسبق العلل هو وجود ـ الصارف وعدم الإرادة على الصلاة لا فعل الإزالة فعدمها علة الترك نعم لو أراد إيجاد الصلاة يتوقف وجودها على ترك الإزالة فأجاب قده عن الجواب بان ملاك الدور وهو توقف الشيء على نفسه يكون باقيا لأنه يستحيل ان يكون ما هو المتأخر متقدما شأنا على المتقدم و

__________________

(١) أقول : لا يخفى ما فيه من الإشكال لأن الترك على فرض المقدمية يكون واجبا والترك لا يكون مطلقا بل مضافا إلى الصلاة فإذا كان تركها واجبا يكون فعلها حراما لعدم الانفكاك ولا يكون الترك حراما بل يكون واجبا فيكون قوله لا يسرى حرمته إليها تسامح في التعبير.

٣٢٠