مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

هذه الصورة الاحتياط ولم يذكره المحقق الخراسانيّ قده خلافا لمن قال بالبراءة لأن المقام يكون من الأقل والأكثر فبواسطة عدم وجوب الأكثر الّذي هو الصلاة مع الطهارة مثلا لا يكون لنا رفع اليد عما هو محتمل الارتباط بها فان الاجزاء الصلاتية أيضا إذا شك في جزء انه منها أم لا تجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر وإشكال ان الارتباط يمنع عن ذلك قد مر جوابه بان البيان تم على الأقل ولا نكون بصدد حفظ أغراض الموالي فللعمل ترك من قبل الأقل وهو منهي عنه وترك من قبل الأكثر وهو مبرأ عنه فكما ان الأقل مقدمة للأكثر ويجب الاحتياط فيه فكذلك في المقام تكون المقدمة واجبة ولو لم يكن ذو المقدمة واجبا.

الصورة الثالثة هي ان نعلم بوجوب المقدمة على فرض كون ذيها واجبا اما بوجوب نفسي للمقدمة أو غيري ولكن نقطع بعدم وجوب ذي المقدمة وهنا لا إشكال في جريان البراءة لأن الشبهة (١) بالنسبة إلى الوجوب النفسيّ بدوية يجري أصل البراءة بالنسبة إليها بعد إحراز عدم وجوبها مقدميا للعلم بعدم وجوب ذيها.

ثم في المقام قد نبه صاحب الكفاية بتذنيبين أحدهما في ان الثواب والعقاب هل

__________________

ـ الوجوب ليترتب عليه الأثر واما تشبيه المقام بالأقل والأكثر الارتباطي أيضا لا وجه له لأن وجوب الأقل مثل اجزاء الصلاة مثلا لا يكون ناشئا عن وجوب الأكثر فلذا يمكن القول بالبراءة عن الزائد لعدم البيان عليه وفي المقام يكون وجوب المقدمة ناشئا عن وجوب ذيها وهو مشكوك وما نقول هو مبناه في ذلك الباب فلعله وقع سهو في البيان أو يكون بيانه هذا على بعض المسالك.

(١) ليت شعري كيف لا يفيده مد ظله فرض وجوب ذي المقدمة في المقام كما أفاده في السابق في القول بوجوب المقدمة فان العلم بعدم وجوب ذي المقدمة سواء كان وجدانيا كما في المقام أو تعبديا كما في الصورة الثانية لو لم يصر موجبا لانحلال العلم الإجمالي ففي المقامين يجب ان يقال به والحق ما قدمناه من جريان البراءة ولا فرق في الصورتين فان الأصل الجاري في الصورة السابقة يكون اثره مثل القطع من هذه الجهة.

٢٨١

يكونان على امتثال المقدمة وتركها أم لا وقد توهم ان الاختلاف في المقام متوقف على الاختلاف في ان الثواب والعقاب هل يكونان بتفضل من الله تعالى على العباد أو استحقاقهم بعد العمل لذلك كالأجير الّذي يطلب الأجرة بعد العمل لاستحقاقه لها لاحترام عمله فان كان بالتفضل فلا إشكال في ترتبهما على ترك المقدمة وفعلها لأنه لا مانع من التفضل بالنسبة إليهما ولو لم يكن الملاك والمصلحة الا لذي المقدمة في الواقع وان كان بالاستحقاق فحيث لا يكون فيها الاستحقاق بنفسها ويمكن ان يكون لها ـ الثواب بالنسبة إلى قصد ذيها صار محل الكلام من جهة انها يكون لها ثواب لأنها في ـ دهليز العمل ويكون عند العرف من الشروع فيه أو لم يكن لها ثواب من جهة ان العمل ما لم يقع لا يكون لهذه المقدمة مصلحة وهكذا العقاب ولكن التحقيق عدم ربط البحث في الثواب والعقاب في المقدمة بكون الثواب والعقاب تفضلا أو على نحو الاستحقاق وان كان الحق عندنا هو ان العقاب والثواب لا يكونان بالاستحقاق فان الإنسان وجوده وشئون وجوده يكون من خالقه تعالى ومعطي وجوده ولا يكون له شيء أصلا لأن القدرة على العمل أيضا تكون من منّ من منّ على الناس كلهم وعلى ساير الموجودات فكيف يقاس المقام بمقام فعل الأجير للمستأجر واستحقاقه الأجر به نعم يحدث للعبد استعداد حين العمل للتفضل عليه فمن يعمل حسنة يستعد لأن يدخل مرتبة من الجنان ومن يكسب خطيئة يستعد لأن يدخل النار ليذهب عنه دنس المعاصي فعذابه وثوابه كلاهما فضل منه تعالى.

فالنزاع بين القائلين بان ذلك بالاستحقاق أو بالتفضل لفظي لأن المراد بالاستحقاق ان كان هو الاستعداد فهو يكون بنحو ما عنيناه من التفضل بواسطة الاستعداد لذلك وجعل النّفس في مقابل إشراق شمس الحقيقة (١) ورفع ظلمتها به والحاصل الاستعداد

__________________

(١) أقول ولا يخفى ان هذا بحث كلامي غير مربوط بالأصول ولا الفقه ضرورة ان وجود الثواب والعقاب لعمل لا يكون له ثمرة فقهية بل ما هو المهم إثبات الوجوب وعدمه في هذا المقام ووجوب الثواب والعقاب تابع لمتابعة التكليف ومخالفته فان ثبت الوجوب من ناحية ـ

٢٨٢

للتفضل لا كلام فيه واما الاستحقاق بنحو ما يستحقه الأجير للناس فلا يكون أصلا وعلى أي تقدير لا ربط لما ذكر بالقول بوجود الثواب للمقدمة وعدمه بل يجب ملاحظة امر آخر للقول به وعدمه.

فنقول لا شبهة في المقام في انه لا يكون الكلام في الثواب الّذي يكون من جهة الانقياد في صورة الإتيان بالمقدمة لو لم تصل إلى ذيها وهكذا لا كلام من جهة التجري بتركها لو كان له عقاب والكلام كله في الثواب على ذات المقدمة والحق انها لو كانت موصلة إلى الواقع يكون ثواب الواقع منبسطا على كل ما له دخل في امتثال العمل ويكون المدح على الجميع واما إذا لم تكن موصلة إلى الواقع فلا يكون له ثواب إلا ثواب الانقياد وهكذا لو تركها يكون عقاب الواقع على الواقع وبمقدار مصلحته يذم التارك للمقدمة أيضا ومدح العرف لمن أتى بالمقدمة في صورة عدم الإيصال إلى الواقع يكون من جهة ثواب الانقياد لا الواقع واما أصل الثواب فيكون بالتفضل بالمعنى الّذي قدمناه وهكذا التوبة عن الأعمال السيئة وترك الواجبات تكون أيضا موجبة لتفضله تعالى وعفوه.

ومعنى التوبة (١) هو الندم عن القبيح مع الجري العملي كإتيان الصلوات ـ

__________________

ـ وجوب ذيها لا عقاب الا على ذلك لا المقدمة إلّا ان يثبت بدليل خارج المحبوبية في ذاتها أيضا كما في الطهارات الثلاث.

(١) أقول ان التوبة يكون أقل مراتبها هو الندم عن الذنب والعزم على فعل المأمور به ان كان واجبا وعلى تركه ان كان حراما وبعده لو فعل الحرام أو ترك الواجب يكون نقضا لها لا انها لم تتحقق ويدل على ما ذكر قول السجاد عليه‌السلام روحي له الفداء في مناجاة التائبين إلهي ان كان الندم من الذنب توبة فانى وعزتك من النادمين فانه عليه‌السلام فرض ان الندامة هي التوبة وجعل نفسه الشريفة متصفة بالندم وفي الروايات كفى بالتوبة الندم وأيضا الشاهد على عدم تمامية ما ذكره مد ظله هو ان التوبة في التروك لا تحتاج إلى شيء أزيد من العزم على الترك واما القضاء والإعادة فهما يكونان بدليل آخر ومن متمماتها فيما يحتاج ـ

٢٨٣

الماضية الفائتة فما دام لم يكن جرى عملي لا يمكن ان يقال حصلت التوبة بل هي نفس ـ الجري وإلّا فالالتزام بالاحكام بان يلتزم بوجوب شيء أو استحبابه لا يكون واجبا على العباد والحاصل لا يخفى ان جعل الثواب على الأعمال الصالحة والعقاب على الأعمال ـ القبيحة يكون لطفا في اللطف الّذي يكون هو أصل التكليف ولكن لا يكون جزافيا بل يكون لحصول استعداد في المكلف كما مر.

فإذا عرفت ذلك فنقول إتيان المقدمة لا بقصد التوصل إلى ذيها لا يتخذ منه عنوان إطاعة ولا انقياد فلا ثواب ولا عقاب في هذه الصورة واما مع قصد التوصل إلى ذي المقدمة فقال شيخنا العراقي قده وهو الحق يرى المكلف حين إتيانه بالمقدمة كأنه يمتثل امر ذي المقدمة ويمدحه العقلاء كذلك فان وصل إلى المطلوب بهذه المقدمة فهو وإلّا فيكون له ثواب الانقياد وكذلك ترك ما يوجب عدم القدرة على إتيان ذي المقدمة في وقتها يحسب بنظر العقلاء قبيحا.

وأشكل عليه بان الإيصال الّذي يكون موجبا لترتب الثواب يجب ان يكون متقدما حتى تحصل المصلحة وهو متأخر في الوجود عن وجود المقدمة فأجاب عنه قده بان المقدمة هي ذات الموصل لا قصد الإيصال ولكن امر المقدمة خال عن الثواب بنفسه واما العقاب فهو مترتب إذا التفت إلى انه يصل إلى ترك ذي المقدمة (١) واما المحقق

__________________

ـ إلى العمل بعد الندم إذا كان في وقت عدم حضور الموت فمن تاب قبل حضوره ولم يقدر على إتيان ما قضى عنه مات تائبا في ما كان من حقوق الله تعالى لا حقوق الناس واما التوبة عند حضور الموت فهي قد دل الدليل على عدم كفايتها بقوله تعالى وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت وقوله تعالى في حق الفرعون عند الغرق الآن وقد عصيت قبل فالتوبة في حين كون الإنسان يرى نفسه في عالم الآخرة لا تفيد واما قبله فتكون هي الندامة.

(١) ولا يخفى انه لو كان للتجري عقاب يكون هذا من مصاديقه وان لم يكن الا القبح العقلي فلا عقاب.

٢٨٤

الخراسانيّ قده ففصل في المقام وقال بان الثواب غير مترتب لأن إتيان المقدمة لا يكون علة تامة للوصول إلى ذيها بل هو مقتض واما ترك المقدمة فيكون علة تامة لعدم الوصول إلى ذيها فالعقاب يكون على الترك ولا يكون الثواب على الفعل وفيه ان الترك إذا لم يكن بداعي ترك ذي المقدمة بل بداع شهواني آخر لا منقصة فيه بل المنقصة في ترك الواجب فمن أهرق الماء بقصد التبريد مثلا لا يكون عاصيا بذلك بل يكون عاصيا من جهة تركه الوضوء ففي صورة الالتفات يكون فاعلا للحرام لأنه مقدمة لترك الواجب وهو الوضوء مثلا.

وقد استدل بالروايات على كون الثواب مترتبا على المقدمة أيضا وفيه ان كل مورد تكون الرواية على ذلك نستكشف كون العمل بنفسه تحت مصلحة وهو غير مربوط بالمقام الّذي نريد ان نثبت الثواب على المقدمة بعنوان انه كذلك.

ثم في هذا التذنيب إشكال وفي مقام دفعه قال في الكفاية إشكال ودفع اما الأول فهو ان الأمر الغيري على فرض عدم الثواب والعقاب في فعله وتركه فكيف حال بعض المقدمات مثل الطهارات الثلاث التي قد دل الدليل على ترتب الثواب عليها بلا شبهة مضافا بان الأمر الغيري يكون توصليا وهو غير مشروط بقصد القربة مع ان هذه يجب ان تكون بقصد القربة.

ولتوضيح الإشكال نقول لا شبهة في ان الطهارات الثلاث عبادة أولا وانه يكفى إتيانها بدعوة الأمر الغيري ثانيا وان الأحكام متضادة سواء كان التضاد في الذات مثل الوجوب والحرمة أو لا مثل الحرمة والكراهة أو الاستحباب والوجوب على حسب مبنى القوم ثالثا ورابعا يقال بان ما لا يكون التضاد في ذاته يندك المرتبة الضعيفة في القوية مثل اندكاك الاستحباب في الوجوب بذهاب حده وبقاء ملاكه فيشتد الملاكان.

ولا يخفى بعد ذلك ان الالتزام بكون الثلاث مستحبا نفسيا ينتقض بالتيمم لأنه لا يدل الدليل على استحبابه كذلك وان الأمر الغيري توصلي لا تعبدي فعلى هذا كيف تقصد الثلاث فان كان بدعوة الأمر النفسيّ فالتيمم لا يكون له الأمر كذلك مضافا إلى

٢٨٥

انه قلنا يكفى إتيانها بدعوة الأمر الغيري وان كان بدعوة كليهما قلنا ان الأحكام متضادة فان النفسيّ والغيري ضدان وان كان بدعوة الأمر الغيري فقط فهو توصلي لا تعبدي والفرض في المقام تعبدية الطهارات مضافا بأنه في صورة قصد كليهما يلزم ـ إشكال آخر وهو انه قلتم باندكاك المرتبة الضعيفة في القوية فان الغيري يجب ان يندك في النفسيّ بحده فلا يمكن ان يقصد فكيف المحيص عن هذا الإشكال العويص لا يقال يصلح إشكال التوصلية بان يقال ان الإتيان بدعوة الأمر الغيري مع وجود الثواب له يكشف عن عباديته لأنا نقول هذا دور وخلف اما الدور فلان العبادية متوقفة على الغير والغير متوقف على مقدمة هي عبادية مع قطع النّظر عنه واما الخلف فلان ـ الفرض هو ان هذه المقدمة عبادة مع قطع النّظر عن الغير فان كان استفادة ذلك من الغير يصير خلاف الفرض الأول هذا بيان الإشكال.

واما الجواب فالصحيح عندنا هو ان الاندكاك في النفسيّ والغيري صحيح فان قصد الأمر النفسيّ فقط يكفى لصيرورته مقدمة والصلاة محتاجة إلى الطهور وهذا العمل بهذا النحو طهور يؤتى به بقصد الغاية.

ثم ان هنا كلاما عن شيخنا النائيني قده وهو انه إذا كان الأحكام من سنخ واحد نفسيا أو غيريا يمكن القول باندكاك العنوانين مثل وجوب نفسي مع استحباب نفسي فان اندكاك مصلحة الاستحباب في مصلحة الوجوب لا إشكال فيه من جهة كونهما نفسيين واما إذا كان من سنخين لا يمكن الاندكاك كما في الواجب النفسيّ والغيري فان الوجوب النفسيّ لا يندك فيه الوجوب الغيري والاستحباب أيضا كذلك لعدم كونهما من سنخ واحد.

وقرب مطلبه في المقام بان صلاة الليل مثلا نافلة من حيث ذاتها ومستحبة فإذا تعلق بها النذر تكون مع امرها الاستحبابي موضوعة لأمر الوفاء بالنذر فتكون الصلاة المأمورة بها بالأمر الاستحبابي موضوعة للأمر التوصلي وهو الأمر بالوفاء وهنا لا يكاد يندك أحدهما في الآخر لأن الأمر الاستحبابي يكون في رتبة الموضوع للأمر التوصلي

٢٨٦

الوجوبيّ والموضوع لا يندك في الحكم ففي المقام أيضا كذلك فانه لا يمكن ان يندك ـ الأمر النفسيّ بالوضوء في الأمر الغيري بالصلاة لأن ما هو مقدمة لها هو الوضوء الّذي يكون عبادة بواسطة الأمر به ولا يكاد يمكن ان يكون عباديته من ناحية الأمر بالصلاة كما مر لأن لازمه الدور وهذا يكون مثل الأمر بإتيان العبادي مع قصد الدعوة فان ـ الأمر ما دام لم يكن على العمل مثل الصلاة لا يمكن إتيانه بقصده فتعلق الأمر يكون محققا للموضوع.

وفيه ان الإرادة لها مراتب سواء قلنا بأنها من افعال النّفس أو صفاته على اختلافهم فيها في محل البحث عنها فعلى القول بان الأحكام هي الإرادات المبرزة فنقول إذا كان في النّفس شيء وهو أصل الإرادة من جهة محبوبية العمل في نفسه فان كان يرضى المريد بتركه أيضا بمعنى انه لا يعاقب عليه فهي المعبر عنها بالاستحباب فإذا اشتدت تلك الإرادة لعدم الرضا بترك المراد على أي حال يكون الاشتداد أيضا من نفس الإرادة أي زيادة الإرادة على الإرادة أيضا إرادة كما ان زيادة الخطّ الطويل على القصير أيضا خط فالإرادة في حركتها الجوهرية ذاتها منحفظة وانما الاختلاف بالمراتب فعلى هذا لا إشكال في ـ الاشتداد حتى في الطوليتين لأن الإرادة في نفس صلاة الليل ضعيفة وبالنذر تشتد وتصل إلى حد الوجوب.

فيمكن ان يقال في المستحب النفسيّ مثل الوضوء انه يكون بداعي الغير واجبا فيمكن ان يراد إتيانه بداعي الغير أيضا لاختلاف المراتب وبداعي نفسه مستحب ـ للمصلحة فيه بالمرتبة الضعيفة واما على فرض كون الأحكام مجعولة وعدم كونها الإرادات المبرزة فاما ان يكون المبنى في المقولات الاعتبارية أيضا الاشتداد في الجوهر فائضا لا إشكال في ان يكون اعتبار الاستحباب مندكا في اعتبار آخر وهو اعتبار ـ الوجوب من الغير.

نعم على فرض عدم قبول الاشتداد في الاعتباريات يكون الإشكال واردا ولا فرق في ذلك بين الأمر النفسيّ والغيري فكما ان الأجير بالصلاة يأتي بالصلاة لله تعالى

٢٨٧

بداعي الدرهم وهو يكون داعيا له نحو الصلاة لله تعالى فكذلك في المقام تكون الصلاة داعية للمكلف على إتيان الوضوء لله تعالى فلا فرق بينهما كما انه ربما يأتي بداعي ـ الجنة والخوف من النار بل أكثر العباد يكون أعمالهم على نحو الداعي على الداعي.

ولكن بعد في الذهن شيء وهو ان الارتكاز في الطهارات على خلاف ذلك لأن ـ الناس كلهم يريدون الوضوء للصلاة ولا يريدون الوضوء مع ملاحظة امره لها بل يريدونه لها بدون قصد امره فالصحيح ان يخدش في بعض ما هو المتسالم وهو انه لا نحتاج إلى ان تصير المقدمة عبادية من قبل الأمر بذيها بل بعد فرض كون الطهارات عبادة يكفى لمقدميتها ومقوم عبادية العبادة هو القصد بكونها عن امر الله تعالى فعلى ما مر من القول بان المقدمة إذا كان إتيانها بقصد التوصل إلى ذيها يترتب عليه الثواب لا تحتاج إلى شيء آخر غير هذا القصد ولكن عباديتها حصلت من ناحية الأمر بذي المقدمة كما ان القدرة على إتيان المأمور به تأتى من ناحية الأمر بمعنى انه إذا كان شيء واجبا عند الله ولا نعلمه لا نقدر على إتيانه فإذا علمناه بواسطة إعلامه تعالى يصير هذا العلم بالتكليف موجبا للقدرة على إتيانه من هذه الجهة.

ولا يجيء الدور بان يقال عباديتها تتوقف على الأمر بها من ناحية ذي المقدمة وهو يتوقف على كونها عبادة قبله بل يكفى ان يكون معه مثل القدرة واما عنوان مقدميتها فيكون العمل موجبا له فانه إذا قدمها المكلف تصير مقدمة فعباديتها بقصد التوصل ومقدميتها بتقديمها عملا على ذي المقدمة فلا إشكال.

ويمكن ان يقرب بوجه آخر فرارا عن الإشكال وهو ان يقال لا نحتاج إلى قصد التوصل أيضا بل الأمر بذي المقدمة حيث ينحل إلى الاجزاء كذلك ينحل إلى الشرائط لأن الغرض يكون على هذا النحو فيأتي المكلف بالشرط كما يأتي بالجزء عبادة فبانحلال الأمر إليه تصير المقدمة عبادة وفي الرتبة الثانية يأتي المكلف بها فذاتها العبادة وما يكون كذلك ولو بواسطة امر ذي المقدمة لا يرد فيه إشكال الدور ولا غيره كما في قصد الدعوة فان قصد الأمر متأخر عن الأمر ومع ذلك يمكن ان يكون البعض منه الّذي

٢٨٨

انحل على الاجزاء موجبا لإيجاد الموضوع له بعد صيرورته ذا امر بالانحلال فيمكن ان يقال صل بقصد امرها وكما في الاخبار مع الواسطة بالنسبة إلى تصديق العادل كما مر في محله ففي المقام بحصة من الأمر تصير عبادة (١) فيأتي المكلف بها بداعي امر البقية.

وقد أجاب شيخنا النائيني قده عن الإشكال بأنه لا وجه لانحصار منشئية الطهارات الثلاث بقصد الأمر الغيري أو النفسيّ المتعلق بذواتها بل هنا امر ثالث وهو الموجب لكونها عبادة وبيانه ان الأمر النفسيّ المتعلق بالصلاة مثلا كما ان له تعلقا باجزائها وهو موجب لعباديتها فكذلك له تعلق بالشرائط فلها أيضا حصة من الأمر النفسيّ وهو الموجب لعباديتها فما هو الموجب لعبادية الاجزاء والشرائط امر واحد منبسط على الجميع.

وقد التزم قده في المقام باجتماع الأمر النفسيّ الوجوبيّ والأمر النفسيّ الاستحبابي والأمر الغيري الوجوبيّ وقال باندكاك الأمرين النفسيين الوجوبيّ والاستحبابي وليس الأمر الغيري مزاحما للأمر الاستحبابي لاختلافهما في الرتبة حيث ان الأمر الاستحبابي يتعلق بذات الطهارات الثلاث والأمر الغيري متعلق بما يؤتى به بقصد الأمر النفسيّ فليس كل منهما متعلقا بما تعلق به الآخر ليتوجه المحذور بل الأمر الغيري في طول الأمر النفسيّ.

ويرد عليه (قده) ان الأمر النفسيّ لا يمكن ان ينبسط على الشرائط لأنه لا بد له

__________________

(١) أقول هذا الوجه متين من جهة وهو ان الشرط مثل الجزء ينحل امر ذي المقدمة إليه فكما يأتي الإنسان بتكبيرة الإحرام يأتي بالوضوء للأمر به من ذي المقدمة ولكن هذا لا يكون وجها لإمكان إتيان هذا الجزء بداعي امر البقية فكما انه لا يلزم ان يأتي المكلف بتكبيرة الإحرام بقصد امر القراءة كذلك في المقدمة لا يلزم قصد الاجزاء. ومقدمية المقدمة لا تكون من العناوين القصدية حتى تصحح بذلك بل إذا كانت متقدمة بالزمان في العمل بعد اعتبار الشارع يكفى ان تكون مقدمة شرعية.

٢٨٩

من ان يكون لملاك نفسي ولا يكون بالجزاف وهو لا يتصور في المقدمة لأن ما هو المطلوب في الأمر على الشرائط هو التقيد لا منشؤه وهو ذات القيد مع ان الطولية في الأمر الغيري بالإضافة إلى الاستحباب النفسيّ لا تفيد لرفع الإشكال لأن الأمر النفسيّ بانبساطه على ذوات الاجزاء والشرائط يوجب لا محالة ان تكون الذوات متعلقة للأمر الغيري الّذي يكون من الأمر على الشرط أيضا فلا محيص الا عن اجتماعهما.

فلا يفيد الطولية التي ادعاها قده في رفع الإشكال مع ان الارتكاز على إتيان العمل مثل الصلاة بداعي امرها الغيري لا الأمر النفسيّ فكيف يصح العبادية بهذا النحو.

وقد يجاب عن الإشكال بوجهين آخرين كما ذكرهما في الكفاية أيضا وقبل الورود فيهما يجب التوجه إلى مقدمة وهو ان الإشكال في الطهارات الثلاث يكون من جهتين حسب اختلاف المبنى فعلى مبنى صاحب الكفاية من ان الأمر الغيري لا يترتب على امتثاله ثواب وبه لا يتحقق العبادية مع ان الارتكاز على الإتيان بداعي الأمر الغيري وهو لا يكون إلّا توصليا لا يوجب القرب وما هو المقدمة لا بد ان يكون عبادة فهذا جهة من الإشكال والجهة الأخرى هي على مبنى من يقول بترتب الثواب على امتثال الأمر الغيري وتحقق العبادية به أيضا وعليه يتوجه الإشكال من جهة لزوم الدور.

إذا عرفت ذلك فالوجه الأول لدفع الإشكال هو ان اعتبار التقرب في الطهارات الثلاث ليس لأجل عبادية أو امرها بل من جهة أخرى خارجية وهي الجهل بعناوينها التي بها صارت مقدمة للصلاة مثلا وحيث ان تلك العناوين قصدية ولا تتحصل في الخارج من دون القصد ولم تكن معلومة بالتفصيل وامتثال الأمر يتوقف على إتيان المأمور به بعنوانه نحتاج إلى قصد الأمر الغيري للإشارة إلى العناوين المجهولة لأن الأمر لا يدعوا إلّا إلى متعلقه فقصد الأمر الغيري يكون من جهة طريقيته إلى قصد عنوان المأمور به لا لاعتباره في ذاته ليتوجه الإشكال بأنه ليس عباديا ومدار الإشكال على هذا الوجه لا ما ذكرنا.

والجواب عنه ان القصد إلى تلك العناوين يمكن ان يكون من باب قصد الأمر

٢٩٠

بنحو التوصيف يعنى يكون إتيان المكلف للحركات الفعلية مع اتصافها بأنها مأمورة بها من ناحية الشرع لا بنحو كون الأمر غاية للامتثال مع انه يمكن قصدها إجمالا بعنوان المقدمة لأن عنوانها طار على تلك العناوين الخاصة أيضا فيشار به إليها على انه لا يندفع محذور الدور بهذا الوجه لأن قصد الأمر الغيري بنحو الغائية لا يتحقق إلّا بقصد عنوان المتعلق فكيف يمكن تحقق قصد العنوان المزبور من طريق قصد الأمر بنحو الغاية.

الوجه الثاني ان اعتبار قصد التقرب في الطهارات لأجل ان الغرض من غاياتها لا يتحقق إلّا بهذا الوجه لا لاقتضاء الأمر الغيري ذلك بنفسه لينافي توصليته والجواب عنه هو أن التقرب المعتبر في الطهارات ان كان هو التقرب بأمرها الغيري فيعود محذور الدور فإن الغرض من الواجب النفسيّ كيف يتوقف على حصول المقدمة المقصود بها الأمر مع تولد الأمر من نفس هذا التوقف لا في مرتبة سابقة عليه فتحصل ان إشكال الدور والإشكال في عبادية الأوامر الغيرية لا يرتفع بهذا المقال بل الحق ما قدمناه.

التذنيب الثاني في انه على فرض القول بان الطهارات الثلاث عبادة ذاتا لا نحتاج إلى قصد التوصل إلى غاياتها بل الأمر بها يتمثل بالإتيان بها نفسها لمحبوبيتها الذاتيّة واما على فرض القول بأن عباديتها متوقفة على قصد امرها الغيري فلا بد من قصد التوصل إلى الغير وفي الحقيقة يكون هذا النحو من القصد موجبا لوقوع المقدمة عبادة وهذا هو الوجه في اعتبار قصد التوصل على هذا المبنى لا ما توهم من أن عنوان المقدمية لا يتحصل إلّا بقصد هذا العنوان وهذا لا يحصل إلّا من جهة قصد التوصل إلى ذي المقدمة ضرورة ان ما يتوقف عليه الواجب هو ذات المقدمة لا عنوان المقدمية بل عنوانها يكون علة لوجوبها أي لأنها مقدمة تكون واجبة فما هو المقدمة ذات الوضوء من الغسلتين والمسحتين لا العنوان الانتزاعي.

٢٩١

الأمر الرابع في الكفاية (١)

في الأقوال في وجوب المقدمة

قد اختلف الأقوال فيها على تقدير القول بالملازمة بين المقدمة وذيها بأنه هل الواجب مطلق المقدمة أو التي أريد إتيان ذيها والتوصل إليه أو ان الواجب خصوص الموصلة منها بمعنى ان التي يترتب عليها ذو المقدمة خارجا تكون واجبة لا غير فقال المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية بان إطلاق المقدمة وتقييدها يكون تابعا لذي المقدمة فان كان مشروطا فمشروطة وان كان مطلقا فمطلقة :

ولكن التحقيق عندنا على ما اخترناه (٢) من ان الحكم في الواجب المشروط والمعلق فعلى وان الملازمة بين ذات الوجوبين لا طورهما لا بد ان نقول بان إطلاق

__________________

(١) لا يخفى ان الأمر الثالث فيها كان في مقام تقسيمات الواجب وبقي تقسيم له من حيث انه اما أصلي أو تبعي ولم يذكره في هذا الأمر وكان الأولى بأسلوب البحث التعرض له وقد تعرض له في ما بعد الأمر الرابع فلا تغفل.

(٢) البحث في ذلك لإثبات إمكان انفكاك المقدمة وذي المقدمة في الإطلاق والاشتراط لا يبتنى على الخلاف في الواجب المشروط والمطلق فانه يمكن البحث عنه ولو قلنا بان الوجوب في المشروط غير فعلى بل إنشائي كما قال المحقق الخراسانيّ قده فان نحو وجوب المقدمة أيضا لو قلنا بأنه تابع لوجوب ذيها يكون مشروطا وحكما إنشائيا على فرض كون وجوب ذيها كذلك ولو قلنا بفعليته يكون وجوب المقدمة أيضا فعليا ولو لم نقل بالتبعية فيمكن كون وجوبها فعليا مع عدم كون وجوب ذي المقدمة كذلك فما صدر عنه مد ظله لا نفهمه. ولا يخفى ان المحقق الخراسانيّ قده ينكر قول صاحب المعالم لا من باب ان المقدمة تنفك عن ذيها في طور الوجوب لأنه صرح بالتبعية بل من باب إنكار الصغرى وان الشرط الّذي يكون إرادة ذي المقدمة لا يمكن ان يكون شرطا في مقام الجعل.

٢٩٢

المقدمة وتقييدها لا يكون تابعا لذيها فان السريان يكون في الوجوب فقط فيمكن ان تكون مطلقة ويكون ذوها مشروطا فيمكن ان يكون الوضوء مثلا واجبا مطلقا مع كون الصلاة مشروطة بالدلوك فطور الوجوب لا يسرى إليها ويكون الملازمة بين أصل الحكمين.

وربما قيل كما عن صاحب المعالم ان المقدمة انما تكون واجبة إذا أراد المكلف الإتيان بذيها وأورد عليه بوجهين الأول ان وجوب المقدمة على القول بالملازمة تابع لوجوب ذيها في الإطلاق والتقييد وحيث ان وجوب المقدمة وجوب غيري (١) يترشح من وجوب ذي المقدمة فيستحيل تخلفه عنه ومن الواضح انه يستحيل تقييد وجوب ذي المقدمة بإرادته لكونه من قبيل طلب الحاصل (٢) فيستحيل كون وجوب المقدمة منوطا بإرادته.

والثاني ان تقييد وجوب المقدمة بإرادة ذيها يستلزم تقييد وجوب المقدمة بإرادتها لأن إرادة ذي المقدمة يستحيل انفكاكها عن إرادة مقدمته فإناطة وجوب المقدمة بإرادة ذيها ترجع في الحقيقة إلى تعليق وجوبها على إرادة المكلف بها وقد تقدم استحالة كون وجوب الواجب مشروطا بإرادة المكلف لأنه يكون معناه أيها المكلف ان شئت ان تفعل فافعل وإلّا فلا وهذا لا يكون معنى الوجوب.

__________________

(١) لا وجه ولا دخل لملاحظة الترشح في مقام محالية تقييد الحكم بإرادته لو كان محالا.

(٢) أقول لأن الواجب إذا لم يكن فعليا لا يريده المكلف فلو فرض فعليته لا يحتاج إلى شرط ويلزم الدور أيضا لأن الوجوب متوقف على الإرادة والإرادة متوقفة على الوجوب نعم في الواجب المشروط لو قلنا بأنه حكم في مقام الجعل والإنشاء لا دور لأن المحبوبية لا تتوقف على إرادة المكلف وبعبارة أخرى لا وجه للإشكال من جهة انا نرى بالوجدان إمكان ان يكون التكليف بشيء متوقفا على إرادة المكلف كسائر الشروط مثل الموسم في الحج لكن في غير التكاليف الإلزامية وسيجيء زيادة توضيح لذلك.

٢٩٣

والجواب عنه (١) هو ان من الممكن ان لا تكون المقدمة تابعة لذيها إطلاقا وتقييدا فيمكن ان يكون وجوب الصلاة مطلقا ووجوب الوضوء مشروطا بإرادة الصلاة فالإناطة تكون بين الإرادتين لا الوجوبين حتى يلزم الإشكالان.

والحاصل بيان الإشكال يكون لتسلم ان الوجوب وطوره يترشح على المقدمة فإذا أنكرناه لا يبقى الإشكال نعم هذا من الممكن ولكن الإثبات يحتاج إلى دليل أي إثبات إطلاق المقدمة مع كون ذيها مشروطا فلا إشكال على صاحب المعالم إلّا إثباتا لا ثبوتا.

هذا كله في صورة كون الإرادة شرطا للوجوب أي كون إرادة ذي المقدمة شرطا لوجوبها وإذا كانت شرطا للواجب بمعنى ان صحة الوضوء تتوقف على إرادة ـ الصلاة مثلا فائضا لا إشكال في ثبوته انما الكلام في الإثبات لأن السريان يكون بين الوجوبين لا طورهما.

وقد يستدل للإثبات أيضا بمقدمتين الأولى ان الجهات التعليلية ترجع إلى ـ الجهات التقييدية فإذا قيل الخمر حرام لسكره يكون معناه ان المسكر حرام ولا خصوصية لذات الخمر من حيث انه هذا المائع والثانية ان كل قيد في الموضوع يرجع

__________________

(١) أقول لو كان البحث كبرويا كان هذا الجواب صحيحا ولكن يكون البحث في الصغرى وهو ان هذا النحو من الشرط غير ممكن ولو قلنا بعدم تبعية المقدمة لذيها في الإطلاق والتقييد.

فالصحيح ان يقال لا يكون الكلام في تقييد وجوب ذيها بالإرادة حتى يقال انه محال بل الكلام في ان يكون إرادة ذي المقدمة في ظرف الامتثال شرطا لوجوبها والمراد بشرط الوجوب هو ان تطبيق الوجوب المحرز وصيرورة هذا فردا للطبيعي أي طبيعي المقدمة يحتاج إلى إرادة ذيها لا وجوبها الجعلي ضرورة انه قد استفيد من الملازمة فلا كلام في شرط الوجوب أصلا لا في المقدمة ولا ذيها فيتعين الكلام في ان تكون الإرادة شرطا للواجب على ما سيجيء من المعنى عند بيان كلام الشيخ قده لا بمعنى ان الصحة متوقفة عليها أم لا.

٢٩٤

إلى الحكم كما عن شيخنا النائيني (قده) فان القائل إذا قال يجب الحج إذا استطعتم يرجع قوله هذا إلى قوله يجب الحج على المستطيع وكذا الماء إذا تغير يرجع إلى ان الماء المتغير حكمه كذا.

فإذا عرفت ذلك ففي مقامنا هذا يقال بان الوضوء مثلا واجب للصلاة لأنه مقدمة لها لا من حيث ذاته فانه مع قطع النّظر عن الصلاة لا يكون مقدمة بل هو وضوء وما هو ـ الواجب يكون المقدمة لا ذات العمل فيرجع إلى ان المقدمة واجبة وهذا العنوان لا يتحقق إلّا عند إرادة ذي المقدمة وإلا فإنه عمل من الأعمال غير مربوط بذي المقدمة فإرادة ذي المقدمة تكون من شرائط صحة المقدمة.

وفيه ان الجهات التعليلية في العقليات يستحيل ان ترجع إلى التقييدية لأن ـ العلة ما منه المعلول والموضوع يكون هو المحل فان النار لحرارته ينشأ منه الإحراق ولو قلنا في الشرعيات برجوعها إليها لعدم العلم بالملاك واما القول بان قيد الموضوع يرجع إلى الحكم أيضا فهو ممنوع كما مر مرارا.

مضافا بأنه يشكل الأمر في الاستصحاب في مثل الشك في صورة زوال التغيير بنفسه في الماء الّذي صار نجسا بالتغير في صورة صيرورته جزء الموضوع بأن يصير ـ الموضوع الماء المتغير لأن الشك فيه يكون من الشك في الموضوع ولا يجري الأصل مع الشك فيه مع انه يقال بجريان الأصل فيه وندعي في المقام ان المقدمة هي الذات لا بعنوان المقدمية فان الصعود إلى السطح يحتاج إلى السلم لا بعنوان انه مقدمة بل بعنوان ذاته وهذا الكلام منسوب إلى الشيخ الأنصاري قده في التقريرات ولكن كلامه (قده) هو ان قصد التوصل إلى ذي المقدمة من شرائط المقدمة لا قصد إيجاد ذي المقدمة.

٢٩٥

محتملات كلام الشيخ الأنصاري (قده)

في المقدمة في التقريرات

أقول ولكلامه (قده) احتمالات أربع الأول ان يكون المراد انه شرط وجوبها الثاني ان يكون شرطا لصحتها في التعبدي الثالث ان يكون شرطا لها أي للصحة بمعنى انه شرط للواجب عند مزاحمة الحرام والرابع ان يكون شرطا للواجب في جميع ـ المقدمات توصليا أو تعبديا.

فان كان مراده الأول (١) فقد مر الإشكال عن شيخنا العراقي فيه وأجبنا عنه وحاصله كان لزوم انقلاب الوجوب بالإباحة في المقدمة وذيها وهو ممنوع لأنه محال وحاصل الجواب عدم الإشكال فيه ثبوتا ولا إثبات له واما ان كان مراده الدخل في الصحة (٢) ففي التعبدي يكون صحيحا على حسب مبناه لأن الوضوء لا يصير عباديا إلّا بقصد ـ التوصل.

فما عن شيخنا الأستاذ العراقي (قده) من الإشكال عليه بوجهين الأول إمكان تصحيح ـ العبادية بطولية الأمر الواحد وتبعيضه كما في قصد الأمر في ساير التعبديات والثاني ان الوضوء عبادة ذاتية يؤتى بداعي المصلحة الذاتيّة النفسيّة مندفع عنه قده لأنه خلاف مبناه لأن إشكال الدور في الأول غير مندفع والمصلحة الذاتيّة غير مقبولة عنده (قده) (٣).

__________________

(١) قد مر الكلام منا في ان المراد ليس شرط الوجوب بل شرط الواجب فليرجع إليه.

(٢) أقول المراد منه انه حيث يحتاج التعبدية إلى قصد الأمر ولا يمكن قصد الأمر في المقدمة الا من ناحية ذيها فيجب قصد ذيها لتؤتى بداعي امره ولا امر لها مستقلا.

(٣) كما هو الحق وعليه المحقق الخراسانيّ قده لأن الخضوع المحض لا يصير العبادة عبادة بل يصير عبادة إذا اتصل حبله إلى الله ويؤتى لأمره تعالى فكون الشيء عبادة ذاتا مثل السجود لا يغنى على ان الكلام في الأعم منه أي تصحيح عبادية العبادة يكون في ـ

٢٩٦

الثالث من محتملات كلام الشيخ قده وهو ان يكون قصد التوصل دخيلا في ما يكون مقدمته منحصرة في الحرام مثل الدخول في الدار الغصبي لإنقاذ الغريق بيان ذلك هو ان الشيء تارة يكون له مقدمات على البدل فللفاعل ان يختار أحدها للوصول إليه وربما تكون منحصرة مثل المثال الّذي مر من انه لا يمكن إنقاذ الغريق أو المحترق بالنار إلّا بدخول دار الغير ففي هذه الصورة يجب قصد التوصل إلى ذي المقدمة ليصير واجبا بعد ما كان حراما فانه لو لم يقصد به التوصل إلى ذي المقدمة يكون باقيا بحاله من ـ الحرمة فان لم يقصد التوصل وقصد المقدمة بعنوان انها حرام يكون متجريا في قصده وان كانت المقدمة لا بد منها لوجوب ذيها والعقل هنا حاكم بان الفرد الّذي لا منقصة فيه هو المختار للمقدمية.

وأجاب عنه شيخنا العراقي (قده) بان القصد لا يوجب تعدد هذا الشيء الواحد فان هذا الكلام صحيح في صورة ان يكون لشيء مقدمتان إحداهما محرمة والأخرى محللة فان اختيار الحلال مقدم علي اختيار الحرام واما التي لا محالة يجب إتيانها فأي أثر لقصد التوصل في انقلابها عما هي عليها.

وفيه ان للفرد حالين حال قصد التوصل إلى ذي المقدمة وحال عدمه فان لم يقصد التوصل يكون متجريا وحيث انه خلاف الانقياد يكون حراما بخلاف صورة قصده له وقد أجاب شيخنا النائيني (قده) بأنه لا ارتباط في المقام بباب التزاحم مثل الغصب والصلاة حتى يكون عنوان الوجوب والحرمة مجتمعين في شيء واحد فان الدوران

__________________

ـ الأعم مما يكون ذاته العبادة أو لا فلا يصح الكلام فيما ذاته العبادة فضلا عن غيره واما طولية الأمر فائضا لا وجه لها في مقامه أي في بحث التعبدي والتوصلي بان يقال الأمر إلى الشيء يتقطع وينحل حتى على نفسه فإذا ورد الأمر بالشيء يكون تعبديا لا توصليا فيجب ان يؤتى بقصد امره فضلا عن المقام إذا كان عبادية العبادة دخيلة في صيرورتها مقدمة قبل ذيها فليرجع إلى كلام المحقق الخراسانيّ (قده) عند بيان ذلك في تصوير عبادية الطهارات الثلاث.

٢٩٧

هنا يكون بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها فإذا كان ملاك ذيها أقوى يقدم عليها ولا ربط لقصد المكلف في الوجوب والحرمة والجواب عنه ان الكلام يكون في صورة تسليم كون مقدمة الواجب واجبة لوجوب ذيها بالوجوب الغيري فحينئذ يجتمع مع ـ الحرمة النفسيّة مثلا في مثل الغصب في المصداق ويجب العلاج بأي وجه كان فيكون ـ الباب باب التزاحم بين الوجوبين النفسيّ والغيري ويجب علاجه.

واما الاحتمال الرابع لكلام الشيخ قده أعني قوله ان المقدمات مطلقا سواء كانت منحصرة أو غيرها عبادية أو غيرها يجب ان تكون بقصد التوصل فهو ان عنوان المقدمية من العناوين التي يجب إحرازها ببيان ان الجهات التعليلية ترجع إلى الجهات التقييدية فان المقدمة واجبة لمقدميتها لا لذاتها والغرض التوصل بذيها بها وحيث ان التوصل غير ممكن قبل الوصول حتى يحرز به عنوان المقدمية يكون قصده دخيلا لأنه يكون تحت الاختيار وبه يحصل العنوان.

وفيه مضافا إلى ما مر من ان المبنى فاسد لأن الجهات التعليلية لا ترجع إلى الجهات التقييدية يمكن الإيصال بواسطة إتيان أسبابه وهو إتيان جميع المقدمات ليصير الوصول حاصلا.

كلام صاحب الفصول في المقدمة الموصلة

ثم ان صاحب الفصول قده قال في المقام بان المقدمة التي يمكننا إحراز كونها واجبة هي الموصلة بمعنى انه على فرض ترتب ذي المقدمة عليها تكشف مقدميتها وإلّا فلا مثل الصلاة إذا ترتبت على الوضوء تكشف مقدميته لها وإلّا فلا على فرض كون الوجوب فيه غيريا فقط والدليل له على هذا هو ان الجهات التعليلية ترجع إلى التقييدية بمعنى انه إذا قيل الوضوء واجب لكونه مقدمة للصلاة يكون الواجب هو الوضوء المقدمي لا غير ولا يحرز مقدميته إلّا بترتب ذي المقدمة عليه مع ان الحاكم هو العقل والمتيقن من الملازمة بين المقدمة وذيها بحكمه هو الوجوب

٢٩٨

في صورة الإيصال لا غيره.

وفيه ان الغرض منها هو التوصل إلى ذيها لأن المقدمة اما ان تكون ما لولاها لم يكن ذوها واما ان يقال انها تكون دخيلة في الملاك ولا يتوقف ذلك على وجود ذي المقدمة وترتبه عليها فان نصب السلم يكون موجبا للصعود على السطح سواء كان بعنوان المقدمية أم لا لا يقال ان فعلية الوجوب يكون بضميمة الترتب وإلّا فهو شأني لأنا نقول ان الإيصال علة للفعلية لا انها مقيدة به فالإيصال هو علة الجعل فما ذكره من ان الجهات التعليلية ترجع إلى التقييدية لا وجه له بحسب المبنى كما مر هذا أولا.

وثانيا يلزم الدور فان وجوب المقدمة يتوقف على وجود ذيها ووجود ذيها متوقف عليها ضرورة ان الإيصال إذا لم يحصل لم يحصل قيد المقدمة وهو الموصلية فلم يكن عليه الوجوب لعدم قيدها والقيد لا يتأتى إلّا من قبل حصول ذي المقدمة والفرض ان حصوله متوقف عليها وهذا دور صريح فالمقدمة هي الذات بدون قيد الإيصال.

وثالثا يلزم الخلف لأن الغرض منها هو الوصول إلى ذيها بواسطتها فلو كان حاصلا يكون من تحصيل الحاصل وهو خلاف الفرض.

ورابعا لا يترتب على وجود المقدمة ترتب ذي المقدمة إلّا إذا كانت من الأسباب التوليدية كإلقاء الحطب في النار والإحراق بل إذا اجتمعت المقدمات الداخلية والخارجية يوجد ذوها.

وخامسا ان ظرف الوصول يكون ظرف سقوط الأمر فكيف يتصور الوجوب بعد ذلك.

لا يقال انا إذا لاحظنا المقدمة مع ذيها وان وجوبها غيري فاما ان يكون وجوبها مقيدا بحصول ذيها أو مطلقا بحيث لو لم يترتب عليها أيضا تكون واجبة واللازم منه هو ان يكون الوجوب نفسيا لا غيريا والفرض انه غيري أو يكون مهملا وهذا محال

٢٩٩

فيبقى ان نختار الأول ونقول بوجوب الموصلة فقط.

لأنا نقول لنا شق رابع وهو ان يكون وجوبها في ظرف توأمية الغير معها (١) على نحو القضية الحينية بان يكون مطلوب المولى هو الاجزاء والمقدمات على ترتيب خاص كما في اجزاء نفس العمل مثل الصلاة.

لا يقال ما ذكرتم في القضية الحينية لا يناسب مع اضطرارية الإرادة لأنها لا تكون تحت الاختيار حتى يكون ضم أحد الاجزاء بالآخر في حين كونه توأما مأمورا به لأن ما لا اختيار فيه لا يكون تحت الأمر لأنا نقول ان الإرادة لا يكون الأمر بها حتى يكون خروجها عن الاختيار موجبا للإشكال بل الاجزاء يكون تحت الأمر مثل الواجب المعلق بمعنى انه لو وجد ما علق عليه يكون الحكم فعليا ولا يلزم الدور أيضا لأن الغرض على هذا التقدير حاصل فان المقدمة واجبة على تقدير وجود ذيها في ظرفه فعلا فلا يقال ان وجوب المقدمة متوقف على وجود ذيها ووجوده متوقف على وجودها لأن التوأمية توجب رفع جميع الإشكالات.

ثم ان المحقق الخراسانيّ قده تمسك بالوجدان في رفع الإشكال في مقام

__________________

(١) وعلى فرض الإشكال في القضية الحينية في التكليف والقول برجوعها في الواقع إلى الشرائط نقول المقدمة الموصلة هي الواجبة وعلة الجعل هو الإيصال كما مر منه مد ظله فكل مقدمة يكون من شأنه الإيصال إلى ذي المقدمة فهو واجب على التخيير وعلى فرض الانحصار فهو واجب على التعيين أو نقول ان الشرط والمشروط والمقدمة وذا المقدمة يكون لهما قيد ثالث وهو الانضمام هذا في المقدمات العقلية.

واما المقدمات الشرعية فهي واجبة بوجوب مستقل مثل وجوب الجزء غاية الأمر يكون الواجب هو التقيد ولازمه وجوب القيد فمثل الوضوء والغسل من مقدمات الصلاة ولكن يكون الطلب متوجها إليه مثل الطلب الّذي توجه إلى الاجزاء والفرق بينه وبين الاجزاء هو خروج القيد ودخول التقيد في المقدمات واما الاجزاء فيكون القيد أيضا داخلا فيها.

٣٠٠