مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

ولكن حيث أخذت فيه نفهم ان المراد هو الاستطاعة العرفية فان حصلت اتفاقا يجب الحج ولا يجب تحصيلها والفرق بين غير المأخوذ في لسان الدليل والمأخوذ فيه هو ان من شك في القدرة في الأول يجب الإقدام على العمل حتى يثبت عدم وجود القدرة واما في الثاني فلا يجب الإقدام الا بعد إحراز الاستطاعة وعليه لا يجب حفظ المقدمات المفوتة الا تخييرا وعلى الأول يجب حفظها تعيينا مثل وجوب حفظ الماء قبل الدلوك ومثل تعلّم الصلاة قبل الوقت الّذي لو لم يحصل يفوت الصلاة بفوته.

إذا عرفت ذلك فنقول ان المقدمة التي تكون شرط الواجب تكون خارجة عن محل البحث لأن المحرك هو الحكم فإذا لم يكن وجوده الا بعد وجود تلك المقدمة فكيف يمكن ان يقال يسرى منه الوجوب إليها وهذا واضح ولكن لزيادة التوضيح قد استدلوا لذلك بوجوه.

الأول لزوم الخلف من ترشح الوجوب على شرطه وذلك لأن مقدمة الوجوب متقدمة عليه بالطبع والوجوب الغيري بما انه مترشح من الوجوب النفسيّ يكون متأخرا عنه فيكون متأخرا عن مرتبة الوجوب بمرتبتين وبما ان وجوب الشيء يقع في سلسلة وجوده لزم ان يتقدم الوجوب الغيري على الوجوب النفسيّ بمرتبتين وقد فرض متأخرا عنه وهذا خلف.

الثاني لا إشكال في ان الوجوب النفسيّ لا يتحقق في الخارج الا عند وجود مقدمته فلو فرض ترشح الوجوب الغيري عليها من الوجوب النفسيّ يلزم تحصيل الحاصل لفرض تحققها حين تعلق الوجوب الغيري بها.

والثالث الدور (١) لأن وجود الحكم ـ يتوقف على وجود المقدمة ووجودها يتوقف على وجوده وهو محال.

__________________

(١) وجود الحكم وان كان متوقفا على وجود المقدمة ولكن وجود المقدمة لا يتوقف على وجود الحكم بل وجوبه والأمر بإيجاده يكون متوقفا عليه فان الوجود التكويني غير منوط بالحكم فالحق لزوم الخلف.

٢٦١

والرابع التهافت في اللحاظ لأن الآمر حين يريد الحكم بشيء يجب ان يرى أولا مصلحة والفرض في المقام هو ان الشرط يكون دخيلا في حدوث المصلحة فلو فرض ـ الحكم مفروغا عنه ليترشح منه الوجوب على مقدمته وهو الشرط يلزم ان تكون دخيلة في المصلحة وان لا تكون دخيلة وهذا محال فتلك المقدمة خارجة عن محل النزاع اما على مسلك التحقيق من ان الحكم هو الإرادة المبرزة فواضح من جهة ان معنى الإرادة المبرزة في المقام هو ان الحكم على الفرض أي على فرض وجود شرط الواجب فعلى فحيث لم يحدث الشرط لا يكون الحكم حكما مطلقا حتى يدعو إلى مقدمته واما على مسلك الشيخ الأنصاري (قده) من ان الأحكام فعلية قبل وجود شرطها فحيث يكون شرطية ـ الشرط للحكم بالوجود الاتفاقي له لا تكون هذه المقدمة واجبة الإتيان.

واما مقدمات وجود الواجب المشروط فتكون داخلة في محل النزاع ولكنها تابعة لنحو الوجوب ففي المطلق مطلق وفي المشروط مشروط على ما هو التحقيق فيه من كون الحكم هو الإرادة المبرزة وكذا على مسلك الشيخ (قده) القائل بان الأحكام قبل وجود شروطها فعلية فعلى المسلكين لا يجوز إهراق ماء الوضوء قبل الوقت لأنه يكون من مقدمات وجود الشرط وهو الوضوء في الوقت ولكن على المشهور من عدم فعلية الأحكام في الواجب المشروط فيكون البعث إلى مقدمات الوجود في مثل غسل ـ الحائض والجنب قبل الفجر وحفظ(١)الاستطاعة قبل الموسم للرواية على وجوب ـ الغسل وحفظ الاستطاعة وللقاعدة المعروفة وهي قولهم الامتناع بالاختيار لا ينافي ـ الاختيار.

__________________

(١) لا يخفى الخلط في المثال فان الحج قبل الموسم بعد وجود الاستطاعة يكون بعقيدته وعقيدة بعض العلماء من الواجب المعلق لا المشروط والكلام في مقدماته لا مقدمات المعلق واما فعلية الوجوب في الواجب المشروط ففيه بحث تعرضنا له في محله وبعض المقدمات يمكن ان يقال بوجوب حفظها ولو لم يكن الوجوب فعليا بل يكون الوجوب أثر الحكم الإنشائي عند العقلاء فإذا اطلع على مراد للمولى في زمان سيجيء مثل ان يخبر طباخه بمجيء أضياف في الغد يجب تحصيل المقدمات.

٢٦٢

ثم لا بأس بالإشارة إلى كيفية الوجوب في المقدمة التي هي التعلم للأحكام فقال المقدس الأردبيلي (قده) بان وجوبه تهيئي ولكن لا نفهمه فانه لا معنى للوجوب الا نفسيا أو مقدميا فإذا لم يكن لنا دليل على أحدهما لا يكون لنا دليل على ما ذكره (قده) إلا وجود رواية لذلك وهي مفقودة فلا إثبات للمصلحة التهيئية.

ثم ان شيخنا النائيني (قده) ادعى وجود رواية في وجوب حفظ المقدمة ولكن لم نجدها وقد اعترضوا عليه في ذلك في أواخر عمره الشريف فقال أن الإنسان حليف ـ النسيان ثم ان القاعدة وهي قولهم الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لا تتم في المقام مثل من ألقى نفسه من شاهق فوقع على شخص آخر فمات فانه في وسط الطريق وان ندم ولكن لا ينفعه لأن اختياره للإلقاء صار سببا لعدم إمكان حفظه عن الإلقاء والأقوال فيها ثلاثة الأول انه في حال الاضطرار وهو حين كونه في الطريق ولا يمكنه حفظ نفسه يكون مأمورا بالترك ومعاقبا على الفعل والثاني عدم الخطاب مع عدم العقاب. والثالث وجود العقاب دون الخطاب فمن يكون له الماء ويهرقه فيدخل الوقت فلا يمكنه الوضوء يكون عدم إمكانه مستندا إلى اختياره التفويت بالإهراق.

والجواب عنها هو ان الشرط الّذي يكون وجوب مشروطه. في الوقت لا يكون واجبا لا عقلا ولا شرعا على المشهور في ذلك يعنى عدم فعلية الحكم قبل الشرط فان العقل لا يحكم بحفظ الماء ليمكن الوضوء وكذا لا يكون لنا الدليل من الشرع لحفظه حتى يقال انه خالفه فيكون معاقبا عليه فإذا دخل الوقت وهو غير واجد للماء ما فعل شيئا خلاف الشرع حتى يأخذه الشارع بامتناعه بالاختيار (١) بخلاف ما هو المختار من فعلية وجوب الواجب المشروط أيضا.

وقال شيخنا النائيني (قده) ان القاعدة منطبقة على المقدمات المفوتة إلّا إذا كانت القدرة على الشرط مقيدة بكونها بعد الوقت فحيث يكون البعدية من شرائط صحة

__________________

(١) مر إمكان ادعاء وجوب بعض المقدمات أثرا للوجوب الإنشائي عند العقلاء لذمهم على تركها بصرف الاطلاع على مراد المولى في زمان سيجيء قطعا.

٢٦٣

الإقدام على العمل بحيث تكون القدرة قبل الوقت غير مؤثرة فلا معنى للإقدام قبله ولحفظ القدرة والجواب عنه هو ان حفظ القدرة لو كان واجبا ولو بعد الوقت يكون حفظ الماء قبل الوقت موجبا لحفظها والعقل على ما فرضتم يحكم بحفظ القدرة فان فرق بين القدرة التي تكون شرطا في الوقت أو قبله فلا يتم كلامه قده.

والحق هو عدم تمامية القاعدة في وجوب تحصيل المقدمة والشاهد (١) على ما ذكرناه ان شرط الواجب المشروط قبل الوقت لا يجب تحصيله مثل الاستطاعة مع ان القاعدة لو كانت منطبقة وموجبة للتكليف يلزم ان يقال يجب ذلك لتحصيل القدرة على الواجب في الوقت فتحصل انه لا وجه للتمسك بالقاعدة في وجوب المقدمات ـ المفوتة.

فرعان فقهيان

ثم هنا فرعان فقهيان الأول هو ان القائلين بوجوب حفظ المقدمات يقولون ان من توضأ قبل الوقت بنية الصلاة يكون وضوئه باطلا وغير مشروع وهذا يكون من ـ التهافت في الكلام لأن الوضوء لو لم يكن مشروعا فكيف يجب حفظ الماء له وان كان مشروعا فكيف لا يقال بأنه بقصد الصلاة صحيح وقد أجاب عن الإشكال شيخنا النائيني قده بان القدرة على الوضوء بعد الوقت تكون شرطا للصلاة لا ما يكون قبله وفيه منع من جهة ان حفظها لما بعد الوقت أيضا لازم على ما ذكرتم وقال شيخنا العراقي قده بان الإجماع قام على عدم صحته بنية الصلاة قبل الوقت وفيه ان من الواضح انه سندي وسنده هو القول بان شرط الواجب قبل الوقت يكون وجوبه فعليا ثم قد ادعى شيخنا ـ النائيني ان لنا إجماعين أحدهما على حفظ الماء قبل الوقت والثاني على عدم صحة الوضوء بنية الصلاة قبل الوقت وفيه ان الإجماع على حفظ الماء يكون للوضوء الّذي يكون

__________________

(١) أقول لو تمت القاعدة في نفسها يمكن ان يقال في أمثال الاستطاعة يكون الخروج عنها بالإجماع.

٢٦٤

ترشح الوجوب عليه من الصلاة فكيف لا يمكن قصد الصلاة.

الفرع الثاني ـ انهم قالوا بان الوضوء قبل الوقت لغاية من الغايات غير الصلاة يجوز معه الصلاة إذا بقي إلى وقتها وهذا أيضا تهافت في الكلام لأن الوضوء بعد دخول ـ الوقت لم ينقلب عما هو عليه فانه كيف لا يجوز إتيانه بقصد الصلاة قبل الوقت وتجوز ـ الصلاة معه بعد الوقت.

وقد أجابوا في المقام أيضا بضم الإجماعين الإجماع على عدم صحة الوضوء بقصد الصلاة قبل الوقت والإجماع على صحة الصلاة معه إذا بقي إلى الوقت وفيه ان ـ الوجوب إذا لم يكن مترشحا على المقدمة من ذيها لعدم وجوبه فكيف تصير هذه دخيلة في مصلحته.

فالحق هو جواز الوضوء بقصد الصلاة قبل الوقت ولكن حيث ان مخالفة المشهور امر مشكل ومن وصايا أستاذنا العراقي قده التحذير عنها فالاحتياط لا يترك بترك قصد الوضوء للصلاة قبله بل يأتي به قبله لغاية أخرى أو للكون على الطهارة.

ثم قال المحقق الخراسانيّ قده على مبناه في الواجب المشروط من ان الشرط في الحكم يكون لحاظه ولكن حيث ان القواعد العربية تدل على ان ما في الخارج يكون شرطا للهيئة فلا وجوب قبل حصول الشرط خارجا بان المقدمات المفوتة التي لا يكون لنا القول بالبعث إليها لعدم فعلية الوجوب لذيها ان دل دليل بخصوصه على الوجوب نستكشف انا ان الوجوب بالنسبة إلى هذه المقدمات فعلى أي المقدمات المفوتة.

واما إذا لم يكن لنا دليل كذلك فلا نقول بوجوب المقدمات المفوتة أصلا.

والجواب عنه فساد المبنى في الواجب المشروط أولا لأن التحقيق هو فعلية ـ الحكم قبل الشرط وثانيا لو دل دليل على وجوب مقدمة بخصوصها لا يكون لنا التعدي إلى ساير المقدمات بل الوجوب فعلى بالنسبة إلى هذه لا غيرها لا أقول ان القدرة الخاصة دخيلة بل أقول قبل الوقت لا وجوب لذي المقدمة ليترشح الوجوب منه عليها ولا نصّ يرشدنا إلى فعليته بالنسبة إليها فحيث لا دليل على وجوبها ولا على عدم وجوبها فكيف

٢٦٥

يقال بوجوبها قبل الوقت واما ما لا دليل لحفظ مقدماته المفوتة كالصلاة فقيل بان ـ الوجوب حيث يكون حاليا والواجب يكون استقباليا فالعقل يحكم بوجوب حفظها لئلا يقع المولى في ضيق الخناق بعد الوقت ويصير غرضه منحفظا لأن الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار.

وفيه أنه لا يستفاد ذلك منه كما مر من عدم إثباته للتكليف ولا يكون العقل حاكما بان نفعل أعمالا حتى يحفظ أغراض الآمرين حين أمرهم ولا يكون هذا من اقتضاء ـ العبودية فان اقتضائها بعد فعلية التكليف هو ذلك واما قبل ذلك فلا مولوية حتى يقتضى العبودية إتيان العمل لحفظ الغرض.

هذا كله في المقدمات المفوتة التي تكون غير التعلم اما هو ففي بعض الصور لا يكون من المقدمات المفوتة وهو صورة كون الاحتياط في العمل ممكنا فانه يمكن ان يقال بذلك لعدم اعتبار قصد التميز في العبادات على التحقيق نعم على فرض كون قصد الخصوصية دخيلا واعتبار كون العبادة المأمور بها هذه دون غيرها يصير الاحتياط غير ممكن فيصير التعلم من المقدمات المفوتة وكيف كان ففي كل صورة كانت المقدمة التي هي التعلم من المفوتة فقال المحقق الخراسانيّ قده بأنه يكون لنا الدليل الخاصّ على وجوب الفحص والتعلم وأيضا يكون لنا كبرى الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار لأن ترك التعلم إذا كان عن اختيار يمكن ان يعاقب عليه إذا كان في وقت العمل غير ـ مقدور عليه وتبعه شيخنا النائيني قده واستدل أيضا بان دفع الضرر المحتمل واجب لأنه بعد احتمال كوننا مكلفين لا كالبهائم والسباع حيث يمكن ان يكون بعض الأشياء واجبا فيكون التضرر في تركه أو حراما فيكون التضرر في فعله فيحكم العقل بان دفع الضرر المحتمل واجب.

فنقول ان الأول من الأدلة وهو وجوب الفحص بالروايات الواردة والآيات يكون صحيحا يعتمد عليه في هذا الباب واما كبرى الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار فهو متوقف على فعلية التكليف والمشهور لا يقول بها فمن لا يكون عليه الوجوب

٢٦٦

الفعلي بالنسبة إلى التعلم فلأي جهة يؤخذ بتركه ويعاقب عليه والوجوب التهيئي الّذي يكون ناقله الأردبيلي قده لا معنى له لأنه ان أراد التكليف النفسيّ فلا دليل عليه وان أراد المقدمي فحيث لا يكون وجوب ذي المقدمة فعليا فلا معنى لوجوب مقدمته فان معنى الواجب المشروط هو انه لو كان التكليف في الواقع ليكون تعلمه واجبا وهو غير فعلى.

واما التمسك بدفع الضرر المحتمل كما عن شيخنا النائيني قده أيضا لا معنى له لأنه لا مقدمية لترك التعلم بالنسبة إليه بل إذا لم يكن التكليف فعليا لا يكون احتمال الضرر أصلا وفي صورة كون ماهية الواجب مجهولة بعد العلم بأصل وجوبه مثل من يعلم وجوب الصلاة ولكن لا يعلم كيفيتها فائضا يجب عليه التعلم إذا قلنا بان الواجب المشروط قبل شرطه فعلى لأنه من المقدمات المفوتة للصلاة بتركه وكذا في صورة عدم إمكان الاحتياط اما في صور إمكانه فيكون التعلم من المقدمات التخييرية بمعنى انه مخير بين الاحتياط أو التعلم ليأتي بالمأمور به على وجهه وإذا كانت المقدمة مفوتة على مبنى الفعلية للوجوب لا فرق بين مثل التعلم ومقدمات الوجود واما على فرض كون الوجوب فعليا في الواجب المشروط فلا يكون للعقل حكم بحفظ المقدمات مطلقا كما مر.

الفصل الثاني في الواجب المعلق والمنجز

ومن التقسيمات للواجب تقسيمه إلى المعلق والمنجز وهذا من مبدعات صاحب الفصول وامّا شيخنا النائيني قده ارجع المعلق إلى المشروط والشيخ الأنصاري قده ارجع المشروط إلى المعلق ولكن الحق ان لنا مطلق ومشروط ومعلق والمطلق ما كان الأمر فيه متوجها إليه بدون قيد أو شرط دخيل في مصلحته أو في وقوع مصلحته في الخارج مثل اشتر اللحم الآن والمشروط ما يكون أصل مصلحة الحكم فيه متوقفا على امر يكون وقوعه اتفاقا أو طبعا شرطا فيها مثل الدلوك والاستطاعة بالنسبة إلى الصلاة والحج والمعلق

٢٦٧

ما لا يكون أصل المصلحة فيه متوقفا على شيء بل وقوعه خارجا يكون متوقفا على زمان بخصوص يأتي طبعا مثل الحج للمستطيع بالنسبة إلى الموسم فان الموسم يكون ظرف وقوع مصلحة الحج والثلاثة على التحقيق مشتركة في ان الحكم فعلى لكن في المطلق بالإطلاق وفي المشروط على فرض وجود الشرط وفي المعلق بدون تقييده بشيء.

واما المشهور القائل بعدم فعلية الحكم في الواجب المشروط ففي المعلق يقول بان أصل الإرادة لا يتوقف على شيء والوجوب حالي إلّا ان الواجب استقبالي والفرق بينه وبين المطلق ان الإرادة في الثاني بحيث تدعو إلى مقدماته المفوتة على التعيين وفي غيرها على التخيير ولكن المعلق لا يكون داعيا إلى شرطه بل يكون وجوده الطبعي مرادا مثل الدلوك والاستطاعة اللذان لا يكون المكلف مأمورا بتحصيلهما.

ثم انه قد أشكل على الواجب المعلق بإشكالات منها ما ذكره المحقق الخراسانيّ قده في الكفاية وأجاب عنه (١) وهو ان الوجوب لو كان فعليا فيه كيف لا يكون محركا نحو العمل فان البعث لازمه الانبعاث والتحريك لازمه التحرك وفيه ان التحريك يكون في ذلك أيضا لكن لا الدفعي بل التدريجي فان بعض المقدمات يكون الإقدام عليها من باب وجود الوجوب فان من نذر ان يزور المسلم مثلا راجلا في يوم الخميس وهو في يوم الاثنين يعمل جوربا تحته جلد من الجلود ليتمكن من ذلك فان هذا يكون من آثار هذا النحو من الوجوب فالبعث ببعض المقدمات يكون من آثاره لا البعث إلى جميعها.

ان قلت بأنه لو كان كذلك ، فما الفرق بينه وبين المطلق فانه أيضا يدعو إلى مقدماته.

__________________

(١) هذا توهم في جميع الموارد فان الإرادة التي لا تنفك عن المراد بمعنى الشوق المؤكد الّذي يكون معه حركة العضلات يكون بالنسبة إلى الفاعل نفسه واما في صورة توسيط الفاعل الاختياري لا يكون كذلك حتى في الواجب المطلق والمنجز.

٢٦٨

قلت قد أجيب عنه كما عن بعض الأعيان (١) بان الفرق بينهما هو ان الشوق يكون في المعلق دون الإرادة واما في المطلق فقد حصلت الإرادة لوقوع العمل بجميع أنحاء وجوده وفيه ان الشوق لو صار موجبا لحكم العقل بوجوب الامتثال لا فرق بينه وبين الإرادة فانها أيضا تكون موجبة لحكم العقل بوجوب الامتثال ثم انه كيف (٢) يصير الشوق إلى ذي المقدمة موجبا للإرادة على المقدمة لو كانت غيره فان المؤثر يجب ان يكون له الأثر الّذي يترشح منه بنحو أكمل حتى يؤثر في المؤثر بالفتح.

فالصحيح ان يقال ان البعث يكون لإحداث الداعي في المكلف نحو العمل وهو تدريجي فانه في الواجب المطلق أيضا يأتي الفاعل ببعض الاجزاء مقدما على بعض مثل اجزاء الصلاة ولا يمكن الإشكال بأنه لو كان تحريك للأمر بها يجب ان يؤتى بميم السلام عليكم في أول آنات التكليف فالبعث يكون لازمه الانبعاث لكن تدريجا لا دفعا.

وقد أشكل ثانيا أيضا كما في الكفاية بان البعث يجب ان يكون إلى عمل مقدور والمكلف في ظرف التكليف لا يكون له القدرة ضرورة ان الموسم لا يكون إيجاده بيد المكلف ومن الواضح ان القدرة شرط من الشروط العامة للتكليف وأجاب بان الشرط انما هو القدرة في زمانه لا في زمان الإيجاب والتكليف غاية الأمر يكون

__________________

(١) أقول يمكن ان يكون مراد هذا البعض هو ان لنا إرادة إنشائية وهي المعبرة عنها بالشوق وإرادة فعلية وهي المعبرة عنها بالشوق المؤكد وبينهما فرق واضح فان الشوق المؤكد هو الّذي يكون بعده حركة العضلات ان كان الفعل فعل النّفس أو يكون بعده الطلب ان كان الفعل فعل الغير مثل العبد بالنسبة إلى المولى في صورة جمع الشرائط غير ما كان له مانع ولو من الخارج وكلام هذا البعض (قده) في نهاية الدراية ص ٣٠٣ فإن شئت فارجع إليه.

(٢) أقول يمكن ان يقول للنفس عرض عريض يكون حبها بالنسبة إلى ذي المقدمة إنشائيا وبالنسبة إلى المقدمة فعليا.

٢٦٩

من باب الشرط المتأخر وقد عرفت بما لا مزيد عليه انه كالمقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا.

وفيه ان المقام لا يكون من الشرط المتأخر في شيء بل طور التكليف يكون بنحو ان المولى إذا إذ عن ان العمل الفلاني يصير المكلف قادرا عليه في ظرفه يبعثه نحو ذاك العمل ويقدر على بعض أنحاء وجوده مثل الإقدام على المقدمات في هذا الحين وعلى ذي المقدمة فيما سيأتي فانه لو كان هذا إشكالا فيجب ان يقال بان الشخص في أول آنات شروعه في الصلاة مثلا لا يكون له القدرة على إتيان السلام في الآن الآخر لأن الزماني يتوقف على مجيء زمانه فحيث لم يمكن ان يأتي الآن الثاني في الآن الأول فيلزم أن يقال لا قدرة عليها من أصلها مع انه كما ترى لا وجه له أصلا واما القول بان الأمر بكل جزء يكون عند القدرة عليه فائضا لا وجه له لأن الأمر يكون على المجموع من الأول.

وقد قال بعض أهل الفلسفة في مقام الفرق بين المعلق والمطلق بان شرط الأول خارج عن الاختيار مثل الموسم والثاني يكون تحت الاختيار مثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة وفيه ان إبقاء القدرة في الاختياري أيضا يكون خارجا عن الاختيار فأي شخص يكون لنفسه البقاء بإبقائه حتى يكون له القدرة من نفسه وقال أيضا ان التكليف يكون هو إمكان جعل الداعي وما كان غير مقدور للمكلف مثل الموسم لا إمكان لجعل الداعي عليه بخلاف ما يكون مقدورا للمكلف مثل الطهارة.

والجواب عنه هو ان المراد إمكان جعل الداعي في ظرفه لا مطلقا ويكون الموسم مثلا في ظرفه داعيا لإتيان المكلف بالمأمور به فيه (١).

ثم ان شيخنا النائيني قده قال (٢) بما حاصله ان قيود الحكم يرجع إلى

__________________

(١) لا يخفى ان مراد القائل هو إيجاد الداعي في المكلف بالأمر نحوه لا كونه داعيا للأمر ومما له الدخل في مصلحة المأمور به فلا يرد عليه هذا الإشكال.

(٢) ان شئت فارجع إلى أجود التقريرات للعلامة الخوئي مد ظله أيضا في ص ١٣٦.

٢٧٠

الموضوع ويكون دخيلا في المصلحة وفعلية الحكم بفعلية موضوعه فعلى هذا القيود الاختيارية يمكن ان يكون تحت التكليف واما القيود الغير الاختيارية مثل الموسم مثلا الّذي قال به من قال بوجود قسم ثالث في المطلق والمشروط وهو المعلق فحيث لا يمكن إيجاده ليصير موضوع الحكم متحققا فلا حكم قبله ولا موضوع ولا مصلحة فما قيل من ان الوجوب في المعلق حالي والواجب استقبالي لا وجه له فالواجب اما مشروط أو مطلق.

وفيه ان قيد الحكم على فرض رجوعه إلى الموضوع وتسليمه لا يكون في المقام هذا القيد قيد الحكم ولا الموضوع بل من قيود المتعلق وقيديته لا تكون من باب الدخل في مصلحة الحكم بل من باب عدم قدرة المكلف على إتيان المأمور به فان الموسم لا يمكن تحققه قبل وقته وعدم البعث إليه يكون لعدم القدرة عليه وثانيا ان المبنى غير تام لأن قيود الحكم لا يرجع إلى الموضوع كما مر وعلى فرض رجوعه يصير كالوصف له مثلا إذا قيل حجوا ان استطعتم يرجع إلى ان المستطيع يجب عليه الحج فالشخص يكون هو موضوع التكليف ووصفه الاستطاعة وحيث ان الشرط المتأخر إذا كان لحاظه دخيلا في الحكم لا إشكال في فعلية الحكم وهذا النحو منه غير محال فأي إشكال في ان يكون لحاظ الشرط دخيلا في فعلية الحكم لا نفس وجوده الخارجي وان قلتم بان الشرط المتأخر محال بهذا الدليل فهذا يكون مصادرة ودورا.

فتحصل ان الحكم في المشروط والمعلق والمطلق فعلى على التحقيق وفي غير المشروط فعلى على المشهور فعلى فعلية الحكم في الجميع وعدم إمكان البعث إلى القيد في المشروط والمعلق تظهر الثمرة في هذا التقسيم في الوضوء الحرجي والضرري فان المكلف لو تحمل الضرر وتوضأ فان قلنا بان الواجب كان مشروطا فالقيد حيث يرجع إلى المصلحة بحيث لا مصلحة في صورة الحرج والضرر فلا يكون لملاك أصلا

٢٧١

فعلى مبنى القائل بكفاية الملاك (١) وهو التحقيق لا يصح الوضوء أيضا لعدم الأمر وعدم الملاك واما إذا كان الواجب معلقا فحيث لا دخل له في المصلحة فيكون له ملاك فيصح هذا كله في مقام الثبوت يعنى تصوير الواجب على ثلاثة أقسام.

واما في مقام الإثبات فيجب البحث في لسان الدليل الدال بان هذا الواجب مشروط أو مطلق أو معلق وان الشرط هل هو دخيل في المصلحة أم لا فنقول بيان القيد يكون على ثلاثة أنحاء الأول ان يكون بنحو الانضمام مثل صل مع الطهارة وهذا واجب مطلق فكما ان البعث يكون بذي المقدمة يكون بالمقدمة أيضا بدون الفرق بينهما الثاني ان يكون بنحو الانضمام ولكن القيد خارج عن تحت الاختيار مثل الدلوك بالنسبة إلى الصلاة فانه يكون فيه الإجماع ولا يكون لنا شاهد على ان القيد دخيل في المصلحة أولا والثالث ان يكون بنحو الاشتراط لا الانضمام مثل يجب الحج ان استطعتم أو مثل أكرم العالم إذا كان عادلا.

ثم ان التمسك بالإطلاق سواء كان في الهيئة أو المادة يكون مختصا بالقيود الاختيارية واما الاضطرارية أعني غير ممكنة التحصيل فلا يمكن ان يكون بالنسبة إليها الإطلاق لعدم إمكان التقييد حيث لا إطلاق إذا عرفت ذلك ففي صورة الشك في ان القيد قيد الهيئة أو قيد المادة وان إطلاق أيتهما مقدم يجب ملاحظة ان التقديم لأيهما يكون فان الإطلاقين متعارضان لأن الوجوب المستفاد من الهيئة مثلا مطلق في انه يكون في جميع الأطوار ويجب تحصيل مقدماته أيا ما كان ولكن لا يثبت ان المادة لا إطلاق لها للعلم الإجمالي بان الإطلاق يكون لأحدهما والمادة أيضا مثل الصلاة مطلقة من جهة جميع أطوار وجودها في أي مكان وزمان سواء دخل الوقت أولا ولكن لا ينفى إطلاقها إطلاق الهيئة فقيل في مقام الترجيح بوجوه.

منها ما في الكفاية ونقله عن شيخه الأستاذ الأنصاري قده وقبل بيانه يجب ان

__________________

(١) أقول وحيث لا يكفى الملاك بدون الأمر بل لا يكشف بدونه لا يبقى وجه لهذه الثمرة على هذا المبنى.

٢٧٢

نشير إلى نكتة وهو ان الشيخ قده القائل بان القيد محال ان يرجع إلى الهيئة لكونها جزئية كيف يبحث عن تقدم إطلاقها على إطلاق المادة فانه لا يبقى مجال للكلام في إطلاق الهيئة مع عدم إمكانه فنقول هو قده وان كان يقول بذلك ولكن بعد إرجاعه القيد إلى المادة يقول بان القيد تارة يجب تحصيله وتارة لا يجب ويفرق بين القيود.

إذا عرفت ذلك فتقول الوجه الأول عن الشيخ قده في ترجيح إطلاق الهيئة على المادة هو ان إطلاقها شمولي بمعنى انه يشمل جميع أطوار الواجب وافراده وإطلاق المادة بدلي بمعنى ان الفرد الواحد يكون واجبا بجميع أطواره مثل الصلاة الواحدة في الدار وفي الحمام وغيره والإطلاق الشمولي مقدم لأنه أظهر.

وقد أجاب المحقق الخراسانيّ قده بأنه على فرض استفادة ذلك من الإطلاق لا فرق بينهما بالأظهرية نعم إذا كان الدوران بين العام والمطلق فحيث ان دلالة الأول على الافراد بالوضع مثل أكرم كل عالم ودلالة الآخر بالإطلاق مثل أكرم العالم فالوضع مقدم فان كلمة كل ناص في شمول الحكم لجميع الافراد بخلاف مقدمات الحكمة التي يؤخذ الإطلاق منها.

أقول ويجب التدبر في كلام الشيخ قده أزيد من ذلك ولتوضيح مرامه نحتاج إلى مقدمة وهي انه يكون الاختلاف بين العلماء في أسماء الأجناس فآل الأمر إلى قبل زمان سلطان العلماء لا بعده إلى ان يقال انه في الأمر يكون دالا على صرف الوجود بمقدمات الإطلاق مثل أكرم العالم فانه يكفى إكرام فرد واحد من العلماء ويصدق الامتثال بخلاف النواهي فانه يكون فيه للطبيعة السارية مثل لا تكرم الفاسق ولا تشرب الخمر فانه لا يصدق ترك الإكرام والشرب إلّا بترك جميع الافراد ولا يصدق الامتثال إلّا بذلك ثم يكون من ملحقات النواهي بعض الموارد مثل أحل الله البيع فانه حيث يكون القول بحلية بيع دون بيع لغوا يقال كل بيع يكون حلالا.

إذا عرفت ذلك فنقول يكون مراد الشيخ قده من كون الهيئة إطلاقها شموليا هو انه يكون من ملحقات باب النواهي فانه لا معنى لكون الوجوب وهو الحكم صرف

٢٧٣

وجوده مرادا بحيث إذا قيل يجب الحج ينطبق على فرد واحد مما أتى به الناس فان الحكم يكون مشتركا بين جميع الناس ويلزم اللغوية من القول بالبدلية بخلاف المادة فانها يمكن تصوير البدلية بالنسبة إليها بمعنى ان يقال لا فرق بين ان يكون العالم زيدا أو عمراً أو غيرهما فان أحد الافراد على البدل يكفى إكرامه فلذلك قال الشيخ قده يكون التقديم مع الهيئة لا المادة.

وجواب المحقق الخراسانيّ قده عنه صحيح على غير مبناه والتحقيق عندنا أيضا هو انه لا فرق بين الإطلاقين واما إذا كان لنا عام يقدم على المطلق على أي نحو كان في مقام التعارض لأن دلالته على الشمول بالوضع ودلالة المطلق على الإطلاق بمقدمات ـ الحكمة ولكن في أداة الاستغراق والعموم مثل كلمة كل اختلاف فمبنى صاحب الكفاية هو كونها لتوسعة ما يراد من المدخول ولذا يجري مقدمات الإطلاق في المدخول لعدم اختصاص فرد دون فرد ليظهر المراد من المدخول ثم يفهم من الكل العموم ولكن نحن نقول نفس الكل يكون لتوسعة المدخول بالوضع لا ما يراد منه فهو قده إذا أجرى مقدمات الإطلاق لا يحتاج إلى الكل لإثبات الشمول فيكون من دوران الأمر بين الإطلاقين واما نحن فحيث نقول بان الكل للتوسعة وضعا قلنا ان نقول بان كلام الشيخ قده في المقام غير صحيح.

ولتوضيح كلام الشيخ قده أيضا نقول في ما يكون المعارضة بين الدليلين مثل لا تكرم الفاسق وأكرم العالم اللذان بينهما عموم من وجه ويكون بينهما معارضة ذاتية نحاسب حتى يظهر الحال في المقام الّذي نكون فيه فنقول يكون لقول القائل لا تكرم ـ الفاسق إطلاق أحوالي وهو انه سواء كان عالما أو لا أسود أو أبيض يحرم الإكرام و ـ إطلاق افرادي وهو شموله لجميع مصاديق الفساق ولو كانوا مساوين من حيث الأحوال وقول القائل أكرم عالما يكون له إطلاق أحوالي بمعنى انه سواء كان مقرونا بالفسق أم لا ولا يكون له إطلاق افرادي لدلالته على صرف الوجود ففي مورد الاجتماع يكون ـ التقدم مع إطلاق لا تكرم من حيث الأحوال والافراد فيقيد إطلاق أكرم العالم من حيث الأحوال فيرجع معناه إلى ان الإكرام يختص بصورة عدم الفسق فتقييد العقد الإثباتي

٢٧٤

يكون بالنسبة إلى إطلاق واحد وهو الإطلاق الأحوالي فقط واما تقييد عقد النفي يكون بالنسبة إلى الافراد ولازمه تقييد الأحوال أيضا فيقدم الأول على الثاني وفي المقام أيضا يكون إطلاق الهيئة بيانا لعدم إطلاق المادة فان الحج يكون له أحوال منها حال الاستطاعة وعدمها والوجوب يكون له افراد مع الاستطاعة ومع عدمها فيرجع القيد إلى المادة ليرجع إلى محو الإطلاق الأحوالي لا الأفرادي والأحوالي لأن تقييد الفرد لازمه تقييد ـ الحال أيضا.

والجواب عنه لا نحتاج إلى كون الهيئة بيانا بعد كون الدوران بين الإطلاقين وإطلاق واحد لأنه ليس لأحد الإطلاقين مزية على الآخر وهذا سيأتي عنه قده في الوجه الثاني هذا أولا وثانيا ان كون مفاد النهي هو الشمول والأمر هو صرف الوجود فيما يكون فيه المعارضة الذاتيّة ممنوع لأنه إذا قيل لا تأكل الثوم لرائحته وقد أكل دفعة واحدة لا يكون النهي متحققا عن ساير الدفعات إذا لم يشتد الرائحة فهو أيضا في هذه ـ الصورة لصرف الوجود هذا ولكن يمكن ان يكون مراد الشيخ قده بذلك هو ان الجمع العرفي بين لا تكرم الفاسق وأكرم العالم يقتضى في مورد المعارضة تطبيق الإكرام على الفرد الّذي لا يكون معارضا وهو العادل من العلماء فالحق مع الشيخ قده في ذلك على هذا التوجيه.

الوجه الثاني في تقديم إطلاق الهيئة على المادة وهو أيضا عنه قده ويكون مأخوذا من صاحب الحاشية على المعالم قده فليرجع إليه ونقله في الكفاية أيضا وهو ان تقيد ـ الهيئة يوجب بطلان محل الإطلاق في المادة ويرتفع به مورده بخلاف العكس وكلما دار الأمر بين تقييدين وتقييد واحد كان الّذي لا يوجب بطلان الآخر أولى اما بيان ـ الصغرى فلأجل انه لا يبقى مع تقييد الهيئة محل حاجة وبيان لإطلاق المادة لأنها لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة بخلاف تقييد المادة فان محل الحاجة إلى إطلاق الهيئة على حاله فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه واما بيان الكبرى فلان ـ التقييد وان لم يكن مجازا إلّا انه خلاف الأصل ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الإطلاق وبين ان يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر وبطلان العمل به

٢٧٥

وأجاب عنه بان التقييد وان كان خلاف الأصل إلّا ان العمل الّذي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة وانتفاء بعض مقدماتها لا يكون على خلاف الأصل أصلا إذ معه لا يكون هناك إطلاق كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد الّذي يكون على خلاف الأصل.

وبالجملة لا معنى لكون التقييد خلاف الأصل الا كونه خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة ومع انتفاء المقدمات لا يكاد ينعقد هناك ظهور كان ذاك العمل المشارك مع التقييد في الأثر وبطلان العمل بإطلاق المطلق مشاركا معه في خلاف الأصل أيضا وكأنه توهم ان إطلاق المطلق كعموم العام ثابت ورفع اليد عن العمل به تارة لأجل التقييد وأخرى بالعمل المبطل للعمل به وهو فاسد لأنه لا يكون إطلاق الا فيما جرت فيه المقدمات نعم إذا كان التقييد بمنفصل ودار الأمر بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة كان لهذا التوهم مجال حيث انعقد للمطلق إطلاق وقد استقر له ظهور ولو بقرينة الحكمة.

والجواب عنه قده هو انه توهم ان الكلام يكون في المخصص المتصل وان إجماله يسرى إلى المطلق بخلاف المنفصل الّذي لا يسري إجماله إلى المطلق أو العام ومن لوازمه في صورة سراية الإجمال هو انه لو كان له قدر متيقن فيؤخذ به وإلّا فيصير ـ المرجع هو الأصل العملي لا حساب الدوران بين المطلق والمقيد وفي المقام حيث يكون المتيقن هو تقييد المادة فينحل العلم الإجمالي بان الواجب اما تقييدها أو تقييد الهيئة لأن القيد لو رجع إلى المادة فهي المقيدة وان رجع إلى الهيئة أيضا يصير المادة مقيدة من باب ان الوجوب لا يجيء في مثال الحج مع الاستطاعة عليه فقط بل مقيدا بالاستطاعة لكن على فرض تقييدها يكون القيد دخيلا في المصلحة وعلى فرض تقييد المادة يكون دخيلا في غيرها واما على فرض عدم الانحلال فيكون كلام الشيخ قده من الدوران بين الظهورين ثابتا فيرجح إطلاق الهيئة على المادة.

واما في صورة كون المخصص منفصلا فبقاء الظهور للمطلق لا يكون إلّا على

٢٧٦

مبنى القائل بان المنفصل يكون قاطعا للحجية كما عليه المحقق الخراسانيّ قده نفسه فيمكن المعارضة والدوران في هذه الصورة واما على مبنى القائل بان المخصص سواء كان منفصلا أو متصلا يوجب إعدام الظهور والحجية كما عليه الشيخ قده فلا يبقى فرق بين هذين العلمين فما قال به قده إشكالا على الشيخ يصح على حسب مبناه لا على مبنى ـ الشيخ قده.

ثم ان الشيخ قده يكون قائلا بان الهيئة لا يمكن تقييدها لأنها جزئية لا تقبله فكيف يقول هنا بتقديم إطلاقها في الدوران مع انه حيث لا يمكن التقييد لا يمكن ـ الإطلاق.

والجواب عنه هو ان في الإطلاق والتقييد مبنيين الأول ان يكون النسبة بينهما التضاد والثاني ان يكون النسبة العدم والملكة فحيث انه قده قائل بالأول وهو التحقيق فلا يلزم من محالية ورود ضد على موضوع واحد محالية ضده الآخر مثلا لو امتنع عروض السواد على جسم لعارض فيه لا يكون ذلك سببا لمحالية عروض البياض عند عدمه فله قده ان يقول إذا لم يكن التقييد ممكنا لإشكال جزئية الهيئة يمكن القول بالإطلاق لعدم محالية ذلك.

ثم ان المانع عن إثبات القيد للهيئة اما يكون ثبوتيا أو يكون إثباتيا فعلى الأول لو كان قيد في مقام ولا ندري أنه هل يرجع إلى المادة أو الهيئة يجب ان يرجع إلى ـ المادة إذا كان رجوعه إلى الثانية أي الهيئة محالا من باب جزئيتها فيكون إطلاقها لغوا أيضا واما إذا كان المانع منه إثباتيا مثل قصد القربة في العبادات فانه حيث يمكن ان يظهر القيد بدال آخر ولو لم يمكن في خطاب واحد فلو صار التقيد محالا من جهة لا يضر بالإطلاق من حيث الذات.

ثم على فرض عدم إمكان التمسك بأحد الإطلاقين فتصل النوبة إلى الشك ففي الشبهة البدوية يرجع إلى الشبهة في أصل التكليف والأصل يقتضى البراءة عنه مضافا إلى استصحاب عدم الإناطة الّذي كان قبل ذلك بان يقال لم يكن الإناطة متحققة قبل فلم يكن

٢٧٧

التكليف والآن نشك فيها فلم تكن أيضا واما في مورد العلم الإجمالي بان القيد اما يرجع إلى المادة أو إلى الهيئة فائضا يكون مقتضى الأصل البراءة لأنه يكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر لأن التكليف بالقيد والمقيد هو المتيقن مثل التكليف بالحج مع وجود الاستطاعة واما التكليف بدون وجود القيد فمشكوك فيه فتجري البراءة بالنسبة إليه فلا يجب الحج بدون الاستطاعة.

الفصل الثالث في الواجب النفسيّ والغيري

هذا أحد التقسيمات أيضا للواجب فنقول قد عرفوا الواجب النفسيّ بان يكون التكليف به لنفسه والواجب الغيري بما يكون وجوبه لغيره والإشكال عليه هو انه لو كان معنى الغيري ما ذكر لا يكاد يوجد واجب نفسي أصلا لأن الواجبات طرا تكون واجبة لمصالح في متعلقها فان الصلاة مثلا واجبة لمصلحة كونها المعراج للمؤمن.

وأجاب شيخنا النائيني قده عن ذلك بان الواجب هو الّذي يكون تحت الاختيار ولا وجوب بالنسبة إلى ما لا يكون تحته والمصالح لا يكون تحت اختيار العبيد حتى يكون هو النفسيّ وغيره الغيري بل يكون ما تحت الاختيار كجعل البذر في الأرض بالاختيار وحصول الثمرة لا محالة.

وفيه ان العمل وان لم يكن علة تامة لحصول المصلحة ولكن يكون معدا لذلك وكفى له ان يكون غيريا.

ولكن لا كلام في هذه الجهات في مقامنا بل الصحيح هو ان يرجع البحث إلى ثمرة فقهية وهي تكون في صورة البحث عن ان هذا الواجب هل يكون مقدمة للغير فلا يجب الا بوجوبه فما دام لم يحصل العلم بوجوبه لا يكون هذا واجبا أو يكون الأمر به بنفسه ولا ربط له بالغير فيجب الإتيان به فالواجب النفسيّ هو الّذي لا ينشأ وجوبه من الغير والغيري بالعكس فما عن المحقق الخراسانيّ قده من ان النفسيّ ما يكون حسنه ذاتيا والغيري ما يكون حسنه غير ذاتي ممنوع لعدم رجوعه إلى ثمرة فقهية.

٢٧٨

ثم على فرض الشك في واجب انه نفسي أو غيري يجب ملاحظة ان المغايرة بين النفسيّ والغيري بالتباين أو الأقل والأكثر والحق انه من قبيل الثاني ويكون لهما اشتراك في أصل البعث وللغيري زيادة وهي ان يكون بعثه ناشئا من بعث آخر بخلاف النفسيّ فإن البعث إليه يكون لمصلحة في نفسه لا من مصلحة في غيره.

وعلى هذا يمكن ان يجري مقدمات الإطلاق في مقام الشك بان يقال أصل البعث معلوم والمولى كان بصدد البيان فحيث لم يبين خصوصية نشوه من الغير نعلم عدم دخالته فيه وإلّا لأخل بالغرض وكذلك يمكن جريان البراءة بالنسبة إلى التكليف الزائد واستصحاب عدم ارتباط هذا بغيره كما انه قبل وجوده كان كذلك ، ولكن الشيخ الأنصاري قده أشكل على الإطلاق بأنه غير ممكن لأن التقييد غير ممكن فحيث لا تقييد فلا إطلاق اما عدم إمكان التقييد فلما مر منه قده في الواجب المشروط من ان الهيئة حيث تكون جزئية وشخصية لا يمكن تقييدها بشيء.

وقد أجاب المحقق الخراسانيّ قده بان الّذي يكون قابلا للتقييد يكون مفهوم البعث لا مصداقه والمفهوم لا يأبى عن الإطلاق والتقييد وهذا يكون على حسب مبناه في المعاني الحرفية من انه لا فرق له مع الأسماء الا من حيث الاستعمال.

ولكن الجواب الصحيح هو ان الهيئة غير جزئية بل تكون تابعة للطرفين في الكلية والجزئية وان كان مسلكنا فيها غير مسلكه قده فلا إشكال في أخذ الإطلاق منها عند الدوران بينه وبين التقييد هذا أولا.

وثانيا ان الإطلاق الأفرادي لو كان جزئيا يكون له المانع على فرضه قده واما الأحوالي فلا إشكال فيه فان الجزئي أيضا له أحوال فإذا وجد البعث يمكن ان يوجد مع حالة وهي الإناطة بالغير وبدونها وهو عدم الإناطة به فبمقدمات الإطلاق يلقى القيد ويقال في المقام ان الخطاب نفسي لا غيري.

وثالثا ان الإطلاق المقامي أيضا يجري لأن من شرائطه هو ان يكون المولى بصدد البيان ويكون القيد مغفولا لأنه لو لم يكن مغفولا يمكن ان يتكل المولى على وضوحه

٢٧٩

عند العقل فلم يبينه فلا يمكن أخذ الإطلاق والمقام حيث يكون قيد الغيرية من المغفول فيمكن ان يؤخذ الإطلاق المقامي أيضا لينتج نفسية الخطاب.

فتحصل انه يكون في المقام الإطلاق الأفرادي والأحوالي والمقامي كله دليلا على النفسيّة وما عن المحقق الخراسانيّ قده من ان البعث مفهوم الطلب لا وجه له بل البعث هو ربط بعثي بين المادة والذات.

ثم انه على فرض عدم الإطلاق تصل النوبة إلى الأصل في المقام فقال قده في الكفاية واما إذا لم يكن (أي الإطلاق) فلا بد من الإتيان به (أي بالمكلف به) فيما إذا كان التكليف بما احتمل كونه شرطا له فعليا للعلم بوجوبه فعلا وان لم يعلم جهة وجوبه من كونها مقدمية أو نفسية وإلّا فلا لصيرورة الشك فيه بدويا كما لا يخفى هذا.

ولكن للشك صور الصورة الأولى ان يكون العلم الإجمالي بوجوب الطهارة مثلا بالنسبة إلى الصلاة اما نفسيا أو مقدميا فلو كان مقدميا أيضا يكون ما يتوقف عليه وجوبه حاصلا وهو وجوب ذي المقدمة ولا شبهة في وجوب الإتيان بالطهارة مثلا ولكن ارتباطها بالصلاة غير معلوم فالأصل عدمه فينتج ان الطهارة سواء كانت قبلها أو بعدها يجب الإتيان بها ويصح الامتثال.

ان قلت هذا ينافى العلم الإجمالي بوجوبها اما نفسية أو غيرية لأنها على فرض غيرية وجوبها يجب ان تكون قبلا.

قلت يكون المقدمية واسطة في التنجيز وهذا غير عزيز في الأصول فان الكأسين النجسين إذا علمنا بطهارة أحدهما إجمالا يستصحب النجاسة في كليهما مع انه مخالف للعلم بطهارة أحدهما فلا إشكال في تفكيك الآثار.

الصورة الثانية هي احتمال وجوب ذي المقدمة فعليا مع العلم الإجمالي بأنه على فرض كونه فعليا تكون المقدمة أيضا واجبة بالوجوب النفسيّ أو الغيري والحق (١) في

__________________

(١) بل الحق البراءة لأن أصالة البراءة عن ذي المقدمة توجب سقوط وجوبها المقدمي ووجوبها النفسيّ يصير مشكوكا بالشك البدوي وفرض وجود ذي المقدمة يوجب فرض وجود ـ

٢٨٠