مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

اجزاء وهكذا يتسلسل (١) ولا نجد الكل فلا وجه للقول بان الكل غير الاجزاء وغاية ما يمكن ان يقال في المركبات الاعتبارية هي إضافية قيد الانضمام بحيث لا يكون المركب الا الاجزاء منضما لا شيئا آخر وقد أشكل صاحب الحاشية على المعالم الشيخ محمد تقي (قده) بان الجزء حيث يكون مما يكون التقيد والقيد فيه داخلين في المركب لا يمكن ان يكون مقدمة للكل لأنه ليس شيء ورائه والبحث في وجوب المقدمة هو انه هل يترشح وجوب من ذي المقدمة عليها أم لا والشيء الواحد كيف يكون متقدما ومتأخرا فان مقتضى المقدمية هو التقدم ومقتضى ذيها التأخر فوجوب المقدمة يتوقف على وجوب ذيها ووجوب ذيها حيث لا يكون غيرها يتوقف على وجوبها وهذا دور وهذا هو الإشكال في المقام وإلّا لا إشكال من جهة اجتماع الوجوبين على شيء واحد فانه يمكن ان يكون شيء واحد واجبا بوجوب نفسي وهذا الشيء يكون مقدمة لغيره أيضا فيكون غيريا أيضا ويتأكد الوجوبان وهذا بخلاف الشرط لأن التقيد فيه يكون داخلا والقيد يكون خارجا فيمكن ان يقال بملازمة وجوبه لوجوب المشروط (٢) وقد تفصى عن هذا الإشكال الشيخ الأنصاري (قده) بما حاصله ان الاجزاء فيها اعتبار ان

__________________

(١) أقول الجزء الّذي يكون على الفرض هو الانضمام طبيعته آبية عن عدم الانضمام حتى يقال الانضمام اما ان يكون منضما أم لا حتى يفرض في المقام أيضا مع شرط الانضمام فينقل الكلام في ذلك حتى يتسلسل بل يكون الانضمام وجوده مثل الأبوة التي في عالم المفهومية لا تحقق لها الا بالأب والابن في الخارج أي لا يكون الانضمام في الخارج الا نفس اجتماع الاجزاء فانيا فيها منتزعا عنها فليس له استقلال في الوجود حتى يحسب جزء فيقال انه بانضمامه إلى ساير الاجزاء بصير الكل شيئا آخر ويلزم التسلسل وهذا غير خفي فتدبر وهذا هو معنى الاجزاء بشرط الإتمام فمن قال بان المركب هو الاجزاء بشرط شيء والجزء بشرط لا فكلامه صحيح.

(٢) فارجع إلى أجود التقريرات للعلامة الخوئي مد ظله لبحث شيخه النائيني «قده» فان الإشكال والجواب فيه وجواب العلامة النائيني عن الشيخ أيضا مفصل ولم يبينه الأستاذ مد ظله بهذا التفصيل.

٢٤١

اعتبارها بشرط لا وبهذا الاعتبار يعتبر الجزئية واعتبارها لا بشرط وبهذا الاعتبار تعتبر كلا حيث تجتمع مع الانضمام والجواب عنه ان هذا خلاف الاعتبار فان الاجزاء بشرط شيء يسمى كلا وبنحو بشرط لا يسمى جزءا والكل لا يكون الاجزاء بنحو اللابشرط بحيث يمكن ان لا يكون معه شيء بل الاجزاء بشرط شيء.

ثم ان الانضمام في المركبات الاعتبارية ليس بنحو الكسر والانكسار بل من باب ضم الوجودين المتصلين وليس مثل انضمام المادة والصورة بحيث يكون تحصل المادة بها وفعلية الصورة معها حتى يقال بان الفرق بين المادة والجنس والصورة والفصل بنحو اللابشرط وبشرط لا فبالاعتبار الأول يكون جنسا وفصلا وبالاعتبار الثاني مادة وصورة بل مثل الخل والأنجبين حيث يفيد الخل رفع الصفراء والأنجبين يمنع عن ضعف القلب فلكل جزء اثره وليس المركب الا هذين لا شيئا آخر.

والحاصل ان الكلام يكون في المركبات الاعتبارية (١) لا المركبات الواقعية التي يحصل من الضم مزاج ثالث.

واما القول بان المصلحة كانت قائمة بالاجزاء مع شرط الانضمام لا مطلقا فان كل جزء لا يحصل منه أثر الكل فباعتبارها يكون الكل غير الجزء فممنوع لأن المصلحة قائمة بالواحد نفسه لا بشرط الواحدية فانها لا تأثير لها لكونها عنوانا انتزاعيا محضا.

ان قلت انا نرى بالوجدان ان الأثر الّذي يكون قائما بالسرير من حيث الهيئة الاجتماعية غير قائم بكل واحد من الأخشاب والأوتاد الّذي يكون قوامه به فكيف يقال بان الواحد لا أثر له إلا ما يكون على الاجزاء قلت هذا مسلم ولم يكن الكلام

__________________

(١) الاعتباريات أيضا يكون لها أثر واحد وهو اما حصول غرض المولى وإسقاط التكليف أو النور في الطهارة والعروج والقرب في الصلاة فيحصل من الانضمام امر في النّفس لا يكون هو نفس الاجزاء وان كان الأمر بالاجزاء فقط فلا غرو في ان يقال يحصل عند تمام ميم السلام عليكم الأثر الّذي يكون للمركب وهكذا.

٢٤٢

فيه لأنه يكون في المركبات الاعتبارية لا الخارجية أي نكون في صدد ان نبحث ان الاجزاء الصلاتية التي يكون وحدتها بالاعتبار المحض هل تكون شيئا وراء التكبير والركوع والسجود إلى التسليم ويترتب على هذه الاجزاء أو تكون الصلاة هي نفسها واما المركبات الخارجية مثل المعجونات التي يحصل منها مزاج ثالث فتكون خارجة عن محل الكلام.

ثم ان (١) ثمرة البحث في وجود المقدمات الداخلية والاعتراف بها تظهر في ـ صورة دوران الأمر بين الأقل والأكثر فان العلم الإجمالي ينحل على فرض عدم القول بها ولا ينحل على فرض القول بها بيان ذلك انا إذا شككنا في جزء من الاجزاء بعد العلم بكون التسعة مثلا جزء للصلاة نعلم إجمالا بوجوب شيء علينا اما الأقل أو الأكثر والعلم الإجمالي كذلك ينتج علما تفصيليا لأن الأقل واجب على كلا التقديرين سواء كان ـ الأكثر واجبا أم لا فعلى فرض عدم القول بالمقدمات الداخلية ينحل العلم كذلك بالعلم

__________________

(١) أقول قد توهم ان هذه ثمرته ولكن لا وجه لأصل البحث وللإطالة في المقام ولا تكون هذه ثمرته لأن ما ذكره من العلم الإجمالي بأنه اما يكون الجزء واجبا بوجوب نفسي أو غيري ولا يحصل اليقين بوجوب الأقل تفصيلا بعد العلم الإجمالي بان الواجب اما هو الأقل أو الأكثر لا يتم لأنا نعلم تفصيلا ان الأقل واجب فان قلنا بالمقدمات الداخلية فبوجوب نفسي وغيري وعلى فرض القول بعدمها فبوجوب نفسي فقط فأين المنجز بالعلم الإجمالي حتى يقال لا ينجز ثانيا.

ولو كان الإشكال من هذه الجهة فعلى فرض عدم القول بالداخلية أيضا وارد من جهة ـ العلم التفصيلي بالأقل والعلم الإجمالي بأنه اما واجب فقط أو هو واجب في ضمن الأكثر والسر في انحلال العلم الإجمالي في باب الأقل والأكثر هو ان العلم لا يكون في الواقع إجماليا بل يكون من توهم الإجمال لأنه من الأول نعلم الأقل تفصيلا ونشك في الأكثر تفصيلا وإشكال ارتباطية الاجزاء ـ يكون جوابه في ذلك المقام الّذي يكون البحث عن البراءة أو الاحتياط في ذاك الباب وحاصل الجواب هو عدم كوننا مأمورين بأغراض الموالي بل بما تم عليه البيان فان كان نفسيا فهو وان كان نفسيا وغيريا فكذلك ولا يكاد ينقضي تعجبي عن هذه الثمرة مع ان القائل بالمقدمات الداخلية يرى الفرق باعتبار بشرط الشيء وبشرط لا.

٢٤٣

بوجوب الأقل والشك في وجوب الأكثر فتجري البراءة بالنسبة إليه واما على فرض وجود المقدمات الداخلية فحيث يرجع الأمر إلى ان نقول اما يكون الأقل واجبا نفسيا أو غيريا أي نعلم إجمالا اما يكون الأقل واجبا ، بوجوب نفسي أو غيري والعلم الإجمالي بان الواجب اما الأقل أو أكثر لا ينحل بواسطة العلم الإجمالي كذلك لأن المنجز لا ينجز ثانيا فان الأقل حيث صار منجزا بواسطة العلم الإجمالي الأول الدائر بين النفسيّ والغيري لا يمكن ان يصير أحد أطراف العلم الإجمالي بأنه اما يكون الأقل واجبا أو ـ الأكثر فانه على فرض كونه نفسيا قد نجز أولا.

لا يقال ان العلم التفصيلي الناشئ عن العلم الإجمالي لا يكون موجبا للانحلال فان العلم التفصيلي بوجوب الأقل يكون ناشئا من العلم الإجمالي بوجوب الأكثر أو الأقل فلا يكون الإجمالي معدما لنفسه لأنا نقول (١) ان التفصيل يكون في المعلوم لا ـ العلم أي يكون المعلوم تفصيلا هو الأقل لا ان العلم الإجمالي ينحل إلى العلم التفصيلي ثم ان بعض المقدمات يكون كالعلة بالنسبة إلى ذي المقدمة ولا ينفك عنه كما في الإلقاء في النار والإحراق فانه يكون خارجا عن محل البحث أيضا لأن الكلام في ـ المقدمات التي يمكن تفكيكها عن ذي المقدمة حتى يجري البحث فيها بان الأمر بذيها هل يلازم الأمر بها شرعا أم لا وإلّا فما لا يتصور الانفكاك فيه يكون البحث فيه عن الملازمة لغوا.

المقدمة الثالثة

في تقسيم المقدمة إلى المقارنة والمتقدمة والمتأخرة فنقول حيث ان المقدمة تكون من اجزاء العلة التامة يجب تقارنها مع المعلول زمانا وان كانت متقدمة رتبة فلا نتصور تقدم الشرط على المشروط وتأخره عنه كما لا نتصور تقدم المقتضى زمانا ولا تأخره.

__________________

(١) أقول العلم والمعلوم من المتضايفين فان العلم التفصيلي معلومه أيضا تفصيلي وو الجواب الصحيح هو ان التفصيل في الأقل كان موجودا لتمامية البيان ـ بالنسبة إليه والأكثر توهم انه شريك معه فلو فرضنا عدم الشك في ذلك الجزء لا يمكن ان يقال لا يكون الأقل واجبا لعدم العلم الإجمالي به.

٢٤٤

لا يقال لا نتصور حقيقة الشرط فكيف يحكم بأنه من اجزاء العلة ولا يتصور تأخره عن المعلول إذ لو كان ما يترشح المعلول منه هو الشرط فمرجعه إلى المقتضى وان كان من قوام المعلول نفسه فمرجعه إلى القابل مثلا الإحراق يحتاج إلى النار فهي المقتضية له ويحتاج إلى الحطب فهو القابل فالشرط لا شأن له لأنه يقال الشرط اما يكون متمم فاعلية المقتضى أو متمم قابلية القابل مثلا المماسة في النار متمم الفاعلية واليبوسة في ـ الحطب متمم القابلية فلا يتصور تأخره عن الإحراق كما انه لا يتصور تقدمه عليه وانصرامه بمعنى عدم بقائه حين ضم المشروط إليه فمعنى الشرط واضح وتأخره عن ـ المشروط غير متصور.

ومن هنا يقع الإشكال في كثير من الموارد في الفقه التي يكون ظاهرها إناطة ـ الحكم أو الموضوع بالشرط المتأخر مثل إناطة صوم المستحاضة إلى الأغسال في الليالي المتأخرة ومثل ان المشهور بنائهم في الإجازة في البيع الفضولي على الكشف بمعنى ان الملكية مؤثرة من حين العقد بعد الإجازة المتأخرة مع ان في لسان الدليل ان شرط ـ الملكية الإجازة وهي متأخرة وكذلك الإشكال سار في الشرط المتقدم المنصرم مثل تأثير العقد (١) في ما يكون شرطه القبض والإقباض في المجلس كالصرف والسلم فكيف

__________________

(١) أقول هذا لا يكون من تأخر الشرط عن المشروط لأن الشرط الّذي يكون هو القبض والإقباض يكون مقارنا لحصول البيع الصحيح ولكن الّذي يكون متقدما ومنصرما يكون نفس المقتضى وهو العقد ولكن أمثال هذه الإشكالات فيما يكون متقدما ومنصرما يجيء في الإيجاب المنصرم الّذي يلحقه القبول.

والجواب الصحيح عن كل ما قيل في الشرط المتقدم والمتأخر هو ان كل ما في الشرع من العلل والشروط يكون كالدواعي ويكون اثره صحة العمل أو إتيان المأمور به على طبق الأمر وعلى طبق القانون الشرعي وإسقاط التكليف وكل ما يقال أنه شرط أو جزء يكون دخيلا فيه فيكون متقدما والفرق بين الشرط والجزء هو ان في الأول لا يكون القيد داخلا بل التقيد فقط داخل في المركب وفي الثاني كلاهما داخلان وهو من الاعتبارات نظرا إلى فهمه من الشرع.

٢٤٥

يؤثر ما يكون منصرما حين القبض والإقباض في ذلك.

وقد أجاب عن هذا الإشكال المحقق الخراسانيّ (قده) بان الشرط اما يكون شرطا للحكم سواء كان تكليفيا أو وصفيا أو شرطا للمأمور به فعلى الأول يكون المؤثر هو تصور الشرط المتأخر في لسان الدليل ولحاظه كمن يرى ان زيدا يريد ضيافة عالم جليل فيما سيأتي فيعطيه الدراهم لذلك فتصور الأمر المتأخر صار شرطا للإكرام إذ الحكم سواء كان هو الإرادة أو البعث والتحريك مرهون بتصور عدة أشياء بحدودها وقيودها ولذا يرى المولى القيد في هذا الظرف لمصالح وفوائد يترتب عليه مثلا يرى ـ الصلاة بتصورها ويرى اقترانها بالطهارة والستر فيتحقق فيها المصلحة فيشتاق إليها فيريدها بإرادة سريعة وكذا لو تصور أن الملكية مقرونة بإجازة المالك تكون ذات مصلحة يحكم بها في هذا الظرف.

وبالجملة ما هو دخيل في الحكم يكون تصور الشرط ولحاظه فهو لا زال مقارن لحكمه وكذلك الأمر في الشرائط المقارنة إذ دخلها يكون أيضا بوجودها اللحاظي وفيه ان البعث والتحريك يكون كسائر الأشياء فلو كان وجودهما في الخارج مشروطا بوجود امر في الخارج بحيث يكون ذلك الأمر مقتضيا أو شرطا له فلا يعقل تحققه الا مقارنا لتحققه في الخارج مثلا البعث والتحريك نحو الصلاة لا يتحققان إلّا

__________________

ـ فكل ما يقال بدخل الاجزاء المترتبة بعضها على بعض يقال في الشرط المتأخر والمتقدم المنصرم وغير ذلك وكل ما يقال في تأثير الوضوء من الصباح في الصلاة وقت الزوال يقال في المنصرم من الشرط المتقدم أو المتأخر هذا في التشريعيات.

واما التكوينيات فحيث يكون المعلول هو المرتبة النازلة من العلة يجب ان يكون جميع ما هو دخيل في حصول المعلول وصيرورة العلة علة تامة من القابل والفاعل والشرط وغيره مقارنا فإطالة بحثهم في المقام تطويل لا يكون فيه كثير فائدة وان كان فيه تشريح الذهن والتوجه إلى جهات البحث فشكر الله مساعيهم.

٢٤٦

بعد الدلوك وإمضاء الملكية لا يتحقق إلّا بعد الإجازة خارجا فلا يتصور بعث وتحريك الا بعد تحققها نعم لو كان الحكم هو الإرادة المبرزة كما هو التحقيق لكان مدار تحققه تصور ما يلائمه ولكنه (قده) لا يقول به (١) ولذا يقول بان الأحكام المشروطة لا تكون قبل تحقق شرائطها فعلية وهذا يكون من ثمرات القول بان الحكم هو البعث والتحريك ولو كان هو الإرادة كان فعليا قبل تحقق ما هو الشرط في لسان الدليل خارجا بل تحققه يكون بنفس التصور.

ثم انه قد أشكل شيخنا الأستاذ النائيني (قده) عليه بان ما أفاد يتم في الأحكام التي تكون على نحو القضايا الخارجية إذ فيها يكون جميع المصاديق من علل التشريع وليس لها موضوع يترتب عليه الحكم سوى تحقق مثل زيد وعمرو وبكر في الخارج واما الأحكام الشرعية فليست كذلك بل يكون على نحو القضية الحقيقية وفيها كلما يكون من شرائط الجعل فهو بوجوده اللحاظي شرط وكلما يكون من شرائط المجعول فهو بوجوده النعتيّ شرط وشرائط الجعل هي العلل الغائية التي تكون مقدمة بالتصور وشرائط المجعول هي ما يكون بوجوده الخارجي شرطا والمقام من هذا القبيل.

والجواب عنه أولا هو عدم تمامية المبنى لأن الأحكام عندنا هي الإرادات المبرزة وتقرر في محله انها لا تكون مجعولة ومعه كيف يتصور كونها على نحو القضية الحقيقية مضافا إلى انه لو سلم كونها مجعولة تكون من القضايا الخارجية التي يكون الموضوع فيها الوجودات الخاصة وليس هذا معنى القضية (٢) الحقيقية مع ان فرقه بين شرائط ـ

__________________

(١) أقول انه (قده) يكون ممن يقول بأن للحكم مراتب فيمكن ان يكون كلامه هذا من جهة أن الحكم في مرتبة الإنشاء يكفى فيه لحاظ الشرط وتصوره واما في مرتبة الفعلية فيكون الوجود الخارجي هو المؤثر.

(٢) القضية الحقيقية بنظر الأستاذ (مد ظله) يكون في صورة عدم كون الحكم على الطبيعة فقط مثل الإنسان نوع بل إذا كانت الطبيعة مرئية بلحاظ وجود افرادها في الخارج بحيث تكون مرآتا له ومراد الشيخ النائيني (قده) يكون هذا أيضا لأنه أيضا لا يحكم على الفرد ـ

٢٤٧

الجعل والمجعول غير تام لأنهما متحدان يعنى الجعل والمجعول هذا أولا وثانيا دخل ـ الأشياء يكون بملاكات واقعية فلو كان الاذن دخيلا بوجوده الخارجي والدلوك لذلك لا يفرق في إبراز الحكم بصورة القضية الخارجية أو الحقيقية في لسان الدليل ويدل على ذلك ان اللحاظ الّذي يكون مقوما في العلل الغائية غير اللحاظ الّذي يكون دخيلا في الخارجية حيث يكون الأول تصوريا والثاني أعني ما يكون لإحراز وجود ـ الشرط يكون تصديقيا.

واما شرائط المأمور به فقال المحقق الخراسانيّ (قده) انه لا شأن للمتأخر إلّا انه طرف إضافة للمتقدم به يوجب الحسن للمتقدم وطرف الإضافة قد يكون متقدما وقد يكون متأخرا فكما ان اليوم مقدم على الغد باعتبار الإضافة مع عدم تحقق الغد خارجا فكذلك في المقام المشروط له شرط فيما سيأتي وقد أشكل عليه بان دخل المتأخر لانتزاع عنوان حسن للمتقدم لا يكون جزافيا فلا بد أن يكون دخيلا نحوا من الدخل فاما ان يكون دخيلا في علل قوامه أو وجوده فيعود المحذور.

وبعبارة أخرى المتأخر اما لا يكون مؤثرا فلا يكون شرطا وهو خلف واما يكون له الأثر فتأثير المتأخر في المتقدم محال واما ان يرجع إلى عدم كون الوجود الخارجي شرطا بل الوجود اللحاظي وهو خلاف ظاهر الدليل وقد يجاب عنه بان تأثير امر متأخر في أمر عيني أو انتزاعي وان كان محالا ولكن دخله في امر جعلي لا يكون كذلك ومن الواضح ان أنحاء الدخل مختلفة فيمكن ان يصير شيء بالإضافة إلى امر مقطوع الوقوع صاحب حسن وكمال.

__________________

ـ المقدر وجوده بعنوان انه زيد بل بعنوان انه إنسان وهذه الطبيعة تكون بحيث يمكن ان يرى بواسطتها جميع الافراد الموجود والمعدوم ويحكم عليه وان كان في أصل جوابه التأمل والنّظر.

٢٤٨

في الدليل على بطلان الشرط المتأخر في الشرع وجوابه

اعلم أنه لا يكون الفرق بين الشرط المتأخر والمتقدم من حيث عدم إمكان انفكاك العلة عن المعلول في التكوين واما من حيث التشريع فهو غير محال فان العلل الشرعية لا يكون كالعلل التكوينية حتى لا يتصور الانفكاك فيها.

إذا عرفت ذلك فنقول استدل القائلون بامتناع الشرط المتأخر أو المتقدم تكوينا وهم الأصوليون والفلاسفة بوجهين الأول (١) ما عن شيخنا النائيني (قده) وقد

__________________

(١) قال الأستاذ مد ظله بعد السؤال عنه ان التكرار لمسلك شيخنا النائيني (قده) هنا يكون من جهة إثبات محالية الشرط المتأخر على مبنى القضايا الحقيقية في الأحكام وفي السابق كان لأجل علاج ما ورد في الشرع وهذا لا يكون مصحح التكرار بل له أن يقرر مبناه في مقام ويرجع إليه إذا كان في مقام ترتيب أثر آخر وكيف كان فهذا البيان يكون بنحو التفصيل ولا يخلو التكرار عن الفائدة.

والتحقيق هو ان بيان ذلك وكون الأحكام على نحو القضايا الخارجية لا يصحح المقام لأن الكلام والإشكال كان من الأول في تأثير ما هو متأخر زمانا لإرجاع ذلك أي الشرط إلى المقتضى وبعبارة أخرى يكون الكلام في شرائط المأمور به لا في الأمر وهو العمدة فان من الواضح ان مقوم الأحكام يكون لحاظات وتصورات توجب عشق النّفس إلى الشيء الملحوظ والمتصور وأصل الكلام نشأ عن ما ورد في الشرع من الشرط وتوهم تأخره عن المشروط وقد مر فيما سبق عنا ان ما توهم انه يكون من الشرط المتأخر لا وجه له بل الصحة تكون معناها مطابقة المأمور به مع المأتي به وشرطها وعلتها هو جميع الاجزاء والشروط إلّا ان دخل الشرط في نظر الشارع يكون بنحو عدم لحاظه مع ساير الاجزاء منضما والقول باللحاظ لا يصحح الإشكال العقلي.

على انه لا يكون لغسل الليل لحاظ في الصوم في مقام الإتيان بالمأمور به نعم في مقام جعل الحكم يكون ولا يفيد في المقام فما قاله الأستاذ مد ظله وغيره بهذا النحو في المقام لا يكون تاما عندنا إلى الآن والله العالم.

٢٤٩

مرت الإشارة إليه إجمالا وهنا نذكر تفصيلا بوجه أضبط ولكن منضما بحثه الفلسفي ببحثه الأصول وله (قده) ثلاث أحجار أساسي.

الأول هو ان الأحكام تارة يكون على نحو القضايا الخارجية وتارة على نحو القضايا الحقيقية اما الأولى فيكون فعلية الحكم فيها متوقفة على دواعي الآمر مثل ان يقول أكرم زيدا أو عمراً أو خالدا أو بعنوان جامع مثل أكرم من في الصحن فان وجود زيد وعمرو كاف في وجوب الإكرام سواء كان في الواقع شرائط الجعل كليا موجودا أم لا مثل كون الصداقة شرطا لوجوب الإكرام في نظر المولى وان لم يصادف الواقع في المأمورين بإكرامهم واما الثانية أي كونها على نحو القضايا الحقيقية فمثل ان يقول أكرم أصدقائي فان إحراز عنوان الصداقة شرط في كل مورد يكون الحكم فعليا وفي هذه الصورة لا يمكن ان يكون الشرط متأخرا فما دام لم يحصل الصداقة لم يجب الإكرام.

والثاني ان كل قيد في الحكم يرجع إلى الموضوع مثلا إذا قيل يجب الحج على كل من استطاع يرجع قيد الاستطاعة إلى الموضوع فيصير المعنى يجب الحج على المستطيع لأن الحكم يكون مستفادا من الربط البعثي أي الهيئة وهي مغفولة عنها وما لا يكون مغفولا عنه فهو الموضوع.

والثالث ان فعلية الحكم بفعلية موضوعه فإذا لم يكن الموضوع متحققا لا يكون الحكم فعليا فحيث يكون الأحكام على نحو القضايا الحقيقية وواقع الشرط يكون ملحوظا فيها وان قيد الحكم يرجع إلى الموضوع وفعليته بفعلية موضوعه وما دام لم يحصل الشرط لدخله واقعا لم يحصل الموضوع فلم يحصل الحكم فيظهر من ذلك ان الشرط المتأخر محال لمحالية انفكاك العلة عن المعلول وكذلك المتقدم لأنه إذا وجد وانصرم لا يكون دخله في المتأخر معقولا ويصير من هذا الحيث كالمعد الّذي يوجد وينصرم.

والجواب عنه أولا ان الأحكام في كل مورد يكون على الافراد الخارجية ولا يكون على نحو القضايا الحقيقية فإذا قيل أكرم كل عالم يكون الحكم على كل فرد فرد سواء

٢٥٠

كان موجودا فعلا أو سيوجد وهذا الجواب يرجع إلى إنكار مبناه في القضايا الحقيقية والخارجية فان الحكم إذا كان بنحو كلي على الافراد الموجودة والمقدرة لا يسمى القضية حقيقية بل يكون من القضايا الطبيعية غاية الأمر ان الطبيعة على نحوين الأول ان يكون الحكم على نفس الطبيعة بدون النّظر إلى الاجزاء مثل الإنسان نوع فهي الحقيقية وتارة يكون الحكم على الطبيعة بلحاظ وجود الافراد في الخارج بحيث يكون الحكم عليها بنحو المرآتية لا بعنوان مشير حتى يكون شرطه وجود الفرد في الخارج في حين الحكم هذا أولا.

وثانيا على فرض قبول هذا الاصطلاح في المقام لا فرق بين الخارجية والحقيقية لأن موضوع الحكم يجب تحققه مع جميع شرائطه لأن الشرط الواقعي دخيل مثلا إذا قيل حجوا ان استطعتم يكون الاستطاعة الواقعية دخيلة في وجوب الحج غاية الأمر تارة يكون الآمر عالما بوجود الشرط وتارة يكون محولا إلى فحص المأمور فإذا كان الآمر عالما بحصول الشرط يمكن ان يقول أيها الشخص الفلاني يجب عليك الحج لعلمه بأنه مستطيع واما إذا لم يكن الآمر عالما به فيقول المستطيع يجب عليه الحج فكل من علم باستطاعة نفسه وحصول هذا الشرط يشمله الحكم في أي ظرف وجد فلا يكون الشرط في الخارجية هو لحاظ الاستطاعة سواء كان في الشخص المأمور أم لا وفي غيره واقعها حتى يقال عدم وجود الشرط في الأول مقارنا لا يضر وفي الثاني يضر فيستفاد منه ان في القضايا الحقيقية يكون الشرط المتأخر محالا.

وثالثا ان مبناه (قده) هو ان فرض الموضوع يوجب فرض الحكم وواقع الموضوع يوجب واقعه ففي صورة عدم حصول الشرط حيث لا يكون الموضوع تاما لا يكون الحكم تاما في الشرط المتأخر فجعل الحكم قبل حصول الشرط محال وهذا المبنى عندنا غير تام لأن الأحكام عندنا ليست مجعولة بل هي الإرادات المبرزة ومعناها ان المولى بعد تصور الشيء وتصور فائدته يعشقه بعشق تام فيجزم به فيريده ويبرز إرادته فان من يقول ان رزقت ولدا فاختنه فهو الآن يكون عاشقا لختان الولد في ظرف

٢٥١

وجوده لا ان الحب يكون بعد وجود الولد فالحج مثلا بشرط حصول الاستطاعة يكون قبل حصولها محبوبا للمولى فلا دخل لمقارنة الشرط في ذلك ولا يضر تأخره.

ورابعا ما قال من ان قيود الحكم يرجع إلى الموضوع ممنوع عقلا وأدبا (١) لأن أهل الأدب يفرقون بين ما إذا قيل يجب الحج على المستطيع حتى يكون الاستطاعة عنوان الموضوع وبين ما إذا قيل يجب الحج على الناس إذا استطاعوا كما سيجيء في الواجب المشروط والهيئة لا تكون مغفولة حتى لا يرجع القيد إليها.

وخامسا لو سلمنا كل ما قال يكون مصادرة على المطلوب لأن الشرط والمشروط يكونان من المتضايفين وطرفا التضايف يجب ان يكون موجودا بنظره (قده) والشرط المتأخر حيث لم يوجد فلا معنى ـ للإضافة ، والعدم لا يؤثر في الوجود فنقول عليه بان هذا يكون محالا لمحالية (٢) الشرط المتأخر فهو متوقف على نفسه وتكون النتيجة عين المقدمة فهذا الطريق منه (قده) لا يفيد محالية الشرط المتأخر.

والحاصل انه (قده) يريد ان يثبت ذلك من باب ان الأحكام على نحو القضية الحقيقية بنظره وقد بينا فساد مبناه فيها.

__________________

(١) لا يفرق العقل والأدب بينهما من حيث النتيجة في نظر العرف نعم في باب الاستصحاب قيل بأنه ان قلنا الماء المتغير حكمه كذا يكون التغير جزء الموضوع فإذا زال لا يمكن الاستصحاب لعدم انحفاظ الموضوع بخلاف ما إذا قيل الماء إذا تغير فانه يكون الشك في شرط الموضوع والجواب عنه هو ان في الصورة الأولى أيضا يرجع إلى الشك في وصف الموضوع لا في أصله فلا فرق وسيجيء تمام الكلام في الواجب المشروط.

(٢) أقول كونه معدوما لا يكون منوطا بمحالية الشرط المتأخر بل الليل إذا لم يكن في يوم الصوم لا يكون الغسل موجودا فيه ومقارنا إلّا ان يكون الشرط اللحاظ فقط فمن عدم الليل وجدانا نستفيد محالية شرطيتها وتأثيرها في الصوم لأن المحالية تكون من جهة محالية الشرط المتأخر فلو تفوه إمكانه أيضا كان هذا الإشكال بحاله لو سلم أصل الاستدلال في الشرعيات ولكنه مر أنه غير تام.

٢٥٢

الدليل الثاني لمحالية الشرط المتأخر تكوينا هو ان الشرط اما ان يكون لحاظه فهو مقرون واما يكون وجوده الخارجي وهو محال لعدمه وجدانا لا يقال معنى الشرط ان كان هو ما ينشأ منه المعلول والمشروط فلا إشكال في محالية ، تأخره وكذا ان كان متمم فاعلية الفاعل أو قابلية القابل لأنه يكون مثل المقتضى الّذي يجب تقدمه وان كان له معنى آخر فلا إشكال في تأخره وحيث يكون ما منه المشروط فيستحيل تأخره لأنا نقول ان الوجدان حاكم بان الإحراق شرطه المماسة ولا يكون هذا الشرط محرقا ومؤثرا في الإحراق بل المحرق هو النار فالشرط (١) وان كان مؤثرا ولكن لا يكون مختصا بصورة كون المشروط منشأ منه فلا يلزم من تأخره تأخر العلة عن المعلول من غير فرق بين الشروط الشرعية والتكوينية.

واما الفلاسفة والأصوليون فبعضهم قائلون بان الشرط يوجب التأثير للحصة مثلا المماسة التي تكون شرطا للإحراق توجب إحراق هذه الحصة من النار فليس كل نار محرقة بل الحصة المقرونة بهذا الشرط فبالإضافة إليه يؤثر كما ان الصوم بالإضافة إلى غسل الليل والعقد الفضولي بالإضافة إلى الإجازة يؤثران ويعقل التأثير بلحاظ طرف إضافته والشرط هو تعقب هذا العقد أو ذاك العمل بما سيأتي.

لا يقال لا يمكن ان يكون النار في اليوم محرقة بعد ما كان شرط الإحراق وهو المماسة في الغد بالوجدان فكيف يؤثر المتأخر في المتقدم لأنا نقول المدعى هو ان تأخره جائز في الشرعيات لا انه واجب والتعقب بالإجازة في العقد الفضولي مما يؤثر بعد وقوعها لا قبلها.

__________________

(١) أقول العلة اما تامة أو ناقصة والثانية تصدق عند أهل المعقول على الشرط أيضا والأولى على المجموع من الشرط والجزء وغيره فالنار بدون المماسة لا تكون علة للإحراق بل المماسة أيضا دخيلة فيه والشروط الشرعية والتكوينية يكون كذلك إلّا انه في الشرعية مر معنى التأثير والتأثر وعدم الإشكال في التأخر.

٢٥٣

والجواب عن هذا الاستدلال هو ان نقول لا يعقل الإضافة قبل حصول المضاف إليه ووجوده فلا وجه لتأثير المتأخر فالشرط المتأخر محال هذا كله في مقام بيان محاليته عموما واما ما ورد في الفقه مما يتوهم كونه شرطا متأخرا فيجب ان يعالج ومواردها كثيرة منها العقد الفضولي المتعقب بالإجازة.

فنقول مقدمة له ان في الملكية مسلكين أحدهما انها تكون موجودة في الوعاء المناسب لها بواسطة العقد والثاني هو ان الملكية ليست إلّا اعتبار من يعتبر العقلاء اعتباره فإذا كان شيء لشخص واعتبر كونه لغيره وقبل الغير هذا الاعتبار فيعتبره العقلاء أيضا ثم صحة الفضولي اما يبحث عنها على النقل أو على الكشف الحكمي المشهوري أو على الكشف الحقيقي.

إذا عرفت ذلك فنقول انه على فرض كون الملكية اعتبارية مع القول بالنقل لا يجيء الكلام من الشرط المتأخر لأن تأثير العقد يكون على النقل من حين الإجازة فالمؤثر بالكسر والمؤثر بالفتح يكونان في ظرف واحد من الزمان ولا تقدم ولا تأخر واما على فرض الكشف فغاية ما يقال لدفع الإشكال هو ان الشرط يكون هو لحاظه لا وجوده الخارجي مثل من يعتقد وجود الأسد في الدار فيفر منه فان الّذي يؤثر في الفرار هو وجوده الزعمي لا الوجود الخارجي فالإجازة يكون وجودها الزعمي مؤثرا أو يقال بان باب المعاملات يكون مثل باب التعظيمات في العرف فإن بعضهم يعتبرون التعظيم عند رفع القلنسوة وبعضهم بوضع اليد على الصدر وبعضهم بالسلام فيكون اعتبارهم ـ الملكية بعد الإجازة وهذه الأمور يرجع منشأ انتزاعها إلى امر اعتباري فتحصل ان ـ الشرط المتأخر محال تكوينا ويجب علاج ما ورد في الفقه مما يتوهم كونه منه بأحد من الوجوه المذكورة.

ثم انه حيث يكون لأقسام الواجبات دخل في وجوب المقدمات من حيث كيفية الوجوب يكون في الكفاية هنا البحث عن أقسام الواجب والوجوب ونتعرض له تبعا لصاحبها (قده) في فصول.

٢٥٤

الفصل الأول في الواجب المطلق

والمشروط

الواجب اما مطلق أو مشروط فعرف القوم المطلق بأنه هو الّذي يكون الحكم غير مقيد بشيء مثل أقم الصلاة لدلوك الشمس فان الدلوك شرط الواجب لا الوجوب أو وجوب الصلاة مع الطهارة فان الطهارة لا تكون شرطا لوجوب الصلاة بل نفس الشرط أيضا تكون تحت البعث فيجب تحصيل الوضوء والغسل لإتيان الصلاة والمشروط في مقابله وهو ان يكون التحريك والبعث مشروطا بحصول الشرط اتفاقا مثل لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا فان الاستطاعة تكون شرطا لأصل وجوب الحج بحيث ما لم تحصل لا يكون الحج واجبا أصلا ولا تكون تحت البعث بالحج حتى تكون واجبة ـ التحصيل هذا هو المشهور.

وقد عرف الشيخ الأعظم الأنصاري (قده) الواجب المشروط بما يرجع إلى إنكار الواجب المشروط حقيقة فقال بأنه يكون لنا واجب منجز وواجب معلق وبيانه (قده) على هذا هو ان الوجوب يكون مفاد الهيئة في صيغة الأمر وما يكون مفاده مفاد ـ الصيغة لأنها من المعاني الحرفية المغفولة عنها فكل قيد بكون ظاهره من حيث الأدب راجعا إلى الهيئة يرجع لبّا إلى المادة فان معنى حجوا ان استطعتم هو ان الحج واجب بمعنى ان وجوبه فعلى والواجب استقبالي فان المولى إذا لاحظ الشروط سواء كان تحت الاختيار مثل الطهارة للصلاة أو لم يكن مثل الدلوك أو كان تحت الاختيار ولم يكن البعث إليه مثل الاستطاعة للحج فكلها يكون شروط الواجب لا الوجوب.

ان قلت لا يكون لنا واجب مطلق أصلا لأن كل بعث لا محالة لا يكون مطلقا لا أقل من الشرائط العامة مثل البلوغ والقدرة والعقل فأين الواجب المطلق قلت الشروط العامة غير ملاحظة في ذلك بل الشروط التي أخذت في لسان دليل الحكم.

وقد أجاب المحقق الخراسانيّ (قده) عنه بان إرادة شيء ان لم يكن لها مانع

٢٥٥

فالحكم فعلى (١) واما إذا كان لها مانع فلا يتحقق أصلا لعدم تحقق ما هو شرطه

__________________

(١) ارجع إلى الكفاية لفهم كلامه (قده) ببيان بسط والحق معه (قده) فان الحكم ولو كان هو الإرادة المبرزة ولكن لنا الحكم الإنشائي والفعلي فإذا أبرز المولى انه يريد الحج على فرض الاستطاعة فمعناه انه في هذا المقام بين ما يحبه لئلا يحتاج إلى التكليف ثانيا وكفى هذا فائدة للإبراز.

وقياسه بالاحكام الظاهرية أيضا يكون صحيحا من وجه لأن المقام يكون الحكم من الأول على الفرض وفي الظاهرية من الأول يتوهم ان الحكم هذا لا غير وغيره فعلا غير منتظر واما ما ذكره الأستاذ مد ظله بقصور المصلحة في الأحكام الظاهرية مثل عدم المصلحة لشرب المسهل بدون المرض وعدم القصور في الدلوك والموسم بل يكون مثل الشرطية المنضج لتأثير المسهل فيكون الخلط في المثال أو لا فان الدلوك يمكن ان يقال انه شرط الواجب لا الوجوب والموسم يكون شرط الواجب يقينا على ما فرضوه في الواجب المعلق والمثال الّذي يكون في الواجب المشروط هو الحج فان وجوبه مشروط بالاستطاعة بحيث انه لا مصلحة للحج الواجب إلّا بحصول الاستطاعة أي المصلحة الملزمة وإلّا يمكن ان يقال انه يكون لحج المتسكع أيضا مصلحة فحد إلزام المصلحة شرطه الاستطاعة وما دام لم تحصل لا يكون له مصلحة فيكون هذا مثل المرض بالنسبة إلى مصلحة شرب المسهل لا مثل المنضج بالنسبة إلى شرب المسهل.

ثم انه في مقام بيان الثمرة للوجوب الفعلي على مسلك الشيخ (قده) ومسلك الأستاذ (مد ظله) قال بأنه يدعو إلى مقدماته ببعض أنحائه مثل حفظ الماء للوضوء قبل وقت الصلاة وفيه أيضا نقول ان كان الدلوك مثل الاستطاعة شرط الوجوب لا يدعوا إلى مقدمته أصلا فان الحج إذا لم يكن شرطه وهو الاستطاعة موجودا لا يجب للمكلف ان يهيئ وسيلة السفر ولو مثل مقدماته البعيدة فانى لا أظن ان يقول به الأستاذ (مد ظله) بل لا يقول به قطعا فكذلك في مثل الدلوك إذا لم يجئ لا يجب حفظ الماء.

نعم في الواجب المعلق يمكن ان يقال بذلك وكأنه يكون في المقام خلط الواجب المعلق بالمشروط فالأثر هو ما ذكره المحقق الخراسانيّ (قده) وهو عدم الاحتياج إلى الإبراز ثانيا ـ

٢٥٦

والواجب المشروط يكون عدم حصول شرطه هو المانع من فعلية الحكم والجواب عنه هو ان المانع لو كان مانعا عن المصلحة فلا يكون ذلك الشيء ملائما لمطلوب الآمر فلا يريده أصلا واما إذا كان مصلحة الفعل غير منوطة بشيء فتكون فعلية وهذا هو محل الكلام واما ان فرض المانع مانعا عن الإبراز فهو خلاف الفرض لأن المقام يكون في صورة إبراز الإرادة.

واما قياس المقام بالاحكام الظاهرية من حيث انها في مقام الظاهر ولا حكم في الواقع فكذلك في المقام لا فعلية للحكم واقعا بل عند حصول الشرط ينكشف الواقع وان لم يحصل الشرط فلا يكون واقع أصلا بل كان مثل الحكم الظاهري الّذي انكشف خلافه فالجواب عنه هو ان المصلحة في الأحكام الظاهرية تكون قاصرة بمعنى انها لو كانت على أي حال مرادة للمولى لجعل الاحتياط لحفظها ولكن حيث لم تكن كذلك جعل ما ربما لا يصل إلى الواقع وفي المقام لا يكون كذلك بل المصلحة تامة ولكن لم يحصل ـ الشرط فالصحيح ان يقال ان المصلحة تارة تكون في جميع أطوار الوجود وتارة لا تكون كذلك فان الحج إذا قيس إلى الاستطاعة يكون بحيث لا يكون له مصلحة بدونها ولذا يكون الاستطاعة شرط الوجوب.

واما المصلحة في المشروط مع الفعلية في الوجوب تتصور في مثل ان المريض يجب مثلا ان يشرب المسهل وتكون المصلحة في ذلك إلّا انه مشروط بشرب المنضج قبله وهذا يكون مثل الواجب المشروط واما إذا لم يكن الشخص مريضا فشرب ـ

__________________

ـ بعد إبرازه في مقام الإنشاء والطلب على الفرض يعنى فرض وجود الشرط كما يقوله الأستاذ (مد ظله) في تقريب مرامه ولا يكون له فرق مع ما ذكره (قده) فالواجب المشروط الحكم فيه إنشائي لا فعلى وأن أبيت وقلت انه فعلى من وجه وهو البعث إلى المقدمات فعلا فنقول هذا الأثر يترتب على الحكم الإنشائي أيضا وهذه الدرجة من الفعلية مما يمكن الالتزام بها ويرجع النزاع إلى اللفظ لو فرض وجود هذه الثمرة له أيضا ولم يكن في الحج وغيره دليل خاص بالنسبة إلى المقدمات وكذا في ساير الموارد أو بناء العقلاء على إتيان بعض المقدمات في الوجوب الإنشائي وإلزامهم به.

٢٥٧

المسهل لا مصلحة له أصلا ويكون الفرق بين ما كان له مصلحة مشروطة وما لا مصلحة له أصلا واضحا بالوجدان فالاستطاعة مثل المرض في وجود مصلحة المسهل والدلوك والموسم مثل المنضج بالنسبة إلى المسهل من جهة عدم حصول المصلحة في الأول وحصولها مشروطا في الثاني فالمائز بين المطلق والمشروط ماهوى.

ففي مقام الإثبات نقول الأمر بالصلاة يكون باعثا إلى الطهارة أيضا واما الأمر بها لا يكون باعثا إلى الدلوك لأنه لا يكون تحت الاختيار هذا على المشهور من ان الأحكام مجعولة ولكن الصحيح ان الحكم هو الإرادة المبرزة والمشروط والمطلق كلاهما فعليان ولكن الأول فعلى على الفرض لا مطلقا.

فتحصل ان مسلك الشيخ (قده) هو ان في الواجب المشروط تكون المصلحة في المراد مقيدة واما الإرادة فهي مطلقة والمصلحة قبل حصول الشرط وبعده تكون فعلية ومحقق الإرادة مطلقا هو لحاظ الشرط لا خارجه كما في ساير المبادي لها ولكن مسلك التحقيق هو ان الإرادة متوجهة إلى المراد مشروطا وعلى الفرض بمعنى ان الشارع أوجب الصلاة عند الدلوك وعلى فرضه.

لا يقال إذا كانت الإرادة فعلية فما الفرق بين الواجب المطلق والمشروط لأنا نقول الميز يكون في طورها ففي المطلق يكون المطلوب بجميع أطواره مطلوبا وفي ـ المشروط على بعض الأطوار وهو فرض وجود الشرط فان العبد المنقاد ينقاد لكل على وجهه واما المادة فلا قيد لها خلافا للشيخ (قده) لا يقال أيّ أثر للإرادة على الفرض لأنا نقول اثره تقيد المادة وعدمه لا يقال الإرادة على الفرض لا محركية لها لأنا نقول ليس مقومها التحريك فان التحريك في المطلقة أيضا لا يكون مقارنا للإرادة كما ترى ان الصلاة بعد الدلوك وان كانت واجبة بالوجوب المطلق ولكن البعث فيها ينفك عن ـ الانبعاث بتحصيل المقدمات وغيرها ولو أغمض يكون التحريك ببعض أنحائه وهو ـ التحريك إلى المقدمة ولذا نقول بأنه لا يجوز إهراق الماء قبل الدلوك لمن لا يكون له ماء آخر للطهارة.

٢٥٨

فان قلت ما الفرق بينكم وبين الشيخ فانه أيضا حيث يقول بفعلية الحكم يكون لازمها البعث بالمقدمات قلت الفرق هو ان الأحكام عندهم مجعول وعندنا ليس بمجعول والهيئة عنده غير قابلة للتقييد لكونها جزئية وعندنا ليس كذلك فان قلت ان قوله قده خلاف الظاهر من وجه وقولكم خلاف الظاهر من وجه آخر لأن لسان الدليل إذا كان القيد فيه راجعا إلى الهيئة يقول الشيخ (قده) بخلاف الظاهر من باب انه يرجعه إلى المادة والشرط يكون الظاهر من الدليل أن الوجود الخارجي منه يكون دخيلا في المصلحة وأنتم ترتكبون خلاف الظاهر وتقولون بأن لحاظه شرط ولذا يكون الحكم فعليا على الفرض فكلامكم خلاف الظاهر من هذا الوجه قلت هذا مسلم ولكن نحن لا نقبل برهان الشيخ لفساد بعض مقدماته وهو قوله بان الهيئة لا يمكن رجوع القيد إليها ونحن نقول بأنه لا إشكال في رجوعه إليها لعدم كونها مغفولة عندنا ولو كانت من المعاني الحرفية وهو على فرض عدم قبول مقدماتنا يكون برهانه لنفسه تاما وبرهاننا لنفسنا تام.

ثم ان شيخنا النائيني (قده) يدعى ان القيد لا يرجع إلى المادة ولا إلى الهيئة بل القيد يرجع إلى المادة المنتسبة إلى الحكم اما عدم رجوعه إلى الهيئة لأنها من المعاني الحرفية وهي غير ملحوظة بل مغفولة ولا يمكن ان يرجع القيد إليها لا من جهة كون هذا المعنى جزئيا لا يقبل التقييد كما يدعيه الشيخ (قده) لأنها كلية وان كل شرط في الحكم يرجع إلى الموضوع فان معنى حجوا ان استطعتم يجب الحج على المستطيع لعلية الموضوع بالنسبة إلى الحكم والمشروط لا يتحقق قبل الشرط والربط حيث يجب ان يكون بين جملتين أو جملة ومفرد ولا يتحقق بين المفردين بمعنى ان الربط ـ في الجمل الشرطية لا يكون إلّا بين جملتين مثل قولك ان جاءك زيد فأكرمه فان قول القائل ان جاءك زيد وجملة أكرمه جملتان فالموضوع المقيد يربط بالحكم فلوجوب حفظ الأدب في لسان العرب ومحالية رجوع القيد إلى المادة يقول ان القيد يرجع إلى المادة المنتسبة بمعنى ان الحج الواجب شرطه الاستطاعة.

والجواب عنه هو ان الهيئة غير مغفولة بل يكون الالتفات إليها بتبع طرفيها و

٢٥٩

اما القيد فلا يرجع الا إلى الهيئة فان الحكم وهو الوجوب يكون في الحج مشروطا ـ بالاستطاعة ولا يلزم ان يكون الربط بين المفردين بل يكون بين الجملتين لأن معنى يجب الحج يرجع إلى قول القائل ان استطعت يجب الحج فان قوله يجب الحج جملة وقوله استطعت أيضا جملة ولفظ ان حرف شرط هذا أولا.

وثانيا كيف صارت الهيئة المغفولة عند الانتساب غير مغفولة مضافا بان الحج لو فرض مقرونا بالاستطاعة يصير من الواجب المعلق ولا يكون من الواجب المشروط بشيء والكلام يكون فيه لا في المعلق والمائز بين المطلق والمشروط والمعلق ماهوى لأن الأول لا يكون له حالة منتظرة والثاني يكون الحكم فيه متوقفا على مصلحة لا تحصل الا بالشرط والثالث تكون المصلحة غير مشروطة بشيء وانما الانتظار لشيء خارج عنها مثل شرب المنضج قبل المسهل للمريض الّذي يكون خارجا عن مصلحة شرب المسهل لأن شرطها المرض وهو حاصل في الفرض.

ثم ان الشرط تارة يكون وجوده الاتفاقي دخيلا مثل الاستطاعة فانها لو حصلت يجب الحج وتارة وجوده الاختياري مثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فانها يجب تحصيلها بنفس وجوبها والأول يكون دخيلا في المصلحة دون الثاني وتارة يكون الشرط عقليا مثل القدرة على إتيان المأمور به ففي الأخير هل يمكن ان يقال يكون مما هو دخيل في المصلحة أم لا فيه بحث.

فنقول يمكن ان تكون دخيلة فيها ولو أخذ شرطيتها في لسان الدليل أيضا يكون إرشادا إلى ما يقضى به العقل فلا تكون المصلحة قبل حصول القدرة هذا بيان إمكان الدخل ولكن القدرة العقلية فيما إذا لم تكن في لسان دليل الشرع حيث تكون شرط الامتثال لا يكون لها دخل في المصلحة ولا تكون هي متوقفة عليها وإذا أخذ في لسان الدليل حيث تكون القدرة شرطا لكل تكليف نفهم ان الشارع لنكتة خاصة أخذها في دليله وهو عدم المصلحة بدون حصولها مثل الاستطاعة الشرعية بالنسبة إلى الحج فان شرطيتها لو لم تكن في لسان الدليل لكنا نقول بأنه يجب الحج بأشد الأحوال أيضا

٢٦٠