مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

لم يكن مقيدا بأنه في صورة الإصابة يجب التصديق والعمل وفي صورة عدم الإصابة لا يجب فالمصلحة التي تكون في الجعل تحرز بواسطة العمل على ما أدت إليه.

لأنا نقول ان جعل الأمارة وان كانت ناشئا عن مصلحة وهي ان غالب الأمارات ينتهى إلى الواقع وحيث ان باب العلم القطعي غير منفتح غالبا جعلت لئلا يفوت الواقع ولكن تلك المصلحة لا يتدارك بها مصلحة نفس العمل ولو كانت مصلحة الجعل كافية عن الواقع فلأي جهة نحتاج إلى العمل والامتثال بل إذا جعلت الأمارة حصلت تلك المصلحة فمضافا إلى مصلحة الجعل يكون مصلحة في نفس العمل ويجب الإتيان به لتحرز المصلحة به.

وبعبارة أخرى الاجزاء بمصلحة الجعل ينتهى إلى القول بان الأحكام مقيد بالعالمين فقط لأن الّذي ادى إليه الأمارة إذا لم يكن موافقا للواقع لا يكون متعلقا للتكليف أصلا لأن الموضوع للوجوب مثلا صلاة الجمعة فإذا ثبت ان الواجب هو الظهر وهي غير مجعولة لا تكون موضوعا للحكم بالوجوب فإذا قلنا كفى هذا العمل عن العمل بالواقع يصير معناه ان صلاة الظهر واجبة لمن علم بوجوبها واما من لم يعلم من أي سبب كان لا تجب عليه تلك الصلاة بعد عدم كون ما فعل واجبا عليه واقعا وهو محال عقلا لا إشكال الدور في تقييد الحكم بالعلم به (١).

لا يقال تقييد الأحكام بالعلم به يكون فيه الإشكال المذكور واما تقييد الموضوعات فلا إشكال فيه مثلا إذا قيل الطهارة من النجاسة شرط للصلاة ثم قيل بان من علم بان هذا الجسم الّذي تلوث به اللباس يكون فضلة الفأرة لا يكون واجدا للشرط واما من جهل بذلك فهو واجد لا يلزم منه محذور الدور لأن الحكم لم يقيد بالعلم به بل الموضوع يكون مقيدا بذلك فإذا قامت أمارة على الطهارة ثم انكشف خلافها

__________________

(١) أقول بل لعدم الدليل على الاجزاء واختصاص التكليف بصورة العلم وعدم كفاية مصلحة نفس العمل وإلّا فإشكال الدور مر ما فيه والحاصل لا دليل لنا على الاجزاء بمصلحة الجعل ولو كان لا يمنع عنه الدور.

٢٢١

يجزى الإتيان بالصلاة مع ذلك الشيء النجس في الواقع فظهور خلاف الأمارة في الموضوعات لا يضر بالاجزاء.

ولا يقال عليه بأنه لو كان الموضوع مقيدا فلأي سبب يقال بان ملاقاة هذا الجسم بعد ثبوت كونه نجسا أو قبله مع الرطوبة توجب السراية واما الصلاة معه فصحيحة فأي فرق بينهما.

لأنه يقول بان التنزيل منزلة الواقع إذا كان في الصلاة فقط لا يجوز التعدي إلى غيرها فيمكن ان يكون شرطية الطهارة بالنسبة إلى الصلاة مقيدة بالعلم بالموضوع ولكن شرطية الملاقاة للسراية غير مقيدة بشيء بل تكون دائرة مدار الواقع.

لأنا نقول ان التنزيل تارة يكون من الشرع كأن يقول ان الطواف في البيت كالصلاة فانه نزل الطواف بمنزلة الصلاة في الاحتياج إلى الشرائط ومنها (١) الطهارة وتارة يكون مهار التنزيل بيد العبد بعد اذن الشارع كأن يقول لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر ومعناه البناء على اليقين السابق في ترتيب الأثر والعمل على المتيقن وإلّا فبالوجدان قد انتقض اليقين إذا عرفت هذا فنقول ان العمل على طبق أمارة في موضوع من الموضوعات لا يفيد الاجزاء لعدم الحكومة ضرورة ان التنزيل يكون بيد العبد ولا يكون ناظرا إلى دليل شرطية الطهارة مثلا في عمل من الأعمال بخلاف صورة كون التنزيل بيد الشرع فانه يفيد الحكومة هذا كله بناء على طريقية الأمارة للواقع.

واما بناء على السببية فعلى فرض ان يكون مصلحة في مؤداها فقال المحقق

__________________

(١) وبعبارة أخرى نقول بان التنزيل في المقام لا معنى له إلّا جعل الشرطية فكأنه قال الطهارة في الطواف أيضا شرط بخلاف صورة كون التنزيل بيد العبد فانه يكون الفرق بين قول الشارع مثلا شكك عندي بمنزلة اليقين أي انا أقبله مقامه وبين ان يقول شكك عندك بمنزلة اليقين بمعنى ترتيب آثاره عليه وهذا إذا انكشف خلافه لا يكون تقبل الشارع ثابتا فيجب ملاحظة الحكومة.

٢٢٢

الخراسانيّ (قده) بالاجزاء أيضا لإطلاق دليل الأخذ بها فانه لم يكن مقيدا بأنها إذا انكشف الخلاف فيها ما هو الوظيفة فالعمل على طبقها مجز عن الواقع.

وقد أشكل عليه بان مصلحة المؤدى لا تكون بدلا عن مصلحة الواقع ولا تكون قائمة مقامها بل الواقع لم يكن له بدل فاما ان يكون موجودا أو لا يكون موجودا في صورة كشف الخلاف.

وفيه انه لا يتم فيمكن ان يقال بان كون مصلحة المؤدى كافية عن مصلحة الواقع خلاف ظاهر الدليل أولا وثانيا يكون (١) الإشكال فيه ثبوتيا لا من جهة ان الخطاب التخييري بين الفردين الطوليين غير ممكن بان يقال افعل على طبق الأمارة فان أصابت الواقع فهو وإلّا فيكون التكليف على المؤدى أيا ما كان لأن طولية الموضوع لا تنافي عرضية الخطاب والبعث بل لأن اللازم من ذلك هو ان يكون الخطاب بالواقع مختصا بالعالمين لأن مفاد هذا النحو من التخيير هو ان العالم بان صلاة الجمعة مثلا واجبة تجب عليه ومن كان جاهلا لا تجب عليه وتقييد الخطاب بالعلم به محال للدور كما مر مرارا وغير الواقع لا بدلية له عن الواقع فلا يكون مجزيا عنه لا بملاك الوفاء ولا بملاك التفويت.

نعم قيل بان بين المصلحتين مضادة أي من فعل على مقتضى الأمارة يوجب عمله

__________________

(١) لا يخفى ان الإشكال الثبوتي يكون متفرعا على القول بعدم البدلية أو الشك فيها ولا يمكن إثبات عدم البدلية بواسطة هذا الدليل بل يقال بان مؤدى الأمارة إذا كان غير بدل عن الواقع فما الفرق بين ما لا يكون مربوطا بشيء من حيث الوفاء بمصلحته وبين ما يكون لغوا من الأصل فان غير المربوط لا دخل له وجودا وعدما فيكون مثل القول بان الأمارة طريق إلى الواقع فان لم تصل إليه تكون لغوا من أصلها فحينئذ يقال لا وجه للقول بالاجزاء في صورة عدم البدلية الا على فرض اختصاص التكليف بالعالمين وهو محال للدور في بعض مراتب التكليف وهو الجعل أو للإجماع على اشتراك العالم والجاهل فيه وهذا هو الدليل مع عدم الدليل على الاختصاص وان كان الاختصاص بالعالمين في مرتبة التنجيز متصورا.

٢٢٣

هذا عدم إمكان إتيان مصلحة الواقع كمن كان عطشان فشرب الماء ولم يبق مورد لشرب الماء مع الأنجبين بعده وعليه وان كان يمكن القول بالاجزاء لمصلحة المضادة ولكن لا دليل لنا على ذلك إثباتا فلو كان في مورد كذلك أي كان الدليل على إثباته يصح القول بالاجزاء لعدم إمكان الجمع بين المصلحتين.

وبعبارة أخرى نقول ان الإطلاق المقامي في الأمارات ببيان ان المولى كان في مقام البيان ولم يبين حكم مورد يظهر خلافها فيكشف عن عدم حكم آخر في صورة ظهور الخلاف لا يتوجه إليه لا وله إلى تقييد الواقع بصورة العلم به وقد عرفت فساده.

ثم لا يخفى عليكم ان الأصول على ثلاثة أقسام محرزة كالاستصحاب على مبنى غير المحقق الخراسانيّ (قده) لأن مبناه هو جعل المماثل فيه وغير محرزة مثل قاعدة الطهارة وهي اما وجودية كما هو مفاد الاستصحاب وقاعدة الطهارة وعدمية مثل أصل البراءة فقال المحقق الخراسانيّ (قده) ان الأصل الّذي يكون غير محرز للواقع كمفاد قاعدة الطهارة والاستصحاب في وجه قوى يكون لسان دليله حاكما على دليل الشرطية مثلا إذا قيل لا صلاة إلّا بطهور واستفدنا ان الشرط للصلاة هو الطهور ثم قال كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر نفهم ان هذا الدليل يكون ناظرا إلى ان الطهارة التي تكون شرطا للصلاة يمكن ان يحرز وجودها بواسطة جريان القاعدة ويفهم ان الشرط يكون أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية سواء كان ذلك في الحكم أو الموضوع ففي الواقع من صلى مع الطهارة بواسطة القاعدة لا يكون له انكشاف خلاف لأنه بالوجدان والقطع واجد للشرط.

اما الواقعي أو الظاهري والأول وان كان انكشاف خلافه ممكنا ولكن الثاني لا يكون له واقع غيره فلا يكون انكشاف خلافه ممكنا لأن الحكم الظاهري لا ينقلب عن ظاهريته ومقتضى ذلك ان الصلاة التي أوتيت بالطهارة الكذائية صحيحة مجزية لا إعادة لها ولا قضاء بخلاف ما إذا كان الدليل ناظرا إلى الواقع مثل الأمارات بنظره

٢٢٤

(قده) وهي مع الاستصحاب بنظر غيره فحيث يكون الدليل الدال على الطهارة مثل قيام الشاهد في الموضوعات ناظرا إلى الواقع وطريقا إليه فلا محالة مع كشف الخلاف تجب الإعادة فان العادل إذا شهد يكون معناه ان الواقع يكون موجودا والشرع أمضاه بنحو الطريقية ففي المقام حيث لا يستفاد من الأمارة شرطية الشرط أعم من كونه واقعيا أو ظاهريا بل الواقعي فقط فينكشف الخلاف وتكون الحكومة لقوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور بمفاده الكاشف عن الواقع فحينئذ لو انكشف الخلاف يجب القضاء خارج الوقت والإعادة فيه هذا معنى كلامه رفع مقامه.

وقد أشكل عليه بإشكالات منها ان الشرط لو لم يكن واقعيا وكان أعمّ منه ومن الظاهري المستفاد من قاعدة الطهارة والاستصحاب على مسلك جعل المماثل يلزم فقه جديد لأنه إذا فهم من القاعدة التوسعة في الشرطية لا فرق بين الصلاة وغيرها لإمكان التوسعة في دليل شرطية طهارة الماء الّذي يكون مطهرا للنجس والملاقى له بان يقال ان الطهارة الظاهرية تكفي لرفع النجاسة لو كان الماء في الواقع نجسا وملاقاة النجس الّذي جرت فيها القاعدة لا توجب التنجيس ولو كان في الواقع نجسا وكذلك استصحاب الطهارة يكون من لوازمه ترتيب أثر الطاهر الواقعي ولو لم يكن كذلك وهذا مما لم يقل به (قده) ولا غيره.

والجواب عنه هو ان كل ما قلتم يكون بمناط الحكومة وهي تكون في صورة كون الدليلين لفظيين مثل قوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور الّذي هو الدليل اللفظي على شرطية الطهارة وكل شيء طاهر الّذي هو كذلك فالحاكم والمحكوم لفظيان.

واما بالنسبة إلى الملاقاة وشرطية كون الماء طاهرا في التطهير وكذا شرطية طهارته في الوضوء حيث لا يكون له دليل لفظي يشك في الحكومة لارتكاز العرف بان فاقد الشيء كيف يمكن ان يكون معطيا له فالنجس كيف يمكن ان يوجب الطهارة.

والحاصل اما لا يكون لنا دليل لفظي أو كان ويكون إرشادا إلى ما يفهمه العقل

٢٢٥

من شرطية الطهارة في المطهر وحيث يشك في النّظر مع احتياج الحكومة إليه لا وجه لما أشكل عليه (قده) بخلاف مثل الصلاة فانه لا طريق للعقل من جهة شرطية طهارة لباس المصلى إليها فأي إشكال في كون الطهارة الأعم من الظاهري والواقعي شرطا والنجاسة المعلومة مانعة لا النجاسة المجهولة على ان قاعدة الطهارة مفادها ان كل أثر يكون للطهارة مترتبة على مفادها لا الآثار التي على النجاسة مثل الملاقاة فالتنزيل في إحداهما لا يستلزم التنزيل في الأخرى.

ومنها ما عن شيخنا النائيني (قده) وهو ان قاعدة الطهارة تكون في صدد بيان الفرد الجعلي لما يكون مشروطا بالطهارة فمثل جملة لا صلاة إلّا بطهور يكون ظاهرا في شرطية الطهارة الواقعية والقاعدة تحكم بان كل شيء قامت الأمارة على طهارته فانه فرد للطهور ولو لم يكن في الواقع كذلك ولا يكون ناظرا إلى الدليل الأولى وحاكما عليه ليكون مجزيا عنه.

وبعبارة أخرى ان الحكومة تارة تكون بين الدليلين الواقعيين مثل لا شك لكثير الشك بعد القول بان من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأكثر فان الشك هنا غير مأخوذ في لسان الدليل بل كل منهما ناظر إلى الواقع.

وتارة تكون ظاهرية بان أخذ في لسان دليل الحاكم الشك في وجود المحكوم والمقام من قبيل الثاني فان الشك في الطهارة مأخوذ في لسان الدليل الحاكم بقوله كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر فغاية الحكم تكون في صورة عدم حصول الحكم ولا محالة تكون هذا الدليل في طول الدليل الأول فان القول بالاجزاء في صورة كون الحكومة واقعية لا إشكال فيه واما في صورة كونها ظاهرية فحيث يكون العلم مختصا بظرف ـ الشك لا يشمل غيره فهي ناظرة إلى الفردية لا الشرطية.

وبعبارة ثالثة أيضا عن شيخنا النائيني (قده) هو ان الحكومة تارة تكون بالمدلول المطابقي مثل قوله عليه‌السلام الطواف في البيت صلاة فان معنى هذه العبارة هو ان كل ما يكون شرطا للصلاة يكون شرطا للطواف أيضا فيكون النّظر إلى توسعة ما هو شرط

٢٢٦

للصلاة وانه يكون شرطا للطواف أيضا وتارة تكون بالمدلول الالتزامي مثل قبول الاخبار مع الواسطة فان وجود الأثر الشرعي يكون شرطا لتنزيل الظن منزلة العلم والقطع وفي تلك الاخبار حيث يكون مفاد قول الشيخ (قده) مثلا قول زرارة وهو ليس بحكم شرعي ومفاد قول زرارة قول الإمام عليه‌السلام وهو حكم شرعي فيكون التنزيل باعتبار ـ المدلول الالتزامي أي الأمر بتصديق العادل بالنسبة إلى الشيخ يكون من لوازمه تصديق الإمام عليه‌السلام وقبول قوله عليه‌السلام ففي الصورة الأولى حيث يكون مورد التنزيل بالدلالة المطابقية تكون الحكومة في الشرطية واما في الثانية فيكون الدليل ناظرا إلى الفردية فقط.

ففي المقام قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر يكون ناظرا إلى ان مشكوك الطهارة فرد للطهارة لأن ان الشرط وهو الطهارة موجود.

والجواب عن فرقه بين كون الحكومة ظاهرية وواقعية هو ان الفرق لا وجه له لأن الفردية في الظاهرية وان كانت تستفاد منها بالمدلول المطابقي ولكن الشرطية أيضا تستفاد منها بمدلولها الالتزامي فيكون التوسعة في الواقع لأن لازم كون الشخص بالتنزيل واجدا لفرد من الطهارة هو كونه واجدا لشرط الصلاة وانه الأعم من الظاهري والواقعي.

ومن الإشكالات عن شيخنا النائيني (قده) أيضا انه لا فرق في الأمارات والأصول لأنه بعد عدم القطع بوجود الواقع في ظرف الشك لا فرق بين التعبد بمقتضى الأمارة و ـ التعبد بمقتضى الأصل فان لسان كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر هو انك واجد للشرط تعبدا كما إذا قامت الأمارة على ذلك فكيف فرق المحقق الخراسانيّ (قده) بين مقتضى القاعدة والأمارة عند كشف الخلاف في الاجزاء فيها دون الأمارة.

وأجاب شيخنا العراقي (قده) عنه بان الفرق بينهما واضح من جهة ان الأمارة تكون طريقا إلى الواقع وكاشفة عنه ويكون التعبد بها لذلك بخلاف الأصل فانه وظيفة قررت للمتحير في مقام العمل عند عدم الطريق للواقع فيمكن ان يقال بالاجزاء في ـ

٢٢٧

الثاني لعدم كشف الخلاف فيه ضرورة ان حكم المتحير كان ذاك ولم ينكشف خلافه بل لا يكون له كشف خلاف بخلاف ما يكون طريقا كالأمارة إلى الواقع فانه ، يكشف خلافه فالقول بعدم الاجزاء فيه صحيح هذا.

ولكن عند التدبر يظهر ان كلام المحقق الخراسانيّ (قده) في الاستظهار غير صحيح فانه كما ذكر استظهر ان القاعدة لا تكون ناظرة إلى الواقع أصلا ولكن نحن نرى ونستفيد من قوله كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر أن عدم العلم كان مانعا عن الوصول إلى الواقع وإلّا فهل يمكن ان يكون العلم علة للنجاسة مثلا ان الدم إذا كان في اللباس ولم نعلمه فهل إذا علمنا ينقلب عما هو عليه ويصير نجسا بعد ما كان طاهرا أم يكون من باب كشف الغطاء عن وجه النجاسة فإن المتيقن هو الثاني.

لا أقول لا يمكن ان يكون العلم غاية للحكم الواقعي الثانوي بل هو غاية للأعم منه ومن الحكم الظاهري إلّا أن الارتكاز العرفي على ان القاعدة مضروبة لحفظ الواقع وكونها في مقام بيان حكم ثانوي يحتاج إلى مئونة زائدة مفقودة فنعلم ان جعل القاعدة أيضا يكون للوصول إلى الواقع فيكون الحكم بالطهارة من حيث التوجه إلى الواقع فإذا انكشف خلافه فالحق عدم الاجزاء في صورة كشفه سواء كان الأصل موجبا للخطإ أو الأمارة فتحصل انه لا وجه لإشكالات شيخنا النائيني (قده) على المحقق الخراسانيّ (قده) ولكن الإشكال متوجه عليه من وجه آخر وهو ما قلناه.

واما الاستصحاب مثل ما إذا شك في صلاة الجمعة بعد الغيبة مع العلم بوجوبها قطعا في زمن الحضور فاستصحب وجوبها فظهر بعد حين ان الواجب هو الظهر في حال الغيبة فالحق فيه عدم الاجزاء ووجوب الإعادة في صورة كشف الخلاف والقول بان الإجماع قد قام على عدم وجوب الصلاتين في الجمعة ممنوع في صورة كون إحدى الصلاتين في طول الأخرى ولكن هذا كله بناء على كون الاستصحاب أيضا من الأصول المحرزة للواقع واما بناء على كون مفاده جعل المماثل للحكم الواقعي فالظاهر انه حاكم على الدليل الأولى ولا يكون له كشف خلاف.

٢٢٨

ثم من الموارد التي ينكشف خلافها ويجب البحث فيها من الاجزاء هو صورة تبدل رأي المجتهد من جهة كون استظهاره خطاء كما في مسألة نجاسة البئر إلى زمن العلامة وكشف خلافها بعده فان ذيل رواية ابن بزيع في قوله عليه‌السلام ماء البئر واسع لا يفسده شيء لأن له المادة كان علة بان وجود المادة يمنع عن النجاسة سواء كان بقدر الكر أم لا فظهر اشتباه السابقين في فهم الحكم أو من جهة أنهم لم يجدوا المخصص بعد وجدان العام ثم وجدوا فظهر خلاف الحكم السابق وهكذا ساير الموارد في الفقه.

والتحقيق ان مقتضى الأدلة الأولية عدم الاجزاء وقد قضى بعض العلماء عبادة ستين سنة لذلك ومقتضى الأدلة الثانوية في بعض الموارد مثل لا تعاد في الصلاة الاجزاء.

وقيل بالتفصيل بين الموضوعات والأحكام وهو الاجزاء في الأولى وعدمه في ـ الثانية وقيل بان رأي المجتهد لمقلديه مجز مطلقا واما في حقه يكون مجزيا في صورة عدم كشف الخلاف واما في صورة كشفه فلا يجزى والدليل على الاجزاء في جميع الموارد في صورة كون الدليل على الحكم الأمارة وانكشف خلافه بالأمارة فهو ان للشارع طرق لبيان الحكم على العباد وليس لهم الدخول في العمل الا بعد البيان وقد بين الحكم في الزمان السابق بالأمارة السابقة ويكون إتيان العمل على طبق الدليل والحجة والأمارة الثانية أيضا وان بينت خلاف ما في الزمن السابق ولكن حيث تكون حجة ظنية ولا يكون لنا القطع بخلاف الواقع لأنه كما يحتمل خطاء تلك الأمارة يحتمل خطاء هذه فلا دليل لرفع اليد عما مضى من العمل على طبقها.

نعم الآثار التي يكون لها البقاء تكون مترتبة فمثل العصير العنبي على قول من ذهب إلى طهارته بعد الغليان ثم ظهر بالأمارة الثانية نجاسته يكون له آثار النجاسة فان كان ملاقيا لشيء في السابق يحكم الآن بنجاسته ان لم يعرض عليه الطهارة بعدها.

والجواب عن هذا الدليل هو ان الكشف السابق والبيان السابق يكون صورة كشف وصورة بيان وليس ببيان واقعي حتى يمكن الاعتماد عليه لصحة العمل فان خيال بيان شيء للحكم بواسطة الاستظهار التخيلي أو عدم العثور على المخصص أو غير ذلك

٢٢٩

لا يوجب كون هذا التخيل بيانا وحجة.

لا يقال ان المورد يكون من الشبهة المصداقية في البيانية وفي ترتيب أثر الأمارة لأن الأمارة إذا قامت على خلاف الحكم السابق لا ندري هل تكون واصلة إلى الواقع لتكون حجة أو لا تكون واصلة إليه فلا تكون حجة فنشك في ان الدليل الدال على تصديق العادل وحجية الأمارة ينطبق عليه أم لا فكيف يؤخذ بها.

لأنا نقول هذا الإشكال لا يختص بالمقام بل في جميع الأدلة الظنية جار للشك في الوصول إلى الواقع ـ والجواب الصحيح عنه هو ان يقال ان حجية الأمارة ووجوب تصديق العادل يكون مشروطا بوجود الواقع يعنى ان الدليل يكون بحيث لو كان لمفاد الأمارة واقع يكون البيان قد تم عليه ولا يكون معناه ان البيان على الواقع تام سواء كان الواقع أو لم يكن ففي جميع الموارد يجب تصديق العادل لأن الواقع ربما كان ولا يجوز مخالفته لتمامية البيان عليه فلا يكون مقتضى الأمارة التي ظهر خلافها الاجزاء بالبيان الّذي ذكروه.

هذا كله على الطريقية وعلى السببية أيضا لا يكون العمل موجبا للاجزاء لأنه ولو وجدت مصلحة في المتعلق على ما هو الصحيح من السببية ولكن حيث لا نعلم ان الأمارة السابقة هل يكون الجري على طبقها وافيا بتمام المصلحة أم لا يأتي الإشكال فيها من جهة ان إتيان العمل على طبقها هل يفيد الاجزاء أم لا.

واما الأصل العملي مثل البراءة إذا ظهر خلافه فالحق أيضا عدم الاجزاء لأن كل ذلك يكون لحفظ الواقع فحيث ظهر عدم حفظه له لا وجه للقول بالاجزاء وليس مفاد الأصل جعل الحكم حتى يقال انه يوجب الإتيان به الاجزاء.

ثم لا يخفى أنه لا فرق بين ان يكون كشف الخلاف في الموضوع أو الحكم فان قامت الأمارة في الموضوع على طهارة شيء ثم ظهر خلافها فيكون الكلام والبحث فيه أيضا كما انه إذا كان التبدل في الحكم بالصلاة مثلا في جلد الأرنب فانكشف خلافه وعدم جواز الصلاة فيه فإذا ظهر خطاء الشاهد في الموضوع لا يجزى العمل كما إذا ظهر ـ

٢٣٠

ضعف الرواية في مورد من الموارد ومن العجب العجاب الفرق بين الموضوع والحكم ـ بان الاشتباه في الأول موجب لعدم الاجزاء دون الثاني للإجماع مع هذا الاختلاف ومعلومية سنده.

واما إذا كان السبب لتبدل الرأي تعارض النصين بان عثر على نصّ على وجوب الجمعة مثلا ثم بعد زمان عثر على آخر دل على وجوب صلاة الظهر ففي هذا المقام اما ان يقال بان العثور على المتعارضين في زمان واحد يوجب الدخول تحت حكم المرجحات لا ما يوجد في زمانين طوليين كما في المقام وهذا باطل لأنه لا فرق بين كون الوجدان في زمان واحد أو زمانين لأنه من العثور على الحجتين فيجب ملاحظة المرجحات فعلى فرض كون المرجح مع الأمارة الأولى فهي المتعينة للأخذ ٠ بها ويكون النتيجة الاجزاء وعلى فرض الأخذ بالثانية لكون المرجح معها فلا يجزى الإتيان بالجمعة مثلا لعدم كون مفاد الأمارة فيها بيانا يؤخذ به.

واما على فرض استقرار التعارض فالكلام في الاجزاء يكون متوقفا على القول بان التخيير في باب التعارض استمراري أو بدوي فعلى الثاني كان المتعين الأخذ بالأولى وينتج الاجزاء ولا يكون له الأخذ بالثانية وعلى الأول أيضا يكون له الأخذ بالأمارة الأولى إلى الآن فيكون مجزيا ومن الآن له ان يأخذ بالأمارة الثانية ويترتب عليها آثارها كما هو التحقيق.

ولكن شيخنا العراقي (قده) قال في المقام في هذه الصورة بعدم الاجزاء من باب ان الثانية توجب سقوط الأولى لأن من المعلوم ان الواجب ليس إلّا واحدا من الظهر أو الجمعة فإذا قامت الأمارة على ان الواجب هو الظهر لا يكفى الإتيان بالجمعة.

وفيه ان الواقع حيث يكون غير معلوم بالقطع ويكون لنا الدليل فحيث يحتمل ان يكون الأولى أيضا مصادفة للواقع يمكن القول بان الإتيان على طبقها مجز فلا وجه لإشكاله (قده) والمراد بحجية الأمارتين ليس وجوب الظهر والجمعة في آن واحد بل الحجتان طوليّتان بمعنى انه بأيتهما أخذ أو لا يكون مفادها الحجة في هذا الحين وإذا

٢٣١

أخذ بها في الزمن الثاني فما فيه هو الحجة بالاخذ فوحدة التكليف لا تنافي حجيتهما.

واما التفصيل بين المجتهد والمقلد بالقول بالاجزاء في الثاني دون الأول فلادعاء السببية بالنسبة إلى فتوى الفقيه لمقلده وان الجري على طبق فتواه كاف ألا ترى انه يعامل مع الفتويين المتعارضتين معاملة التعارض ويحكم بالتخيير فلو لم يكن لقول الفقيه موضوعية ما كان الأمر كذلك.

بخلاف نفس المجتهد فانه حيث لا يكون له دليل سوى الأمارات والطرق ـ المجعولة من الشرع بنحو الطريقية إلى الواقع فإذا انكشف الخلاف ينكشف لغوية عمله لعدم إيصاله إلى المطلوب بما ظنه طريقا إليه هذا أولا وثانيا يلزم من القول بعدم الاجزاء إذ ظهر خلاف ما عمله المقلد عدم الوثوق بالمجتهد فان العامي إذا قلنا له ان قلدت مجتهدا وظهر خلاف ما أفتى به أو مات ورجعت إلى غيره فأفتى الحي بخلاف فتوى الميت يجب عليك إعادة جميع الأعمال التي أتيت به لا يثق بمجتهده مستدلا بان هذا الّذي يوجب اتباعه العسر والحرج ليس بعالم ولا يحصل الاطمئنان على كفاية ما أتى به.

كما ان سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الموضوعات ممنوع من جهة ان النبي الّذي ـ يريد ان يذهب إلى الحمام فيذهب إلى دكة الخباز لا يكون الاعتماد على رأيه وعمله واما التخيير في تعارض الفتويين فهو يكون من باب ان الأمارتين على موضوع واحد يكون مقتضى العقل تساقطهما لتكاذبهما بمدلولهما الالتزامي ولا يمكن ان يكون كلاهما دليلا على شيء واحد كالفعل والترك أو إتيان صلاة الظهر والجمعة بعد الإجماع على عدم وجوبهما ولكن الشارع أسقط مدلولهما الالتزامي بواسطة الحكم بالتخيير أي إذا قامت أمارة على وجوب صلاة الجمعة يكون مدلولها الالتزامي عدم وجوب الظهر وبالعكس إذا قامت أمارة على وجوب صلاة الظهر يكون مدلولها الالتزامي عدم وجوب الجمعة وبعد إسقاط المدلولين الالتزاميين يصير المعنى ان الظهر والجمعة واجبان وحيث ان الإجماع على وجوب أحدهما فلا محالة يأخذ به على نحو التخيير وحيث يكون بناء العقلاء في أمورهم عند الدوران بين الشيئين أو الأشياء

٢٣٢

على اختيار أحد الأطراف مثل ما إذا حكم الطبيبان بالنسبة إلى مريض بالحكمين ـ المتعارضين وانهم لا يحكمون بالتساقط بل لا محالة يأخذون بأحد الأقوال يكون قول الشارع أيضا من هذا الباب وإمضاء لبنائهم لأشياء تعبديا يختص بالأخبار فقط ولذا يجري في تعارض الفتويين أيضا هذا دليل المفصل بين المجتهد والمقلد.

ولكن يمكن ان يستدل على وجوب إعادة العمل في صورة تبدل رأي المجتهد بان أدلة وجوب تقليد العامي عن المجتهد هي في صورة كون الأمارة التي كانت بيد المجتهد أو الأصل كذلك بحيث لم يظهر خلافها واما في صورة ظهور الخلاف فحيث لا يكون ـ الدليل مطلقا بل يكون مهملا يجب إعادة العمل لعدم العلم بالفراغ بدونها.

ان قلت فكيف يحكم بوجوب الإعادة في صورة ظهور الخلاف إذا رجع عن غير الأعلم إلى الأعلم على فرض وجود الدليل الثانوي على عدم لزوم الإعادة في صورة ظهور خلاف فتوى المجتهد الّذي يجوز تقليده قلت تقليد غير الأعم حيث لا يكون جائزا من الأول يكون العمل على طبق فتواه غير جائز ولذا يجب الإعادة على مبنى من يقول بعدم جواز تقليد غير الأعم على ما هو التحقيق واما على فرض جواز تقليده أيضا فلو كان لنا دليل ثانوي على عدم لزوم الإعادة يشمل صورة الرجوع إلى الأعلم أيضا هذا في ـ العبادات.

اما المعاملات فبعضها يكون البحث فيها مع بقاء المورد مثل من زوج امرأة بالعقد الفارسي ثم قلد من يقول بعدم كفايته فانه يمكن تجديد العقد وتارة يكون مع تلف المورد كمن زوج امرأة كذلك فماتت ثم قلد من يقول بعدم جواز العقد بالفارسي ففي المقام وأمثاله يكون الكلام بالنسبة إلى الآثار التي تكون على العقد مثل المحرمية لبعض النساء والإرث ومثله صورة تلف المال الّذي يقع البيع عليه ففيه أيضا يبحث عن الآثار الباقية مثل ضمان المشتري والبائع.

فنقول مقتضى الأدلة الأولية فيه عدم الصحة وعدم ترتيب أثر العقد الصحيح ولكن مقتضى الأدلة الثانوية عدم وجوب الإعادة وترتيب الأثر مطلقا في المعاملات والعبادات

٢٣٣

فمنها السيرة بين المسلمين والمتشرعين من عدم إعادة أعمالهم بعد موت مجتهدهم أو الرجوع من أحدهم إلى آخر وفيه ان السيرة لو سلم وجودها يكون في بعض الموارد مثل مورد احتمال وجدان المعارض في مقابل الأمارة الأوّلية لا مطلقا حتى صورة كون الخطاء في استظهار الفقيه أو الفقيهين الأعلم وغيره على انّهم يعيدون الصيغة بالعربية إذا كان العقد مثل النّكاح فلا يكون الالتزام بها مطلقا.

ومنها لزوم الحرج على العباد لأنهم لا زال يلزم ان يكونوا في صدد إعادة أعمالهم بواسطة موت المجتهدين وتبدل فتاواهم وهو مرفوع عن الأمة فلا يجب الإعادة مطلقا وفيه ان الحرج تارة يكون ملاكا لرفع الحكم وعدم جعله من أصل كأن يقال الحديد طاهر للزوم الحرج من القول بنجاسته فيكون الحكم في جميع الموارد لهذا الملاك الّذي ينبه الشارع عليه وتارة لا يكون كذلك بل يكون الحكم مطلقا ولكن الحرج يصير مانعا من فعليته وتنجيزه بالنسبة إلى شخص وهذا مختص بمورده الشخصي ففي كل صورة لزم الحرج لا يجب الإعادة فيمكن ان يكون إعادة عبادة شهرين غير حرجية بالنسبة إلى شخص وحرجية بالنسبة إلى آخر وهكذا ربما لا يكون هذا المقدار حرجيا بالنسبة إلى شخص ولكن يكون إعادة السنة بالنسبة إليه حرجية فيدور رفع الحكم مدار لزوم الحرج وعدمه ولا يرفع الحكم مطلقا.

ومن الأدلة الثانوية في خصوص الصلاة حديث لا تعاد الصلاة الا من خمس ثم في تقريب إطلاق الحديث بالنسبة إلى جميع الفروض حتى صورة الجهل بالحكم عصيانا وعمدا اختلاف بينهم فان بعض العلماء مثل الميرزا محمد تقي الشيرازي قال بان الحديث يشمل صورة كون النقص في الصلاة مستندا إلى الجهل بالحكم أو بالموضوع نسيانا أو عمدا سواء كان الجهل مركبا أو بسيطا.

وخالفه في ذلك شيخنا الحائري (قده) بأنه لو كان شاملا للجهل بالحكم يرجع إلى كون التكاليف منحصرا بصورة العلم به وهذا يلزم منه الدور فمن دخل في الصلاة بدون السورة من جهة عدم الفحص عن حكمها وقلنا بصحة صلاته يكون معناه ان السورة

٢٣٤

جزء للعالم بها وغير جزء للجاهل مع أن الحديث منصرف عنه واما نسيان الموضوع والحكم أو الجهل به حيث لا يلزم منه ذلك فلا إشكال فيه لأن من علم الحكم وجهل الموضوع أو نسيه لا يكون لازمه تقييد التكليف ففي مثل تبدل رأي المجتهد الّذي يكون من الجهل بالحكم غالبا لا نسيانه أو نسيان الموضوع ليس شأن الحديث رفع الجزء أو الشرط في هذا الحين للدور بل يكون من قبول الناقص منزلة التام امّا في هذه الصورة يمكن الشمول.

ان قلت ان الجهر والإخفات لأي دليل يكون شرطيتهما في الصلاة مقيدة بالعلم بهما ويكون صلاة من لم يعلم بهما صحيحة فلو كان الإشكال في اختصاص الأحكام ـ بالعالمين الدور فيأتي فيهما أيضا قلت فرق بين ان يكون الدخول في الصلاة من جهة ان السند على الدخول هو الحديث بان يظن في نفسه انى ادخل في الصلاة فان كان المشكوك في الواقع جزء لها فيشملني الحديث وان لم يكن جزء فلا إشكال أصلا وبين ان يدخل في الصلاة بواسطة الدليل مثل أصالة البراءة بعد الفحص عن وجود الجزء أو الشرط وعدمه ثم ظهر خلافه ثم يتمسك بلا تعاد بعد ظهور الخلاف فانه لا شبهة في عدم جواز الأول وعدم دلالة الحديث عليه ولا شبهة في شموله للصورة الثانية واما الجهر والإخفات فيجب ان يدفع الدور عنه بطريق آخر ولا يكون صحة الصلاة من جهة شمول لا تعاد بالنسبة إليهما وسيجيء البحث عنهما عند بيان شرائط جريان البراءة إن شاء الله تعالى والحاصل شمول لا تعاد في الجملة في الصلاة مما لا شبهة فيه وسيجيء البحث عن قاعدة لا تعاد مفصلا في البراءة أيضا.

واما المعاملات ففيها أيضا يكون الإجماع على ترتيب الآثار على العقد الّذي وقع ثم ظهر بطلانه على رأي من صار اعلم أو تبدل رأي مجتهده ومن موارده الإجماع على عدم الضمان في العقد الفارسي إذا ظهر انه يجب ان يكون عربيا بالنسبة إلى المتعاقدين كما عن النائيني (قده).

وفيه ان الإجماع في مثل المقام يحتمل ان يكون سنديا لأنه يمكن ان يكون من باب

٢٣٥

القول بالاجزاء في مؤدى الأحكام الظاهرية أو يكون السند سيرة المتشرعين على ذلك فلا يكون بنفسه دليلا وان كانت السيرة مما يمكن ان يعتمد عليها واما القول بان اللازم من عدم ترتيب الأثر الحرج المرفوع بل غير المجعول في الشرع فجوابه انه مختص بمورده فرب مورد لا يلزم منه الحرج كما إذا أنشأ عقدا لم يمر عليه زمان طويل ولم يترتب عليه أثر كثير فإن تكرار العقد لا يكون فيه الحرج في هذا المورد.

ثم لا بأس بالإشارة إلى فرع من فروع تبدل رأي المجتهد بأحد الطرق من الخطاء في الاستظهار أو عدم وجدان المخصص وغير ذلك وهو انه هل يجوز الاقتداء بمن يكون مجتهدا أو مقلدا لمجتهد يكون رأيه خلاف اجتهاد المقتدي أو تقليده أم لا فقيل بان ـ الحكم الظاهري لأحدهما هو الحكم الواقعي للآخر فان من اعتقد بكفاية تسبيحة واحدة في الركوع إذا صار إماما لمن يقول بوجوب الثلاثة مثلا يكون هذا الحكم ـ الظاهري في الإمام بمنزلة الحكم الواقعي للمأموم وكذلك إذا كان أحد المتعاقدين معتقدا بان العقد الفارسي يكفى والآخر يعتقد بوجوب كونه بالعربية فيقرأ كل واحد منهما الصيغة على نظره.

وفيه ان هذا وان كان غير مشكل في مقام الثبوت ولكن لا يكون لنا دليل إثباتا فان أدلة الأمارات ليس فيها اشعار بذلك نعم ورد في خصوص الصلاة ـ ان من صلى خلف امام ثم ظهر بعد ذلك انه كان يهوديا يظهر الإسلام لا يكون عليه إعادة الصلاة وهكذا في موارد أخر المذكورة في الكتب الفقهية ولكن هذا لا يكون دليلا في جميع الموارد على جميع الأحكام العبادية وغيرها على انه يكون في صورة ظهور الخلاف بعد العمل لا ما يكون بانيا على العمل بهذا السند والفرض هو إثبات حكم أصولي بهذا البيان ولو قلنا بالاجزاء فيه يلزم اما القول بالتصويب المحال لأن القول بصحة العمل يكون لازمه ان كل ما أفتى به المفتي فهو حكم الله واما القول بسببية الأمارات أو الفرق بين المجتهد والمقلد بالقول بالسببية بالنسبة إلى الثاني دون الأول ولا يخفى ان السببية بالنحو الصحيح الّذي لا يلزم منه المحال وان كان لا إشكال فيها ثبوتا ولكن في مقام الإثبات لا دليل

٢٣٦

لنا عليها لأنها خلاف ظاهر الأمارات فانها كاشفة وطريق إلى الواقع ولو سلم السببية بالنحو الصحيح وهو أن يكون المصلحة في المؤدى لا يكون لنا دليل على انه يكون بدلا عن الواقع ومجزيا عنه إلّا انه يكون ادعاء الإجماع في المورد على عدم الإعادة.

وفيه انه بعد الاختصاص بالمورد يكون فيه احتمال السندية من جهة الاستناد بأحد الطرق التي ذكرناها من السببية وغيره فتحصل ان جواز الاقتداء مستندا بهذه ـ الأدلة عند تخالف الإمام والمأموم في العمل مما لا وجه له هذا تمام الكلام عن بحث ـ الاجزاء في الأوامر.

الفصل الرابع في مقدمة الواجب

وينبغي البحث فيها عن مقدمات المقدمة الأولى في ان هذا البحث متعلق بأي علم من العلوم فهل هو أصولي يقع نتيجة البحث فيه كبرى للصغريات الفقهية كما هو المشهور من معنى الأصولي أو فقهي بمعنى انه يكون بيانا لحكم فعل المكلف من ـ الوجوب أو الحرمة وغيرهما أو يكون من المبادي الأحكامية وهي المسائل التي تكون محمولاتها من عوارض الأحكام التكليفية أو الوضعيّة كتضاد الأحكام وملازمة بعضها لبعض بتقريب ان يقال هل الوجوب يسرى من ذي المقدمة إليها فان الوجوب حكم والبحث من السريان من عوارضه أو من المسائل الكلامية التي يبحث فيها عن الثواب والعقاب بمعنى انه هل يكون لترك المقدمة أو لفعلها مع قطع النّظر عن ذيها ثواب أو عقاب أم لا.

ثم هل البحث في المقام عقلي أو ان البحث لفظي أي يكون في الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام وجوه واحتمالات.

والتحقيق في المقام هو ان يقال ان البحث هنا أصولي عقلي اما كونه أصوليا فلان نتيجة البحث فيه هي ان يصير الكبرى للصغريات الفقهية ضرورة ان المقدمة مثلا لو كانت واجبة ينتج البحث في جميع أبواب الفقه مما له مقدمة واما كونه عقليا

٢٣٧

فلأنه يكون البحث في ان الملازمة بين المقدمة وذيها التي يحكم بها العقل هل توجب سريان الحكم من ذيها إليها أم لا سواء كانت استفادة الملازمة طبعيا أو عقليا أو شرعيا والمحقق الخراسانيّ (قده) أيضا يحكم بان البحث عقلي.

ولكن صاحب المعالم قائل بان البحث لفظي من جهة ان وجوب المقدمة هل يلزمه وجوب ذيها وهل يستظهر من وجوبه وجوبها أم لا فقال بأنه لا يكون وجوب ذي المقدمة دالا على وجوبها بإحدى الدلالات الثلاث من المطابقة والتضمن والالتزام.

لا يقال لو كان البحث عقليا كان يفهمه كل أحد لأن كل من له عقل يكون عالما بان المقدمة فيما له تلك المقدمة لازمة فما عن المحقق المذكور من الملازمة العقلية والبحث فيها لا وجه له لأنه يصير البحث كذلك لغوا بل الحق مع صاحب المعالم القائل بان البحث لفظي.

لأنا نقول ان المراد بالبحث العقلي هنا لا يكون العقلي المحض بل بعد استفادة أصل الحكم الشرعي من الدليل يبحث عن الملازمة فيكون عقليا مبتنيا على الشرع لا مطلقا مثل استفادة الوجوب للصلاة والبحث في الوضوء مثلا بعد إثبات كونه مقدمة لها.

واما توهم كون البحث من المبادي الأحكامية بدعوى ان البحث في المقدمة يكون محمولات مسائله عوارض للأحكام (١) فائضا مندفع من جهة انه يمكن ان يبحث في شيء من جهتين فيكون من جهة من مسائل علم الأصول ومن جهة من البحث في مبادئ الأحكام والمقام حيث يمكن ان يصير نتيجة هذا البحث كبرى للصغريات في الفقه يكون البحث أصوليا.

وقد يتوهم كون البحث من المبادي التصديقية بان يقال ان موضوع الأصول

__________________

(١) أقول حيث يكون نتيجة البحث في ذلك من حيث المبادي الأحكامية أيضا مما له دخل في الاستنباط لا فرق بينه وبين كونه من مسائل علم الأصول.

٢٣٨

الأدلة الأربعة ومنها حكم العقل والمراد به كل حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي فلا محالة يجب ان يبحث في الأصول عن اللواحق في القضايا العقلية المثبتة للأحكام الشرعية لا عن ثبوت نفسها ونفيها والبحث في وجوب المقدمة حيث يكون عن أصل الملازمة يكون بحثا عن نفس حكم العقل لا عن اللوازم والعوارض وعليه يصير البحث من المبادي التصديقية نعم لو كان الموضوع نفس حكم العقل لكان البحث من الأصول.

والتحقيق في المقام هو ان يقال ليس لعلم الأصول موضوع معين حتى يقال ان حكم العقل موضوع البحث في المقدمة أو عوارضه ليكون على الأول بحثا أصوليا لأنه يكون من البحث على موضوع هذا العلم وعلى الثاني غير أصولي بل موضوع علم الأصول يكون جملة من المتشتتات تقع نتيجتها في طريق الاستنباط للأحكام الشرعية فلا وجه لتوهم كونه من المبادي التصديقية أيضا.

واما البحث على فرض كونه فقهيا فقد أشكل عليه شيخنا النائيني (قده) بان الفقه يكون البحث فيه على عناوين خاصة مثل الصلاة والزكاة التي يبحث عن وجوبها واستحبابها واما ما يكون بالعنوان العام المنطبق على جميع مقدمات الأحكام فليس بفقهي بل أصولي محض وفيه انه لو كان الأمر كذلك يجب ان يخرج كثير من الأحكام من الفقه مثل وجوب الوفاء بالشرط والنذر الّذي يكون في موارد مختلفة.

والتحقيق ان يقال ان البحث الفقهي يكون في كل مورد يكون الحكم وحدانيا ناشئا عن ملاك واحد أصالة لا ان يكون طريقا للغير والبحث في المقدمة يكون عن حكم طريقي ولا يكون لها وجوب مستقل في مقام إثباته بل ناش عن ذي المقدمة ومن المعلوم ان كل ذي مقدمة يكون له ملاك خاص غير ملاك الآخر حتى ان الاستصحاب أيضا يكون أصولية البحث فيه من جهة انه طريق لإثبات الأحكام السابقة ولا يكون البحث عن عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين كما توهمه شيخنا

٢٣٩

العراقي (قده) بأنه يمكن ان يقال البحث فيه فقهي إذا كان السند هو الاخبار لا بناء العقلاء واما مثل الوفاء بالعقد وبالنذر يكون الحكم بالوجوب عليه استقلالا فلا وجه لإشكال شيخنا النائيني (قده) ويتوجه الإشكال بما ذكرناه على ان (١) البحث الفقهي لا يختص بالوجوب بل مقدمة المكروه والمستحب والحرام أيضا يكون مورد البحث لا الوجوب فقط.

المقدمة الثانية

في بيان الفرق بين المقدمة الخارجية والداخلية فان القوم جعلوا ذلك موردا للبحث وان كان غير مفيد ولا ثمرة له الا علميا ولكن نحن أيضا نتبعهم فيه فقالوا بعد تصوير وجوب المغايرة بين المقدمة وذيها ووجوب كون التقدم لأحدهما على الآخر لحفظ عنوان المقدمة بان المقدمات الداخلية هي ما يكون غيريته مع ذيها بنحو اللابشرط وبشرط شيء فان الصلاة التي تتركب عن عشرة اجزاء مثلا مثل الركوع والسجود وغيره إذا أخذت اجزائها بنحو اللابشرط عن الاجتماع والانضمام يكون جزء ومقدمة وإذا أخذت بشرط الانضمام تكون كلا وذا المقدمة والتقدم بين الجزء والكل طبعي كما في اجزاء العدد فان الواحد مقدم على الاثنين بالطبع.

وفيه ان من المسلم في الفلسفة ان المركب ليس إلّا الاجزاء بالأسر وليس الكل الا ذات الاجزاء وشرط الانضمام لا يوجب ان يكون الكل غير الجزء فان الصلاة بشرط الانضمام لو كانت ذاتها أربعة اجزاء لا يكون هذا الشرط جزء خامسا له وإلّا لزم ان نحاسب ان الأربعة مع هذا الجزء أي شيء يصير كله فان كان الكل أيضا مشروطا يكون الأربعة منضمة إلى الانضمام هي الكل ويلزم ان يصير الكل ستة

__________________

(١) أقول لا يكون وجهة الإشكال في خصوص الوجوب حتى يقال بأن البحث في الأعم بل ذكر الوجوب يكون من باب ذكر مورد من الموارد وهذا واضح.

٢٤٠