مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

الأمر بالصلاة فرادى نفسيا والأمر بالصلاة جماعة أيضا نفسيا وتارة مقدميا فيهما لتحصيل الغرض كما في الأمر الاحتياطي باجتناب أطراف الشبهة المحصورة ليحصل الاجتناب عن النجس الواقعي أو المحرم الواقعي.

ولا يخفى أيضا ان التكليف يجب ان يكون تحت الاختيار فالغرض الّذي لا يكون بأيدينا كيف يمكن تحصيله والأمر به فان التكليف يكون في صورة الاختيار ومن الممكن ان يأتي العبد بالمأمور به مرات عديدة ولم يحصل الغرض لأن المولى لا يختاره.

والّذي نقول هنا هو انه مع اختيار كون الأمر نفسيا نقول لا يكون مقيدا باختيار المولى ولا مطلقا عنه بل يكون الأمر بالحصة المقرونة بنحو الحينية أي يسقط الأمر بإتيان الماء حين يختار شربه المولى فيكون المأمور به الإتيان في حين كونه مقرونا بالشرب.

لا يقال انك قلت القدرة على إتيان المأمور به شرط والشرب أي شرب المولى هنا لا يكون تحت قدرة العبد حتى يؤمر به لأنا نقول لا يكون الأمر بالتحصص بل بالحصة المقرونة ومعناه ان العبد إذا أتى بالماء دفعة فقد امتثل هذا الأمر ولكن حيث يكون الغرض غير حاصل يجب له الامتثال ثانيا فالامتثال عقيب الامتثال غير متصور وما عن الخراسانيّ (قده) في الكفاية من التفصيل لا وجه له ومثاله بالصلاة المعادة وبالشرب أيضا لا ينطبق على الباب لأن الممتثل خصوص الفرد المقرون بتحقق غرض المولى بشربه لا مطلقا ولا مقيدا بل بنحو الحينية أو خصوص العمل الّذي صار مقدمة كما مر.

بقي في المقام الروايات الدالة على جواز إعادة الصلاة جماعة وألسنتها مختلفة فبعضها بلسان يختار الله أحبهما كما تعرض لها المحقق الخراسانيّ وشيخنا العراقي (قده) وبعضها ببيان يختار المصلى أيهما فريضة.

وتقريب الاستدلال ان الامتثال في ذلك محقق لصحة وقوع العمل ومع ذلك

٢٠١

لله تعالى ان يختار أحبهما فهو امتثال بعد الامتثال والإعادة أيضا تكون صادقة بالنسبة إلى من صلى ابتداء ثم يكررها وهذا هو الدليل للخراساني (قده) وقال في وجهه ان الصلاة الفرادى لا تكون علة تامة لحصول الغرض وسقوط الأمر فيجوز الصلاة ثانيا وهذا يتحقق به الامتثال بعد الامتثال.

ووجهه العراقي (قده) بان إتيان العبد الصلاة بنحو الفرادى مقدمة لاختيار المولى هذا العمل بعد ما صلى جماعة فيكون كلتا الصلاتين مقدمة لاختياره.

أقول إتيان الصلاة جماعة بعد كونها فرادى يكون مقدمة لإقدار المولى أحب الصلاتين والروايات في الباب كثيرة والمهم لسان الروايات التي تدل على اختيار المصلى في جعل أيهما فريضة وهذه غير رواية أبي بصير التي تدل على اختيار الأحب وهي في باب (٥٤) من أبواب الصلاة في الوسائل.

فمنها صحيحة هشام بن سالم (ح ١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال في الرّجل يصلى الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال يصلى معهم ويجعلها الفريضة ان شاء.

وكذا رواية حفص ابن البختري (ح ١١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرّجل يصلى الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال يصلى معهم ويجعلها الفريضة.

واما رواية أبي بصير فهي (ح ١٠) قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصلي ثم ادخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت قال صل معهم يختار الله أحبهما إليه.

وصحيحة حلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ح ٨) قال إذا صليت وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فان شئت فأخرج فان شئت فصل معهم واجعلها تسبيحا.

أقول رواية أبي بصير غير مناف لرواية حفص وهشام لأن تلك الرواية مربوطة باختيار الله تعالى وان رواية هشام وحفص مربوطة بجعل العبد واختياره فنقول في تقريب الثانية ان جعل العبد أيهما شاء فريضة واقعية غير ممكن لسقوط الأمر بالامتثال الأول وسقوط الغرض الواقعي ولا يمكن جعل الجماعة فريضة وامتثالا واقعيا لعدم الأمر بعد الأول لأنه لم ينقلب عما هو عليه واما تنزيل الصلاة جماعة بالفريضة يكون

٢٠٢

كالعدول عن فريضة إلى فريضة أخرى مثل العدول من العصر إلى الظهر وفي هذا لو تصورنا العدول بعد تمامية الصلاة بالإمكان الثبوتي يكون الإثبات تاما وإمكانه ثبوتيا لا إشكال فيه أيضا.

ويمكن ان يكون معنى الرواية الخطاب التخييري بين الفرادى والجماعة والأولى مشروطة بعدم تعقبها بالجماعة فهي فريضة ويحصل الامتثال لو لم يتعقبها الجماعة فلو حصلت يمكن للعبد أن يجعلها فريضة.

فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الامتثال بعد الامتثال ممنوع لأن المأتي به إذا صار مطابقا للأمر لا وجه لتكراره لأنه يسقط بالامتثال واما الروايات في صلاة الجماعة فتكون من باب ان الامتثال مشروط في الفرادى بعدم تعقب الجماعة واما إذا تعقبها فالثاني يكون امتثالا لا الأول واما الروايات التي جعل المدار على نظر العبد في جعله أيهما فريضة فيكون المراد ان التنزيل في المورد بيد العبد واما رواية أبي بصير في اختيارا حبهما فليس معناها (١) ان الأحب الجماعة بل ما يكون واقعا جامعا لجميع ـ الشرائط ويكون الخلوص فيه أزيد من غيره في مقام المصداقية أي يقبل ان يكون هذه مصداق الصلاة لا تلك واما القول بأنه يكون اختيارها في مقام الأجر والفضل فهو خلاف الظاهر لأن الظاهر ان هذه تقبل صلاة له لا توجر عليها إلا على القول بكونها مصداقا حالكونها فرادى مشروطة بعدم تعقب الجماعة فالفضل والأجر للثانية دون الأولى.

واما القول بان إتيان الصلاتين يوجب وسعة دائرة اختيار المولى في مقام الاختيار كمن يأتي بكأسين من الماء عند الأمر بإتيانه ليختار الآمر أيهما شاء وهذا امر يستحسنه العقل والعرف في مقام الثبوت والإثبات يكون بالرواية ولذا يكون الإتيان جماعة

__________________

(١) أقول الظاهر بعد كون الصلاة جماعة أفضل وربما لا تحصى ثوابها هو ان الأحب هو ما أتى بها جماعة وهذا يكون أول ما يجيء في الذهن وان كان في الواقع ما هو أخلص مختار الله تعالى والحاصل ان الروايات يفهم منها ان الصلاة منفردا لا تمنع عن درك ثواب الجماعة التي هي الأحب لو لا المانع.

٢٠٣

مستحبا فليس بعرفي كما قيل فان الظاهر ان المراد ليس الاتساع بإتيان الصلاتين في قبول المولى.

وقال شيخنا الأستاذ العراقي (قده) بان مختار المولى هو الصلاة الثانية لأنها اما تكون أقوى لفضل الجماعة واما تكون محرزة للامتثال على فرض خلل في الأولى فلو كانت الأولى صحيحة يندك ثوابها في الثانية ولو لم تكن صحيحة فالثانية هي التي تتحقق الامتثال بها (١).

المقام الثاني في ان الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري هل يجزى عن الواقعي أم لا فمثل التيمم في ظرف عدم وجدان الماء هل يجزى عن الوضوء حتى لا تحتاج الصلاة في الوقت إلى الإعادة وفي خارجه إلى القضاء أم لا.

ولا يخفى انه لا فرق بين ان يكون لنا امران أحدهما بالصلاة مع التيمم والآخر بالصلاة مع الوضوء أو يكون امر واحد على طبيعي الصلاة ويكون فرد منها مع التيمم وفرد آخر مع الوضوء لأنه بعد انحلال الأمر الواحد إلى المصاديق لا يبقى فرق في ان كل صلاة يكون لها امر بالانحلال أو بالاستقلال.

فنقول المهم في أمثال المقام هو ملاحظة الدليل الدال على كفاية البدل عن المبدل مطلقا حتى بعد وجدان الماء في مثال بدلية التيمم أو يكون في خصوص حال الاضطرار لا غير وقد ذكر المحقق الخراسانيّ (قده) الاحتمالات الثبوتية أولا ثم إنشاء البحث في ان الدليل هل يكون له الإطلاق أم لا فنقول من الاحتمالات ان يكون الإتيان بالبدل وافيا بجميع مصلحة المبدل كان يكون مصلحة التيمم مثل مصلحة الوضوء من حيث المقدار لا يقال لو كان كذلك فللمكلف ان يجعل نفسه مضطرا بان يهرق الماء لئلا

__________________

(١) ان كان المدار على الواقع فربما يكون الصحيحة هي الأولى والباطلة هي الثانية لفقد بعض الشرائط جهلا بالحكم أو بالموضوع وان كان المدار على فرض التساوي في الشرائط وأصل الصحة والخلوص فالمتعين اختيار الثانية لفضل الجماعة كما مر استظهاره من الروايات ولعله مراد هذا النحرير (قده) وان كانت العبارة لا تفي به.

٢٠٤

يكون واجدا فيتيمم لأنه لا فرق بين الوضوء والتيمم على هذا التساوي بين المصلحتين لأنا نقول ان الدليل لو كان في مطلق الاضطرار سواء كان طبعيا أو بالاختيار يصح ذلك ولكن الدليل يكون ظاهرا في ان الاضطرار إذا كان بالطبع فلا يجوز له ان يجعل نفسه مضطرا وان يجعل المولى في ضيق الخناق ليأمره بالتيمم بعد ان صار من مصاديق غير الواجد.

نعم ان عصى وأهرق الماء يمكن القول بالاجزاء بملاك المضادة والتفويت لا بملاك الوفاء يعنى يمكن ان يقال انه حيث فوت عنه مصلحة الواقع فتصل النوبة لا محالة إلى ـ البدل ويجزى الصلاة مع التيمم ولكن يكون معاقبا على تفويته بخلاف الصورة التي يكون الاجزاء بملاك الوفاء فانه لا عقاب فيه لعدم الاضطرار بسوء اختياره ومن الممكن ثبوتا ان يكون المصلحة في التيمم والوضوء واحدة ولكن بروز المصلحة في التيمم يكون مشروطا بعدم فقدان الماء بواسطة الاختيار بل في صورة الفقدان بالطبع يكون وافيا بالمصلحة لا غيره فالمصلحتان واحدتان لكن الموضوعين طوليان نعم يمكن الاجزاء بملاك التفويت أو بملاك المضادة لا بملاك الوفاء في صورة العصيان وتحصيل الاضطرار بالاختيار بواسطة إهراق الماء مثلا.

ثم في هذه الصورة هل يجوز البدار إلى العمل في أول الوقت إذا كان مضطرا في الآن الأول أم لا فان العذر لو كان مستوعبا لجميع الوقت يجوز البدار واما إذا لم يكن كذلك فان قلنا بان دليل الاضطرار يكون في مطلق العذر فيجوز أيضا واما إذا كان في خصوص المستوعب فيجب إحرازه ولا يخفى انه يجوز البدار رجاء في الّذي لم يظهر استيعاب العذر فيه واما في صورة كونه مقيدا بالمستوعب لا يجوز ويجب إحراز الاستيعاب فان قلت في الآن الأول يكون مضطرا بجميع الآنات لأنه لا يمكن (١) ان تجتمع

__________________

(١)كلا منا يكون في الاضطرار الّذي يمكن ان يكون تحت الاختيار مثل عدم الوجدان الّذي يمكن ان يصير العبد واجدا واما الآنات التي لم تأت فلا معنى لأن نحكم فيها بحكم ولا يمكن في أي زمان فرض ان تجمع الآنات البعدية في الآن الحاضر فالاضطرار في هذا ـ

٢٠٥

الآنات في هذا الآن لأن الزمان متدرج الوجود وفي هذا الآن يكون الاضطرار محققا فجميع الآنات يصدق الاضطرار بالنسبة إليه في هذا الآن قلت الدليل منصرف إلى الآنات على حسب التعاقب وحيث لم يأت بقية الآنات لا يمكن ان يقضى بالنسبة إليها بالاضطرار هذا كله في صورة كون البدل وافيا بتمام المصلحة.

اما إذا لم يكن وافيا بها بل ببعضها فاما ان يكون البعض الّذي يكون في الأصل زائدا على البدل واجب الاستيفاء أو يكون مستحبا في صورة الإمكان واما لا يكون قابلا للدرك أصلا.

وهذا التصوير يكون في مقام الثبوت عن المحقق الخراسانيّ (قده) وقد أشكل عليه بان اللازم هو كون المصلحة في البدل مسانخة مع المصلحة في المبدل ليكون للفردين جامع في المصلحة وحيث يكون ذلك البدل موجبا لإحراز بعض مصلحة المبدل فلا محالة يكون بعضها الآخر غير مصلحة الجامع ومعاندا لها وكيف يمكن ان يقال بمضادة المصلحة في الجامع مع المصلحة في الفرد.

والجواب عنه انه ليس من المضادة في شيء بل من باب فوت مصلحة الواقع وعدم بقاء المحل لها كما إذا أتي بماء للمولى ليشربه فشربه ولم يبق مورد ومحل لشرب الماء مع الأنجبين من جهة ان عطش المولى قد ارتضع بالماء الخالص ثم انه في صورة عدم وفاء مصلحة البدل بمصلحة المبدل يجوز البدار إلى العمل في أول الوقت إذا كان دليل البدل في مطلق العذر سواء كان مستوعبا أم لا واما إذا كان الدليل شاملا لصورة كون العذر مستوعبا فيجب إحراز ذلك بالدليل.

ان قلت في صورة عدم استيعاب العذر كيف يتصور جواز البدار والقول بالإعادة وجوبا أو ندبا فانه يلزم من ذلك جواز إفناء مصلحة المبدل بواسطة إهراق الماء نعم يتصور القول بالبدار والقضاء خارج الوقت من جهة ان إحراز مصلحة الوقت لازم فلا يجوز

__________________

ـ الآن يكون في هذا الآن لا قبله ولا بعده فالآنات البعدية يكون الاضطرار بالنسبة إليها مشكوكا فلا وجه لهذا الإشكال أصلا.

٢٠٦

إهراق الماء والقضاء خارجه يكون لوجدان الماء.

قلت مع جواز البدار إذا فوت العبد مصلحة المبدل لا يسقط عنه امر البدل ويكون المصلحة ذات مراتب كأنه يقال إذا عصيت الأمر بالوضوء لإهراقك الماء يجب عليك ـ التيمم لإحراز مصلحته فلا يترتب على جواز البدار جواز الإهراق فانه معصية ولو فعل ذلك يجوز له البدار من باب الترتب.

ثم انه حيث كان جواز البدار في صورة كون العذر مستوعبا فاما ان يكون العذر معلوم الاستيعاب أو يكون معلوم العدم وحكمهما واضح واما إذا شك في ذلك فهل يمكن استصحاب بقاء العذر استقباليا أم لا فيه خلاف فانه لا يكون من الاستصحاب القهقرى ولا مما يكون حالته السابقة معلومة فيراد بقائها كما كانت به بل يكون مما يكون الشك فيه فيما سيأتي فقيل انه لا يجري لأن الأثر الشرعي يكون على الاضطرار المستوعب ولازم الاستصحاب هو إثبات استيعاب العذر وهو أثر عقلي (١) فلا يمكن الاستصحاب وإثبات الاستيعاب به فما في حواشي العروة للسيد اليزدي (قده) من إثباته به لا وجه له ولكن الّذي يكون أثر الإثبات الاستيعاب هو الخوف من ان يصير المولى في ضيق الخناق من جهة فوت المصلحة واما في صورة عدم فوتها فانه يمكن الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه وفي هذه الصورة وان كان اللازم إثبات الاستيعاب لعدم الوقوع في محذور جعل المولى في ضيق الخناق ولكن في التيمم ليس الأمر كذلك بل في كل آن صار العبد متمكنا من إتيان المبدل يكون المصلحة بحالها ويمكن الإتيان بداعيها على فرض كون الموضوع في جواز التيمم هو العذر المستوعب فلا نحتاج إلى استصحاب بقاء العذر بل يجوز البدار

__________________

(١) الاستصحاب هنا يكون مثل ساير المقامات من الاستصحابات الموضوعية فان استصحاب بقاء العذر في الآنات الآتية موضوع للقول بجواز البدار مثل استصحاب الحياة فان لازمه عدم تقسيم الأموال ولا يقال يستصحب حياة زيد فيترتب عليه انه حي بواسطة حكم العقل ثم يحكم بعدم جواز تقسيم أمواله ليكون من الأصل المثبت وكذلك في المقام لا يثبت بالاستصحاب إلا نفس الاستيعاب لا انه شيء واثره ذلك فلا إشكال في جريانه في هذا المقام أيضا.

٢٠٧

رجاء لإصابة الواقع فان أصاب فهو وإلّا يأتي به ثانيا بعد كشف الخلاف هذا كله البحث في مقام الثبوت من جهة وفاء المأتي به بالمأمور به من جهة المصلحة ووفائها بالبدل أو عدمه.

واما البحث في مقام الإثبات فهو بحث فقهي لأنه يجب ملاحظة عنوان الدليل وإطلاقه من جهة كون العذر مستوعبا أم لا ومن جهة الوفاء بالمصلحة وعدمه ولا يختص بمورد دون مورد والبحث في هذه الجهة في مقامات. المقام الأول في الإثبات بدليل خاص الثاني العمومات الشاملة لجميع الموارد الثالث ما ورد في خصوص التيمم.

الرابع مقتضى الأصل إذا شك في الاجزاء وعدمه اما الاجزاء في المقام الأول بدليل خاص كما في التيمم فعلى فرض إطلاق دليل المبدل وهو الوضوء حتى بعد رفع العذر يجب مراعاة إطلاق دليل البدل فيقال في التيمم دليلان أحدهما الرواية بان التيمم أحد الطهرين لا كما ذكره المحقق الخراسانيّ (قده) بان التراب أحد الطهورين فانه لم يرد رواية بهذا المضمون ويكون هذه العبارة منه اصطيادية من الروايات وثانيهما قوله تعالى فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فقيل بعد ملاحظة الدليلين ان الاجزاء عن الوضوء يكون اما بملاك التنزيل منزلته واما يكون وافيا بجميع الملاك كما ذكره الهمدانيّ (قده) في طهارته في الباب فليرجع إليها أقول اما الوفاء بالمصلحة فلا يستفاد من هذا الدليل لأنه من الممكن ان يكون للغسل دخل في طهورية الوضوء وخصوصيته ولا يفي بإحرازها صرف تنزيل التيمم منزلة الوضوء ويكون التيمم هو الوظيفة في حال الاضطرار واما بعد حصول الاختيار فلا يكون وافيا بجميع مصلحة المبدل وقيل في مقام الاجزاء بأن الدليلين أي دليل الوضوء والتيمم يتعارضان بإطلاقهما لأن دليل الأول يكون مطلقا حتى بعد رفع العذر ودليل الثاني يكون مطلقا حتى بعد وجدان الماء فعند الوجدان يتعارضان ولكن يكون دليل التيمم حاكما على دليل الوضوء فيكون مجزيا (١)

__________________

(١) أقول وجه الحكومة هو ما في الآية المباركة في سورة المائدة (آية ٩) ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم. فإن قوله تعالى ليطهركم ظاهر في أنه فرد من الطهور لا أنه بدل اضطراري فقط وهذا أحسن طريق لبيان الحكومة فاحفظه.

٢٠٨

ثم انه قد أشكل شيخنا النائيني وشيخنا العراقي (قدس‌سرهما) في المقام بإشكال كبروي وصغروي الأول عن الأول (قده) والثاني عن الثاني (قده) اما الإشكال الكبروي فبوجهين الوجه الأول ان القضاء سواء كان بالأمر الجديد أو بالأمر القديم يكون دائرا مدار الفوت ولا فرق بين الأمر الجديد والأمر القديم لأنه على فرض كونه بالقديم أيضا يحتاج إلى دليل لبقائه فإذا أتى المكلف بالمأمور به بالأمر الأول ولم يفت عنه شيء لا معنى للقضاء ففي مقامنا هذا لا نحتاج إلى التفصيل في اجزاء التيمم عن الوضوء لأنه بعد جواز البدار والإتيان بما هو الوظيفة في حال الاضطرار لا يكون معنى للفوت ولا مقاما للقول بالإعادة والقضاء للزوم لغوية البدار حينئذ فحيث لم يكن لغوا لم يبق للقول بعدم الاجزاء وجه.

والجواب عنه هو الّذي مر في البحث الثبوتي فانا قلنا بان إتيان المأمور به في حال الاضطرار من الممكن ان لا يكون وافيا بجميع مصلحة المبدل فيمكن ان يحكم بالإعادة أو القضاء بعد رفع الاضطرار واما البدار فجوازه يكون لمصلحة الوقت فنحن نحتاج إلى إثبات إطلاق دليل البدل بالنسبة إلى المبدل.

والوجه الثاني هو انه يكون الإجماع على عدم وجوب الصلاتين لمكلف واحد في الوقت محققا لا شبهة فيه فان من الزوال إلى آخر وقت صلاة الظهر لا يجب الأظهر واحد فإذا أتى به المكلف في الوقت مع التيمم بعد جواز البدار فالقول بعدم الاجزاء ينافى مع هذا الإجماع فكيف يقال به فعلى هذا لا نحتاج إلى ملاحظة إطلاق الدليل في البدل والمبدل والقول بالحكومة عنه والجواب عنه ان الإجماع على عدم الوجوب يكون في صورة القول بالصلاتين العرضيتين مع الوضوء أو التيمم مسلما ولكن لم يقم إجماع على العدم في الطوليتين فان الصلاة مع الوضوء يكون هنا في طول الصلاة مع التيمم على انه لو كان ذلك دليلا بالنسبة إلى الصلاة واجزائها مع التيمم لا نكون في غنى عن الكلام في ملاحظة الإطلاق في ساير الموارد في الفقه فلا مناص عن الكلام فيه وفي البحث عن الحكومة أو غيرها في الدليلين القائمين

٢٠٩

في البدل والمبدل.

واما الإشكال الصغروي فهو أيضا بوجهين الوجه الأول ان الحكومة تكون في صورة تضييق الحكم أو الموضوع أو توسعته والحاصل يكون الحاكم متصرفا في بعض مدلول المحكوم واما المقام فانه ليس من الحكومة في شيء لأن دليل الوضوء بإطلاقه ينفى جميع مدلول إطلاق دليل التيمم وهو عدم الاحتياج إلى القضاء والإعادة فيكون المقام مقام التعارض في الدليلين ويلزم ملاحظة المرجح أو يكون مقام التزاحم فيجب ملاحظة أقوى الملاكين.

والجواب عنه ان لنا الظهور اللفظي من الدليل بان لازم تشريع التيمم في ظرف عدم الوجدان هو الوفاء بجميع المصلحة والاجزاء عن الوضوء بالحكومة.

الوجه الثاني ان الظاهر حكومة دليل الوضوء على دليل التيمم بعد عدم حكومته عليه لأن دلالة الآية على انه كلما يجب الصلاة يجب الوضوء تكون بالوضع واما دلالة آية التيمم على الاجزاء تكون بمقدمات الحكمة بان يقال حيث لم يقيد قوله تعالى فان لم تجدوا ماء فتيمموا بقوله إلى حين وجدان الماء في الوقت أو خارجه فيكون مجزيا وإلّا يلزم ان لا يكون الكلام تاما عن الحكيم الّذي يكون في صدد البيان.

والجواب عنه ان دلالة آية الوضوء على ان جميع افراده يكون وافيا بالمصلحة لا تكون مقيدة بشيء ويكون الدلالة عليه بالوضع ولكن الانحصار في الاجزاء لا يستفاد منها بان يقال ان الاجزاء منحصر فيه فقط ولا يكون في التيمم فبمقدمات الحكمة يجب ان يقال تدل على الانحصار حيث لم يذكر له عدل في الآية فيكون الدلالة على الانحصار في الوضوء بالمقدمات وعلى الاجزاء في التيمم أيضا بها ويكون الحكومة مع دليل التيمم لأنه نزل منزلة الوضوء بقوله عليه‌السلام التيمم أحد الطهورين فيكون مصداقا للطهور تنزيلا ونفس التنزيل يكون هو الحكومة للتوسعة في موضوع الطهور به.

وهنا تقريب آخر للإشكال وهو ان الخطاب في الوضوء يكون مطلقا

٢١٠

يدعوا إلى تحصيل القدرة فان خطاب فاغسلوا يحكم بإطلاقه بأنه يجب إيجاد الماء لتحصيل الغسل المحقق للوضوء بخلاف خطاب التيمم فانه لا يدعوا إلى تحصيل الاضطرار ليجب إهراق الماء ليصير غير واجد فيجب التيمم عليه بل يكون مشروطا بعدم الوجدان فإذا دار الأمر بين المنجز والمشروط فبقرينة المقابلة نفهم ان الخطاب الثاني يكون مقيدا فالتيمم وجوبه والأمر به يكون في ظرف عدم الوجدان فإذا وجد الماء ورفع العذر لا يبقى له مقام فلا معنى لإجزائه.

والجواب عنه أو لا أمكن ان يقال كما قيل ان مقتضى المقابلة بين دليل التيمم والوضوء صيرورة دليل الوضوء أيضا مقيدا بالقدرة فلا يقتضى من جهة الاشتراط حفظ القدرة فحال الدليلين واحد ومن لوازم ذلك ان الوضوء في ظرف عدم الوجدان ليس له مصلحة أصلا كما هو الشأن في صورة الحرج.

وثانيا الجواب الصحيح ان يقال ان آية الوضوء وان كانت مطلقة وآية التيمم مقيدة بعدم الوجدان ولكن حيث حصل الاضطرار بالطبع من دون اختيار للمكلف يكون المقام مقامه لا مقام الوضوء نعم لا يدعوا إلى إهراق الماء ليصير مضطرا فيجب عليه ذلك ففي الطبيعي يكون الاجزاء بملاك الوفاء وفي غيره لو كان يكون بملاك التفويت هذا كله في البحث في المقام الأول.

واما المقام الثاني وهو البحث في ان التيمم في حال الاضطرار وعدم وجدان الماء هل يكون مجزيا عن القضاء أو الإعادة أم لا فيدل عليه الآية (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) فان هذه الفقرة من الآية تكون مطلقة من جهة انه وجد الماء بعده في الوقت أو خارجه أم لا يوجد يكون التيمم كافيا وهذا يستكشف منه الاجزاء واما معارضة هذا الإطلاق بإطلاق الصدر في وجوب الغسل مطلقا سواء تيمم أو لا لدرك المصلحة وعدم لزوم كون العذر مستوعبا بل بمجرده يجوز البدار ويكون وافيا بجميع مصلحة المبدل فلا قضاء ولا إعادة اما الأول فبملاك التفويت واما الثاني فبملاك الوفاء بمصلحة الوقت.

٢١١

فقد مر الجواب عنها آنفا ولا يخفى ان الرواية التي مرت من ان التيمم أحد الطهورين يكون لسانها جعل الفرد للطهور تنزيلا والآية تكون في الإطلاق قوية فقوة كل من لسان الآية والرواية تكون من جهة ويستفاد الحكومة منها بالنسبة إلى قوله تعالى فاغسلوا وبالنسبة إلى رواية لا صلاة إلّا بطهور فالآية ذيلها حاكم على صدرها والرواية بنفسها حاكمة على رواية لا صلاة إلّا بطهور فتحصل من جميع ما تقدم بان المقام الأول يكون البحث فيه لازما من جهة ملاحظة إطلاق دليل البدل والمبدل ولا وجه لإشكال شيخنا العراقي (قده) صغرويا وإشكال شيخنا النائيني (قده) كبرويا والمقام الثاني في خصوص التيمم يكون نتيجة البحث فيه الاجزاء.

واما المقام الثالث فالبحث في الأدلة العامة على البدلية مثل ما في حديث الرفع رفع ما اضطروا إليه الحاكم على الأدلة الأولية ولكن حيث لا يكون الاجزاء في هذه الأدلة في جميع المقامات عندي تاما وما ورد في خصوص الصلاة تقية لا يفيدنا في غير المقام وهكذا ما ورد في مثل إتيان الحج على ما هو عليه العامة مع ضيق الوقت فيه لم أتعرض له وأعرضت عنه اختصارا.

اما المقام الرابع ففي الشك في الاجزاء

عند عدم استفادة شيء من الإطلاق وعدم إثبات للحكومة في أحد الدليلين فنقول للشك صور الصورة الأولى ان يكون عالما ومتيقنا بان ما أتى به يكون وافيا ببعض المصلحة وكان اليقين ببقاء بعض المصلحة أيضا فقال المحقق الخراسانيّ (قده) بجريان البراءة فيها للشك في التكليف بالنسبة إلى البقية وقد أشكل عليه تلميذه العراقي (قده) بان الشك في المقام يكون من الشك في القدرة وفيه يكون المقام مقام الاشتغال لأن البيان الّذي كان بعهدة المولى قد تم وهو الحكم بان الصلاة تحتاج إلى الطهارة ولا يكون المؤمن العقلي وهو قبح العقاب بلا بيان ولا الشرعي

٢١٢

وهو حديث الرفع في المقام ولحصول العلم بالبيان فلا يكون مما لا يعلم ليصح جريان الأصل فيه.

أقول كون المقام من الشك في القدرة يتوقف على امرين الأول ان يكون التكليف بالوضوء هو الحكم الأولى بالذات ليقال ان البيان قد تم عليه ويكون الشك في حصول ملاكه بواسطة التيمم في حال الاضطرار فحينئذ يقال يجب الوضوء ثانيا للشك في إحراز ملاكه بواسطة التيمم والثاني ان يكون الجامع الطبيعي تحت التكليف بان يقال ان اللازم هو الإتيان بالطهور بمقتضى قوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور ولا يكون لخصوص التيمم أو الوضوء خصوصية ومن لوازم هذا المسلك أنه لا يجوز ان يقصد العمل بعنوان انه وضوء أو تيمم لأنه تشريع بل يجب ان يقصد الطهور متقربا إلى الله بأحدهما وليس أحدهما بدلا عن الآخر بل كل واحد منهما يكون التكليف الاستقلالي بالنسبة إليه فلا ربط له بان المصلحة الوضوئية هل وجدت أم لا بل يكون التيمم أيضا أحد مصاديق الكلي.

وتوجيه كلام المحقق الخراسانيّ (قده) بأنه لهذه العلة قال بالبراءة عن التكليف الزائد يكون من التوجيه بما لا يرضى صاحبه مع انه خلاف التحقيق من جهة ان الظاهر من امر الوضوء والتيمم هو المولوية واللازم من القول بان الجامع تحت الأمر هو كونه إرشادا وانه (قده) قائل بالبدلية ولا يكون هذا مقالته بقرينة أنه يتكلم في مقام الثبوت بان البدل اما واف بمصلحة المبدل أو لا والظاهر انه قائل بالبدلية ولذا يتصور الصور كذلك.

والحاصل لا يتم القول بان المقام من باب الشك في القدرة لعدم كوننا مأمورا بالمصلحة بل بما تم عليه البيان ولعدم كون الخطاب على الطبيعي بل على الفرد بتوجه الخطاب على طبيعي الوضوء بلحاظ الفرد وعلى طبيعي التيمم بلحاظ الفرد كذلك ثم انه على فرض قبول كون المقام من الشك في القدرة لا يكون من الشك الّذي يجب الاحتياط فيه بل يكون من جهة ان المولى هل أقدر المكلف على إتيان باقي المصلحة بواسطة

٢١٣

جعل التكليف لأن القدرة عليه لا يعلم إلّا من قبله أم لا ومقتضى الأصل فيه البراءة عن ـ التكليف بالزائد وهذا غير صورة العلم بالحكم والشك في القدرة من جهة الامتثال بعد تمام البيان ولا يكون لنا إطلاق من دليل الوضوء حتى يشمل هذه الصورة وإلّا فعلى فرض وجوده لا يكون للشك مورد لأنه يطرد بالإطلاق.

الصورة الثانية من الشك هو ان يكون الشك في أن العمل المأتي به يكون وافيا ببعض الملاك أو تمامه وقد يظهر من إطلاق كلام المحقق الخراسانيّ (قده) أن الأصل مقتضاه البراءة في المقام لأنه يكون من الشك في زيادة التكليف بالنسبة إلى البقية الباقية من المصلحة ولكن شيخنا العراقي (قده) قرر الاشتغال بثلاثة طرق.

الأول ان يكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير الثاني استصحاب التكليف الثالث قاعدة الاشتغال بيان الأول (١) هو انه نعلم بالوجدان انه لو ضم الوضوء إلى التيمم

__________________

(١) لا يكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير في شيء لأنه بعد جواز البدار إلى التيمم نعلم بالوجدان اما يكون في الواقع تكليفنا التيمم فقط أو هو مع الوضوء في حال ـ الوجدان في آخر الوقت فيكون من باب الأقل والأكثر والأصل فيه البراءة ، واما تقريب التعيين والتخيير بأنه نعلم اما يكون التكليف بالوضوء في آخر الوقت متعينا أو الوضوء في آخره مع ضم التيمم فنعلم ان الوضوء واف بالمصلحة قطعا بخلاف التيمم.

غير وجيه لأن جواز البداء إلى التيمم يمنع عن القول بان التكليف هو الوضوء في آخر الوقت متعينا فالمكلف من الأول يكون شاكا في ان التكليف هل يكون على التيمم فقط ان كان وافيا بالملاك أو الوضوء ان كان غير واف به ولا يكون له العلم بان تكليفه الوضوء مع التيمم لعدم الجمع بين البدل والمبدل وإلّا لو كان هذا المورد من الدوران بين التعيين والتخيير الّذي يكون الأصل فيه الاشتغال يمكن ان يرجع كل الأقل والأكثر إليه بان يقال بعد إتيان الأقل لو كان وافيا بالمصلحة التي كانت في الواقع يكون مجزيا وان لم يكن وافيا فغير مجز ويجب ضميمة البقية التي يكون الشك فيها فالإتيان بالأكثر هو المبرئ قطعا بخلاف الأقل هذا مضافا بأن أكثر موارد الشك في التعيين والتخيير لو لا كله يكون الشك في التكليف والأصل فيه البراءة لأن ـ الشك في طور التكليف أيضا يرجع إلى الشك فيه كما يقول به مد ظله في طي كلامه بعيد هذا.

٢١٤

في صورة الشك يكون فارغا من التكليف ويكون الشك في وفاء التيمم وحده بالملاك وبعبارة أخرى يعلم بان الوضوء واف بتمام الملاك حتما اما من باب انه يكون أحد فردي التخيير أو تعيينا واما التيمم فيحتمل ان يكون أحد فردي التخيير ولا يكون العلم بوفائه بجميع المصلحة حتى يكون مأمورا به مطلقا وكلما دار الأمر بين التعيين والتخيير فالمدار على التعيين لأن إتيانه يكون مفرغ الذّمّة يقينا وبعبارة ثالثة يعلم ان ـ الجامع بين الوضوء والتيمم يكون له المصلحة ولكن لا يعلم انه يكون مخيرا بين البدار والضميمة أو الوضوء وحده والتيمم وحده على نحو التخيير ليكون من دوران الأمر بين التخييرين فيقال يتعين عليه التيمم مع الوضوء بعد رفع اضطراره.

لا يقال يكون المقام من الأقل والأكثر ببيان ان يقال ان الطهارة الترابية هي ـ المتيقنة والمائية المشتملة على المصلحة الزائدة احتمالا تكون مشكوكة فتجري البراءة بالنسبة إليها لأنا نقول ان وجوب التيمم يكون مشكوكا من الأول لاحتمال عدم وفائه بالمصلحة وهذا شأن كل مورد يدور الأمر بين التعيين والتخيير لا انه يكون العلم بالأقل والشك في الأكثر.

لا يقال ان التيمم لو كان بدلا عن الوضوء يكون للشك في وفائه بملاكه والقول بالاشتغال بما مر من البيان له وجه واما على مسلك القائل بان المأمور به هو الطهور الجامع بين الوضوء والتيمم بحيث يكون كل واحد منهما فردا له فلا يبقى مجال لهذا الكلام فليس لنا زائد وناقص ويكون كل واحد منهما طهورا بنفسه.

لأنا نقول ان الطهور بحده الّذي هو التيمم يكون مشكوكا أي هذا النحو من ـ الطهور في ظرف الاختيار يكون الشك في كفايته واجزائه لأنه في طول التكليف بالوضوء من حيث الموضوع.

واما بيان الثاني أعني الاستصحاب فهو أنا كنا نعلم بوجوب إيجاد الطهور للصلاة ولا نعلم انه حصل بواسطة التيمم أم لا فيستصحب بقاء التكليف به فينتج وجوب الوضوء واما بيان الثالث وهو الاشتغال فهو أنه يكون لدليل المبدل إطلاق واحد بالنسبة إلى ـ

٢١٥

الافراد العرضية ولم يكن له إطلاق بالنسبة إلى صورة وجود التيمم قبله وفي طوله وإلّا فلو كان له إطلاق كذلك فيكون هو الدليل الاجتهادي على وجوب الوضوء فعلى هذا يقال بان إتيان ما هو التكليف الواقعي بعد التيمم ووجدان الماء مشكوك فيجب الوضوء لأن دليل البدل أيضا مهمل لا إطلاق له ليشمل هذا المورد بالإطلاق.

والجواب عنه ان الشك حيث يكون في طور التكليف من الأول ببيان انا لا ندري ان المجعول من الشرع هل هو التيمم مع الوضوء أو التيمم فقط ولا يكون لنا علم بالوضوء من باب انه القدر المتيقن بل يكون الأمر دائرا بين ان يكون التكليف هو الوضوء مع الضميمة أو التيمم فقط على نحو التخيير فالأصل يقتضى البراءة عن وجوب الضميمة الصورة الثالثة ان يكون الوجدان مثلا خارج الوقت مع العلم بان إتيان التيمم في الوقت أحرز به بعض المصلحة ففي هذه الصورة يكون الشك في انه هل يجب إحراز المصلحة بواسطة إتيان الوضوء وقضاء الصلاة ثانيا من جهة الشك في القدرة على الإحراز وعدمه أم لا فيه خلاف وإطلاق عبارة المحقق الخراسانيّ في هذه الصورة أيضا مثل بقية الصور هو البراءة للشك في التكليف الزائد.

ولكن لتوضيح المقام يجب بيان ان القضاء هل هو بالأمر الجديد أو بالأمر الأول ويكون ما يستفاد من الرواية اقض ما فات كما فات بعد ما ورد فليقضها كما فات كاشفا عن تعدد المطلوب فعلى هذا يكون الطلب على نحو تعدد المطلوب أي للمولى مطلوب أعلى وهو كون الصلاة في الوقت مع الوضوء ومع عدم الإمكان ففي خارجه معه وليس علة الأمر ثانيا فوت مصلحة الوقت بخلاف ما إذا كان بالأمر الجديد فان القائل به يقول ان الفوت صار سببا لحدوث تكليف جديد.

فعلى الأول نقول ان المقام لا يكون من مصاديق وجوب القضاء لأنه من الشبهة المصداقية للكبرى المصطادة وهي اقض ما فات كما فات لأن الصلاة إذا كانت مأتية بها مع التيمم في الوقت نكون بعد ذلك في شك من جهة انه هل فات عني شيء قابل للدرك أم لا بخلاف الصورة التي نعلم بان العمل يكون باطلا أو لم يؤت به من أصل فان صدق الفوت لا شبهة

٢١٦

فيه فالامر بالقضاء لا يشمل المقام ، وما عن شيخنا العراقي (قده) من ان الجمع بين الوضوء والتيمم بعد الوقت ينتج بأنه لو كان في الواقع فوت لشيء من المصلحة يكون استيفائه بالقضاء وان لم يكن شيء في الواقع فلا يضر الجمع ، وفيه انه بعد الشك في وجوب الضميمة وعدمه لا وجه لهذا الكلام والاحتياط استحبابا لا كلام فيه فالأصل يقتضى البراءة عن الضميمة ان قلت ان الجامع بين الوضوء والتيمم وهو الطهور يكون متيقنا ولا ندري ان هذا الفرد هل يحرز مصلحة الجامع وحده أو يحتاج إلى الضميمة وحيث يكون من الشك في القدرة على إتيان ما فات من المصلحة فالأصل هنا الاشتغال كما في ساير موارد الشك في القدرة.

أقول قد مر ان الشك في القدرة هنا غير ساير الموارد لأنه ان كان للعبد سبيل لفهم القدرة بالفحص يجب الاحتياط وأما ما لا سبيل له إليه ولو تفحص فلا احتياط فيه وو المقام كذلك لأن القدرة على إتيان المصلحة يكون الشك فيها من جهة عدم العلم بأمر المولى بالضميمة وعدمه.

واما على فرض كون القضاء بالأمر الجديد وان الفوت علة لحدوث التكليف فأيضا قال شيخنا العراقي (قده) بان الفوت صادق في المقام ويشمله دليل اقض ما فات كما فات إلّا ان يقال ان الفوت التام يكون الدليل شاملا له واما الناقص يكون الدليل منصرفا عنه على ان الشك يكون في القدرة والاحتياط فيه لازم لتمامية البيان بالنسبة إلى أصل الحكم ويكون الشك في مرحلة الامتثال والجواب عنه كالجواب عن قوله السابق لأن المقام يكون من الشبهة المصداقية في الفوت فلا يشمله الدليل والشك ولو كان في ـ القدرة لكن لا يعلم حصول القدرة الا من قبل الشرع ببيان التكليف وحيث يكون الشك فيه فالأصل يقتضى البراءة عنه.

الصورة الرابعة هي ان يكون العلم بوفاء التيمم ببعض المصلحة والشك في وفائه ببعضها الآخر مع احتمال ذلك فهنا أيضا يفهم من إطلاق كلام المحقق الخراسانيّ (قده)

٢١٧

البراءة بل يقول في المقام وفي الصورة الثالثة انها تثبت بالأولوية وقد يفصل في المقام بين كون القضاء بالأمر الأول أو بالأمر الجديد فقيل على الأول بالاشتغال وعلى الثاني بالبراءة لأنه يدور الأمر بين كون التكليف هو الوضوء خارج الوقت أو هو مع التيمم في الوقت لدرك مصلحته فلو كان التيمم وافيا بجميع المصلحة لا يحتاج إلى الوضوء ولو لم يكن وافيا به يجب ضميمته أيضا فالذي يبرأ الذّمّة به يقينا هو الوضوء خارج الوقت مع التيمم فيه واما التيمم فقط فيمكن ان يكون أحد فردي التخيير ويمكن ان لا يكون مبرأ الذّمّة لعدم وفائه بالمصلحة فيحتاج إلى الضميمة فيتعين الوضوء في خارج الوقت أيضا ليحصل الفراغ اليقينيّ بعد الاشتغال اليقينيّ اما على فرض كون القضاء بالأمر ـ الجديد فحيث لا يصدق الفوت في المقام ويكون من موارد الشبهة المصداقية لقوله عليه‌السلام فليقضها كما فاتت فالأصل يقتضى البراءة عن التكليف لأن المتيقن هو وجوب التيمم في الوقت واما الوضوء خارجه فيكون الشك فيه من الشك في أصل التكليف لأنا لا نعلم أن الأمر به هل يكون أم لا بخلاف صورة كون القضاء بالأمر القديم فان تحققه مما لا كلام فيه والشك يكون في حصول البراءة.

في الاجزاء في الأمر الظاهري

المقام الخامس في ان الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري مثل مفاد الأصول والأمارات هل يجزى إذا انكشف خلافه أم لا ولا يخفى ان كشف الخلاف اما يكون في الأصول أو في الأمارات وهي اما ينكشف خلافها في الحكم أو في الموضوع فيجب البحث في أربع مواضع.

الموضع الأول في كشف خلاف الأمارة ولا يخفى انه في هذا المقام تارة يبحث على مسلك القائل بالطريقية فيها وتارة على مسلك السببية وعلى الطريقية أيضا ففيها أربع مسالك الأول تتميم الكشف على مسلك شيخنا النائيني (قده) وهو محرزية الواقع بها الثاني هذا المسلك لكن بمعنى ان كل أثر يكون على الواقع وعلى العلم به يترتب عليها مثلا

٢١٨

في الاستصحاب إذا قيل لا تنقض اليقين بالشك معناه ان كل أثر يكون في اليقين أو ـ المتيقن مترتب فكذلك في الأمارات ما أخبر به العادل يترتب عليه أثر العلم كما إذا كان العلم جزء الموضوع في لسان الدليل فان العلم الحاصل بالأمارة يتحقق به جزء ـ الموضوع ولا يكون الأثر مختصا بما قام عليه الأمارة مثل وجوب صلاة الجمعة أو غيره والحاصل يترتب على ما قام عليه الأمارة أثر العلم والمعلوم الثالث تنزيل مؤداها منزلة الواقع وعليه يترتب أثر المتيقن والمعلوم فقط.

الرابع مسلك المحقق الخراسانيّ (قده) وهو جعل الحجية لا بمعنى تتميم الكشف ولا غيره بل يكون مفادها ما به يحتج عند المولى سواء وصل إلى الواقع أم لا وعلى السببية أيضا يكون فيها مسالك ثلاثة أقوائية مصلحة السلوك من مصلحة الواقع وكون المصلحة في التسلك فقط كما عن الشيخ (قده) وكون جعلها لمصلحة التسهيل على التحقيق فعلى فرض كون الأمارة طريقا إلى الواقع لا يكون الإتيان بالعمل الّذي ثبت خلافه محرزا على جميع ـ المسالك لأن المدار على إتيان الواقع وجعل الأمارة بأي مسلك يكون لحفظ الواقع فإذا ظهر عدم حصوله لا بد من الإتيان بما هو الواقع بعد كشف الخلاف.

لا يقال ما الفرق بين المقام ومقام التيمم في صورة وجدان الماء فانه كيف يقال بان دليله حاكم على دليل الوضوء ويكون مجزيا عنه ولا يقال في المقام بان الحكم الظاهري ولو لم يكن موافقا للواقع يكون بدلا عن الواقع ومجزيا عنه.

لأنا نقول ـ بدلية التيمم عن الوضوء يكون لتوسعة في الدليل وكون التكليف بالوضوء مقيدا بالاختيار والتيمم شرع في ظرف الاضطرار ولا إشكال في تقييد التكليف بالاختيار والاضطرار.

والحاصل يكشف من الدليل أن وجوب الوضوء يكون في ظرف وجدان الماء واما في ظرف الفقدان فليس بواجب أصلا حتى يقال بان الماء إذا وجد يجب الوضوء لعدم كفاية التيمم ولكن المقام لا يكون توسعة في الدليل ولا يمكن ان تكون لأن اللازم منها

٢١٩

هو ان يصير التكليف مقيدا بالعلم به واللازم منه الدور المحال (١).

بيان ذلك هو انا لو قلنا بان إتيان العمل على خلاف الواقع يكون مجزيا وبدلا عنه هو ان من علم أن الواقع كذا فهو مكلف ومن لم يعلم بأن الواقع كذا أي كان جاهلا به يكون تكليفه العمل بمفاد الأمارة فيتوقف التكليف بالواقع على العلم به والعلم به متوقف على التكليف وهذا هو الدور فلا يمكن ان يقال ان مفاد الأمارة بدل عن الواقع بخلاف التيمم فانه بدل شرعي في لسان الدليل عن الوضوء.

لا يقال فلأي شيء جعلت الأمارة ولأي مصلحة يجب العمل بها مع لغوية العمل في صورة عدم الموافقة للواقع مع ان إطلاق دليل تصديق العادل لم يكن مقيدا بشيء أي

__________________

(١) أقول هذا هو المعروف عن العلامة (قده) ولكن يمكن أن يقال لا إشكال في أن يكون تنجيز التكليف مقيدا بالعلم به لا أصل التكليف ليلزم الدور وهذا دارج في الموالي العرفية فإن بعض التكاليف يكون عندهم بحيث أنه لو علم به المكلف يكون منجزا عليه ولو لم يعلم لا يكون كذلك لضعف المصلحة وبهذا الوجه نجيب عن الإشكال في باب الجهر والإخفات والقصر والإتمام في الصلاة فإن التنجيز فيهما مقيد بالعلم بهما.

والحاصل الوجدان وما وقع في الشرع موافق لما نقول وسيأتي في مباحث أصالة البراءة الإشكال في الروايات في صحة صلاة تارك الجهر في موضع الإخفات وبالعكس والقصر في موضع التمام وبالعكس وبهذا الوجه نجيب عنه واما في المقام فالإمكان لا يدل على الوقوع فإذا لم يكن لنا دليل على التقييد بصورة العلم وثبت بالإجماع اشتراك العالم والجاهل لا يجزى ما هو خلاف الواقع.

مضافا بالفرق بين التيمم والوضوء من جهة أخرى فان التيمم في صورة عدم وجدان الماء واقعا يكون هو التكليف لا غير ولم ينكشف الخلاف أصلا حتى يقال بتوسعة الدليل نعم لو فرض ـ التيمم في صورة توهم فقدان الماء ثم ظهر وجوده في الواقع لو كان لنا دليل على كفاية هذا التيمم يكون من باب التوسعة في الامتثال ويكون مثل المقام ولكنه محل البحث في الفقه ولا يكون كفاية التيمم كذلك مسلمة.

٢٢٠