مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

والأكثر وتجري البراءة بالنسبة إلى الكلفة الزائدة وهي التعيين بيانه ان نقول وجوب الصلاة عند عدم إتيان الغير على المخاطب بالتكليف قطعي يقيني واما وجوبها في ظرف إتيان الغير مشكوك فيه فيكون الشك في أصل جعل التكليف في ظرف إتيان الغير فتجري البراءة وهذا من مهام مواضع الأصول الّذي يمتحن به المجتهدون اجتهادهم لأنه لا يكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ولا يكون كالارتباطيين المعموليين لأنهما في اجزاء العمل الواحد ولكن ينتج نتيجته والضابط ان كل مورد كان الشك في أصل جعل التكليف يكون مورد البراءة وكلما كان الشك في في سقوطه كان مجرى الاحتياط وهنا من قبيل الأول لا الثاني هذا كله في صورة إتيان النائب بالعمل عن قبل المنوب عنه.

واما في صورة إتيان الغير تبرعا وبدون النيابة فقال شيخنا النائيني (قده) بان الشك حيث يكون في بقاء التكليف يجب استصحابه ولو فرض كون الشك في أصله يمكن جريان البراءة.

وفيه انه (قده) التفت إلى انه لو كان الشك في حدوث التكليف تجري البراءة وجرى الحق على لسانه ولكن نسأل منه أي فرق بين كون العمل بالنيابة وبين كونه بالتبرع في حدوث التكليف وعدمه وفي جريان الاشتغال أو الاستصحاب فلعل هذا من اشتباه المقرر لأنه (قده) كان جبل العلم والتحقيق والحق هنا أيضا هو كونه من دوران الأمر بين الأقل والأكثر وبيان البراءة فيه ما سبق.

فتحصل انه في صورة عدم إمكان الأخذ بإطلاق الخطاب أو إطلاق المادة لعدم كفاية عمل الغير لمن توجه إليه التكليف يكون مقتضى الأصل البراءة وهذا أحد معاني توصلية العمل بمعنى انه يسقط بفعل ذا أو ذاك لا بمعنى التوصلي الّذي لا يحتاج إلى قصد الأمر والدعوة فيكون معناه ان المراد حصول العمل في الخارج من أي شخص كان ولو كان تعبديا مثل الصلاة بالاصطلاح السابق هذا كله في المقام الأول من المقامات.

١٨١

المقام الثاني في ان مقتضى إطلاق التكليف هل يكون صدوره عن اختيار بحيث لو كان عن اضطرار أو غفلة لا يسقط أم لا والكلام هنا تارة في الوضعيات وتارة في التكليفات ونحن نتكلم أولا في التكليفيات فنقول ان الخطاب مقيد بصورة كون المكلف ملتفتا مختارا عقلا ضرورة ان الغافل والمضطر لا يتوجه إليهما التكليف لأن الأول غير ملتفت والثاني لا محالة يترك لو كان مضطرا بالترك ويفعل لو كان مضطرا بالفعل ولذا يتمسك بإطلاق المادة بان يقال الغرض المتعلق بإتيان العمل الكذائي مطلق من جهة حال الاختيار والاضطرار والغفلة والتوجه فالعمل في ظرف الاختيار والغفلة له مصلحة فيكفى إتيانه حينئذ.

وقد أجابوا عنه بان كشف المصلحة يكون من جهة الاستفادة عن الهيئة وما ثبت بها ليس إلّا المصلحة في ظرف الاختيار واما ظرف الاضطرار فلا مصلحة منكشفة بها والصحيح ان يقال بان المصلحة وان كانت تابعة (١) للبعث في الوجود ولكن لا تكون تابعة له بقاء كما مر منا مرارا لأن الخطاب له دلالة مطابقية وهو ان هذا العمل تحت الأمر ودلالات التزامية وهو ان ما هو تحت الخطاب يتعلق به الإرادة والحب ويكون له المصلحة فإذا سقط دلالته المطابقية لا تسقط دلالته الالتزامية بوجود المصلحة.

__________________

(١) قد مر منا مرارا أيضا ان الخطاب منحل بحسب الافراد والفرد الّذي لم يتعلق به الخطاب لا يكون لنا طريق كشف للمصلحة بالنسبة إليه فان مصلحة طبيعي العمل لا تفيد فان الخطاب كما ينحل كذلك المصلحة بالنسبة إلى كل فرد تكون بنحو من الأنحاء كما ترى ان صلاة العاجز عن القيام أو عن غير ذلك غير صلاة من يكون له القدرة على امتثال جميع الاجزاء والشرائط فالمصلحة لمكلف يقتضى الخطاب بنحو ولمكلف آخر بنحو آخر.

١٨٢

في حكم الأصل عند الشك

في اعتبار صدور المأمور به عن اختيار

فنقول على فرض عدم التمسك بالإطلاق فالأصل يقتضى البراءة على مسلك التحقيق لأن الأمر يدور بين ما هو في المناط مثل الأقل والأكثر ببيان ان نقول وجوب إتيان العمل الفلاني في ظرف عدم الإتيان في حال الاضطرار أو الغفلة يقيني وفي ظرف الإتيان في ذلك الحال مشكوك فيكون الشك في الجعل والأصل يقتضى البراءة عنه خلافا لمن قال بالاشتغال في المقام وفي المقام الأول.

واما شيخنا النائيني (قده) فانه قائل بأنه ليس لنا كاشف للمصلحة بعد سقوط الخطاب وهذا يكون على حسب مبناه في العام بعد التخصيص بمخصص منفصل فانه قائل بان العام بعد التخصيص يعنون بعنوان الخاصّ مثلا إذا قيل أكرم العلماء ثم قيل لا تكرم الفساق منهم يرجع العام إلى ان يقال أكرم العالم العادل وحيث يكون له إطلاق أحوالي مضافا إلى إطلاقه الأفرادي فينتج انه في كل مورد تكون العدالة موجودة فالحكم بالإكرام موجود فإذا لم يكن هذا العنوان لا يكون الحكم ولا تكون المصلحة ففي المقام يحكم العقل بان الخطاب يكون لغير المضطر ضرورة انه لا يمكن ان يتوجه الخطاب إليه فلا ينعقد له الظهور في المصلحة مطلقا أي حتى صورة الاضطرار بل يفيد تمامية ـ المصلحة في صورة الاختيار فقط.

والجواب عن أصل المبنى (١) هو ان العام لا يعنون بعنوان الخاصّ بل هو يوجب

__________________

(١) أقول الحق مع شيخه الأستاذ (قده) لأن الخطابات انحلالية وفي حال كون زيد مضطرا مثلا لا ينبسط إليه أصلا فلا خطاب فلا ظهور لا في الحجية ولا في المصلحة ولا في الإرادة نعم في صورة الشك في التخصيص حيث يكون ظاهر الخطاب هو الشمول يؤخذ به وهذا هو الفرق بين المخصص المنفصل والمتصل فان الثاني يمنع عن انعقاد ظهور العام في العموم دون الأول ولكن الّذي يجيء في النّظر هو عدم الفرق من هذه الجهة في إمكان التمسك بالعامّ عند الشك فان العام المخصص بالمتصل أيضا له ظهور في شموله لبقية الافراد غير ما خصص فحيث شك في زيادة التخصيص يؤخذ به.

١٨٣

مقراض بعض الافراد وهم غير العدول عن تحت الحكم وبقية الافراد في كونها تحت ـ الحكم لا تحتاج إلى إثبات عنوان العدالة بل شمول الحكم لها طبيعي ففي المقام حكم ـ العقل الّذي يكون كالقرينة المنفصلة بالنسبة إلى الخطاب لا يوجب ان لا ينعقد الظهور له من أول الأمر في المصلحة بل ينعقد له ذلك وبعده يكون إتيان الفعل مع المصلحة نعم لو كان حكم العقل هنا بعدم التكليف للمضطر كالمخصص المتصل ومما يقضى به الفطرة عند الخطاب يمكن ان يقال حيث كان المضطر خارجا من الأول لا يكون لفعله مصلحة حتى يقال إتيانه بداعي المصلحة كاف ولو لم يكن خطاب في البين.

واما التمسك بالاستصحاب فقد مر أنه لا يمكن استصحاب التكليف بعد وقوع الفعل اضطرارا لأن الشك يرجع إلى الأقل والأكثر ونتيجته على التحقيق هو الشك في أصل حدوث التكليف.

اما البحث في الوضعيات أيضا يكون كالتكليفيات فان الضمان يكون للشيء إذا كان تلفه بيد شخص ولو كان في حال الغفلة والاضطرار كمن كان نائما فضرب رجله بشيء فانكسر أو ألقى من شاهق في حال النوم فوقع على حي فمات فانه يأتي الدية في عهدته أو العوض أو القيمة فيما له عوض مثلي أو قيمي.

ان قلت ليس للنائم عهدة وكذلك المضطر حتى يتعهد ويضمن ما أتلفه قلت للعهدة عرض عريض يمكن ان تكون معتبرة ومشغولة في هذه الأحوال أيضا ولا نحتاج في إثبات العهدة إلى التكليف الفعلي وإمكان كون المخاطب مأمورا فان الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل ابتداء خلافا لمن قال بأنه يجب ان تكون منتزعة عن التكليف.

١٨٤

اما المقام الثالث في ان المأمور به

هل يسقط بالفرد المحرم أم لا

قيل بان مقتضى الدليل كما عن شيخنا النائيني (قده) وهو الإطلاق عدم السقوط لأن الخطاب مطلق من جهة انه سواء أتى المكلف بالفرد المحرم أو لم يأت يجب عليه الإتيان وكذلك مقتضى الأصل الاشتغال بالتكليف ما لم يحصل العلم بالفراغ بعد كون المناط في الأقل والأكثر الاحتياط.

وتوضيح المقام ان النسبة بين الفرد المحرم والمحلل اما ان تكون من العام والخاصّ المطلق مثل من يدفن الميت مع الكفن الغصبي بعد امره به ونهيه عن دفنه مع ـ المغصوب فان الأمر بالدفن عام شامل لصورة كونه مع الكفن المغصوب وعدمه والنهي يكون في صورة كون الدفن معه فحيث يكون النهي موجبا لعدم صدق الامتثال فلا ملاك للعمل المنهي عنه فهو باطل.

واما ان تكون العموم والخصوص من وجه فعلى فرض القول بعدم اجتماع الأمر والنهي فيصير المقام مقام التعارض بين الدليلين ويجب ان يلاحظ ما معه المرجح السندي فيرجح على غيره (١).

واما على الاجتماع فحيث يلزم ان يكون العمل محبوبا وحسنا فعليا وفاعليا فحيث يكون المقام مبغوضا من حيث الفاعل فان دفن الميت امر محبوب والغصب امر يوجب مبغوضية الفاعل أو غسل الميت محبوب وهو بالماء المغصوب مبغوض فلا يحصل الامتثال.

وعلى فرض القول بصحة العمل فيرجع التكليف إلى اشتراط عدم إتيان الفرد ـ

__________________

(١) في شمول أدلة العلاج لمورد الاجتماع من العامين من وجه نظر لأنه يلزم منه التبعيض في السند بالاخذ به في مورد الافتراق والترك في مورد الاجتماع بل ما هو الحق ان العام لا يكون له دلالة في مورد التعارض بالعامين من وجه فيرجع إلى الأصل أو دليل آخر في مورده ـ

١٨٥

المحرم أي يجب الدفن مثلا لو لم يحصل بالفرد المحرم ولو حصل فلا يجب وهو أي الاشتراط يجري الأصل بالنسبة إليه فيقال بان العمل غير مشروط بذلك فيجب الإتيان به ثانيا بعد إتيان الفرد المحرم هذا تمام كلام شيخنا الأستاذ النائيني (قده).

وفيه أولا ان هذا الكلام يتم على مسلكه من تقييد المادة بالخطاب واما على التحقيق فسقوط الخطاب عن الحجية وعدم الأمر بعمل لا يوجب سقوطه عن الدلالة الالتزامية في المصلحة فهي منكشفة بأصل الخطاب حدوثا لا بقاء كما مر منا مرارا.

وثانيا لا يشترط في العمل ان يكون له الحسن الفاعلي مضافا إلى حسنه الفعلي في التوصليات.

وثالثا ان باب اجتماع الأمر والنهي يكون من التزاحم في الملاكين لا التعارض في الدليلين واما حديث الاشتراط وجريان الاستصحاب أي استصحاب التكليف السابق بعد الإتيان بالفرد المحرم فممنوع من جهة ان الأصل هنا البراءة لأن الشك يرجع إلى الأقل والأكثر لأنا لا ندري هل يكون التكليف ساقطا بهذا الفرد أم لا بعد العلم قطعا بأنه لو لم يكن هذا كان الواجب إتيانه فوجوب إتيانه عند عدم الفرد المضطر إليه مسلم ومعه مشكوك تجري البراءة بالنسبة إليه فتحصل (١) انه يمكن ان يكشف المصلحة ولو لم يكن خطاب في البين ولو سلم فالأصل يقتضى البراءة.

المبحث السادس مما في الكفاية

في انه هل يكون مقتضى الإطلاق هو كون الوجوب نفسيا تعيينيا أو عينيا أم لا وقد قرر في ذلك وجوه من التقريب ، الوجه الأول يظهر من جملة من الاعلام ومنهم المحقق الخراسانيّ (قده) الأول دون الثاني لأن ما يقابله وهو كون الوجوب غيريا أو تخييريا أو كفائيا يرجع إلى قيد

__________________

(١) ونقول لا يمكن كشف المصلحة بدون الخطاب لما مر ولكن الأصل أي البراءة له وجه في سقوط التكليف.

١٨٦

زائد وبيانه انه إذا قيل أكرم العالم مثلا ان كان من قبيل الأول فهو وإلّا فيحتاج إلى بيان انه غيري أو يسقط ولو بإتيان شخص آخر أو بإتيان مصداق آخر وحيث كان المولى في مقام البيان ولم يبين فالأصل عدم وجود هذا القيد فانه من القبيح ان يكون مراده ذلك مع عدم إتيانه بقرينة دالة عليه.

والجواب (١) عن هذا التقريب أولا ان الألفاظ موضوعة مهملة وقابلة للإطلاق والتقييد ومقدمات الحكمة لا تثبت الإطلاق بل تنفي القيد وإثباته يحتاج إلى دليل على حدة وثانيا ليس الوجوب النفسيّ والغيري من صنف واحد حتى يقال ان الوجوب النفسيّ مطلق بالنسبة إليه بل الوجوب الغيري هو الوجوب الناشئ عن وجوب آخر غير مربوط بما دل عليه الخطاب فعلا.

الوجه الثاني ان مقوم النفسيّة هو القيد العدمي إذ مرجعها إلى توجه خطاب إلى شيء مع عدم إناطته إلى وجوب شيء آخر بخلاف الغيرية إذ مرجعها إلى خطاب ناش من خطاب آخر وبعبارة أخرى مقوم النفسيّة نفس البعث إلى شيء ومقوم الغيرية خطاب مقومه ، ناش من غيره ومقدمات الحكمة في وسعها طرد القيد ونفيه لا إثبات قيد آخر فالحكيم إذا لم ينصب القرينة على قيد وجودي يكشف عن عدم دخله فيتحقق ما به قوام النفسيّة وفيه ان الوجوب النفسيّ والغيري وان قيل ان لهما جهة اشتراك وهي البعث نحو امر وجهة افتراق وهي عدم ذكر كونه ناشئا عن الغير في النفسيّ وكونه من الغير في الغيري كما قيل في الأمر الاستحبابي ولكن ليس كذلك بل الفرق بينهما ماهوى ولا يمكن إثبات قيد للطبيعة بواسطة نفى أحدهما (٢)

__________________

(١) انا لا نحتاج في صورة دوران الأمر بين المطلق والمقيد الا إلى رفض القيد فانه إذا لم يكن المقيد يكون المطلق لدوران الأمر بينهما وليس بينهما ما ليس بمطلق ولا بمقيد والمهملة الثبوتية محال.

(٢) أقول لا شبهة في ان البعث في النفسيّ والغيري موجود ويكون بمنزلة الجنس لهما ـ

١٨٧

الوجه الثالث هو ان كلا منهما يكون إثباته بواسطة القيد أعني البعث يدل على نفس الطبيعة وكونه نفسيا أو غيريا قيد وجودي يكون به نوعية كل منهما إلّا ان في نظر العرف أحد القيدين قليل المئونة بحيث لا يرى العرف عناية زائدة فيه وهي كون الوجوب نفسيا والفرد الآخر وهو كونه غيريا يحتاج إلى مئونة وهو كونه ناشئا عن الغير فيحمل الخطاب ابتداء على الطبيعة لعدم المئونة للنفسية كما قد يقال في الحمل على صرف الوجود عند الدوران بينه وبين الطبيعة السارية فان الأمر مثل النهي ولكن هو يدل على صرف الوجود والنهي يدل على السريان لأن صرف العدم يكون بفقدان جميع الافراد بخلاف صرف الوجود فانه يتحقق بفرد واحد فدلالته على السريان يحتاج إلى مئونة بخلاف دلالة النهي عليه.

ومن البحث في النفسيّ والغيري يظهر الكلام في كون مقتضى الإطلاق التعيين أو التخيير أو مقتضاه العينية أو الكفائية فان الأدلة في ذلك أيضا جارية وفيه ان هذا دعوى لا شاهد له (١).

__________________

ـ وفصله هو ان أحدهما ناش عن الغير في الغيري والآخر مستقل بنفسه في النفسيّ فيصير ان نوعين بذلك وهذا لا ينافى ان يقال ان القيد الوجوديّ في الغيري غير ثابت فيبقى النفسيّ فان الفرض في مقام الدوران بينهما فقط لا غير بحيث لو لم يكن هذا كان ذاك ولا يكون لهما ثالث.

(١) أقول هذا الوجه نظير السابق فان القيد العدمي لا مئونة له والوجوديّ له مئونة كما مر وهنا عبر عن ذلك ببيان آخر والجواب عن هذا بأنه دعوى بلا شاهد يكون على فرض عدم جريان الأصل العقلائي ولكن على فرض جريان هذا الأصل كما يمكن ادعائه فلا إشكال والعرف والعقلاء ببابكم شاهد.

١٨٨

المبحث السابع في الكفاية في الأمر عقيب الحظر

اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعا أو إطلاقا فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال منها ظهورها في الإباحة ومنها ظهورها في الوجوب ومنها ظهورها في ما دلت عليه قبل النهي ان كان النهي معلقا على علة مثل قوله تعالى وإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين فان علة النهي هو الأشهر الحرم وبعد انسلاخه فالقتل واجب كما كان قبل ذلك.

ولا يخفى ان دعوى الظهور فيما ذكر اما يكون لدعوى ان للصيغة وصفين في حالين أحدهما في غير مقام الحظر وهو الوجوب والثاني في مقامه وهو غيره واما لدعوى ان وقوعها عقيب الحظر يكون قرينة عامة على واحد من الوجوه واما لدعوى ان مقدمات الحكمة تقتضي الحمل على أحدها وعلى الدعوى الأخيرة فقد استدل للإباحة بأنها هي القدر المتيقن وحيث لم يبين أزيد من ذلك فبمقدمات الحكمة تجري البراءة عن الوجوب وغيره لأنه كلفة زائدة.

وفيه انه قد تقرر في محله ان لنا إباحة اقتضائية وإباحة لا اقتضائية والأول ضد لسائر الأحكام فكيف يمكن ان يقال يكون هو المتيقن من الخطاب والكلام في هذا القسم من الإباحة الّذي يراد استفادته من الخطاب واما دعوى الظهور في الوجوب والتفصيل بين كون النهي معلقا على علة وعدمه حيث لا دليل على إثباته فلا يثبت فلا محالة يرجع الخطاب إلى الإجمال ويحتاج لبيانه إلى دليل.

المبحث الثامن مما في الكفاية

في المرة والتكرار في الأمر

قد اختلف في ان الأمر هل يدل على المرة أي إتيان المأمور به مرة واحدة أو مرات متعددة مثل الصلاة التي تتكرر أو لا يقتضى شيئا منهما وينبغي التنبيه على أمور يتضح

١٨٩

في ضمنه ما هو المرام.

الأمر الأول ان الوضع في المشتقات تارة يكون قانونيا على ما هو المشهور وتارة يكون بنحو الجمود على ما هو المختار فعلى الأول ان المادة حيث لا تكرار فيها لا توجب الهيئة ذلك فان أصل الضرب إذا لم يدل على التكرار فهو في ضمن الأمر أيضا لا يدل عليه فان الضرب معنى من المعاني وهو بالفارسية بمعنى زدن ولا دليل لنا على إثبات غير هذا المفهوم فلا يقتضى المرة ولا التكرار لا ثبوتا ولا إثباتا ولا يخفى ان الكلام هنا في وضع الواضع الأمر الثاني في انه فرق بين المقام وبين ما سيأتي من ان الأمر إذا كان على طبيعة من الطبائع يكفى صرف الوجود مثل الأمر بالصلاة لو لا الدليل من الخارج لأن الكلام في ذاك المقام يكون بعد عدم دلالة الدليل على ان الوضع من الواضع على أي نحو من الأنحاء ونكون في صدد بيان أصل عقلائي لذلك ولكن في مقامنا هذا يكون الكلام في كيفية وضع الواضع.

الأمر الثالث ان المهملة التي تكون هي صرف الوجود يكفى السريان في ذاتها بان يمكن ان يوجد افراد منها على سبيل التكرار وعلى سبيل البدلية ولكن هنا فرق بين المشهور وبين سلطان العلماء في بيان اللابشرط فقال (قده) بان اللابشرط مهمل لا يدل على صرف الوجود ولا غيره ويجب إثبات كونه على المرة بمقدمات الحكمة واما على مسلك المشهور فيدل على السريان ولكن بعد لا ينتفي الإشكال لأن السريان تارة يكون (١) تبادليا مثل الأمر بالصلاة التي يمكن إتيان فرد واحد منها على أنحاء مثل كون مكانه المسجد أو المدرسة أو المنارة وتارة يكون السريان في الافراد فنحتاج أيضا إلى مقدمات الحكمة لإثبات السريان فيها أو في الأبدال فالسلطان قده والمشهور مشتركان في الاحتياج إلى المقدمات

__________________

(١) من قال بالسريان لا غرو في ان يقول به بدليا وفرديا كما ان الإطلاق الأفرادي والأحوالي بالنسبة إلى شيء واحد متصور مثل أقم الصلاة فيمكن ان يقال انها في أي مكان وأي زمان كانت يكون جميع افرادها مطلوبا.

١٩٠

الأمر الرابع قيل بالفرق بين الأمر والنهي على مسلك المشهور بان يقال ان النهي عن شيء يدل على التكرار والأمر به لا يدل الأعلى الوحدة وتمسكوا لذلك بوجهين الوجه الأول ان النهي ناش عن مفسدة في العمل لا يمكن الفرار منها الا بواسطة ترك جميع افراد المنهي عنه والأمر ناش عن مصلحة تتحقق بفرد واحد ولا دليل على لزوم الزيادة على الواحد والجواب عنه.

انا نكون تابعا للشرع في عدم إيجاد المفسدة فربما يكفى ترك فرد واحد وتكون المفسدة فيه لا في غيره فمن أين ثبت ان جميع التروك يكون ملزما به مثل الأمر بالشيء فانه يمكن ان يكون جميع الافراد تحت المصلحة أو بعضها وربما يكون جميع الافراد مرادا مثل أحل الله البيع فانه لا خصيصة لبيع دون بيع وأوفوا بالعقود لعدم خصيصة لعقد دون عقد ويكون الجميع تحت الحكم ولو كان المراد بالوفاء هو في آن واحد فقط تصير المعاملة بلا أثر عند العقلاء والوجه الثاني هو ان صرف الوجود في الأمر يتحقق بفرد واحد ولكنه في النهي لا يتحقق إلّا بترك جميع الافراد والجواب عنه انه لا وقع للترك بل يلاحظ الوجود فكما انه يتحقق صرف الوجود بفرد منه كذلك صرف وجود النهي يتحقق بواسطة ترك فرد واحد.

فالتحقيق ان يقال ان الأمر والنهي كلاهما يدلان على صرف الوجود لو لا القرينة من الخارج على خلافه لأنه أقل مئونة من غيره فمن مثل قول القائل لا تأكل الثوم ليلة الخميس لرائحته يفهم ان الّذي يكون منهيا عنه هو إيجاد الرائحة الكريهة فيجب ترك جميع الافراد لئلا تحصل تلك الرائحة وهكذا من مثل أحل الله البيع في الأمر الوجوديّ يفهم صحة جميع البيوع لعدم خصيصة في أحدها دون الآخر ثم انه ربما يقال بان البحث في ذلك يتوقف على البحث عن ان الأمر والنهي هل يتوجه إلى الطبيعة حتى يكونان للسريان والشمول أو إلى الفرد حتى لا يكونان كذلك فعلى اختيار الأول لا وجه لهذا النزاع لأنهما لو تعلقا بالطبيعة يكون الدلالة على السريان مما لا كلام فيه وعلى الثاني أيضا لا كلام في شمول الفرد فقط.

١٩١

والجواب عنه ان البحث هناك عن ان الخصوصيات الفردية غير داخلة في المطلوب اما ان المطلوب هو جميع حصص الطبيعي أو بعضها لا يكون محل البحث بخلافه هنا فانه يكون الكلام في هذه الجهة أي ان المطلوب الجميع أو بعضه فتعلق الأمر أو النهي بالطبيعي أو بالفرد لا دخل له في المقام.

الأمر الخامس في الفرق بين الدفعة والدفعات والمرة والمرات وهو واضح لأن العمل الواحد ربما لا يكون متّصلا مثل إتيان الصلاة الواحدة بدون مراعاة الموالاة وربما يكون الأعمال المتعددة بدفعة واحدة مثل إتيان ثلاث صلوات دفعة واحدة وكيف كان لو قيل بدلالة الأمر على الوحدة فالنزاع يأتي في انه هل يفهم منه الدفعة بأنه يجب إتيان العمل متصلا أم لا فعلى اختيار المرة يختار الدفعة أيضا وعلى القول بعدم اقتضائه المرة والمرات لا يدل على الدفعة ولا على الدفعات بل يجب إحراز ذلك من الخارج الأمر السادس ربما يقال بان البحث هنا يتوقف على البحث في الاجزاء فان من صلى صلاة فرادى ثم أراد أن يأتي بتلك الصلاة جماعة فعلى فرض الاجزاء لا يلزم التكرار ثانيا وعلى فرض عدمه يجب فبحث المرة والتكرار يكون هو البحث عن إتيان المأمور به على وجهه وانه هل يجزى أم لا وفيه انه على فرض لزوم التكرار والدلالة عليه يكون إتيان الصلاة جماعة بعد إتيانها فرادى امتثالا ابتدائيا واما على فرض دلالة الأمر على المرة يكون من امتثال الممتثل (١).

وثانيا ان اللابشرط لا يكون فيه المنع عن الانضمام بل كلما انضم إليه لا ينافيه فصلاة من أفردها يكون لها مرتبة من الثواب فإذا أتى بها جماعة يكون ثوابه

__________________

(١) أقول لا يخفى ان البحث في الصلاة جماعة يكون من فروع هذا البحث والحاصل نقول إتيان المأمور به على وجهه لو يقتضى الاجزاء يقتضى اجزاء ما أتى به لا ما لم يأت به المكلف فعلى القول بالتكرار يجزى ثم يجب ثانيا فيجب الامتثال كذلك بخلاف صورة دلالة الأمر على المرة فان إتيان الدفعة الثانية يحتاج إلى دليل واما إتيان الصلاة جماعة فيكون أيضا امتثالا جديدا للأمر الاستحبابي ولا يكون امتثالا لما امتثل.

١٩٢

أضعافا كثيرة والكل يحصل منه فرد تام من الصلاة فتحصل ان التحقيق عدم دلالة الأمر على شيء من المرة والتكرار بل صرف الوجود هو أقل مراتبه.

ثم انه على فرض الشك في دلالة الأمر على المرة أو التكرار بعد عدم وجدان دليل على تعيين أحد الأطراف يرجع الأمر إلى الأقل والأكثر وحيث ان التحقيق في ذاك الباب هو البراءة سواء كان ارتباطيا أو استقلاليا فالمرة الواحدة تكون هي المتيقنة وغيرها يكون تحت الشك فيجري الأصل بالنسبة إليه واما من كان نظره الاشتغال في الارتباطي ففي المقام وفي كل مورد يكون من الأقل والأكثر الارتباطي يجب ان يقول به وفي كل مورد يكون الأقل والأكثر استقلاليا فمن المسلم البراءة عند الجميع.

في دلالة الأمر على الفور أو التراخي الأمر التاسع

مما في الكفاية في البحث في دلالة الأمر على الفور أو التراخي قد اختلف في ذلك من جهة انه هل تدل الصيغة على الفور بنفسها أو بدليل خارج مثل قوله تعالى فاستبقوا الخيرات أو قوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم أو لا بل بقرينة عقلية وهي ان ما يكون مجردا من قيد الفور أو التراخي يكون العقل حاكما بان مقتضى العبودية هو إتيانه فورا فقال المحقق الخراسانيّ (قده) بان إطلاق الخطاب يستفاد منه ان المراد هو نفس العمل سواء أتى به فورا أو متراخيا على فرض كون الوضع في المشتقات على نحو الجمود وعلى فرض كونه قانونيا أيضا فالمادة والهيئة تدلان على حدوث ربط ما واما كيفية الربط بنحو الفور أو التراخي فلا دال عليها وقال بعض الظرفاء بان الأمر هو الباعث نحو العمل وهو منزل عند الشرع بمنزلة العلة التكوينية للانبعاث فلا يكون مقتضى العلة الانفكاك عن المعلول فإذا وجد البعث بإظهار المولى يجب ان يكون التحريك معه لئلا يتأخر المعلول عن العلة بتأخر زماني فيجب الإتيان بالمأمور به فورا.

١٩٣

وأجاب عنه شيخنا العراقي (قده) بان التنزيل غير مسلم وعلى فرض تسليمه لا نسلم في جميع الآثار حتى الفورية بل يكون التنزيل في بعض الآثار ولكنه (قده) لم يتأمل في كلامه حق التأمل فان المراد من ذلك هو ان للمولى ان يذم العبد على تركه للمأمور به في أول آنات إمكانه بعد عدم إقامة دليل على انه لا إشكال في التراخي فان هذا من وظائف العبودية سيما في بعض الموارد مثل الحج الّذي يكون في كل سنة دفعة في موسم مخصوص ولو لا هذا الدليل ما كان لنا دليل آخر على وجوب الحج فورا (١).

واما الدليل الخارج فهو الآيتان في السبق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة.

وقد أشكل على آية السبق كما عن العراقي (قده) بان مقتضى هذه الآية هو انه يلزم من السبق إلى خير فقدان خير آخر فان الخيرات بعضها أشد في الخيريّة وبعضها أضعف مثل زيارة جناب المسلم بالنسبة إلى زيارة الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام فان السبق إلى الخير الّذي هو زيارة المسلم يلزم منه تقديم المرجوح على الراجح وهو زيارة الأمير عليه‌السلام وهو بمكان من المنع وما يلزم من وجوده عدمه لا يكون دليلا على وجوب السبق لأن السبق بهذا البيان يلزم من وجوده عدمه.

والجواب عنه هو ان الأديم الّذي ينبسط يكون الطير المشوي فيه مع البقل أيضا فالأوّل وان كان بمكان من الأهمية بالنسبة إلى الثاني ولكن في الثاني خاصية لا توجد في الأول فيمكن ان يكون في بساط الربوبية خصوصية لزيارة المسلم عليه‌السلام لا توجد في غيره مع علوه من جهة أخرى واما في المقام فالمراد بالخير ما يكون بطبعه خير أو كل خير بواسطة عمود الزمان ينحل إلى خيرات والسبق يكون بالنسبة إليه أي الزمان فالخير في

__________________

(١) أقول نقل عن التذكرة ان الفورية قول العلماء أجمع فغير هذا الدليل يكون الإجماع أيضا مع الاستشهاد ببعض الاخبار للفورية كما حرر في الفقه فلا ينحصر الدليل به الأعلى فرض عدم تمامية الإجماع لاحتمال كونه سنديا وعلى فرض عدم تمامية الدلالة في الاخبار أيضا.

١٩٤

الساعة الأولى مقدم على الخير في الساعة الثانية فإذا استبق إليه أحد في الساعة الأولى ولم يبق موضوع للآخر لا إشكال فيه فالمراد بالسبق السبق الزماني إلى خير واحد يمكن تحصيله لا السبق إلى كل الخيرات في آن واحد وقال المحقق الخراسانيّ (قده) حيث ان العقل مستقل بوجوب الفور ويكون حكمه في مرحلة الامتثال وبعبارة أخرى حكمه معلول لحكم الشرع بأصل العمل فقوله تعالى فاستبقوا الخيرات وسارعوا إلى مغفرة من ربكم يكون إرشادا إليه لا يقال حكم العقل يكون من باب الاستحسان فمن أين نثبت ان العقاب يكون في ترك مقتضاه لأنا نقول ان حكمه بعد ملاحظة مقتضى العبودية جزمي إلزاميّ ولا يكون من باب الاستحسان في شيء فيكون المكلف عند العقل مذموما بترك المأمور به فورا وبحكم الشرع أيضا يكون معاقبا.

وقد أشكل العراقي (قده) أولا بان العقل غير مستقل في لزوم العقاب مطلقا بعدم المسارعة بل في بعض الافراد خصوصية توجب المسارعة كالصلاة في أول الوقت التي هي أفضل الافراد بالدليل الدال على الأفضلية وهذا خارج عن محل الكلام وفي بعض الافراد لا تحصل المسارعة لاقترانه بما هو مانع عنها وهو أيضا خارج عن محل الكلام وثانيا بان حكم العقل على فرض التسليم استحساني فان العقلاء وان كان المسارعة عندهم حسنة ولكن عدمها لا يعد عندهم قبيحا مضافا إلى الإشكال السابق عنه قده في آية السبق وقد مر آنفا.

والجواب عن كلا الإشكالين هو ان هنا احتمالين أحدهما ان تكون الفورية قيدا للموضوع بنحو وحدة المطلوب كوجوب رد السلام فانه لو لم يكن جوابه فورا يسقط الوجوب وان عصى بتركه في الآن الأول وثانيهما ان تكون واجبة في واجب بنحو تعدد المطلوب بحيث ان المطلوب الحج والفورية مثلا فإذا عصى في الآن الأول يجب في الآن الثاني إذا كان بنحو تعدد المطلوب وبخلافه لو كان بنحو وحدة المطلوب فانه يسقط الواجب عن وجوبه ويفوت بواسطة عدم مراعاة القيد.

إذا عرفت ذلك فنقول على التقديرين اما ان يكون العقل مستقلا في الحكم

١٩٥

بالعقاب فالآية إرشاد إلى حكمه أو لا يكون مستقلا فالآية تكون بيانا لحكم مولوي يجب الإتيان به أو كان مستقلا في الاستحسان لا في العقاب فائضا للشرع ان يظهر المولوية بالآية بلزوم مراعاة الفورية فالإشكال بكلا شقيه مندفع لأنه على فرض استقلاله بالعقاب فلا كلام في وجوب الفورية مع إرشادية الآية وعلى فرض استقلاله في الاستحسان فالوجوب يستفاد من ظاهر الخطاب في المولوية فتحصل تمامية الآية للاستدلال على الفورية ثم انه لو ترك الفورية في أول آنات إمكان الامتثال فهل يكون الفورية واجبة في الآن الثاني والثالث وهكذا أو يجوز التأخير بعد عصيان الآن الأول فيه خلاف حسب اختلاف المباني فمن يقول بأنه لا دليل لنا عليها أصلا فهنا يقول بعدم الوجوب بالأولوية واما من يقول بوجوب الإتيان فورا بمقتضى العبودية أو مقتضى الآية فلا شبهة في لزوم مراعاة الفور فالفور إلّا ان يدعى عدم صدق السبق والمسارعة بالنسبة إلى الآن الثاني وهو كما ترى.

الأمر العاشر في الكفاية في الاجزاء

وقبل البحث في أصل المطلب ينبغي التنبيه على أمور : الأول ان عنوان البحث هنا بطريقين الأول ما عن القدماء من ان الأمر هل يقتضى الاجزاء أم لا وهو موهون كما سيأتي والثاني عن المتأخرين ومنهم المحقق الخراسانيّ (قده) وهو ان إتيان المأمور به على وجهه هل يقتضى الاجزاء أم لا فجعل البحث في إتيان المأمور به وهو المتعين.

الأمر الثاني في ان المراد بقوله (قده) على وجهه هو كل ما هو دخيل في المأمور به شرعا أو عقلا لا خصوص الشرعي فقط فمثل قصد القربة مما هو دخيل في عبادية العبادة على فرض عدم إمكان أخذه شرعا في المأمور به يكون من الوجوه العقلية للمأمور به واما على التحقيق من صحة أخذ القيد في المأمور به أو يكون ذلك هو الحصة المقرونة بقصد الأمر فيكون قصد القربة أيضا من القيود الشرعية ويكون قوله على وجهه قيدا توضيحيا لأن المأمور به يشتمل على ذلك أيضا فهو المأمور به مع قصد الأمر لا ان علينا المأمور به ووجوب قصد

١٩٦

القربة خارجا عنه.

الأمر الثالث في ان إتيان المأمور به هل هو كاشف عن الاجزاء أو علة والحق هو الثاني لأن الأمر وان كان كاشفا عن مصلحة في متعلقه ولكن لا يكون البحث في الاجزاء عن تلك المصلحة ولا في ان الأمر كاشف عنها أم لا وهكذا لو قيل بان الأمر يوجب إرادة الإتيان بالمأمور به ليكون البحث فيه من حيث انه من مبادئ الإرادة لأن البحث ليس فيه أيضا بل البحث في ان المأمور به إذا وجد في الخارج بجميع مراحل وجوده من الإرادة والشوق المؤكد وحركة العضلات هل يجزى أم لا والعمدة هي وجوده الخارجي وان كانت الإرادة أيضا من مباديه فالحق مع المتأخرين الذين جعلوا البحث في هذا المقام ويقولون ان الإتيان علة للاجزاء.

ان قلت ان الإتيان معلول للأمر فكيف يكون في رتبة علته.

قلت هذا الإشكال في جميع الموارد في أمثال هذا المقام وجوابه ان يقال الإتيان علة غائية للأمر فإذا وجد ينتهى أمده لأن كل شيء إذا وصل إلى غايته يقف عليه وهذا هو واضح.

انما الإشكال في أصل عنوان هذا البحث وكونه من المباحث الأصولية أم لا لأن إتيان المأمور به على طبق الأمر الواقعي يكون اجزائه بمقتضى حكم العقل فان الصلاة إذا وقعت بجميع اجزائها وشرائطها كيف يمكن ان يقال لا تكفي بعد مطابقة المأتي به مع المأمور به فالبحث عن هذا بهذا النحو لغو واما إذا كان عنوان البحث كذلك معناه ان إتيان المأمور به بالأمر الاضطراري أو البدلي هل يجزى عن الواقع أم لا بمعنى ان المكلف إذا أتى بالتيمم بدل الوضوء حين عدم وجدان الماء هل يجزيه الصلاة معه عن الصلاة مع الوضوء أم لا فهذا وان كان البحث فيه معقولا ولكن المناط فيه هو ان ينظر في الدليل الدال عليه وانه هل يكون له إطلاق حتى يتمسك به في صورة الشك أم لا وهذا يختلف حسب اختلاف الموارد في الفقه ومن الواضح انه لا يكون من المسألة الأصولية في شيء لأن الأصولية ما يكون

١٩٧

بيانا لقانون كلي يقع نتيجته في جميع موارد الفقه وهذا ليس كذلك.

واما ان كان المراد ان الأحكام الظاهرية هل يجزى العمل به عن الواقعية أم لا مثل مفاد الأصول كالبراءة والاشتغال والاستصحاب الّذي يكون هو الحكم الظاهري فهذا يكون من مسائل علم الأصول لأن البحث فيه ينتج في جميع موارد الفقه ويقع نتيجته كبرى للصغريات فيه إذا كان الحكم ظاهريا ولا يختص بمورد دون مورد ولكن البحث في هذه الصورة في ان العمل على طبق الأمر الظاهري هل يجزى أم لا بالنسبة إليه فهو أيضا عقلي فتحصل ان البحث الأصولي من الثلاثة هو ان يبحث عن ان الإتيان بالمأمور به على طبق الحكم الظاهري هل يجزى عن الواقعي أم لا والبحث عن ساير الأنحاء عقلي أو فقهي.

الأمر الثالث في ان الاجزاء هنا بمعنى الكفاية والوفاء بغرض الآمر ومن هنا لم يفصل المحقق الخراسانيّ (قده) بين الثلاثة التي ذكرناها من الواقعي والاضطراري والظاهري لأن معنى الجميع هو انه هل يكون وافيا بالمصلحة أم لا وهذا الكلام يكون منه متينا إلّا ان الصورتين الأوليين خارجتان عن محل البحث وهو البحث في الإتيان على طبق الواقع أو الإتيان بالبدل عند الاضطرار عن المبدل لأن المطابقة الواقعية اجزائها عقلي والبحث عن كفاية البدل عن المبدل فقهي.

إذا عرفت ذلك فالبحث في أصل المطلب في مقامات.

المقام الأول في ان الإتيان بالمأمور به سواء كان بالأمر الظاهري أو الواقعي أو الاضطراري يجزى عن التعبد به ثانيا لأن المأمور به إذا حصل بنحو امر به لا شبهة في انه يوافق الأمر ولا مجال للتعبد به ثانيا ولكن (١) للعبد تبديل الامتثال ثانيا

__________________

(١) أقول البحث في هذا المقام مما لا جدوى له في الموارد الّذي يريدون ان يترتبوا عليه الثمرة كمورد إعادة الصلاة جماعة بعد كونها فرادى ولا غيره لأنا ان أحرزنا في مقام الإثبات ان للمولى غرضا وانه أمرنا مثلا بأنه لو لم يشرب الماء بعد إتيانه أو لا يجب الإتيان به ثانيا يكون عدم شربه دليلا على حدوث امره ثانيا ويجب امتثاله كذلك وهذا ليس امتثال الأمر الأول بل امتثال ـ

١٩٨

لإمكان عدم كون الإتيان علة تامة لحصول غرض المولى فانه يمكن ان يكون غرضه رفع العطش وامر بإتيان الماء ومعه لم يشربه حتى يرفع عطشه فانه يمكن ان يقال يجب ان يأتي به ثانيا بملاك الأمر بل يأتي بالأحسن كما ان يجعل مع الماء الأنجبين أيضا كما

__________________

ـ بنفسه كما ان الأول قد امتثل بحيث لو أتى به أو لا وعصى ثانيا لم يكن معاقبا على الجميع بل على خصوص ما عصى بالنسبة إليه فتصوير الامتثال بعد الامتثال بحيث يكون تكرارا للأول لا معنى له بعد كون الأمر الثاني أيضا ثابتا سواء فرض الأمران مقدميين أو نفسيين لأنه على فرض كون الغرض والمصلحة بالنسبة إلى الفعل ذا المقدمة يكون تمام الأوامر مقدميا لأن العمل يترتب عليه الأثر والمصلحة لا محالة.

واما إذا لم يكن لنا دليل على إتيان العمل ثانيا من جهة عدم علمنا بالغرض فلا وجه للقول بإمكان الامتثال وعدمه ولم يكن لنا في الشرع ما يكون من قبيل عدم اختيار المولى الفرد الأول فيحتاج إلى الإتيان ثانيا فان مولانا مولى الموالي ويقبل العمل قليلا أو كثيرا ويحصل بقدره رقاء النّفس بنفس العبودية وبعبارة أخرى ان أتى المكلف بالعمل على طبق القانون الّذي جعله المولى بدون زيادة ونقص لا يكون له ان يعترض عليه ولا يجب له تكرار ذاك العمل إلّا بأمر جديد ، واما المثال في صلاة الجماعة بعد كونها فرادى فهو ليس من الامتثال عقيب الامتثال ولا يكون العمل مثل العمل الأول فان الماء مع الأنجبين غير الماء المطلق فإذا أتى بالأول ثم امر بإتيانه ثانيا لا يكون هذا مثل الأول أيضا بعد وجود الأمر به.

واما ما قاله الأستاذ (مد ظله) من ان الأمر الأول يكون مقرونا بنحو الحينية إلى القبول أيضا لا نفهمه للإشكال في ان الحينية هكذا ترجع إلى المقيدة ومن جهة صدق الامتثال بإتيان العمل أولا ولا يكون الامتثال الأول صادقا في حين شرب المولى بل هو امتثال وما بعده أيضا امتثال والامتثال هو الإطاعة وهو صادق بنظر العرف.

اما الروايات الواردة في صلاة الجماعة فيستفاد منها ان الصلاتين تكونان مما امر به غاية الأمر إحداهما امرها استحبابي والأخرى وجوبي وأفضلية الجماعة تستفاد من الروايات التي في الباب فلا وجه للإشكال في الأفضلية كما في المتن وما عن المحقق الخراسانيّ (قده) من عدم ـ

١٩٩

انه لو جاء بالماء ولكنه أهريق قبل شربه فانه يجب عليه ان يأتي به ثانيا إلّا ان يكون غرضه نفس إتيان الماء لا بداعي رفع العطش فانه قد حصل بصرفه أو نحرز أن الإتيان صار علة تامة لرفع الغرض مثل ان يأتي بالماء وأهرقه في حلقه فانه يحصل الغرض لا محالة ويصير الإتيان علة تامة لحصوله بخلاف الصورة التي لم يكن لنا علم بان الغرض تعلق بالإتيان أم لا أو حصل وصار العمل موصلا إليه أم لا فانه يمكن ان يأتي به ثانيا لعله يختاره لكونه أحب عنده هكذا قيل ويكون غرض المحقق الخراسانيّ (قده) من هذا الوجه هو رفع الإشكال عن الصلاة المأتية بها فرادى حيث يكون الإتيان بها جماعة ثانيا من المستحبات فانه على هذا التقريب لا إشكال في الامتثال بعد الامتثال فان المولى يختار أحبهما لعدم كون الإتيان علة تامة.

أقول هذا الكلام يكون بالنسبة إلى الموالي والعبيد العرفيين فانه يصل من العبد إلى المولى منفعة أو ضرر ويكون له غرض يرجع نفعه إليه اما بالنسبة إلى الله تعالى مولى الموالي فلا يصح الورود في المطلب من باب حصول غرضه وعدمه ولا يخفى ان البحث تارة يكون على فرض كون الأمر نفسيا بالنسبة إلى كلا الامتثالين أي يكون

__________________

ـ كون امتثالها فرادى علة تامة لا وجه له فان إتيانها كذلك علة تامة لحصول الغرض بهذه الدرجة فإذا أتى بها جماعة يكون الإتيان علة تامة لحصول غرض الجماعة.

فهنا امران ومصلحتان لكن حيث لم يكن الواجب الا واحدة منهما فهذه الروايات تبين ان الله تعالى ان اختار يختار الأحب وهو الجماعة ويجعل في وعاء صلاته الواجبة واما العبد فهو كما ورد في رواية البختري أيهما شاء يجعلها الفريضة والمراد ان هذا الشخص قد أدرك مصلحة الجماعة أيا ما كان سواء جعل الجماعة وصف الصلاة المستحبة أو الواجبة ومن هذه الرواية يستفاد ان في هذه الصورة جعل الله تعالى للعبد صلاتين مستحبة وفريضة أي إذا تعقب الفرادى جماعة ومن هنا ظهر ان القول بان ذلك يوجب إقدار الله تعالى على أحبهما والتوسعة له مما لا وجه له لأن له تعالى ان يقبل كلتيهما فلا منافاة في الروايات.

٢٠٠