مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

مأمورا به الا بهذا الأمر والجواب عنه ان القضية اما مطلقة أو مقيدة أو حينية فعلى فرض قبول الحينية يكون الجواب عن الإشكال واضحا لأن الأمر على الدعوة ينطبق على الصلاة في حال كونها مقرونة ومخصصة بالأمر فعلى هذا يكون الأمر الثاني على الدعوة معرف ضيقية الأمر الأول والأمر الأول محقق موضوع الأمر الثاني فعليه لا إشكال واما على مبنى المنكر للحينية فهو وارد لا محيص عنه.

ثم ان المحشين للكفاية توهموا من كلام المحقق الخراسانيّ (قده) الدور وهو ان الموضوع يجب ان يكون قبل الحكم وهو من عوارضه فما لم يتحقق الموضوع لم يكن الحكم عارضا فإذا كان جزء الموضوع متوقفا على الحكم يكون من توقف الشيء على نفسه أي توقف الحكم على الحكم ضرورة انه ما لم يجئ لم يصر مأمورا به والفرض انه يجب ان يكون قبله مأمورا به.

فأجاب عن هذا التقريب بعض الأعيان من محشي الكفاية بان الحكم يستحيل ان يكون من أعراض الموضوع لأن اللازم من ذلك هو رفعه برفع موضوعه مثلا إذا أتى المكلف بالصلاة يرفع الحكم بها وهذا واضح البطلان لأنه بعد باق يعنى وجوب الصلاة بعد إتيان فرد منها يكون باقيا.

والجواب عنه هو ان الموضوع هنا قد اشتبه بالمتعلق وهذا عجيب منه والجواب قد يكبوا لأن الصلاة موضوع نحوي للحكم لا انه موضوع واقعي بل موضوعه هو نفس المكلف فانه إذا كان باقيا يكون عليه الحكم وهنا موضوع الحكم هو الدعوة لا الأمر فانه متعلق له(١).

__________________

(١) أقول في الواقع أيضا يكون الواجب هو الصلاة ويكون المصلحة فيها ويتعلق بالمكلف فيقال الصلاة واجبة على المكلف ولا يصح حمل الوجوب على المكلف ومع الغمض فجواب هذا العين (قده) هو ان المأمور به إذا لم يكن دليل على التكرار يسقط بإتيانه مرة واحدة وعدم سقوط الصلاة عن المكلف يكون من دليل آخر دال على وجوب الصلاة كل يوم وعلى كل أحد واما بقاء المكلف فلا ربط له بدلالة الأمر على التكرار وعدمه فانه ربما يكون المكلف ـ

١٦١

ثم ان هنا بيانا عن شيخنا الأستاذ النائيني (قده) وحاصله هو ان أخذ قصد الدعوة في متعلق الأمر محال من حيث إنشاء الحكم ومن حيث الفعلية وفي مقام الامتثال اما من حيث الإنشاء فلان تصور اجزاء المأمور به قبل الحكم عليه يجب ان يكون بعد كون ما تصور مرآتا عن الخارج فانه يرى الصلاة المركبة من التكبير والركوع والسجود والتسليم ثم ينشأ الحكم عليها بلحاظ وجودها الخارجي وفي ما نحن فيه يكون قصد الأمر والدعوة من اجزائها ويجب ان يكون قبل الحكم حتى يكون موضوعا له وهو يجب ان يكون وجوده من طريق إنشاء الحكم فما لم ينشأ لا يكون قصد الأمر ممكنا وبعبارة أخرى يكون القصد من متعلقات المتعلق الّذي يكون هو الاجزاء الصلاتية فكما انه يجب ان يكون الاجزاء غير هذا القصد موجودا بلحاظ الخارج كذلك متعلقه وهو الأمر به فقصد امر الاجزاء يتوقف على الأمر الّذي هو ليس إلّا الّذي يكون على الاجزاء وهذا من توقف الشيء على نفسه.

واما من حيث فعلية الحكم فهو ان الأحكام لا تكون فعلية قبل وجود الموضوع في الخارج فإذا قيل يجب الصلاة على كل مكلف أو يجب عند الدلوك لا يكون الوجوب فعليا قبل الوجود الخارجي للمكلفين وقبل دلوك الشمس فتحقق الموضوع في الخارج يكون من شرائط فعلية الحكم ففي المقام حيث لا يكون أحد اجزاء المأمور به في الخارج وهو قصد امره لعدم تحققه قبل الأمر لا يصير الحكم فعليا بالنسبة إلى هذا الجزء ضرورة توقفه على الأمر وهو على تحققه.

واما من حيث الامتثال فهو وان توهم عدم لزوم محال بالنسبة إليه ولكنه أيضا غير ممكن لأن قصد الامتثال متأخر عن إتيان تمام اجزاء المأمور به وقيوده طبعا فان قصد الامتثال انما يكون به وحيث انا فرضنا من الاجزاء نفس قصد الامتثال الّذي هو عبارة عن دعوة شخص ذاك الأمر فلا بد ان يكون المكلف في مقام امتثاله قاصدا للامتثال

__________________

ـ ولا يكون عليه الحكم السابق لعدم دلالة الدليل على التكرار واما أصل الدور فقد مر أن توقف الشيء على نفسه هو ملاك استحالة الدور فلا يكون فهمهم أيضا بلا وجه.

١٦٢

فيلزم تقدم الشيء على نفسه.

وأجاب عنه شيخنا العراقي (قده) بان إنشاء الحكم لا يكون الأعلى موضوع تصوري فكما ان الآمر يتصور ساير الاجزاء يتصور قصد الأمر ويأمر بالجميع فيكون قصد الأمر متقدما في الوجود الذهني ومتأخرا في الوجود الخارجي وفي مرحلة الإنشاء يحتاج الأمر إلى التحقق الخارجي بل يكفى تقدير الوجود واما فعلية الحكم أيضا لا يتوقف على تحقق الموضوع فانه إذا قيل إذا رزقت ولدا فاختنه يكون الحكم على تقدير رزق الولد فعليا وكذلك الصلاة قبل الدلوك ولذا يلزم حفظ ماء الوضوء ليتوضأ.

واما الامتثال ففي مقام الأمر وان كان غير ممكن واما بعده فلا محذور فيه فانه إذا امر به يكون الاجزاء ذا امر فيأتي به بقصده فان الامتثال لا يكون إلّا مطابقة العمل للمأمور به والجواب عن هذا الجواب هو ان الأحكام وان كانت على نحو القضايا الحقيقة ولا يكون فيها اعتبار وجود الموضوع ولكن هذا ليس معناه ما ذكره (قده) بل يكون معناه انه على فرض تحقق الموضوع يكون الحكم فعليا فان المهملة الثبوتية محال فانه يجب تقدير وجود الموضوع ليحكم عليه والغرض ان الموضوع لا يقدر موجودا قبل الحكم في ـ المقام وكذلك الفعلية فان فرض وجود الموضوع لفعلية الحكم يوجب فرض فعليته لا فعليته على ان الإشكال في المقام مبنائي فان شيخنا الأستاذ النائيني (قده) على مبناه من ان وجود الموضوع شرط لفعلية الحكم وإنشائه يكون كلاما صحيحا واما في مقام الامتثال فانه يقول بان صدور الحكم كذلك امتثاله (١) محال من باب عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به الأعلى وجه دائر فلا يتم هذا الجواب بهذا النحو.

لا يقال انا لا نكون في صدد بيان المطلب بنحو القضايا الحقيقية لأنها لا تفيدنا لو لم نستفد من إطلاق الخطاب شيئا وبيانه ان الموضوعات للتكاليف تارة تكون تحت القدرة

__________________

(١) لو صح الإنشاء والفعلية لا إشكال في قدرة المكلف على الامتثال كما إذا كان بأمرين فانه كيف يمتثل فان المقام بعد الأمر إذا صار العمل ذا امر يؤتى بداعي امره والإشكال كله في الإنشاء والفعلية.

١٦٣

مثل أوفوا بالعقود فان إيجاد العقد يكون تحت قدرة المكلف ومثله الاستطاعة للحج وتارة لا تكون كذلك بل خارجة عن تحت الاختيار مثل شرطية الدلوك للصلاة فان الدلوك لا يكون تحت قدرة المكلفين فما يكون إيجاده تحت قدرتهم يكون انصراف الخطاب إلى صورة وجوده أي لو وجد عقد مثلا يجب الوفاء به ولو وجدت الاستطاعة يجب عليك الحج لا انه يجب تحصيل الاستطاعة ليجب الحج أو يجب إيجاد عقد ليجب الوفاء واما ما لا يكون تحت القدرة فلا يعقل الأمر بإيجاده ومقامنا هذا يكون من قبيل الثاني فان ـ الدعوة تكون مثل الدلوك فان حصلت يجب قصدها ففي مقام الإنشاء يكون الأمر على ساير الاجزاء غير الدعوة وبعده يصير الاجزاء ذا امر فيأتي به المكلف بداعي امره فالوجود في حين الجعل لا دخل له في ذلك ومن هنا يتضح انه في مقام الامتثال أيضا لا محذور لقدرة المكلف على إتيان العمل بداعي امره بعد الأمر عليه.

لأنا نقول الأمر وان كان في ساير المقامات كما يقوله شيخنا العراقي (قده) ولكن المقام فرقه معه هو ان علة وجود الموضوع في ساير المقامات ، تكون غير الحكم تكوينا مثل الدلوك والاستطاعة واما في المقام فيكون المراد إثبات الموضوع بنفس الحكم وهو مستلزم للدور.

فالجواب الصحيح في المقام هو القول بانحلال (١) الأمر إلى الاجزاء ومنه قصد

__________________

(١) انحلال الأمر لا يفيد وكذا ما سيأتي من قول العراقي (قده) من إبراز واحد لإرادتين طوليتين لأنا نحتاج إلى ما يكون دالا على المطلوب والمبرز الواحد يكون كاشفا عن المبرز الواحد ولكن الكلام حيث كان في مقام الثبوت يكون الأمر فيه سهلا فانه يتصور الاجزاء ويتصور الأمر الّذي يجيء عليه ثم يبرز الإرادتين بدالين ووجوده التصوري لا يتوقف على وجوده الخارجي ليدور كما مر هذا التعبير عن العراقي (قده) فما عنه (قده) من ان الإبراز واحد غير وجيه لأن المفروض كونه بدالين فيكون متعددا وما يقول من عدم التوقف فهو مقبول وهذا القدر من الفرض للموضوع يكفى للحكم فلا يرد ما مر منه مد ظله في جوابه.

١٦٤

الأمر ثم بعد الانحلال يصير الاجزاء ذا امر لحصة من الأمر المنحل وحصته الأخرى تتعلق بقصد الدعوة التي تتعلق بسائر الاجزاء وحيث لا يكون امرها بواسطة الحصة التي على قصد الدعوة فلا يلزم الدور أو القول بتصحيح المقام بأمرين بان يقال يأمر المولى أولا بالصلاة ثم يأمر بأمر آخر بوجوب إتيان الصلاة بداعي امرها فلا دور.

ثم على فرض الشك في كون المأمور به تعبديا أو توصليا فالعقل في مقام الامتثال يحكم بالاشتغال ولا يخفى ان حكمه هذا يكون لحصول الطاعة واما بالنظر إلى العقاب فلا شأن له لأنه لا يمكن ان يحكم جزما بان ترك هذا الجزء يوجب العقاب نعم يحكم (١) بالثواب لأنه من آثار الإطاعة كما عن شيخنا النائيني وأمثاله.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) أشكل على تصحيح ذلك بالأمرين في الكفاية بان إتيان العمل بدون قصد الدعوة لا يخلو اما ان يسقط امره أو لا فعلى فرض سقوط امره يكون الأمر بقصد الدعوة لغوا لعدم الموضوع له واما على فرض عدم سقوط امره فحيث ان العقل مستقل بوجوب إتيان العمل بداعي الأمر لتحصل الطاعة والفراغ عن التكليف فلا يبقى أيضا لأمر الشرع فائدة فعلى كلا التقديرين يكون الأمر الثاني لغوا.

والجواب عنه هو ان المختار من الشقين هو عدم سقوط امر الاجزاء بإتيانها بدون قصد الأمر ولكن نقول لا سبيل للعقل لإثبات الحكم على عنوان الدعوة لأنه ليس بمشرع ولا يكون مقصوده (قده) أيضا هذا النحو من الإثبات بل مقصوده هو الحكم الاحتياطي والحكم احتياطا على شيء يكون من جهة عدم البيان وعدم الدليل فإذا دل الدليل من الشرع عليه يكون بيانا على العنوان هذا على فرض قبول ان الأصل في باب الأقل والأكثر هو

__________________

(١) لو صدقت الإطاعة في هذه الصورة ولكن لا تصدق عند العرف وترتب الثواب والعقاب يدور مدار الواقع أو الانقياد والثاني لا يصدق أيضا لعدم الانقياد بدون قصد الأمر ولو فرض المطابقة مع الواقع يكون المقام بدون قصده مع القول بالاشتغال في باب الأقل والأكثر داخلا في باب التجري ولو قلنا بجريان البراءة كما انه لا يبعد بل هو الحق وسيجيء فلا يكون داخلا في ذلك الباب.

١٦٥

الاحتياط واما على ما هو التحقيق من جريان البراءة فمع عدم البيان يكون مقتضى دليلها الحكومة على الاشتغال العقلي.

والحاصل ان الحكم بالاحتياط ممنوع أولا وعلى فرض التسليم لغوية حكم الشرع ممنوعة ثانيا.

لا يقال انا لو قلنا بالبراءة في ساير موارد الأقل والأكثر الارتباطي لا نقول بها في المقام لأن هذا الشرط أعني قصد الأمر من شئون الامتثال وهو امر عرفي فلا يكون للشرع فيه حكم لتجري البراءة منه لأنا نقول ان الامتثال في الموضوعات العرفية بيد العرف واما في الموضوعات التي يكون تعيينها بنظر الشرع فلا سبيل له إليه فان الشارع كما بين الركوع والسجود وغيره موضوعا للأمر يجب ان يبين هذا الجزء أيضا ولو سلم الفرق أيضا (١) لا يكون حكم الشرع على طبق حكم العرف لغوا لأنه يوجب رفع الشك وبيان على ما هو الواقع كما مر نعم على فرض قبول الانحلال يكون الأمر الثاني مؤكدا للأمر الأول.

نعم انه قد أشكل شيخنا العراقي (قده) على وحدة الأمر لإثبات قصده بعد قبول ان الانحلال يرفع الدور بان اللازم منه التهافت (٢) في اللحاظ فان الآمر لا يمكنه ان يلاحظ ما هو المتأخر متقدما فان الأمر متأخر ورتبة الموضوع متقدمة.

لا يقال ان المتقدم هو الطبيعي الّذي يلاحظ موضوعا والمتأخر هو الفرد الخارجي

__________________

(١) لو سلم ان الشك يكون في مرحلة الامتثال ويكون هو بيد العرف لا بد من القول بالاشتغال لأنه حاكم بأنه ما بقي من وظائف المولوية شيء فيجب الاحتياط للفراغ اليقينيّ ولا يكون حكمه موافقا لحكم الشرع بالبراءة ولكن الّذي يسهل الخطب هو ان الشك يكون في أصل الاشتغال وقبح العقاب بلا بيان عقلا مع الدليل النقليّ على رفع ما لا يعلم يوجب البراءة.

(٢) للذهن عرض عريض فيرى شيئا بلحاظ كونه متعلقا تارة وبلحاظ كونه حكما أخرى فما لاحظه المتقدم غير ما لاحظه المتأخر واللازم عليه أيضا هو ان يقول بهذا لما عليه من تصوير الإرادتين مع إبراز واحد وهذا الكلام خلاف مبناه (قده).

١٦٦

من الأمر فما هو المتقدم غير ما هو المتأخر لأن الطبيعي غير الفرد لأنا نقول ان الطبيعي أيضا يلاحظ بلحاظ الفرد الخارجي ومرآتا عنه فالحصة التي يكون الطبيعي بلحاظها ملاحظا هي الحصة الخارجية والجواب عن أصل الإشكال هو ان اللاحظ له ان ينظر إلى الانحلال فيرفع التهافت في اللحاظ.

ثم انه (قده) حيث يكون الإشكال في نظره مسجلا تمسك لإثبات المطلوب بالأمر الواحد بتعدد الإرادة ووحدة الإبراز فان الآمر يرى ساير الاجزاء ويريدها ويريد معها قصدها ويبرزهما بخطاب واحد.

بيان ذلك ان متعلق الخطاب اما ان يكون طوليا أو عرضيا فالثاني مثل الصلاة بالنسبة إلى الأمر بها فان جميع افرادها في عرض واحد واما الأول مثل الصلاة مع الطهارة فان الطهارة شرط لها وفي طولها وتارة يكون الخطاب أيضا طوليا بعد طولية الإرادة بحيث يكون بعضه محققا لموضوع البعض الآخر ومقامنا هذا من قبيل الطولية في الخطاب مع طولية الإرادة ويكون له نظائر في الإسلام منها حجية الاخبار مع الواسطة فانه لا شبهة ولا ريب في ان تصديق العادل يحتاج إلى شيئين الخبر بالوجدان ووجود الأثر الشرعي له ليصح التعبد (على فرض وجود الحكم الواحد كذلك في الإسلام) ففي صورة نقل الخبر بلا واسطة مثل ان ينقل زرارة عن الإمام عليه‌السلام يكون خبريته بالوجدان واثره الشرعي هو قول الإمام عليه‌السلام لأن قوله عليه‌السلام هو الحكم من الوجوب والحرمة وغيرهما واما صورة كون النقل مع الواسطة مثل ان ينقل الكليني عن زرارة فان مفاد خبره هو قول زرارة لا قول الإمام عليه‌السلام وقوله من حيث هو لا يكون أثرا شرعيا فهو خبر تعبدا وله أثر وهو قوله عليه‌السلام فأحد افراد الحكم بتصديق العادل بواسطة الانحلال على جميع الافراد طوليا يثبت الموضوع للفرد الانحلالي الآخر فمقامنا (١) هذا أيضا كذلك فان إحدى

__________________

(١) الإشكال لو كان في طولية الانحلال يكون في المقام أيضا ولو كان تصديق الخبر مع الواسطة ثابتا من الشرع لا يكون طريقه الانحلال فقط بل انا استفدنا من الشرع ومن قول صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام : اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا انا ـ

١٦٧

حصة الأمر على ساير الاجزاء تثبت الموضوع للحصة الأخرى وهو الدعوة.

ثم ان المولى يلاحظ الموضوع أعم من الوجدان والتعبد ويجعل عليه الحكم مثلا ويرى انه يجب ان يترتب الأثر على خبر العادل ويرى لبعض افراد الحكم دخالة لبعض افراد الموضوع ويبرز الإرادتين بإبراز واحد على طبيعي الموضوع وفي المقام يرى انه يجب ان يكون مطلوبه في الخارج وان يكون بداعي امره أيضا فيأمر به فينبسط الأمر على الجميع دفعة واحدة.

هذا كله في صورة أخذ الدعوة في متعلق التكليف اما بأمر واحد أو بأمرين بإبراز واحد بعد تعدد الإرادة أو بإبرازين بعد تعددها.

اما لو أخذنا في متعلق التكليف سوى قصد الأمر مثل قصد المصلحة أو الإرادة كان يقال صل بداعي ان الصلاة ذات مصلحة أو مرادة للمولى فهل يمكن ذلك أو يكون فيه محذور قصد الأمر فيه خلاف فعن شيخنا النائيني (قده) عدم إمكانه وعن المحقق الخراسانيّ (قده) إمكانه وعدم وقوعه وعن شيخنا العراقي (قده) أيضا إمكانه اما الدليل على عدم الإمكان هو ان المصلحة الصلاتية لا تتم الا بإتيانها بهذا القصد وإتيانها بهذا

__________________

ـ متعبدون بأمر آخر على تصديق الوسائط بلحاظ الأثر الشرعي على ان معنى قبول خبر الواسطة تصديقه لا من حيث هو قوله بل لأنه يقول قال الإمام عليه‌السلام كذا ونستفيد من الشرع ان موضوع الحكم وهو الخبر يكون أعم من التعبدي والوجداني فيكون نظير تصحيح المقام بأمرين والحاصل مقول قول زرارة يكون بسيطا وهو قول الإمام عليه‌السلام ومقول قول الشيخ مثلا هو المركب من قول الصفار وقوله عليه‌السلام فمعنى تصديق الشيخ هو الاعتقاد بان الصفار يصدق فيما يقول من نقل الحكم والموضوع والحكم هو وجوب صلاة الجمعة مثلا والموضوع هو قول زرارة فالانحلال فقط لا يكفى لإثبات المطلوب والإبراز الواحد لا يمكن ان يكون كاشفا عن المبرزين بل يلزم تعدد الدال عليه وحيث يكون المولى في ضيق الخناق من إبرازه بأمر واحد يجب تعدد الأمر وحيث لم يكن متعددا لنا الأخذ بالإطلاق والقول بان المأمور به توصلي.

١٦٨

القصد يتوقف على وجود المصلحة قبل ذلك بمراتب فان المصلحة مقدمة على الإرادة وعلى الإنشاء والفعلية وعلى الامتثال وكذلك أخذ الإرادة في متعلق التكليف.

وأجاب شيخنا العراقي (قده) عن ذلك بان هذا يكون مثل التعظيم فان القيام إذا كان بقصده يكون تعظيما وبدونه لا يكون هذا العنوان منتزعا عنه فكونه تعظيما يتوقف على القصد وقصده يتوقف على كونه تعظيما ولكن هذا لا إشكال فيه في الاعتباريات فانه يعتبر القيام مع قصد التعظيم تعظيما بنفس هذا القصد لما فيه من اقتضاء ذلك فكذلك في المقام لما يكون في ساير الاجزاء غير قصد المصلحة اقتضائه يكفى قصدها وفيه ان المصلحة الفعلية يمكن قصدها لا ما يكون فيه قوة المصلحة فالدور في المقام يكون كما في قصد الأمر ولا يمكن رفعه الا بالانحلال أو بالأمرين كما مر فيه.

فصل : في إمكان أخذ الإطلاق من الخطاب لا لقاء قيد التعبدية

إذا عرفت ما ذكرناه من إمكان الإطلاق والتقييد فيما سبق نقول يمكن الأخذ بالإطلاق اللفظي للخطاب في مقامنا هذا سواء قلنا بإمكانه بأمر واحد أو امرين وبيانه ان يقال ان المولى كان في مقام بيان ما قصده ومن الممكن ان يقصد قصد الدعوة وان لا يقصد فان قصده كان عليه ان يبين القيد فحيث ما بين لا يكون القيد ملحوظا في خطابه فيكون مطلقا.

لا يقال ان الأمر على الاجزاء ومنه قصد الأمر يكون توصليا وبعد فرضه كذلك لا يمكن أخذ الإطلاق منه بل هو متعين للتوصلية وكذا إذا كان الخطاب بأمرين فان الأمر على ساير الاجزاء غير قصد الدعوة يكون توصليا والأمر على قصد الدعوة غير مربوط بسائر الاجزاء فكيف يقال في الأمر إطلاق وبعبارة أخرى لا يكون الإطلاق تحت اختيارنا لأنا نقول في صورة كون الأمر متعددا فحيث يمكن ان يكون الأمر على الاجزاء توأما مع امر آخر ولم يمكن فلا محالة يكون مطلقا وفي صورة وحدة الأمر حيث يمكن الانحلال وكون قصد الدعوة من الاجزاء ولم يبين يكون مطلقا عن هذا القيد.

١٦٩

لا يقال كما عن صاحب الحاشية على المعالم المسماة بهداية المسترشدين للمحقق المدقق الشيخ محمد تقي (قده) بان الدعوة من لوازم الأمر سواء كان توصليا أو تعبديا فان كل من يتحرك نحو عمل من جهة الشرع أو غيره يكون داعيه الأمر ولولاه لا يكاد يمكن التحريك فكيف يقال بإطلاق الأمر وتقييده بدال آخر.

وأجاب عنه شيخنا العراقي (قده) بان الأمر وان كان كذلك لكن الغرض والإرادة يكون تارة مضيقا وأخرى موسعا بواسطة ضيق المصلحة أو سعتها فربما يحصل الغرض بنفس إتيان العمل ولو بدون قصد الأمر وتارة لا يحصل.

وفيه ان المصلحة والإرادة أيضا تكون الدعوة الذاتيّة لهما فان التحرك يكون من قبل المصلحة ولا يكاد يمكن ان تكون بدون التحريك.

والجواب الصحيح هو ان الفرق بين التعبدي والتوصلي كما مر في بيان معناهما هو ان الغرض يحصل بنفس وقوع الشيء في الخارج سواء كان داعيه القرب أم لا واما التعبدي فيجب ان يكون بداعي القرب إلى الله تعالى ولا يكون للمصلحة في ذات العمل دخل في ذلك بل هذا القصد ينضم إليها على فرض التقييد وتكون مطلقة عن هذا القصد على فرض عدم قصد الدعوة.

لا يقال كما عن شيخنا الحائري (قده) تبعا عن أستاذه (السيد محمد الفشاركي قده) ان المشهور المعروف عند أهل المحاورة هو ان متعلق الخطاب يكون مطلوبا لا شيئا آخر مثل من يأمر عبده بإتيان شيء فانه يريد حضور هذا الشيء عنده بأي قصد كان واللازم منه هو عدم كون الأمر على المتعلق امرا تمهيديا بل امر نفسي ضرورة انه لو امر بشيء إذا كان لقصد الأمر دخل يصير هذا محققا لموضوع الأمر الّذي يأتي على الجميع وهذا خلاف ظاهر الخطاب فالتقييد غير ممكن.

لأنا نقول دائرة الغرض غير دائرة الأمر فان الأمر ولو كان ظاهرا فيما ذكره ولكن الغرض ربما يحصل به وربما لا يحصل لضيقه أو سعته فإذا كان كذلك يمكن ان يظهر مطلوبه بدال آخر ليكون دليلا على ضيق الغرض وهذا معنى التقييد هذا

١٧٠

أولا وثانيا إذا كان ميزان التعبدي هو قصد الأمر لا يكون الظهور العرفي فيما ذكر مضرا لأن الأمر ينقلب عن هذا الظهور بواسطة احتمال التعبدية فإذا كان الدليل مطلقا ولم يقم إجماع على التعبدية يكفى إتيان العمل بدون قصد القربة.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) حيث لم يكن الإطلاق اللفظي عنده بمرضي سواء كان بأمر واحد أو امرين تصدى لإثبات إطلاق ذاتي وهو ان الخطاب إذا كان في نفسه السريان ولم يكن لحاظه يكفى كما في الأوامر المتوجهة إلى الناس فان اشتراك العالم والجاهل في ذلك يكون من أجل ان ذاته السريان وحيث لا يمكن ان يكون العلم بالخطاب من شرائط التكليف لأن اللازم منه الدور فان العلم بالخطاب متوقف عليه ضرورة انه ما لم يكن الخطاب لم يكن العلم به حاصلا وهو متوقف على العلم به ففي المقام أيضا حيث لا يمكن أخذ قصد الدعوة في متعلق التكليف لأن اللازم منه الدور يكون للخطاب سعة بأنه سواء كان مع القصد أو بدونه يكفى والنسبة بين الإطلاق والتقييد هو التضاد لا العدم والملكة حتى يكون المطلق ما من شأنه ان يكون مقيدا بل ما يكون فيه السريان الذاتي ولو لم يكن قابلا للتقييد يكفى للإطلاق وبعض الأعيان أجاب عن ذلك (١) ولكنا نقول ان الدور يكون في جميع المراتب من المصلحة والإرادة والأمر كما مر من عدم إمكان أخذ ذلك في الخطاب إلّا بنحو الانحلال فالحق مع المحقق الخراسانيّ (قده).

ثم هنا قسم ثالث من الإطلاق وهو الإطلاق المقامي.

بيانه ان يقال ان المولى إذا كان في صدد بيان تمام ما هو الدخيل في غرضه ولم يأت بما دل عليه نستكشف الإطلاق وإلّا يكون خلافا لغرضه وهو خلاف الحكمة والفرق بين الإطلاق اللفظي والمقامي بعد كونهما دليلين اجتهاديين هو ان شرط الأول هو ان يكون المولى في مقام بيان تمام المراد سواء كان القيد مما يغفل عنه أم لا ولكن يكون في صدد البيان بنفس اللفظ واما في صورة كون القيد مما

__________________

(١) في نهاية الدراية ج ١ ص ٢٠٥

١٧١

يغفل عنه فالأصل يقتضى البراءة عن التكليف بالقيد ونفس الإطلاق يطرد احتماله لأنه أمارة على عدمه وحكم العقل بالاشتغال محكوم بالإطلاق لأنه يكون في صورة عدم البيان والإطلاق بيان على المطلوب واما إذا كان القيد غير مغفول فحيث يحتمل ان يتكل المولى على كونه غير مغفول عنه عند الناس لا يمكن الأخذ بالإطلاق والقول بالبراءة لوجود ما يحتمل القرينية.

واما الإطلاق المقامي فهو ان يكون المولى في مقام بيان غرضه ولو بالأخبار إذا لم يمكن باللفظ ففي هذه الصورة إذا كان القيد مغفولا يؤخذ بالإطلاق لأنه لو كان مراده المقيد يجب ان يبين ولو بالأخبار وحيث ما بين يكون الأصل البراءة عن التكليف به واما إذا كان القيد مما لا يغفل عنه فحيث انه يحتمل ان يتكل عليه لا يكون الحكم هو الاشتغال بل البراءة وحكم العقل في الأول أيضا بالاشتغال محكوم بالإطلاق لأنه يكون لعدم البيان والإطلاق بيان كما انه في صورة كون المولى بصدد البيان ولو بالأخبار ولم يبين يكون الاشتغال محكوما وإذا كان المولى في ضيق الخناق ولم يمكن له بيان مطلوبه ولو بالأخبار فلا يكون المجال لأخذ الإطلاق المقامي أيضا على المختار هذا هو البحث عن الكبرى ثم البحث صغرويا في ان قيد الدعوة هل يكون في الإسلام مغفولا عنه أو غيره لازم أيضا والتحقيق انه بعد بيان الأحكام في العبادات وان الرياء وغيره يوجب بطلانها صار هذا القيد من القيود الغير المغفولة عند عامة الناس ففي مقام أخذ الإطلاق يمكن ان يكون مما عول عليه المولى فيجب ان يكون على ذكر منك.

ثم الفرق بين القيد المغفول وغيره هو ان الذي لا يكون مغفولا يجب ان يحرز المكلف ان المولى كان بصدد بيان تمام المراد ولم يبين حتى يمكن أخذ الإطلاق وبعبارة أخرى يجب إحراز مقدمات الحكمة للمكلف واما إذا كان القيد مغفولا فيجب

١٧٢

للمولى ان ينبه العبد بكونه في مقام البيان (١).

ثم ان قصد الوجه والتميز من القيود المغفولة لعامة الناس فكلام المحقق الخراسانيّ (قده) بجريان الإطلاق المقامي في قصد الدعوة أي قصد القربة يكون في محله لإمكان الاخبار بالقيد والإشكال عليه بالاشتغال غير وارد لأن الإطلاق أمارة حاكمة عليه ولقد أجاد (قده) حيث لم يقل بجريان الإطلاق المقامي في قصد التميز والوجه من جهة قوله بأنهما من القيود المغفولة.

في حكم الأصل عند الشك في التوصلية والتعبدية

فأقول بعد فرض عدم جريان الإطلاق اللفظي لعدم إمكانه بأمر واحد أو امرين وعدم جريان الإطلاق المقامي من باب عدم تمامية مقدماته قال المحقق الخراسانيّ (قده) بان الأصل يقتضى الاشتغال في المقام ولو لم يكن الأصل في غيره الاشتغال في صورة كون التكليف من باب الأقل والأكثر الارتباطيين وقيل بالبراءة وقيل بالاشتغال مطلقا اما الدليل له (قده) هو انه بعد عدم إمكان المولى ان يبين ما هو الدخيل في غرضه بضيق ـ الخناق مع بيان أصل التكليف والخروج عن عهدته فلا يكون العقاب عليه عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليه مؤاخذة بلا برهان.

ونحن نبين دليل الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين في جميع المقامات ليظهر منه حكم المقام فمنها ان البيان (٢) قد تم على تسعة اجزاء الصلاة تفصيلا وان لم

__________________

(١) ومع ذلك لا يبقى المجال للقول بالإطلاق لأنه سواء كان هذا القيد للتكليف أو لا ففي مقام التنبيه يجد العبد صريح المرام بنفس التنبيه واما ظهور الحال بان المولى الحكيم يكون بصدد بيان مراده لا يكفى على مذهبكم وعلى فرض القول بذلك لا يبقى فرق بين كون القيد مغفولا أو غيره.

(٢) هذا التقريب أيضا عن المحقق الخراسانيّ (قده) مع انه قائل بالفرق بين المقام وساير المقامات لو قلنا فيه بالبراءة عن الزائد في الأقل والأكثر الارتباطي ولكن بيانه في الكفاية ـ

١٧٣

يتم بالنسبة إلى الجزء المشكوك وعلينا ان نسلم إلى المولى ما تم البيان عليه فحيث يكون الاجزاء ارتباطيا ويحتمل دخل المشكوك في المعلوم لا يحصل الامتثال بما تم عليه البيان إلّا بإتيان المشكوك وإلّا يكون معاقبا على تركه من جهة ترك المشكوك فمن لوازم امتثال الاجزاء الّذي تم عليه البيان هو الإتيان بالمشكوك.

وفيه انا نسلم إلى المولى مطلوبه ونحفظ غرضه بقدر بيانه لما نحن مكلفون به وحيث لم يكن بيانه للجزء المشكوك واضحا فنجري البراءة وبعبارة أخرى للاجزاء الغير المشكوكة فوتان فوت من قبل ذاتها وفوت من قبل دخل الجزء المشكوك فمن ناحية الفوت من قبل المشكوك نكون في وسع لعدم البيان ومن ناحية بيان أصل الاجزاء يكون علينا العقاب لتمامية بيانه بالنسبة إليه.

والدليل الثاني لهم هو ان للمولى غرضا يجب لنا ان نحفظه ولا يكون حفظه ممكنا إلّا بإتيان كل ما يحتمل دخله فيه كالجزء المشكوك وبدونه يحتمل عدم حصوله فلا يتحقق الامتثال والجواب عنه هو انا لا نكون بصدد أغراض الموالي الا بقدر بيانهم فان غرضهم محترم بقدره ولم يكن البيان تاما إلّا بالنسبة إلى غير المشكوك نعم لو كان في ضيق الخناق بحيث لا يمكن له ان يبين نقول بالاشتغال ولكن لا يكون له ضيق في التكاليف فان له ان يخبر بخبر آخر.

واما الفرق بين قصد الامتثال أي الدعوة وبين ساير الاجزاء بأنه يلزم الدور من الأول دون الثاني ممنوع لأن كل جزء من اجزاء المركب اما يكون مشروطا بالآخر أم لا فان كان مشروطا يلزم منه الدور أيضا لأن الشرط مقدم على المشروط وكل واحد يكون

__________________

ـ عين بيان الاشتغال في ساير المقامات ولكن له ان يقول بان المقام حيث لا يمكن أخذ القيد في متعلق الخطاب على فرضه فحيث يكون المولى في ضيق الخناق لا يؤخذ بالإطلاق فيؤخذ بالاشتغال.

والجواب عنه انه ولو قلنا بضيق الخناق ولكن لنا القول بالبراءة لأن ضيق خناق المولى غير مربوط بالعبد فانه مأخوذ بقدر البيان عليه.

١٧٤

شرطا بلحاظ ومشروطا بلحاظ آخر فيكون مقدما ومؤخرا وعدم كون الجزء مقيدا بالآخر خلاف الفرض والجواب عنه في المقامين هو ان دخالة كل جزء في الآخر يكون بنحو القضية الحينية أي يكون أثر كل جزء في حين تأثير الآخر(١) ولا يكون تأثير كل واحد مقيدا بتأثير الآخر.

فتحصل انه لا فرق بين كون المولى في وسع أو ضيق من جهة الاخبار أو من جهة أخذ القيد في الخطاب في إمكان التمسك بالإطلاق هذا حكم الأصل العقلي واما الأصل الشرعي في المقام فقال المحقق الخراسانيّ (قده) لا مجال لجريانه لأن الأصل الشرعي هنا البراءة ولا يكون هنا مقام جريانها من جهة ان دخل الجزء في ساير الاجزاء وبالنسبة إلى المركب تكويني ولا يكون مجعولا وما لا تناله يد الشرع وضعا لا تناله يده رفعا ليقال رفع ما لا يعلمون فان دخل قصد القربة ونحوه في الغرض ليس بشرعي بل واقعي ودخل الجزء والشرط في الواجب وان كان كذلك إلّا انهما قابلان للوضع والرفع شرعا فبدليل الرفع ولو كان أصلا يكشف انه ليس هناك امر فعلى بما يعتبر فيه المشكوك ليجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فانه علم بثبوت الأمر الفعلي ففرق بين ما كان دخيلا في الغرض وما كان دخيلا في المأمور به وقصد الدعوة من الأول فلا يمكن رفعه بحديث الرفع والاجزاء والشرائط الأخر يكون مما هو الدخيل في المأمور به فانه يمكن رفعه.

__________________

(١) ليس شأن القضية الحينية هو ان يكون الاجزاء مرتبطة بل كجمع المتباينات والشرطية اشكالها الدور ويمكن الجواب عنه بان لنا مجموع مركب يكون الأثر الواحد المترتب عليه مشروطا بعدة شروط ومعدات بحيث نقول انه بفقد جزء من الاجزاء يفقد المركب لا انه فقد ساير الاجزاء أو يقال ان عنوان كونه شرطا باعتبار وكونه مشروطا باعتبار آخر كما في المركبات الخارجية فان المعجون جهة تأثر بعض اجزائه من البعض غير جهة مؤثريته في البعض الآخر.

١٧٥

والجواب عنه لا فرق بين ان يكون القيد عقليا أو شرعيا على فرض إمكان أخذ الأول ولو بأمرين أو الاخبار فانه إذا لم يخبر المولى يكشف عدم اخباره عن عدم دخالة هذا القيد في متعلق امره.

ان قلت ان البراءة أصل ولا يترتب عليه الآثار المترتبة على الأثر العقلي كما في ساير الأصول المثبتة فهنا أصالة عدم دخل هذا القيد لا تثبت ان المأمور به هو بقية الاجزاء ليترتب عليه الحكم بالاجزاء وصحة الامتثال.

قلت على فرض تصحيح المقام بأمر واحد فيكون تمامية البيان بالنسبة إلى التسعة مثلا ولا يشمل الجزء الآخر فالامر عند انبساطه على الاجزاء يتوقف على رأس التسعة ولا يتعدى عنها على ان الواسطة في المقام خفية فلا يكون في نظر العرف ان صحة الامتثال تكون بعد إثبات ان المأمور به بقية الاجزاء بل رفع الجزء اثره هو صحة العمل وعلى فرض قبول كون إمكان دخل القيد في المأمور به بأمرين فيمكن الإشكال ولكن نقول بان الأمر الثاني لا شأن له الا القرينية على ان المراد بالأمر الأول هو المقيد لا انه يراد إثبات الجزء بالأمر الثاني هذا كله على مسلك المختار من إمكان أخذ قصد الدعوة في المأمور به فتجري البراءة الشرعية.

واما المحقق الخراسانيّ (قده) القائل بعدم الإمكان فيقال له في مقام الجواب ان ما قلت من ان دخل هذا الجزء وهو قصد الدعوة بخصوصه في المأمور به تكويني ممنوع لأن دخل جميع الاجزاء والشرائط الشرعية في المأمور به يكون تكوينيا فان الطهارة شرط تكويني لحصول المصلحة الصلاتية ولا يمكن ان يرفع ما هو دخيل تكوينا إلّا ان للشارع ان يرفع الاحتياط لمصلحة التسهيل على العباد فما هو المرفوع في البراءة هو ان الاحتياط الّذي يمكن ان يجعل على العباد في مقام الشك في جزء مرفوع امتنانا وو يتم مصلحة العمل حينئذ أي حين عدم علم المكلف بالجزء ولا فرق بين إمكان جعل ـ الاحتياط بالأخبار أو أخذه في الخطاب فلو اقتضى الأصل العقلي الاشتغال فلا إشكال في ان الأصل الشرعي هو البراءة لعموم دليل الرفع.

١٧٦

ثم هنا تقريب آخر للاشتغال وهو ان الاجزاء الارتباطية لها دخل في ما يحصل منها وهي المحصلة لما يحصل منها فانا نكون مأمورا بالمحصل بفتح الصاد ويجب لنا إتيان كل ما له دخل فيه كما يقال ذلك في ساير المقامات مما يكون الشك في المحصل مثل الطهارة وأشكل عليه شيخنا النائيني (قده) بان ترتب الأثر على الأعمال لا يكون بأيدينا بل يكون تفضلا من الله تعالى فلا يكون الأمر بتحصيل ما هو خارج عن اختيارنا نعم في الأفعال التوليدية يكون الأمر كذلك لعدم انفكاك الأثر عن المؤثر كما في النار والإحراق.

والجواب الصحيح في المقام هو ان يقال علي فرض تسليم كون المقام من باب الشك في المحصل لا نسلم كوننا مأمورين بأزيد مما قام الدليل عليه وبعبارة أخرى للمحصل بفتح الصاد عدمان عدم من قبل ساير الاجزاء وهو منهي عنه وعدم من ناحية الجزء الّذي لم يقم عليه دليل والثاني لا إشكال في عدم سده بالنسبة إلى المكلف لعدم البيان عليه.

فصل في اعتبار المباشرة في المأمور به

بحسب الظهور البدوي للخطاب

أقول عنوان البحث وان كان مطابقا للكفاية ولكن ربما نذكر زائدا على ما فيها لدرك بعض الفوائد في بعض العناوين التي لم يتعرض (قده) لها ففي هذا الفصل يكون البحث عن ان إطلاق الخطاب هل يقتضى المباشرة بحيث لو أتى به غير الشخص الّذي توجه إليه الخطاب لم يجز أو لا يقتضيها وعن انه هل يقتضى صدوره عن اختيار بحيث لو صدر عن غير الاختيار لا يكفى وعن ان المأمور به هل يجب ان يكون غير محرم حين الإتيان به أم لا فالبحث في مقامات.

المقام الأول في ان الإطلاق هل يقتضى المباشرة أم لا ولتوضيح ذلك نحتاج إلى طي مقدمات :

١٧٧

الأولى هو ان الأحكام الّذي يكون بنحو التخيير في المتعلق وهو الواجب التخييري أو في المكلف وهو الواجب الكفائي هل يكون على نحو القضية الشرطية أو الحينية فان كان على النحو الأول فاللازم منه الدور لأن إطعام المسكين مثلا في خصال الكفارات مشروط بعدم سبق الصوم ستين يوما وبالعكس واما الثاني فلا يلزم منه شيء فيقال كل واحد من الخصال يكون في ظرف عدم سبق الإتيان بخصلة أخرى واجبا وكذلك الواجب الكفائي فان المصلحة فيه يكون في إتيان صرف وجود المأمور به في الخارج سواء أتى به زيد أو عمرو مثل دفن الميت فان مطلوب الشرع يكون مواراة الميت تحت التراب بنحو مخصوص فهذا العمل من أي شخص صدر فقد رضى الشارع به فوجوب الدفن أو الصلاة عليه على المكلف يكون حين عدم سبق الغير بالعمل المذكور ومثل ذلك الأعمال النيابي فان زيدا مأمور بإتيان الصلاة مع الثوب الطاهر وبعبارة أخرى مأمور بغسل ثوبه أعم من نفسه أو نائبه لأن مقصود الشارع إتيان الصلاة مع طهارة الثوب من أي شخص حصلت فمعنى ذلك هو توسعة المصلحة.

المقدمة الثانية في انه هل يكون الاستنابة بنحو التخيير معقولة أم لا كما عن شيخنا النائيني (قده) فان الخطاب إلى الفعل الّذي يكون مطلقا من حيث إتيان الشخص أو نائبه هل يكون معناه التخيير بين إتيان الفعل بنفسه أو أعم من نفسه ومن نائبه بحيث يكون الخطاب قابلا للتطبيق عليهما أم لا فقال شيخنا النائيني (قده) ان التخيير لا معنى له لأن النائب إذا لم يأت بالعمل يكون باقيا في ذمة المكلف فحقيقة النيابة هو تنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه.

والجواب عنه ان المقدمة الموصلة حين الإيصال مأمور بها فحيث ما وصلت لا يكون الأمر ساقطا فان أتى النائب بالعمل فهو وإلّا يجب على نفسه الإتيان.

لا يقال ان الإيصال لا يكون تحت قدرة المكلف ليقال ان المقدمة الموصلة تكون تحت التكليف لأنا نقول بعد إتيان المقدمات يكون الإيصال من الآثار القهرية المترتبة عليها

المقدمة الثالثة : في ان عمل الغير تارة بحسب عمل نفس هذا الشخص عرفا مثل

١٧٨

الإرادة المقهورة لإرادته وتارة لا يكون تحت القهر ويكون للنائب أيضا اختيار في إتيان العمل وعدمه

إذا عرفت ما ذكر من المقدمات فالاستنابة تارة تكون بالإجارة وتارة تكون تبرعية ففي الأولى إذا كان لنا خطاب بإتيان الصلاة مثلا أو عمل آخر يدور الأمر فيه بين التعيين والتخيير لأنا لا ندري هل يجب إتيانه مباشرة أو يكفى ولو أتى به النائب والأظهر ان الخطاب يكون متعينا على شخص المكلف للإطلاق وهو انه سواء أتى به الغير أم لا يجب العمل على الّذي توجه إليه الخطاب.

وقد أشكل عليه بان إطلاق الهيئة وان كان كذلك ولكن إطلاق المادة يقتضى ان تكون المصلحة الصلاتية حاصلة من أي شخص صدرت وكل مقامات التخيير كذلك بعد عدم الإشكال عقلا في أصل الاستنابة.

وفيه ان الخطاب حيث يكون متوجها إلى الشخص والبعث كان إليه فمصلحة المادة بعد غير ثابت بالنسبة إلى ساير الافراد (١).

واما على مسلك الأستاذين النائيني والعراقي (قدس‌سرهما) وهو القول باستحالة النيابة لا فرق بين كون البعث متوجها إلى الشخص أو تكون المصلحة مطلقة فلا محالة ينعقد الخطاب في التعيين فقط ولا يبقى مجال للقول بالدوران بين التعيين والتخيير لأنه فرع الإمكان لكن يمكن ان يقال علي فرض الإمكان إطلاق الخطاب وان كان مقتضاه التعيين ولكن حيث يكون الإجماع على عدم وجوب العمل للشخص مرتين فبإطلاق المادة يتمسك لسقوط التكليف بفعل النائب.

لا يقال ان الخطاب يكون متوجها إلى الشخص في صورة وجود الموضوع فانه

__________________

(١) هذا الجواب على مسلك القوم وإلا فعلى مسلكه من ان الدلالة الالتزامية لا تكون تابعة للدلالة المطابقية في البقاء لا يصح هذا الجواب كما سيجيء منه أيضا وقد مر مرارا وان كان الحق مع من قال بان الدلالة الالتزامية تابعة للمطابقية حدوثا وبقاء كما عن صاحب الجواهر (قده).

١٧٩

يقال دفن الميت واجب إذا كان الميت ولم يدفن واما بعد الدفن فلا موضوع للخطاب وكذلك الصلاة والصوم فإتيان الفعل عن المنوب عنه يكون بمنزلة سقوط الموضوع عن الموضوعية وفقدانه يعنى بعد وقوع الصلاة عن النائب ما بقي صلاة ليجب الإتيان بها.

لأنا نقول هنا نتمسك بإطلاق الواجب لا الوجوب فان الوجوب وان كان غير معقول بعد سقوط الموضوع ولكن الواجب وهو الصلاة مثلا مطلق من جهة انه سواء أتى بها آخر أم لا يجب الإتيان بها (١).

في حكم الأصل عند الشك في اعتبار المباشرة

فنقول انه على فرض عدم أخذ الإطلاق ففي مقام الشك هل مقتضى الأصل الاشتغال أو البراءة عن التكليف أو استصحابه فيه خلاف وقد فصل شيخنا النائيني (قده) فانه قال علي فرض استنابة الغير للعمل فيكون المقام مقام الاشتغال لأنه من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ببيان انه لا ندري هل الصلاة واجبة على المكلف معينا أو تكون واجبة أعم من كون الوجوب عليه أو على نائبه وكلما دار الأمر بين التعيين والتخيير فالتعيين مقدم لأن الاشتغال اليقينيّ يحتاج إلى فراغ يقيني وهو لا يحصل إلّا بإتيان المعين.

والجواب عنه أولا انه (قده) قال بان الدوران بين التعيين والتخيير محال مستندا بأنه لو كان كذلك لزم ان يسقط التكليف ولو لم يأت به النائب فيكون التكليف متعينا عليه ومن لوازمه انه يجب انه يفرغ عن عهدته فكيف تصور هنا الدوران بين التعيين والتخيير العقلي وثانيا ان القول بالتعيين في صورة الدوران بينه وبين التخيير كلام عتيق جدا فانه قد اتضح ان الملاك فيه من حيث الحكم ملاك الأقل

__________________

(١) وأضف إليه ان المقام لا يكون مثل صورة انهدام الموضوع لأن الصلاة قابلة للتكرار لو لم يكن دليل على وجوب الواحدة فقط

١٨٠