مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

فأشكل بان العلم ولو أخذ بنحو اللابشرط لا يقبل الحمل فقال المحقق الخراسانيّ (قده) بان ذات المفهومين بحيث تأبى إحداهما عن الحمل والآخر لا يأبى عنه وبعبارة أخرى قال المراد بالمبدإ هو المشهوري مثل الضرب والعلم لا الواقعي الّذي لا تكون له هيئة فان الضرب والعلم لهما هيئة والمبدأ الواقعي يكون كالهيولى مع الصورة فان المادة الواقعية وان كانت في الضرب والضارب واحدة ولكن المشهورية لا تكون كذلك حتى يشكل عليه الفصول بما ذكره.

والجواب عن المحقق الخراسانيّ (قده) هو ان المبدأ الحقيقي حيث لا يكون له استقلال لا يمكن ان يكون مأخوذا بنحو اللابشرط وبشرط لا حتى يقال لا نريد منه الحقيقي بل المشهوري بل معنى المشتق هو نحو مفهوم ناعتي وهو عين الحمل لا انه لا يأبى عن الحمل فان الضارب لا يرى إلّا ملفوفا بذات ما بخلاف الضرب فان ذاته بحيث لا يمكن تفوه الحمل بالنسبة إليه فكلامه (قده) خال عن اللطف لعدم دخالة اللابشرط وبشرط لا في الميز بين المشتق والمبدأ حتى في المشهوري من المبدأ :

التنبيه الثالث في مناط الحمل :

لا شبهة ولا ريب في ان الحمل المفيد هو ما يكون له نحو اتحاد من جهة وافتراق من جهة والمراد بالاتحاد ان كان الخارجي فلا معنى للحمل ضرورة اتحاد الموصوف مع الصفة فيه وفائدة الحمل هي تطبيق المفهومين المتغايرين على مصداق واحد وليس من حمل الكل على الجزء بان يقال زيد عالم بحمل العلم الكلي على زيد الجزئي ولا شأن لاعتبار اللابشرط وبشرط لا بان يقال ان المفهوم إذا أخذ لا بشرط يقبل الحمل وإذا أخذ بشرط لا لا يقبل فالاتحاد يكون بنحو الهوهو في الخارج كما عن الخواجة نصير الدين (قده) ونظرائه والاختلاف يكون بنحو المفهوم.

وبعبارة أخرى ان لفظ الضارب كما مر انه يكون في نفسه بحيث يجب ان تكون ذات ما داخلة في مفهومه ففي الحمل يعين مصداق تلك الذات فلا يكون من اتحاد العلم مع الذات

١٤١

حتى يقال انه محال أو من حمل الكلي على الجزئي ضرورة انه لو قيل بذلك يلزم ان تصير الذات الجوهرية مع العلم العرضي واحدة على ان العلم الخارجي يكون مطابق المادة والّذي نذكره يكون الّذي هو في هيئة ضارب لا مستقلا فتحصل ان وجه الاتحاد المصداق ووجه الافتراق المفهوم ولا يرد الإشكالات.

التنبيه الرابع مما في الكفاية

هو ان الّذي استفدنا من ما مر هو ان المشتق عبارة عن ذات قام بها المبدأ وحيث ان صفات الله تبارك وتعالى من العلم والقدرة وساير الصفات الثبوتية يستحيل فيها القيام بنحو التعدد المفهومي والذاتي حتى تكون الذات منحازة والصفة أيضا كذلك صارت محل الإشكال حتى قال صاحب الفصول (قده) حمل الصفات عليه تعالى لا يكون بنحو الحمل على العباد بل يكون بنحو المجاز فان العلم يكون نفس ذاته وهو ضعيف جدا ويتلوه في الضعف ما في الكفاية من التغاير المفهومي والدليل على رده هو انا إذا قلنا الله تعالى عالم اما ان يكون الحمل كالحمل في قولنا الإنسان عالم أو يكون معناه حمل ضد العلم عليه تعالى وهو الجهل أو يقال لا معنى له أصلا والأول يكون اللازم منه التعدد على زعمهم في ذاته تعالى والثاني يلزم منه الكفر والثالث يلزم منه التعطيل فعلى فرض القول بالمجازية كيف يمكن استلزام ما ذكروه مع لزوم الكفر والتعطيل واما القول بالتغاير المفهومي واتحاد المصداقي فان كان المراد منه ان العلم شيء والذات شيء آخر فهو وان كان صحيحا ولكن لا ربط له بالمقام.

وان كان المراد هو عروض الوصف على الذات فهو رجوع إلى الإشكال ومن هنا ظهر رد كلام بعض الأعيان من ان مبدأ العلم عين الذات لأن الّذي يحمل يكون المفهوم الاشتقاقي المحمول والكلام فيه لا في مادة العلم.

وأجاب شيخنا العراقي (قده) بان الناس غافلون عن الدقة الفلسفية فإذا قالوا الله تعالى عالم معناه ان الانكشاف بالنحو الّذي يكون عندنا يكون عنده أيضا فهو عالم

١٤٢

بالأمور كما نحن عالم ببعضها.

وفيه ان هذا لا يكون حلا للإشكال بل يكون من الالتزام به فانا لا نكون بصدد ان العوام كيف يفعلون فانهم ربما يقولون ما لا يعلمون.

فالصحيح ان يقال ان الّذي نسب إلى أهل الأدب من انهم يعتبرون القيام بالذات في المشتق ممنوع فان مرادهم بالقيام ليس إلّا وجود المبدأ وهو فيه تعالى أيضا موجود ولا نحتاج إلى القيام إلى شيء فان العقل والعاقل والمعقول متحد.

التنبيه الخامس في الكفاية (١)

في ان المشتق ربما يصدق والمادة قائمة بالغير فان المضروب يكون الضرب فيه وينسب إلى الضارب أو الألم في المؤلم بفتح اللام فينسب إلى المؤلم بالكسر فكيف المحيص عن ذلك مع ان اللازم قيام المبدأ في الفاعل أيضا فأجابوا عن ذلك بان المادة في الفاعل والمفعول مختلفة فهي في الثاني يقتضى البقاء دون الأول.

والجواب عنه ان المادة واحدة والاختلاف بالهيئة في الضارب والمضروب ثم إلى هنا تم البحث عن المقدمة ويتلوه البحث عن المقاصد (٢).

__________________

(١) أقول الضرب والإيلام ينسب حقيقة إلى الفاعل حين التلبس كما مر فالاستعمال مجازي فيه واما في المضروب أيضا فما هو موجود هو أثر الضرب لا الضرب فانه كان فعل الفاعل وقد انقضى وفي المؤلم بالفتح إذا كان الألم باقيا يكون لقابلية المادة لبقاء الألم فيه فالفرق بالتلبس وعدمه لا غير.

(٢) : أقول وفي الكفاية تنبيه سادس لم يذكره مد ظله اما خوفا للإطالة أو لاتضاحه من المباحث السابقة.

١٤٣

المقصد الأول في الأوامر

وفيه فصول الفصل الأول فيما يتعلق بمادة الأمر وفيه جهات.

الجهة الأولى في معاني الأمر فانظر إلى ما في الكفاية من المعاني المتعددة من الطلب والشيء والشأن وغيره.

ثم انه اختلف في انه هل كان الصدق على المعاني المتعددة بالاشتراك اللفظي أو المعنوي أو حقيقة في أحد المعاني ومجاز في البقية وان كان لا ثمرة فقهية في البحث عن ذلك فانا إذا استظهرنا الطلب وإرادة المولى يجب لنا المتابعة سواء كان الاشتراك لفظيا أو معنويا فان المناط على الظهور ولكن نحن نبحث عنه تبعا للقوم فقال شيخنا النائيني (قده) أن المعاني يكون على نحو الاشتراك المعنوي واستدل بان مفهوم الشيء يكون منحفظا في جميع الأطوار والخصوصيات لأنه مفهوم عام.

وفيه ان الشيء يكون جامعا ، عنوانيا فوق المقولة ولا يكون جامعا معنويا بحيث يكون كل مصداق منه موافقا مع الآخر واما على فرض القول بأنه حقيقة في بعض المعاني ومجاز في الآخر فائضا لا ثمرة له لأن أصالة الحقيقة عند عدم القرينة لا تكفي للظهور مع التبادر فهو سواء كان مشتركا لفظيا أو معنويا أو حقيقة أو مجازا لا ثمرة في بحثه من الجهة التي كنا بصددها.

الجهة الثانية في ان الألفاظ التي تستعمل تارة بنحو أمرتك وتارة بنحو آمرك بكذا ان كان المراد بالثاني أطلب منك كذا فلا إشكال وان كان المراد إنشاء الطلب بهذا اللفظ فقد أشكل عليه بأنه يكون دورا لأنه إذا قال آمرك بكذا قاصدا بذلك إظهار طلبه بهذا اللفظ يكون من الدور لأن معنى الأمر هو الطلب في حال إظهاره للمخاطب بما يدل عليه فإذا كان إظهار الطلب بنفس هذا القول لزم تحقق معنى اللفظ بنفس استعماله فيه فتحقق المعنى متوقف على الاستعمال وهو متوقف على تحقق المعنى قبله وقد أجاب شيخنا العراقي (قده) عن الإشكال بان اللفظ مستعمل

١٤٤

في نفس المفهوم فيكون الاستعمال متوقفا على تحقق المفهوم في مرحلة مفهوميته لا في مرحلة وجوده خارجا ففي المقام يتوقف تحقق وجود مطابقه ، في الخارج على الاستعمال لا تحقق مفهومه وفيه ان ما كان من شئون الاستعمال وهو الإبراز أخذ في المفهوم ولا يمكن ذلك كما مر منا في المعاني الحرفية عند نقل كلام المحقق الخراسانيّ قده من عدم إمكان أخذ ما كان من ناحية الاستعمال في المفهوم وثانيا (١) انه يكون طريق الإثبات فكيف يمكن ان يكون واسطة في الثبوت فانه على فرض كونه طريقا للإبراز يكون واسطة في الإثبات وبلحاظ نفسه يكون هو الإبراز وواسطة في الثبوت أي علة له والشيء الواحد لا يكون حاكيا ومحكيا.

الجهة الثانية في ان العلو والاستعلاء شرط في كون الأمر واجب الامتثال أم لا وهذا أيضا مما لا فائدة فيه فقها لأن البحث فيه بعد استفادة وجوب الامتثال من الظهور مما لا فائدة فيه فرب من استعلى ولا يجب إطاعة امره كالمتكبر ورب عال يفهم انه لا يريد المطلوب جزما أو يكون بنحو الالتماس ولو كان الطلب عن جد كأمر السائل يعنى الفقير بإعطاء الدرهم وانما تظهر الثمرة في صورة كون مادة الأمر موضوعة لحكم شرعي مثل ان يقال أطع امر الجيران فانه يجب البحث في انه هل يجب إطاعة امر الجار العالي أو المستعلى أو مطلقا وكيف يمكن ان يقال بذلك والحال ان أوامر الشرع كثيرا ما يكون بنحو أحب وينبغي ، ونواهيه بنحو لا ينبغي وأبغض فليس لمادة الأمر دخالة فيما هو المهم ليجب توضيح ان الأمر ما هو فمتى كشفنا إرادة المولى يصير الكشف

__________________

(١) هذا الوجه مما قبله العراقي قده كما في تقريرات الأستاذ عنه (ص ١٩٦) ولكن أصل الإشكال مما لا طائل تحته فان معنى آمرك بالضرب هو أطلب منك الضرب بالظهور العرفي ولو انقلبت هذه العبارة بعبارة بعيدة عن الذهن ليلزم منها الدور يكون من تضييع الوقت وان شئت قلت هذه العبارة كاشفة عن الإرادة والطلب واما وجود الإرادة فهو معلول لعلله ولا يتوقف على الإبراز فرب إبراز لا يكون عن الإرادة الجدية ورب إرادة لا يكون لها مبرز.

١٤٥

موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال والتبادر دليل ذلك وصحة سلب الطلب عن غيره دليل عدمه.

الجهة الثالثة في انه هل يكون فرق بين ان يكون الطلب بمادة الأمر مثل أمرك أو بصيغته كأن يقول صل واضرب فانه قد قيل بان الأولى صريحة في الوجوب دون الثانية وفيه ان الدليل على ذلك اما ان يكون الوضع المنكشف بالتبادر أو مقدمات الحكمة وكلاهما يقتضى عدم الفرق اما الأول فلأنه لا يرى فرق عند العرف بين قول القائل أمرك بالضرب وبين قوله اضرب من جهة وجوب الامتثال والمذمة على ترك المأمور به واما الثاني فهو ان يقال ان الاستحباب يكون مفاد الأمر المحدود القاصر عن إرادة الوجوب فإذا لم يبرز الحد وكان المولى بصدد البيان فلا محالة يكشف الوجوب وهو مشترك بين الصيغة والمادة.

ثم قد استدل لدلالة الأمر على الوجوب بالآية الشريفة (فليحذر الذين يخالفون عن امره) وبقوله تعالى (وما منعك ان لا تسجد إذ أمرتك) وتقريب الاستدلال ان التحذير يكون على المخالفة وهو يتوجه إلى لب الواقع الّذي هو المأمور به ولا فرق في طريق إثباته من حيث كونه بالمادة أو بالصيغة.

وبالرواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وتقريبها مثل الآية ثم ان هذه الرواية دلت على ان الأمر بالمادة يدل على الوجوب واما من جهة الأمر بالصيغة فهي ساكتة ولا يمكن ان يتخذ بعمومها ويقال كلما ليس للوجوب لا يصدق عليه الأمر أيضا لأن أصالة العموم تكون في صورة الشك في الحكم وهي لا تثبت الموضوع فإذا قيل أكرم العلماء وشك في زيد انه عالم أم لا لا يكون في وسع العموم ان تثبت ان زيدا عالم أو ليس بعالم ففي المقام أيضا لا يثبت ان الأمر بالصيغة امر بعموم قوله عليه‌السلام لأمرتهم وبعبارة أخرى هذه الرواية تدل على ان الأمر واجب الإطاعة وبإطلاقها تشمل كل ما يصدق عليه الأمر ولا يكون في خصوص الأمر بالمادة وان كان هو المتيقن على الفرض فان صدق الأمر على ما كان بالصيغة يجب إطاعته وتظهر الثمرة في صورة كون مادة الأمر تحت

١٤٦

الحكم مثل ان يقال أطع امر الجيران كما مر فانه يجب ان يثبت أن أي الكلمات امر ليكون موضوع الحكم فلو لم تكن الصيغة من الأمر لا يشملها الحكم.

الجهة الرابعة في الطلب والإرادة واتحادهما :

لا يخفى ان البحث هنا تارة يكون لغويا وهو في تعيين مفهوم اللفظين وتارة فلسفيا بعنوان انه هل يكون في النّفس شيء غير الجزم والعزم اللازم منه الطلب وهو يسمى بالإرادة أم لا وكلاهما خارجان عما نحن بصدده فان البحث الأصولي يلزم ان يكون منتجا في الفقه وهو ان يقال ان الموضوع لحكم العقل بوجوب الإطاعة هل يكون الطلب ولو خلى عن الإرادة أو يكون الموضوع له هما معا.

فذهب الإمامية بان الأحكام تابعة لإرادات النفسانيّة ومنها ينشأ الطلب والأشاعرة على ان موضوع الحكم هو الطلب فقط ولا يكون للإرادة دخل.

واستدلوا عليه أولا بان الكفار والعصاة مكلفون بفروع الدين إجماعا مع انهم لا يعملون على طبق التكليف فلو كان الطلب مطابقا للإرادة يلزم تخلف إرادة الله تعالى وهو محال لأنه يلزم منه نفى القدرة والعجز عنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وثانيا بأنا مجبورون في أعمالنا فكل ما يقع لا يكون بإرادتنا والإرادة انما تتعلق بأمر اختياري فيكون ما تعلق به الطلب غير مراد لله تعالى تشريعا بل هو طلب فقط.

والجواب عن الأول ان الإشكال يكون من عدم التوجه والميز بين الإرادة التكوينية والتشريعية فان التكوينية لا يتخلف عنها شيء كما في ساير الموجودات واما التشريعية وهي وقوع الفعل عن اختيار المكلف لا يلزمها الوجود حتما بل لو حصل بدون الاختيار يكون خلاف ما أراد الله تعالى بل يمكن ان يقال في التكوينيات أيضا بعضها يكون كذلك فانه تعالى أراد وجودنا في هذه البرهة من الزمان لا قبلها ولا بعدها فلو وجدنا قبل ذلك الزمان كان خلاف إرادته تعالى.

والجواب عن الثاني انه يكون أعمالنا بالاختيار وجدانا وليس يدنا كيد المرتعش

١٤٧

وكل برهان يجب ان يرجع إلى الوجدان فان بقينا في الإشكال من جهة البرهان فحيث يخالف وجداننا ننكره ثم على ما يقول هذا القائل أي معنى للطلب غير الإرادة وأيضا فلأي سبب جعل التكليف فان مجاري الأمور على ذلك بيد الله تعالى على ان الأشعري منكر للحسن والقبح العقلي فلأي جهة يكون البعض مؤمنا والآخر كافرا.

ثم انه ربما يقال بان مفهوم الطلب ربما لا يكون كاشفا عن الواقع لأن لنا الأوامر الامتحانية وفيه ان الامتحاني يكون صورة امر لا واقعه ونحن في مقام الإثبات نكشف عن الطلب انه يكون مطابقا للإرادة الجدية ولا تكون المصلحة في الأمر فقط والثمرة استفادة ملاك الحكم مع كشف الإرادة وسيجيء بيانه.

لا يقال ان في كلام صاحب الحاشية على المعالم (قده) هو ان في النّفس شيء غير ـ الطلب وهو الإرادة والاختيار وتبعة شيخنا العراقي والنائيني (قدس‌سرهما) لكن الأول (قده) يقول بان في النّفس شيء قبل الطلب والثاني قده يقول بأنه بعد الطلب.

اما بيان وجود الإرادة والاختيار بعد الطلب فهو انه لا شبهة ولا ريب في ان في النّفس شيء بعد تصورها شيئا والتصديق بفائدته والجزم والعزم وهو الاختيار على ان تظهره أو تمنع من إظهاره وهذا هو الاختيار فهو غير الطلب وبعده على فرض تعدد الطلب والإرادة واما بيان كون الاختيار قبل الطلب فهو ان النّفس بعد تصورها الشيء والتصديق بفائدته لها ان تختاره وان لا تختاره ولا تريده ثم بعد ذلك يطلبه وتدل على ما ذكر الرواية ـ المعروفة في الكافي بقوله عليه‌السلام لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين الأمرين. والأمر بين الأمرين هو الاختيار.

لأنا نقول ان الجواب عنه محتاج إلى مقدمة وهي ان الاعراض ربما يكون له وجود مستقل مفهوما لكنه غير مستغن عن الموضوع خارجا مثل البياض الّذي يمكن انفكاك ـ الجسم عنه وبعضه محتاج في الوجود ومعلول لشيء آخر لا ينفك عنه مثل الحرارة بالنسبة إلى النار فانها لازمها ثم الاختيار بالنسبة إلى النّفس يكون كذلك فانها في اختيارها مجبورة فانه غير اختياري لها وكل ما كان من مبادئ الاختيار يكون على نحو الشرطية لا العلية فمبادئ الاختيار اختياري ونفسه غير اختياري.

١٤٨

إذا عرفت ذلك فنقول لا شبهة في وجود الاختيار في أنفسنا ولكن هذا غير مربوط بما نحن بصدده لأن المقصود هو كشف ان الطلب هل يكون عن إرادة بعثية أو لا فنحن نقول يكشف الخطاب عن إرادة جدية هي الباعثة على التحريك نحو المطلوب وإلّا فلا دليل على البعث ولا يضر بما ذكر وجود كل صفة من الصفات في النّفس ومنها الاختيار وعلى فرض التعدد يكون القبل هو الإرادة والطلب متأخر عنها.

ثم انه ربما يقال كما عن شيخنا الحائري (قده) ان نفس القصد بدون المتعلق ربما يكون له فائدة ومنها قصد إقامة العشرة ولو لم يكن بناء المسافر على الإقامة فانه يترتب عليه تمامية الصلاة ولو لم يكن تحقق للمقصود في الخارج ومن المعلوم ان الإرادة هنا لها ـ الموضوعية (١) ولا يكون الاحتياج إلى إحراز الطلب وان كان كلامه (قده) غير تام في هذا الفرع كما سيجيء آنفا.

وقد أشكل على المحقق الخراسانيّ (قده) السيد محمد الفشاركي (قده) بان ـ الطلب والإرادة لا يكونان متحدين وفائدة القول بالتعدد هو ان الإرادة ربما تكون مع الطلب فلا كلام وربما لا تكون بل يكون الطلب فقط وتكون المصلحة في الإنشاء فقط كما ان التمني والترجي كذلك فانه ربما تكون المصلحة في نفس إبراز ذلك فالمصلحة في ذاتهما لا شيء آخر وهو المتعلق وعدوا منه كما عن شيخنا الحائري (قده) قصد العشرة ولو لم تكن الإرادة الواقعية على الإقامة فان نفس القصد يترتب عليه ثمرة وهي إتيان ـ الصلاة تماما وكذلك التمني والترجي لغرض من الأغراض.

وفيه ان ما كان طريقيا لا يتصور فيه ذلك فان إقامة العشرة ما لم تكن لم يكن لقصدها أثر وكيف يمكن ان يقصد الإقامة مع ان قصده على خلافها ولا ينقلب الشيء عما هو عليه فان الإقامة لا تنقلب عما هي عليه بصرف قصدها مع عدم النّظر إليها على انه يلزم الترجيح

__________________

(١) أقول ولا يخفى ان هذا الفرع غير مربوط بالمقام فان وجود المتعلق وعدم وجوده لأصل الإرادة غير مربوط بباب الأوامر وان الطلب والإرادة واحد فيه أم لا بل هذا بحث استطرادي في المقام.

١٤٩

بلا مرجح فان كان للقصد دخالة في نفسه فكيف يجب ان يقصد إقامة العشرة بل يقصد شيئا آخر ويترتب عليه الثمرة (١).

ولو سلم ذلك يترتب عليه ثمرات منها تمامية الصلاة على فرض القول بان القصد مفيد أثر وقد مر ومنها في صورة القول بان كل امر يكشف عن مصلحة فيما انه إذا شك في القدرة العقلية فإذا لم يكن لنا مصلحة في الواقع لا يجب الوقوع في العمل ليظهر الخلاف وعدمه واما على فرض كشف الإرادة فيجب لئلا يقع في خلاف مراد المولى ومنها ما إذا أسقط الخطاب عن الحجية فعلى فرض عدم الإرادة لا شيء علينا من التكليف وعلى فرض وجودها فبالملاك يلزم الامتثال علينا وهو تابع في الوجود للخطاب حدوثا لا بقاء كما (٢) في الخطاب بين المتزاحمين مثل أزل النجاسة عن المسجد وصل فانه على فرض عصيان الأول والأخذ بالثاني وان عصى لعدم التزامه بالفورية ولكن على فرض وجود الملاك للصلاة تصح به وعلى فرض عدم كشفه فلا.

الفصل الثاني في البحث عن مدلول صيغ الإنشاء

فان الصيغ تارة يكون المراد بها ما هو الواقع من مدلولها مثل الأمر والتمني والترجي فإذا كان في النّفس مطلوب تعلق به الإرادة فيكون إظهاره بالأمر أو باستعمال

__________________

(١) لو تم أصل المطلب يمكن أن يقول القائل بأن الدليل يفهم منه أن لقصد إلى الإقامة فقط له هذا الأثر لا قصد كل شيء ولكن لا يكون الكلام تاما من أصله ولا يكون من ثمرات هذا البحث كما مر والمدار على الاستظهار من لسان الدليل.

(٢) قد مر منا مرارا عدم صحة ذلك ضرورة ان الخطابات انحلالية ولا نحرز مصلحة بعد سقوط الخطاب بالنسبة إلى مورد لعدم القدرة مثلا تبعا لصاحب الجواهر (قده) الا في الصورة التي أمكن إثبات الأمر بالترتب كما في صورة عصيان الأهم والإتيان بالمهم وهو خارج تخصصا لإثبات الأمر فيها ففي مثل الإزالة والصلاة يمكن تصحيح الصلاة بالأمر الترتبي لا بالملاك.

١٥٠

أداة التمني والترجي وكذلك الاستفهام فانه من الإنشائيات وربما يكون المستفهم جاهلا فيستفهم بأداته وربما يكون عالما ويكون إظهاره لغرض آخر فيستفهم ليرى السامع انه لا يعلم ما استفهمه امتحانا له أو لغرض آخر وهكذا غيره من الإنشائيات.

والحاصل ربما يكون صورة امر وتمنّ وترج وغيره وربما يكون واقعه فيجيء ـ البحث في ان الموضوع له هو ما له الواقع أو يكون بإزاء الأعم منه فان المحقق الخراسانيّ (قده) له كلام يقوله في كل مقام يناسبه وهو ان هذه الألفاظ وضعت لإنشاء الطلب و ـ التمني وغيره سواء كان في النّفس شيء أو لم يكن فإذا تعلق إرادة بإنشاء هذا المعنى لغرض من الأغراض ولو لم تكن بالنسبة إلى الواقع تكفي للاستعمال حقيقة ولم يكن ـ الاستعمال مجازيا مطلقا حتى ان الله تبارك وتعالى إذا إنشاء الاستفهام والتمني وغيره يكون في حقه حقيقة لأنه تعالى لا يلزم ان يكون جاهلا فيستفهم بل يستعمل اللفظ الموضوع لذلك في معناه لغرض كما يقول لموسى عليه‌السلام لفتح باب الكلام (وما تلك بيمينك يا موسى) وقال الحائري (قده) ان المصلحة تارة تكون في الشيء نفسه وتارة في إنشائه فهي لازمة لكن على الوجه الأعم من ذات هذه الأشياء أو متعلقها.

ولكن التحقيق خلاف ذلك فانه قد مر منا في مباحث المعاني الحرفية انها إخطارية لا إيجادية كما يفهم من عبارة المحقق الخراسانيّ (قده) حيث يعبر بأنه يوجد التمني وغيره بالألفاظ والربط بين الموضوع والمحمول ربما يكون بعثيا وربما يكون تمنويا وأخرى ترجويا فان هذه الروابط معان حرفية يدل عليها هيئة الكلام فإذا قيل صل يدل على ربط شيء وبضميمة الأصل العقلائي من تطابق الإرادة الاستعمالية للإرادة الجدية يكشف ان الإنشاء مطابق للإرادة فلا يكون معنى صل أطلب منك الصلاة ولا يكون حكاية عن الخارج أيضا لأنه ربما لا يكون له خارج فان البحث لا يكون في الخارج بل يكون اللفظ فانيا في المفهوم أولا ثم منه إلى المصداق لو كان له المصداق في الخارج.

١٥١

الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث

المبحث الأول في المعاني التي استعملت الصيغة فيها وقد عدها في الحاشية على المعالم إلى اثنين وعشرين ومنها التمني والترجي والتهديد والإنذار والتمسخر والإهانة والاحتقار واضطرب كلامهم هنا أيضا من جهة كون الاستعمال فيما لا إرادة فيه هل يكون على نحو الحقيقة أو المجاز وجواب المحقق الخراسانيّ (قده) هو الجواب السابق من ان وضع اللفظ للإنشاء وجوابنا عنه هو الجواب.

وحاصله ان الإشكال غير وارد اما بالمسلك الّذي عنه (قده) وهو ان وضع الألفاظ لأصل إنشاء المعاني المختلفة من التمني وغيره واما بمسلكنا وهو ان صيغة الأمر والنهي والترجي وعموم المعاني الحرفية وضعت للدلالة على ربط خاص بعثي وغيره ولا يكون هذا متوقفا على وجود الإرادة الواقعية في نفس المنشئ بوجود هذه الصفة فيها واحتجاج المولى يكون بإبراز الإرادة لا بأصلها والأثر عليه لا عليها.

المبحث الثاني

في ان صيغة الأمر هل وضعت للوجوب أو الندب فيه خلاف وقد أشكل على عنوان البحث بأنه لا معنى لقولنا انه هل للوجوب أو الندب ضرورة ان الإرادة الواقعية الأزلية لا معنى لاستحبابها بل هي واجبة الوقوع غير قابلة للترديد واما المفهوم الخارجي وان كان قابلا لذلك ولكن لا يفيد البحث فيه لأنا في صدد كشف إرادات ـ المولى وهي شخصية وكذلك الربط البعثي فانه أيضا غير قابل للشدة والضعف فلا نحتاج إلى آيات الوضع للوجوب أو للندب وكذا لا يفيدنا جريان مقدمات الحكمة بان نقول يكون المولى في مقام البيان ولم يبين ما يكون دالا على الندب فهو دال على الوجوب لعدم تطبيقها في المقام لما سيجيء بل العقل بعد الإبراز يحكم بوجوب المتابعة وترتيب الأثر بدون الشك لعدم قابلية الإرادة الا لذلك.

١٥٢

والجواب عنه هو انه لقد أجاد فيما أفاد من عدم تصوير الترديد في الإرادة وفي قابلية المفهوم للتقسيم ولكن مع ذلك لا يكون لإشكاله مجال لأنه ما فرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية ، فان إرادة العمل عن الفاعل المختار الّذي يمكن ان يفعل وان لا يفعل يتصور فيها الرضا بتركه حتى يكون مستحبا وعدم الرضا به حتى يكون واجبا وذلك بدال آخر وراء أصل الخطاب وكذلك الشدة والضعف وهذا الدال اما مقدمات الإطلاق التي توجب القول بالوجوب أو التبادر ثم لا إشكال في مقدمات الإطلاق من جهة جريانها في صقع المفهوم فإذا شك في ان مفهوم الرقبة هل يكون معه قيد الإيمان أم لا بعد قول القائل أعتق رقبة نقول لا يكون الإيمان دخيلا ولو كان له دخل لبينه الآمر وهذا في المفهوم القابل للسعة والضيق لا شبهة فيه انما الإشكال فيما كان شخصا خارجيا مثل المقام الّذي يكون الكلام في الربط البعثي الشخصي والشخص غير قابل للشدة والضعف فان الطلب والإرادة شخص ومن المعاني الحرفية التي لا يمكن تقييدها.

ثم ان صاحب الحاشية على المعالم قد أجاب عن الإشكال وأجرى المقدمات ببيان دقيق ونحن نذكره جوابا للإشكال في المقام وهو ان شدة الإرادة أيضا إرادة مثل شدة الوجود واما ضعفها فهو امر خارج عنها واحتاج إلى مئونة زائدة فيمكن ان يقال لو كانت الإرادة ضعيفة لبين المولى ضعفها وحيث ما بين فالصيغة دالة على إرادة الوجوب لا الاستحباب.

لا يقال هذا امر خارج عن مذاق العرف العام ولا يفهمه الا الأوحدي من الناس لأنا نقول بهذا التعبير الفلسفي لا يفهم واما ان قلنا ان الإرادة الشديدة يكون فيها المنع من الترك والضعيفة لا يكون فيها ذلك فهو مما يفهمه كل أحد وبيانه الدّقيق هو ما ذكره قده وجريان المقدمات يكون بالنسبة إلى واقع الإرادة وهو كما ذكره (رفع مقامه) ويكون موافقا للتحقيق عندنا.

١٥٣

المبحث الثالث في الكفاية

في ان الجمل الخبرية مثل يغتسل ويعيد وغيرهما التي تستعمل في مقام الإنشاء يكون استعمالها فيه مجازا أو لا فقال المحقق الخراسانيّ (قده) بعد عدم كون الاخبار شأن المولى في مقام الشارعية وان الفعل لا يقع واقعا فانه رب من يجب عليه الغسل أو الصلاة ولا يأتي بهما عصيانا أو نسيانا فلا بد ان يقال لا يكون المراد معناه الخبري فيكون المراد بها الإنشاء والطلب يستفاد منها بعد كون التهديد والتمسخر خلاف الظاهر وان الإرادة الاستعمالية مطابقة للجدية بالأصل العقلائي في المحاورات على ذلك وهذا النحو من التعبير يكون آكد في الطلب من الإنشاء ووجهه انه يخبر بلازم الطلب وهو وجود الإرادة في النّفس وتفرض المصلحة بحيث يرى وقوعها في الخارج فيخبر بأنها توجد بقوله يعيد مع انها يمكن ان لا توجد للعصيان أو النسيان.

وفيه ان الإبراز الّذي يكون لازمه الإرادة بهذا النحو يكون دوريا لأن (١) الإرادة ما لم تكن لا يصح حمل هذه الجملة على إبرازها ووجودها متوقفة على إبرازها فلا يمكن إثبات الطلب بهذه الجملة وهذا مثل ما إذا قلنا زيد كثير الرماد للازم معناه وهو انه سخي هذا ولكن لا بد أن نقول في المقام بان هذه الهيئة الخبرية بعد عدم إمكان حملها على معناها المطابقي يستفاد منها ربط المادة بالذات بربط بعثي ولكن هل يكون هذا الربط بنحو اللزوم بحيث لا يمكن ان يستظهر منه الاستحباب أو لا ففيه خلاف من جهة احتمال

__________________

(١) لا يخفى ان الاخبار بعد حمله على الإنشاء بما ذكر يصير وزانه وزان ساير الصيغ والإرادة التكوينية يمكن ان تكون وان لا تكون فيهما والتشريعية منها أيضا يتوقف إحرازها على الطلب بالصيغة أو بالأخبار ولكنها لا تتوقف على وجود الطلب بل متوقفة على عللها التكوينية فان الجملة بعد أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدية ظاهرة في وجودها ولو لم تكن في الواقع وهذا الدور يكون في كلامه مد ظله إلى آخر الأصول وفي أكثر الموارد يكون ملتزما بالإشكال واما ما يقوله من لا بدية الحمل على الإنشاء فلو كان الإشكال وارد الأوجه للالتزام ـ

١٥٤

آكدية الاخبار في البعث من الإنشاء والحق عندنا انه مثل ساير الصيغ فان مقدمات ـ الحكمة جارية في مقام إحراز الوجوب (١)

المبحث الخامس في الكفاية في التعبدي والتوصلي

في ان إطلاق الخطاب هل يقتضى إتيان المأمور به بدون قصد القربة ويسمى الواجب توصليا أو معه ويسمى تعبديا ويجب البحث في ذلك عن أمور : الأمر الأول في معنى التعبدي والتوصلي فقيل ان التعبدي هو الّذي يكون مع قصد الأمر والتوصلي ما لا يكون كذلك وفيه ان البحث في كليهما يكون عن الأمر فان من يدفن الميت أيضا داعيه الأمر بالدفن ولا يكون المائز المصلحة بان يقال ان المصلحة في التعبدي لا تتم إلّا ان يكون الإتيان بقصد الأمر واما التوصلي فنفس العمل يكون متعلق الأمر فيكون الأثر على الوجوب والواجب في الأول وعلى الواجب فقط في الثاني لأن التعبدي والتوصلي كل واحد منهما يكون إتيانه بقصد الأمر نعم ربما لا يبقى موضوع التكليف كمن يكون مأمورا بتطهير الثوب فوقع في الماء حين النوم أو حين الغفلة فانه يكون مثل ان يأكل الذئب الميت قبل دفنه فان وقوع المأمور به يكون في الخارج بدون قصد الأمر لأنه ما صدر عن الفاعل المختار.

فان قلت التقرب حاصل في التعبدي دون التوصلي قلت ما معنى القرب فانه ان كان المراد منه إتيان العمل بداعي امر الله تعالى فانه حاصل في التوصلي أيضا إذا أتى

__________________

ـ به في مقابل البرهان ولكن حيث ورد في لسان الشارع في مقام البعث لا بد له من الالتزام بهذا النحو لكن مع عدم ورود الإشكال وهو كلام من قال بان الاخبار يكون بوجود المقتضى لوجود المقتضى والحق عدم لزوم الدور كما مر فان الإرادة متوقفة الوجود على عللها التكوينية

(١) المبحث الرابع في الكفاية في أن الأمر إذا لم يكن حقيقة في الوجوب هل يكون ظاهرا فيه أم لا ولم يتعرض له مد ظله ولعله لوضوحه مما سبق.

١٥٥

بهذا الداعي كذلك.

لا يقال المائز في صورة عدم القصد فان عدم قصد الأمر في التعبدي مضر بالامتثال بخلاف التوصلي فانه صحيح ولو بدون قصده كما في حال النوم والغفلة إذا وقع الثوب ـ النجس في ماء عاصم فانه يطهر بدون القصد بخلاف مثل الصلاة لو فرض صدورها عمن هو كذلك فانها لا تصح لعدم قصد الأمر الّذي هو جزء لأنا نقول هذا يكون من باب انهدام الموضوع فان الصلاة أيضا إذا لم يكن شرطها وهو الطهارة موجودا بفقد الطهورين تسقط (١).

وقال شيخنا النائيني (قده) ان المائز هو ان الملاك والمصلحة في التوصلي واضح فانه يكون نفس وقوع الفعل مثل الدفن من أي شخص كان وبأي نية كان بخلاف التعبدي فانه لا تكون المصلحة معلومة فيه مثل رمي الجمرة والجواب عنه ان هذا لا يوجب ان يكون أحدهما تعبديا والآخر توصليا فان معلومية الملاك وعدمها لا تكون سببا لصيرورة الواجب تعبديا أو توصليا فالتحقيق ان يقال في الميز بينهما هو ان التعبدي يكون له شرط زائد عن الشرع وهو اعتبار قصد الدعوة وهو شرط شرعي للعبادة ولا يكون في ـ التوصلي هذا الشرط وهذا هو المائز الثبوتي وهذا الشرط وان كان دخيلا في المصلحة

__________________

(١) أقول ان الكلام في صورة الالتفات أيضا قبل سقوط الأمر بواسطة عدم الإتيان بالمأمور به مع عدم انهدام الموضوع فان الفاعل يمكن ان لا يكون داعيه امر الله تعالى لعدم كونه في صدد التقرب بفعله بل ربما يفعل للرياء مع ان التعبدي لا يكفى فيه مجرد وقوع الفعل فلو كان قصد الأمر دخيلا في الامتثال كان من الممكن ان يقال لا يطهر الثوب بواسطة الوقوع في الماء المطهر أو يقال يجب إخراج الميت من القبر ثم إدخاله بقصد القربة ولا يكون هذه الصورة مثل صورة انهدام الموضوع مثل أكل الذئب له وهذا روح كلامه مد ظله في مختاره في المقام كما يظهر من مطاوي الكلمات.

١٥٦

في لب الواقع ومن المعلوم ان الغرض في التعبدي أضيق من التوصلي ولكن الّذي يكون مائزا عندنا هو اشتراط شيء في التعبدي وعدمه في التوصلي واما الثواب وحصول القرب فهو أيضا مترتب على الإطاعة ومن الممكن ان يكون في التعبدي أكثر من التوصلي ولكن لا يكون مائزا بينهما بل هما مشتركان في ذلك إذا كان العمل بقصد الأمر فتحصل انه ليس المائز معلومية المصلحة وعدمها ولا حصول القرب وعدمه ولا الدخالة في المصلحة وعدمها وان كان الأخير لازم ما ذكرناه من انه من قبيل اشتراط شيء في الواجب.

تنبيه

فيه تفصيل البحث عن العبادات الاستئجارية وحيث كان البحث في التعبدي والتوصلي فمن اللازم ان يحرز كيفية قصد القربة في صورة الاستئجار فيها والنيابة عن الغير ولو تبرعا فان فيها إشكالات نذكر إشكالين منها في المقام.

الإشكال الأول انه قد علمت ان التعبدي هو الّذي يكون الشرط فيه قصد امر ـ المولى والأجير الّذي يأتي بالعبادة عن الغير لا يكون له امر فان الأمر متوجه إلى ـ المكلف في الواقع فبأي قصد وداع يأتي الأجير بالعبادة وكذلك المتبرع؟

الإشكال الثاني ان العبادة التي يأتي بها النائب والأجير كيف يحصل القرب منها لشخص آخر وهو المستأجر والمنوب عنه ولا يخفى عليكم انه في مقام الإثبات يكون من المحرز بالإجماع والضرورة من الدين والروايات صحة الاستئجار والنيابة والكلام في مقام الثبوت فأجاب عن الإشكال بعضهم بأنه يصلى مثلا أولا ، ثم يهدي ثوابه إلى الغير وقد أجابوا عن الإشكال بوجوه.

الأول ما عن شيخنا الحائري (قده) نقلا عن السيد محمد الفشاركي بان دليل صحة الاستئجار والنيابة يفهم منه إلقاء شرطية المباشرة في العبادة التي هو ظاهر كل خطاب فيكون العمل مأمورا به أعم من كون الآتي به هذا الشخص أو نائبه أو أجيره والجواب عنه ان الأمر لإيجاد الداعي في المكلف ولا يتصور ان يكون امر الغير موجدا للداعي في هذا الشخص مع انه لشخص آخر.

١٥٧

والوجه الثاني ما عن المحقق الخراسانيّ (قده) وهو انه لا نحتاج إلى ان يقصد النائب والأجير التقرب للمنوب عنه بل يأتي بالعمل فإذا تم يهدي ثوابه إلى المنوب عنه أو المستأجر مثل من يقبل يد العالم من قبل شخص آخر فانه يحصل القرب للمنوب عنه بهذا التقبيل.

وقد أشكل عليه النائيني (قده) بان هذا الكلام في التسبيب يكون في صورة عدم كون الواسطة شخصا مختارا له إرادة مستقلة بل وسيلة فقط بدون الإرادة مثل القلم الّذي هو آلة الكاتب فان المقام يكون لشخص النائب الّذي فرض سببا لحصول القرب إرادة لإتيان العمل فهو يريد العمل ويأتي به فهو الفاعل وهو المريد فكيف يكون العمل واقعا عن الغير.

وقد أجيب بان أدلة صحة القضاء عن الولي أو الاستئجار توجب التصرف في إرادة هذا الشخص وتوجب ان يكون هذا الشخص بالنسبة إلى إرادته هذه أجنبيا فإذا صار أجيرا أو نائبا لا يكون إرادته هذه إرادة لنفسه بل كإرادة شخص المستأجر والمنوب عنه والجواب عنه هو انه خلاف الفرض فانه يكون في صورة قصد النائب أو الأجير الأمر المتوجه إلى العمل متقربا إلى الله تعالى لا ان يأتي بالعمل بأي قصد كان فيكون صالحا للاتصال مطلقا وهذا في صورة النيابة تبرعا أسوأ حالا من الإجارة لأنه في الثانية يقصد الوصي أو المستأجر للقضاء عن الميت أو عن نفس المنوب عنه بواسطة الاستئجار كما في الحج لأنه مما يمكن فيه الاستئجار حال الحياة أيضا للعاجز مثلا ولكن في الأولى لا يكون كذلك فان صرف رضاية المنوب عنه بالزيارة التي أوتيت بها من قبله لا يكفى لاتصال العمل إلى الله تعالى بعد عدم حصول قصد القربة منه ولا من غيره فإن هذا العمل صورة ـ العبادة فان الركوع والسجود بدون قصد الأمر يكون صرف انحناء وانخفاض ومن الواضح ان من يدخل في الماء فيقصدان يكون هذا العمل لزيد لا يصير قابلا لأن يكون له ويحصل به البرودة والنشاط له.

والوجه الثالث في الجواب عن الإشكال هو ان العبادات على أنحاء فان بعضها يكون

١٥٨

مما اعتبر شرعا انه عبادة وخضوع لله تعالى مثل الركوع والسجود فان نفس إتيانهما لله بعد إحراز محبوبيتهما ولو بالأخبار يكفى ولا يحتاج إلى قصد الأمر لأنه لا امر له فإذا كان نفس العمل مما يحصل به القرب فأي حاجة إلى حصول التقرب بالقصد نعم في صورة قصد الأمر حيث يزيد ذلك انتزاع عنوان الإطاعة من العمل يزيد في القرب أيضا.

ان قلت كيف يحتاج في العمل الّذي يؤتى به نفس الشخص إلى قصد الأمر ولا يحتاج في العمل للغير إلى قصده قلت دليل القضاء والاستئجار والنيابة أسقط عنوان الإطاعة في المقام فيكفى صرف إتيان ما هو المقرب في نفسه مع كونه عبادة ذاتا لله تعالى والجواب عن هذا هو ان الدليل هنا أخص من المدعى فان المدعى هو ان جميع اجزاء الصلاة وساير العبادات مثل الزكاة والحج كيف يؤتى به للغير مع عدم الأمر به بالنسبة إلى غير المكلف وهذا الجواب يكون في بعض افعال الصلاة مثل الركوع والسجود الّذي ينتزع منه عنوان التخشع ذاتا فلا يكون هذا جوابا عن الإشكال العام في ما لا يكون عبادة في ذاته.

والتحقيق في المقام هو ان النيابة والاستئجار توجب ان يكون بدن الأجير و ـ النائب منزلا بمنزلة بدن الميت أو الحي فيصير امره امره فيأتي بالعمل بقصد الأمر ويراعى شرائطه فهو هو بالتنزيل وحيث لا إشكال في نفسه لا يكون في البدن التنزيلي له فان النائب والأجير بدنهما بدن تنزيلي للمنوب عنه والمستأجر وإرادته إرادته وعمله وعمله.

اما الجواب عن الإشكال الثاني وهو كيف يحصل القرب بالنسبة إلى المنوب عنه أو المستأجر فقد ظهر من مطاوي ما ذكر وهو ان بدن هذا الشخص إذا صار بدنا تنزيليا يكون البدن والعمل وما يترتب عليه من القرب للمنوب عنه أو المستأجر هذا كله في مقام الثبوت.

واما في مقام الإثبات يعنى إثبات ان هذا العمل تعبدي أو توصلي بحسب الدليل الدال عليه فأول ما نتعرض له فيه هو كلام المحقق الخراسانيّ (قده) فانه قد اختلف في

١٥٩

انه هل يمكن ان يكون المأمور به هو ذات العمل مع قصد الأمر أم لا فقيل بأنه ممكن بأمر واحد وقيل بأمرين وقيل بأمر واحد إذا كانت الإرادة متعددة بنحو الطولية وهو (قده) أنكر إمكانه بأمر واحد في صدر كلامه وذيله والناظرين بكلامه يتوهمون (١) انه أراد القول بالمنع بواسطة لزوم الدور ولكن روح كلامه يرجع إلى ان قصد الأمر اما يكون شرطا للمأمور به خارجا عنه كالطهارة فلا يكون الأمر منحلا إليه لأن الشرط خارج عن المشروط فكيف يمكن ان يقال ان الأمر المنبسط على الاجزاء ينبسط على الشرط الخارج واما ان يكون جزءا فعليه وان كان الانحلال إليه ممكنا ولكن امتثاله غير ممكن لأن اللازم من ذلك هو ان يكون الأمر علة لداعوية نفسه للتحريك فهو علة لعليته للتحريك وهذا يكون أسوأ حالا من الدور ضرورة ان تقدم الشيء على نفسه محال فهذا من حيث كونه مأمورا به يكون معلولا للأمر فهو مؤخر ومن حيث ان الموضوع في رتبة العلة للحكم فيكون مقدما ولا يمكن ان يكون الشيء الواحد مقدما ومؤخرا.

ولكن يمكن الجواب عنه بأنا نختار انه يكون جزء ولكن كما ينحل الأمر على الركوع والسجود في الصلاة ينحل على قصد الدعوة أيضا فبالقطعة التي تكون على غير قصد الدعوة يصير الاجزاء مقرونا بقصد الدعوة وبالقطعة التي تكون على قصد الدعوة يؤتى بما صار مقرونا بالدعوة فداعوية الأمر بالصلاة لا تتوقف على الأمر بها والأمر بها لا يكون متوقفا على الداعوية بل الصلاة مع الأمر بها موضوع للأمر على الداعوية.

لا يقال ان القطعة التي من الأمر على الصلاة هل تكون مطلقة من قصد الأمر أولا فانه على فرض كونها مطلقة لا نحتاج إلى قصد الدعوة وعلى فرض كونها مقيدة يعود المحذور فيها من انه كيف يمكن قصد الأمر في العمل الّذي لا يكون

__________________

(١) تقدم الشيء على نفسه يكون هو الملاك لاستحالة الدور فلا يكون ما ذكره الأستاذ مد ظله بيانا لكلامه غير ما فهمه الناظرون إليه.

١٦٠