مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تذكرة فيها تبصرة لطبع هذا الكتاب

لا يخفى على طلاب العلوم الدينية أن أكثر العلوم في زماننا هذا قل طلابه العمقي لشدة وضع عيشة بنى آدم عموما واختلاف الأفكار خصوصا لأهل الدين من جهة الحوادث اليومية وقد بقي بحمد الله والمنة في بعض الحوزات العلمية نضج بالنسبة إلى الفقه والأصول لوجود أعلام هم بمنزلة أرباب الأنواع بالنسبة إليهما وبالنسبة إلى ساير العلوم كثر الله أمثالهم وشكر الله مساعيهم وأطال الله بقاءهم ولكن لم يزد على زمن الشيخ الأنصاري والمحقق الخراسانيّ ومن يحذو حذوهم قدس الله أسرارهم إلا شيئا قليلا لو لم نقل صار التعمق في كلماتهم أقل ومن الحري ان يكون التحقيق في الكلمات أزيد من السابق لأن ترقي ساير العلوم حتى بالنسبة إلى الأمور الكونية يزيد منه بصيرة في أي علم كان ولو لم يكن التحقيقات الجديدة في كلمات اللاحقين لكنا في خسران مبين بل لازم التفكر حقه فيها هو انكشاف ما لم ينكشف لهم لا لقصورهم بل هم بالنسبة إلى وسعهم جعلوا الطريق واضحا وعلينا زيادة التوضيح للاحقين خدمة للعلم ولو لا زحماتهم وكتاباتهم لكان الاجتهاد في زماننا هذا في غاية العسر لكثرة الفروع المستحدثة مع عدم فراغ البال غالبا.

وقد يقرع السمع مع ذلك كله عن بعض من لا خبرة له كما هو حقه ان الفقه والأصول قد انتفخ انتفاخا ولا حاجة إلى طول المباحث وزعموا ان من يسمى بالفقيه قد بلغ غايته ولا يعلمون ان نقل المسائل هو تبليغ ما أفتى به المفتي أو تقليد ما

٣

كتبه الماضون ولا يعلمون أن الناس يحتاجون إلى عين جارية يروى كل عطشان وما كتب يكون أقل قليل من ما يحتاج إليه بل أكثر الفروع لا تعرض له في الكلمات ولا يحصل هذا الا بالتدبر والتفكر والكتابة كما كان سيرة السلف ليحصل الوصول إلى مبدأ النور بحسب الوسع حتى انى كنت متفكرا مدة مديدة وفي شك ان ما أكتب من الفقه والأصول وأحرره هل كان الاحتياج إليه بهذا النحو وهل يكون فيه رضا صاحب الزمان عليه‌السلام خصوصا طبع الأصول والفقه ولكن كنت في صدد نظم المطالب والفكر فيه حسب امر الأستاذ مد ظله وتشويقه ثم في مقام الطبع أيضا كنت متأملا ولكن بعد مراجعته وطرح ما كان في ذهني فهمت أن ترويج العلم لا يكون إلّا بهذا النحو وبالقول المعروف كم ترك الأول للآخر وبعد الاستخارة بكتاب الله تعالى صار العزم شديدا ولذا صرت في صدد طبع ما حررته من الأصول في الدورة الثانية لبحث شيخي الأستاذ مد ظله مع ما بلغ إليه النّظر بحسب المجال وما يقتضيه التقرير والتذييل واسأل الله ان يوفقني وجميع الطلاب لما هو الحق الحقيق فإن من أنظم الاجتماعات اجتماع كان فقيههم يعنى من يبين حكم أفعالهم اقرب إلى الواقع وأقل من الخطاء الفقه الذي يكون في صدد بيان أحكامهم العبادية والاقتصادية والسياسية الفقه الّذي يكون نسبة الأحكام الأولية كوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موافقة للأحكام الثانوية مثل رفع ما اضطروا إليه.

وحق ان يقال أيها الفقيه الذي تريد ان تكون يوما آمرا وناهيا لكرة الأرض بل لسائر الكرات السماوية لو بلغت إليه وكان فيه إنسان مكلف ليس أمرك ونهيك كأمرك ونهيك لولدك وعيالك فان مفاسد الخطاء فيه كثير والمسئولية شديدة فانظر إلى دقتك في أصول هذا الفقه واتخاذ المبنى والبناء عليه ولا تغفل عن ساير آيات القرآن في غير الأحكام أيضا وان كنت ممن لا تستطيع الجمع فأرجع سؤال السائل في كل علم إلى أهله ولا تجعل نفسك حيرى في هذا وذاك فان الجنون فنون والفنون جنون وعلينا أن نطلب الأجر من الله تعالى في كل ما كنا أهلا له في خدمة العلم

٤

والمسلمين في الآخرة وإلّا فإتعاب النّفس للدنيا بهذا النحو أيضا جنون آخر أعاذنا الله منه وليكن في ذكر منك ان الإحاطة بكلام كل مؤلف في كل مورد تحتاج في الغالب إلى الإحاطة بمعلوماته فإن العبارة ربما قاصرة عن كاشفية المراد وقد رأيت بعض أهل التحقيق لإحاطته بكلام بعض المحققين في مجلس الدرس كان يقول هذا غير مراد من المؤلف ظاهره بل صريحه لعلمه بآخر كتابه كما كان عالما بأوله ولذا رأينا أن العلماء إذا كان لهم إشكال على السابق منهم ينسبون أنفسهم بعدم الفهم للكلام لا من كان عليه الإشكال وهذا البحث يحتاج إلى كتاب على حدة وقد خرجنا عن طور التذكرة وأرجو من الإخوان العفو وان لا ينسوني من الدعاء ولي تذكرة أخرى تأتي في الجلد الثاني.

ثم أهدي هذا الكتاب إلى المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين سيما الإمام الرءوف علي بن موسى الرضا عليه‌السلام الّذي كان توسلي إليه مؤيدا بل سببا لتوفيقي على هذا القليل وسلامي على مولاي الإمام الثاني عشر حجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح العالمين له الفداء وعجل الله له الفرج لنصير فارغا عن شتات الكلام وعلى الله التوكل.

ثم لا يخفى ان هذا التقرير يكون جامعا لمطالب تقريرات الاعلام مثل ما عن العالم المتبحر الشيخ ضياء الدين العراقي قده وما عن النحرير النائيني قده مضافا إلى مطالب الكفاية والرسائل للعلمين الآخوند والأنصاري (قدس‌سرهما) وغيرهم رضوان الله عليهم وبه يحصل الاستغناء بمرتبة عما ذكر سيما مع قلة وجود ساير التقارير خصوصا ما عن العراقي قده ـ المؤلف.

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

في موضوع العلم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على أشرف الخلائق أجمعين وعلى آله الطيبين سيما بقية الله في الأرضين الحجة ابن الحسن العسكري عليه‌السلام واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين

اما بعد فهذه تقريرات بحث شيخنا العلامة الأستاذ آية الله العظمى الحاج ميرزا هاشم الآملي أدام الله بقاءه بيد العبد محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي عفي عنه مع تذييلات منى ويكون ترتيب البحث في هذه طبق الكفاية للمحقق المدقق الشيخ محمد كاظم الخراسانيّ (قده)

قال الأستاذ اعلم ان من عادة المؤلفين ان يترتبوا كتبهم على مقدمة ومقاصد وخاتمة اما المقدمة فيكون البحث فيها عن موضوع العلم ومسائله وغايته والبحث عن ذلك في جهات.

الجهة الأولى في البحث عن الموضوع قال الخراسانيّ (قده) موضوع كل علم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة فالموضوع يكون له وجود جوهري ضرورة ان كل قضية يتركب عن وجود جوهري هو الموضوع ووجود رابطي هو المحمول ووجود رابط هو النسبة بينهما والمحمول في العلم هو مسائله وهو (قده) يبحث عن موضوع العلم عموما لأن المقام يكون من مصاديق البحث الكلي والموضوع في المقام يكون ما هو دخيل

٦

في الاستنباط فان الأحكام يستنبط بواسطة الأصول والمراد بالعرض الذاتي هو ما لا يكون له واسطة في العروض فان حركة السفينة تكون عارضة لها بلا واسطة وحركة جالسها عارضة له بواسطتها فله واسطة في عروض الحركة واما الواسطة في الثبوت فيكون لكل موجود سوى الله تعالى. هذا هو المعروف بين الحكماء ثم يضمّون إلى هذا التعريف بان العرض الذاتي هو الذي لا يكون العارض فيه اعلم أو أخص مثل عروض الجنس على النوع وعروض الفصل على الجنس فان عروض الجنس على النوع من عروض الأعم على الأخص وعروض الفصل عليه من عروض الأخص على الأعم ويكون هذا من قبيل العرض الغريب لا الذاتي.

وقد أشكل على هذا التعريف للذاتي بان العوارض في أكثر العلوم يكون من عروض الجنس على النوع فان البحث في ان الأمر هل يقتضى الوجوب أو الاستحباب أو غيره أو هل يقتضى الفور أو التراخي الذي يكون البحث فيه في الأصول يكون من عروض الأعم على الأخص فان الأمر الخاصّ هو الأوامر الواردة في الشريعة والبحث عن انه هل يقتضى ما ذكر أم لا يكون في مطلق الأمر ونوع منه أوامر الشرع.

وأجابوا عن الإشكال بما يرجع حاصله إلى إنكار المبنى بوجوه : الأول : ان يقال ان العلم لا موضوع له أصلا أو لا يكون العرض فيكون آتيا أو أن الذاتي يطلق على حمل الأعم على الأخص وبالعكس اما بيان عدم الموضوع له هو ان يقال ان علم الأصول وكل علم يكون عدة من القواعد المجتمعة الدخيلة في غرض واحد فان الغرض في الأصول هو استنباط الأحكام والقواعد التي يتشكل ويترتب عليها هذا الأثر هو العلم والموضوع واما بيان ان العرض لا يكون ذاتيا فهو انه لا شبهة في ان البحث عن مسائل كل علم بالنسبة إلى الموضوع يكون ذاتيا واما بالنسبة إلى موضوع العلم فلا يكون ذاتيا بل يكون عروضه بالنسبة إلى موضوعه بواسطة موضوع المسائل واما بيان ان عروض الأعم على الأخص وبالعكس من الذاتي هو ان ذاتي الشيء هو ان يكون متحد الوجود معه ولا يحتاج إلى تخصص استعداد لهذا الشيء ليصير العرض عرضا له (مثل العالمية

٧

للإنسان) واما ما لا يحتاج إلى ذلك مثل عروض الجنس أو الفصل كل على الآخر فهو من الذاتي فانهما متحدان في الوجود ولا يكون الجنس على حدة والفصل كذلك فلا يعتبر التساوي في صدق كون الذاتي ذاتيا كما عن صدر المتألهين (١) وفيه انه قد عرفت ان ما ذكروه يكون إنكارا لمبنى القائل بان موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية مع ضميمة ان الذاتي ما لا واسطة له في العروض ولا يكون جوابا على المبنى وقد أشكل على تعريف صدر المتألهين القائل بان العارض يمكن ان يكون أعم كعروض الجنس على النوع بتداخل العلوم فانه أكثر العلوم كان البحث عن الأعم بحثا للأخص فان موضوع علم النحو يكون الكلمة والكلام فلو كان البحث عن الفاعل بما انه فاعل من جهة التقديم والتأخير وساير الجهات المذكورة في علم البيان هو البحث عن ذلك الموضوع بواسطة عروضه على الأخص وهو الفاعل يتداخل كل علم أدبي مع النحو وكذلك الصرف موضوعه الكلمة والكلام والحال انه علم وعلم البيان علم آخر والبحث في أحدهما عن الكلمة والكلام من حيث الإعراب والبناء وفي الآخر من جهة الحسن والقبح والفصاحة والبلاغة.

لا يقال كما قال صاحب الفصول بان الموضوع وان كان في الجميع واحدا ولكن حيث كل يوجب التمايز فان البحث في علم النحو عن الكلمة والكلام من حيث الإعراب والبناء وفي علم الصرف من حيث الصحة والإعلال وفي علم المعاني من حيث الفصاحة والبلاغة وهذه الحيثيات يوجب تعدد الموضوعات بالاعتبار وفيه ان القيد لو أخذ في الموضوع بان يقال قيد الموضوع في علم النحو بكونه معربا يصير البحث عنه لغوا لأنه ضروري غير محتاج إلى البحث ليصير محمولا فان الحمل بعد تحقق الموضوع فهو لاحق ولا يمكن ان يكون سابقا.

فان قلت معنى ملاحظة الحيثية ان في الكلام استعداد البحث فيه عن كل جهة

__________________

(١) راجع الأسفار ج ١ ص ٣٣ فانه (قده) بينه بأبسط بيان

٨

وهذا التغاير الاستعدادي يكفى لتمايز العلوم.

قلت لا يكاد يعقل ان يتعدد الموضوع بذلك فان المؤثر هو الجامع بين الاستعدادات ولو سلمنا يصير من قبيل البحث عن الجنس الأعم العارض للأخص فلا يندفع الإشكال بما ذكر بل التحقيق ان يقال ان الجنس والفصل والنوع لا يكون إلّا انتزاعات عن وجودات واقعية خارجية ولا صقع لهذه العناوين الا النّفس فليس لنا جنس ولا فصل ولا نوع بل كل موجود خارجي يكون مجموع الموجودات الجوهري والرابطي والرابط وتشخصه بنفس وجوده خلافا للمتكلمين القائلين بان التشخص بالعوارض فان الشيء متشخص توأما مع العرض بنفس الوجود ولكن تارة يكون البحث عن الوجود الشديد (مثل نور پانصد شمعى) وتارة يكون عن الضعيف (نور صد شمعى) فان الأخصية توجب الشدة والأعمية الضعف والمشي عارض الضعيف والضحك عارض الشديد وما ذكر في الأصول من البحث عن ان العارض عارض الفرد لا أساس له أصلا فان الفرد أيضا لا يكون له خصوصية سوى نحو الوجود الذي يكون في غيره والعوارض لا يوجب ان يكون موجبا لفردانية الفرد نعم يبقى الكلام في تمايز العلوم وسيأتي.

ثم انه كلام عن شيخنا النائيني (قده) هنا في معنى عرض الغريب والذاتي حاصله هو ان كلما يحصل لشيء بواسطة شيء آخر ويكون بواسطته واسطة في العروض يكون من الغريب وكلما لا يحصل إلّا بواسطة لا تكون لها واسطة في العروض يكون ذاتيا فان التعجب عارض الإنسان بعد دركه واقعة متعجبة فما هو الذاتي يكون الدرك والتعجب كذلك لأن واسطته وهو الدرك لا تكون واسطة في العروض وكذلك المشي العارض للإنسان بواسطة الحيوانية واما الضحك العارض له بما هو متعجب فهو عارض غريب لوساطته بالتعجب الذي واسطة عروضه الدرك.

وفيه ان الوسائط التي ذكرها يكون من الجهات التعليلية ولا يكاد يمكن ان يصير الجهة التعليلية تقييدية فان الجهات التعليلية ولو كانت كثيرة لا توجب الواسطة بين الشيء وعارضه فان الحيوانية جهة تعليلية والمشي عارض الإنسان بها ولا تكون هي

٩

واسطة على ان المثال الذي ذكره لا يكون موافقا لما عليه القوم فان الجنس لا يكون واسطة العروض على مذهبهم.

الجهة الثانية في البحث في تمايز العلوم بعضها عن بعض لإثبات وحدة العلم.

قد اختلف الكلام في ان تمايز العلوم هل كان بالموضوع أو الغرض أو الاعتبار المشهور على ان (١) وحدة العلم بوحدة الغرض ضرورة ان المؤلف يجمع بين مسائل متشتتة لغرض واحد مثلا في علم الأصول يبحث عن الأمر هل يقتضى الفور أو التراخي أو الوجوب أو الاستحباب ثم اجتماع الأمر والنهي ثم النهي في العبادات وهكذا ثم البحث في القطع والظن بأقسامه وهذه لا يخفى ان كل واحد بحث على موضوع ولكن الغرض الواحد وهو الدخل في الاستنباط صار سببا لجمعها وصيرورتها علما واحدا يسمى بأصول الفقه مثل من يجمع بين متشتتات ويسميها بالإسلام في طور الاجتماع مثلا لا يقال ان وحدة الغرض تكون معلولة وحدة الموضوع والسنخية بين العلة والمعلول وما هو المشهور بينهم بان كل ما بالعرض ينتهى إلى ما بالذات يقتضى ان يكون الموضوع واحدا ليصدر منه الواحد وتكون الوحدة ذاتية له لتعرض الغرض أيضا لأنا نقول لا موضوع للعلم أصلا حتى يقال انه واحد ضرورة انا نرى ان كل علم يكون البحث فيه عن متشتتات على موضوعات متعددة وما قيل من السنخية لا تكون في الاعتباريات

__________________

(١) المشهور على ان وحدة العلم بوحدة الموضوع ولكن في مجلس الدرس هكذا تلقينات ولذا ترى سوق الكلام من حيث الإشكال والجواب ولكن لو كان المراد أن الوحدة بوحدة الموضوع ينقلب البحث بان نقول بان المشهور من قاعدة السنخية بين المعلول والعلة استفادوا من وحدة الغرض وحدة الموضوع فيشكل عليهم بان المناط بوحدة الغرض فيجاب عنهم ان وحدة الغرض اعتبارية لا يمكن التمسك إليها ولكن هذا بعيد عنهم لأن هذا لا يكون دفعا للإشكال عليهم بل تثبيت ان الغرض عن واحد فالموضوع غير واحد وبعض أهل البحث معي فهم كلام الأستاذ هكذا ويناسبه ما سيأتي من ان التمايز بالموضوع عندهم ولكن بعيد عن طور الاستدلال فان وحدة الغرض لو كانت اعتبارية فما وجه استفادة وحدة الموضوع منها.

١٠

بل الوحدة الحقيقة تقتضي الصدور عن الواحد الحقيقي وفي المقام لا يكون لنا واحد حقيقي حتى يقال ان الغرض واحد حقيقي بل التحقيق ان يقال ان وحدة العلم اعتبارية فان اعتبره المؤلف واحدا يصير واحدا بالاعتبار كاعتبار ما بين الدفتين كتابا واحدا.

ولشيخنا العراقي (قده) هنا كلام وهو ان العلم مجموع القواعد التي يكون مقياسا لفهم الصحة والفساد في كل علم بالنسبة إليه مثلا إذا أردنا ان نفهم صحة اللفظ من حيث الإعراب إذا كان فاعلا يرجع إلى القاعدة الكلية في النحو كل فاعل مرفوع وإذا أردنا ان نفهم صحته عن اعتلاله نرجع إلى علم الصرف فان انطبق عليه قواعد الصحة فهو صحيح وإلّا فهو غير صحيح وهكذا فما قيل من ان وحدة العلم بوحدة الغرض الّذي يترتب عليه لا يكون صحيحا لأن الغرض لا يترتب على القواعد بلا واسطة شيء وضمه إليها حتى نحتاج إلى القول بالسنخية بين العلة والمعلول فان المنطق علم يقال في تعريفه انه يصون الفكر عن الخطاء فهل وجوده اللفظي يصون أو وجوده الكتبي في الكتاب كل ذلك لا يكون بل إذا أراد المنطقي ان يفهم صحة المقدمات والنتيجة التي أخذت منها يقيس مطلبه على قواعده فيفهم ذلك فليس الغرض معلولا للعلم بحيث يحصل بعده مثل حصول المعلول بعد حصول العلة اللذان لا ينفكان ووحدة المعلول كاشفة عن وحدة العلة.

وفيه انه الدخيل مع ضم إرادة المريد ذلك فان من لم يعلم تلك القواعد لا يمكن له استفادة ذلك عن القواعد فكأنه يكون مقتضيا لترتب الأثر عليه قبل ضم الضمائم فوحدة العلم تارة تكون بوحدة الموضوع مثل علم الحساب الذي موضوعه العدد وتارة بوحدة الغرض.

الجهة الثالثة في تمايز العلوم بعضها عن بعض.

قد اختلف الكلام في ذلك أيضا من حيث انه هل كان بالموضوع أو بالغرض (١)

__________________

(١) والحق ان وحدة العلم بوحدة الغرض وهو مدار البحث فإذا قيل علم النحو من أي شيء يبحث قيل البحث فيه من الإعراب والبناء لحفظ اللسان عن الخطاء وان الغرض من علم الأصول ـ

١١

أو بالاعتبار فذهب القدماء بان التمايز تارة بالموضوع مثل علم الطلب الذي موضوعه بدن الإنسان وعلم الحساب الذي موضوعه العدد فان البحث في كل غير البحث في الآخر وتارة بالموضوع ولكن مع ضم الحيثيات مثل الكلمة والكلام التي تكون موضوع علم النحو من حيث الإعراب والبناء وموضوع علم الصرف من حيث الصحة والاعتلال وموضوع علم البيان من حيث الصحة في المقال ثم الحيثية تارة يضم بما هو أعم وتارة بالمساوي مثال المساوي ما مر واما إذا كان أعم مثل الجسم الّذي يكون موضوع علم الطبيعي من حيث التغيير والتغير وموضوع علم الطب الإنسان من حيث الصحة والسقم مع كون الإنسان جسما ولكن أخص من مطلق الجسم.

وقد ذهب الآخوند (قده) بان وحدة العلم بوحدة الغرض فان الذي قد جمع بين متشتتات المسائل هو الغرض الذي لأجله دون هذا العلم فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما له دخل في مهمين ولأجل كل منهما دوّن علم على حدة فيصير من مسائل العلمين.

ثم قال (قده) لا يقال فعلى هذا يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كان

__________________

ـ ما هو فيقال الدخل في الاستنباط فكل شيء يعطى هذا المعنى يكون هو علم الأصول والقول بان وحدة الغرض اعتبارية غير ظاهر الوجه لأن له وحدة حقيقية مثل وحدة الإنسان بالنسبة إلى افراده وهي وجوده في الذهن ويكون علة فاعلية لفاعلية الفاعل ويوجد مصاديقه في الخارج فهو امر جوهري ينتهى إليه امر الافراد ولا يكون عنوان انتزاعي مثل أكرم من في الصحن والحاصل الغرض مثل الدخل في الاستنباط هو المعنى الواحد البسيط الذي لا جزء له وما في الخارج مصاديقه مثل مصاديق الإنسان فهو لا تركيب فيه فعلى هذا ما يكون مدار البحث هو الأمر الواحد البسيط وان كان في الخارج قائما بالموضوع فقولهم ما بالغرض ينتهى إلى ما بالذات وان كان صحيحا في محله وفي المقام ولكن الغرض من الأشياء التي يكون في الذهن والبحث يكون حول المفهومات فهو امر واحد حقيقي وكل ما في الخارج يكون من محققاته هذا ما عندي من البيان إلى الآن والله العالم.

١٢

هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا لا يكاد انفكاكها فانه يقال تدوين علمين وتسميتهما باسمين في هذه الصورة لا معنى له بل يلزم تدوين علم واحد يبحث تارة لكلا المهمين وأخرى لأحدهما مضافا إلى بعد اتفاق ذلك بل امتناعه عادة وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل فانه يصح تدوين علمين لأجل المهمين ومما ذكر يظهر ان التمايز بتمايز الأغراض وإلّا فيلزم ان يسمى كل باب علما بل كل مسألة من مسائل علم واحد علما برأسه لأنه بحث عن موضوع على حدة ومحمول كذلك فلا يكون الاتحاد بسبب الموضوع بل بوحدة الغرض.

ثم انه ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص فيصح ان يعبر عنه بكل ما دل عليه بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته والمثال لتداخل المسائل لو لم يكن المناط بوحدة الغرض هو الجسم الذي هو موضوع للعلم الطبيعي والبدن الّذي هو موضوع علم الطب على ان هذا البحث يكون فيما هو المهم في المقام وهو علم الأصول ولا موضوع له أصلا وقيل في الجواب عنه (قده) هو ان ما بالعرض ينتهى بالاخرة إلى ما بالذات والوحدة بالغرض وحدة عرضية تنتهي إلى وحدة الموضوع وهو الجوهر.

وفيه ان الجامع الذي يكون في المقام له الوحدة الاعتبارية مثل أكرم من في الصحن ولا يمكن إثبات وحدة الموضوع به وعلى التحقيق تتحقق الوحدة الاعتبارية باعتبار المعتبر.

الجهة الرابعة في بيان موضوع علم الأصول : فقيل انه الأدلة الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل مع حفظ ان موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة والذاتي هو الذي لا واسطة في العروض له مع كون الموضوع ذات الأدلة أو هي بوصف دليليتها وعلى التحقيق ان العلم لا موضوع له حتى يقال بان العارض ذاتي أو غريب بل كل امر يقع في طريق استنباط الحكم أو الوظيفة العملية فهو موضوع علم الأصول ولا نعنى به ان هذا موضوع واقعا بل جامع انتزاعي اعتباري وسيأتي المائز

١٣

بينه وبين علم الفقه وان البحث يكون مع الواسطة أيضا بحثا من علم الأصول أو يختص بما كان بلا واسطة.

ثم الإشكال على تعريف القوم بان موضوع هذا العلم الأدلة الأربعة هو انه على فرض كون الموضوع ذات الأدلة والمراد بالعرض الذاتي الذي يكون مفاد ما الحقيقة فيكون البحث عن الحجج في الأصول استطراد يا ضرورة ان هذا العلم يكون البحث فيه عن حجية الخبر الواحد وحجية الظن مطلقا.

وان كان الموضوع هو السنة مثلا بوصف دليليتها فيجب البحث عن أصل الدليل في علم آخر مثل علم الكلام ويصير بحث المتعارضين خارجا عن العلم.

فان قلت البحث فيه عما يثبت به السنة الواقعية فان دليلية السنة وهو القول والفعل من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واضحة من علم الكلام كما عن الشيخ الأنصاري فالبحث في حجية الخبر الواحد هو انه هل يثبت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو فعله بهذا الطريق أم لا قلت مضافا إلى عدم إمكان ذلك لأن خبر العادل أو الموثق لا يكون من وسائل ثبوت السنة ضرورة عدم إثبات قولهم عليهم‌السلام بمجرد قول قائل ويجب ان يكون موجودا في الواقع بوسائطه يكون البحث عن الظهورات مثل ظهور الأمر في الوجوب أو الندب وغيره والبحث عن الاستلزامات مثل الأمر بالشيء هل يقتضى النهي عن ضده استطراديا فان البحث عن ذلك يكون من أحوال السنة ولكن بواسطة الأمر الأعم وهو الجنس ضرورة ان البحث في الأمر يكون في مطلقه والمقام من مصاديقه وهكذا وأنتم لا تقولون بان عرض الجنس عرض ذاتي للموضوع.

فان قلت ان المراد بإثبات السنة هو الأعم من الواقعي والتعبدي ففي صورة عدم الواقع أيضا يكون مفاد حجية الخبر الواحد التعبد به قلت هذا أيضا لا يكون البحث عن السنة بما هي هي والفرض ان العرض الذاتي بل بحث عن السنة المشكوكة ولا يخفى التهافت بين كون الموضوع نفس السنة أو هي بما هي مشكوكة على انه فيه الإشكال السابق من عدم شمول جميع المباحث وكذلك يخرج البحث عن الأصول في ظرف الشك مثل أصالة البراءة والاستصحاب والتخيير وغيره عن أصول

١٤

الفقه وأسوأ مما قيل ما قاله المحقق القمي (قده) من ان الموضوع ذات الأدلة فان فيه الإشكالات السابقة مع ضميمة عدم كون البحث عن ذات السنة في الأصول.

الفصل في تعريف علم الأصول

قال القدماء في تعريفه هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية وقد عدل عن هذا التعريف المحقق الخراسانيّ (قده بأنه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الأحكام والتي تنتهي إليها في مقام العمل (١) ووجه عدوله (قده) هو ان العلم اما تصديق أو تصور وهو الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل وهو بدون النسبة تصور ومعها تصديق ولا يكون الأصول علما بهذا المعنى بل القواعد المدونة في الكتب هي الأصول لا الصورة الذهنية واما عدوله عن قولهم لاستنباط الأحكام الشرعية بقوله يمكن ان يقع في طريق الاستنباط لأن استنباط الأحكام لا يكون مترتبا على القواعد بل من شأنها ان تقع في طريق الاستنباط لو أراد المجتهد ذلك.

__________________

(١) تعريف القدماء من أحسن التعاريف وما أشكل عليه المحقق الخراسانيّ (قده) غير وارد اما اشكاله على قولهم علم فغير وارد من جهة ان الوجود الكتبي في القواعد لا يسمى علما بل يقال للفقيه فقيها لأنه يعلم القواعد وما في ذهنه هو الفقه الّذي اتصف به فصار فقيها وكذا المنطقي والنحوي إماما في الكتب فهو وسيلة العلم والحاصل العلم لا يقال له علم إلّا باعتبار الدرك الذي يكون في الذهن ولذا ترى يقال العلم بموت حامليه فالقواعد لها وجود ذهني ووجود كتبي وباعتبار كونه في الذهن هو العلم سيما ان تدبرت في معنى اتحاد العقل والعاقل والمعقول واما اشكاله بقولهم لاستنباط الأحكام الشرعية فلان التحقيق ان كلما يوجد منه الوظيفة أيضا هو الحكم ولو حصل من أصل البراءة واما اشكاله بعد حصول الأحكام إذا لم يستعمل القواعد بل هي الطريق فهم أجل شأنا من ان لا يعلموا ذلك فمرادهم إن شاء الاستنباط واستعمل القواعد فيترتب عليه الحكم واما تعريفه (قده) ففيه الإشكالات.

١٥

والتحقيق في المقام ان نقول : المسألة الأصولية هي التي تقع نتيجتها كبرى للصغريات الفقهية مثلا يقال وجوب صلاة الجمعة مما أخبر به الواحد وكلما أخبر بوجوبه الواحد حجة أعني واجب فصلاة الجمعة واجبة.

ان قيل بان الأمارات على فرض كون المسلك فيها تتميم الكشف يصح ذلك واما على فرض جعل المماثل وتنزيل المؤدى لا يكون المستنبط منها هو الحكم الشرعي بل هو مماثل له أو يترتب عليه آثاره ودليل الانسداد يوجب الظن بالحكم لا العلم به وكذلك في الاستصحاب ان قلنا بأنه يفيد جعل مماثل الواقع وثانيا كثير من القواعد الفقهية أيضا تقع نتيجتها كبرى للصغريات مثل قاعدة لا ضرر ولا حرج وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فانها يمكن ان تكون كبرى للموارد المختلفة في الأبواب المتعددة المتشتتة بان يقال هذا من ما كان الضرر أو الحرج في وجوبه وكل ما كان كذلك فهو غير واجب فهذا غير واجب وفيه ان المراد باستنباط الأحكام هو الأعم من الظاهري والواقعي فما يقع كبرى للواقعي ويفهم منه الوظيفة هو الأصول ولا إشكال في ان الاستصحاب والبراءة وغيره مما يبين الوظيفة ولا نحتاج في ذلك إلى الجامع الّذي أخذه المحقق الخراسانيّ (قده) بقوله : أو التي ينتهى إليه في مقام العمل ومن هنا يظهر الفرق بين المسألة الأصولية والفقهية فان الأولى يبين فيها الوظيفة أو الحكم الواقعي وتكون نتيجتها كبرى للصغريات ولكن الفقهية هي التي تكون نفس الحكم مفادها.

واما فرق الشيخ الأنصاري (قده) وفي الدرر للحائري قده بينهما بان البحث الأصولي ما لا يكون مهاره بيد المقلد والفقهي ما يكون كذلك لا يتم لأن الاستصحاب في الموضوعات مسألة أصولية والمقلد يمكنه ان يجريه وقاعدة ما يضمن مسألة فقهية ولا يفهم المقلد معناها بل هي مما يمتحن بها المجتهد.

والإشكال الثاني في المقام هو ان المراد بالقواعد التي تقع في طريق الاستنباط ما لا واسطة له فالبحث عن الظهورات والمفاهيم والعام والخاصّ يصير استطراديا لأن البحث في ذلك يكون عن مطلق الأمر مثلا وانه ظاهر في الوجوب أم لا وعن مطلق المفهوم

١٦

وهكذا وتطبيقه بما ورد في لسان الشرع من الأمر وغيره يكون بواسطة الأمر الأعم وان كان المراد بالقواعد ما كان مع الواسطة أيضا فيدخل كل علم يكون له دخل في الاستنباط مثل علم الرّجال واللغة والصرف والنحو والمنطق فيصير كل ذلك علم الأصول.

والجواب عنه على مبنى التحقيق واضح لأن وحدة العلم بالاعتبار وكل ما له دخل في الاستنباط لا غرو ان نقول يكون علم الأصول ولكن هنا شيء آخر وهو ان الّذي كان له دخل فيه ولم يبين في العلم المربوط مثل بحث المفهوم لم يبين في المنطق وكذلك العام والخاصّ يبحث عنه في علم الأصول فان المباحث الأصولية التي قد مرت عليها أزيد من الف سنين مع الف تلميذ وأزيد في مجالس الدرس يكون تنقيح المسائل فيه أحسن وأتم من ساير العلوم فكل ما كان كذلك يكون البحث فيه أصوليا.

ثم ان شيخنا العراقي (قده) أجاب بنحو غير تام وهو انه قال : ان علم الرّجال والصرف والنحو لا يكون له مساس بالأصول فان المنصوب بنزع الخافض في العربية ومعرفة رجل في الرّجال والياء إذا كان قبله مفتوحا ينقلب ألفا في علم الصرف لا دخل له في الاستنباط ومثل السعدانة نبت في اللغة كذلك واما مثل مباحث العام والخاصّ والرّجال في بعض الموارد يكون البحث فيه في الأصول من باب تعيين المصداق والجواب عنه (قده) هو انه ما التزمنا بأنه يجب ان لا يكون واسطة حتى نقول بخروج ذلك عن هذا العلم وثانيا ما ذكره من ان هذا من باب تعيين المصداق فلا يختص بما ذكر بل مباحث الظهورات في الأصول أيضا يكون من تطبيق الكلي على المصداق فان الأمر ظاهر في الوجوب وفي الأصول يتعين مصداقه واما الجواب عن نقضهم المسألة الأصولية بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ولا ضرر ففيه انه على ما ذكرناه من المناط وهو ان يكون مناط الأصولية جعل نتيجة البحث فيها كبرى للصغريات في الفقه فلا غرو ان نقول هذه أيضا من المباحث الأصولية دخلت في الفقه وفي سابق الزمان كان من المرسوم ان لا يبحث في الأصول مستقلا بل مقدمة للفقه كان يكتب في أوائل الكتب شطرا من المباحث الأصولية.

واما جواب المحقق الخراسانيّ (قده) بان المسألة الأصولية هي ما كانت في جميع

١٧

أبواب الفقه دخيلة وأما ما كان مختصا بباب دون باب فلا فان قاعدة الطهارة وما يضمن يكون البحث فيها مختصة بالبيع والطهارة مثلا نعم يكون البحث في اللاضرر عاما يشمل جميع الموارد فمدفوع لأنا لا نلتزم بان المناط في المسألة الأصولية كذلك بل كل ما كان نتيجة البحث فيه كبرى للصغريات في الفقه فعلى هذا لا غرو ان نقول قاعدة لا ضرر أصول دون في الفقه وقاعدة الطهارة أنتجت كبرى كلية كذلك ولو تم ينتج فهي من الفقه.

فصل في البحث في الوضع

أي وضع الألفاظ بإزاء المعاني قد اختلف في ان دلالة الألفاظ على المعاني ذاتية أو جعلية لا يمكن تسليم كونها ذاتية لأن الناس لا يكون لهم إحاطة بجميع لغات لسان واحد ليفهموا ذاتية النسبة بينهما لكثرة الألفاظ المترادفة واتحاد المعاني فلو كان لهيئة مخصوصة دخالة في المعنى ما كان للآخر هذه الدخالة واما الإشكال بأنه وضع هذا اللفظ لذاك المعنى دون غيره يكون من الترجيح بلا مرجح وهو بعد كون الواضع الله تبارك وتعالى لا معنى له لقبحه بالنسبة إليه تعالى فمدفوع بأنا ندعي ان واضع الألفاظ لا يكون الله تبارك وتعالى بل البشر حسب احتياجاته جعل الألفاظ بإزاء المعاني والمرجح لذلك إرادته نعم كان كل الموجودات متصلة إلى الله تعالى وكل ما لهم له ومنه يكون إيجاد النطق في الفطرة الإنسانية ليكون قادرا على التكلم وهذا لا يلازم كون الواضع هو الله تعالى بل الإنسان واضعها بحول الله وقوته.

ثم ان المحقق الخراسانيّ (قده) قال في كيفية هذا الوضع بأنه نحو اختصاص للفظ مع المعنى وكان من عادته ان يعبر عما هو مشكل بعبارة لطيفة غير واضحة المراد ولنا ان نبحث بان العلقة بين اللفظ والمعنى واقعية أم اعتبارية كما يكون البحث في الملكية التي هي إحدى الموضوعات من جهة أنها هل كان لها وعاء في العالم غير ما يعتبره المعتبر أم لا بل هي صرف اعتبار شخص بشيء ثم ترتيب الأثر على هذا الاعتبار والتحقيق

١٨

هو الثاني وان البائع والمشتري بعد إجراء الصيغة أو المعاطاة يعتبرون الملك ثم بقية الناس يعتبرون هذا الاعتبار بان الملك صار لفلان عن فلان وعلى هذا الاعتبار بوجود اللاحظ بخلاف ما إذا قيل له وعاء والألفاظ أيضا قيل انّها بإزاء المعاني يكون مثل الاعلام على رأس الفراسخ فكما انه ينزل منزلة الفرسخ بتنزيل اتحادي كذلك اللفظ ينزل منزلة المعنى كذلك أي بتنزيل اتحادي وفيه ان هذا خلاف الوجدان لأنا نرى ان الواضعين لا ينظرون إلى اللفظ في حين إرادتهم المعاني ولا يعتبرونه منزلة المعنى على ان المثال بالأعلام لا يكون مناسبا للمقام لأنه يكون من باب فهم اللازم من الملزوم والألفاظ بالنسبة إلى المعاني لا يكون كذلك والشاهد على ذلك هو ان قبح اللفظ يسرى إلى المعنى فيه بخلاف المقام فان العلم لا يكسب قبحا مما يوضع عليه (١).

ثم هنا مسلك عن المحقق النهاوندي في تشريح الأصول وتبعه شيخنا الحائري في الدرر وهو ان الوضع وارتباط اللفظ بالمعنى يكون بعهد الواضع بعد كون اللفظ أجنبيا عن المعنى ولا وجه لارتباطهما فانه يعهد ان يكون اسم ولده مثلا محمود فبهذا تحصل العلاقة فيدعو ابنه بذلك ولا يكون هذا جوهرا ولا عرضا بل ولا المناسبات دخيلة مثل كون ولده أصبح الوجه فيسمى بمحمود بل يلاحظ ان جده كان اسمه محمود أو غير ذلك مما لا منشئية له لإيجاد العلاقة وصيرورتها امرا تكوينيا.

وقد أشكل على مسلكه (قده) بان هذا يستلزم الدور لأن وضع اللفظ بإزاء المعنى متوقف على العهد ليوجد العلاقة بذلك والعهد متوقف على وجود العلاقة ليرتبط اللفظ بالمعنى وفيه ان التوقف لا يكون في المقام لأن ما يقصد ان يوجد فيه العلاقة هو طبيعي

__________________

(١) كون الاعلام مثل الخطوط المكتوبة في الكتب للدلالة على المعنى مما لا ريب فيه وكما انه نرى قبح المعنى يسرى إلى ما كتب كذلك في المقام فان العلم الموضوع على سينما يكسب قبحا منه والموضوع على باب أو مكان للعزاء على سيد الشهداء عليه‌السلام يكسب حسنا بحيث يتبركون به فكلما قيل في الألفاظ في الكتاب يقال فيه أيضا

١٩

اللفظ لا هذا اللفظ بخصوصه ولا يكون الدور بالنسبة إليه متصورا.

والإشكال الثاني على هذا التقريب ان جعل الربط خارج عن الاختيار ولا يمكن ان تكون الإرادة مرجحة وفيه ان هذا يكون مثل الأمر في التعبديات فانه لا يمكن الآمر ان يقول بإتيان الأمر بداعي التعبد قبل الأمر ولكن يمكنه ان يأمر به بعد الأمر بأصل العمل ففي المقام أيضا يستعمل اللفظ في المعنى وبذلك يصح ان ينتزع منه المرآتية أي مرآتية هذا اللفظ لهذا المعنى بعد الاستعمال ولكن التحقيق عدم اعتبار للعهد بل الناس حسب احتياجاتهم في الموارد المختلفة يستعملون ما يقضى به حاجتهم ثم توجد العلاقة في البين وكذلك أسماء الأجناس ولا يكون لها وضع على حدة غير وضع الأشخاص والحاصل ان الوضع تارة يكون تعيينيا مثل ان يقول الواضع وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى مثل من يجعل اسم ابنه المحمود وأخرى تعينيا وبواسطة القرينة ابتداء يستعمل اللفظ ثم يصير مأنوسا بالمعنى فيقول مثلا ائتني بهذه الإجانة ويشير بإصبعه إليها فانه بعد ما فعل ذلك مرآة لا يحتاج إلى القرينة بعدها :

وقد أشكل على هذا القسم من الوضع الشيخ مهدي النوائي الآملي وهو من أعظم تلامذة الآخوند (قده) بان استعمال اللفظ كذلك لا يمكن ولو قلنا بان استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد جائز لأن الاستعمال في الأكثر من معنى يكون في صورة ان يكون المعنيان في ظرف واحد ولحاظ واحد في نظر اللافظ بنظره الاستقلالي إليهما ولكن في المقام يجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي ضرورة ان من يريد وضع اللفظ يتوجه إليه بالنظر الاستقلالي ويكون في الاصطلاح ما فيه ينظر واما إذا أراد استعماله في المعنى فاللازم ان يكون مما به ينظر ويكون آلة للحاظ المعنى فكيف يمكن ذلك.

وفيه ان هذا الإشكال غير وارد من أصله على مسلك النهاوندي القائل بالعهد لأنه يعهد في نفسه ان يكون اللفظ للمعنى ثم بواسطة القرينة يفهم بان المعنى أيضا مراد من اللفظ فمن جهة يفهم المعنى ومن جهة أخرى يفهم ان المراد بذلك الوضع ويكون من باب تعدد الدال والمدلول.

٢٠