مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ١

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٤

وله منشأ اعتبار واقعي مثل اعتبار التعظيم بواسطة رفع القلنسوة أو انحناء الظهر أو التصافح باليد فان ذلك وان كان اعتباريا ولكن مقومه هو نظر العرف في ذلك فعلى هذا أيضا للبحث مجال لأن التعظيم الصحيح وغيره وهو الفاسد يكون عندهم فان العرف يعتبر المعاملة صحيحة وفاسدة.

وقد أشكل المحقق الخراسانيّ (قده) على هذا التقريب الّذي يكون للمشهور بأنه على فرض كون المعاملات أسمائها للأسباب أيضا لا يصح البحث لأنها لا تكون مخترعة عن الشرع بل تكون عندهم قبله ويكون لها أسماء خاصة والشارع انما أمضى الصحيح منها لا الفاسد وثمرة البحث عن الصحيح والأعم تظهر في صورة الشك وهو الأخذ بالإطلاق وحيث لا يكون أصل العنوان منه لا يمكن الأخذ بإطلاق اللفظ بعد كون الاسم موضوعا للأعم عند العرف فان أمضى معاملة ولم يأت بقيد فيها يكشف عن صحتها عنده نعم لو كان الشك في مؤثر عرفي لا يمكن الأخذ بالصحّة وهذا الكلام أخذه عن صاحب الحاشية على المعالم (قده) ولكنه مندفع بان الإطلاق الذي ادعاه (قده) هو الإطلاق المقامي لا اللفظي كما ان ما ادعاه في باب العبادات على الصحيح هو المقامي وما كنا نترقب هذا الكلام منه (قده) فان المسالك كما مر يكون ثلاثة في المقام كون الملكية امرا واقعيا تكوينيا وكونها امرا اعتباريا محضا وكونها اعتبارية له منشأ اعتبار واقعي فعلى فرض كونها اعتبارية محضا فيكون التخصيص في الحكم لو لم يمض الشرع واحدا من الافراد لأن تلك المعاملة قد اعتبرها العقلاء مثل البيع الربوي أو الغرري ولكن الشرع لم يمضها فخرجت حكما وكما ان التخصيص يرجع في الواقع إلى التخصص كذلك المقام فانه في الواقع ولو لم يكن داخلا لكن في الظاهر يكون خارجا حكما مثل ما إذا قيل أكرم العلماء ثم خصص بزيد مع كونه عالما فانه لم يكن داخلا من الأصل ولكن لصدق العنوان عليه يكون من افراد العام وقد خصص وعلى هذا التقدير يصح التمسك بالإطلاق اللفظي بيانه انه إذا كان في نظر العرف عمل يتخذ عنه عنوان البيع في نظرهم ولكن لا يعلم انه هل كان عندهم لشيء

١٠١

من الأشياء دخل في الصحة أم لا يتمسك بأوفوا بالعقود وأحل الله البيع ولا يعتنى بالعرف في هذا وان كان الاعتناء به من جهة أخذ أصل العنوان فنقول هذا بيع وكل بيع يجب الوفاء به فهذا يجب الوفاء به.

لا يقال ان التمسك بقول الشرع يصح على فرض كونه ممضيا للأعم والشارع أمضى ما هو الصحيح من المعاملات ولا يكون العلم بان هذه المعاملة صحيحة أم لا لاحتمال دخل شيء فيها فعلى التحقيق لا يمكن الأخذ بالإطلاق لأنا نقول إذا صدق العنوان على الأعمي يمكن الأخذ به وجعله مصداقا لأحل الله البيع ولأوفوا وتجارة عن تراض ولكن على فرض كون الاسم على الصحيح فقط يكون صدق العنوان فيه أول الكلام ولا يمكن الأخذ بالعامّ في الشبهة المصداقية والغرض وان كان في المعاملة والعبادة ضيقا يتعلق بالصحيح فقط ولكن العنوان أعم من ذلك ويصدق على الصحيح والأعم هذا كله على فرض المسلك الأول واما على المسلكين الآخرين فلا يمكن الأخذ بالإطلاق لأنه على فرض كون البيع امرا واقعيا تكوينيا يمكن ان يرى العرف شيئا صادقا عليه عنوان البيع ولكن لم يكن في الواقع عند الشرع كذلك فلا علم بصدق العنوان وكذا على الثالث فان العرف وان اعتبر البيع الربوي بين الولد والوالد كسائر البيوع الربوية مخلا بالنظام ولكن يمكن ان لا يكون عند الشرع في هذا القسم إخلالا به بل في غيره فيكون من الشبهة المصداقية للعام لعدم شيء يمكن الأخذ به لطرد القيد من جهة عدم العلم بالملاك ولقد أجاد صاحب الحاشية فيما أفاد وهو عدم إمكان أخذ الإطلاق اللفظي في المقام لأنه لا يكون تابعا للمسلك الأول.

لا يقال كل ذلك مقبول إلّا ان البحث ان كان في ان الأسباب وأسماء المعاملات هل وضعت للصحيح منها أو الفاسد فدليل الإمضاء عن الشرع لا يشملها لأنه يكون إمضاء للمسببات فان قوله أحل الله المبيع وتجارة عن تراض يكون البيع والتجارة عن تراض فيه هو المسبب عن العقد اتفاقا وقوله تعالى أوفوا بالعقود بعد تأويل العقود بالعهود أيضا يكون من إمضاء المسبب لأن العهد يكون مسببا عن العقد وان كان المراد من دليل

١٠٢

الإمضاء إمضاء المسببات وأسماء المعاملات أيضا يكون اسما لها فحيث انها لا تكون قابلة للصحة والفساد لا يأتي فيها بحث الصحيح والأعم ضرورة انها بسيطة يدور امرها بين الوجود والعدم.

لأنا نقول أولا لو كان الإمضاء إمضاء المسبب فقد مر أنه على مسلك من قال بان المعاملات اعتبارات محضة يمكن اعتبار الصحيح والفاسد فان البيع الصحيح والفاسد يكون دارجا بين العقلاء واما على مسلك كونها واقعيات تكوينية أو اعتباريات لها منشأ اعتبار واقعي فلا يجيء النزاع لأن الملاك عند العرف يمكن ان يكون غير الملاك عند الشرع أو الواقع عند الشرع غيره عند العرف.

وثانيا ان في الأدلة يوجد ما يكون بلسانه إمضاء السبب وهو قوله تعالى أوفوا بالعقود فان العقد سبب للبيع وساير المعاملات.

وما ادعاه النائيني (قده) من انه منصرف عن السبب إلى المسبب ممنوع فان العهد أيضا يكون امرا نفسيا من أسباب البيع الخارجي ولا يلزم ان يكون السبب ما هو الظاهر من العقد فانه يلزم ان يعهد في النّفس أولا ثم يظهره بالعبارة بقوله بعت أو قبلت.

وثالثا إمضاء المسبب أيضا يلزم منه إمضاء السبب فانه لو كان لقوله أحل الله البيع العموم الشمولي وكذا تجارة عن تراض يرجع معناه إلى ان كل ما سمى بيعا عن كل سبب يكون حلالا وكذا كل ما كان تجارة عن كل سبب وكذا العكس فانه ان أحرز عموم قوله تعالى أوفوا بالعقود يصير اللازم من وجوب الوفاء بكل سبب هو الوفاء بكل مسبب إلّا ان يدعى أحد الإهمال فنحن في غنى سواء كان الإمضاء إمضاء السبب أو المسبب فعلى أي تقدير يصح البحث عن الصحيح والأعم فان كان الاسم للمعاملة موضوعا لخصوص الصحيح منه عند العرف فلا يمكن الأخذ بدليل الإمضاء لتصحيح البيع أو العقد لعدم إحراز ذلك العنوان إذا كان الشك في شرط عرفي.

نعم إذا كان الشك في شرط شرعي لا فرق بين القول بالصحيح أو الأعم فنأخذ

١٠٣

بإطلاق الدليل فإذا كان صحيحا عند العرف يكون مصداقا للحكم واما على فرض كون الاسم عندهم للأعم فإذا شك في شرط للصحة عندهم يطرد بالتمسك بالإطلاق فتصوير النزاع في المعاملات أيضا لا إشكال فيه.

واما البحث عن إثبات ان الموضوع له هل الأعم أو الأخص فهو أسهل من فهم أسماء العبادات لأن أسماء المعاملات بيد العرف وهو ببابنا والحق ان الأسماء موضوع للأعم بالتبادر والارتكاز وعدم صحة سلب البيع أو غيره عن الأعم وان جماعة تبيعون في السوق بعضهم ببيع ربوي وبعضهم ببيع غرري وبعضهم بالصحيح يصدق عنوان البيع على جميع معاملاتهم.

فصل في المشترك

الحادي عشر من الأمور في الكفاية في ان الاشتراك هل يكون في الألفاظ واقعا أم لا مثل جعل القرء للطهر والحيض فقد ادعى جمع وقوعه وجمع منهم الشيخ هادي الطهراني وفحل الفحول المحقق النهاوندي امتناعه.

والإشكال فيه هو ان الاشتراك مخل بحكمة الوضع فانه يكون للتفهيم والتفهم والمشترك لا يمكن ان يفهم عنه ذلك لإجماله.

وأجاب الآخوند (قده) بان الوضع المشترك لا إشكال فيه إذا استعمل في بعض الافراد ويكون التعيين مع القرينة مع ان الغرض تارة يتعلق بالإجمال مثل قوله تعالى في القرآن منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فبناء الكتاب مع كونه في غاية الفصاحة على الإجمال والجواب عن الأول انه لا معنى لوضع اللفظ لمعنى يتوقف فهمه عنه إلى قرينة فلم لا يضع له بحيث يفهم بلا قرينة واما الجواب عن الثاني فلان عدم الوضع يكفى لحصول الإجمال فلا يحتاج إلى ان يضع اللفظ لكل من المعاني ثم استعمل فيما هو مجمل.

ان قلت ان المراد تارة يكون الإجمال والترديد بين المعنيين أو ثلاثة معان وهو

١٠٤

لا يحصل بعدم الوضع بل يحصل بالوضع على ذلك قلت دوران الأمر بين المعاني كذلك يكون من الفرد النادر (١).

اما الإشكال الثاني في ذلك أي جعل اللفظ للمعاني هو ان دلالة الألفاظ عليها لا تكون بنحو جعل الاعلام على الفراسخ بل بنحو فناء اللفظ في المعنى وكأنه يكون نفس إلقاء المعنى في ذهن السامع فإذا كان كذلك ففناء لفظ واحد في معان متعددة محال.

وقد أجاب عنه شيخنا النائيني (قده) بأنه فرق بين الوضع والاستعمال فانه لا يمكن استعمال اللفظ في المعنيين ولكن يمكن جعله لهما أي إيجاد الاستعداد فيه بحيث يمكن ان يستعمل ويراد به أحدهما.

ولكنه غير تام لأن جعل اللفظ للمعنى يجب ان يكون بنحو الطبيعي بحيث يمكن ان يستعمل في كل فرد من المعنى مثل لفظ القيام الموضوع لصفة خارجية القابل للصدق على جميع المصاديق الخارجية وكذلك لفظ القعود وغيره وفي المقام لا يمكن ان يجعل لفظ القرء مثلا للطهر والحيض ضرورة انه لا يكون فيه استعداد الاستعمال في جميع الأزمان فانه لا يمكن ان يستعمل القرء في مورد يكون المراد به الحيض في الطهر وكذلك العكس والوضع على أحدهما لا على التعيين أيضا لا معنى له لأن هذا العنوان عنوان وهمي محض لا يكون له مطابق في الخارج بوجه لأنه في الخارج اما ان يكون ذا أو ذاك على التعيين لا على الإجمال :

ولكن الجواب الصحيح هو ان يقال للنفس ان تلاحظ المعاني المتعددة في آن واحد لأنها مظهر لقدرة الله تعالى ولها ان يشغلها بعض الشئون عن البعض الآخر وان لم تكن بحيث لا يشغلها شأن عن شأن كلية فان من لا يشغله شأن عن شأن مطلقا هو الله تعالى كما ورد في الدعاء يا من لا يشغله شأن عن شأن فإذا لاحظت المعاني تضع

__________________

(١) بل الغالب في المشتركات هو الدوران كذلك لكونه في صدد التكلم المفيد ظاهرا بل يريد ان يتكلم بحيث يوقع السامع في الترديد بين المعاني المحصورة.

١٠٥

اللفظ في آن واحد للجميع ألا ترى انها حين الحكم يكون الموضوع والمحمول كلاهما عندها حاضرين وإلّا لا يمكن ان يقال ان لحاظ الموضوع يكون حين لحاظ المحمول وبالعكس ليحصل الربط بينهما ويصح الحمل :

واما ما قيل من ان (١) المعاني غير متناهية والألفاظ متناه فلا محالة نحتاج إلى وضع المشترك لئلا يعدم اللفظ ويبقى المعنى بدون ما هو مفهم له ففيه مضافا إلى انه لا يكون لنا جامع بين المعاني ليكون اللفظ موضوعا له لا يكون طريق الوضع هو ان يضع الواضع كرسيا ثم يقول بأني وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى وذلك بل العقلاء حسب احتياجاتهم يضعون الألفاظ للمعاني المستحدثة حسب احتياجاتهم فكلما احتاجوا إلى الوضع يضعون لفظا جديدا ولا مئونة له وثالثا ان المعاني وان كانت كثيرة ولكن لا يكون لنا الاحتياج إلى الجميع لنحتاج إلى الوضع المشترك.

في استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد

قد اختلف في جواز استعمال اللفظ في الأكثر من معنى فقال جمع بالمحالية وقال آخرون بأنه غير محال عقلا ولكن محال على حسب القواعد المقررة في كل لسان (٢) وقال الآغا رضا الأصفهاني (قده) بأني استعمل في الأكثر من معنى واحد

__________________

(١) مع قطع النّظر عن ساير الأجوبة نقول يمكن ادعاء ان الألفاظ بتركيب بعض الحروف مع بعض يكون غير متناه ألا ترى ان الإنسان حسب احتياجاته يوجد اللفظ للمعنى ولا يكون في ضيق من هذه الجهة كما أن الاعداد غير متناهية بحسب الفرض وان كان ما هو الموجود في الخارج متناهيا بل لا يوجد غير متناه في الخارج إلّا الله تعالى فانه تعالى غير متناه قوة وشدة وعدة.

(٢) والحق ان النزاع ان كان في صورة الاستعمال مع القرينة لا بدونها فلا إشكال فيه أصلا لا من جهة اللفظ ولا السامع ولا النّفس فان العمدة الإشكال في اللفظ فنقول كما انه لو وضع الواضع لفظا لمعنيين مركبين فقال الإنسان وضع للحيوان الناطق فنفهم ـ

١٠٦

كثيرا وكيف ما كان فالبحث لتنقيح المرام في جهات.

الجهة الأولى في ان المحال أي نحو من الاستعمالات فان للفظ مدلول بالذات وهو المطابق الذهني ومدلول بالعرض وهو الخارجي فيظهر عن المحقق الرشتي (قده) ان المدار على الخارج الّذي يكون مناط النفي والإثبات في الحكم فيكون مثل أكرم من في الصحن داخلا في محل النزاع ويظهر عن شيخنا الحائري والعراقي (قدس‌سرهما) ان المدار على المدلول بالذات لأن العنوان الواحد مثل أكرم من في الصحن لا إشكال في استعمال اللفظ فيه.

ثم لا إشكال في ان الجامع الّذي يكون ذا اجزاء خارجية لا إشكال في أن استعمال اللفظ فيه يشمل اجزائه مثل الرهط والطائفة فإن دلالتهما على ما تحتهما من الافراد مما لا شبهة فيها لأن الوضع يكون بهذا النحو ولا بحث فيه انما الكلام في استعمال اللفظ بلحاظين مستقلين بان يلاحظ الحيض مثلا مستقلا والطهر كذلك ثم استعمل اللفظ مثل لفظ القرء فيهما فيكون محل النزاع في استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد هذا النحو منه وهاهنا تارة يكون الكلام في انه يمكن ان يكون الماهيتان مثل الحيض والطهر ملحوظتين بلحاظ واحد ليتصور استعمال اللفظ في هذا اللحاظ أو لا يتصور ليكون خارجا عن محل النزاع.

ثم استدل على منعه بان الإدراك الواحد كيف يمكن ان يتعلق بمدركين وبان اللفظ الواحد كيف يمكن ان يكون مرآة للمعنيين المستقلين وبان الشيئين المستقلين

__________________

ـ الجزءين عند الاستعمال كذلك إذا قال جئني بعين باكية وجارية معناه استعمال اللفظ في معنى واحد سعى بالقرينة أو يقال ان القرينة تجعل اللفظ في حكم التكرار فكأنه قيل جئني بعين باكية وجئني بعين جارية فيكون لهذا اللفظ استعداد الفناء في المعنيين والحاصل اما ان لا يكون من استعمال اللفظ في الأكثر من معنى أو يكون في حكم استعمال اللفظين في المعنيين ولا إشكال فيه أصلا وان كان النزاع في استعماله بدون القرينة فيكون الإشكال في محله.

١٠٧

في اللحاظ كيف يمكن ان يكونا تحت لحاظ واحد فان اللفظ مرآة المعنى فكيف يمكن ان يلاحظ المعنيين المستقلين واستعمال اللفظ الواحد فيهما في آن واحد.

وفيه ان للنفس ان ترى ماهيتين ثم توجدهما بوجود ذهني واحد فان الموجودات الخارجية كما صارت منورة بنور واحد هو الوجود المنبسط على الجميع ولا يضر كثرتها بوحدته كذلك الماهيات الذهنية توجد بوجود واحد ذهني وينبسط على الجميع فلا إشكال في لحاظ الماهيتين تحت لحاظ واحد من النّفس.

ان قلت (١) لا مقوم للوجود الذهني غير اللحاظ فانه إذا لاحظ هذا الشيء يوجد بوجود ذهني واللحاظان غير لحاظ واحد.

قلت الوجود واحد وكل ماهية حصة من ذلك الوجود فلا إشكال في استعمال اللفظ في الأكثر من معنى من هذه الجهة : (٢) الجهة الثانية في البحث عن ان القصور هل كان من جهة النّفس أو من جهة اللفظ أو من جهة السامع يظهر من كلمات المحقق الخراسانيّ (قده) انه يكون من جهة اللفظ وقال شيخنا العراقي (قده) بما حاصله يرجع إلى شرح كلام المحقق الخراسانيّ (قده) فان الحاصل منه هو ان اللفظ مرآة المعنى وفان فيه ولا يمكن ان يكون فنائه الا في مفني واحد إذا كان واحدا.

والجواب عنه هو ان مقوم اللفظ لا يكون لحاظ اللاحظ بل وجوده الخارجي شيء غير مربوط بلحاظه فان قالوا بأنه يلزم ان يكون الواحد اثنين نرى انه في الخارج

__________________

(١) أقول للنفس عنايات متعددة في ما تتصوره في زمان واحد وما تتصوره بالتدريج فالتعدد بالزمان أيضا لازم لكونه في هذا العالم زمانيا.

(٢) وفيه نظر فان وحدة الوجود لا يوجب وحدة اللحاظ ووحدة الماهية نعم للنفس لحاظ الماهيتين وانما الكلام في الكاشف الذي هو اللفظ فانه بوحدته لا يكون له الفناء فيهما الا مع القرينة كما مر ويظهر من مطاوي كلماته مد ظله أيضا.

١٠٨

لا يكون إلّا واحدا وأن كان المعاني متعددة نعم لو كان قوامه اللحاظ لا يمكن ان يكون بلحاظ واحد فانيا في المعنيين أو كان الوحدة جزء المعنى فانه لا يمكن ان يكون اللفظ الواحد خارجا بقيد الواحد فانيا في المعنيين فلا يرجع كلامهم هذا إلى محصل لقصور اللفظ من حيث البرهان فالإشكال من هذه الجهة غير وارد ولو كان المراد ان النّفس غير قادر على اللحاظين في آن واحد فممنوع من جهة ان لها اقتدار على لحاظات في ان واحد مثل تصور الموضوع والمحمول والنسبة حين الحكم ويجب حضور الثلاثة في آن واحد وإلّا لا يمكنها القضاوة مع عدم المتحاكمين مع النسبة عندها واما من جهة السامع فقد توهموا ان اللفظ علة للمعنى والعلة الواحدة لا يمكن ان تكون موجبة للمعلولين في عرض واحد.

وفيه ان اللفظ لا يكون علة للمعنى بل يصير علة لحصول صورته في الذهن وهو واحد على ان النقوض الّذي سيأتي عن الحائري قده في الدرر يكون أقوى شاهد على وقوعه.

الجهة الثالثة في النقوض قالوا بأنه لا شبهة في وجود الأحكام الحقيقية مثل ان يقال يجب الحج على المستطيع فان المدلول بالذات وان كان عنوانا واحدا ولكن حيث يكون افراد المستطيع في الخارج تحت اللحاظ يلزم منه (١) استعمال مفهوم

__________________

(١) لا يكون في الذهن لحاظ واحد أولا ثم فناؤه في لحاظ المصاديق ليكون نظير استعمال اللفظ في الأكثر من معنى بل على فرض لحاظ المصاديق بان يتصور ان زيدا المستطيع يجب عليه الحج وعمر وكذلك لا يحتاج إلى لحاظ وحداني آخر بل في مقام التفهيم يأخذ المتكلم من الجميع عنوانا ويضع الحكم عليه أي يلقى خصوصية زيد وعمرو ويلاحظ ذاتا عامة وصفة عامة فيكون الاتحاد في اللفظ ولكن بعنوان عام والبحث في استعمال اللفظ في الأكثر من معنى هو ان يلاحظ الخصوصيات والحاصل لا يكون في الذهن فناء مفهوم في اللحاظات وفي الخارج يكون فناء اللفظ العام ولكن لا يكون بعنوان جامع على فرض ملاحظة المصاديق وعلى فرض الأستاذ مد ظله في الجواب من عدم لحاظ الافراد أصلا فالامر أسهل لأنه استعمال لفظ واحد في معنى واحد سعى.

١٠٩

واحد في الأكثر من معنى واحد فالإشكال من جهة تعدد المصداق لا تعدد العنوان.

والتحقيق هو ان الحكم يكون على طبيعي المستطيع وهو لا يقتضى الشمول ولا عدمه ليحتاج إلى لحاظ جميع الافراد ولذا نحتاج في إثبات الشمول بنحو العموم إلى أدواته مثل لفظ كل وأمثاله وفي إثبات الإطلاق إلى مقدماته لإثباته فلو كان في ذاته مقتضيا لذلك لا يبقى وجه لذلك فلا يكون النقض بذلك له تماس مع استعمال اللفظ في الأكثر من معنى ضرورة وحدة اللفظ ووحدة المعنى من جميع الجهات هذا في الأحكام التي تكون بنحو القضايا الحقيقية واما ما يكون بنحو القضايا الخارجية مثل أكرم من في الصحن وأكرم هؤلاء بعد معلومية أعدادهم وملاحظتهم فانه وان كان شبيها بالمقام ولكن لا يجدى للإشكال لأن امتناع استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد يكون محالا في صورة كون كل واحد ملحوظا مستقلا وفي المقام لا يكون كذلك بل اللحاظ بعنوان عام شامل للجميع ولا يكون النّظر إلى الخصوصيات الفردية مثل طول لحية فرد أو قصرها هذا كله بحسب الواقع واما بحسب القواعد المقررة في العربية فقيل بان استعماله في الأكثر خلاف ديدن الوضع لأن الواضع وضع اللفظ ليستعمل في المعنى وحده واستعماله في الاثنين أو أكثر خلافه.

وفيه ان هذا يرجع إلى إثبات قيد الوحدة مع اللفظ وهو غير معقول (١) أولا لأن ما لا يأتي الا من قبل الاستعمال لا يمكن ان يكون في رتبة متقدمة وهو رتبة الوضع هذا أولا وثانيا يكون خلاف الارتكاز فان الديدن على وضع اللفظ لذات المعنى وحيث كان كذلك فلو اشترط الواضع شرطا كان يقول استعمله في الليل لا نصغي إليه لأن العلقة قد حصلت بوضعه للذات وقال الميرزا القمي (قده) بعد ما رأى فساد قيد الوحدة بان اللفظ يستعمل في المعنى في حال الوحدة لا مقيدا بها وهو ممنوع لأنه ان رجع إلى الاشتراط لا نصغي إليه بعد دلالة اللفظ على المعنى وإلّا فهو خلاف

__________________

(١) أقول يعقل ذلك لأن للواضع ان يجعل مرآتية اللفظ حين كون المعنى واحد أفيرى ذات المعنى مع قيد الوحدة فيضع اللفظ له وعدم كونه موافقا للارتكاز لا ربط له بالإمكان الذاتي.

١١٠

العقل والارتكاز وحالات (١) الواضع والموضوع له غير دخيل في الوضع كان يكون الواضع جالسا أو قائما فانه لا يمكن ان يقال يجب استعمال اللفظ في المعنى في حال القعود أو القيام.

وقد فصل قوم في المقام بين استعمال المفرد فيه والتثنية والجمع ببيان ان التثنية تكون في حكم التكرار فإذا قيل جئني بعينين يكون معناه جئني بعين وعين وفناء اللفظين في المعنيين لا إشكال فيه.

وأجابوا عنهم بان المسالك في باب التثنية ثلاثة عند أهل الأدب الأول ان يكون وضعها وضع الجوامد بان نقول كما ان الرّجل يدل على ذات واحدة كذلك الرجلان يدل على الاثنين وهذا ساقط لأنه لم يكن ارتكاز أهل المحاورة عليه.

والثاني ان يكون وضعها بنحو ان يدل الرّجل على الطبيعي والألف والنون يكون قرينة على إرادة فردين من الطبيعة وفيه ان هذا أيضا خلاف الارتكاز ، والثالث ان يكون الرّجل دالا على الطبيعي وبدال آخر وهو الألف والنون يفهم ان المراد به أكثر من واحد فعلى أي حال يكون المراد بالتثنية الفردين من طبيعة واحدة ولكن في المقام أرادوا فردين من الطبيعتين مثل طبيعة عين الباكية وطبيعة عين الجارية فلا يكون موافقا لمقتضى وضع أهل الأدب ولا يرفع غائلة استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد وان قلت نستعمل اللفظ ونأتي بالقرينة مثل الباكية والجارية على إرادة المعنيين قلت هذا أيضا ممنوع لأنه أيضا خلاف وضع التثنية هذا ما قيل ولكن يمكن ان يكون مراد القائل غير ذلك بل انه أراد انه لا بد من وجود جامع بين الفرد والفرد ليمكن ان يستعمل التثنية مثل اشتراك زيد وزيد في كون اسمهما زيد فهذا زيد وذاك زيد فيقال زيدان ففي المقام أيضا يكون

__________________

(١) هذا الكلام يكون في صورة كون المسلك ان الوضع يحصل بالاستعمال في المعنى مع القرينة على فرض إرادة الوضع به فيكون حال من حالات الواضع كون المعنى وحده واما على فرض كون الجعل قبل الاستعمال لا يكون هذا من حالاته.

١١١

العين والعين مشتركين في انهما مسميتان بالعين.

فان قلت في افراد طبيعة واحدة يكون الجامع بين ما هو مشترك بالاشتراك المعنوي بخلاف المقام فان الاشتراك يكون في اللفظ فقط قلت لا فرق بعد وجود الجامع بين كونه جامعا انتزاعيا أو ماهويا ولا إشكال فيه ولا يكون خلاف الارتكاز نعم يكون الاستعمال مجازيا في الطبيعتين لأن الألف والنون وضعا للدلالة على فردين من طبيعة واحدة وهنا يكون من طبيعتين بينهما جامع انتزاعي وكذلك يجوز استعمال التثنية في جنسين تحت جنس الأجناس مجازا.

اما إشكال استعمال اللفظ المفرد في الأكثر من معنى فقالوا بأنه يكون من استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء وهو أكثر من معنى واحد والشيء بشرط شيء وهو الوحدة غيره بشرط لا فبين المفرد والكثير تكون النسبة التباين.

والجواب عنه أن تفرد المعنى عند اللحاظ غير وضع اللفظ له مع هذا التفرد فان القيد ليس من الموضوع له في شيء والمطلق غير داخل في المقيد فلا وجه لكلام المحقق الخراسانيّ (قده) في المقام فانه لا يكون من باب الكل والجزء أو يقال (١) بان اللحاظ في كل واحدة من المعاني مستقل ويفنى كل لفظ في معناه.

بقي في المقام شيء ذكره المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية وهو انه ورد في روايات كثيرة أن للقرآن الشريف بطونا ثلاثة أو سبعة إلى سبعين بطن وهاهنا تارة يكون الكلام في ان أصل القرآن أي شيء هو وما حقيقة البطن وهو غير مربوط بنا بل بالمحققين في هذا الفن ولكن نحن نبحث فيما نحن بصدده من جهته الأصولية وهو استعمال اللفظ في المعنى فقد توهم انه يكون من استعمال اللفظ في الأكثر من معنى بل في سبعين معنى فأجاب عنه المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية بجوابين

__________________

(١) أقول معنى إلقاء قيد الوحدة هو ان يطلب الشيء مع غيره ومن يفنى لفظا واحدا ويريد معنيين يكون معناه انه لاحظهما معا.

١١٢

وفي الدرس أيضا بجوابين فنقول مقدمة انه لا شبهة في ان الروايات وردت في عظمة القرآن وان اللفظ الواحد منه يكون بحيث يفهم كل أحد منه شيئا بقدر وسعه من المعرفة هذا أولا وثانيا ان استعمال ألفاظه الشريفة في المعاني يكون مثل استعمال ساير الألفاظ في معانيه عند العرب والحاصل طريقه طريق محاورة أهل الأدب من العرب لكن بوجه أنيق وكيفية دقيقة إذا عرفت ذلك فنقول اما جواب المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية أولا بأنه يمكن ان يكون فهم بطون القرآن من القرائن الحافة بالكلام وكان يعرف القرآن من خوطب به فهو ساقط على ما بيناه لأنه ينافى عظمة القرآن فانه ان كان فهم ساير المعاني منه بالقرائن فلا يبقى فرق بينه وبين ساير الكلمات الصادرة من العرب على هذا النحو.

واما جوابه الثاني بان غير الواحد من المعاني تحت اللفظ يمكن ان يكون من باب اللوازم الخارجية للمعنى فيفهمه أحد ولا يفهمه الآخر فهو أيضا ساقط لأن اللازم من ذلك هو ان يكون الألفاظ علامات للمعاني لا فانيا فيها وفرضنا في المقدمة ان دأب القرآن هو دأب العرب في الاستعمال وهو يكون بنحو الفناء لا العلامية هذا تمام الجواب في الكفاية اما جوابه في الدرس فهو ان الألفاظ موضوع لحقيقة المعاني ويستعمل في المفهوم وربما يكون لهذا المفهوم مصاديق كثيرة مثل لفظ الميزان فانه يكون له مصاديق كثيرة مثل ما يوزن به الأثقال وما يوزن به الأعمال كما يقال ان عليا عليه الصلاة والسلام ميزان الأعمال وهكذا فاستعمال لفظ واحد في القرآن يكون بهذا النحو فانه ربما يمكن ان ينطبق على جميع المصاديق والجواب عنه انه لا جامع بين المصاديق المتعددة حتى يستعمل اللفظ فيه وكيف يمكن ان يكون مفهوم واحد معبر لحاظات متعددة فان الجامع يكون عنوانيا مثل أكرم من في الصحن لا حقيقيا اللهم إلّا ان يقال كما مر ان اللحاظ لا يكون بالنسبة إلى كل واحد استقلاليا بل صرف أخذ الجامع بين الافراد ولو عنوانيا يكفى لصيرورته معبرا لجميع المصاديق.

١١٣

والجواب الثاني (١) في الدرس هو كونه علامة للمعنى وحيث يكون هذا خلاف مبناه لأنه قائل بالفناء يمكنه ان يقول انه خلاف دأب ساير اللغات العربية ولكنه مخالف لما اعتقدنا من عدم أسلوب جديد للقرآن في المحاورات.

الثالث عشر من الأمور في الكفاية في البحث في المشتقات

والكلام في ذلك يكون في ضمن جهات الجهة الأولى في ان المشتق هل يكون استعماله فيما انقضى عنه المبدأ حقيقة أم لا بعد الاتفاق على ان ذلك مجاز فيما لم يتلبس به مثل لفظ الضارب فانه حقيقة في حال الضرب ومجاز فيمن سيضرب والبحث في كونه حقيقة أو مجازا بالنسبة إلى من كان ضاربا ثم قال الشيخ هادي الطهراني (قده) بان النزاع هنا هل يكون فلسفيا أو يكون بالنسبة إلى وضع الواضع أي هل يكون الكلام في إمكان الاستعمال حقيقة أو في ان الواضع هل وضع عليه لفظ المشتق أم لا الظاهر من كلام الاعلام من التبادر وصحة السلب شاهد على ان النزاع في الوضع.

الجهة الثانية في اختصاص النزاع في المشتقات لا ما يكون من الجوامد لأنه يكون امره دائرا بين الوجود والعدم فإذا قلنا زيد أسد اما ان لا يكون في الخارج هذا العنوان أو يكون ويترتب عليه حكم الحقيقة والمجاز ولكن المشتق يكون الذات ملحوظة فيه وبعبارة أخرى إذا قلنا الضارب يكون معناه ذات لها الضرب فيكون الكلام في ان صدق هذه الصفة على الموصوف هل كان بنحو التوسعة في الوضع بان الواضع لم يرى الذات متلبسا بالمبدإ فقط وجعل لفظ الضارب بل وضع لما هو أعم منه ومما

__________________

(١) أخذت هذا الجواب منه مد ظله بعد الدرس ولم يذكره فيه والّذي يمكن ان يقال في المقام هو ان استعمال اللفظ في المعاني مع القرينة لا إشكال فيه على التحقيق وعلى فرض عدم الجواز فيمكن ان يقال يكون من باب تعدد المصاديق تحت عنوان واحد مثل الميزان الصادق على ما يوزن به الأعمال وعلى ما يوزن به الأثقال.

١١٤

انقضى عنه المبدأ فينتج التوسعة في الحمل أي إذا قلنا زيد ضارب مع انقضاء المبدأ فيكون حمل الضرب على زيد بنحو الحقيقة.

والتحقيق ان النزاع لا يكون في الوضع ولا في الحمل لأنه لا يعقل ان يكون الحمل على ما لا يكون متصفا بالمبدإ بنحو الحقيقة فلا يمكن ان يقال للملح الّذي صار كلبا انه كلب وللإنسان الّذي كان نطفة انه نطفة بالفعل فلا يكاد يمكن ان يكون البحث فيه ولذا جعل بعضهم النزاع في أصل عقلائي وهو ان الحكم إذا صدر عن المولى على شيء هل يكون مختصا بظرف التلبس أو يكون أعم من ذلك مثلا إذا قيل لا تبل تحت شجرة مثمرة هل يكون الأصل العقلائي على ان المراد هو عدم البول حتى في فصل عدم الثمرة أو يكون مختصا بصورة كون الشجرة مثمرة بالفعل وهذا بحث معقول لأن الترديد يكون في ضيق الحكم وسعته لا في صدق الوصف على الذات وعدمه.

وفيه ان النزاع في ذلك أيضا لا جدوى له لأنه يجب ان نحرز في كل مورد ان العلة للحدوث هي العلة للبقاء أم لا وهذا لا يحرز إلّا بالقرينة الخارجية ولا يكون الأصل العقلائي في جميع الموارد.

الجهة الثالثة في ان وضع المشتقات هل يكون بنحو الجمود أو يكون الوضع فيها قانونيا المشهور قانونيته وهو خلاف التحقيق وعلى فرض كونه كذلك فصدر كلام عن بعض منهم المحقق الخراسانيّ (قده) وهو ان الوضع في الهيئة قانوني وفي المادة شخصي مثلا ان هيئة ضارب على وزن فاعل وان كان دالا على ان الوصف كان له نسبة صدورية إلى الذات ولكن لفظ الضرب على وزن الفعل لا يكون وضعه قانونيا.

وفيه ان الوضع في المادة أيضا قانوني فان الضرب أيضا له من المادة شيء ومن الصورة شيء آخر والمادة في الجميع تكون مثل الهيولى بالنسبة إلى الصورة ولا يمكن ان تكون ملاحظة بنحو الاستقلال.

توضيح ذلك ان الحدث كالضرب وان كان له طور واحد من الوجود وهو

١١٥

وجود رابطي متحد مع الذات التي صدر منها ولكن بحسب الاعتبارات الذهنية له أنحاء من الصورة الذهنية التي يكون بكل صورة منها مفهوما خاصا لما يدل عليه من الألفاظ فان الحدث يلاحظ تارة بما انه شيء من الأشياء بلا ملاحظة انتسابه إلى ذات ما وحينئذ تكون هذه الصورة مفهوم اسم المصدر (مثل گفتار ورفتار) وأخرى يلاحظ منتسبا انتسابا ما أعني به كونه مهملا من جميع خصوصيات النسبة من حيث كونها قد تحققت أو هي متحققة فعلا أو ستتحقق فيما يأتي أو مطلوبة التحقق ونحو ذلك وحينئذ تكون هذه الصورة مفهوم المصدر.

وثالثة يلاحظ منتسبا إلى ذات ما نسبة مشخصة من جهة ومهملة من جهة أخرى أعني انها مشخصة من حيث اتصاف ذات ما بذلك الحدث اما على نحو اتصاف ذات ما بذلك الحدث اما على نحو اتصاف فاعله به أو على نحو اتصاف من وقع عليه به أو على اتصاف مفعول ذلك الحدث أو على نحو اتصاف ما وقع فيه به إلى غير ذلك من الخصوصيات التي بها تتشخص هذه النسبة وهذه الصورة مفهوم اسم المشتق كاسم الفاعل والمفعول والآلة والمكان والزمان ونحو ذلك.

وتارة رابعة يلاحظ الحدث مغايرا للذات ومنسوبا إليها نسبة تامة مشخصة من حيث زمان وقوعه فتارة على نحو الوقوع كالماضي وأخرى الترقب كالمضارع أو إرادة الوقوع كالأمر ولا يخفى ان بين جميع الصور يكون قدرا مشتركا ساريا لا يكون في الذهن إلّا في ضمن صورة منها ومن ظهر ان قول أهل الأدب ان المصدر أصل الكلام لا يكون له أصل لأن الهيئة المصدرية أيضا لها مادة.

الجهة الرابعة في الفرق بين الأسماء والأفعال والتحقيق ان الفرق بينهما هو ان الأفعال وضعت لربط خاص ونسبة خاصة تصديقية مثل ضرب فان معناه بالفارسية (زد) والأسماء يكون لربط نسبة ناقصة تصورية مثل قولنا القائم والضارب فان معناه بالفارسية (ايستاده وزننده) ولا يكون فيها التصديق بذلك واما الوجوه التي قبل في الميز بينهما فالكل مخدوش.

١١٦

الأول ان الأسماء يكون له مطابق في الخارج وان الأفعال لا يكون له مطابق فان الضارب في الخارج موجود ولكن لا يكون ضرب بهيئة الماضي له مطابق فيه وبعبارة أخرى يتصور في هيئة الفعل ثلاثة أشياء نفس الفعل والذات والربط بينهما كل واحد منها بلحاظ يخصّه بخلاف الضارب فانه يرى شيئا واحدا يكون الذات والوصف متحدا باتحاد وجودي فيه.

وفيه ان هذا مبنى على كون وضع المشتقات بنحو الجمود وعدم كون وضعه قانونيا وهو وان كان مسلك التحقيق ولكن أنتم لا تقولون به وعلى فرض تسليم كون الوضع قانونيا أيضا لا يتم لأنه مبنى على القول بان الذات داخلة في المفهوم.

ولا يخفى ان الذات غير داخلة في مفهوم الضرب بل مطابق العالم هو العلم بنحو اللابشرط وكذلك مطابق الضارب الضرب كذلك بحيث يجتمع مع الذات اللهم إلّا ان يكون مرادهم ان المشتقات لها نحو مرآتية عن الذات واما غيرها فلا يكون كذلك فان الضرب لا يكون له مرآتية عن الذات بخلاف الضارب.

والثاني ان الميز بينهما بان الفعل يكون دالا على وجود المادة في الخارج دون الاسم فانه إذا قلنا ضرب (ومعناه بالفارسية زد) يكون التصديق بوجود المبدأ في الخارج في الزمان الماضي بخلاف ضارب فانه لا دلالة له على وجود المبدأ وعدمه وهذا هو المعروف بين أهل الأدب.

والثالث ان كل واحد منها يحكى عن الخارج ولكن الفعل يحكى عن خارج يصح (١) السكوت عليه الاسم يحكى عن خارج بالنسبة الناقصة فان الضارب مثلا يكون مثل المبتدإ لا يتم بدون الخبر ولكن ضرب دل على معنى قد وقع في الخارج

__________________

(١) لا يخفى ان القائل إذا أتى بالفعل لا يتم كلامه إلّا إذا ذكر فاعله أو كان ضميرا مستترا ولا يصح السكوت الا بعد ذكر ما هو ركن الكلام ولو كان مراده وقوع الضرب في الخارج من دون النّظر إلى فاعله أو مفعوله يكون التعبير بنحو آخر مثل ان يقال وقع الضرب أو وقع القتال فذكر الفعل فقط لا يكفى كما ان الاسم أيضا كذلك.

١١٧

والرابع ان المائز بين الأسماء والأفعال هو دخالة الزمان في الثاني دون الأول فان الماضي مقترن بما مضى من الزمان والمضارع بما يأتي وهكذا الأمر بالحال.

وقد أشكل على ذلك المحقق الخراسانيّ (قده) في الكفاية وكذلك عن شيخنا العراقي (قده) بان الزمان لا يكون دخيلا في حقيقة الفعل وإلّا يلزم ان يكون نسبة الأفعال إلى الملائكة وإلى الله تعالى وساير الموجودات التي فوق الزمان محتاجة إلى التجريد عن الزمان لأن علم الله وكان الله ولم يكن معه شيء لا يكون فيه الزمان دخيلا وحيث لا يكون عناية بالتجريد فلا يكون دخيلا وان كان الزماني يقع أفعاله في الزمان.

وفيه ان الدلالة على التقدم (١) والتأخر يفهم من الماضي والمضارع ولكن كل شيء بحسبه يكون له وعاء فان الزمانيات وعائها الزمان إذا نسب بعضها إلى بعض وإذا نسبت إلى الثابتات يكون لها وعاء يسمى الدهر وإذا نسبت الثابتات إلى مثلها يسمى السرمد ولكن حيث لا يكون للزمان دال بالمعنى الاسمي ولا بالمعنى الحرفي فلا دليل لنا على الالتزام به فان لفظ يضرب لا يكون فيه ما يدل على الزمان فلا يكون فيه ذلك.

وهم وتنبيه قيل فيما فيه الزمان مثل أفعالنا انه حيث لا يكون في الهيئة الكلامية ما يدل عليه ولا محالة يكون في الزمان يكون أطوار المفهوم فيه مختلفة مثل علم زيد في مكان كذا أو زمان كذا ويكون له التحقق المحض من حيث ذاته من دون النّظر إلى ـ الزمان.

وفيه ان النسبة الترقبية التي في المستقبل كيف يكون لها تحقق في الخارج وكيف يمكن ان يكون اللحاظ بالتحقق فقط من دون دخالة الزمان على ان البحث في ان المشتق حقيقة في ما تلبس بالمبدإ أو في الأعم يكون على فرض وجود ذات ثابتة لها حالتان فهي باعتبار إحدى الحالات والأزمنة تكون متلبسة وباعتبار بعضها غير متلبسة ولذا

__________________

(١) أقول حاصل هذا الكلام يرجع إلى ان التقدم والتأخر تارة بالزمان وتارة بالذات مثل تقدم رتبة العلة على المعلول فيقال كان الله في مرتبة عليته ولم يكن معه شيء في هذه المرتبة وهكذا.

١١٨

يكون اتصافها بالمبدإ بالنسبة إلى المستقبل مجازا فلا بد للقول بدخل الزمان ولذا في الجوامد لا يصح هذا النزاع فان الكلب إذا صار ملحا لا يتوهم أحد انه بعد صيرورته كذلك هل يصح صدق الكلب عليه أم لا ولكن يقال زيد كان ضاربا فهل يصدق عليه الضارب في الزمان الثاني أم لا وبهذا الملاك الّذي ذكر لا يلزم ان يكون جميع الجوامد داخلا في محل البحث فإذا كان لنا ذات وتكون مركز انتساب صفة ما من الصفات يكون بحث المشتق فيها صحيحا كالزوجية والرقية والأمية والبنتية فان لنا ذات واتصاف بالزوجية والرقية وهكذا ولا يلزم ان يكون مورد البحث من المشتقات المعروفة وما قيل من ان المصدر المزيد مشتق عن المصدر المجرد فهو من الأغلاط لعدم لحاظ ذات في الثاني أيضا فانه لا فرق من جهة عدم الذات بين الكرم والإكرام (بمعنى گرامى بودن وگرامى داشتن في الفارسية) فنحن في هذا الباب نكون في صدد وجود ذات وصفة منتسبة إليها فتحصل من ذلك ان ما لا يكون من المشتقات أيضا داخل في محل البحث بهذا الملاك ومن هنا ظهر خروج مثل الضاحك والناطق من المشتقات عن البحث ولو كان مشتقا لأن الذات بعد عدم الصفة تصير معدومة ضرورة فقد الإنسان مثلا بواسطة فقد الناطق والضاحك فما كل مشتق داخل في محل البحث وما كل جامد خارج عنه فما ذكر ولو كان مشتقا يكون خارجا ومثل الزوجية وأمثالها يكون داخلا ولو كانت جامدة.

ولذا ترى العلامة على ما نقله ولده الفخر عنه جعل هذا العنوان أي الزوجية داخلا في محل البحث من حيث ترتب الثمرة بيان ذلك انهم فرضوا من كان له زوجتان كبيرتان مدخولتان فأرضعتا زوجته الصغيرة ففي الإيضاح تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين لأن الأولى إذا أرضعت الثانية تصير أم البنت لأن الصغيرة تصير بنتا والكبيرة أم البنت ثم إذا أرضعت الثانية صغيرة ثانيا فاختار والدي المصنف (ره) وابن إدريس تحريمها لأن هذه أيضا تصدق عليها أم زوجته لأن الصغيرة كانت زوجة له والآن وان كانت بنتا ولكن حيث كانت زوجة يصدق على مرضعتها أم الزوجة ولا يلزم بقاء مبدأ الاشتقاق وهو الزوجية في صدق العنوان وفي المسالك بنى

١١٩

هذه المسألة على الخلاف في مسألة المشتق من انه هل كان حقيقة فيما تلبس بالمبدإ أو يعمه وما انقضى عنه والحاصل لو صدق عنوان أم الزوجة تكون الثانية محرمة لحرمة أمهات النساء.

اما بيان حصول البنتية والأمية إذا أرضعت الأولى فلأنه لا يمكن الجمع بين الأمية والزوجية بالنسبة إلى الكبيرة ولا البنتية والزوجية بالنسبة إلى الصغيرة فتحصل الأمية والبنتية في رتبة واحدة بواسطة ذهاب الزوجية وبعبارة أخرى قد يكون النزاع في المشتق في انه هل يكون موضوعا للمتلبس أو الأعم وقد يكون في أن زمان الجري والحكم هل يجب ان يكون واحدا أو متعددا والبحث في الثاني وجريان بحث المشتق يكون على هذا أيضا لأن انبطال عنوان الزوجية كان لعدم إمكان الجمع بينهما فلا وجه لفرق الفخر ، بين الكبيرة الأولى والثانية حيث يقول بزوال الزوجية في الأولى دون الثانية والرتبة في العلة وان كانت مقدمة على الرتبة في المعلول فان الزوجية مقدمة رتبة على الأمية والبنتية ولكن لا ينافى معية العلة مع المعلول زمانا ولعل هذا هو مراد صاحب الجواهر قده من ـ الرتبة الواحدة إلّا ان يقال ان العرف يرى انفكاكا زمانيا بين العلة والمعلول ولكن لا يكون الاقتران هكذا في زوجته الثانية لأنها ترضع من كانت زوجته والأولى كانت مرضعة من هو زوجة فعلا وهذا ما عن شيخنا الأستاذ العراقي قده وحاصله انه قائل بعدم اتحاد ـ الرتبة.

وقد أشكل عليه باتحاد الرتبة لأن الرضاع المحرم يوجب الأمية والبنتية وهما متضايفتان والزوجية معها ضد والكل في رتبة واحدة واستفادة علية أحدها في نظر الشرع مشكلة.

ويرد عليه بأنه على فرض التضاد بين الزوجية والأمية والبنتية ففي الرضاع الأول تبطل الزوجية بحصول إحدى الأخريين وبطلانها يشعر بان الزوجية كانت محققة قبل فلا بد ان يقال ان زوال الزوجية متقدم وإلّا فلما ذا لا ترفعان لتبقى الزوجية فتحصل من ذلك ان الجميع وان كان متضادا ولكن الرتبة لا تكون واحدة فبالرضاع المحرم

١٢٠