البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - ج ١

أحمد بن محمد بن عجيبة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - ج ١

المؤلف:

أحمد بن محمد بن عجيبة


المحقق: أحمد عبدالله القرشي رسلان
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٣

شيوخه :

تتلمذ شيخنا أبو العباس على كثير من علماء عصره ، وأثبت هنا تعريفا بأهم شيوخه ، الذين اتصل بهم أكثر من غيرهم ، واشتهر بالأخذ عنهم.

١ ـ الفقيه القاضي عبد الكريم بن قريش [ت ـ ١١٩٧ ه‍] (١) أول من تتلمذ عليه ابن عجيبة بتطوان ، ترجم له داود فى تاريخه قائلا : (الإمام العالم ، الفقيه المدرس ، الخطيب ، كان رحمه‌الله مشاركا فى كثير من الفنون ، وكان يستظهر مختصر خليل حفظا ، ودارت عليه الفتوى فى زمانه بتطوان. تولى قضاء طنجة قهرا ، فأظهر العدل وحمدت سيرته ، وكان كما يقول تلميذه ابن عجيبة : (ملجأ الناس فى الفتوى والشفاعة عند الولاة) مات فى الحجاز سنة (١١٩٧ ه‍) ويعتبر ابن قريش أحد الأساتذة الذين أكثر مفسرنا الأخذ عنهم (٢).

٢ ـ الفقيه الشيخ (أبو الحسن علي بن أحمد بن شطير الحسني) [ت ـ ١١٩١ ه‍] (٣) نعته داود نقلا عن أزهار البستان ، فقال : (الفقيه الإمام المحدث العالم النحرير ، كان رحمه‌الله فقيها نحويا محدثا ذا ورع تام) درّس البخاري والألفية ، ومختصر خليل ، وشمائل الترمذي ، بتطوان ، وكان كما يقول ابن عجيبة : (صابرا لإلقاء الدرس ، ذا عناية بالعلم ، متواضعا متقشفا ، يلبس الخشن من الثياب ، على طريقة السلف الصالح). أخذ عنه مفسرنا بتطوان ألفية ابن مالك ومختصر خليل ، وغير ذلك.

٣ ـ الفقيه العلامة (أبو عبد الله محمد بن الحسن الجنوي الحسني) [١١٣٥ ـ ١٢٠٠ ه‍] (٤) أحد أعلام تطوان وزهادها ، وأشهر أساتذة ابن عجيبة ، (الشيخ الإمام ، المحقق ، المتفنن ، الفهامة ، العارف بالله الأمين المعروف بالصلاح والدين المتين) ، هكذا حلّاه مخلوف فى (شجرة النور) ، ووصفه تلميذه ابن عجيبة (بالإمام الحبر الهمام مفتى الأنام ، وأحد أئمة الإسلام ، وخاتمة المحققين ، وشمس المدققين). كان مشاركا فى الأصول والفروع يحرر المسائل ويدققها ، ولا يرضى بالتقليد فى شىء من علومه ، وكان ملجأ الناس فى حل المشكلات ، تأتى الفتاوى إليه من أقطار المغرب ، كما كان متبحرا فى علوم التصوف ، مطلعا على غالب فروعه ومسائله ، وكان يفر من الشهرة وملاقاة السلطان ـ لازمه شيخنا ابن عجيبة ملازمة تامة ، حتى توفى الجنوى سنة ١٢٠٠ ه‍ ، بعد أن أخذ عنه تفسير القرآن ، والبخاري مرتين ، سماعا ، وبعضه شرحا ، وكذلك مسلم ومختصر خليل السبكى ، وورقات الخطاب فى أصول الفقه للإمام الجويني ، وفى علوم التصوف أخذ عنه الرسالة القشيرية ، وحكم ابن عطاء ، وأصول الطريقة ، والنصيحة الكافية ، للشيخ زروق.

__________________

(١) انظر في ترجمته : تاريخ تطوان ٣ / ٩٦ ومخطوط أزهار البستان في طبقات الأعيان ، لابن عجيبة / ٢١٣ ، والفهرسة ، لابن عجيبة / ١١.

(٢) راجع الفهرسة ، لابن عجيبة / ١١.

(٣) انظر في ترجمته : تاريخ تطوان (٣ / ٩٥ ـ ٩٦) والفهرسة / ٣١.

(٤) انظر : شجرة النور الزكية / ٧٧٥ ، تاريخ تطوان (٣ / ٩٦) مخطوط أزهار البستان / ٢١٧.

٢١

٤ ـ العلامة المحدث (أبو عبد الله محمد التاود بن الطالب بن سودة المري) [١١١ ـ ١٢٠٩ ه‍] (١) الإمام الهمام ، شيخ الإسلام ، وعمدة الأنام ، وخاتمة المحققين الأعلام ، وهلال المغرب وقدوته وبركته. هكذا حلّاه صاحب شجرة النور ، وقال عنه الحافظ الزبيدي :

ومنهم محمد بن الطالب

التاودى العدل ذو المواهب

رئيس فاس ، كاشف الغيوم

وعالم المنطوق والمفهوم

إليه فى بلاده يشار

عليه فى المعارف المدار

انفرد بالإمامة فى الحديث ، كما كان مقدّما فى التفسير ، والفقه ، والتصوف ، ، والكلام ، والمنطق ، ، والأصول ، قال عنه الكتاني فى فهرسته : (لا أعلم أحدا ممن ينتمى إلى العلم بالمغرب ، إلا وله عليه منة التعليم ، إما بواسطة أو بغير واسطة أو بهما معا) ، وحلّاه تلميذه ابن عجيبة فى أزهاره (بشيخ الجماعة ، وملحق الحفداء والأجداد) أخذ عن أحمد مبارك اللمطى ، وابن عبد السلام بنانى ، ومحمد جسوس ، وغيرهم ، ومن شيوخه بمصر ، الشيخ العيدروس ، وحسن الجبرتى ، وأبو الحسن العدوى. وكانت له رحلات لتدريس العلم بمصر والحجاز ، فأقرا بالأزهر الموطأ ، فتسارع ـ كما يقول كنون ـ الناس للأخذ عنه لما رأوا من حفظه وإتقانه ، وحضره أعيان المذاهب الأربعة ، وكبار مصر وصلحاؤها ، كالشيخ الدردير والحافظ الزبيدي.

ومن تآليفه المفيدة : (زاد المجد الساري إلى قراءة صحيح البخاري) فى نحو أربعة مجلدات ، وحاشية على تفسير ابن جزى ، وشرح الأربعين النووية و (المنحة الثابتة فى الصلاة الفائتة) و (طالع الأمانى على مختصر الشيخ الزرقانى) وغير ذلك كثير. أخذ عنه شيخنا ابن عجيبة صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وحصل منه على إجازة مطلقة عامة (٢).

٥ ـ الحافظ أبو عبد الله الطيب بن عبد المجيد بن كيران (١١٧٢ ـ ١٢٢٧ ه‍) (٣) أحد أساتذة ابن عجيبة بفأس ، قال عنه مخلوف فى شجرة النور : (الإمام ، الحامل لواء المعارف والعرفان ، العلامة المتفنن فى العلوم ، الحامل راية المنثور والمفهوم) ، وقال عنه صاحب إمداد ذوى الاستعداد : (أعجوبة الزمان في الحفظ والتحصيل والإتقان) ، أخذ عن محدث عصره التاودى بن سودة ، وبنانى ، وجسوس ، وعنه أخذ عبد القادر الكوهن وغيره كثير ، وكان يحضر مجلسه السلطان فمن دونه ، درّس التفسير فى القرويين ، فكان يستحضر أقوال المفسرين جميعا ، ويقابل بينها ويناقشها ، ويرد الزائف منها بالدلائل القوية والحجج البينة ، كما كان له فى العربية باع طويل ، ونظم سديد ، له

__________________

(١) انظر : شجرة النور / ٣٧٥ ، فهرس الفهارس ١ / ٢٥٨ مخطوط أزهار البستان / ٢١٨.

(٢) نص الإجازة فى الفهرسة ص ٣٥ ـ ٣٦.

(٣) انظر (فهرس الفهارس للكتانى (٢ / ٨٤٨) ، النبوغ المغربي لكنون ١ / ٢٢٥ ، شجرة النور الزكية / ٣٧٦ ، مخطوط إمداد ذوى الاستعداد للكوهن / ٥.

٢٢

تآليف مختلفة منها : تفسير القرآن ، غير أنه لم يتمه ، قال عن تفسيره عبد القادر الكوهن : لو تم لكان تمام الأمنية ، لكن أخرمت مؤلفه المنية. له أيضا حاشية على كل من صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي ، وله شرح ألفية العراقي فى علم الحديث ، وشرح حكم ابن عطاء الله ، له كتب أخرى تنيف على العشرين.

٦ ـ العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بنيس الفاسى (دارا ومنشأ) [١١٦٠ ـ ١٢١٣ ه‍] (١) (الحافظ العمدة المحقق ، الجامع لشتات العلوم والمعارف والمنطوق والمفهوم) هكذا حلّاه صاحب شجرة النور ، وقال عنه تلميذه ابن عجيبة فى أزهاره : (له مشاركة فى الفنون ، واختص بعلم الفرائض ، وكان الملجأ بفأس فى حل مشكلاته) أخذ عن الشيخ محمد جسوس ، وعبد الرحمن المنجرة ومحمد عبد السلام الفاسى ، وحج ولقى أعلاما واستفاد وأفاد ، وأخذ عنه السلطان «سليمان» وحمدون بن الحاج ، وعبد القادر الكوهن ، وغيرهم كثير. له مؤلفات طيبة منها : (بهجة البصير فى شرح فرائض مختصر خليل) و (لوامع أنوار الكوكب الدري فى شرح همزية البوصيرى). و (تحصيل ما للأئمة الأعلام فى مسائل الحيازة الدائرة بين الحكام). أخذ عنه شيخنا ابن عجيبة علم الفرائض وكتاب التسهيل لابن مالك ، وحصل منه على إجازة عامة (٢).

٧ ـ العامة الصالح أبو عبد الله محمد بن علي الورزازي (٣) من شيوخ ابن عجيبة بتطوان ترجم له صاحب فهرس الفهارس قائلا : (الفقيه العلامة الحجة البركة العارف بالله). أخذ عنه شيخنا تلخيص المفتاح فى البيان ، وجامع الجوامع فى الأصول ، وقد حصل منه ابن عجيبة على إجازة مطلقة (٤) ولم تذكر المصادر تاريخ وفاته إلا أن إجازته لابن عجيبة مؤرخة فى سنة ١٢١٤ ه‍.

عقيدة ابن عجيبة :

قيّض الله ـ عزوجل ـ لشيخنا له بيئة طيبة ، نشأ فيها على عقائد أهل السنة والجماعة ، فشيخنا سنى العقيدة ، يؤمن بكل ما كان عليه السلف الصالح ، ويبرأ من كل ما يخالف ما كانوا عليه. وفى أكثر من موضع من مؤلفاته يقرر رضى الله عنه : (أن أحسن المذاهب فى الاعتقاد هو مذهب السلف ، من اعتقاد التنزيه ، ونفى التشبيه ، وتفويض المتشابه ، والوقوف مع ما ورد كما ورد ، ما لم يحتج إلى تقييد ، بما ينفى شبهته من غير زائد) (٥).

__________________

(١) انظر : اليواقيت الثمنية للأزهرى / ٢٥٤ سلوة الأنفاس ١ / ٢٠٤. شجرة النور / ٣٧٤ أعلام الزركلى ٦ / ١٥. مخطوط أزهار البستان / ٢١٩.

(٢) نص الإجازة فى الفهرسة ص / ٣٦.

(٣) انظر فهرس الفهارس ٢ / ١١١٢.

(٤) نص الإجازة فى الفهرسة / ٣٧.

(٥) الفتوحات الإلهية فى شرح المباحث الأصلية ـ ٨٣.

٢٣

وفى تفسيره مواقف تبرز عقيدته السنية ، ومن ذلك رده القوى على الفرق المخالفة ، ودحض آرائهم ، كلما عرضت مسألة من المسائل الخلافية ، وإبراز رأى أهل السنة فيها.

وقد خص رضى الله عنه إحدى رسائله ببيان ما يدين به ، وهى (رسالة العقائد) ، ومن أقواله فى هذه الرسالة لأحد مريديه : (عليك أن تعتقد أن الله موجود قبل الأكوان ، قديم لا أول له ، أزلى لا بداية له ، مستمر الوجود لا آخر له ، أبدى لا نهاية له .. وأنه ليس بجسم مصور ، ولا جوهر محدود مقدر ، وأنه لا يماثل الأجسام ، لا فى التقدير ولا فى قبول الانقسام ، وأنه ليس بجوهر ، ولا تحله الجواهر ، ولا بعرض ، ولا تحله الأعراض ، بل لا يماثل موجودا ، ولا يماثله موجود ، وليس كمثله شىء ، ولا هو مثل شىء ، وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأنظار ، ولا تحيط به الجهات. هو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، وهو على كل شىء شهيد ، لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذوات الأجسام ، وأنه لا يحل فيه شىء ، ولا يحل فيه شىء ، تعالى عن أن يحويه مكان ، كما تقدس عن أن يحده زمان ..) (١) وفى قضية الاستواء على العرش يقول : (عليك أن تعتقد أن الله مستو على العرش ، على الوجه الذي قاله ، وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزها عن المماسة والاستقرار ، والتمكن والحلول والاشتغال ، لا يحمله العرش بل العرش ، وحملته محمولون بلطائف قدرته ، ومقهورون فى قبضته ، وهو فوق العرش وفوق كل شىء) (٢).

تصوفه

بعد أن نال الشيخ ابن عجيبة الحظ الأوفر ، والنصيب الأكبر من علوم عصره ؛ العقلية والنقلية ، وحصّل منها ما جعله حائزا لرئاسة العلم فى بلاده ، حبب إليه سلوك طريق التصوف ، وواكب فى هذا الوقت ظهور حركة الشيخ العربي الدرقاوى ، مجدد الطريق الشاذلى فى الألف الثاني ، ووجد الشيخ ابن عجيبة فى الدرقاوى شيخا استجمع آداب الرائد المربى ، فاتصل بالشيخ محمد البوزيدى الغمارى ، التلميذ للشيخ الدرقاوى ، وأخذ عنه الطريقة الدرقاوية الشاذلية. وقد عقد شيخنا رضى الله عنه فصلا كاملا فى فهرسته (٣) ، سجل فيه تجربته الفريدة فى تصوفه ومجاهداته ، وهى مجاهدات لا يطيقها إلا الصادقون المخلصون ، وسرعان ما أثمرت مجاهداته المخلصة. وفاضت بحار علومه ، وأشرقت فى صدره أنوار العرفان ، ووقع له الفتح الكبير ، والمدد الصافي الغزير.

وأعطى شيخنا مرتبة الإمامة والاقتداء ، والتربية ، والتكميل ، وكان له فى ذلك باع طويل. يقول عنه الشيخ الكوهن : (كان نظره إكسيرا ، إذا أتاه أو التقى معه من يعرفه ، يرقيه فى ميدان حسنات الأبرار سيئات المقربين ، حتى كثرت على يديه الأتباع والمريدون ، وحصل لهم تنوير الباطن ، ونالوا مقامات العارفين) (٤). ويقول عنه العسكري : (كان حجة الطائفة الدرقاوية مبينا لأحكامها ، وناشرا لأعلامها ، سبر على علومها حتى صار ينبوعا لشموسها ، وأقمارها ونجومها) (٥).

__________________

(١ ، ٢) مخطوط رسالة العقائد ص ٨١ ـ ٨٢.

(٣) انظر الفهرسة ص ٥٣ وما بعدها.

(٤) جامع الكرامات العلية ـ ١٦٣.

(٥) م. طبقات أصحاب الدرقاوى ـ ١٤٢.

٢٤

ويقول الكوهن أيضا : (لقد نال ما نال وتكلم على أسرار أهل الكمال ، فأبدى علوما غريبة ، وأسرارا عجيبة ، وأجمعت على ولايته أهل المغرب بأسرها ،) (١) وفى موضع آخر يقول : (.. أعطى ناطقة أسرار أهل الله ، وأدرك مقامات العارفين بربهم حتى عد قطب الزمان ، وأوحد الأوان ، وتكلم بما أبهر عقول الأعيان ..) (٢).

شيوخ ابن عجيبة في التصوف :

سلك ابن عجيبة الطريق الصوفي على يد رجلين :

الأول : الشيخ الدرقاوى (٣) : وهو (أبو المعالي العرب بن أحمد الحسنى) الشهير (بالدرقاوى) نسبة إلى جده محمد بن يوسف الملقب بأبى درقة ؛ (لدرقة كبيرة كانت له يتوقى بها فى الحروب). وصفه الكوهن (بقدوة أهل الكمال ومرشد السالكين إلى أعلى المقامات والأحوال ، الإمام الهمام) ، وحلّاه العسكري (بالعارف الأكبر ، والقطب الأشهر) وقال عنه صاحب السلوة : (كان من العارفين بالله ، الدالين بأقوالهم وأفعالهم وجميع أحوالهم على الله ، جامعا لمحاسن الشيم والأخلاق). وقال عنه الأزهرى : (وكان آية فى المعرفة بالله) ولد رضى الله عنه عام «١٥٥٠ ه‍» بقبيلة بنى زروال بشمال المغرب ، واشتغل بقراءة العلم بفأس ، ثم لقى الشيخ على الجمل وسلك على يديه.

أسس الطريقة الدرقاوية الشاذلية ، وتخرج على يديه عدد لا يحصى من الشيوخ ، أرباب التمكين والرسوخ ، قال الشيخ (ابن سودة المري) : ما توفى مولانا العربي ، حتى خلف نحوا من الأربعين ألف تلميذ ، كلهم متأهلون للدلالة على الله سبحانه). توفى رحمه‌الله فى صفر الخير من عام ١٢٣٩ ه‍ وله من المؤلفات :

ـ الرسالة ، وتسمى (بشور الهدية فى مذهب الصوفية) قال عنها ابن إدريس الكتاني : (رسائله نفعنا الله به من أنفع الرسائل للمريد ، وأدلها على كيفية السلوك والتجريد ، لا يستغنى عن مطالعتها سالك).

ـ جواهر القرطاس. ـ مناقب الشيخ على الجمل.

الثاني : الشيخ البوزيدى (٤) : هو «محمد بن الحبيب أحمد البوزيدي الحسنى» من قبيلة غمارة ، بشمال المغرب ، والتي ينتسب إليها أيضا. أبو الحسن الشاذلى ، التقى بالدرقاوى ، ولازمه مدة ست عشرة سنة ، ويعد البوزيدى أقرب أتباع الدرقاوى إليه. كان رضى الله عنه أميا لا يكتب ولا يقرأ ، ومع ذلك أعطاه الله ما لا يخطر بالبال من العلوم والأسرار ، وله كتاب «الآداب المرضية فى طريق الصوفية» ، يقول الكوهن عن كتابه هذا «من يطلع عليه

__________________

(١ ، ٢) الحسن الكوهن ، طبقات الشاذلية / ٢٤٠.

(٣) انظر : فى ترجمته (مخطوط سلوة الأنفاس ١ / ١٧٢ اليواقيت الثمينة / ٢٥٤ مخطوط ، أصحاب الدرقاوى ص ٦١ ، طبقات الشاذلية / ٢٠٣ ، الطريقة الشاذلية وأعلامها / ١٢٩).

(٤) انظر فى ترجمته : طبقات الشاذلية للكوهن / ٢٤٠ ، مخطوط أصحاب الدرقاوى / ١٢٥ ، إشكالية إصلاح الفكر الصوفي ١ / ٤٨.

٢٥

يحكم بأن البوزيدى واحد الزمان ، وشيخ أهل العرفان» وله أيضا القصيدة التائية فى السلوك ، والتي شرحها تلميذه ابن عجيبة ، توفى رحمه‌الله فى (١٢٢٩ ه‍) ومقامه فى (مستغانم) من بلاد وهران بالجزائر.

تخرج على يديه عدد كثير من فضلاء أهل الله ، يقول الكوهن : «ولو لم يكن من تلاميذه إلا سيدى ابن عجيبة الحسن لكفى. مع أنه تخرج من تلاميذه جملة فضلاء من أهل الله ، لا يحصرهم عدد ، كلهم على قدم المعرفة وفى غاية التمكى» ومن أقواله رضى الله عنه لاكرامة أعظم من الاستقامة ظاهرا وباطنا لأن الكرامات الحسية تكون عند استقامة الظاهر دون استقامة الباطن ، أما بعد استقامة الباطن والظاهر ، فلا يكون إلا الكرامات المعنوية ، وكل من ظن أن الولاية شىء زائد على الاستقامة فهو جاهل بالولاية) (١).

على مثل هذه التعاليم نشأ شيخنا أو العباس ، وبين الدرقاوى والبوزيدى عاش حياته الصوفية العملية ، حتى فتح له على أيديها ، ونال ما نالت الرجال ، وفى ذلك يقول : (والله ما عرفنا قلوبنا ولا ذقنا حلاوة المعاني حتى صحبنا الرجال أهل المعاني) (٢).

ثناء العلماء عليه :

يحظى شيخنا فيما كتب عنه من تراجم بألقاب وأوصاف ، تنم عن تقدير له ، عرفان بفضله ، وتشير إلى ما بلغه من مقام رفيع فى العلم ، ومرتبة عالية فى المعرفة بالله ، وتشهد بما رزقه الله من معارف إلهامية ، أدهشت العقول وأثارت الإعجاب ، فيصفه الكوهن فى جامع المرامات ب (الشريف الحسيب ، قطب دائرة الولاية الكبرى ، ومنبع أسرار أهل الحقيقة ، شيخ الطريقين ، وعمدة الفريقين ، ولى الله الأكبر ، وغوثه الأشهر ، كان رضى الله عنه من أهل التمكين) (٣).

أما العسكري فيصفه ب (العلم المفرد ، يتيمة هذا العقد ، عديم النظير فى أمثاله. جبل النية والصحبة والصدق ، وخرق العادات والسير الحميدة ، الذي لا يوجد فى وقته من نسيج ـ والله ـ على منواله ، مؤلف التآليف العديدة ، ومقيد العلوم الغربية المفيدة ، العالم العلامة ، الصوفي المشارك ، الفهامة العارف المحقق الجليل ، الشيخ الكامل الجليل ، الشريف البركة ، ولى الله تعالى ..) (٤).

وذكره الأزهرى فى (اليواقيت الثمينة فى أعيان مذهب عالم المدينة) وحلاه بقوله : (العالم الحجة الفهامة البارع الصوفي ، الجامع بين الشريعة والحقيقة) (٥) كذلك ذكره مخلوف فى (شجرة النور الزكية فى طبقات المالكية) ، وأعلى شأنه ، ووصفه بقوله : (العلامة ، المؤلف ، المحقق ، الفهامة ، البارع ، المدقق) (٦).

__________________

(١) إشكالية إصلاح الفكر ١ / ٤٩.

(٢) إيقاظ الهمم / ٤١٣.

(٣) جامع الكرامات العلية ١٦٣.

(٤) مخطوط طبقات أصحاب الدرقاوى ورقة ١٤٢.

(٥) اليواقيت الثمينة ١ / ٧٠.

(٦) شجرة النور / ٤٠٠.

٢٦

مؤلفاته

يقول الكوهن عن مؤلفات ابن عجيبة : (تآليفه ـ عليها لوائح نفثات أهل المعرفة الكمّل ، فإنه أعطى ناطقة أسرار أهل الله ، وكلامه عال ، أحل مشكلات القوم ، وفك طلاسم أسرارهم ، وتكلم بما أبهر عقول الأعيان) (١).

وقد ألف رضى الله عنه فى التفسير والحديث والفقه واللغة ، أما أكثر مؤلفاته ففى التصوف. وتبلغ حصيلة ما كتبه ما يزيد على خمسة وأربعين تأليفا ، بعضها كبير فى مجلدات ، وبعضها متوسط ، وبعضها صغير الحجم غزير العلم ، وجل ذلك لا زال مخطوطا ، لم يعرف نور الطباعة بعد.

وأورد فيما يلى ثبتا بأسماء مؤلفاته ، مرتبة حسب الموضوع الرئيس للكتاب ، مع تعريف موجز به ، وأماكن وجوده ، وتاريخ تأليفه ، ما أمكن ذلك (٢).

أولا ـ التفسير والقراءات :

١ ـ البحر المديد في تفسير القرآن المجيد. وسأفرد له الكلام فيما بعد.

٢ ـ التفسير الكبير للفاتحة : يقع فى (٢٦٨) صفحة ، وقد صنف هذا التفسير قبل تصنيفه للبحر المديد ، كما هو واضح من كلامه ، فى آخر تفسير الفاتحة الكبير ، حيث قال : (ويتلو إن شاء الله تفسير سورة البقرة) ، ولكن ناسخ المخطوطة قال فى تعقيبه : قد جعل صاحب هذا التفسير رضى الله عنه تفسيره هذا ـ أي : التفسير الكبير للفاتحة ـ تفسيرا مستقلا ، ثم أنشأ تفسيرا آخر مختصرا ، بنى عليه تفسيره (البحر المديد). وقد انتهى نسخه فى عام ١٢٣٣ ه‍ ، على يد عبد الغفور بن التهامي.

٣ ـ التفسير الوسيط للفاتحة : ذكر صاحب الإصلاح (٣) أنه يقع فى ١٧ صفحة ، وتوجد منه نسخة تحت رقم (١٤٨ ك) خزانة الرباط ، تم تحريرها سنة ١٢١٣ ه‍.

٤ ـ التفسير المختصر للفاتحة : توجد منه مخطوطة بدار الكتب المصرية ، ويقع فى ورقتين ، وانتهى ابن عجيبة منه فى يوم الثلاثاء ، خامس ربيع الثاني سنة ١٢١٩ ه‍.

٥ ـ الدرر المتناثرة في توجيه القراءات المتواترة : وهو تأليف ـ كما قال ابن عجيبة ـ (٤) يشتمل على آداب القراءة ، والتعريف بالشيوخ العشرة ورواتهم ، وتوجيه قراءة كل واحد منهم ، وفيه عشرون كراسة.

__________________

(١) الحسن الكوهن : جامع الكرامات العلية / ١٦٤.

(٢) اعتمدت فى حصر مؤلفات الشيخ ابن عجيبة على المصادر الآتية : الفهرسة / ٣٨ ـ ٣٩ ، التصور والتصديق للشيخ أحمد الصديق / ٢١ ، فهرس المخطوطات العربية المحفوظة فى الخزانة العامة بالمغرب (القسم الثالث ، الجزء الأول) ، الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية ، لعبد العزيز بن عبد الله (٢ / ٤٥ ، وما بعدها) ، إصلاح الفكر الصوفي للأستاذ / محمد الصغير (١ / ١٧٤ ـ ١٨٤) فهرس المخطوطات بدار الكتب المصرية ، فهرس معهد المخطوطات (٢ / ٤٥) (١ / ١٧٧).

(٣) إصلاح الفكر الصوفي ١ / ١٧٧.

(٤) الفهرسة / ٣٨.

٢٧

٦ ـ الكشف والبيان في متشابه القرآن : قال العلامة داود ـ الذي وقف على أوراق من هذا الكتاب ـ إنه آخر كتاب ألفه ابن عجيبة ، بناء على ما ذكره ناسخ المخطوط ، ولذلك لم يتم تأليفه.

ثانيا ـ الحديث والأذكار النبوية :

٧ ـ حاشية على الجامع الصغير للسيوطي : فرغ من تأليفها : أواسط شعبان عام ١٢٢٤ ه‍ ، وتوجد منه نسخة خطية بالخزانة العامة بالمغرب ، تحت رقم (١٨٣١ د) تم كتابتها فى عام ١٢٥١ ه‍.

٨ ـ أربعون حديثا في الأصول والفروع والرقائق : ذكره فى الفهرسة.

٩ ـ الأنوار السنية في الأذكار النبوية : فرغ من تحريرها سنة ١٢٠٥ ه‍ ومنها مخطوطة بمكتبة تطوان تحت رقم ٨٥٣ م ، ونسخة أخرى بالخزانة العامة بالمغرب تحت رقم (٢١٣٤ د).

١٠ ـ الأدعية والأذكار الممحقة للذنوب والأوزار : فرغ من تحريرها سنة (١٢٢٢ ه‍) ومنها مخطوطة بتطوان تحت رقم (٢٧٤ ق. م).

ثالثا ـ الفقه والعقائد :

١١ ـ حاشية على مختصر خليل : ذكر ابن عجيبة أنه لم يتمه.

١٢ ـ رسالة في العقائد والصلاة : منها مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت (مجاميع شنقيطى ٧ / ٤) ، فرغ منها سنة (١١٩٩ ه‍) ، وهى رسالة صغيرة الحجم ، لا تتعدى عشر صفحات ، ولكنها غزيرة العلم.

١٣ ـ تسهيل المدخل لتنمية الأعمال بالنية الصالحة عند الإقبال : وهو تأليف فى النية وأحكامها. فرغ منه سنة (١١٩٦ ه‍) منه نسخة بتطوان تحت (٨٧٢ ق. م).

١٤ ـ سلك الدرر في ذكر القضاء والقدر : ألفه الشيخ زمن الوباء الذي اجتاح تطوان فى عام (١٢١٤ ه‍) ويقع فى ٢٨ صفحة ، وانتهى الشيخ من تأليفه : زوال يوم الجمعة ، ثالث شوال (١٢١٤ ه‍.) ومنه مخطوطة بالخزانة العامة بالمغرب تحت (١١٤٨ ك).

رابعا ـ اللغة :

١٥ ـ الفتوحات القدوسية في شرح المقدمة الأجرومية : وهو مؤلف شرح فيه شيخنا مقدمة ابن آجروم النحوية ، شرحا جمع فيه بين النحو والتصوف ، فيذكر عبارة المؤلف ، ويشرحها بمقتضى علم النحو ويتبعها بالمعنى

٢٨

الإشارى ، فيندهش القارئ ـ كما يقول العلّامة (عبد الله الصديق) (١) ـ لحسن تنزيل عبارة المتن على المعاني الصوفية ، ويخيل إليه أن ابن آجروم ، ألف مقدمته فى علم التصوف. توجد منه نسخة تحت رقم (٢٠٠٤ د / ١ : ق. م الخزانة العامة بالرباط ، عدد صفحاتها (٢١٩) ووافق الفراغ من تأليفه بعد ظهر الإثنين (١٨ ربيع النبوي عام ١٢٢٣ ه‍).

وقد قام الشيخ عبد القادر بن أحمد الكوهن ، المتوفى بالمدينة عام (١٢٥٤ ه‍) بتجريده مما يتعلق بالنحو ، واقتصر على الإشارات الصوفية ، وسماه : (منية الفقير المتجرد وسمير المريد المتفرد) وقد طبع هذا التجريد بإستانبول عام ١٣١٥ ه‍.

خامسا ـ التراجم :

١٦ ـ أزهار البستان في طبقات الأعيان : ذكره مخلوف فى شجرة النور تحت عنوان : (أزهار رياض الزمان فى طبقات الأعيان) ، وذكره صاحب الإصلاح تحت عنوان : (أزهار البستان فى طبقات العلماء والصلحاء والأعيان) ، وقد ترجم فيه الشيخ لأرباب المذاهب الفقهية ، والتعريف بمشاهير أصحاب مذهب الإمام مالك ، من زمانه إلى زمان ابن عجيبة ، على ترتيب وجودهم ، كل قرن على حدة ، ثم أتبعهم بذكر النحويين والمحدثين وبعض الصوفية. وقد ذكر ابن عجيبة أنه لم يتمه رغم حجمه الكبير ، وهو مؤلف جدير بالنشر ، توجد منه نسخة مخطوطة فى خزانة الرباط تحت رقم (٢٨٦ ك) ومنه صورة فى معهد إحياء المخطوطات بالقاهرة ، تحت رقم (١٣٥٢ تاريخ).

وقد استفدت كثيرا من هذه الصورة فى ترجمة بعض أساتذة المفسر ، إلا أن كثيرا من صفحاتها فاسدة التصوير لا تقرا.

١٧ ـ الفهرسة : وهى سيرة الشيخ الذاتية ، انتهى من تنقيحها سنة (١٢٢٤ ه‍) وإن كان قد بدأ تأليفها قبل ذلك بمدة. رأت نور الطباعة أول مرة باللغة الفرنسية ، حيث ترجمها المستشرق الفرنسى المسلم «جان لوى ميشون» ، ثم صدرت بمصر باللغة العربية سنة ١٩٩٠ م ، بتحقيق د / عبد الحميد صالح.

سادسا ـ التصوف :

١٨ ـ الأنوار السنية في شرح القصيدة الهمزية : منها نسخة مخطوطة بتطوان تحت رقم (١٣١) وتتكون من (٢٣٠) صفحة ، وفرغ من تأليفها عام (١١٩٩ ه‍).

١٩ ـ الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية : وهو شرح كبير لمنظومة ابن البنا السرقسطي ، فى آداب وقواعد الصوفية ، فرغ من تبييضه أواسط رمضان سنة (١٢١١ ه‍). وقد طبع الكتاب أكثر من مرة ، آخرها طبعة عالم الفكر ١٩٨٣ م. بتحقيق الأستاذ عبد الرحمن حسن محمود.

__________________

(١) فى كتابه بدع التفاسير ، ص ٢٢٢.

٢٩

٢٠ ـ اللوائح القدسية في شرح الوظيفة الزروقية : فرغ من تأليفها سنة (١١٩٦ ه‍) ومنها نسخة مخطوطة تحت (٣٠١ م تطوان) ، وفى الهيئة العامة للكتاب بمصر نسخة مخطوطة كتبت سنة (١٢٠٠ ه‍) تحت رقم (٨١٦ / ١ م مجاميع) باسم اللوافح القدسية.

٢١ ـ إيقاظ الهمم فى شرح الحكم : أشهر كتب الشيخ ، وأشهر شروح حكم ابن عطاء الله ، انتهى من تبييضه : ثامن جمادى الأولى سنة (١٢١١ ه‍) وقد طبع أكثر من مرة فى مصر وسوريا ، ومنها طبعة دار المعارف بمصر سنة ١٩٨٥ م بمراجعة وتقديم محمد أحمد حسب الله.

٢٢ ـ ديوان قصائد في التصوف : فيه ما يقرب من خمسمائة بيت ، ما بين قصائد طويلة ومقطوعات ، والديوان ملحق بكتاب الفهرسة المطبوع بتحقيق د / عبد الحميد صالح.

٢٣ ـ رسالة في ذم الغيبة ومدح العزلة والصمت : توجد منها نسخة مخطوطة بالهيئة العامة للكتاب بمصر تحت رقم (٣٢٩٩ ج) فرغ من تأليفها سنة (١١٩٨ ه‍).

٢٤ ـ شرح أسماء الله الحسنى : ذكرها ابن عجيبة فى فهرسته وقال : (أفردت لكل اسم بابا كما فعل القشيري فى التحبير ، توجد منه نسخة خطية بخزانة القرويين تحت رقم (١٥١١).

٢٥ ـ شرح بردة الأبوصيري : فرغ منه سنة (١٢٠٣ ه‍) ، وذكر العلامة داود ، أنه يقع فى ٢٣٨ صفحة.

٢٦ ـ شرح الحزب الكبير للشاذلي : منه نسخة مخطوطة بتطوان ، ضمن مجموعة رقم (٣٠١) ، ويقع فى ١٤٥ صفحة ، وفرغ منه فى عام ١٢٠٠. ه.

٢٧ ـ شرح كتاب الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين : لابن الجزري ، المتوفى سنة ٧٣٩ ه‍ ، ذكر ابن عجيبة أنه لم يكمله.

٢٨ ـ شرح القصيدة الخمرية لابن الفارض : أولها : (شربنا على ذكر الحبيب مدامة) ، منه نسخة مخطوطة ، بالخط المعتاد ، بالهيئة العامة للكتاب بمصر ضمن مجموعة رقم (٣٢٩٩ ج) ، وكان الفراغ من تبييضه : يوم الإثنين ، أواسط رمضان سنة (١٢١٣ ه‍).

٢٩ ـ شرح القصيدة المنفرجة لابن النحوي : تاريخ التحرير (١٢٠١ ه‍) مخطوطة تحت (٤٥٧ / ٦ م تطوان) ويقع فى ٤٠ صفحة) ٣٠ ـ شرح القصيدة الهائية في التصوف للرفاعي :

وأولها :

(يا من تعاظم حتّى رقّ معناه

ولا تردّى رداء الكبر إلّا هو)

٣٠

منه نسخة مخطوطة تحت رقم (١٩٧٤ د / ٩ ق) الرباط ، فرغ منه عام (١٢١٣ ه‍.) ، ويقع فى ٣١ صفحة.

٣١ ـ شرح الكواكب الدرية في مدح خير البرية : منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت (١١١٧ / شعر تيمور).

٣٢ ـ شرح تائية البوزيدي : منه نسخة تحت (١٧٣٦ د / ١١ ق / الرباط) ، وأيضا تطوان (٨٤٥) ويقع فى ٩٥ صفحة ، وفرع منه فى يوم الجمعة سادس عشر رمضان (١٢٢١ ه‍) وأول القصيدة.

أيا من فى بهاء جماله

وسرّ كماله وعزّ ورفعة.

٣٣ ـ شرح آخر (مطول) علي تائية البوزيدي : كان الفراغ من تمامه صحوة : يوم الأربعاء ١٤ من ذى القعدة الحرام سنة (١٢٢٢ ه‍) نسخه فى جمادى الأولى سنة (١٢٣٥ ه‍.) على يد عبد الغفور التهامي. ويقع فى ١٢٥ صفحة.

٣٤ ـ شرح على تائية الشيخ علي بن مسعود الجعيدي التطواني : وأول القصيدة :

(بدأت باسم الله من بعد حمده

على نعم لا تحصى جلت ودقت)

ألفه سنة (١١٩٦ ه‍) ، ويقع فى ٣٥ صفحة ، كما ذكر صاحب الإصلاح ، نقلا عن داود فى تاريخ تطوان.

٣٥ ـ شرح رائية البوزيدي فى السلوك :

فرغ منه سنة (١٢١٤ ه‍) كما ذكر صاحب الإصلاح ، نقلا عن داود ويقع فى حوالى ٣٠ صفحة.

٣٦ ـ شرح صلاة ابن العربي الحاتمي : منه نسخة خطية بمكتبة د / حسن عباس زكى ، ويقع فى عشر صفحات ، وكان الفراغ من تبييضه : يوم الخميس خاتمة جمادى الأولى سنة (١٢١٩ ه‍) وقد طبع هذا الشرح بالمغرب سنة ١٤٠٢ ه‍.

٣٧ ـ شرح صلاة عبد السلام بن مشيش : توجد نسخ منه تحت أرقام (١٧٣٦ د / الرباط).

٣٨ ـ شرح على أبيات (توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر) : المنسوبة للإمام الجنيد ، وتنسب أيضا إلى الشيخ ابن عربى الحاتمي. منه نسخة خطية تحت رقم (١٧٣٦ / د الرباط) وهذا الشرح مثبت فى كتاب (إيقاظ الهمم فى شرح الحكم). ص ٤٥ : ٤٨ ٣٩ ـ شرح على مقطعة في محبة الله ، للششتري : مطلع المقطعة : (صحّ عندى الخبر وسرى فى سرى) منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية ضمن مجموعة رقم (٣٢٩٩ ج) فرع منها فى صفر ١٢١٤ ه‍.

٣١

٤٠ ـ شرح نظم ما يدل عليه لفظ الجلالة للششتري :

أوله :

ألف قبل لامين

وهاء قرة العين

منه نسخة خطية بالهيئة العامة للكتاب ، ضمن مجموعة رقم (٣٢٩٩ ج). انتهى منه يوم الخميس أواسط صفر (١٢١٤ ه‍).

٤١ ـ شرح نونية الششتري : مطلع القصيدة :

(أرى طالبا منّا الزيادة لا الحسنى

بفكر رمى سهما فعدّى به عدنا)

منه نسخة خطية بالرباط تحت رقم (١٧٣٦ د / ٧) ويقع فى ٦٣ صفحة. فرغ منه الشيخ سنة (١٢٢٠ ه‍).

٤٢ ـ كشف النقاب عن سر لب الألباب :

فرغ من تبييضه فى (١٨ من ذى القعدة سنة ١٢١٩ ه‍) يقع فى ٩ صفحات. منه نسخة خطية فى دار الكتب ، ضمن مجموعة (٣٢٩٩ / ح) ، كتبت سنة ١٣٣٥ ه‍.

٤٣ ـ معراج التشوف إلى حقائق التصوف : وهو فى مصطلحات الصوفية جمع فيه الشيخ نحوا من مائة مصطلح ، وفصّل موضوعاتها ، فرغ منه ١٢٢١ ه‍ ، وقد طبع الكتاب فى دمشق عام ١٣٥٥ ه‍ ١٩٣٧ م بمطبعة الاعتدال ، بتعليق محمد بن أحمد الحسنى ، كما ترجمه المسيو (ج. ل. ميشون) إلى الفرنسية.

وفاته :

بعد عمر قضاه فى العلم والعمل ، توفى الشيخ ـ رحمه‌الله ـ فى السابع من شوال سنة ١٢٢٤ ه‍.

وكانت وفاته فى قبيلة (بنى سلمان) بغمارة ، حيث كان ابن عجيبة فى زيارة لشيخه البوزيدى ، فأصابه وباء الطاعون ، فتوفى فى دار شيخه ، متأثرا بهذا الوباء فغسله شيخه وصلى عليه ودفن بغمارة ، ثم نقل إلى تطوان. ولئن وارى القبر جسده الطاهر الكريم ، فما وارى علمه وفضله ومعارفه ، فلمثل هذا فليعمل العاملون.

٣٢

منهج ابن عجيبة فى التفسير

سار ابن عجيبة فى تفسيره على منهج واضح المعالم ، فهو يبدأ فى تفسير السورة ببيان مكان نزولها ، وعدد آياتها ، ويذكر الاختلاف فى عدد الآيات ـ إن وجد ـ مع ذكر مناسبة السورة لما قبلها ، وسبب نزولها ، ـ إن وجد ـ وفضائلها ، ومضمونها الإجمالى ، ثم يشرع فى تفسير الآيات ؛ فيبدأ بالشرح اللغوي للكلمات الغريبة ، ذاكرا الإعراب ، ثم يبين المعنى المراد معتمدا فى ذلك على القرآن والأحاديث والآثار ، وأقوال المفسرين المتقدمين.

وهذه أهم معالم منهج الإمام ابن عجيبة فى تفسيره بإيجاز :

١ ـ تفسير القرآن بالقرآن :

ومن ذلك ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ..) (١) فينقل الشيخ ـ أن الكلمات التي تلقاها آدم هى قوله تعالى : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) ٢ ـ القراءات :

اهتم الشيخ ابن عجيبة بذكر القراءات المختلفة فى الآية ، مسجلا المعنى المترتب على ذلك ، وهو فى أغلب ذلك ينسب القراءة لصاحبها ، وأحيانا يغفل ذلك ، فيبهم ، ويقول : «وقرئ بكذا». كما أنه يذكر أحيانا بعض القراءات الشاذة.

٣ ـ أسباب النزول :

من الواضح فى تفسير ابن عجيبة استناده إلى أسباب النزول ، ليستعين بها على فهم الآيات. انظر ما ذكره عند تفسير قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) (٣) ، وكذلك قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ..) (٤) والأمثلة كثيرة جدا مما يجعل هذا التفسير من أمهات المراجع فى علم أسباب النزول.

٤ ـ السنة والآثار :

اعتماد ابن عجيبة على السنة الشريفة فى تفسيره للقرآن الكريم سمة واضحة ، ومن ذلك ما جاء عند تفسير قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ..) (٥) يستشهد الشيخ على أن إسماعيل عدّ من آباء يعقوب مع أنه عمه ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عم الرجل صنو أبيه» ، وقال فى العباس : «هذا بقية آبائي».

كذلك جاء تفسير ابن عجيبة حافلا بنقل الأجلاء من الصحابة والتابعين ـ رضى الله عنهم ـ ، وحين تتعدد الروايات عن الصحابة فى تفسير كلمة أو آية ، فإنه يذكرها ، ولا يرجح بعضها على بعض ، أو يقدح فى شىء منها ، وذلك إشارة منه إلى أن معنى الآية يحتمل جميع المعاني.

__________________

(١) الآية ٣٧ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٣ من سورة الأعراف.

(٣) الآية ١٩٨ من سورة البقرة.

(٤) الآية ٢٠٤ من سورة البقرة.

(٥) الآية ١٣٣ من سورة البقرة.

٣٣

والمتتبع لما أورده المفسر فى تفسيره من أحاديث وآثار يتبين :

ـ أن المفسر لا يلتزم غالبا بتخريج الأحاديث ونسبتها إلى مصادرها.

ـ من الأحاديث ما أدرجه فى سياق الكلام دون أن ينبه إلى أنه من السنّة.

ـ يكتفى أحيانا بالقول : وقد ثبت فى الصحيح. ويأتى بمعنى الحديث.

ـ يذكر أحيانا بعض الإسرائيليات ، مثل ما ذكره عند تفسير قصة هاروت وماروت. وقد نقل الشيخ هذه الأخبار تأسيا بمن نقلها من المفسرين السابقين ، وهو مقل منها بالنسبة لغيره ، وما يذكره من ذلك يصدره غالبا بلفظ «روى» أو «قيل» مما يشعر بضعف الرواية ، وبعدها عن الصحة ، وحبذا خلوّ تفسيره من هذه الأخبار.

٥ ـ اللغة والنحو : يلاحظ فى البحر المديد ـ عناية المفسر بالإعراب. وإذا كانت الآية تحتمل أوجها من الإعراب ، فإنه يذكرها ، ويذكر المعنى على اختلاف الأعاريب.

ـ كثيرا ما يتوسع المفسر فى الكلام على مسألة نحوية يوضح ويبين ، ومن ذلك كلامه الذي عقده لبيان الفرق بين (بلى) و (نعم) عند تفسير قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ...) (١).

ـ عنايته ببيان معنى المفردات القرآنية.

ـ الاستشهاد بالشعر : اعتمد ابن عجيبة كثيرا على الشعر فى بيان المعاني اللغوية ، مثل ما جاء عند تفسير قوله تعالى : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (٢). يقول الشيخ : والأسباب العهود والوصل التي كانت بينهم فى الدنيا ، يتوادون عليها ، وأصل السبب : كل شىء يتوصل به إلى شىء ، ومنه قيل للحبل الذي يصعد به : سبب ، وللطريق : سبب ، قال الشاعر :

ومن هاب أسباب المنية يلقها

ولو رام أسباب السماء بسلم

ويلاحظ فى البحر المديد أن الشيخ يذكر النص الشعرى مجردا من اسم قائله ، باستثناء بعض الأبيات.

٦ ـ الفقه :

نلحظ أن الشيخ يتعرض للأحكام الفقهية ، إذا مر فى تفسيره بآيات الأحكام ، وهو فى ذلك.

ـ لا يكتفى غالبا بذكر رأى مذهبه المالكي ، بل يقدم رأيا يخالف مذهبه ، بناء على قوة الأدلة والحجج.

ـ أحيانا يكتفى برأى الإمام مالك ، ولا يذكر رأى المذاهب الأخرى.

__________________

(١) الآية ٨١ من سورة البقرة.

(٢) الآية ١٦٦ من سورة البقرة.

٣٤

مصادره فى التفسير :

تعد المصادر التي يعتمد عليها المفسر اللبنة الأولى لوضع تفسيره ، وأهم مصادر الشيخ ابن عجيبة فى تفسيره هى :

ـ تفسير : أنوار التنزيل للإمام البيضاوي. ـ تفسير الكشف والبيان لأبى إسحاق الثعلبي.

ـ تفسير مدارك التنزيل لأبى البركات النسفي. ـ تفسير المحرر الوجيز للإمام ابن عطية.

ـ تفسير التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى الأندلسى. ـ تفسير إرشاد العقل السليم للعلامة أبى السعود.

ـ حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي ، المسماة «نواهد الأبكار وشوارد الأفكار».

ـ حاشية أبى زيد الفاسى على تفسير الجلالين.

مصادره فى الحديث : ـ صحيحا البخاري ومسلم. سنن أبى داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغير ذلك من كتب السنن.

ـ شروح كتب السنة كفتح الباري ، وشرح مختصر ابن جمرة وغيرهما

مصادره فى اللغة :

ـ الألفية ، والكافية الشافية لابن مالك ، والتسهيل لابن هشام.

ـ كتب معانى القرآن ، ككتاب معانى للفراء والزجاج.

ـ كتب المعاجم كالصحاح للجوهرى والأساس للزمخشرى.

التفسير الإشارى

يعرف الشيخ الزرقانى التفسير الإشارى بأنه : (تأويل آيات القرآن بغير ظاهره ، بإشارات خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ، ويمكن التطبيق بينها وبين الظاهر) (١).

مفاهيم القرآن لا تتناهى :

يرتكز السادة الصوفية فى ذكرهم لهذا الإشارات والأذواق على أن القرآن الكريم فيه أسرار لا تتناهى ، ومعان لا تحد ، وإشارات وراء الظاهر ، يفتح الله بها على من يشاء من عباده ، ببركة العمل بكتابه ، فإنّ من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم. ومن المنقول عن الشيخ سهل بن عبد الله ـ رضى الله عنه ـ قوله : لو أعطى العبد لكل حرف من القرآن ألف فهم لما بلغ نهاية ما جعل الله فى آية من كتاب الله تعالى من الفهم ؛ لأنه كلام الله ، وكلام الله صفته (٢). وكما أن صفات الله لا تتناهى ، فكذلك مفاهيم كلماته لا تتناهى ولا يمكن أن يحيط بها مخلوق. قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ..) الآية (٣) كما

__________________

(١) مناهد العرفان ٢ / ٧٨.

(٢) انظر اللمع للطوسى / ١٠٧.

(٣) الآية ٢٧ من سورة لقمان.

٣٥

يستند الصوفية فى ذكرهم لهذا الإشارات إلى الحديث النبوي الشريف : «لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع».

وتعددت أقوال العلماء فى معنى الظاهر والباطن (١) وكلها لا تشير إلى أن للقرآن حقيقتين ، إحداهما ظاهرة ، والأخرى باطنة ، بل تعنى أن القرآن له حقيقة واحدة ، ولكن هذه الحقيقة تتنوع وتختلف بالنسبة للناس. فالناس طبقات ؛ منهم الكافر الذي لا يزيده القرآن إلا خسارا ، ومنهم المنافق الذي لا يزداد إلا مرضا ، ومنهم المسلم الذي يواجه القرآن الفهم بسيط ، ومنهم المؤمن الذي يقرأه بفكر دقيق ووعى عميق ، ومنهم المحسن الذي يعبد الله كأنه يراه ، فيقرأ القرآن كأنه يسمعه من ربه. وهناك من يقف عند ظاهر اللفظ ، وهناك من يطلعه الله على ما تضمنه هذا الظاهر من أسرار وإشارات.

ولقد كان باطن اللفظ القرآنى المخزون فى ظاهر اللفظ شيئا معروفا لدى الصحابة ، فى زمن الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن ذلك : قصة سيدنا عمر بن الخطاب ، مع سيدنا عبد الله بن عباس وجلة الصحابة ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ فى سؤاله لهم تفسير سورة النصر ، وفهم ابن عباس أن ذلك فيه إشارة إلى نعى الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). الفرق بين مذهب الباطنية ومذهب الصوفية :

فرق كبير جدا بين مذهب السادة الصوفية الراشدين ، فى فهم إشارات القرآن ، وبين ما يقول الباطنية ، فالباطنية ومن والاهم يجعلون المراد من النص ليس لفظه الظاهر بمعناه القريب ، ولكنهم يعتقدون أن المراد بالذات من النص إنما هو الإشارة التي ينطوى عليها النص ، وبذلك تأولوا القرآن ، واستخرجوا لأنفسهم أحكاما وعقائد ليست من الإسلام فى شىء على الإطلاق.

أما (السادة الصوفية فهم يعتقدون أن النص على ظاهره مرادا به حقيقته الظاهرة ، ولا يحيلون كلام الله تعالى عن وجهه المجمع عليه من الأمة ، ولكنهم يرون أن الله يفتح على بعض خواصه بأسرار ودقائق ، تزيد على المفهوم العام من النص ، ولا تتعارض معه ، بل هى تؤيده ، وتعتبر إضافة من شرائف المعاني التي تزيد من شرف الظاهر ، فهى فتوحات ، لا تبطل شيئا من الأمر والنهى ، ولكنها تضفى عليه زينة وجمالا) (٣).

ولنستمع إلى صوت حجة الإسلام الغزالي فى هذا الشأن إذ يقول : (فالنقل والسماع لا بد منه فى ظاهر التفسير أولا ، ليتقى به مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط ... ولا يجوز التهاون بحفظ الظاهر أولا ، ولا مطمع فى الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعى البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب ..) (٤).

__________________

(١) انظر فى بيان معانى الظاهر والباطن (تفسير الآلوسى ١ / ٧ ، التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي ٢ / ٢٤٠)

(٢) أخرج القصة البخاري فى (التفسير ، سورة وإذا جاء نصر الله والفتح).

(٣) مجلة المسلم عدد ربيع الأول عام ١٣٩٥ ه‍. مقال «معالم التفسير الصوفي» للإمام الرائد محمد زكى إبراهيم.

(٤) إحياء علوم الدين ١ / ٣٤٣.

٣٦

ويقول العلامة الآلوسى عند تفسير قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ ..) (١) ليس ما نحن فيه ـ أي : التفسير الإشارى ـ من هذا القبيل ـ أي : من قبيل التفاسير الباطنية ـ كما يزعمه المحجوبون ؛ لأن ذلك إنما يكون بإنكار أن يكون الظاهر مرادا لله تعالى ، وقصر مراده سبحانه على هذه التأويلات ، ونحن نبرأ إلى الله عزوجل من ذلك ، فإنه كفر صريح ، وإنما نقول : المراد هو الظاهر ، وبه تعبد الله تعالى خلقه ، لكن فيه إشارة إلى أشياء أخر لا يكاد يحيط بها نطاق الحصر ، يوشك أن يكون ما ذكر بعضا منها) (٢). وسنقرأ فى مقدمة تفسير البحر المديد قول الشيخ ابن عجيبة (ولا يصح ذكره ـ أي التفسير الإشارى ـ إلا بعد تقرير الظاهر ..).

هل الإشارات تفسير؟

التفسير بالمصطلح العلمي التقليدى لا يمكن تطبيقه على إشارات السادة الصوفية ؛ لأن الإشارات غير مرتبطة بالخط المنهجى للتفسير ، والصوفي نفسه لا يقول بأن ما وقع له من مواجيد ومعان هو تفسير للقرآن ، ولكنه قبس من إشراق ، وفيض من فتح ، لا يتعلق به حكم ولا يرتبط به واجب ، ومن ثمّ فقد أطلق الصوفية على هذه المعاني (إشارات) كما فعل العلامة (ابن عجيبة) والعلامة الآلوسى. وإطلاق تسمية (التفسير) عليها يعتبر من قبيل العرف والمجاز. يقول الزركشي فى البرهان : (كلام الصوفية فى تفسير القرآن ، قيل : إنه ليس بتفسير ، وإنما هو معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة) (٣).

الإشارات في البحر المديد :

أفصح الشيخ عن مراده من تفسيره حين قال : (مرادنا تربية اليقين بكلام رب العالمين). وقد بسط المفسر الحديث فى إشاراته عن آداب السلوك ، والأخلاق ، والمقامات ، والثمرات ، وقدّم لنا من خلال ذلك منهجا تربويا صوفيا إسلاميا متكاملا ، يسلكه من أراد أن تصفو روحه ، وتزكو نفسه ، ويحيا قلبه بنور معرفة الحق تعالى.

ـ ويلاحظ أن الشيخ ابن عجيبة لا ينظر إلى الخطابات الواردة فى القرآن على أنها موجهة إلى أقوام مخصوصين فحسب ، وإنما يرى مع ذلك أن الخطاب بهذه الآيات مازال قائما ، يوجه إلى الإنسان فى كل عصر وأوان ، يقول الشيخ رضى الله عنه : (إذا توجه الخطاب إلى طائفة مخصوصة ، حمله أهل الفهم عن الله على عمومه ، فإن الملك إذا عاتب قوما بمحضر آخرين كان المراد بذلك تحذير لكل سامع).

ـ والشيخ ابن عجيبة باعتباره صوفى يدعو إلى مقام الإحسان ، فإن له قاعدة فى إشارته ، يقول الشيخ عنها : (اعلم أن قاعدة تفسير أهل الإشارة هى أن كل عتاب توجه لمن ترك طريق الإيمان ، وأنكر على أهله ، يتوجه مثله لمن ترك طريق مقام الإحسان ، وأنكر على أهله).

__________________

(١) الآية ٤١ من سورة المائدة.

(٢) روح المعاني ٦ / ١٤٧.

(٣) راجع مناهل العرفان للزرقانى ٢ / ٧٨.

٣٧

وهاكم بعض الأمثلة من إشارات الشيخ :

عند قوله تعالى (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١). يقول الشيخ فى إشارة الآية : اعلم أن كثيرا من الناس يعتمدون على صحبة الأولياء ، ويطلقون عنان أنفسهم فى المعاصي والشهوات ، ويقولون : سمعنا من سيدى فلان يقول : من رآنا لا تمسه النار ، وهذا غلط وغرور ، وقد قال عليه الصلاة والسلام لابنته : «يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا اشتر نفسك من الله» وقال للذى قال : ادع الله أن أكون رفيقك فى الجنة ، فقال له «أعنى على نفسك بكثرة السجود».

وعند قوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (٢).

يقول الشيخ فى إشارة الآية : كل من أقامه الحق فى وجهة ، ووجهه إليها ، فهو عامل لله فيها ، قائم بمراد الله منها ، وما اختلفت الأعمال إلا من جهة المقاصد ، وما تفاوت الناس إلا من جهة الإخلاص ، فالخلق كلهم عبيد للملك المجيد ، وما وقع الاختصاص إلا من جهة الإخلاص ، فمن كان أكثر إخلاصا لله كان أولى من غيره بالله ، وبقدر ما يقع للعبد من الصفاء يكون له من الاصطفاء ، فالصوفية والعلماء والعبّاد والزهاد وأهل الأسباب على اختلاف أنواعهم ، كلهم عاملون لله ، ليس أحد منهم بأولى من غيره بالله ، إلا من جهة الإخلاص وإفراد القلب لله. فمن ادعى الاختصاص بالله من غير هذه الوجهة فهو كاذب ، ومن اعتمد على عمل غيره فهو مغرور ، يقال له : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

وقد جاءت إشارات الإمام ابن عجيبة جامعة لدرر من المنظوم والمنثور ، فقد ضمنها الشيخ أقوال مجموعة كبيرة من كبار الصوفية ، كأبى يزيد البسطامي ، والجنيد ، والقشيري ، والشاذلى ، وأبى العباس المرسى ، وابن عطاء السكندرى ، وزروق ، والدرقاوى ، والبوزيدى ، وغيرهم. كما أنه ذكر كثيرا من أشعارهم ، كشعر ابن الفارض والجيلي والششترى ، ونقل حكما كثيرة من حكم ابن عطاء السكندرى وغيره ، كما نقل فى مواضع عديدة عن لطائف الإشارات للقشيرى ، وعرائس البيان للشيرازى ، وإحياء علوم الدين للغزالى ، وغيث المواهب العلية لابن عباد ، وبالتالى فقد حفل هذا التفسير بتراث جم من الفكر الصوفي.

__________________

(١) الآية ٨ من سورة البقرة.

(٢) الآية ١٣٩ من سورة البقرة.

٣٨

وصف النسخ

اعتمدت فى التحقيق على ثلاث نسخ :

النسخة الأولى : محفوظة فى مكتبة السيد الفريق / حسن التهامي. ومنها صورة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٢٦٢٤٦) مصورات خارج الدار ، وهى نسخة قيمة ، وتقع فى (٢٠٠٩) صفحة. وتتكون من أربعة أجزاء كبيرة :

الأول : من أول مقدمة المفسر حتى آخر تفسير سورة الأنفال ـ ويقع فى (٥٢٠) صفحة ، وسقطت من هذا الجزء ملزمة من تفسير سورة الأعراف من (ص ١٥٦) إلى (ص ١٨٧). ورقم ميكروفيلم هذا الجزء بدار الكتب : (٤٣١٨٨).

الثاني : من أول تفسير سورة التوبة حتى آخر تفسير سورة المؤمنون. ويقع فى (٥٣٧) صفحة ، ورقم ميكروفيلم هذا الجزء (٤٣١٨٥).

الثالث : من أول تفسير سورة النور حتى آخر تفسير سورة فصلت. ويقع فى (٤٥٤) صفحة ورقم الميكروفيلم (٤٣١٨٧).

الرابع : من أول تفسير سورة الشورى حتى تفسير سورة الناس. وعدد صفحاته (٤٩٨) ورقم الميكروفيلم (٤٣١٨٧).

وتعتبر هذه النسخة الأم لكل النسخ الأخرى ، فقد كتبت فى عهد المفسر ، وكان الفراغ من تبييضها كاملة فى : السادس من ربيع الأول عام (١٢٢١ ه‍). ووردت استدراكات على هامش هذه النسخة ، مما يفيد أن الشيخ المفسر قد راجعها ، وقد أدرجت هذه الاستدراكات فى صلب النسخ الأخرى.

وناسخ هذه المخطوطة هو الشيخ «عبد الغفور التهامي» ناسخ جل كتب الشيخ المفسر. والمخطوطة بخط مغربى حسن وواضح ، ومقاس صفحتها ٢٠* ٣٠ سم. والصفحة تشتمل على ٣١ سطرا.

النسخة الثانية : محفوظة فى مكتبة الأستاذ الدكتور / حسن عباس زكى. وتتكون من أربعة أجزاء كاملة.

الأول : من أول مقدمة المفسر حتى آخر تفسير سورة الأنعام ، ويقع فى ٤٢٩ صفحة.

الثاني : من أول تفسير سورة الأعراف حتى آخر تفسير سورة الكهف. ويقع فى ٤١٨ صفحة.

الثالث : من أول تفسير سورة مريم حتى آخر تفسير سورة الصافات. ويقع فى ٤١١ صفحة.

الرابع : من أول تفسير سورة «ص» حتى آخر سورة الناس. ويقع فى ٤٩٠ صفحة.

٣٩

وهذه النسخة أقل وضوحا من النسخة الأولى. وقد تعددت فيها مواطن التحريف وسقوط الكلمات ، وغير ذلك من تصحيف وتحريف.

النسخة الثالثة : محفوظة فى دار الكتب المصرية تحت رقم (٥٤١) تفسير تيمور ، وتتكون من أربعة أجزاء ، إلا أن الجزء الرابع غير كامل.

الجزء الأول : من أول مقدمة المفسر حتى تفسير قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ..)

الآية ١٤٧ من سورة النساء. ويقع هذا الجزء فى (٢٤١) لوحة ، وكل لوحة تشتمل على صفحتين. ورقم ميكرو فيلم هذا الجزء بدار الكتب (٢٧٢٨٦).

الجزء الثاني : أوله : تفسير قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ ..) الآية ١٤٨ من سورة النساء ، وآخره : تفسير قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ..) الآيتان ٩١ ـ ٩٢ من سورة التوبة ، ويقع هذا الجزء فى (٢٠٠) لوحة. ورقم الميكروفيلم (٣٨٠٦٦).

الجزء الثالث : أوله تفسير قوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ ..) الآية ٩٣ من سورة التوبة. وآخره : آخر تفسير سورة الكهف ويقع فى (٢٤٧) لوحة. ورقم الميكروفيلم (٣٧٢٨٦).

الجزء الرابع : أوله : تفسير قوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..) الآية ٤٦ من سورة العنكبوت إلى آخر سورة الصافات. ثم من أول سورة الشورى ، حتى تفسير قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) الآية ٩ من سورة الزخرف. وبين هذا الجزء وبين سابقه سقط كبير وملازم مفقودة.

ويقع الموجود من هذا الجزء فى (١٦١) لوحة. ورقم الميكروفيلم (٢٩١٧٢) ونسخت هذه المخطوطة عام (١٢٩٩ ه‍) ، ومقاس صفحتها ١٢* ١٨ سم ، والصفحة تشتمل على ٢٨ سطرا. وكتبت بخط مغربى. كما كتبت الآيات وأسماء الأعلام بلون مخالف. لم يظهر فى التصوير. وهذه النسخة مثل سابقتها فى تعدد مواطن التحريف والنقص والتصحيف.

٤٠