موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٢

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ٢

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٣٢

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

آل عمران : ١٢٣

( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )

البقرة : ١٩٠

( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً )

الفتح : ١

( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ )

آل عمران : ١٤٤

٣
٤

تقديم

( ١ )

نضال وكفاح وإيمان تسلّح به الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بطل الإسلام وقائد مسيرته الظافرة في كفاحه المسلّح ضدّ الجاهلية الرعناء التي لا تحمل أي طابع من التوازن ولا بصيص من الوعي والفكر ، فكان الإمام القوّة الضاربة التي حمت الثورة الإسلامية من ذئاب الجاهلية ومردة أهل الكتاب.

لقد أحدثت الثورة الإسلامية بشعاراتها ومبادئها زلزالا مدمّرا للحياة الفكرية والعقائدية التي عاشتها الجاهلية فدمّرت جميع معالم الحياة فيها من عبادة الأوثان والأصنام ووأد البنات وغزو الأقوياء للضعفاء ، وأقامت الثورة الإسلامية نظاما متطوّرا خلاقا يضيء الطريق ويوضّح القصد ، ويجمع ولا يشتّت ، ويوحّد ولا يفرّق ، ويقضي على الغبن والجريمة.

وقد تبنّى الإمام بصورة إيجابية وإيمان لا حدود له جميع قضايا الإسلام ، فخاض في سبيله أعنف المعارك ساخرا من الموت هازئا من الحياة ، فردّ العتاة من جبابرة قريش الذين جهدوا على لفّ لواء الإسلام وإخماد نوره ، فحصد الإمام رءوسهم ، وألحق بهم الهزيمة والعار. ويعرض هذا الكتاب إلى صور مشرقة من جهاده وكفاحه.

٥

( ٢ )

من بحوث هذا الكتاب أنّه عرض بصورة أمينة لأقسى كارثة مني بها العالم الإسلامي على امتداد التاريخ ، وهي انتقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حضيرة القدس ، فقد انطوت ألوية العدل ، ومادت أركان الحقّ ، وارتفع ذلك اللطف الإلهي الذي غيّر مجرى التاريخ إلى واقع مشرق تتلاشى فيه آهات المظلومين والمعذّبين ، ولا يكون فيه ظلّ للحاجة والحرمان.

فقد أخلدت للمسلمين الخطوب والكوارث وألقتهم في شرّ عظيم ، وقد أعلن القرآن الكريم هول تلك الأحداث ومدى خطورتها بقوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) ، وأي مصيبة أعظم من الانقلاب ، وأي مأساة أقسى من المروق من الدين.

وكان من أفجع ألوان الخطوب السود بعد وفاة المنقذ العظيم هي إبعاد العترة الطاهرة عن الشؤون السياسية في البلاد ، وجعلها في معزل عن واقع الحياة الاجتماعية ، في حين انّ الامّة لم تكن بأي حال في غنى عن ثرواتها الفكرية والعلمية المستمدّة من الرسول الأعظم.

كما أنّ الهزّات العنيفة التي منيت بها الامّة ، إنّما جاءت نتيجة حتمية لفصل الخلافة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فقد انتشرت الأطماع السياسية بشكل سافر عند كثير من الصحابة ، ممّا أدّى إلى تشكيلهم للأحزاب النفعية التي لم تكن تنشد في مخطّطاتها السياسية سوى الوصول إلى الحكم والتنعّم بخيرات البلاد.

ومن المآسي ما عانته الاسرة النبوية من صنوف القتل والتنكيل ، فقد طافت بها المحن والأزمات يتبع بعضها بعضا ، لم يراع فيها حرمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي هي أولى وأحقّ بالرعاية والتكريم من كلّ شيء.

٦

آمل أن أكون قد ساهمت في إبراز التأريخ الإسلامي على واقعه من دون تحيّز أو تقليد ..

والله وليّ التوفيق

النّجف الأشرف

باقر شريف القريشى

٢٠ / ربيع الأوّل / ١٤١٨ هـ

٧
٨

مع النبيّ

في جهاده وغزواته

٩
١٠

تبنّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة إيجابية الدعوة إلى السلم وتحرير الإنسان من ويلات الحروب ومآثم الحياة ، وقد انطلقت دعوته المشرقة من مكّة التي كانت مركزا للقوى الجاهلية المتمثّلة في القرشيّين الذين انطوت أفكارهم على الجهل والغطرسة والأنانية فورمت آنافهم وانتفخ سحرهم وهبّوا لمناجزة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعذيب من آمن به من المستضعفين حتى اضطرّوا إلى الهجرة للحبشة للتخلّص من عنف القرشيّين واضطهادهم ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محتميا بعمّه شيخ البطحاء ومؤمن قريش أبي طالب ، ولمّا انتقل إلى حضيرة القدس لم يجد النبيّ ركنا يأوي إليه ، فاجتمعت قريش على قتله ـ كما تحدّثنا عن ذلك في البحوث السابقة ـ ، فهاجر إلى يثرب فوجد في أهلها الحماية والإيمان بدعوته والاستجابة لنصرته ، وقامت قيامة القرشيّين وفزعوا كأشدّ ما يكون الفزع ، فأجمع رأيهم على شنّ الحرب عليه بلا هوادة ، وتسخير جميع إمكانياتهم الاقتصادية لمناجزته وإطفاء نور رسالته.

ووقف الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى جانب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحميه ويذبّ عنه في جميع الحروب التي شنّتها عليه قريش ، وقد أسند إليه قيادة جيشه ، وجعله رافعا للوائه ، وقد لازمه الإمام في غزواته التي كان الغرض منها رفع كلمة الله وتحرير إرادة الإنسان وفكره من عبادة الأوثان والأصنام التي هي من الأوبئة على الفكر ، ومن الأمراض الخطرة التي تلحق الإنسان بقافلة الحيوان السائم ، وتصدّه عن الطريق القويم.

وعلى أي حال فإنّا نعرض للحروب وبعض الغزوات التي خاضها الإمام مع

١١

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفاعا عن كلمة الإسلام ورافعا لراية التوحيد ، وفيما يلي ذلك :

واقعة بدر :

سجّلت واقعة بدر (١) نصرا مبينا للإسلام ، وفتحا عظيما للمسلمين ، وضربة حاسمة لأئمّة الكفر والضلال من الطغاة القرشيّين وجبابرتهم ، لقد أعزّ الله عبده ورسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بواقعة بدر ، وأذلّ أعداءه ، وأظهر دينه ، ودفع كلمته ، وكان البطل البارز في تلك المعركة هو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد كان سيفه منجل الموت الذي حصد رءوس المشركين ، وعتاة الملحدين من القرشيّين ... ونتحدّث ـ بإيجاز ـ عن بعض فصول هذه المعركة :

استنجاد أبي سفيان بقريش :

كان أبو سفيان ـ العدوّ الأوّل للإسلام ـ قد خرج إلى الشام في تجارة له ومعه سبعون شخصا من قريش ، ولمّا فضت تجارتهم واشتروا من البضائع ما يريدون قفلوا راجعين إلى مكّة ، وعلم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقدومهم فندب إليهم أصحابه لمصادرة بضائعهم وأموالهم ، وذلك لإضعافهم اقتصاديا حتى لا يتمكّنوا من مناجزته ، وعلم أبو سفيان ذلك فاستنجد بالقبائل القرشية وطلب منها حمايتهم وحماية بضائعهم وأموالهم ، فهبّت قريش لنجدته ، وسلك أبو سفيان طريقا غير الطريق العامّ فنجا من قبضة المسلمين ، وزحف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمن معه من المسلمين لإلقاء القبض على أبي سفيان ، وعسكر بجيشه ببدر.

رؤيا عاتكة :

رأت السيّدة عاتكة بنت عبد المطّلب في منامها رؤيا أفزعتها فسارعت إلى

__________________

(١) بدر : موضع يقع بين مكّة والمدينة ، سمّي بهذا الاسم لأنّ فيه ماء لرجل يسمّى بدرا ، فسمّي الموضع به ـ مجمع البحرين ١ : ٤٩٨.

١٢

أخيها العبّاس بن عبد المطّلب فقصّتها عليه قائلة :

إنّي رأيت الليلة رؤيا أفزعتني ..

وسارع العبّاس قائلا :

ما رأيت؟

وأخذت تقصّ عليه رؤياها بفزع وخوف قائلة :

إنّي أتخوّف أن يدخل على قومك منها شرّ عظيم فاكتم منّي ما أحدّثك به.

أفعل ذلك ولا أحدّث به.

ولمّا ضمن لها أن لا يذيع رؤيتها بين قريش أخذت تحدّثه بها قائلة :

رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثمّ صرخ بأعلى صوته :

ألا انفروا يا آل نجد لمصارعكم ، فأرى الناس اجتمعوا إليه .. ثمّ أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكّة ولا دار إلاّ دخلتها منها فلقة ..

وفزع العبّاس من هذه الرؤيا التي تنبئ بالخطر العظيم على أهالي مكّة ، ولم يستطع كتمانها ، فقد ضاق صدره منها وراح يشيعها ويتحدّث بها إلى الناس ، ووصل خبرها إلى أبي جهل ، فانطلق إلى العباس وقال ساخرا : يا بني عبد المطّلب ، أما رضيتم أن يتنبّأ رجالكم حتى تتنبّأ نساؤكم .. (١).

وصدقت رؤيا عاتكة ، فقد حلّ بالقرشيّين الدمار الشامل ، فقد كانت واقعة بدر التي نشرت في بيوتهم الثكل والحزن والحداد ، وخيّم عليها الذلّ والهوان.

نصيحة عتبة بن ربيعة :

وقبل أن تندلع نار الحرب أشار عتبة بن ربيعة على قومه القرشيّين بعدم

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ١ : ٦٠٣. تاريخ الطبري ٢ : ١٣٦.

١٣

مناجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهاهم عن فتح باب الحرب مع المسلمين قائلا :

إنّي أرى قوما مستميتين لا تصلون إليهم .. يا قوم ، اعصبوها اليوم برأسي وقولوا : جبن عتبة بن ربيعة ، ولقد علمتم أنّي لست بأجبنكم ..

وسمع أبو جهل نصيحة عتبة فاستشاط غضبا وغيظا وصاح به :

أنت تقول هذا؟ والله! لو غيرك يقول هذا لعضضته ، لقد ملئت رئتك وجوفك رعبا ..

ويردّ عليه عتبة بعنف قائلا :

إيّاي تعيّر يا مصفرا استه (١)

ستعلم اليوم أيّنا أجبن؟ (٢)

و نظر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عتبة ، وكان على جمل أحمر ، فرأى في وجهه الرشد والخير ، فقال لأصحابه : « إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا ... » (٣).

ولم تصغ قريش لنصيحة عتبة ، ومضت سادرة في غيّها وجهلها ، وصمّمت على مناجزة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونظر أبو جهل إلى قلّة أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستضعفهم واستهان بهم وقال : إنّ محمّدا وأصحابه أكلة جزور ... (٤).

سقاية الإمام للجيش :

وأصاب الجيش الإسلامي ظمأ في بدر فانبرى الإمام عليه‌السلام إلى القليب وجاء

__________________

(١) كان أبو جهل مصابا بشذوذ جنسي ، وكان يحني استه ليرغب فيه فسّاق قومه ، فلذا عيّره عتبة.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ١٣٢.

(٣) السيرة النبوية ـ ابن هشام ١ : ٩٢٠.

(٤) المصدر السابق : ٦٢٣.

١٤

بالماء حتى أروى المسلمين (١).

دعاء النبيّ للأنصار :

ونظر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الأنصار وهم يتعاقبون في الحمل على النوق التي لم تكن تكفيهم ، فدعا لهم وقال :

« اللهمّ إنّهم حفاة فاحملهم ، وعراة فاكسهم ، وجياع فأشبعهم ، وعالة فأغنهم من فضلك ».

واستجاب الله تعالى دعاء نبيّه العظيم ، فما انتهت معركة بدر إلاّ وجد كلّ واحد منهم بعيرا معتليه ، واكتسى منهم كلّ عار ، وأصابوا الطعام من متاع قريش ، وأصابوا فداء الأسرى فاغتنى به كلّ عائل منهم (٢).

دعاء النبيّ على قريش :

وأنفق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليله ساهرا يصلّي إلى جانب شجرة ، وقد نام جميع المسلمين إلاّ هو ، كما حدّث بذلك الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان يدعو الله تعالى بهذا الدعاء :

« اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحاربك وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني ، اللهمّ أحفّهم (٣) الغداة ... » (٤).

النبي مع أصحابه :

وأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلهم أصحابه القوّة والنشاط قائلا لهم :

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٠٦.

(٢) إمتاع الأسماع ١ : ٦٤.

(٣) أحفّهم : أي أهلكهم.

(٤) السيرة النبوية ـ ابن هشام ١ : ٩٢٣.

١٥

« والّذي نفس محمّد بيده! لا يقاتلهم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلاّ أدخله الله الجنّة ». وبعثت هذه الكلمات في نفوسهم العزم ، فاندفعوا كالأسود لمناجزة أعداء الله.

المعركة :

بدأت المعركة صباح يوم الجمعة في اليوم السابع عشر من رمضان المبارك سنة ( ٢ ه‍ ) ، المصادف ١٥ كانون الثاني سنة ٦٢٤ م ، وقد فتح القرشيّون باب الحرب ، فبرز منهم عتبة بن ربيعة وشيبة والوليد ، وهم أبطال قريش وطليعة فرسانهم ، وبرز إليهم فتيان من الأنصار فاحتقرهم عتبة وأخذته العزّة بالإثم فقال لهم : لا نريد هؤلاء ، ولكن نريد أن يبارزنا بنو أعمامنا من بني عبد المطّلب ، فندب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمبارزتهم عبيدة وعليّا وحمزة ، وبرز حمزة لعتبة ، وعبيدة لشيبة ، وعليّ للوليد (١).

أمّا الإمام عليّ وحمزة فكلّ منهما قتل صاحبه ، وأمّا عبيدة وعتبة بن ربيعة فقد اختلفا بضربتين ، وأثبت كلّ منهما سيفه في رأس صاحبه ، فكرّ عليه الإمام وحمزة بأسيافهما وتركاه جثة هامدة (٢) ، واشتدّت الحرب ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أشدّ الناس بأسا ومن أقرب جيشه إلى العدو ، وكان المسلمون يلوذون به كما حدّث بذلك الإمام عليه‌السلام (٣) ، وبان الانكسار في صفوف القرشيّين وانهارت معنوياتهم وانهزموا شرّ هزيمة.

بسالة الإمام :

وأبدى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام من البسالة والصمود ما لا يوصف ، فكان

__________________

(١) سنن البيهقي ٣ : ٢٧٩.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٣٢٥.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٦٤ ، رقم الحديث ٦٥٤.

١٦

القوّة الضاربة في جيش الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد غاص في أوساط القرشيّين يحصد رءوسهم ويشيع فيهم القتل والدمار ، وقد بهرت ملائكة السماء من بسالته ، ونادى جبرئيل : « لا سيف إلاّ ذو الفقار (١) ، ولا فتى إلاّ عليّ » (٢).

وكتب الله النصر المبين للإسلام على يد الإمام القائد الملهم العظيم الذي أذلّ القرشيّين وأخزاهم وألحق بهم الهزيمة والعار.

أسماء من قتلهم الإمام :

من المؤكّد أنّه لم يكن بيت من بيوت القرشيّين لم ينله سيف الإمام عليه‌السلام في تلك المعركة ، وهذه أسماء من حصد رءوسهم وهم :

١ ـ الوليد بن عتبة ، كان جريئا فتّاكا تهابه الرجال ، وهو أخو هند أمّ معاوية وزوجة أبي سفيان.

٢ ـ حنظلة بن أبي سفيان.

٣ ـ العاص بن سعيد ، وكان هولا تهابه الأبطال.

٤ ـ نوفل بن خويلد ، وكان من أشدّ المشركين عداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه وتطيعه ، وهو من بني نوفل بن عبد مناف.

٥ ـ زمعة بن الأسود.

٦ ـ النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار.

٧ ـ طعيمة بن عدي بن نوفل ، كان من رءوس أهل الضلال.

٨ ـ عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عمّ طلحة بن عبيد الله.

__________________

(١) سمّي هذا السيف بذي الفقار لأنّه كانت له فقرات كفقرات الظهر.

(٢) كنز العمّال ٣ : ١٥٤. السيرة النبوية ـ ابن هشام ٣ : ٥٣. وفي ذخائر العقبى (٧٤) : « نادى ملك من السماء يوم بدر : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ عليّ ».

١٧

٩ ـ عثمان بن عبيد الله.

١٠ ـ مالك بن عبيد الله أخو عثمان.

١١ ـ مسعود بن أميّة بن المغيرة من بني مخزوم.

١٢ ـ حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة.

١٣ ـ قيس بن الفاكه بن المغيرة.

١٤ ـ أبو قيس بن الوليد بن المغيرة.

١٥ ـ عمر بن مخزوم.

١٦ ـ الحارث بن زمعة.

١٧ ـ أبو المنذر بن أبي رفاعة.

١٨ ـ منبه بن الحجّاج السهمي.

١٩ ـ العاص بن منبه من بني سهم.

٢٠ ـ علقمة بن كلدة.

٢١ ـ أبو العاص بن قيس بن عدي.

٢٢ ـ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص.

٢٣ ـ لوذان بن ربيعة.

٢٤ ـ عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة.

٢٥ ـ حاجب بن السائب بن عويم.

٢٦ ـ أوس بن المغيرة بن لوذان.

٢٧ ـ زيد بن مليص.

٢٨ ـ غانم بن أبي عويف.

٢٩ ـ سعيد بن وهب حليف بني عامر.

٣٠ ـ معاوية بن عامر بن عبد القيس.

١٨

٣١ ـ السائب بن مالك.

٣٢ ـ عبد الله بن جميل بن زهير الحارث بن أسد.

٣٣ ـ أبو الحكم بن الأخنس.

٣٤ ـ هشام بن أبي أميّة بن المغيرة (١).

هؤلاء الذين حصد رءوسهم الإمام عليه‌السلام بسيفه في سبيل الإسلام.

وقوف النبيّ على قتلى بدر :

وقف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قتلى بدر فتأمّلهم ، وتذكّر ما عاناه منهم من صنوف التنكيل والارهاق ، وخاطبهم بقوله :

« يا أهل القليب! يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة! ويا أميّة بن خلف! ويا أبا جهل بن هشام ... ».

وعدّد عصابة من الذين بالغوا في التنكيل به ، ثمّ قال لهم : « هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ».

وبهر أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطابه للقتلى فقالوا له :

يا رسول الله ، أتنادي قوما قد جيفوا؟

فأجابهم الرسول :

« وما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني » (٢). إنّ الأرواح لا تفنى ، وإنّما الأجسام تبلى ، وتعود إلى عنصرها الذي تكوّنت منه ، هذا ما أعلنه الرسول.

__________________

(١) أعيان الشيعة ٣ : ٩٨ ـ ٩٩.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

١٩

الأسرى من قريش :

ووقع سبعون أسيرا من قريش (١) بأيدي القوات المسلّحة من جيش الرسول ، فأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعضهم الجزية وأطلق سراحهم ، ومن لم يتمكّن من دفع الجزية وكان يحسن القراءة والكتابة أمره أن يعلّم أبناء المسلمين بدل الجزية ، وبذلك أقام النبيّ أوّل صرح في عاصمته لمحو الاميّة.

حزن القرشيّين على قتلاهم :

وحزن القرشيّون كأشدّ ما يكون الحزن على قتلاهم ، وكان حزنهم كامنا في نفوسهم ، فقد نذر أبو سفيان أن لا يمسّ رأسه ماء من جنابة ، وأمّا زوجه هند فقد هامت في تيارات من الحزن وكتمت حزنها على أهل بيتها ، وقالت : كيف أبكيهم فيبلغ محمّدا وأصحابه فيشمتوا بنا ، لا والله! حتى أثأر من محمّد وأصحابه ، والدهن عليّ حرام حتى نغزو محمّدا ...

لقد ترك قتلى بدر لوعة في نفوس القرشيّين ، وقد رثاهم بعض شعرائهم بقوله :

فما ذا بالقليب قليب بدر

من الفتيان والقوم الكرام

وما ذا بالقليب قليب بدر

من الشيري (٢) ثكل بالسنام (٣)

وظلّت قريش حاقدة على الإمام حتى بعد ما أعلنت الإسلام وبويع الإمام بالخلافة ، فقد نظم أسيد بن إياس هذه الأبيات يحرّض قريشا على مناهضة الإمام ونكث بيعته قائلا :

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ١ : ١٣٦. تاريخ الطبري ٢ : ١٣٥.

(٢) الشيري : شجرة يتّخذ منها الجفان.

(٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ١١٨.

٢٠