البلدان

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]

البلدان

المؤلف:

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٠

فلمّا قدم النبيّ المدينة أقطع الناس الدور فخطّ لبني زهرة في ناحية مؤخّر المسجد ، وجعل للزّبير بن العوّام بقيعا واسعا ، وجعل لطلحة موضع داره ، ولآل أبي بكر موضع داره عند المسجد الذي صار لآل معمر ، ولخالد وعمّار موضع داريهما ، وخطّ لعثمان موضع داره اليوم ، ويقال إن الخوخة التي في دار عثمان اليوم تجاه باب النبيّ (صلى الله عليه وسلم) كان يخرج منها إذا دخل بيت عثمان بن عفّان.

ذكر مسجد المدينة

قال (صلى الله عليه وسلم) : «من جاء إلى مسجدي لا يريد إلّا الصلاة في مسجدي والتسليم عليّ شهدت وشفعت له ، ومن سلّم عليّ ميّتا فكأنما سلّم عليّ حيّا»

وكان بناء المسجد على عهد النبيّ (صلى الله عليه وسلم) باللبن وسقفه جريد ، وعمده خشب النخل ، فزاد فيه عمر ، ثم غيّره عثمان وبناه بالحجارة المنقوشة والقصّة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه ساجا. وبناه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وله بابان شارعان : باب عائشة والذي يقال له باب عاتكة ، وباب في مؤخّر المسجد إلى دار مليكة : وأول من حصّب المسجد عمر قال : والأساس اليوم معمول بالحجارة ، والجدران بالحجارة المطابقة ، وعمد المسجد من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص ، وكان طوله مائتي ذراع وعرضه مائتي ذراع ، وهو معنّق ومعنّق سقف دون سقف ، والمحراب والمقصورة من ساج.

وتراب المدينة وهواؤها أطيب ريحا من رائحة الأفاويه بسائر البلدان ، ويكتفي بالمدينة الرجل الأكول بقرصتين ، ولا يكتفي في غيرها بخمسة أرغفة ، وليس ذلك لغلظ فيه أو فساد في حبّه وطحنه ، ولو كان كذلك لظهر في التخم ، ولهم الفقه والصحبة ، ولهم حبّ البان. ومنها يحمل إلى جميع البلدان ـ وهي حشيشة تنبت في باديتها ـ وجبلها أحد ، قال رسول الله : رضوى رضي الله عنه ، وقدس قدّسه الله ، وأحد جبل يحبّنا ونحبّه ، جاءنا سائرا إلينا متعبّدا ، له تسبيح يزفّ زفّا ومن عجائبها جبل العرج الذي بين المدينة ومكّة ، يمضي إلى الشام حتى يتّصل بلبنان من حمص ، ويمرّ حتى يتّصل بجبال أنطاكية والمصّيصة ، ويسمّى هناك

٨١

اللّكام ، ثم يتّصل بجبال ملطية وشمشاط وقاليقلا إلى بحر الخزر ، وفيه باب الأبواب يسمّى هناك القبق وعليه سبعون لسانا لا تعرف اللغة اللغة واللسان اللسان إلّا بترجمان.

والعقيق خارج المدينة ولمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : «لو علمنا بهذه أوّلا لكانت المنزل» وقصر عروة بن الزبير بالعقيق ، وسئل بعضهم لمّ سمّي العقيق عقيقا؟ قال : لأن سيله عقّ في الحرّة ، وبها الجمّاوات الثلاث :

[فمنها جمّاء تضارع التي تسيل إلى قصر أم عاصم وبئر عروة وما والى ذلك وفيه يقول أحيحة بن الجلاح :

إني والمشعر الحرام وما

حجت قريش له وما نحروا

لا آخذ الخطّة الدنية ما

دام يرى من تضارع حجر

ومنه مكيمن الجماء وفيه يقول سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت :

عفا مكمن الجماء من أم عامر

فسلع عفا منها فحرّة وأقم

ثم الجماء الثانية : جماء أم خالد التي تسيل على قصر محمد بن عيسى الجعفري وما والاه. وفي أصلها بيوت الأشعث من أهل المدينة ، وقصر يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي ـ وفيفاء الخبار من جماء أم خالد.

والجماء الثالثة : جماء العاقر وبها بئر رومة ـ ويقال أرومة ـ وبئر أريس وبئر بضاعة. وبينها ـ جماء العاقر ـ وبين جماء أم خالد فسحة ، وهي تسيل على قصور جعفر بن سليمان وما والاها. وإحدى هذه الجماوات أراد أبو قطيفة بقوله :

القصر فالنخل فالجماء بينهما

أشهى إلى القلب من أبواب جيرون

إلى البلاد فما حازت قرائنه

دور نزحن عن الفحشاء والهون

قد يكتم الناس أسرارا وأعلمها

وليس يدرون طول الدهر مكنوني] (١)

__________________

(١) عن معجم البلدان ٢ : ١١١ ـ ١١٢ (الجمّاء). وقد صرّح بنقلها عن ابن الفقيه.

٨٢

ويقال : إن ماء بئر رومة أعذب ماء بالعقيق. وفي العقيق وقصوره وأوديته وحراره أخبار كثيرة. وللزبير بن بكار فيه كتاب مفرد (١).

[خاخ : في حدود العقيق ، وهو بين الشوطي والناصفة.

قال الأحوص بن محمد :

طربت وكيف تطرب أم تصابى

ورأسك قد توشّح بالقتير

لغانية تحلّ هضاب خاخ

فأسقف فالدوافع من حضير

خفيّة : في أرض العيق بالمدينة قال الشاعر :

وننزل من خفيّة كل واد

إذا ضاقت بمنزله النعيم

العشيرة : من أودية العقيق. قال عروة بن أذينة :

يا ذا العشيرة قد هجت الغداة لنا

شوقا وذكّرتنا أيامك الأولا

ما كان أحسن فيك العيش مؤتنقا

غضا وأطيب في آصالك الأصلا

ذو الضروبة ثم ذو الغرّاء : من عقيق المدينة قال أبو وجزة :

كأنهم يوم ذي الغراء حين غدت

نكبا جمالهم وللبين فاندفعوا

لم يصبح القوم جيرانا فكل نوى

بالناس لا صدع فيها سوف ينصدع

الجنينة : موضع بالعقيق] (٢).

وفي عالية المدينة : قبا. ومما يلي الشام : خيبر ، ووادي القرى ، وتيماء ، ودومة الجندل ، وفدك ، ـ وهو أقربها إلى المدينة ـ.

__________________

(١) ذكر ابن النديم ١٢٣ ان للزبير بن بكار كتابا باسم (كتاب العقيق وأخباره).

(٢) ما بين العضادتين مواد نص ياقوت على أن ابن الفقيه قد ذكرها في كتابه ـ وياقوت ينقل عن أصل كتاب البلدان ـ فآثرنا وضعها في موضعها وهي في معجم البلدان حسب تسلسل ورودها هنا (٢ : ٣٨٥ و ٤٥٧ ، ٣ : ٦٨٢ و ٧٧٩. وفي المشترك وضعا والمفترق صقعا (١٠٩ و ١٥٨) حيث ذكر مادتي (باب الجنينة) و (خفية).

٨٣

ومن عمل المدينة : مرّان ، وقبا ، والدثينة ـ ويقال الدفينة ـ وفلجة ، وضريّة ، وطخفة ، وإمرة ، وأضاح ، ومعدن الحسن ، وبئر غرس بقبا ، وبئر بضاعة بالمدينة ، وكانوا يستشفون بمائها.

[عبلاء البياض : موضعان من أعمال المدينة وعبلاء الهرد. والهرد نبت به يصبغ أصفر.

غمرة : من أعمال المدينة على طريق نجد أغزاها النبي (صلى الله عليه وسلم) عكّاشة بن محصن.

فأما أعراض المدينة فأضخمها الفرع وبه منزل الوالي وبه مسجد صلى به النبي (صلى الله عليه وسلم)] (١).

الفرق بين تهامة والحجاز

قال الأصمعيّ : إذا خلفت عجلزا مصعدا فقد أنجدت ، فلا تزال منجدا حتى تنحدر في ثنايا ذات عرق ، فإذا فعلت ذلك فقد اتهمت ، وإنما سمّي الحجاز حجازا لأنه يحجز بين تهامة ونجد. وقال ابن الأعرابي ، الجزيرة ما كان فوق بقّة ، وإنما سمّيت الجزيرة لأنها تقطع الفرات ودجلة ، وبعد تقطع البرّ ، وإنما سمّيت الموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والشام. وقال ابن الكلبيّ : الحجاز ما يحجز بين تهامة والعروض ، وما بين اليمن ونجد. وقال جعفر : أودية نجد تسيل مشرّقة وأودية تهامة تسيل مغرّبة وقد قيل : فرق ما بين الحجاز ونجد أنه ليس بالحجاز غضا فما أنبت الغضا فهو نجد وما أنبت الطّلح والسّمر والأسل ـ وواحده أسلة ـ فهو حجاز وقال الأصمعيّ : طرف تهامة من قبل الحجاز مدارج العرج ، وأوّل تهامة من قبل نجد ذات عرق. وقالوا : طول تهامة ما بين جبل السّراة إلى شطّ البحر ، وطول الحجاز من حدّ العرج إلى السّراة فطائف. والمدينة من نجد وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان من العروض وتهامة تساير البحر.

__________________

(١) ما بين العضادتين من معجم البلدان ٣ : ٦٠٨ ، ٨١٤ ، ٨٧٨.

٨٤

[زينة : واد طوله عشرون يوما في نجد وأعلاه في السراة ويسمى عقيق تمرة.

السقيا : من أسافل أودية تهامة.

شعر : جبل بالحمى ، ويوم شعر بين بني عامر وغطفان عطش يومئذ غلام شاب يقال له الحكم بن الطفيل فخشي أن يؤخذ فخنق نفسه فسمي يوم التخانق. قال البريق الهذلي :

سقى الرحمن حزم ينابعات

من الجوزاء أنواء غزارا

بمرتجز كأن على ذراه

ركاب الشام يحملن البهارا

يحط العصم من أكناف شعر

ولم يترك بذي سلع خمارا] (١)

__________________

(١) ما بين العضادتين من معجم البلدان ٢ : ٩٦٨ و ٣ : ١٠٤.

٨٥

القول في اليمامة

سمّيت اليمامة بامرأة من طسم بنت مرّة ، وكانت منازل طسم وجديس اليمامة وما حولها إلى البحرين ، ومنازل عاد الأولى الأحقاف وهو الرمل ما بين عمان إلى عدن ، وكانت مساكن غسّان بيثرب ، ومساكن أميم بالرمل ، ومساكن جرهم بتهائم اليمن ، ثم لحقوا بمكّة فنزلوا على إسماعيل ، وكانت منازل العماليق موضع صنعاء اليوم ثم خرجوا فنزلوا مكّة ، ولحقت طائفة منهم بالشام ومصر ، وتفرّقت طائفة منهم في جزيرة العرب إلى العراق ، ويقال : إن فراعنة مصر كانوا من العماليق منهم فرعون إبراهيم (عليه السلام) واسمه سنان بن علوان ، وفرعون يوسف اسمه الرّيّان بن الوليد وفرعون موسى اسمه الوليد بن مصعب ، وملك الحجاز رجل من العماليق يقال له الأرقم ، وكان الضحّاك من العماليق غلب على ملك العجم بالعراق وهو فيما بين موسى وداود.

صفة اليمامة وأوديتها

اليمامة واديان يصبّان من مهبّ الشمال ، ويفرغان في مهبّ الجنوب ، وعيون اليمامة كثيرة فيها عين يقال لها الخضراء ، وعين يقال لها الهيت ، وعين بجوّ تجري من جبل يقال له الرّام ، وهو جبل معترض مطلع اليمامة يحول بينها وبين يبرين والبحرين والدّوّ والدّهناء ، وبجوّ عين يقال لها الهجرة ولا يشرب ماؤها لخبثه ، وبالمجازة نهران وبأسفلها نهر يقال له سيح الغمر ، وبأعلاها قرية يقال لها نعام ، بها نهر يقال له سيح نعام ، وأوّل ديار ربيعة باليمامة مبدأها من أعلاها أوّلها دار هزّان قال : واليمامة لبني حنيفة ، والبحرين لعبد القيس ، والجزيرة لبني تغلب ، وذات النّسوع قصر باليمامة ، والمشقّر فيما بين نجران والبحرين ، وبتيل حجر عليه

٨٦

قصر مشيّد عجيب من بناء طسم ، ومعنق قصر عبيد بن ثعلبة وهو أشهر قصور اليمامة من بناء طسم على أكمة مرتفعة ، والثّرمليّة حصن من حصون طسم ، ويقول أهل اليمامة : غلبنا أهل الأرض شرقها وغربها بخمس خصال : ليس في الدنيا أحسن ألوانا من نسائنا ، ولا أطيب طعاما من حنطتنا ، ولا أشدّ حلاوة من تمرنا ، ولا أطيب مضغة من لحمنا ، ولا أعذب من مائنا ، فأما قولهم في نسائهم فإنهنّ درّيّات الألوان كما قال ذو الرّمّة :

كأنّها فضّة قد مسّها ذهب

وكقول امرئ القيس :

كبكر المقاناة البياض بصفرة

وذلك أحسن الألوان ، ويقال لا تبلغ مولّدة مائة ألف درهم إلّا يماميّة ، وأمّا حنطتهم فتسمّى بيضاء اليمامة وهي عذي لا سقي ، يحمل منه إلى الخلفاء ، وأمّا تمره فلو لم يعرف فضله إلا أن التمر ينادى عليه بين المسجدين : يماميّ اليمامة ، يماميّ اليمامة ، فيباع كلّ تمر ليس من جنسه بسعر اليماميّ ، وبها أصناف التمور ، وبها نخلة تسمّى العمرة ، ويقال إنها نخلة مريم ، وجمعها العمر ، والجداميّة تمر ينفع من البواسير والصفرقان ـ تمرة سوداء طيّبة ـ والحضريّ ، والهجنة ، والبرديّ ، والصفراء ، والقعقاعيّ ، واللّصف ، والصفر ، والصفايا ، والتّعضوض ، والعمانيّ ، والجعاب ، والمرّيّ ، وخرائف بني مسعود ، والصّرفان ، والزّغريّ ، والصّنغانة ، وزبّ رباح : يقال في المثل : الذّ من زبد بزب ، وصرفان ، جلاجل ، والخيل ، هذه كلّها تمور اليمامة ألوان ملوّنة. قالوا : أجود تمر عمان : الفرض ، والبلعق ، والخبوت ، وأجود تمر اليمامة : البرديّ ، والزّرقاء ، والجداميّة. وأجود تمر البحرين : التعضوض. والمكرى ، والآزاذ. وأجود تمر الكوفة : النرسيان ، والسابريّ. وأجود تمر البصرة : الآزاذ ، والقريثاء. وأمّا لحم اليمامة فإنه يطيب لطيب مراعيهم وماؤهم نمير يجلو البلغم وينقّي الصدر ، وفيها قالت الشعراء : أرقّ من ماء اليمامة واليمامة صرّة نجد ومدينة نجد حجر.

٨٧

[إصاد : من أودية العلاة من أرض اليمامة] (١).

[الخضارم : حجر ، مصر اليمامة ثم جوّ وهي الخضرمة وهي من حجر على يوم وليلة وبها بنو سحيم وبنو ثمامة من حنيفة] (٢).

[العرائس : من جبال الحمى.

عنيزة : من أودية اليمامة قرب سواج.

عيهم : جبل بنجد على طريق اليمامة إلى مكة ، قال جابر بن حنيّ التغلبي :

ألا يا لقومي للحديد المصرّم

وللحلم بعد الزلة المتوهّم

وللمرء يعتاد الصبابة بعد ما

أتى دونها ما فرط حول مجرّم

فيا دار سلمى بالصريمة فاللوى

إلى مدفع القيقاء فالمتثلم

أقامت بها بالصيف ثم تذكرت

منازلها بين الجواء فعيهم] (٣)

__________________

(١) عن معجم البلدان ١ : ٢٩.

(٢) عن معجم البلدان ٢ : ٤٥٠ ولا نعلم إن كانت بقية الكلام المذكور في المعجم بعد هذا تابع لكلام ابن الفقيه ، أم منقول عن أحد كتب الأصمعي بصورة مباشرة.

(٣) عن معجم البلدان ٣ : ٦٣٢ ، ٧٣٨ ، ٧٦٦.

٨٨

القول في البحرين

قال أبو عبيدة : بين البحرين واليمامة مسيرة عشرة أيّام ، وبين هجر مدينة البحرين وبين البصرة مسيرة خمسة عشر يوما على الإبل ، وهي الخطّ ، والقطيف ، والآرة ، وهجر. والبينونة ، والزارة ، وجواثا ، والسابور ، ودارين ، والغابة ، وقصبة هجر الصّفا ، والمشقّر ، والشّبعان ، والمسجد الجامع في المشقّر ، وبين الصفا والمشقّر نهر يجري يقال له العين ، ومن قرى البحرين : الحوس ، والكثيب الأكبر ، والكثيب الأصغر ، وأرض نوح ، وذو النار ، والمالحة ، والذّرائب ، والبديّ ، والخرصان ، والسّهلة ، والحوجر ، والوجير ، والطّربال ، والمنسلخ ، والمرزي ، والمطلع ، والشّطّ ، والقرحاء ، والرّميلة ، والبحرة ، والرّجراجة ، والعرجة ، فهذه قرى بني محارب بن عمرو بن وديعة ، وقرى بني عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة أضعاف هذه. وبين مكّة واليمن عشرون يوما.

[سفار : بلد بالبحرين] (١).

الحزون

قال أبو عبيدة : الحزن ما بين زبالة فما فوق ذلك مصعدا في بلاد نجد ، وقال أبو سعيد الضّرير : الحزون ثلاثة : حزن بني جعدة وهم من ربيعة ، ثم حزن يربوع ، ثم حزن بني غاضرة. وأما واقصة فهي واقصة الحزون وهي دون زبالة ، وإنما سمّيت واقصة الحزون لأن الحزون أطافت بها من كلّ ناحية.

__________________

(١) عن معجم البلدان ٣ : ٩٦.

٨٩

والحرّات

في بلاد العرب ثمانية : حرّة بني سليم وهي سوداء ، وحرّة لفلف. وحرّة بني هلال ، وحرّة النار ، وحرّة ليلى ، وحرّة راجل ، وحرّة وأقم ، وحرّة ضرغد.

والسّروات

ثلاث : سراة بين تهامة ونجد أدناها بالطائف وأقصاها قرب صنعاء ، والسروات أرض عالية وجبال مشرفة على البحر من المغرب ، وعلى نجد من المشرق ، والطائف من سراة بني ثقيف وهو أدنى السروات إلى مكّة ، ومعدن البرم هي السراة الثانية بلاد عدوان في بريّة العرب وبها معدن البلّور ، وهو أجود ما يكون في صفاء الماورد توجد القطعة فيها منا وأكثر ، وقال الكنديّ : رأيت قطعة فيها مائة منا.

والبراق

برقة منشد ما بين بني تميم وبين بني أسد ، وبرقة ثهمد لبني دارم ، وبرقة ضاحك لبني دارم ، وأبرق العزّاف لبني أسد ، وأبرق الحنّان لبني فزارة ، وإنما سمّي أبرق العزّاف لعزف الجنّ بها والحنّان لأنه يسمع الحنين بها ، وأبرق النّعّار لطيّء وغسّان ، وأبرق الرّوحان.

والدارات

في بلاد العرب سبع عشرة دارة ، قال ابن حبيب ، الدّور جمع دارة وكلّ أرض اتّسعت فأحاطت بها الجبال في غلظ أو سهولة فهي دارة فمن ذلك : دارة وشجى ، ودارة جلجل ، ودارة رفرف ، ودارة مكمن ، ودارة الجمد ، ودارة الدّور ، ودارة الكور ، ودارة قطقط ، ودارة صلصل ، ودارة الجأب ، ودارة العليق ، ودارة مأسل ، ودارة الخرج ، ودارة رهبى ، ودارة حيقور ، والبهرة مثل الدارة لأن البهرة تكون في سهولة وغلظ جميعا.

٩٠

القول في اليمن

قال الكلبيّ : سمّيت اليمن لأن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح أقبل بعد خروج ثلاثة عشر ذكرا من ولد أبيه ، فنزل موضع اليمن فقالت العرب : تيمّن بنو يقطن فسمّيت اليمن ويقال بل سمّيت اليمن لأنها عن يمين الكعبة ولمّا جاء أهل اليمن قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : قد جاءكم أهل اليمن أرق قلوبا منكم وهم أوّل من جاءنا بالمصافحة. وقال : «الإيمان يمان والحكمة يمانية والإسلام يمان» وقال : «أهل اليمن زين الحاجّ». وقال مجاهد في قول الله عزّ وجلّ (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قال : سبي اليمن قال : وقدم رجل على النعمان بن المنذر فقال : أخبرني عن أهل اليمن. فقال : أكثر الناس سيّدا وأكثرهم جمعا. قال : فأخبرني عن بني عامر! قال : أعجاز النساء وأعناق الظباء. قال : فتميم! قال : حجر إن وقعت عليه آذاك ، وإن وقع عليك أذي. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «إذا تعذّر على أحدكم الملتمس فعليه بهذا الوجه» وأشار إلى اليمن. وفي قوله عزّ وجلّ (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) الآية قال : هم أهل اليمن ، وفضائل كثيرة.

قال : فاليمن ثلاثة وثلاثون منبرا قديمة ، وأربعون محدثة ، وسمّيت صنعاء بصنعاء بن أزال بن يقطن ، وهو الذي بناها. وفي قوله عزّ وجلّ : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) قال : صنعاء. وقوله عزّ وجلّ (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) قال : كان سليمان بن داود (عليه السلام) يغدو من إصطخر ويروح بصنعاء ويستعرض الشياطين بالرّيّ. قال : وصنعاء أطيب البلدان ، وهي طيّبة الهواء كثيرة الماء ، يشتون مرّتين ، ويصيفون ، مرّتين ، [وكذلك أهل فران ومارب وعدن والشحر. وإذا

٩١

صارت الشمس إلى أول الحمل ، صار الحر عندهم مفرطا. فإذا صارت إلى أول السرطان وزالت عن سمت رؤوسهم أربعة وعشرين ، شتوا. ثم تعود الشمس إليهم إذا صارت إلى أول الميزان فيصيفون ثانية ويشتد الحرّ عليهم. فإذا زالت إلى الجنوب وصارت إلى الجدي شتوا ثانية ، غير أن شتاءهم قريب من صيفهم. وكان في ظفار وهي صنعاء كذا.

وظفار مشهورة على ساحل البحر ولعل هذه كانت تسمى بذلك قريب من القصور : قصر زيدان وهو قصر المملكة ، وقصر شوحطان ، وقصر كوكبان وهو جبل قريب منها وقد ذكر في موضعه.

وكان لمدينة صنعاء تسعة أبواب وكان لا يدخلها غريب إلّا بإذن. كانوا يجدون في كتوبهم أنها تخرب من رجل يدخل من باب لها يسمى باب حقل. وكانت مرتبة صاحب الملك على ميل من بابها وكان من دونه إلى الباب حاجبان بين كل واحد إلى صاحبه رمية سهم. وكانت له سلسلة من ذهب من عند الحاجب إلى باب المدينة ممدودة وفيها أجراس ، متى قدم على الملك شريف أو رسول أو بريد من بعض العمال حركت السلسلة فيعلم الملك بذلك فيرى رأيه] (١).

وأهل الحجاز واليمن يمطرون الصيف كلّه ، ويخصبون في الشتاء فيمطر صنعاء وما والاها في حزيران وتموز وآب وبعض أيلول من الزوال إلى المغرب ، يلقى الرجل الآخر منهم فيكلّمه فيقول : عجّل قبل الغيث لأنه لا بدّ من المطر في هذه الأيّام. وكان ابن عبّاس يقول : مجاهد عالم أهل الحجاز ، وسعيد بن جبير عالم أهل العراق ، وطاؤوس عالم أهل اليمن ، ووهب عالم الناس.

وباليمن من أنواع الخصب وغرائب الثمر وطرائف الشجر ما يستصغر ما ينبت في بلاد الأكاسرة والقياصرة ، وقد تفاخرت الروم وفارس بالبنيان وتنافست

__________________

(١) عن معجم البلدان ٣ : ٤٢٢ والقزويني ص ٥٠. ولا نعلم إن كان الكلام الذي يليه في المعجم تابع لكلام ابن الفقيه أم لا ويبدأ بقوله : وقال أبو محمد اليزيدي (وهو يحيى بن المبارك المتوفى عام ١٨٠ ه‍ ـ).

٩٢

فيه ، فعجزوا عن مثل غمدان ، ومأرب ، وحضرموت ، وقصر مسعود ، وسدّ لقمان ، وسلحين ، وصرواح ، ومرواح ، وبينون ، وهندة ، وهنيدة ، وفلثوم ، بريدة قال :

أبعد بينون لا عين ولا أثر

وبعد سلحين يبني النّاس بنيانا

وبصنعاء غمدان قصر عجيب قد بني على أربعة أوجه : وجه بالجروب الأبيض ، ووجه بالجروب الأصفر ، ووجه بالجروب الأحمر ، ووجه بالجروب الأخضر ، ـ والجروب الحجارة ـ وابتني في داخله على ما أتقن من أساسه قصرا على سبعة سقوف ، بين كلّ سقفين أربعون ذراعا ، وسقفه من رخامة واحدة ، وجعل على كلّ ركن تمثال أسد من شبه كأعظم ما يكون من الأسد ، فكانت الريح إذا هبّت من ناحية تمثال من تلك التماثيل دخلت جوفه من دبره ، ثم خرجت من فيه ، فيسمع له زئير كزئير الأسد. وكان يأمر بالمصابيح فتسرج في بيوت الرخام إلى الصبح ، فكان القصر يلمع من ظاهره كلمع البرق ، فإذا أشرف الإنسان ليلا قال : أرى بصنعاء برقا شديدا ومطرا كثيرا ، ولا يعلم أن ذلك من ضوء السّرج ، فكان كذلك حتى أحرق ، وعلى ركن من أركانه مكتوب : اسلم غمدان هادمك مقتول ، فهدمه عثمان بن عفّان فقتل. وقالوا : إن الذي بناه سليمان بن داود وذلك أنه أمر الشياطين أن يبنوا لبلقيس ثلاثة قصور بصنعاء أحدها غمدان وسلحين وبينون وفيها يقول الشاعر :

هل بعد غمدان أو سلحين من أثر

وبعد بينون يبني النّاس بنيانا

وقال أبو عبيدة : لأهل اليمن أربعة أشياء ليست لغيرهم : الركن اليماني في القبلة ، وسهيل اليماني في السماء ، والبحر اليماني في الجور ، واليمن في البلدان ، ولهم الخطّ المسند ، وعقد الجمّل ، والحساب ، والخطّ الحميريّ ، وقال الكلبيّ ، علوج مصر القبط ، وعلوج الشام جراجمة ، وعلوج الجزيرة جرامقة ، وعلوج السواد نبط ، وعلوج السند سبابجة ، وعلوج عمان المزون ، وعلوج اليمن سامران ، ويحمل العقيق من مخاليف صنعاء وأجوده ما أتي به من معدن يسمّى مقرى ، وقرية

٩٣

أخرى تسمّى الهام ، وجبل يقال له قساس ، فيعمل بعضه باليمن ، ويحمل بعضه إلى البصرة ، وحدث يزيد بن هارون (١) عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : قال لي جبرئيل : يا محمّد تختّم بالعقيق ، فقلت : وما العقيق؟ قال : جبل باليمن يشهد لله بالتوحيد ، ولي بالرسالة ، ولك بالنبوّة ، ولعليّ بالوصيّة ، ولذريّته بالإمامة ، ولشيعتهم بالجنّة ، وبها معدن الجزع وهو أنواع ، وجميع هذه الأنواع يؤتى بها من معدن العقيق ، وأجود هذه الأنواع البقرانيّ وأثمنها ، ومنه : العروانيّ ، والفارسيّ والحبشيّ والمعسّل ، والمعرق ، وقال الأصمعيّ : أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا تكون إلّا باليمن : الورس ، والكندر ، والخطر ، والعصب ، فأما المعرق من الجزع فإنه يتّخذ منه الأواني لكبره وعظمه ، ولهم الحلل اليمانية والثياب السّعديّة والعدنيّة والشبّ اليماني وهو ماء ينبع من قلّة جبل فيسيل على جانبه قبل أن يصل إلى الأرض فيجمد ، فيصير هذا الشبّ اليماني الأبيض ، ولهم الورس وهو شيء يسقط على الشجر كالترنجبين ، ولهم البنك ويقال إنه من خشب أم غيلان ، ومن أبنيتها القشيب الذي يقال له :

أقفر من أهله القشيب

وعن مكحول قال : أربعة مدن من مدن الجنّة : مكّة ، والمدينة ، وإيلياء ، ودمشق ، وأربعة من مدن النار : أنطاكية ، والطّوانة ، وقسطنطينيّة ، وصنعاء. وبها سدّ أسعد الملك وهو سدّ بين جبلين ، بحجارة مربّعة منقّشة بين الحجرين عمود من حديد من الأسفل إلى الأعلى ، وقد رصّص ما بين الجبلين مقدار ميلين ، وسمكه ثلاثمائة ذراع ، تنصبّ إليه أودية وأنهار فيرتفع الماء حتى يسقوا مزارعهم وحدائقهم ، وهو أعجب سدّ في الأرض ، مكتوب عليه بالمسند أشياء كثيرة. ومن عجائب اليمن القردة وهي بها كثيرة جدّا ، وفيهم قرد عظيم ، في عنقه لوح يقال إنه عهد من سليمان بن داود صلّى الله عليه وعلى سيدنا محمد ، ويقال : إن هذه القردة

__________________

(١) حافظ معروف من حفاظ الحديث توفي عام ٢٠٦ ه‍. انظر ترجمته في العبر ١ : ٢٧٤ وجامع الرواة للأردبيلي ٢ : ٣٥٤. وتذكرة الحفاظ ١ : ٣١٧.

٩٤

وكّلهم سليمان بحفظ شياطين محبّسين في هذه الناحية من الجنّ ومن عجائبهم العدار وهو شيطان يتعرّض للنساء والرجال منهم ، وله أير كالقرن صلابة فيجامعه في دبره فيموت من ساعته ، وفي المثل : ألوط من عدار وباليمن قرية وبار وهي مسكن الجنّ ، وهي أخصب بلاد الله وأنزهها ، لا يقدر أحد على الدنو منها من الأنس ، وقال أبو المنذر : وبار ما بين نجران وحضرموت ، وزعمت العرب أن الله حين أهلك عادا وثمودا أن الجنّ سكنت في منازل وبار وحمتها من كلّ من أرادها ، وأنها أخصب بلاد الله ، وأكثرها شجرا ، وأطيبها تمرا ونخلا وعنبا وموزا ، فإن دنا اليوم من تلك البلاد إنسان متعمّدا أو غالطا حثوا في وجهه التراب ، فإن أبي إلّا الدخول خبّلوه ، وربّما قتلوه ، وزعموا أن الغالب على تلك البلاد الجنّ والإبل الحوشيّة ـ والحوش من الإبل عندهم التي قد ضرب فيها فحول إبل الجنّ وهي من نسل إبل الجنّ ـ والهنديّة ، والمهريّة ، والعسجديّة ، والعمانيّة ، هذه كلّها قد ضرب فيها الحوش قال ذو الرّمّة :

جرت رذايا من بلاد الحوش

قال بعضهم : قدمنا البحرين فلحقنا أعرابيّ على ناقة له صغيرة قد أكل الجرب جنبها ومعنا إبل لم ير الناس مثلها فقلنا : يا أعرابيّ أتبيع ناقتك ببعض هذه الإبل؟ قال : والله لو أعطيتموني بها جميع إبلكم كلّها ما بعتكم. قلنا : فلك مائة دينار ، فأبى ، فقلنا : ألف دينار ، فأبى ، ونحن في كلّ ذلك نهزأ به فقال : لو ملأتم جلدها ذهبا ما بعتكم. قلنا : فأرنا من سيرها شيئا. قال : نعم ، فسرنا فإذا نحن بحمير وحش قد عنّت فقال : أي الحمير تريدون أعرضه لكم؟ فقلنا : نريد عير كذا؟ فغمزها ثم زجرها فمرّت ما يرى منها شيء حتى لحقت الحمير ثم تناول قوسه فرمى فلم يخط الحمار ، فلم يزل يرشقه حتى صرعه ولحقناه وقد ذبحه ، فلمّا رأينا ذلك ساومناه بجدّ فقال : ليس عندي من نسلها إلّا ابن لها وابنة ولا والله لا أبيعها أبدا بشيء.

وبأرض وبار النّسناس (١) ويقال : إن لهم نصف رأس وعين واحدة ويصادون

__________________

(١) في أخبار الزمان ٣٨ (النسناس وهو كمثل نصف الإنسان بيد واحدة ورجل واحدة ويثب ـ

٩٥

فيؤكلون. قال : وهو شيء له وجه كوجه الإنسان وإنما له يد ورجل في صدره ، ويتكلّمون وهم في غياض هناك وباليمن جبل فيه شقّ يقال له شمخ ، يدخل منها الرجل الضخم حتى ينفذ إلى الجانب الآخر ما خلا ولد الزنا فإنه يضيق عليه حتى لا يقدر أن ينفذ منه.

قال المدائنيّ : كان أبو العبّاس السفّاح أبو الخلفاء يعجبه منازعة الناس ، فحضر ذات ليلة إبراهيم بن مخرمة الكنديّ وناس من بلحارث ابن كعب وكانوا أخواله ، وخالد بن صفوان فخاضوا في الحديث وتذاكروا مضر واليمن فقال إبراهيم : يا أمير المؤمنين إن اليمن الذين هم العرب الذين دانت لهم الدنيا ، لم يزالوا ملوكا وأربابا ووزراء الملك منهم : النّعمانات والمنذرات والقابوسات ، ومنهم غاصب البحر ، وحميّ الدّبر وغسيل الملائكة ، ومنهم من اهتز لموته العرش ، ومكلّم الذئب (١) ، ومنهم البذّاخ والفتّاح والرمّاح ، ومن له مدينة الشعر وبابها ، ومن له أقفال الوفاء ومفاتحها ، ومنهم الخال الكريم صاحب البؤس والنعيم ، وليس من شيء له خطر إلا إليهم ينسب ، من فرس رائع ، أو سيف قاطع ، أو درع حصينة ، أو حلّة مصونة ، أو درّة مكنونة ، وهم العرب العاربة وغيرهم متعرّبة. قال أبو العبّاس : ما أظنّ التميميّ يرضى بقولك ، ثم قال : ما تقول أنت يا خالد؟ قال : إن أذنت لي في الكلام تكلّمت ، قال : تكلّم ولا تهب أحدا. قال : أخطأ المتقحّم بغير علم ، ونطق بغير صواب ، وكيف يكون ذلك لقوم ليست لهم ألسن فصيحة ، ولا لغة صحيحة ، ولا حجّة نزل بها كتاب ، ولا جاءت بها سنّة ،

__________________

= وثبا ويعدو عدوا شديدا وكان ببلاد اليمن وربما كان ببلاد العجم والعرب تصيده وتأكله). انظر عنه معجم الحيوان للمعلوف ص ١٦ عن الأساطير المتعلقة بحيوانات شبيهة به.

(١) غاصب البحر إشارة إلى الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا ـ كما في سورة الكهف الآية ٧٨. وقال دي خويه في هامش تحقيقه لمختصر البلدان ان حمي الدبر هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. ومعروف أن غسيل الملائكة هو حنظلة بن أبي عامر. ومن اهتز العرش لموته هو سعيد بن معاذ وفي خبر انه خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين). ومكلم الذئب هو أهبان بن عياذ.

٩٦

وإنهم منّا لعلى منزلتين ، إن جازوا حكمنا قتلوا ، وإن جاروا عن قصدنا أكلوا ، يفخرون علينا بالنعمانات والمنذرات والقابوسات وغير ذلك ممّا سيأتي ، ونفخر عليهم بخير الأنام وأكرم الكرام محمّد عليه السلام ، فلله به المنّة علينا وعليهم ، لقد كانوا أتباعه به عرفوا ، وله أكرموا ، فمنّا النبيّ المصطفى والخليفة المرتضى ، ولنا البيت المعمور والمشعر الحرام وزمزم والمقام والبطحاء مع ما لا يحصى من المآثر ، فليس يعدل بنا عادل ، ولا يبلغنا قول قائل ، ومنّا الصدّيق والفاروق وذو النورين والوليّ والسبطان وأسد الله وذو الجناحين وسيف الله ، وبنا عرفوا الدين ، وأتاهم اليقين ، فمن زاحمنا زاحمناه ، ومن عادانا اصطلمناه.

ثم أقبل خالد على إبراهيم فقال : أعالم أنت بلغة قومك؟ قال : نعم. قال : فما اسم العين؟ قال : الجحمة. قال : فما اسم السنّ؟ قال : الميذر. قال : فما اسم الأذن؟ قال : الصنّارة. قال : فما اسم الأصابع؟ قال : الشناتر. قال : فما اسم اللحية؟ قال : الزبّ. قال : فما اسم الذئب؟ قال : الكتع. قال : أفعالم أنت بكتاب الله؟ قال : نعم. قال : فإن الله عزّ وجلّ يقول (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) فنحن العرب والقرآن علينا أنزل بلساننا ، ألم تر أن الله عزّ وجلّ يقول (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) ولم يقل الجحمة بالجحمة ، والصنّارة بالصنّارة ، والمَيْذَر بالمَيْذَر ، وقال : (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) ولم يقل شناترهم في صنّاراتهم ، وقال (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي) ولم يقل بزُبّي ، وقال : (أَكَلَهُ الذِّئْبُ) ولم يقل أكله الكتع.

ثم قال خالد : إنّي أسألك عن أربع خصال لا يجعل الله لك منها مخرجا ، إن أقررت بهن قهرت ، وإن جحدت بهن كفرت ، قال : وما هي؟ قال : الرسول (صلى الله عليه وسلم) منّا أو منكم؟ قال : بل منكم. قال : القرآن علينا أنزل أو عليكم؟ قال : بل عليكم. قال : فالبيت لنا أم لكم؟ قال : بل لكم. قال : فالمنبر فينا أو فيكم؟ قال بل فيكم. قال : فاذهب فما كان بعد هذا فهو لكم. قال : فغلب خالد إبراهيم فأكرم أبو العبّاس خالدا وحباهما جميعا ، فقام خالد وهو يقول ما أنتم إلّا سائس قرد ، أو

٩٧

دابغ جلد ، أو ناسج برد ، ملكتكم امرأة وغرّقتكم فأرة ودلّ عليكم الهدهد.

[شبام : جبل عظيم بقرب صنعاء بينها وبينه يوم واحد ، وهو صعب المرتقى ليس إليه إلّا طريق واحد. وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة ومزارع وكروم ونخيل والطريق إليها في دار الملك. وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك ، فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له. وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلّا الله. ومياه هذا الجبل تنسكب إلى سدّ هناك ، فإذا امتلأ السدّ ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخالفيها.

وبها جبل كوكبان ، إنه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما ، قيل إنهما من بناء الجن.

وبار : كانت أكثر الأرضين خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها شجرا ومياها وثمرا ، فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم. وكانوا ذوي أجسام ، فأشروا وبطروا لم يعرفوا حق نعم الله تعالى عليهم ، فبدّل الله تعالى خلقهم وصيّرهم نسناسا لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة. فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطئ البحر كما ترعى البهائم ، وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب ، ينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم] (١)

__________________

(١) ما بين عضادتين نقلناه عن آثار البلاد الذي نص على أنه قد نقله عن ابن الفقيه. انظر ص ٦٣ و ٦٨.

٩٨

باب في تصريف الجدّ إلى الهزل والهزل إلى الجدّ

قال منصور بن عمّار (١) : خرجت في ليلة قد قيّدت العيون ظلامها ، وأخذ بالأنفاس حندسها ، فما يسمع إلّا غطيط. ولا يحسّ إلّا نباح ، فوجدت في بعض أبواب أهل الدنيا الذين قد سخّرهم زخرفها ، وراقهم زبرجها ، وشغف قلوبهم بهجتها ، رجلا واقفا وهو يقول بصوت لم يسمع أحسن منه ولا أشجى لقلب ولا أقرح لكبد ولا أبكى لعين :

أنا المسيء المذنب الخاطي

المفرط البيّن إفراطي

فإن تعاقب كنت أهلا له

وأنت أهل العفو عن خاطي

فلا والله أن ملكت نفسي ، وتذكّرت ما سلف من ذنوبي ، ووقفت كالواله المرعوب الحائر قد امتلأت من الله خوفا ، وعملت على أنّي قد أحرزت وعظا فقلت : أيّها القائل ما أسمع والباكي على ما سلف زدنا من هذا ، فإنّ دواءك قد وافق داء قديما فعسى أن يشفيه ، فزاد في صوته بترجيع قوله الذي قرح ، قلبي وذكّرني ذنبي ، ثم قال :

يا ساحرا أورطني حبّه

وعشقه في شرّ إيراط

قلت : قبحك الله واعظا وترّحك ، وآجرني على وقفتي عليك وطلبي منك ، وأنت تطيع الشيطان وتعصى الرحمن ، ثم قلت : اللهمّ اغفر لي وتب عليه.

وقال عوف بن مسكين : سمع الربيع بن خثيم في جوف الليل رجلا يقول :

__________________

(١) عن منصور بن عمار انظر فهرست ابن النديم ص ٢٣٦.

٩٩

بعفوك يستكين ويستجير

عظيم الذّنب مسكين فقير

رجاك لعفو ما كسبت يداه

وأنت على الّذي يرجو قدير

فقال الربيع : أسألك بحقّ من ترجوه لما تريد إلّا رددت ما تقول ، فجعل يردّده ، فقال الربيع : زدني يرحمك الله فقال :

فقد علم الإله بما ألاقي

من الحبّ الّذي ستر الضمير

فقال الربيع : وا سوأتاه من استماعي دعاء لغير الله جلّ وعزّ.

ومر سفيان الثّوريّ برجل يبكي ويقول :

أتوب إلى الّذي أمسى وأضحى

وقلبي يتّقيه ويرتجيه

تشاغل كلّ مخلوق بشيء

وشغلي في محبّته وفيه

قال له سفيان : يا هذا لا تقنط كلّ هذا القنوط ، ولا تيأس من الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده ، وذنبك بين المقصّر والغالي ، فإن كنت قد أسلفت ذنوبا فإنك من الإسلام لعلى خير كثير ، استغفر الله وتب إليه ، وأقلل من هذا البكاء ، عصمنا الله وإيّاك ، فنعم ما شغلت به نفسك ، فقال الرجل :

عسى قلب الممكّن من فؤادي

يرقّ لترك طاعة عاذليه

فقال سفيان : اللهمّ أعذنا من الحور بعد الكور : ولا تضلّنا بعد إذ هديتنا ، أعزب عزب الله بك.

وقال إبراهيم بن الفرج : مرّ خليل الناسك بغرفة مخلّد الموصليّ الشاعر وهو لا يعرفه فسمعه يقول :

أسأت ولم أحسن وجئتك هاربا

وأنّى لعبد غير مولاه مهرب

فوقف الخليل ومخلّد يردّد البيت ويبكي ، والخليل يبكي معه ، ثم ناداه : يا قائل الخير عد ، يا سائل الفضل زد ، فقال مخلّد : نعم وكرامة يا أبا محمّد :

غزال إذا قبّلته ولثمته

رشفت له ريقا من الشّهد أطيب

١٠٠