البلدان

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]

البلدان

المؤلف:

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٠

فمن أدرك ذلك فليأخذ نصيبه من فضل رباطها ، فإنه يستشهد فيها قوم يعدلون شهداء بدر (١).

قال الحسن في قوله عزّ وجلّ (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) قال : الديلم.

وقال عمار بن عبد الله (٢) : سألت أبا عبد الله رضي الله عنه عن قتال الديلم فقال : ومن أحق بالقتال منهم؟ هم الذين قال الله تعالى [فيهم](٣) (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ).

وعن مجاهد في قول الله تعالى (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) قال : الروم والديلم.

وبعث الحجاج إلى وفد الديلم فكانوا قد جاءوه فأرادهم على أن يسلموا فأبوا. فطالبهم بالجزية فامتنعوا فأمر أن يصور له بلدهم ، سهله وجبله وعقابه وغياضه وأنهاره وطرقه وبنائه ، فصوّر له ذلك. فقال لهم : إن بلادكم قد صورت لي بطرقها وعقابها وأنهارها وجبالها وسهولها ، وقد رأيت فيها مطمعا ، فأقرّوا لي بما دعوتكم إليه وإلّا أغزيتكم الجنود فأخربت بلدكم وقتلت رجالكم وسبيت الذراري والنساء. فقالوا : أرنا الصورة التي أطمعتك فينا وفي بلدنا. فدعا بالصورة ، فلما نظروا إليها قالوا : قد صدقك الذي صورها لك غير أنه لم يصور الرجال الذين يمنعون هذه العقاب والجبال والطرق. وستعلم حقيقة ذلك لو قصدت البلد. فلم يلتفت إلى قولهم وأنفذ إليهم عسكرا عليه ابنه محمد بن الحجاج ، فلم يصنع شيئا وانصرف إلى قزوين فبنى بها مسجدا ونصب فيها منبرا.

قال محمد بن زياد المذحجي : رأيت في مسجد قزوين لوحا فيه مكتوب : ممّا [١٤٧ ب] أمر به محمد بن الحجاج.

__________________

(١) الحديث في التدوين ١ : ١٩ ويختلف قليلا عما هو عليه هنا.

(٢) نرجح انه عمار السجستاني بقرينة روايته عن أبي عبد الله وهو الإمام الصادق (ع). (انظر رجال الكشي ٣٤٢).

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

٥٦١

وهذا المسجد الذي بناه محمد بن الحجاج هو المسجد الذي على باب دار بني الجنيد ، وكان يسمى مسجد التوث (١). فلم يزل قائما إلى أن بني للرشيد مسجدها الجامع.

وحكى قوم من مشايخ أهل قزوين أنهم لحقوا عمال خالد بن عبد الله القسري وهم ينالون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منبر قزوين ، وأن رجلا من عبد القيس [حبيش بن عبد الله وهو من موالي الجنيد أو بني عمه](٢) يسمع ذلك يوما ، فاخترط سيفه ورقى إلى الذي على المنبر وقد نال منه ، فقتله وقال : [لا نحتملكم على لعن علي بن أبي طالب](٣) فانقطع من ذلك [إلى] اليوم.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : ستفتح عليكم الآفاق وتفتح عليكم مدينة لها قزوين ، من رابط فيها أربعين ليلة كان له في الجنة عمود من ذهب أحمر له سبعون ألف مصراع من ذهب ، في كل باب منها زوجة من الحور العين (٤).

ولما أراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسير إلى صفين قال : من أحب منكم أن يخرج معنا في وجهنا هذا وإلّا فليأت قزوين فإنها باب من أبواب الجنة. قال فخرج الربيع بن خثيم إليها في أربعة آلاف. فلم يزل مقيما بها حتى انقضى أمر صفين.

ويروى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : والذي نفسي بيده ليقاتلنّ قوم بقزوين لو أقسموا على الله لأبرّ اقسامهم.

ويروى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : مثل قزوين في الأرض مثل جنة عدن في الجنان.

__________________

(١) في الأصل : الثور. وفي المختصر : التوث وهو الصواب ويتفق مع ما في التدوين ١ : ٥٤.

(٢) من المختصر.

(٣) من المختصر.

(٤) راجع عن هذا الحديث في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ : ٤٦٣.

٥٦٢

وروي أن سعيد بن جبير قدم قزوين وهو متوار من الحجاج فبات بها ليلة ثم خرج منها وقال : ليجتهد عباد المسجد أن يدركوا مثل ليلتي هذه.

٥٦٣

القول في طبرستان

قال : الببر والطيلسان والطالقان وخراسان ـ إلّا أهل خوارزم ـ من ولد اشتق بن إبراهيم عليه السلام. والكوفان والخزر والشور والاقليس من الديلم وهم بنو كماشج بن يافث بن نوح عليه السلام. وسميت جبالهم على أسمائهم إلّا الإيلام ـ جنس من الديلم ـ فإنهم من ولد بابيل بن ضبة بن أد ، وموقان وجبالها وهم أهل طبرستان من ولد كماشج بن يافث بن نوح عليه السلام [١٤٨ أ] قال : وحدثني أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي (١) [قال] حدثني عبد الله بن عمرو بن بشير البلخي [قال] حدثني أبي. قال : اجتمع في حبوس كسرى خلق كثير لم ير أن يقتلهم ، فشاور فيهم فقيل : غرّبهم. فقال : انظروا موضعا أحبسهم فيه. فطلبوا ونقبوا البلاد فوقعوا على جبل طبرستان ، فأخبروه بذلك ، فوجّه بهم إلى ذلك الجبل وخلّاهم فيه وأخذ عليهم الباب ـ وهو يومئذ جبل لا ساكن فيه ـ ثم تركهم حولا. فلما كان بعد الحول ، وجّه إليهم من يقف على خبرهم. فأشرف عليهم رسوله وكلمهم فإذا هم أحياء فسألهم : ما الذي تريدون؟ ـ وكان الجبل أشبا كثير الشجر ـ فقالوا : طبرها ، طبرها. أي نريد فأسا نقطع بها الشجر ونتخذ بيوتا. فأخبر كسرى بذلك ، فأمر أن يبعث إليهم ما طلبوا. ثم أمهلهم حولا آخر ثم أرسل إليهم فسألهم عن حالهم ـ فوجدهم قد اتخذوا بيوتا ـ فقالوا : زنان ، زنان. أي نريد نساء. فأخبر بذلك. فأتى بمن في حبوسه من النساء فبعث بهن إليهم ، فتناسلوا. فعرّب الناس هذه الكلمة فقالوا : طبرستان. وإنما هي طبرزنان أي الفؤوس والنساء.

ومدينة طبرستان آمل [وبها منزلا الولاة] ـ وهي أكبر مدنها ـ ثم ممطير ،

__________________

(١) عن أبو حامد المستملي. انظر مقدمة الكتاب.

٥٦٤

وبينها وبين آمل ستة فراسخ. ثم ترنجة (١) وهي من ممطير على ستة فراسخ. ثم سارية ، ثم طميس ـ وهي من سارية على ستة عشر فرسخا ـ هذا آخر حدّ طبرستان من ناحية خراسان وجرجان.

ومن ناحية الديلم على خمسة فراسخ مدينة يقال لها ناتل فإذا جزت ناتل فشالوس وهي ثغر الجبل. هذه مدن السهل.

فأمّا مدن الجبل منها فمدينة يقال لها الكلار وهي أيضا ثغر الجبل. ثم تليها مدينة صغيرة يقال لها سعيدآباذ فيها منبر. ثم الرويان وهي أكبر مدن الجبل. ثم في الجبل من ناحية حدود خراسان مدينة يقال لها تمار وشرز ودهستان. فإذا جزت الأزر وقعت في جبال ونداد هرمز. فإذا جزت هذه الجبال ، وقعت في جبال شروين وهي مملكة ابن قارن. ثم الديلم ثم جيلان.

فلم تزل طبرستان في يد ولد العباس يجبون خراجها ويولون أعمالها إلى أن كانت سنة ثمان وأربعين ومائتين ، فخرجت من أيديهم ودخلها [١٤٨ ب] العلوية في هذه السنة.

وقال البلاذري (٢) : كور طبرستان ثمان كور : سارية وبها منزل العامل. وإنما صارت منزل العامل في أيام الطاهرية ، وقبل ذلك كان منزل العامل بآمل. وجعلها أيضا الحسن بن زيد ومحمد بن زيد العلوي دار مقامهما.

ومن رساتيق آمل : آرم خاست الأعلى وآرم خاست الأسفل ، والميروان والاصبهبذ ونامية وطميس.

وبين سارية وشلنبة على طريق الجبال ، ثلاثون فرسخا ، وعامتها من جرجان وبعضها من خراسان.

وبين سارية ونامية والميروان عشرة فراسخ.

__________________

(١) في الأصل : تركجيذ. وفي المختصر : ترنجه. وهو الصواب ، يؤيّده ما في تاريخ طبرستان ٧٣.

(٢) لم نجد هذا القول في فتوح البلدان.

٥٦٥

وبين سارية والبحر ثلاثة فراسخ.

وبين آمل وسارية ثمانية عشر فرسخا.

وبين آمل والري اثنا عشر فرسخا.

وبين آمل وشالوس وهي إلى ناحية جيلان ، عشرون فرسخا.

وبين الجبال والرويان اثنا عشر فرسخا.

ومن مدن الرويان : شالوس ، والأرز ، والشرز ، وونداشورج ، ثم جيلان.

وطول طبرستان من جرجان إلى الرويان ستة وثلاثون فرسخا ، وعرضها عشرون فرسخا ، في يدي السكن من ذلك سنة ونام ستة وثلاثون فرسخا في عرض ستة عشر فرسخا والعرض من الجبل إلى البحر.

وأول من دفعت إليه السفوح ، شروين [بن سهراب](١) وكانت قبل ذلك في أيدي الجند الذين كانوا ينزلون المسالح وغيرهم من المسلمين فأخرجها من أيدي المسلمين وأنزلت فيها قواد الجروية وأبناؤهم. فلم تزل في أيديهم إلى أن قدم الحرشي فطردهم عنها ، وأراد مسحها وخرج فعسكر في مصلّى آمل ووجّه المساح ، فخرجوا عليهم وقتلوا القائد الموجه معه ثم كتب (٢) إلى الرشيد في ذلك فقام الرشيد بنفسه إلى الري ودعا بنداد هرمز وشيروين. فخرج بنداد هرمز عن السفوح وسلمها وضياعه التي في السهل وصار إلى الرشيد في الأمان ، فصيّره اصبهبذ خراسان ، ووجه عبد الله بن مالك الخزاعي فحازها وردّها إلى القواد وأصحاب المسالح. فلما ولي المأمون أخذها منهم [١٤٩ أ] وردّها إلى أصحابه.

والمسالح فيما بين أول طبرستان إلى حدّ الديلم ، إحدى وثلاثون مسلحة ما بين المائتين إلى ألفي رجل.

وأول مدن طبرستان مما يلي جرجان ، طميش وهي على حدّ جرجان وعليها

__________________

(١) إضافة من ياقوت (شروين) الذي نصّ على أنه نقل مادته من ابن الفقيه

(٢) في الأصل : (لم تكتب). ولا معنى لها.

٥٦٦

درب عظيم ليس يقدر أحد من أهل طبرستان أن يخرج منها إلى جرجان إلّا في ذلك الدرب لأنه حائط ممدود من الجبل إلى جوف البحر من آجر وجص. وكان كسرى أنوشروان بناه ليحول بين الترك وبين الغارة على طبرستان.

وفي طميس خلق كثير من الناس ومسجد جماعة ومنبر وقائد مرتّب في ألفي رجل.

وبعدها في السهل مدينة المهروان وفيها أيضا منبر ومسجد وقائد في ألف رجل.

وبعدها قصبة سارية ، وفيها منبر ومسجد. وخارج المدينة ألف جريب أرض لبنداد هرمزد على باب مدينة سارية مما كان ابتاعه من الصوافي في أيام بيعت. فكان الذي تولّى بيعها مهاجر بن يزيد وإلى طبرستان.

وبعدها مدينة آمل وفيها قائد في ألفي رجل وفيها يعمل الفرش الطبري ، وفيها خلق كثير من الناس وبها منبر ومسجد.

وبعدها ممطير فيها منبر ومسجد. وبين ممطير وآمل رساتيق وقرى وعمارة كثيرة.

وزعم أن الرويان ليست من طبرستان وإنما هي كورة مفردة برأسها ، وبلاد واسعة تحيط بها جبال عظيمة وممالك كثيرة وأنهار مطردة وبساتين متسقة وعمارات متصلة. وكانت فيما مضى من مملكة الديلم فافتتحها عمر بن العلاء صاحب الجوسق (١) بالري وبنى فيها مدينة وجعل لها منبرا.

وفيما بين جبال الرويان والديلم رساتيق وقرى. يخرج من القرية ما بين أربعمائة إلى ألف رجل ، ويخرج من جميعها أكثر من خمسين ألف مقاتل. وخراجها على ما وظّف عليها الرشيد أربعمائة ألف وخمسون ألف درهم.

__________________

(١) في الأصل : الجيوش.

٥٦٧

وفي بلاد الرويان مدينة يقال لها كجو (١) بها مستقر الوالي.

وجبال الرويان متصلة بجبال الري وضياعها ، ويدخل إليها مما يلي الري. وبين مدينة الري وشالوس ثمانية فراسخ.

وعلى حدّ من حدود الديلم مدينة يقال [١٤٩ ب] لها شالوس أيضا في نحر العدو. وفيها منبر ومسجد ، وبإزائها مقابل كجو مدينة يقال لها الكبيرة وفيها أيضا منبر.

ومن مدينة شالوس إلى مدينة محدثة في بلاد الديلم يقال لها الطالقان فيها مسجد ومنبر ، أربعة عشر فرسخا.

وسفوح هذا الجبل متصلة بالبحر ، فيها المستأمنة الذين استأمنوا إلى عمرو بن العلاء ، وفيها قوم لهم ديانة قد بنوا المساجد وتزوج إليهم أهل شالوس وهم يغزون مع ولاة طبرستان الديلم ويدلّون على عوراتهم.

وبنيت هذه المدينة في أيام المأمون وأنفق عليها ألف ألف درهم ، ووكل بحفظها عباد بن أترب ، فضمّ إليه طائفة من العرب وهم إلى اليوم بها قبائل ، منهم آل عباد وأهل موسى والشعبانية. ووراء هؤلاء قوم من الديلم لم يعطوا طاعة قط ، وقراهم وجبالهم متصلة بجبال أرمينية ولباب الأبواب.

ثم القرية التي تجتمع فيها الولاة ومنها يغزون الديلم يقال لها مزن وكان مستقر بنداسفجان أخي بنداد هرمزد بها.

وكان المازيار بن قارن لما فرغ من قتل عمومته وأكابر ولد بنداسفجان وقوادهم ، لم يمكنه قتل ولد شروين بن سهراب لكثرة مالهم ورجالهم ، ولأن مستقرهم من جبال طبرستان مما يلي بلاد قومس. وكان بين جبال شروين وجبال

__________________

(١) في المختصر : كجه وكذا في ياقوت وقد وردت في تاريخ طبرستان باسم : كجو (انظر فهرست الكتاب ٣٢٧).

٥٦٨

بنداد هرمزد وبنداسفجان ، دروب ومضايق ممتنعة ، وفي تلك الدروب تسلك القوافل للتجارات إلى طبرستان.

فأظهر المازيار لولد شروين من البرّ والإكرام والحيل بما أنسوا به واطمأنوا إليه. وكان إذا قدم عليه القادم منهم برّه ووصله وحمله وكساه.

ثم إنه أظهر غزو الديلم وذكر أنه يقيم على بلدهم حتى يفتحه. وبنى المساجد في مدنه وعمل بفريم منبرا ومكث على ذلك سنة أو نحوها ثم كتب إلى عامل خراسان يسأله أن يبعث إليه بألفي بعير لحمل السلاح ولغيره لغزو الديلم ، فلم يشك أنه مجمع على ذلك. وكتب إلى ولد شروين يسألهم أن يخرجوا معه. وأمر بإخراج منبر إلى آرم وأمر الناس أن يجتمعوا فاجتمعوا وحضر ولد شروين ، فخطبهم الفقيه. فلما فرغ [١٥٠ أ] [من الخطبة أمره بالانصراف إلى سارية ، وأمر من حضر من ولد شروين وغيرهم أن يحضروا منزله فحضروا مستبشرين ، فلما صاروا إلى منزله وحضر طعامه ، أمر بأخذ سلاحهم وقتلهم جميعا. وترك الخروج إلى الديلم ، ثم وجه في هذا الوقت بالسري قائدا في عشرين ألف رجل ودفع إليهم المرور والمعاول وأمر القائد أن يسير حتى ينتهي إلى الديلم وقال : أمّا أن تخرجوا إلى طاعتي أو تدفعون إليّ رهائنكم وإلّا قتلتكم وقلعت منازلكم.

فأعطوه الطاعة ودفعوا إليه الرهائن ، ثم أمر أولئك المستأمنة أن يخرج منهم عشرة آلاف رجل فيخربوا مدينة الرئاسة ففعلوا ذلك.

وهؤلاء المستأمنة في رستاق عظيم يقال له مزن. وإلى هذا الموضع كان انتهى عمرو بن العلاء. ومنه كانت تغزو ولاة طبرستان الديلم. وهم يتصلون بالديلم وقزوين والباب الأبواب وبلاد بابك.

وهؤلاء المستأمنة ان رأوا للمسلمين قوة كانوا معهم ، وإن رأوا للعدو قوة كانوا معهم.

وبعد هذا الموضع جبل يتصل بقزوين وبلاد بابك يكون نحوا من عشرين

٥٦٩

فرسخا إلى حيث انتهى الولاة وعرفاء الديلم. وما وراء ذلك لم يوصل إليه فيخبر عنه.

وكانت طبرستان في الحصانة والمنعة على ما هي عليه ، وكانت ملوك فارس تولّيها رجلا ويسمّونه الأصبهبذ ، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وافتتحت الممالك المتّصلة بطبرستان ، فكان صاحب طبرستان يصالح على الشيء اليسير ، فيقبل منه لصعوبة المسلك إليها وخشونتها حتى ولّى عثمان بن عفّان سعيد بن العاص بن أميّة الكوفة سنة ٢٩ ، فكتب مرزبان طوس إليه وإلى عبد الله بن عامر بن كريز وهو على البصرة يدعوهما إلى خراسان على أن يملّك عليها أيّهما غلب وظفر ، فسبق ابن عامر وخرج سعيد فغزا طبرستان ومعه في غزاته الحسن والحسين أبناء عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ففتح سعيد من طبرستان طميش ونامية وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهم بغليّة وافية فكان يؤدّيها إلى غزاة المسلمين ، وافتتح أيضا من طبرستان الرّويان ودنباوند ، وأعطاه أهل الجبال مالا ، ثم ولي معاوية فولّى طبرستان مصقلة بن هبيرة بن شبل ، فتوغّل بمن معه في بلاد طبرستان ، فلمّا جاوز المضايق أخذها العدوّ عليهم ودهدهوا الصخور على رؤوسهم فهلكوا أجمعين وهلك مصقلة فضرب الناس به المثل ، فقالوا : حتى يرجع مصقلة من طبرستان.

ثم إن عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان ولّى محمّد ابن الأشعث الكنديّ طبرستان فصالحهم وعقد لهم عقدا ، ثم أمهلوه حتى دخل وأخذ عليه المضيق وقتل ابنه أبو بكر وفضخوه ثم نجا ، فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون من التوغّل في أرض العدوّ.

ثم ولى يزيد بن المهلّب خراسان وسار يريد طبرستان ، فاستجاش اصبهبذ الديلم وقاتله يزيد ، ثم إنه صالحه على أربعة آلاف ألف درهم وسبع مائة ألف درهم مثاقيل في كلّ سنة وأربع مائة وقر زعفران ، وان يخرجوا أربع مائة رجل على رأس كلّ رجل ترس وجام فضّة ونمرقة حرير وفتح يزيد الرّويان ودنباوند على مال وثياب وآنية.

٥٧٠

ولم يزل أهل](١) طبرستان يؤدون هذا الصلح مرة ويمتنعون أخرى ويحاربون ويسالمون. فلما كان أيام مروان بن محمد ، غدروا ونقضوا ومنعوا ما كانوا يحملونه. فلما صارت الخلافة إلى بني العباس [استخلف أبو العباس أمير المؤمنين ، فوجّه إليهم عامله فصالحوه ثم إنهم غدروا أيضا ونقضوا وقتلوا المسلمين في خلافة المنصور] فوجّه إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم ومعهما مرزوق أبو الخصيب. فسألهما مرزوق حين ضاق عليهم الأمر وصعب أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته ليوقع الحيلة على الاصبهبذ. ففعلا ذلك وهرب بمواطاة منهما إلى الاصبهبذ فقال له : إن هذين الرجلين استغشاني. فإنهما لما أشرت عليهما أن لا يقصدا بلدك وعرفتهما صعوبة وخشونة طرقه وعقابه ففعلا بي ما ترى. فإن قبلت انقطاعي إليك وأنزلتني المنزلة التي استحقها منك دللتك على عورات العرب وكنت يدا معك عليهم ، وإن لم تقبل نصحي واتهمتني انصرفت عنك إلى غيرك من الملوك.

فقبله الاصبهبذ وأحسن إليه واستخصه وأظهر الثقة به والمشاورة له. فكان يريه أنه له ناصح ومشفق عليه. فلما اطلع على أموره وعوراته كتب إلى خازم وروح بما احتاجا إلى معرفته واحتال لباب القلعة حتى فتحه وأدخل المسلمين إليها فملكوها.

وكان عمرو بن العلاء جزارا من أهل الري فجمع جمعا وقاتل الديلم فأبلى بلاء حسنا فأوفده [جهور بن مرار العجلي] إلى المنصور فقوّده [وجيّشه] وجعل له منزله. وتراقت به الأمور حتى ولي طبرستان واستشهد في خلافة المهدي.

وافتتح محمد بن موسى بن حفص بن عمرو بن العلاء ومازيار بن قارن جبال شروين من طبرستان ، وهي من أمنع الجبال وأصعبها وأكثرها شجرا وغياضا. وكان فتحهما إياها في أيام المأمون. فقلد المأمون عند ذلك مازيار ، طبرستان والرويان ودنباوند وسماه محمدا وجعل له مرتبة الاصفهبذ. فلم يزل واليا عليها حتى توفي

__________________

(١) وجد نقص في المخطوطة فأكملناه من المختصر ومن البلاذري ٣٣٣ ويقع هنا فيما بين العضادتين.

٥٧١

المأمون واستخلف المعتصم ، فأقرّه عليها ولم يعزله عنها. فأقام على الطاعة مدة ثم غدر وخالف وذلك [١٥٠ ب] بعد ست سنين [وأشهر] من خلافة المعتصم. فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر ـ وهو عامله على خراسان والري وقومس وجرجان ـ يأمره بمحاربته. فوجه إليه عبد الله ، الحسن بن الحسين [عمّه] في جماعة من رجال خراسان. ووجه المعتصم محمد بن إبراهيم بن مصعب في خلق من جند الحضرة ، فلما قصدته العساكر ، خرج إلى الحسن بن الحسين بغير عهد ولا عقد ، فأخذه وحمله إلى سرمرى في سنة خمس وعشرين ومائتين فضرب بالسياط بين يدي المعتصم حتى مات وصلب في سنة خمس وعشرين ومائتين مع بابك على العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة. وافتتحت طبرستان وتقلدها عبد الله بن طاهر ، وطاهر بن عبد الله بعده (١).

وكان صاحبها قبل ذلك في أيام المنصور وبعدها ، إذا أحس من عامل خراسان بضعف لم يعطه الطاعة ولم يعطه الصلح الذي فورق عليه. فلما قتل المنصور أبا مسلم وفعل تلك الأفعال ، هابه اصبهبذ خراسان وكتب إليه بالطاعة ووجه رسوله بالهدايا فقبل المنصور ذلك منه وبرّ رسوله وألطفه وأقام بالحضرة يكاتب صاحبه بما يحتاج إلى علمه.

وكان الاصبهبذ يوجه بالهدايا والألطاف في النيروز والمهرجان. وطالت أيام المنصور على الاصبهبذ فكتب إلى رسوله بالانصراف إليه وأمسك أن يبعث بما كان به من الهدايا. فلما خالف عبد الرحمن بن عبد الجبار على المنصور وجه إليه أبا عون القائد ومعه أبو الخصيب. فلما ظفرا بعبد الجبار وأسراه ، كتب المنصور إلى أبي الخصيب بولايته قومس وجرجان وطبرستان ويكون دخوله من طريق جرجان. وكتب إلى أبي عون أن يسير إلى طبرستان ويكون دخوله من طريق قومس.

وكان الاصبهبذ في مدينة يقال لها الاصبهبذان بينها وبين البحر أقل من

__________________

(١) من قوله (ولم يزل أهل طبرستان) حتى هنا موجود عند ابن خرداذبه حيث التطابق يكون حرفيا في أغلب الأحيان. وقد أكملنا بعض النقائص ووضعناها بين عضادتين اعتمادا على ابن خرداذبه.

٥٧٢

ميلين ، فبلغه خبر [دخول] الجيش ، فهرب إلى الجبل ، إلى موضع يقال له الطاق. وهذا الموضع كان في القديم [١٥١ أ] خزانة لملوك الفرس. وكان أول من اتخذه خزانة ، منوجهر ، وهو نقب في موضع من جبل صعب السلوك لا يجوزه إلّا الراجل بجهد. وهذا النقب شبيه بالباب الصغير. فإذا دخله الإنسان مشى فيه نحوا من ميل في ظلمة شديدة. ثم يخرج إلى موضع واسع شبيه بالمدينة قد أحاطت بها الجبال من كل جانب ، وهي جبال لا يمكن أحد الصعود إلى أقلّها ارتفاعا ، ولو استوى له ذلك ما قدر على النزول.

وفي هذه (١) الرحبة الواسعة مغائر وكهوف لا يلحق أمد بعضها ، وفي وسطها عين غزيرة الماء تنبع من صخرة ويغور ماؤها في صخرة أخرى ، بينهما نحو عشرة أذرع ، ولا يعرف أحد لما بعد هذا موضعا.

وكان في أيام ملوك الفرس ، يحفظ هذا النقب رجلان معهما سلّم من حبل يدلّونه من الموضع إذا أراد أحدهما النزول في الدهر الطويل. وعندهما جميع ما يحتاجان إليه لسنين كثيرة.

فلم يزل الأمر في هذه النقب وفي هذه الخزانة على ما ذكرنا إلى أن ملك العرب ، فحاولوا الصعود إليها فتعذر ذلك ، ولم يقدروا عليه إلى أن ولي المازيار طبرستان ، فقصد هذا المكان وأقام عليه دهرا حتى استوى صعود رجل من أصحابه إليه. فلما صار إليه دلى حبالا وأصعد قوما فيهم المازيار حتى وقف على ما في تلك الكهوف والمغائر من الأموال والسلاح والكنوز ، فوكل بجميع ذلك قيّما من ثقاته وانصرف. فكان الموضع في يده إلى أن أسر ونزل الموكّلون به أو ماتوا ، وانقطع السبيل إليه إلى هذه الغاية.

وذكر سليمان بن عبد الله أن إلى جانب هذا الطاق شبيها بالدكان ، وانه إن صار إليه إنسان فلطخه بعذرة أو بشيء من سائر الأقذار ، ارتفعت في الوقت سحابة عظيمة فمطرت عليه حتى تغسله وتنظفه وتزيل ذلك القذر عنه. وان ذلك شهر في

__________________

(١) في الأصل : هذا.

٥٧٣

البلد يعرفه أهله ولا يتمارى فيه اثنان من أهل تلك الناحية في صحته ، وانه لا يبقى عليه شيء من الأقذار صيفا ولا شتاء [١٥١ ب].

قال : ولما هرب الاصبهبذ إلى الطاق وجّه أبو الخصيب في أثره قوادا وجندا ، فلمّا أخبر بهم هرب إلى الديلم وعاش بعد هروبه سنة ثم مات.

وأقام أبو الخصيب في البلد ووضع على أهله الخراج والجزية وجعل مقامه بسارية وبنى بها مسجدا جامعا وجعل فيه منبرا ، وكذلك بآمل أيضا.

وكانت ولايته سنتين (١) وستة أشهر.

ثم ولى أبو العباس الطوسي.

ثم أبو خزيمة ، سنتين.

ثم روح بن حاتم ، سنتين وستة أشهر.

ثم خالد بن برمك ، خمس سنين [وعمل بها العجائب وظفر بخزائن ملوك فارس في الطاق وبنت المصمغان](٢).

ثم عمرو بن العلاء ، أربع سنين.

ثم سعيد بن دعلج ، سنتين.

ثم عمرو بن العلاء ثانية ، سنتين.

ثم تميم بن سنان ، ثلاث سنين.

ثم يزيد بن سويد ، سنة وأربعة أشهر.

ثم سعيد الحرشي ، ستة أشهر.

ثم مقاتل بن صالح ، سنة.

ثم سلم بن نافع ، ستة أشهر.

ثم جرير بن سنان ، أربع سنين وأربعة أشهر.

__________________

(١) في المختصر : سنة.

(٢) من المختصر.

٥٧٤

ثم سليمان بن داود ، أربعة أشهر.

ثم هاني بن هاني ، سنتين.

ثم حميد بن قحطبة ، سنة وستة أشهر.

ثم مقاتل بن صالح أيضا ثانية ، ستة أشهر.

ثم إبراهيم بن عثمان ستة أشهر.

ثم سعيد بن سلم ، ستة أشهر.

ثم الجنيد بن دعلج ، ستة أشهر.

ثم حماد بن عبد العزيز ستة أشهر.

ثم المثنى بن الحجاج بن عبد الملك بن القعقاع ، ستة أشهر.

ثم يحيى بن معاذ ، تسعة أشهر ثم موسى بن يحيى ، تسعة أشهر.

ثم عبد الله بن حازم ، سنة وستة أشهر.

ثم سعيد الجوهري ، سنة.

ثم مهرويه ، سنتين.

ثم عبد الله بن الحرمي ، ثلاث أربع سنين.

ثم عبد الله بن مالك ، أربع سنين.

ثم موسى بن جعفر ، سنتين.

ثم عبد الله بن سعيد ، سنتين.

ثم عبد الله بن أبي سعد ، سنة.

ثم محمد بن أخيه ، سنة.

ثم موسى بن حفص ، أربع سنين.

ثم محمد بن موسى ، سنتين.

ثم طاهر بن الحسين.

٥٧٥

ثم عبد الله بن طاهر.

ثم طاهر بن عبد الله [١٥٢ أ].

ثم محمد بن طاهر. وكان خليفته عليها سليمان بن عبد الله بن طاهر. فخرج عليه الحسن بن زيد العلوي الحسني في سنة تسع وأربعين ومائتين. فأخرجه عنها وغلب عليها إلى أن مات وقام مكانه أخوه محمد بن زيد (١).

وذكر أبو يزيد بن أبي عتاب (٢) قال : رأيت فيما يرى النائم سنة ثمان وأربعين ومائتين وأنا بمدينة الري ، وقد بتنا على فكر من الاختلاف بين القائلين بالسيف وبين أصحاب الامامة. فقال القائل منا : قد قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : الخير بالسيف والخير مع السيف. فأجابه مجيب : والدين بالسيف ، وقد أمر الله عزّ وجلّ نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يقيم الدين بالسيف. ثم تفرّقنا. فلما كان الليل وأخذت مضجعي من النوم ، رأيت في منامي كأنّ قائلا يقول :

هذا ابن زيد أتاكم ثائرا حردا

يقيم بالسيف دينا واهي العمد

يثور بالشرق في شعبان منتضيا

سيف النبيّ صفيّ الواحد الصمد

فيفتح السهل والأجبال مقتحما

من الكلار إلى جرجان فالجلد

وآملا ثم شالوسا وغيرهما

إلى الجزائر من رويان فالبلد

[ويصرف الخيل عنها بعد ثالثة

من السنين إلى الزوراء بالعمد]

[فيهدم السور منها ثم ينهبها

ويقصد الثغر من قزوين بالحرد]

ويملك القطر من حرشاء ساكنه

ما لاح في الجوّ نجم آخر الأبد

قال : فورد محمد بن رستم الكاري ومحمد بن شهريار الروياني (٣) ، [من آل معدان] الري في سنة خمسين ومائتين ـ وكانا يريان السيف ـ فتطلبا رجلا من

__________________

(١) في المختصر إنه غلب عليها عام ٢٥٠ ه‍ ـ وبقي إلى أن مات في ٢٧١ ه‍ ـ.

(٢) في المختصر : غياث.

(٣) عن الكلاري والروياني انظر تاريخ طبرستان ٢٣٦ ، ٢٣٧ و ٢٨١ وابن الأثير ٧ : ١٣١.

٥٧٦

العلوية يجعلانه شيخا مقيما بطبرستان ليدفعا جور سليمان بن عبد الله. فما زالا يطلبان ويلتمسان حتى وقع اختيارهما على الحسن بن زيد الحسني رضي الله عنه فبايعاه في شهر رمضان من هذه السنة ، وخرجا يوم الاثنين لسبع بقين من شهر رمضان سنة خمسين ومائتين نحو طبرستان. فخطب الحسن بن زيد يوم الفطر بالكلار والرويان ثم أخرج بعد مديدة يسيرة سليمان بن عبد الله [١٥٢ ب] عن البلد لسوء سيرته.

واضطرب أمر آل طاهر بخراسان. واعتلّ الحسن بن زيد ، فلما حضرته الوفاة ، جعل الأمر من بعده لأخيه محمد بن زيد ، فلم يزل عليها حتى دخلت سنة أربع وثمانين ، وكان المعتضد كتب إلى عمرو بن الليث الصفار يأمره بالمصير إلى خراسان وأن يطلب رافع بن هرثمة الذي بلغه من معه إلى محمد بن زيد وإنه على أن يبيض (١). فصار إلى خراسان ولقي رافع بن هرثمة فأوقع به وهزمه وأخذه قريبا من خوارزم فقتله وحمل رأسه إلى مدينة السلام وصفت خراسان للصفار.

فلما كان في سنة خمس وثمانين ومائتين ، كتب المعتضد إلى الصفار يأمره بطلب إسماعيل بن أحمد ويقول في كتابه أن قد وليتك [ما] إليه من العمل. وكتب إلى إسماعيل بمثل ذلك. فسار كل منهما إلى صاحبه والتقوا بناحية نسا وأبيورد فقتل بينهما خلق كثير وانصرف كل منهما إلى بلده. حتى إذا دخلت سنة سبع وثمانين ومائتين سار إسماعيل بن أحمد نحو الصفار وعبر النهر يريده ـ والصفار في زهاء مائة ألف رجل مقيم بمدينة بلخ ـ فنزل إسماعيل على باب المدينة وحاصره فيها. فلما أجهده الحصار وضاقت عليه وعلى أصحابه الميرة والعلوفة ، خرج إليه ، فلما التقيا انهزمت خيل الصفار ، وأخذ الصفار أسيرا مع جماعة من وجوه قوّاده فحمل إلى مدينة سمرقند وحبس هناك [ثم بعث إلى بغداد].

واتصل الخبر بمحمد بن زيد وهو بطبرستان ، فطمع في جرجان وسار نحوها ونزل عليها. فردّ إليه إسماعيل رجلا من قواده يعرف بمحمد بن هارون فواقعه على

__________________

(١) كذا في الأصل.

٥٧٧

باب مدينة جرجان فهزمه وقتل خلقا من أصحابه ، ووجد محمد بن زيد قتيلا وأسر ابنه زيد ، [وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من شوال سنة ٢٨٧](١) ، ولم يردّ أصحابه من الهزيمة شيء حتى وافوا طبرستان فلما اجتمعوا بها تشاوروا واتفق رأيهم على أن يجعلوا الأمر للمهدي بن زيد بن محمد ـ وهو يومئذ صبي لم يبلغ [١٥٣ أ] وعملوا أن يفعلوا ذلك يوم الجمعة ونادوا في الناس أن يجتمعوا للبيعة. وكان في القوّاد رجل (٢) يعرف بالزرّاد قد طابقهم على ما أجمعوا عليه. فلما قربوا من باب المسجد ، نشر الزراد أعلاما سودا ووضع في أصحاب محمد بن زيد السيف فقتل منهم خلقا وخطب للمعتضد بالله على منابر طبرستان وذلك في ذي القعدة سنة سبع وثمانين ومائتين.

فكان بين أول ولايتهم إلى أن خرجت عنهم سبع وعشرون (٣) سنة.

قالوا : ومن عجائب طبرستان دويبة سوداء برّاقة تظهر في أيام العنب فقط وتكون في عناقيده قدرها دون الخنصر طولا وفوق الخيط الدقيق جسما ، فيها خطوط بيض يسميها الناس ذات ألف قائمة ، ولها قوائم دقاق قصار نابتة على بطنها في صفوف فإذا تحركت فكأنها أمواج [تضطرب] وتذكر النساء ان من شربت منها شيئا منعها عن الحبل.

وبطبرستان أيضا دابة في عظم الثعلب لها شعر كشعر الدلق وجناحان لاصقان بها كأجنحة الخفاش ولها أنياب وطعامها الثمر تطير من شجرة إلى شجرة كما يطير الطائر.

قال : وأخبرني سليمان بن يحيى أنه رأى ثعلبا حمل من خراسان إلى المتوكل ، له جناحان يطير بهما.

قال علي بن ربن (٤) كاتب المازيار كان بطبرستان طائر يسمونه كنكر يظهر

__________________

(١) من المختصر.

(٢) في الأصل : رجلا.

(٣) في الأصل : وعشرين. وفي المختصر إن المدة كانت ٣٨ سنة.

(٤) في الأصل : زين ، وفي ياقوت (٣ : ٥٠٧) (طبرستان) : علي بن رزين. والصواب ما أثبتناه.

٥٧٨

أيام الربيع ، فإذا ظهر تبعه جنس من العصافير موشّاة الريش ، فيخدمه كل يوم. واحد منها نهاره أجمع ، يجيئه بالغذاء ويزقّه به. فإذا كان في آخر النهار وثب على ذلك العصفور (١) فأكله. حتى إذا أصبح وصاح ، جاءه آخر من تلك العصافير فكان معه على ما ذكرنا ، فإذا أمسى أكله. فلا يزال على هذا مدة أيام الربيع. فإذا زال الربيع ، فقد هو وسائر أشكاله ، وكذلك أيضا ذلك الجنس من العصافير فلا يرى شيء من الجميع إلى قابل في ذلك الوقت. وهو طائر في قدر الفاختة وذنبه مثل ذنب الببغاء وفي منسره تعقيف.

وقد يفعل هذا البوم أيضا في الجمال فإنهن يتعلقن بغصن من أغصان الشجر ثم يصوّتن [١٥٣ ب] صوتا تعرفه العصافير ـ وفي طبع العصافير معاداة البوم ـ فإذا سمعن ذلك الصوت اجتمعن ولا يزلن يرفرفرن على البوم ، فكلما أمكنه شيء منهن وثب فأخذ وهن لا يبرحن من الترفرف عليه حتى يأخذ منهن ما يريد. فإذا اكتفى طار.

قال : ووجه المنصور خالد بن برمك إلى طبرستان لمحاربة الاصبهبذ والمصمغان. وكانت الأكاسرة أيام هربهم من العراق إلى مرو وقتل يزدجرد ، أودعوا جبل طبرستان نفيس أموالهم لصعوبته وشدّة مسلكه وصيروا ذلك في القلاع. فلما وافى خالد بن برمك الجبل وملك قلاعه ، وجد فيها من الجواهر والتيجان والمناطق والسيوف المكلّلة بالدر والياقوت والزمرّد ما لا قيمة له ، وظفر من ذلك أهل البلد شيء كثير ، فعظم ذلك وكبر خالد في نفوسهم ، لأنه فتح هذا الفتح الجليل ما كانوا يصورونه على تراسهم ويصورون المجانيق التي كان يرميهم بها.

فأمّا الاصبهبذ لما دام الحصار عليه شرب السم وسقاه جميع حرمه فمات وماتوا.

وأما المصمغان فخرج ومعه نساؤه وسائر حرمه إلى خالد وجلس وأجلسهم

__________________

(١) في الأصل : وثب عليه العصفور. والتصحيح من ياقوت.

٥٧٩

حوله على التراب. فرّق له خالد وأجلسه على البساط وبعث به وسائر حرمه وبناته إلى المنصور. وكان له عدة بنات ـ وأمهنّ بنت الاصبهبذ ـ فصارت واحدة منهن إلى إسماعيل بن علي وأخرى إلى المهدي وأخرى إلى العباس بن محمد ، فولدت له إبراهيم بن العباس. وكانت شكلة أم إبراهيم بن المهدي [فصارت إلى عبد الصمد بن علي](١) ثم صارت إلى المهدي فولدت له إبراهيم.

وكان يسار بين يدي خالد وهو بطبرستان بعدة ألوية وهو الذي بنى المنصورة واتخذ بها سوقا ومسجدا جامعا.

__________________

(١) من المختصر.

٥٨٠