البلدان

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]

البلدان

المؤلف:

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٠

الخزر فيعشرهم صاحب الخزر ، ثم يصيرون إلى بحر خراسان في هذا البحر الذي يقال له بحر الصقالبة ، فربما [١٤٠ أ] خرجوا بجرجان فباعوا جميع ما عندهم ليحمل جميع ذلك إلى الري.

ثم أعجب من هذا ، ان جميع ما بلغ إلى طبرستان من ناحية الديلم والجبل والبربر والطيلسان من الرقيق وسائر الأمتعة فإنما هو إلى الري لجلالتها وكبرها وكثرة تجاراتها.

وكان عبيد الله بن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الري أن يخرج على الجيش الذي وجهه لقتال الحسين رضي الله عنه. فأقبل يميل بين الخروج وولاية الري أو القعود:

أأترك ملك الريّ والريّ رغبتي

أم ارجع مذموما بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب ، وملك الريّ قرة عين

[وقال ابن كربويه الرازي (١) ، وكان أحد أصحاب الحسين بن أحمد العلوي بقزوين :

يا منية هيّجت شوقي وأحزاني

لا تبعديني فبعد الدار أضناني

إنّي أعيذك بالأجفان يا سكني

أن تتركيني أخا شجو وأشجان

إذا بعدت يكاد الشوق يقتلني

حتى إذا طاف طيف منك أحياني

يا جفوة من حبيب أقرحت كبدي

هلّا رثيت لنائي الدار حيران

دامي الجفون نحيل الجسم محترق

صبّ أسيف قريح القلب حرّان

أمسى بقزوين مسلوبا عزيمته

مقسّما بين أشجان وأحزان

__________________

(١) لا نعلم من يكون ابن كربويه ، إلّا ان الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الأرقط المعروف بالكوكبي ظهر بقزوين وزنجان وتغلب عليها وطرد عنها آل طاهر وذلك في عام ٢٥١ ه‍ (وقد أغار عام ٢٥٢ ه‍ ـ على الري ومعه جستان صاحب الديلم فقتلوا وسلبوا ...) (الطبري ٩ : ٣٧٢ و ٣٧٨) وانظر التدوين ٢ : ٤٤١.

٥٤١

أقول يوم تلاقينا وقد سجعت

حمامتان على غصنين من بان

الآن أعلم أن الغصن لي غصص

وإنما البان بين عاجل دان

وقمت تخفضني أرض وترفعني

أخرى وهدّ مسير الليل أركاني

ما لي أنادي فيأبى أن يجيب فتى

لو كان بالرّيّ لبّاني وفدّاني

يا نفس لا تجزعي من ذاك واشتملي

ثوب العزاء فإن الغائب الجاني

أنا الّذي غرّه بيتان قالهما

مضلّل ما له في جهله ثان

لا يمنَعنّك خفض العيش في بلد

نزوع نفس إلى أهل وأوطان

تلقى بكلّ بلاد أنت ساكنها

أهلا بأهل وجيرانا بجيران

حتّى تركت لذيذ العيش في بلدي

فناء داري عن أهلي وإخواني

وشاقني نحو قزوين منى بطلت

نفت رقادي وأذرت دمع أجفاني

فيا لها حسرة إذ عزّ مطلبها

لم تبق منّي على روح وجثمان

أنا النّذير لكم يا قوم فاستمعوا

مني مقالة نصح غير خوّان

للموت بالرّيّ خير للمقيم بها

من الحياة بقزوين وزنجان

أنّى لها كجنان في شوارعها

يطفحن في كلّ بستان وميدان

أو كالمدينة شطّاها وشارعها

من المصلّى إلى صحراء أزدان

وهات كالسّربان اليوم مرتبعا

من باب حرب إلى ساحات عفّان

أنهارها أربع محفوفة زهر

تحار فيهنّ عينا كلّ إنسان

وشارع السّرّ يمناه ويسرته

محفّفان بأنهار وأغصان

وقصر إسحاق من فولاد منحدرا

على الشراك إلى درب الفليسان

وكم بروذة من مستشرف حسن

إلى المضيق بها من باب باطان

وكم بناهك من دار كلفت بها

وظبية ترتعي في سفح غدران

وشادن غنج كالبدر صورته

يميس في حلل تلهو بفتّان

يا ريّ صلّى عليك الله من بلد

ولا أغبّك دارّ (؟) القطر هتّان

٥٤٢

حيّ الديار بها والساكنين بها

من النساء ومن شيب وشبّان

إلّا بقايا بغاة الأرض قد جحدوا

دين المهيمن من كفر وعدوان

كم حلّ عرصة نصراباد قاطبة

من ابن زانية محض وكشخان

وكم بسكة ساسان إذا ذكروا

من ابن فاجرة نصّ وقرنان

هم الألى منعوني قرب دارهم

وباعدوني عن أهلي وخلاني

وشرّدوني عن صحبي وعن ولدي

حتى لجأت إلى أجبال قصران]

وخراج الري عشرة ألف ألف درهم بالكفاية. ومن الري إلى قزوين ذات اليسار سبعة وعشرون فرسخا. ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا. ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا.

وروي عن الصادق رضي الله عنه أنه قال : الري وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات.

وقال إسحاق. بن سليمان (١) : ما رأيت بلدا أرفع للخسيس من الري.

وفي أخبار أهل البيت قالوا : إن الري كانت منابت الشؤم وستعود منابت الشؤم.

وفي خبر آخر : الري ملعونة وتربتها تربة ديلمية وهي على بحر عجاج تأبى أن تقول الحق.

وروى محمد بن الريان (٢) عن إسماعيل الرازي قال : قال لي الحسن بن

__________________

(١) إسحاق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل المتوفى عام ١٩٩ ه‍ (العبر ١ : ٢٥٧) وترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب (١ : ٢٠٥) ترجمة مطولة وقال إنه «إسحاق بن سليمان الرازي ، أبو يحيى العبدي : كوفي نزل الري ....».

(٢) محمد بن الريان بن الصلت. من أصحاب الإمام الهادي (٢١٣ ـ ٢٥٤). انظر : جامع الرواة ٢ : ١١٣) ورجال الكشي ٥٤٦. ورجال النجاشي ٣٧٠ وفيه «محمد بن الريان بن الصلت الأشعري : له مسائل لأبي الحسن العسكري عليه السلام ....». فهو قد أدرك الإمام العسكري (٢٣٢ ـ ٢٦٠ ه‍) أيضا. أما الحسن بن علي بن فضال ، فهو أبو محمد بن عمر بن ـ

٥٤٣

علي بن فضال : تعرف الدولاب؟ قلت : نعم ، أعرفه. قال تعرف شجرة تسمى آزاذ؟ قلت : لا. قال : فروى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد رضي الله عنه أنه قال : إذا اتصلت حيطان المدينة بحيطان الدولاب فعندها توقعوا بلاء القوم ، ثم تلا قول الله عزّ وجلّ (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً). قال : الري.

وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد رضي الله عنه : ويل للري من جناحيها. قيل وأي شيء جناحاها (١)؟ [١٤٠ ب] قال : طبرستان أحد جناحيها.

وعن محمد الرازي (٢) عن أبيه عن جده أبي إسماعيل ، وكان نساجا ، فاتخذ ثوبا وجوّده وقصره وحج فأتى أبا عبد الله (٣) ووضعه بين يديه ، فأخذه ونظر إليه ونشره وقال : هذا محكم العمل. فقال أبو إسماعيل أنا نسجته يا سيدي بيدي. فقال له أبو عبد الله : فأنت نساج؟ قال : نعم. [فقال] : مرحبا بنسّاجنا ، من أين أنت؟ قال : من أهل الري. قال : أتعرف التل الأحمر؟ قال : لا. قال : هو ناء عن المدينة عند الباب الحديد لا يسلك إلّا عند ارتفاع النهار. أما إن ذلك الموضع سيعمر. ثم قال : أتعرف كناسة الدواب؟ قلت : نعم. قال : فتعرف جبل الطين الأسود؟ قال : لا. قال : الجبل الذي يقال له جبل ليلا. قلت : نعم أعرفه. قال : فتعرف باب المدينة الحديدي وسورها؟ قلت : نعم. قال : عنده مصارع القوم ، يقتل من صحابة [بني] (٤) العباس وشيعتهم ثمانون ألفا منهم ثمانون [ممن] يصلح للخلافة. فقلت له : جعلت فداك ، ألك حاجة؟ قال : حاجتي أن تدع هذا العمل. قلت : فأي شيء أعمل؟ [قال] : كن صيقلا فقلت له : على كبر السن كيف أعمل؟

__________________

ـ أيمن الزاهد العابد المتوفى سنة ٢٢٤ ه‍ ـ كما في رجال النجاشي الذي ترجم له ترجمة مطولة (انظر ٣٤ ـ ٣٦) وذكر مؤلفاته.

(١) في الأصل : جناحيها.

(٢) هو محمد بن إسماعيل الرازي.

(٣) هو الإمام جعفر الصادق (ع).

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٥٤٤

قال : سهّل الله عليك تعلّمه ونوّر قلبك ويسّره عليك.

قال : فقدمت الري فتعلمته في شهر. فكان يروى عنه الحديث : عن أبي إسماعيل الصيقل عن أبي عبد الله.

وكان الرشيد يقول : الدنيا أربعة (١) منازل ، قد نزلت منها ثلاثة. أحدها دمشق والآخر الرقة والثالث الري والرابع سمرقند وأرجو أن أنزله. ولم أر في هذه البلاد الثلاثة التي نزلتها موضعا هو أحسن من السربان لأنه شارع يشتق مدينة الري في وسطه نهر ، فهو حسن. عن جانبيه جميعا أشجار ملتفة متصلة وفيما بينها أسواق.

وخطب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يوما فقال في خطبته :

احمدوا الله الذي أحصاكم عددا ووظف لكم مددا في قرارة الدنيا ، فإنكم مفارقوها ومنقطعون عنها ومحاسبون بما عملتم فيها. لا تخدعنكم بقاي (٢) لذاتها فإنها ثقيل مطلبها ، رنق شربها. غرور حائل وشبح [١٤١ أ] مائل وسنان قاتل ، تعزّ مستدبرها وتصرع مستفيدها بغرور شهوتها ومونق لذتها وحبل مدتها ، حتى إذا أنس ناقدها وقرّ شاردها ، قنصته بأحبلها ، فتفلته إلى ضنك المضجع ووحشة المرجع ومجاورة الأموات ومفارقة الأوقات. فهم لا يرجعون ولا يؤذن لهم فيعتذرون. قد ارتهنت الرقاب بسالف الاكتساب ، وأحصيت الآثار ، وقد خاب من حمل ظلما. فيا لها أمثالا كافية ومواعظ شافية لو صادفت أذنا واعية وقلوبا زاكية وألبابا حازمة وآراء عازمة.

ثم قال : كيف بهم إذا خرج المشرقي ، وتحرك المغربي ، وحارب السجزي ، وتحرك الهجري ، وثار الحسيني ، وغضب الحسني ، وقام العلوي ، وبويع الأموي ، وخرج الأرمني ، وماج الديلم ، وضج الطبري ، وقدم الهاشمي ، ووافى المصري ،

__________________

(١) في الأصل : أربع.

(٢) المقصود : بقاء.

٥٤٥

وظفر الخراساني ، وكفر الكلبي ، وبويع الزنجي ، ونقض التركي ، وغلب الرومي ، وخرج القحطاني.

عندها يخرج الروم في ألف ألف ويزيدون. ويهرب الهاشمي من الزوراء وينزلها الخراساني. فالويل لهم من المظفر العلوي ، والويل لأهل البصرة والأبلّة والأهواز وواسط من المظفر العلوي أيضا. يقتل بالبصرة مائة ألف ويزيدون ، وبواسط مثل ذلك ، وهو السفّاح.

وويل للرافقة وقرقيسيا من كلب وقيس. والويل كل الويل للزوراء من السفياني ، يقتل في كل يوم واحد مائة ألف أو يزيدون ، واليوم الثاني مثل ذلك ، واليوم الثالث مثل ذلك في صعيد واحد ، لا ينظر الله إليهم ولا يكلمهم ولهم عذاب أليم.

والويل لأهل الكوفة من السفياني ، والويل لأهل يثرب من الأبقع ، سيبقر بطون النساء ويقتل النفس الزكية.

والويل لأهل مكة من الأصهب ومن صاحب مصر يقتلهم بغير عدد حتى يجري الدماء في وادي العرفات.

والويل لأهل فسطاط مصر من فرعون الثاني وهو السفياني ، كيف يقتل النساء ولا يرحم الصبيان والإماء.

والبلية العظمى بصخر الري ، يقتل في ذلك الموضع ستون ألفا إلى الباب.

والويل لأهل قزوين من الديلم ، يقتل الرجال وتسبى النساء والذراري.

والويل لهمذان من جانب طبرستان ، والويل للري من صاحب الديلم والويل لهم من صاحب إصبهان. في كلام طويل.

وبعث الحجاج إلى وفد كانوا قدموا عليه من الديلم فعرض عليهم الإسلام أو الجزية فأبوا أن يفعلوا شيئا من ذلك. فأمر أن يصوّر لهم بلدهم سهله وجبله وعقابه وغياضه فصوّرت له. فدعا من قبله من الديلم فقال إن بلادكم قد صورت لي

٥٤٦

ورأيت فيها مطمعا فاعترفوا بما دعوتكم إليه قبل أن أغزيكم الجنود فأخرب البلاد وأقتل المقاتلة وأسبي الذرية. قالوا : أرنا هذه الصورة التي أطمعتك في بلادنا فأحضرها حتى نظروا إليها. فقالوا : قد صدقك من صوّرها غير أنه لم يصوّر لك الرجال الذين يمنعون هذه العقاب والثنايا ، وستعلم ذلك لو تكلفته.

فأغزاهم الجنود وعليهم ابنه محمد بن الحجاج فلم يصنع شيئا غير أنه بنى مسجدا لأهل قزوين ونصب فيه منبرا [وهو مسجد التوث الذي على باب دار قوم يعرفون بالجنيدية. وحكي أن عمّال خالد بن عبد الله القسري لعنوا علي بن أبي طالب على المنبر فقام حبيش بن عبد الله وهو من موالي الجنيد أو بني عمه فاخترط سيفه وارتفع به إلى العامل فقتله وقال : لا نحتملكم على لعن علي بن أبي طالب. فانقطع بعد ذلك اللعن عنه رضوان الله عليه](١).

وقال محمد بن زياد المذحجي : رأيت في مسجد قزوين لوحا مكتوبا مما أمر به محمد بن الحجاج الثقفي. وأنشد جعفر بن عمر بن عبد العزيز :

هل تعرف الأبطال من مريم

بين سواس فلوى يرثم

فذات أكناف فقيعانها

فجزع فدفر واف الأحرم (؟)

ما لي وللريّ وأكنافها

يا قوم بين الترك والديلم

أرض بها الأعجم ذو منطق

والمرء ذو المنطق كالأعجم

ولما ميّز قباذ إقليمه ، وجد أنزه بقاعه بعد أن بدأ بالعراق التي هي سرّة الدنيا والأقاليم ، ثلاثة عشر موضعا : المدائن ، والسوس ، وجنديسابور ، وتستر ، وسابور ، وبلخ ، وسمرقند ، وباورد ، وبطن بنهاوند تسمى روزراور ، وما سبندان ، ومهر جانقذق ، وتل ما سير ، وإصبهان والري. وأسرى فواكه إقليمه سبعة مواضع : المدائن ، وسابور ، وأرجان ، ونهاوند ، وماسبندان [١٤٢ أ] وحلوان ، والري. وأوبأ بقاع إقليمه ستة مواضع : البندنيجين ، وسابور خواست ، وبرذعة ، وزنجان ، وجرجان ، والخوار ـ بطن الري ـ.

__________________

(١) ما بين عضادتين في المختصر فقط.

٥٤٧

والري سبعة عشر رستاقا منها : [الخوار] ودنباوند ، وويمة ، وشلمبه [هذه التي فيها المنابر](١).

وفي كتاب الطلسمات : إن قباذ وجّه بليناس الرومي إلى الري فاتخذ بها طلسما للغرق فأمنوه ، وذلك أنها على بحر عجّاج. واستطابها بليناس فعزم (٢) على المقام بها فآذاه أهلها فاتخذ بها طلسما للنزول فليس يجتاز بها أحد من خراسان إلّا نزلها.

وعمل طلسما آخر للغلاء فهي أبدا غالية السعر.

ثم كتب بليناس إلى قباذ يخبره بما قد عمل من الطلسمات في بلاده ويستأذنه في المصير إلى خراسان. فكتب إليه قباذ : إن قباذ الأكبر قد طلسم ما وراء الري إلى بلخ وجرجان وسجستان [مائتين وخمسين طلسما](٣) وليس هناك شيء فأقبل إلينا.

[وقال الشاعر :

الريّ أعلى بلدة أسعارا

لا درهما تبقي ولا دينارا

تدع الغريب محيّرا في سوقها

قد تاه ينظر هائما خوّارا

في كلّ يوم ينبغي لغدائه

أن كان يملك للغداء قنطارا

وبها أناس شرّ ناس باعة

لا يحفظون من الغريب جوارا

سيسوا بكلّ قبيحة فتراهم

أدهى وأخبث من تحلّى العارا

لا يصدقون وصدق قول فيهم

عار وكلّ يبغض الأبرارا

إن جئت تسألهم لتسقى شربة

قالوا إليك تجنّب الأشرارا

فلقد لبسنا العار حتّى ما لنا

إلّا الفضائح ملبسا وإزارا](٤)

__________________

(١) ما بين عضادتين في المختصر فقط.

(٢) في الأصل : فعلم على المقام.

(٣) في المختصر فقط.

(٤) في المختصر فقط.

٥٤٨

وفي أخبار فريدون على رواية الفرس : لما أقبل بالبيوراسف من المغرب نحو المشرق ليسجنه [بدنباوند] مرّ بكورة إصبهان ـ وقد طوى أفريدون أياما لم يذق طعاما ـ فطلب قوما يمسكونه عليه ريثما يتغدى. فجمع الملك عالما من الناس فلم يقدروا على إمساكه ، فأدار سلاسله على جبل من جبال إصبهان وأوثقه بأساطين وسكك من حديد قوية. وتوثق منه حتى ظن أنه قد أحكم ما أراد. حتى إذا جلس على غذائه ، اجتذب البيوراسف سلاسله مع تلك الأساطين والسكك واحتمل الجبل يجره بسحره ثم طار به في الهواء ، فتبعه أفريدون فما لحقه إلّا بالمدينة المعروفة ببزورند وهي الري. فلما لحقه قمعه بمقمعة من حديد كانت في يده فسقط مغشيا عليه ورسا ذلك الجبل المنقول من إصبهان بمدينة الري. فهو الآن جبلها المطلّ عليها. فلعن أفريدون ذلك الجبل ودعا الله أن لا ينبت عليه شيئا في شتاء ولا صيف وأن لا يثبت عليه ثلج ولا تسرح عليه سارحة تؤمّه ولا أهلية ولا يأتي إليه حيوان. فأجاب الله دعاءه. فهو كذلك [١٤٢ ب] إلى يوم التناد.

ثم قاده من الري نحو محبسه على طريق الخوار ، فوافاه وهو يقوده إصبهبد جرجان ـ وكان رجلا ذا أيد وبطش ـ فسار معه أياما. وعرضت لأفريدون حاجة فلم يثق بأحد يمسكه عليه فقال الأصبهبد : أيها الملك ، أنا أمسكه عليك. فقال : أخاف أن لا تقوى فتعطب على يده. فقال : أرجو أن يعينني الله عليه بقدرته. وناوله أفريدون سلاسله وساربه ، فلم يلتوي عليه ، ومرّ يحجل في قيوده.

فلما غاب أفريدون ( ) (١) فلما أطالا المجاذبة دخلت رجلاه إلى ركبتيه في الأرض ، فخدّ في ذلك المكان أخدودا عظيما جرى فيه بعد ذلك الماء فصار نهرا عظيما ، وهو اليوم يعرف بوادي خوار ، يعرفه أهل تلك الناحية ويسمونه بهندرود.

وطعنه أفريدون وقمعه بمقمعة واحدة من يد الأصبهبد وبارك عليه وزاد في مرتبته وسماه بهند جرجان وخراسان اصبهبد.

__________________

(١) كلمة مطموسة. ويمكن أن تكون : جاذبه السلسلة.

٥٤٩

ثم حمله إلى كورة دنباوند فسجنه هناك في جبل يسمى جبل الحدّادين في قرية اسمها قرية الحدادين أيضا. ووكل به أرمائيل ومثّل بين يديه في القلة صورة أفريدون وطلسم عليه طلسما وبنى حوله حوانيت رتّب فيها قوما حدادين يضربون مطارقهم نوائب على سنداناتهم ليلا ونهارا شتاء وصيفا لا يفترون عن ذلك وجعله في كهف عظيم في جوف القلة وأثقله بالحديد وجعل على باب الكهف عدة أبواب حديد وأسقط عن سكان هذه القرية الخراج والعشر وجميع النوائب ، فليست عليهم مؤونة إلّا ضرب هذه المطارق على سندانات خالية ، ويتكلمون على ضربهم بكلام موزون ويهمسون به عند ضربها لئلا يقطع البيوراسف سلاسله وأغلاله فيقال إنه يلحس أغلاله دائما ليلا ونهارا فتدق عن لحسه ، فإذا ضرب (١) هؤلاء بالمطارق عادت إلى حالها في الغلظ والوثاقة. ويقال إن الطلسم الذي يمنعه من قطع السلاسل بعد لحسه إياها فهو معمول في ضرب هؤلاء الحدادين بمطارقهم.

ومضى أفريدون ـ بعد أن حبسه في الكهف واستوثق منه ـ منصرفا إلى دار مملكته [١٤٣ أ] ووكل أرمائيل بحفظ البيوراسف وطعامه. فكان يذبح له في كل يوم رجلين فيغذي بأدمغتهما حيّتيه اللتين على كتفيه أعواما.

ثم إن أرمائيل تحوّب من ذبح الناس فتلطّف في استنقاذهم واحتساب الأجر في إطلاقهم من القتل ، فمضى إلى قرية من قرى دنباوند تسمى مندان فبنى على جبلها أبنية جليلة وقصورا عظيمة وجعل فيها بساتين وعيونا تجري في صحون تلك الدور والبساتين ، وبنى في بعض تلك القصور بيتا بخشب الساج والابنوس وصور فيه جميع الصور ، فلم يكن لأحد في ناحية المشرق ، بناء أشرف منه ارتفاعا وحسنا ودقة نقوش وكثرة عمل وتزاويق وتصاوير وتماثيل.

فما زال ذلك البنيان قائما حتى استنزل المهدي بن المصمغان من القلعة المعروفة بالهيرين ـ وكان قد أعطاه الأمان ـ فلما جاء به إلى الري أمر بضرب عنقه.

فلما استخلف الرشيد وصار إلى الري أخبر بمكان ذلك البنيان فصار إليه

__________________

(١) في الأصل : فإذا ضربوا.

٥٥٠

حتى وقف عليه وأمر بنقضه وحمله إلى مدينة السلام.

وكان أرمائيل نازلا في قصوره وأبنيته التي بناها فإذا جاءوه بالأسارى من الآفاق ليذبحهم ويأخذ أدمغتهم فيغذي الحيتين ، أعتق في كل يوم أسيرا وذبح مكانه كبشا وخلط دماغه بدماغ المقتول وغذا به الحيتين أعواما كثيرة. ثم بدا له في الذبح فكان إذا جاءوه بالأسارى أعتقهم وأسكنهم الجبل الغربي من قرية ميندان (١).

فبقي على ذلك من حاله ثلاثين عاما يعتق في كل عام سبعمائة وثلاثين إنسانا ـ وقرية ميندان على جبلين بينهما واد فيه ماء عذب غزير لا ينقطع شتاء ولا صيفا ، وعلى حافتي الوادي عيون تنصب إليه وشجر مثمر ـ فكان كلما أعتق أسيرا أعطاه دارا وأسكنه الجبل الغربي وأمره أن يزرع لنفسه ما يريد ويبني ما يشاء. فكانوا يفعلون ذلك. وقيض الله لأرمائيل مطلسما ألمّ به فقال : أنا اطلسم الطعام الذي يتغدى به هذا الملعون فيكون يتغلغل في جوفه ويرتفع [١٤٣ ب] إلى صدره ويجري في لهواته فيشبع منه ولا يحتاج إلى غيره أبدا ويجازيك الملك على ذلك. ما الذي تجازيني عليه؟ قال : سل ما أحببت. قال : إذا أتتك رئاسة الناحية أشركتني فيها معك وفي نعمتك وعقدت بيننا قرابة لا تنقطع. فضمن أرمائيل له ذلك وطلسم مأكول الملعون ومشروبه في جوفه ، فهو يتغلغل في صدره إلى بلوغ مدة [أيامه](٢).

فلما كان بعد ثلاثين حولا من مملكة أفريذون أنفذ إلى أرمائيل رسولا يأتيه بخبر البيوراسف. فلما وافاه أنزله. أرمائيل معه في قصره. فسأله الرسول عما صنع فأخبره خبر المعتقين من الذبح وإنزاله إياهم الجبل الغربي. ولمّا أمسى أمر المعتقين أن يوقد كل واحد منهم على باب الموضع الذي هو فيه نارا ففعلوا. فقال الرسول : ما هذا؟ قال : هؤلاء المعتقون من الذبح. فقال الرسول بالفارسية : وس

__________________

(١) هذه الوقائع وما يليها ذات صلة بأسطورة الملك الظالم بيوراسف أو الضحاك وهي من القصص التي رواها الفردوسي في الشاهنامه (١ : ٣٠ ـ ٣٧) ولا تختلف عما هي عليه هنا إلّا في بعض التفصيلات.

(٢) من المختصر.

٥٥١

مانا كي ته آزاد كردي؟ أي : كم من أهل بيت قد أعتقتهم؟ وتناهى الخبر إلى أفريدون فسرّ به سرورا شديدا ومضى نحو جبل دنباوند فوقف عليه فلما تقرر عند فعل أرمائيل شرفه ورفع درجته وسماه المصمغان وأقطعه مدينة دنباوند برساتيقها وقراها وعقد له تاجا وأقعده على سرير ذهب. فهم آل المصمغان المعروفون إلى يومنا هذا تلك الناحية.

وكان أفريذون سجن البيوراسف في النصف من ماه مهر وروز مهر ، فلما أصبح جعله عيد المهرجان.

ويقال إن طول أفريذون تسعة أرماح ـ والرمح بباعه ثلاثة أبوع ـ وعرض عجزه ثلاثة أرماح ، وعرض صدره أربعة أرماح ، ووسطه رمحان (١).

وقال محمد بن إبراهيم بن نافع : كنت مقيما بطبرستان في خدمة موسى بن حفص الطبري (٢) أيام خلافة المأمون إذ ورد علينا قائد من قواد المأمون في مائة وخمسين فارسا ومعه كتاب المأمون إلى موسى بن حفص يأمره بالشخوص معه إلى موضع البيوراسف [بقرية الحدادة في سنة ٢١٧] حتى يقف عليه ويتفحص عن خبره ويكتب إليه بصحة الأمر [١٤٤ أ] فيه.

قال : فوافينا قرية الحدادين ، فلما قربنا من الجبل الذي هو فيه ، إذا نحن بدويبة في عظيم البغال. فلما رأتنا صعدت في الجبل. قال : وإذا طيور بيض كبار أكبر من النعام في خلق الفصلان. وإذا قلة الجبل مغشاة بالثلج ، وإذا دود وعظام مثل الجذوع تنحط من ذلك الثلج ، فإذا انفصلت الدودة عن الثلج وانحدرت إلى القرار وانسابت على الحجارة انفقأت فسال من جوفها مثل الساقية. فإذا كان ذلك

__________________

(١) في الأصل : رمحين.

(٢) ولي طبرستان والرويان ودنباوند عام ٢٠٧ ه‍ ثم توفي عام ٢١١ ه‍ (الطبري ٨ : ٥٩٦ ، ٦١٨). وعليه فإن العمر لم يمتد به حتى عام ٢١٧ لينفذ رغبة المأمون المزعومة. نعم يمكن أن يكون ابنه هو المقصود حيث ولي طبرستان بعد وفاة أبيه وظل فيها ست سنوات (تاريخ طبرستان ٢١١). أما محمد بن إبراهيم فهو العلوي الذي ذكره الطبري في تاريخه (٩ : ٢٧٣) ضمن حوادث تتعلق بطبرستان جرت عام ٢٥٠ ه‍.

٥٥٢

نهضت تلك الطيور إلى جلود هذا الدود فأكلتها.

فلم تزل العسكر في القرية أياما يرومون الوصول إلى موضع البيوراسف ولا يهتدون لموضع الجبل في الصعود. فبينا هم كذلك إذ أتاهم شيخ قد نيف على مائة سنة فسائلهم عما قدموا له ، فعرّفوه الخبر ، وإذا على الجبل حوانيت كثيرة فيها قوم من الحدادين حول تلك القلّة عليهم نوائب يضربون مطارقهم على سنداناتهم ساعة بعد ساعة ويتكلمون عليها بكلام يهجسون به موزون عند ضربهم ، لا يفترون ليلا ولا نهارا. فسألوا الشيخ عن الخبر ، فقال لهم : هذه الحوانيت وضرب هؤلاء على السندانات ، طلسم على البيوراسف لئلا ينحل عن وثاقه ، وإنه لدائب بلحس سلاسله وأغلاله ، فإذا ضربت هذه المطارق عادت أغلاله وسلاسله إلى ما كانت عليه من الغلظ. فإن أحببتم الوقوف على صحة هذا الحيوان المحبوس في هذه القلة حتى لا يتخالجكم فيه ريب أريتكم برهان ذلك. فقال له القائد : ما جئت لغير هذا الذي وصفت. فأحضر الشيخ سلما مخروزا محكما من الصرم وسككا من سكك الحديد وجمع شباب القرية حتى صعد منهم من صعد على تلك السلّم من قرار القلّة إلى مقدار مائة ذراع في الجبل ثم أراهم في الجانب الشرقي من القلة عند مطلع الشمس جوبة عظيمة وعليها أسكفة باب حديد عليه مسامير من حديد مذهبة مكتوب عليها [١٤٤ ب] بالفارسية ما أنفق على كل مسمار وفوق الأسكفة كتابة تخبر أن على القلة سبعة أبواب من حديد ، على كل باب أربعة أقفال قد كتب على بعض المسامير : لهذا الحيوان أمد يجري إلى غايته ونهاية لا يعدوها ، فلا يعرض خلق لفتح شيء منها فيهجم من هذا الملعون على ما لا يقوم له أهل الأرض ولا حيلة لأحد عما يريد.

فقال القائد (١) : ويحكم حيوان منذ آلاف من السنين يبقى بغير قوت؟ فقال الشيخ : طعامه القديم الذي تغدى به مطلسم في جوفه ، فهو يتغلغل في صدره ويرتفع إلى لهواته حتى تمتلأ منه ، وقد منع من إخراجه. فذلك غذاؤه. فانصرفوا

__________________

(١) في المختصر : فقال موسى بن حفص.

٥٥٣

ولم يجدوا شيئا وكتب بخبره إلى المأمون فكتب أن لا تعرض له.

وعن رجل من كلب قال : كان الضحاك أشد الناس غيرة ، فركب يوما إلى الصيد فجاء أفريذون في خيله فدخل داره واحتوى عليه وعلى نسائه. وبلغ ذلك الضحاك فوافى منزله. فلما نظر إلى أفريذون في داره مع نسائه أدركته الغيرة فغشى عليه وسقط عن دابته. ووثب أفريذون فأوثقه ثم تتبع عماله فأخذهم وغلب على ملكه وذلك ماه مهر وروز مهر ، فصيره يوم المهرجان. فقالت الأعاجم مهريان لقتل من كان يذبح في كل يوم واتخذوه عيدا. وأخذ المصمغان وقال : إنك كنت شرّ عماله وكنت صاحب الذبح ، فأذبحك كما كنت تذبح الناس. فقال : إن لي بلاء. قال : وما هو؟ قال : كان يأمرني بذبح اثنين في كل يوم فكنت أذبح واحدا وأعتق الآخر. قال : وكيف نعلم صحة ما ذكرت؟ قال : اركب معي حتى أريك إياهم. فركب معه وسار حتى أشرف على جبال الديلم والشور فنظر إلى عالم قد توالدوا وتناسلوا. فقال : هؤلاء كلهم عتقائي. فقال أفريذون : وس ما ناكي ته آزاد كردي؟ كم من أهل بيت أعتقتهم؟ اذهب فقد ملكتك عليهم. فأعطاه مملكة دنباوند. فلم يزل الضحاك [١٤٥ أ] عنده موثقا ستة أشهر ثم قتله يوم النيروز فقالت الأعاجم : امروز نوروزي اي استقبلنا الدهر بيوم جديد. فاتخذوه عيدا.

وعن القاسم بن سلمان (١) قال : أبجد وهوّز وحطي كلمن وسعفص وقرشت ثخذ ضظغ ، كانوا ملوكا جبابرة ففكر قرشت يوما فقال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ، فجعله الله اژدها ، فله سبعة رؤوس (٢). فهو الذي بدنباوند محبوس.

وزعم بعض أهل العلم : إن المحبوس بجبل دنباوند صخر الجني الذي أخذ خاتم سليمان بن داود عليهما السلام لما ردّ الله عزّ وجلّ على سليمان ملكه ، حبس صخرا في جبل دنباوند.

__________________

(١) في الأصل : ابن سليمان. والتصحيح من الطبري ١ : ١٩٥ الذي ذكر هذه الرواية أيضا.

(٢) في الأصل : سبع. وكلمة أژدها هي الأساس الذي حوّرت منه كلمة الضحاك الذي أشرنا إليه فيما سبق ـ وهي بالفارسية تعني الأفعى ذات الرءوس السبعة ـ وهو الحاكم الظالم المسجون في جبل دنباوند (أي دماوند).

٥٥٤

ولأبي تمام من شعر طويل يمدح به الافشين ويقول إنه مثل أفريذون وأن بابك الخرمي مثل الضحاك :

ما نال ما قد نال فرعون ولا

هامان في الدنيا ولا قارون

بل كان كالضحّاك في سطواته

بالعالمين وأنت أفريذون

وقال علي بن ربن كاتب المازيار : وجّهنا جماعة من أهل طبرستان (١) إلى جبل دنباوند ـ وهو جبل عظيم شاهق في الهواء يرى من رأس مائة فرسخ وعلى رأسه أبدا مثل السحاب المتراكم لا ينحسر عنه في الصيف ولا في الشتاء ، ويخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبريتي تزعم جهّال الفرس أنه بول البيوراسف ـ فذكروا أنهم صعدوا إلى رأسه خمسة أيام وخمس ليال فوجدوا نفس قلّته تكاد تكون مائة جريب مساحة (٢). على أن الناظر ينظر إليها من أسفل الجبل مثل رأس القبة المخروطة. قالوا : وجدنا عليها رملا تغيب فيه الأقدام ، وانهم لم يروا عليها دابة ولا أثرا لشيء. وان سائر ما يطير في الجو لا يبلغها ، وان البرد فيها شديد والريح عظيمة الهبوب والعصوف ، وانهم عدوّا في قلتها سبعين كورة (٣) [يخرج](٤) منها الدخان الكبريتي ، وانه كان معهم رجل من أهل تلك الناحية فعرّفهم أن ذلك الدخان تنفّس البيوراسف ، ورأوا حول كل ثقب من تلك الكوى كبريتا أصفر [١٤٥ ب] كأنه الذهب وحملوا معهم شيئا منه حتى نظرنا إليه. وزعموا أنهم رأوا الجبال حوله مثل التلال ، وأنهم رأوا البحر مثل النهر الصغير ، وبين البحر وهذا الجبل نحو عشرين فرسخا.

__________________

(١) في المختصر : جماعة من الديالمة والطبرية.

(٢) في المختصر ٣٠ جريبا.

(٣) في المختصر : ٣٠ نقبة.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٥٥٥

القول في قزوين وأبهر وزنجان

قال بكر بن الهيثم : كان حصن قزوين يسمى بالفارسية كشوين [ومعناه الحدّ المحفوظ](١). قال وبينه وبين الديلم جبل كانت ملوك فارس تجعل فيه رابطة من الأساورة يدفعون الديلم إذا لم تكن بينهم هدنة ، ويحفظون بلدهم من اللصوص.

[ويقال : إنهم نزلوا قرية يقال لها سسين فقالوا : جش اين. ثم دخلوا قرية يقال لها فاسقين فقالوا : بس اين. ثم دخلوا قرية سروين ، فأندر صاحب الجيش قال : سروين](٢).

قال : وكانت دستبى مقسومة بين الري وهمذان. فقسم منها يدعى دستبى الرازي وهو مقدار تسعين قرية ، منها ما قد حازه السلطان [أعزه الله](٣) في هذا الوقت واستخلصه لنفسه. ومنها ما هو في الري ، قوم تغلبوا عليه.

قال وكان سبب [حيزه](٤) دخول اذكوتكين بن ساتكين التركي قزوين وتغلبه عليها في سنة ست وستين ومائتين ، وأسره محمد بن الفضل بن محمد بن سنان العجلي رئيس قزوين وكبيرها ، أنه تقلد البلد ، فلما صار إليه أظهر العدل والنصفة

__________________

(١) في المختصر فقط. وبكر بن الهيثم هو شيخ من شيوخ البلاذري. انظر : فتوح البلدان في كثير من صفحاته. أما الأخبار الموجودة هنا ، فيوجد بعضها في فتوح البلدان ٣١٧ وما بعدها. وقد افتتحها البلاذري بقوله : (حدثني عدة من أهل قزوين وبكر بن الهيثم عن شيخ من أهل الري ...).

(٢) في المختصر فقط.

(٣) في المختصر فقط.

(٤) في المختصر فقط.

٥٥٦

أياما ثم أزالها عن ذلك وقبض على جماعة من وجوه البلدان وأخذ ضياعهم وأموالهم.

وقسم منها يدعى الهمذاني. وكان عامل همذان في وقت افتتاح الخراج ينفذ خليفته إلى قرية من قرى دستبى يقال لها اسفنقان (١) فيجبي خراجها ويحمله إلى همدان. فما زال الأمر كذلك حتى كورت قزوين وزنجان.

[وكان العدل بقزوين من جهة طاهر بن الحسين ، والجور بهمذان من قبل موالي المعتصم بالله أمير المؤمنين ، فتظلم رجل يقال له محمد بن ميسرة من رجل آخر من أهل قزوين يدعى أحمد بن النصر بن سعيد ، فوجّه وفده إلى نيسابور يسأل الكتّاب في نقل رستاق نسا وسلقانروذ إلى قزوين. فكتب صاحب خراسان بذلك فنقلت إلى قزوين](٢).

قال : ولما زال ملك العجم وفتحت البلدان ، ولي المغيرة بن شعبة الكوفة وولي جرير بن عبد الله همذان وولي البراء بن عازب قزوين ، وأمر أن يغزو الديلم. وكان مغزاهم قبل ذلك من دستبى. فسار البراء بن عازب ومعه حنظلة بن زيد الخيل حتى أتى أبهر ، فأقام على حصنها ـ وهو حصن منيع بناه شابور ذو الأكتاف. [١٤٦ أ] ـ وشابور أيضا بنى مدينة قزوين ، ويقال إنه بنى حصن أبهر على عيون سدّها بجلود البقر والصوف واتخذ عليها دكة ثم بنى الحصن عليها ـ.

قال : ولما نزل عليه البراء ، قاتله أهل الحصن أياما ثم طلبوا الأمان فآمنهم على مثل ما آمن حذيفة بن اليمان أهل نهاوند.

ثم سار إلى قزوين فأناح عليها ، فطلبوا الصلح فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر من الشرائط فقبلوا جميع ذلك إلّا الجزية فإنهم نفروا منها. فقال : لا بدّ منها.

__________________

(١) في الأصل : التقيان. والتصحيح من التدوين ١ : ٤٧.

(٢) النص مضطرب في المخطوطة لذلك آثرنا نقله من المختصر ، ومعلوماته تتفق مع ما في التدوين ١ : ٤٧.

٥٥٧

فلما رأوا ذلك أسلموا (١) وأقاموا بمكانهم فصارت أرضهم عشرية.

فرتّب البراء فيهم خمسمائة رجل من المسلمين منهم : طلحة بن خويلد الأسدي وميسرة العائذي وجماعة من بني تغلب [على دستبى وقزوين ، فتناسلوا هناك فأولادهم وأولاد أولادهم إلى اليوم فيها ، قد توارثوا الضياع ـ وكانت قبالة من السلطان في أيديهم الخمسين السنة والأقل والأكثر ـ إذ كانت](٢) أرضين وضياعا لا حق فيها لأحد. فعمروها وأجروا أنهارها وحفروا آبارها فسمّوا تنّاءها. وكان نزولهم على ما نزل عليه أساورة البصرة على أن يكونوا مع من شاءوا. وصار جماعة منهم إلى الكوفة وحالفوا زهرة بن حوية ، فسمّوا حمراء الديلم ، وأقام أكثرهم بمكانهم فهم هناك إلى وقتنا هذا.

قال : وأنشدني رجل من أهل قزوين لجدّ أبيه ـ وكان ممن قدم مع البراء بن عازب لقتال الديلم ـ :

قد تعلم الديلم من تحارب

لمّا آتى في جيشه ابن عازب

بأنّ ظن المشركين خائب

فكم قطعنا في دجى الغياهب

من جبل وعر ومن سباسب

ثم غزى البراء الديلم حتى أدوا الجزية. وغزا الجيل والببر والطيلسان وفتح زنجان عنوة.

وولي الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الكوفة [لعثمان بن عفان ، فغزا الديلم مما يلي قزوين ، وغزا آذربيجان وجيلان وموقان والببر وطيلسان](٣) ثم انصرف.

__________________

(١) من هنا يبدأ النص في التطابق مع فتوح البلدان ٣١٧.

(٢) في المختصر فقط.

(٣) في المختصر فقط. والخبر في التدوين ١ : ٤٧ ويبدأ هكذا : (في كتاب أبي عبد الله القاضي وغيره ....).

٥٥٨

وولي سعيد بن العاص بن أمية بعد الوليد ، فغزا الديلم ومصر وقزوين فصارت مغزى أهل الكوفة.

وكان موسى الهادي لما صار إلى الري أتى قزوين وأمر ببناء مدينة إزاءها فهي تعرف بمدينة موسى. وابتاع أرضا تدعى رستم آباذ فجعلها وقفا على مصالح المدينة. وكان عمرو الرومي يتولاها ، ثم تولاها من بعده محمد بن عمرو. وكان مبارك التركي بنى حصنا بها وسماه المباركية وبه قوم من مواليه.

وحدث محمد بن هارون الأصبهاني (١) قال : اجتاز الرشيد بهمذان وهو يريد [١٤٦ ب] خراسان ، فاعترضه أهل قزوين وأخبروه بمكانهم من بلد العدو وعنائهم في مجاهدتهم وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القصبة ، فسار إلى قزوين ودخلها وبنى مسجد جامعها واسمه إلى اليوم مكتوب على بابه في لوح حجر. وابتاع بها حوانيت ومستغلات وأوقفها على مصالح المدينة وعمارة قبتها وسورها فهي تنفق عليها ويبنى منها ما استرمّ بغلتها إلى هذا الوقت.

قال : وصعد في بعض الأيام القبة التي على باب المدينة وهي عالية جدا ، فأشرف على الأسواق ، ووقع النفير في ذلك الوقت ، فنظر إلى أهلها وقد أغلقوا حوانيتهم وأخذوا سيوفهم وتراسهم وجميع أسلحتهم وخرجوا على راياتهم وساروا نحو العدو. فاستحسن ذلك منهم وأشفق عليهم وقال : هؤلاء قوم مجاهدون يجب أن ننظر لهم. فاستشار خواصه في ذلك ، فكل واحد منهم أشار بما عنده فقال هو : أصلح ما يعمل بهؤلاء أن يحط عنهم الخراج وتجعل لهم وظيفة القصبة. فجعلها عشرة آلاف درهم في كل سنة مقاطعة.

وكان القاسم بن الرشيد (٢) ولي جرجان وطبرستان وقزوين ، فألجأ إليه أهل

__________________

(١) الاصبهاني هذا شيخ من شيوخ البلاذري حيث قال في فتوح البلدان ٣١٩ (حدثني محمد بن هارون الاصبهاني ...).

(٢) يتطابق مع ما في فتوح البلدان ٣١٩.

٥٥٩

زنجان ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم وكتبوا له عليها الأشرية (١) وصاروا له فلاحين.

وكان القاقزان عشريا لأن أهله أسلموا عليه وأحيوه بعد الإسلام ، فألجأوه أيضا إلى القاسم على أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال فصار في الضياع أيضا.

ولم تزل دستبى على قسميها : بعضها إلى الري وبعضها إلى همذان إلى أن سعى رجل من ساكني قزوين من بني تميم يقال له حنظلة بن خالد ويكنى أبا مالك ، في أمرها ، حتى صيرت كلها إلى قزوين. فسمعه رجل من أهل قزوين وهو يقول : كوّرتها وأنا أبو مالك. فقال له بل أتلفتها وأنت أبو هالك (٢).

وقد روت الحشوية في فضائلها أخبارا كثيرة لا يصححها الثقات والحفاظ [وأنا أوردها هنا](٣) لتكون فائدة في الكتاب.

قال أبو مجالد الصنعاني : قزوين وعسقلان العروسان [١٤٧ أ] شهداؤهما تزف إلى الله يوم القيامة.

وروي عن أبي هريرة [وابن عباس](٤) قال : كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوما فرفع بصره إلى السماء كأنه يتوقع شيئا ثم بكى حتى جرت دموعه على خده وجعلت تقطر من أطراف لحيته وهو يقول : رحم الله إخواني بقزوين ـ ثلاث مرات ـ. قلنا : يا رسول الله ، من إخوانك بقزوين الذين رققت لذكرهم وترحّمت عليهم ، وما قزوين هذه؟ قال : هي مدينة من أرض الديلم وستفتح عليكم ويكون بها رباط.

__________________

(١) في الأصل : الأشربة. والتصحيح من فتوح البلدان.

(٢) إلى هنا ينتهي التطابق مع البلاذري.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) في المختصر فقط.

٥٦٠