البلدان

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]

البلدان

المؤلف:

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٠

بناء أحسن منها ، هل في استطاعتك ذلك؟ قال : نعم. قال : والله لأتركنّك لا تبني لأحد مثلها ولا دونها ولا أحسن منها. ثم تركه عليها وانصرف هو وأصحابه سائرين.

وكانت هذه البني قد بناها في فلاة ليس بقربها أحد ، وإنما عمرت القرية التي فيها بعد ذلك. فقال : أيها الملك ، قد كنت أرجو منك الحباء والكرامة. فإن كنت لا بدّ قاتلي فلي حاجة ما على الملك فيها مشقة. قال : وما هي؟ قال : يأمر الملك أن أعطى خشبا لأعمل لنفسي مكانا أكون فيه حتى يأتيني الموت لئلا تمزقني العقبان والنسور وسائر طيور الجو وجوارحه. قال : أعطوه ما سأل. فأعطي خشبا ـ وكانت معه آلة النجارة ـ فعمل لنفسه أجنحة من خشب جعلها مثل الريش وضمّ بعضها إلى بعض. فلما كان في بعض الليالي ـ وكانت ليلة ذات ريح ـ شدّها على نفسه [وبسطها حتى] (١) دخل الريح فيها فحملته حتى ألقته إلى الأرض صحيحا لم يصبه شيء. وهرب فلم يقدر عليه. واتصل خبره بسابور فقال : قاتله الله! ما كان أحكمه وأصنع كفيه.

قال : فالمنارة قائمة في هذه القرية إلى يومنا هذا مشهورة المكان. ولشعراء همذان وغيرهم [١٣٤ أ] فيها أشعار لم نكتب شيئا منها لركاكتها وقلة الجيد فيها. وفي ذلك يقول بعضهم (٢) :

رأيت بناء الناس في كل بلدة

فلم أر بنيانا كذات الحوافر

بناء عجيبا لم ير الناس مثله

ولا سمعوه في الدهور الغوابر

ناووس الظبية وقصر بهرام جور

وعلى فراسخ يسيرة من همذان ناووس الظبية وقصر بهرام جور بقرية يقال لها جوهسته. والقصر كله حجر واحد منقور بيوته ومجالسه وخزائنه وغرفه وشرفه

__________________

(١) تكملة من ياقوت (منارة الحوافر).

(٢) هذان البيتان وردا في المختصر فقط.

٥٢١

وسائر حيطانه. فإن كان مبنيا من حجارة مهندمة قد لوحك بينها حتى صارت كأنها حجر واحد ، لا يتبين منها مجمع حجرين ولا ملتقى صخرتين. فهذا عجب وأمر حسن جدا. وإن كان حجرا واحدا. فكيف نقرت بيوته وخزائنه وممراته ودهاليزه وشرفات سوره. وهذا أعجب وأعظم من أن يكون من حجارة شتى لأنه عظيم جدا كبير المجالس والخزائن والغرف.

وفي مواضع منه كتابة بالفارسية يقرأها من كان يعرف الخط الفارسي. وهي أخبار ملوكهم وشيء من سيرهم وتدبيرهم. وفي كل ركن من أركانه صورة جارية عليها كتابة.

وعلى مقدار نصف فرسخ من هذا القصر ، ناووس الظبية ، وهو على تل مشرف وحوله عيون كثيرة وأنهار غزيرة.

وكان السبب في أمره أن بهرام جور خرج متصيدا ومعه جارية كانت من أحظى جواريه عنده وأقربهن من قلبه (١). فلما فرغ من صيده نزل على هذا التل فتغدى وقعد يشرب مع الجارية. فلما أخذ فيه الشراب قال لها : تشهّي عليّ شيئا أبلغك إياه. فنظرت إلى سرب ظباء. فقالت الجارية : ان تجعل بعض ذكورة هذه الظباء مثل الإناث ، وتجعل بعض إناثه مثل الذكورة ، وترمي ظبية من ظبائه فتصل ظلفها مع أذنها. فورد على بهرام أمر بقي فيه متحيرا ثم قال : إن لم أفعل ذلك عيّرني الملوك وغيرهم من سائر الناس وقالوا امرأة تشهّاها شيئا ثم لم يقدر عليه. ثم أخذ الجلاهق ورمى الظبية ببندقة فأصاب أذنها ، فرفعت ظلفها لتحك أذنها فانتزع سهما فخاط به أذنها مع ظلفها. ثم ركب فرسه إلى السرب فأقبل يرمي [١٣٤ ب] الذكور ذوات القرون بنشّاب له ذو شاخين فيقتلع القرون بذلك ، ويرمي الإناث متعمدا رؤوسها فتنبت سهامه فيها فتصير كأنها قرون. فلما بلغ من ذلك ما أرادت الجارية انصرف فذبح الجارية ودفنها مع الظبية وبنى عليهما ناووسا من

__________________

(١) في تاريخ غرر السير ٥٤٢ ان اسمها آزادوار الصّناجة وان بهرام جور قد رمى بها إلى الأرض وأوطأها ناقة فاندقت وقيل إنها ماتت ، ولم يذبحها كما قال ابن الفقيه.

٥٢٢

حجارة وكتب عليه الخبر [وقال : إنما قتلت الجارية لأنها قصدت تعجيزي وكادت تفضحني] (١). وهذا الناووس إلى وقتنا هذا معروف مشهور يسمى بناووس الظبية.

أنشدني بعضهم فيه (٢) :

عجبت لبهرام ومن ذات ظبية

تجوب وتغدو بين قفر السباسب

وبهرام مع حوراء عين كأنّها

أيا الشمس أصبت بين عشب المغارب

فقالت له الحوراء دونك فأرمها

وصكّ بسهم من سهام الشصائب

مجامع أذنيها وأسفل ظلفها

فلا عذر إن خالفت يا ابن الأشاهب

فأرسل سهما صكّ منها الّذي بغت

وقام إليها مغضبا بالقواضب

وقال آخر في طويلة له :

ولا أرى ملكا تجبو الملوك له

بالسند والهند والمعمور بالصين

ولا أرى أردشير الفارسيّ ولا

كسرى شهنشاه إذ يلهو بشيرين

إذ قالت القينة الورهاء إذ نظرت

إلى غزال تناغي ربرب العين

ما دون جمعك ظلفيها بنافذة

سكّا إلى قرنه بهرام يرضيني

فذعّر الملك وارتجّت فرائصه

من قول صنّاجة قالت بتهجين

فراصد الظّبي حتّى حكّ سامعه

منه بظلف على قرن وأذنين

فسكّ ظلفيه بالمدرى وسامعه

بذي غرار طرير النّصل مسنون

[وقال عبد الرحمن بن الأزهر] (٣) : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يدعو ويقول : اللهم لا تدركني أبناء الهمذانيات والاصطخريات ، وعدّد قرى من قرى فارس الذين معهم قلوب العجم وألسنة العرب.

__________________

(١) تكملة من آثار البلاد ٤٦٥.

(٢) انفرد المختصر بهذه القطعة.

(٣) من المختصر فقط.

٥٢٣

وذكر بعض أهل العلم أن همذان هذه التي ذكرها عمر رضي الله عنه هي قرية من قرى إصطخر وليست همذان الجبل.

وفي الخبر ، أن همذان لا تخرب إلّا بسنابك الخيل.

ويروى عن جعفر بن محمد رضي الله عنه أنه قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء والأرض إلّا أربعة أماكن : دمشق وال ... رة (١) وهمذان وبلخ.

وروي عن كعب أنه قال : نجد في الكتب أن الأرض كلها تخرب قبل الشام بأربعين سنة. فمكة تخربها الحبشة ، والمدينة ، الجوع. والبصرة ، الغرق. والكوفة ، الترك. والجبال ، الصواعق. وخراسان بأنواع العذاب.

فمدينة بلخ (٢) تصيبها رجفة ورعدة ثم يغلب عليها الماء فيهلك أهلها.

وأما مدينة الخلم (٣) فتصيبها رجفة تجعل عاليها سافلها.

وأما الترمذ فإن أهلها يفنيهم الطاعون.

وأما الصغانيان وباشجرد (٤) فيفنون بقتل من عدوّ يغلب عليهم.

وأما سمرقند فتغلب عليها بنو قنطوراء (٥) بن كركر فيقتلون أهلها قتلا ذريعا. وكذلك الشاش وفرغانة وأسبيجاب وخوارزم. فتصير جميع هذه المدن خرابا يبابا كلها كأنها جوف حمار.

وأما بخارا فهي أرض الجبابرة يصيب أهلها نحو ما أصاب خوارزم ثم يموتون جوعا وعطشا.

__________________

(١) الكلمة مطموسة.

(٢) في البدء والتاريخ ٤ : ١٠٤ (وبلخ يصيبها رجة وهذه فيغلب عليها الماء فتهلك).

(٣) الخلم : بلدة بنواحي بلخ على عشرة فراسخ من بلخ. وهي بلاد للعرب نزلها الأسد وبنو تميم وقيس أيام الفتوح (معجم البلدان ٢ : ٤٦٥).

(٤) في الأصل : راشجرد.

(٥) في البدء والتاريخ ٤ : ١٠٤ قيطورا.

٥٢٤

وأما مرو فيغلب على أهلها الرمل.

وأما الهراة فتمطر حيات يكون بها فناء أهلها.

وأما نيسابور فيصيب أهلها رعد [١٣٥ أ] وبرق وظلم فيهلك أكثرهم.

وأما الري فيغلب عليها الديلم [والطبرية].

وأما آذربيجان وأرمينية فيهلكون بالجيوش والصواعق والحروب ، ويلقون من الشدائد ما لا يلقاه غيرهم.

وأما حلوان فتهلك بهلاك بغداد من رياح عواصف وأمطار عظيمة.

وأما الكوفة فيهلكها السفياني.

وأمّا مصر فيهلكها رجل يقال له ناجية من بني جهينة. فويل لأهلها وأهل دمشق وأهل إفريقية وأهل الرملة منه ، ويحاول دخول بيت المقدس فيمنعه الله منه.

وأما سجستان فرياح تعصف عليهم أياما ثم تجيئهم ظلمة عظيمة تتبعها هوة عالية تتصدع لها جبالها وقلوبهم فيختلف عامتهم بذلك.

وأما كرمان وإصبهان وفارس فيتلفهم الجراد وجور السلطان.

وخراب السند من قبل الهند.

وخراب التبت من قبل الصين. [وخراب خراسان من قبل التبت] (١).

وخراب الشام من ملحمة كبيرة تحل بها. وعند خرابها تفتح القسطنطينية على يد رجل من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وخراب الأندلس من قبل الزنج (٢).

وقد قيل إن خراب مصر من انقطاع النيل.

__________________

(١) في المختصر فقط.

(٢) في البدء والتاريخ ٤ : ١٠٤ : الريح.

٥٢٥

وخراب همذان من الديلم (١) ، يدخلونها فيخربونها فلا همذان بعدها.

والله أعلم.

__________________

(١) في البدء والتاريخ : الديلم والطبرية.

٥٢٦

القول في نهاوند

قال أبو المنذر هشام بن السائب الكلبي : سميت نهاوند لأنهم وجدوها كما هي. ويقال إنها من بناء نوح عليه السلام ، وإنما اسمها نوح أوند ، فخففت ، وقيل نهاوند. وهي أعتق مدينة في الجبل.

قال : كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين. ويقال إن حذيفة حاصر نهاوند فكان يقاتل أهلها. فقاتلهم يوما قتالا شديدا. فاتبع سماك بن عبيد العبسي رجلا منهم ليقتله فلما رهقه ألقى سلاحه واستسلم ، فأخذه أسيرا. فأقبل يتكلم بالفارسية ، فأحضروا ترجمانا فقال : يقول : اذهبوا بي إلى أميركم حتى أصالحه على المدينة وأؤدي إليه [١٣٥ ب] الجزية وأعطيك أنت ما شئت فقد مننت عليّ إذ لم تقتلني. فقال له ما اسمك؟ قال : دينار.

فانطلقوا به إلى حذيفة فصالحه على الخراج والجزية من أهل نهاوند على أموالهم وأنفسهم وذراريهم وسميت نهاوند يومئذ ماه دينار (١).

وقال المبارك بن سعيد عن أبيه قال : نهاوند فتوح أهل الكوفة ، والدينور من فتوح أهل البصرة. فلما كثر الناس بالكوفة احتاجوا إلى أن يزادوا من النواحي التي قد صولح على خراجها ، فصيرت لهم الدينور ، وعوّض أهل البصرة نهاوند لأنها قرية من إصبهان ، فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة ، فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة [وذلك في أيام معاوية بن أبي سفيان] (٢).

__________________

(١) واقعة فتح نهاوند بهذا الشكل موجودة في فتوح البلدان ٣٠٣.

(٢) ما بين عضادتين من المختصر فقط.

٥٢٧

وعلى جبل نهاوند طلسمان (١) وهما صورة سمكة وثور من ثلج ، لا يذوبان في شتاء ولا صيف. يقال إنهما للماء لئلا يقلّ بنهاوند. فماؤهما نصفان : إليها ، والنصف الآخر إلى دينور واليشتر (٢).

__________________

(١) في الأصل طلسمين.

(٢) لدى ياقوت (٤ : ٨٢٧) الذي نقل مادة نهاوند عن ابن الفقيه : (رستاق يقال له الأشتر).

٥٢٨

القول في إصبهان

وأما إصبهان فقال ابن الكلبي : سميت أصفهان بأصفهان بن الفلوج بن سام بن نوح.

وحدّث ابن عيينة قال : سمعت ابن شبرمة يقول له : يوم وليلة بالحيرة خير من دواء سنة. فحدثت بهذا الحديث محمد بن موسى بن الوزير ، قال : نوم ليلة بأصبهان خير من دواء سنتين.

ويروى عن سعيد بن المسيب أنه قال : لو لم أكن من قريش لأحببت أن أكون من فارس ثم من إصبهان (١).

[وقال الكلبي : وكان جد أبي دلف ، القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل العجلي يعالج العطر ويجلب الغنم. فقدم الجبل في عدة من أهله فنزلوا قرية من قرى همذان ، فأثروا واتخذوا الضياع. ووثب إدريس بن معقل على رجل من التجار كان عليه مال فخنقه وأخذ ماله. فحمل إلى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بن عمر الثقفي العراق ، في زمن هشام بن عبد الملك. ثم إن عيسى بن إدريس نزل الكرج ، وغلب عليها وبنى حصنها ، وقويت حال أبي دلف وعظم شأنه عند السلطان ، فكبّر الحصن وزاد فيه وسماها الكرج. فقيل كرج أبي دلف. فالكرج اليوم مصر من الأمصار. وكانت من قبل من رستاق إصبهان. فهي اليوم مفردة برأسها تسمى الإيغارين] (٢).

__________________

(١) في طبقات المحدثين بأصفهان ١ : ٣٠ «.... أن أكون من أهل فارس أو من إصبهان».

(٢) ما بين عضادتين في فتوح البلدان ٣١٠ وانفرد به مختصر البلدان.

٥٢٩

ولما ارتحلت اليهود من بيت المقدس هاربين من بخت نصر ، حملوا معهم من تراب بيت المقدس ومائه فكانوا لا ينزلون منزلا ولا يدخلون مدينة إلّا وزنوا ماءها وترابها. فما زالوا حتى دخلوا أرض إصبهان ، فنزلوا ووزنوا الماء والطين الذي في ذلك المكان فكان مثل الذي معهم من تراب بيت المقدس ومائه. فعندها اطمأنوا وأخذوا في الأبنية والعمارات وتوالدوا وتناسلوا وسمي المكان بعد ذلك. باليهودية وفيه يعرف إلى هذا الوقت.

فأما مدينة إصبهان فاسمها جيّ وبناها الإسكندر على مجرّ حيّة [١٣٦ أ]. فالبناء قائم إلى يومنا هذا معوج.

ويقال إنه كان بنى سورها مرارا كثيرة ، مربعا ومدوّرا فكان إذا فرغ منه تساقط وغيره من أبنية البلد. فآلى على نفسه أن لا يبرح أو يبنيها. فرأى في بعض الأيام حية قد جاءت فدارت حول السور مسرعة ثم انصرفت. فأمر أن يرسم السور على مجرّها. ففعل ذلك فثبت البناء ولم يقع.

وإصبهان من فتوح أبي موسى الأشعري في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال الشعبي : لما انهزم يزدجرد من المدائن صار إلى نهاوند. فلما انهزم منها انتخب من عسكره ألف أسوار وألف خبّاز وألف طباخ وألف صاحب حلواء (١) ثم مضى حتى نزل مرو. فلما قتل بها صارت الأساورة إلى بلخ ، فأهلها أشجع أهل خراسان. وصار الطباخون إلى هراة. فأهلها أحذق الناس بألوان الطبخ. وأقام الخبازون بمرو فأهلها أجود الناس خبزا ، ولهم ضروب منه لا توجد في غير بلدهم. وصار صاحب الحلوى إلى إصبهان ، فهم أحذق الناس باتخاذ الحلوى.

وقال الهيثم بن عدي : لم يكن بفارس أقوى من أهل كورتين : واحدة سهلية وأخرى جبلية. أمّا السهلية فكسكر ، وأما الجبلية فأصبهان. وكان خراج كل كورة

__________________

(١) في المختصر : وألف صناجة. والأسوار : كلمة يطلقها الإيرانيون القدماء على البطل الشجاع الحر (فرهنگ معين).

٥٣٠

اثني عشر ألف ألف مثقال. وكانت مساحة إصبهان ثمانين فرسخا في مثلها. وهي ستة عشر رستاقا في كل رستاق ثلاثمائة وستون قرية قديمة سوى المحدثة. وهي جي وماربين ، والنجان ، والبراءان ، وبرخوار ، ورويدشت ، وأردستان ، وكروان ، وبرزاريذ ، وفريدين ، وقهستان ، وقامدار ، وجرم كاسان والتيمرة الكبرى والتيمرة الصغرى ، ومكاهن الداخلة.

قال : وخراج إصبهان وقم بستة عشر ألف ألف درهم بالكفاية على أنه لا مؤونة على السلطان. وكان [١٣٦ ب] كيكاوس الملك ملّك عليها جودرز في زمن الفرس.

قمّ

ويقال : إن الذي بنى مدينة قم ، قمسار بن لهراسف.

وروى أبو موسى الأشعري قال : سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن أسلم المدن وخير المواضع عند نزول الفتنة وإظهار السيف. فقال : أسلم المواضع يومئذ أرض الجبل. فإذا اضطربت خراسان ووقعت الحرب بين جرجان وطبرستان فأسلم المواضع يومئذ قصبة قم ، تلك التي يخرج منها أنصار خير الناس أبا وأما وجدّا وجدة وعما وعمة ، تلك التي تسمى الزهراء ، بها قدم جبريل يوم نزل إلى قوم لوط. وهو الموضع الذي ينبع منه الماء الذي من شرب منه أمن من الداء العضال. ومن ذلك الماء عجن المسيح الطير الذي يعمل منه كهيئة الطير. ومنه يغتسل المهدي (١). وخرج كبش إبراهيم عليه السلام ، وعصا موسى وخاتم سليمان عليهم السلام.

هي أعظم المدن شأنا وأكبرها سلطانا ، فيها الأمن والخصب والعز والسطوة والظفر وصحة الأهل وطيب الهواء.

وبقم من الرساتيق والطساسيج : طسوج لنجروذ ، وطسوج روذبار ، وطسوج

__________________

(١) في المختصر (الرضا) بدلا من (المهدي).

٥٣١

ابرشتيجان ، وطسوج سجاران ، وطسوج سراجه ، وطسوج وراكروذ.

رستاق الجبل ، رستاق ساوه. رستاق جرّى [وسيا ، وسوميلادجرد] وغير ما ذكرنا من الطساسيج والرساتيق. [وأخبرني محمد بن أبي مريم قال :]

مبلغ خراج قم ومما في ذلك من الاحتسابات وما على آل عجل ومن في ناحيتهم وعلى أهل الأطراف من الورق : ثلاثة آلاف ألف ومائتا ألف وعشرون ألف وثلاثون درهما.

[وما على الضياع المنقولة إلى هذه الكورة : مائتا ألف وعشرون ألفا وثلاثمائة وثلاثون درهما]. فجميع ذلك ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وأربعون ألفا وثلاثمائة وثلاثون درهما. [قيمتها على صرف سبعة عشر بدينار : مائتا ألف وألفان وخمسمائة وتسعة وأربعون دينارا] (١).

ولمّا أمر قباذ بليناس بأن يطلسم آفات بلاده ، مضى إلى قم فاتخذ آبارا بإزاء ملاحتها إلى جانب شجرة الملاحة طلسما ليدوم جريان عين الملاحة ولا ينقطع ما لم يحظر عليه. فإن حظر أو منع الناس جفّ ولم يجر.

وهذه العين يجري ماؤها ، كلما بعد عنها جمد وصار ملحا ، فجاء يأخذه أهل تلك البلاد.

وعمل فيها طلسما آخر ليخفي معدن ذهب وفضة كانا هناك ، لأن الفلاحين كانوا يشتغلون. بهما عن أعمالهم.

وعمل طلسما آخر للحيات والعقارب ، وكان أهلها يلقون من ذلك أذى شديدا ، فانحازت إلى جبل بالقرب منها فما يقدر أحد إلى هذا الوقت يجتاز فيه من كثرة الحيّات والعقارب.

ثم مضى إلى فراهان وفيها سبخة تبتلع البعير بحمله والفرس براكبه. فاتخذ حولها طلسمين فاستراح المجتازون فيها من الغرق.

__________________

(١) في المختصر فقط كل ما مرّ مما هو بين عضادتين.

٥٣٢

ولما ملك طهمورث بنى بأرض إصبهان في رستاق ماربين ورويدشت.

وفي ملك فيروز بن يزدجرد بن بهرام أقحط الناس ولم يمطروا سبع سنين. فاتصل بفيروز أن رجلا مات في قرية [جوانق] من بعض الرساتيق ، فخشي أن يكون مات جوعا. فأنفذ نقيبه إلى دار ذلك الرجل ففتشها ووجد فيها ثلاثة جرابي كبار مملوءة حنطة فأخبر الملك بذلك ، فأعطاه أربعة آلاف درهم وقال : الحمد لله الذي قطع المطر عن أهل مملكتي سبع سنين ولم يمت إنسان منهم جوعا.

[وكانت جوانق ماهية ، وكانت لقوم لهم أخطار ، فسألوا فيروز أن يصير جوانق إلى إصبهان ففعل ذلك] (١). ثم مطر الناس ماه فروردين وروز آبان فصبوا الماء بعضهم على بعض فصارت سنّة إلى اليوم في الصب بعضهم على بعض في ماه وهمذان وإصبهان والدينور وهذه الناحية.

وواد بها [يسمى] زرن روذ يخرج من قرية يقال لها بناكان يمر بقرية يقال لها در ثم إلى قرية يقال لها دنبه. وتصب إلى هذه القرية مياه كثيرة ، فيكثر الماء هناك ويعظم أمره ويسقي الرساتيق والقرى ثم يغور في رمل [في آخرها] ويخرج بكرمان على ستين فرسخا من الموضع الذي يغور فيه فيسقي أرض كرمان ثم يصب في البحر الشرقي. وكانت معرفتهم بهذا الماء الذي يغور في الرمل وهو الذي يخرج بكرمان. فاستدلّوا بذلك على ما ذكرنا.

ولبعضهم في عذوبة ماء إصبهان :

لست آسى من إصبهان على شيء

سوى مائها الرحيق الزلال

ونسيم الصبا ومخترق الريح

وجوّ صاف على كل حال

ولها الزعفران والعسل الماذيّ

والصافنات تحت الجلال

وقال آخر [١٣٧ ب] :

لست آسى بأصبهان لشيء

أنا أبكي عليه عند رحيلي

__________________

(١) من المختصر.

٥٣٣

غير ماء يكون بالمسجد الجا

مع صاف مروّق مبذول

وقال بعضهم : رأيت في غرفة ببعض الخانات التي في طريق إصبهان مكتوبا :

قبّح السالكون في طلب الرّ

زق على ايذج إلى أصبهان

ليت من زارها فعاد إليها

قد رماه الإله بالخذلان

ويقال إن بليناس لما أراد دخول إصبهان ليطلسم آفات مدينتها ، اجتاز ببعض رساتيقها وقد أضرّ الماء بزروع أهله ، فشكوا ذلك إليه ، فاتخذ لهم طلسما في جوف بئر إذا احتاجوا إلى الماء فاضت بماء غزير. فإذا استغنوا منه ، تراجع إلى البئر وغار فيها حتى يحتاجوا إليه فيخرج.

ثم اتخذ بأصبهان طلسما للهوام فقلّت.

واتخذ بروذدشت طلسما لينضب ماؤهم في الصيف ويفيض عليهم في الشتاء فيضرّ بهم ويؤذيهم. وذلك أنهم أغضبوه.

وعمل طلسمين أحدهما تحت باب من أبواب المدينة ، والآخر إلى جانب شجرة بينها وبين المدينة فرسخ. فإذا فتح ذلك الباب وقع الوباء في أهل المدينة ، وإذا قطع غصن من أغصان تلك الشجرة ارتفع الوباء.

وعمل طلسما للفجور وفساد النساء ، فليس الزنى ببلد من البلدان أظهر منه بها. وإنما دعاه إلى ذلك أن أهلها أفسدوا غلامه. ثم لم يقنع بذلك حتى عمل على طرقهم وهي سبع طرق ، سبع طلسمات للخوف ، فطرقهم مخوفة أبدا.

ويقال : لم يبن بالجصّ والآجر بناء أبهى من إيوان كسرى الذي بالمدائن ، ولا بالحجارة أحسن من قصر شيرين. وبازرميدخت أيضا بناء عجيب. ولا بني باللبن والطين أبهى ولا أحسن ولا أعجب من بناء بأصبهان في رستاق من رساتيقها يقال له نيمور.

وبأصبهان قرية يقال لها انباجن ، عند أهلها خرزة [خضراء آسمانجونية]

٥٣٤

يزعمون أنها طلسم للبرد. فإذا كان أيام الربيع وخافوا على [١٣٨ أ] زروعهم وثمارهم البرد ، أخرجوا تلك الخرزة ونصبوها على قناة في موضع معروف عندهم فيسمع من جوفها دويّ كدويّ الريح. فيقال إن البرد ليجيء في صحاريهم وفي الغامر من أراضيهم ، ولا يصيب العامر من أرضهم وزروعهم شيء. وزعموا أن الخرزة آسمانجونية تضرب إلى خضرة (١).

وقال زياد بن رباح : دخل رجل على الحسن البصري فقال له : من أين أنت؟ قال : من أهل إصبهان. قال : الهرب ثم الهرب من بين يهودي ومجوسي وآكل ربى.

وأنشد لمنصور بن باذان :

فما أنا من مدينة أهل جيّ

ولا من قرية القوم اليهود

وما أنا عن رجالهم براض

ولا لنسائهم بالمستزيد

ويقال : لو فتّش نسب رجل فيها من التجار والتنّاء لم يكن بدّ من أن تجد في أصله ونسبه حائكا أو يهوديا (٢).

وذكر بعض من قد جال في البلدان وشاهد المدن أنه لم ير مدينة أكثر من زان ولا زانية من أهل إصبهان.

[وأنشد أبو محمد العبدي لنفسه (٣) :

لمن طلل تعاجم عن جوابي

لقد فصحت دموعك بانسكاب

قف العبرات إنّ دما ودمعا

يصوب بربعهم فمن الصواب

__________________

(١) في ذكر أخبار إصبهان ١ : ٣٢ : «من خواص إصبهان ، خرزات في قرى معينة بقاسان ورويدشت. إذا غشيتهم سحابة ببرد ، أخرجوا تلك الخرز وعلّقوها من أطراف حصونها فتنقشع السحابة عنها وعن صحرائها من ساعتها. وتسمى هذه الخرزة بلغتهم مهره تذرك». وانظر : محاسن أصفهان ص ١٦.

(٢) لدى ياقوت (إصبهان) عزى هذا القول لمنصور بن باذان.

(٣) هذه القطعة في المختصر فقط.

٥٣٥

ألم يحزنك من ولعان دهر

تعنّته بأطلال الرّباب

ليالي من أحبّ إذ الليالي

بقربهم كأيّام الشباب

فأبدلني النّوى من حسن ليلي

ليالي مثل أيّام الكلاب

على بلد أصبهان وساكنيها

لعائن والدّمار على الكلاب

ولا صبّ الصّبا يوما إليها

ليسحب ذيل غادية السّحاب

أحاول دهرها بالسيف طورا

وطورا بالبلاغة والحساب

فلا في ذاك يفلح قدح نجح

ولا في ذين يغنم باكتساب

وكيف ينال مثلي النّجح فيها

وقد شحنت بأولاد القحاب]

وفي بعض الخبر أن الدجّال يخرج من إصبهان. وفي الحديث أن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة أهبط بالهند على جبل سرنديب ، وأهبطت حواء بجدّة وإبليس [اللعين] بميسان والحية بأصبهان.

وزعم بعض أصحاب الأخبار أنه لم ير في مدن الجبل مدينة أعذب ماء ولا أقل هواما ولا أطيب هواء ولا أصح تربة من إصبهان.

وذكروا أن الحنطة وسائر الحبوب ربما أقامت في البيوت والأهراء سنة وأكثر فلا تتغير ولا تفسد ، وكذلك أيضا جميع الفواكه والمأكولات ولا تغير فيها القدور المطبوخة ولو أقامت أياما كثيرة.

فأما الميت فإنه يبقى في قبره المدة الطويلة والسنين الكثيرة لا يبلى ، لصحة التربة وطيب الندرة.

ولهم الثياب العتابي والسعيدي والوشي وأنواع الثياب القطنية والملحم وغير ذلك. والملح الأصبهاني موصوف في جميع بلدان الدنيا وكذلك الأشنان. والله أعلم بالصواب [١٣٨ ب].

٥٣٦

القول في الري والدنباوند

قال ابن الكلبي : سميت الريّ برويّ من بني بيلان بن إصبهان بن فلوج بن سام. قال : وكان في موضع المدينة بستان. فخرجت بنت روي يوما إليه فإذا هي بدراجة تأكل تينا فقالت : بورأنجير. يعني أن الدراجة تأكل تينا. فاسم المدينة في القديم بورأنجير. ويغيرونه أهل الري فيقولون بهزويد.

وقال لوط بن يحيى (١) : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمار بن ياسر ـ وهو عامله على الكوفة ـ بعد شهرين من فتح نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الري ودستبى في ثمانية آلاف ، ففعل. وسار عروة لذلك. فجمعت له الديلم ، وأمدّهم أهل الري ، وقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واجتاحهم.

وقال جعفر بن محمد الرازي (٢) : لما قدم المهدي الريّ في خلافة المنصور ، بنى مدينة الري التي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا. وجرى ذلك على يد عامر بن الخصيب ، وكتب اسمه على حائطها. وتمم عليه سنة ثمان وخمسين ومائة وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آخر وسماها المحمدية. فأهل الري يدعون المدينة الداخلة : المدينة. ويسمون الفصيل : المدينة الخارجة. والحصن المعروف بالزنبدي في داخل المدينة المعروفة بالمحمدية. وقد كان

__________________

(١) البلاذري : فتوح ٣١٣.

(٢) هو جعفر بن محمد الجرجاني الرازي الخواري ، أبو عبد الله. (مجمع الرجال ٢ : ٣٦) وروايته عن قدوم المهدي إلى الري لدى البلاذري ٣١٥.

٥٣٧

المهدي أمر بمرمّته ونزله أيام مقامه بالري ، وهو مطلّ على المسجد الجامع ودار الإمارة.

ويقال إن الذي تولى مرمته وإصلاحه ميسرة التغلبي ـ وكان من وجوه قواد المهدي ـ ثم جعل بعد ذلك سجنا ثم خرب. فعمره رافع بن هرثمة في سنة ثمان وسبعين ومائتين ثم خربه أهل الري بعد خروج رافع عنها.

قال (١) : وبالري أهل بيت يعرفون بآل الحريش لهم رفضة وأبنية حسنة. وكان نزولهم الري بعد بناء المدينة المحدثة.

قال : وكانت الري تدعى في الجاهلية أزاري. فيقال إنه خسف بها ، وهي على اثني [١٣٩ أ] عشر فرسخا من موضع الري اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الري. وفيها أبنية قائمة إلى اليوم تدل على أنها كانت مدينة عظيمة.

وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الري يقال له البهزان بينه وبين الري ستة فراسخ ، يقال إن الري هناك كانت. وحدثني من رأى أثر الحوانيت والأسواق بها.

ولا يزال الحرّاثون ومن عرفها يجدون قطع الذهب وربما وجدوا اللؤلؤ واليواقيت وغير ذلك من هذا النوع.

والري العتيقة المعروفة قد خربت أيضا. وكان المهدي في حياة المنصور حيث وجهه إلى خراسان ، نزل في موضع منها يقال له السيروان وبنى فيها أبنية حسنة بعضها قائم إلى هذا الوقت.

وفي قلعة الفرخان بالري يقول الغطمش الضبي وكان ديوانه هناك فكان لا يعدم في كل يوم أن يصاح بالنفير :

__________________

(١) ما يزال القول للرازي وهو في فتوح البلدان ٣١٥.

٥٣٨

على الجوسق الملعون بالريّ لا بني

على رأسه داعي المنيّة يلمع (١)

وبالري مات محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة [وعنه أخذوا الفقه] (٢). ودخلها سعيد بن جبير فلقيه الضحاك وكتب عنه التفسير.

وكان عمرو بن معديكرب الزبيدي غزا الري فلما انصرف توفي فدفن فوق روزه وقوسنة بموضع يسمى كرمانشاه.

وبها مات الحجاج بن أرطاة النخعي سنة ثمان وأربعين ومائة. وكان شخص إليها مع المهدي.

وبها توفي الكسائي المقري واسمه علي بن حمزة ، وكان شخص إليها مع الرشيد وهو يريد خراسان.

وبها مات محمد وأحمد ابنا خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني. وكان موت أحمد بها في ولاية موسى بن بغا سنة سبع وخمسين ومائتين ، وموت أخيه محمد في أيام المعتضد والمكتفي مقيم بالري في سنة إحدى وثمانين ومائتين. وكان محمد بن خالد في الوقت الذي اتخذ المعتصم الأتراك ، وأخذ الجند والقواد أن يلبس السيوف بمعاليق ويترك الحمائل إلى الايزون من الري ، ولا يطأ بساط خليفة ولا يخدم السلطان والأتراك دولة. واحتجب عن الناس. ويقال إنه لبس برقعا فأغمضت الخلفاء له عن ذلك لجلالته وعظيم خطره.

فلم يزل [١٣٩ ب] على ذلك مستترا إلى أيام الموفق. فلما قلّد أحمد بن عبد العزيز حرب رافع وصار المكتفي إلى الري ، لقيه محمد بن خالد وأقام مديدة ثم مات.

ولم تزل وظيفة الري اثني عشر ألف ألف درهم حتى اجتاز بها المأمون منصرفه عن خراسان يريد مدينة السلام فلقيه أهلها وشكوا إليه أمرهم وغلظ

__________________

(١) فتوح البلدان ٣١٦.

(٢) من المختصر فقط.

٥٣٩

وظيفتهم ، فأسقط منها ألفي ألف درهم وسجّل بذلك لأهلها.

وقال بعض العلماء : مكتوب في التوراة : الري باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق.

قال أبو جعفر الجمال : قلت ليحيى بن حديش : سمعت ملك بن مغول يقول : نعم دار الدنيا والآخرة الري. قال : نعم.

وقال الأصمعي : الري عروس الدنيا وإليها متجر الناس وهو أحد بلدان الأرض.

وقال أحمد بن إسحاق (١) : الري طيبة الهواء عجيبة البناء ، بلد التجار ومأوى الفجار ، وهي عروس الأرض وسكّة الدنيا وواسطة خراسان وجرجان والعراق وطبرستان. ولذلك قال بعض العلماء : أحسن الأرض المخلوقة الري ولها السرّ والسربان ، وأحسنها مصنوعة جرجان وإليها تقع تجارات أرمينية وآذربيجان والخزر وبلاد برجان ، لأن تجار البحر يسافرون من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق فيحملون الديباج والخزّ [الفائق] (٢) من فرنجة إلى الفرما ، ثم يركبون إلى القلزم فيحملون ذلك الديباج إلى الصين ، ويحملون [الدار صيني والماميران]. ومتاع الصين كله حتى يصيرون إلى القلزم ثم يتحولون إلى الفرما. وهم [التجار] اليهود الذين يقال لهم الراذانية ، يتكلمون بالفارسية والرومية والعربية والإفرنجية. ويخرجون من الفرما يبيعون المسك والعود وجميع ما معهم من ملك فرنجة. وربما حملوا أمتعتهم إلى قسطنطينية ، وربما حملوا الرقيق الأندلسي من إفرنجة إلى أنطاكية ، ثم يصيرون إلى بغداد ثم إلى الأبلة.

وأما تجار الصقالبة فإنهم يحملون جلود الخزّ والثعالب من أقصى صقلبة فيجوز [ون] إلى البحر الرومي فيعشرهم صاحب الروم ، ثم يجوزون إلى خليج

__________________

(١) أحمد بن إسحاق الرازي من أصحاب الإمام الهادي (ع) (٢١٣ ـ ٢٥٤ ه‍ ـ) (جامع الرواة ١ : ٤١) وانظر مجمع الرجال ١ : ٩٥).

(٢) من المختصر.

٥٤٠