موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١ و ٢

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١ و ٢

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٣٢

٤ ـ أبو الحسين :

وشاعت هذه الكنية (١) في الأوساط الإسلامية ، فقد كنّي بولده مفخرة الإسلام والمجدّد الأعظم لدين الإسلام الإمام الحسين عليه‌السلام الذي استشهد من أجل أن يقيم في الشرق دولة القرآن ويحطّم الدولة الأموية التي استهدفت القضاء على الإسلام.

٥ ـ أبو تراب :

إنّ هذه الكنية من أحبّ الكنى عند الإمام عليه‌السلام ، فقد كنّاه بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدّة مناسبات كان من بينها ما يلي :

١ ـ روى ابن عبّاس حبر الامّة ، قال : لمّا آخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ولم يواخ بين الإمام وبين أحد منهم خرج عليّ مغضبا حتّى أتى جدولا فتوسّد ذراعه فسفت عليه الريح ، فطلبه النبيّ حتى ظفر به فوكزه برجله ، فقال له :

« قم فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب ، غضبت عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم اواخ بينك وبين أحد منهم ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، ألا من أحبّك حفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهليّة وحوسب بعمله في الإسلام » (٢).

حكت الرواية ما يلي :

أوّلا : أنّ النبيّ كنّى الإمام بأبي تراب.

ثانيا : أنّ النبيّ صرّح أنّ الإمام منه بمنزلة هارون من موسى ، فكما أنّ هارون

__________________

(١) معرفة الصحابة ١ : ٢٧٩.

(٢) مجمع الزوائد ٩ : ١١١. الفصول المهمّة ـ ابن الصبّاغ : ٢٢.

٦١

خليفة موسى ووصيّه كذلك الإمام خليفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه من بعده.

ثالثا : أنّ الرواية بشّرت محبّي الإمام بالرحمة والمغفرة والرضوان ، كما أنذرت مبغضيه بسوء العاقبة والخلود في النار.

٢ ـ روى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

« طلبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدني نائما في جدول ، فقال : ما النّوم؟ النّاس يسمّونك أبا تراب ، فرآني كأنّي وجدت في نفسي من ذلك ، فقال : قم والله لارضينّك ، أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنّتي وتبرئ ذمّتي ، من مات في عهدي فهو كبّر الله ، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبّك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهليّة » (١).

٣ ـ روى الحاكم بسنده أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجد عليّا وعمّارا في دقعاء (٢) من التراب فأيقظهما ، وحرّك عليّا فقال : « قم يا أبا تراب ألا اخبرك بأشقى النّاس؟ رجلين : احيمر ثمود عاقر النّاقة ، والّذي يضربك على هذه ـ أي على هامة رأسك ـ فيخضب هذه ـ أي لحيته ـ منها » (٣).

٤ ـ روى أبو الفضل الطفيل ، قال : جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليّ نائم في التراب ، فقال : « إنّ أحقّ أسمائك أبو تراب ، أنت أبو تراب » (٤).

٥ ـ روى عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه قال : قلت لسهل بن سعد : إنّ بعض امراء المدينة يريد أن يبعث إليك أن تسبّ عليّا فوق المنبر ، قال : أقول :

__________________

(١) الجامع الكبير ـ السيوطي ٦ : ٤٠٤.

(٢) الدقعاء : التراب اللين.

(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٤. تأريخ الطبري ٢ : ٢٦١. إمتاع الأسماع ١ : ٥٠.

(٤) مجمع الزوائد ٩ : ١٠٠.

٦٢

ما ذا؟ قال : تقول : لعن الله أبا تراب ، قال : والله ما سمّاه بذلك إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلت : وكيف ذلك يا أبا العبّاس؟

قال : دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج من عندها فاضطجع في فيء المسجد ثمّ دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فاطمة فقال لها : أين ابن عمّك؟ فقالت : هو ذاك مضطجعا في المسجد ، فجاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجده قد سقط رداؤه على ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول : « اجلس أبا تراب » ، فو الله ما سمّاه به إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وو الله ما كان له اسم أحبّ إليه منه (١).

وشاع هذا اللقب بين المسلمين ونظمه الشعراء ، وكان فيما نظمه بعضهم :

وجاء رسول الله مرتضيا له

و ما كان عن زهرائه في تشرّد

فمسّح عنه التّرب إذ مسّ جلده

و قد قام منها آلفا للتّفرّد

وقال له قول التّلطّف : قم أبا

تراب كلام المخلص المتودّد

وما أبدع ما قاله عبد الباقي العمري :

أنت ثاني الآباء في منتهى الدّو

ر وآباؤه تعدّ بنوه

خلق الله آدما من تراب

فهو ابن له وأنت أبوه (٢)

إنّ الله تعالى خلق آدما من تراب ، والإمام أبوه تكريما وتعظيما من الله الذي ميّز الابن على أبيه ...

وقال العلاّمة الشيخ حسن طرّاد العاملي :

نور الحقيقة والصّواب

متمثّل بأبي تراب

__________________

(١) تأريخ الطبري ٢ : ٣٦٣. تاريخ الخميس ٢ : ٣٧٥.

(٢) ديوان عبد الباقي العمري : ١٢٦.

٦٣

عنوان مجد شامخ

متنزّه عن كلّ عاب

قد أبدعته يد السّما

ليجيء بالعجب العجاب

و يكون نفس محمّد

في حفظ أحكام الكتاب

فعلومه من علمه

و بيانه فصل الخطاب

إنّ كنية أبي تراب وسام فخر وشرف أضفاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وصيّه وباب مدينة علمه للتدليل على زهده في الدنيا ورفضه لجميع متعها وزينتها ، وإنّها عنده كالتراب.

مع الأمويّين :

واتّخذ الأمويّون لقب أبي تراب وسيلة لانتقاص الإمام والتشهير به ، قال الحاكم النيسابوري :

كان بنو اميّة ينقصون عليّا بهذا الاسم الذي سمّاه به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلعنونه على المنبر بعد الخطبة مدّة ولايتهم ، وكانوا يستهزءون به ، وإنّما استهزءوا بالذي سمّاه ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) (١).

وكان الذئب الجاهلي ( معاوية في آخر خطبة الجمعة يقول :

اللهمّ إنّ أبا تراب ألحد في دينك وصدّ عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذّبه عذابا أليما ... وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات الفاجرة يشاد بها وتتلى على منابر المسلمين (٢) التي أنشئت ليشاد عليها الحقّ والعدل وتكون مدرسة لتهذيب الأخلاق وإشاعة الفضيلة بين الناس ، ولكنّ معاوية بوحي من جاهليّته

__________________

(١) الغدير ٦ : ٣٣. التوبة : ٦٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ٣٠٦.

٦٤

حوّلها إلى سبّ العترة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيرا ، وقد اقتدى به ملوك الأمويّين فجعلوا سبّ أهل البيت واجبا إسلاميا يحاسبون العامّة والخاصّة على تركه ، وكانت هذه السياسة النكراء من المآسي القاسية التي عاناها الأخيار والمصلحون من المسلمين.

ومن طريف ما ينقل أنّ رجلا من أهل السنّة أهدى إلى صديق له شيعي برّا من الحنطة كانت رديئة فردّها عليه ، فأرسل إليه عوضها حنطة جيّدة إلاّ أنّها كانت مخلوطة بالتراب فكتب إليه :

بعثت لنا بدال البرّ برّا

رجاء للجزيل من الثّواب

رفضناه عتيقا وارتضينا

به إذ جاء وهو أبو تراب (١)

ملامحه وصفاته :

كان الإمام عليه‌السلام من أجمل الناس وجها وأحسنهم أخلاقا ، وكانت أسارير النور على وجهه الشريف ، وقد وصفت ملامحه بصفات كثيرة كان منها ما يلي :

١ ـ وصف النبيّ له :

ووصف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه ووصيّه بهذه الأوصاف الرفيعة ، قال : « من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى يوسف في جماله ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب » (٢).

حكت هذه الكلمات عظيم صفات الإمام ، فقد ضارع أنبياء الله الممجّدين في أجلّ صفاتهم ومعالي حكمهم وأخلاقهم.

__________________

(١) نفحة اليمن : ١٢.

(٢) ذخائر العقبى : ٢٤.

٦٥

٢ ـ وصف ضرار للإمام :

طلب معاوية من ضرار أن يصف له الإمام لأنّه كان من أخلص أحبّائه ، فامتنع ضرار خوفا من معاوية إلاّ أنّه أصرّ عليه ، فقال له :

كان والله! بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من لسانه ، يستوحش من الدنيا وزخرفها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه ، ونحن ـ والله! ـ مع تقرّبه لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين ، ويقرّب المساكين ، لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، وإنّي أشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ـ وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ـ قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول :

« يا دنيا غرّي غيري ، إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات ، قد باينتك ثلاثا (١) لا رجعة فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك كبير ، وعيشك حقير ، آه! من قلّة الزّاد ، وبعد السّفر ، ووحشة الطّريق ».

وأثرت هذه الكلمات في نفس معاوية ، فقال : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ... (٢).

وحكت هذه الكلمات بعض الصفات الروحية التي تميّز بها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام والتي هي مبعث إعجاب وإكبار حتى عند ألدّ أعدائه وخصومه.

__________________

(١) باينتك : أي طلّقتك طلاقا بائنا.

(٢) الاستيعاب ٣ : ١٠٧. حلية الأولياء ١ : ٨٤. الرياض النضرة ٢ : ٢١٢.

٦٦

٣ ـ وصف ابنه محمّد له :

ووصف ابنه محمّد بن الحنفية ملامحه فقال :

كان ربع القامة ، أزجّ الحاجبين (١) ، أنجل (٢) كأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسنا وهو إلى السّمرة ، أصلع ، له حفاف (٣) من خلفه كأنّه إكليل ، وكأنّ عنقه ابريق فضّة ، وهو أرقب (٤) ضخم البطن ، أقرأ الظّهر (٥) ، عريض الصدر ، محض المتن (٦) ، ضخم الكسور ، لا يبين عضده من ساعده ، تدامجت إدماجا ، عبل الذراعين (٧) ، عريض المنكبين ، عظيم المشاشين (٨) كمشاش السبع الضاري ، له لحية قد زانت صدره ، غليظ العضلات ، حمش الساقين (٩). وألمّ هذا الوصف ببعض ملامحه وشكله.

٤ ـ وصف المغيرة له :

ووصفه المغيرة وهو من أعدائه فقال : كان على هيئة الأسد ، غليظا منه ما استغلظ ، دقيقا منه ما استدقّ (١٠).

حكى هذا الوصف القوّة البدنية للإمام عليه‌السلام وشجاعته النادرة.

__________________

(١) الأزج : دقّة الحاجب وطوله.

(٢) الأنجل : سعة العين وجمالها.

(٣) الحفاف : الطرّة من الشعر تكون حول رأس الأصلع.

(٤) الأرقب : غليظ الرقبة.

(٥) أقرأ الظهر : طويله.

(٦) المحض : كناية عن استواء الجسم.

(٧) عبل الذراعين : أي ضخم الذراعين.

(٨) المشاش : رءوس العظام الليّنة.

(٩) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٩١.

(١٠) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٩١.

٦٧

٥ ـ وصف بعض المعاصرين له :

ووصف بعض المعاصرين للإمام بعض صفاته الجسدية قال : كان ربعة من الرجال ، أدعج العينين (١) عظيمهما ، حسن الوجه كأنّه قمر ليلة البدر ، عظيم البدن ، عريض ما بين المنكبين ، لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري ، لا يبين عضده من ساعده قد ادمج إدماجا ، شثن الكفّين ، عظيم الكراديس (٢) ، أغيد (٣) كأنّ عنقه إبريق فضّة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلاّ من خلفه ، كثير شعر اللحية ، وكان لا يخضب ، وكان إذا مشى تكفّأ ، شديد الساعد واليد ، وإذا مشى إلى الحرب هرول ، ثبت الجنان ، قويا ، ما صارع أحدا إلاّ صرعه ، شجاعا ، منصورا عند من لاقاه (٤).

وهذه الصفات التي أدلى بها الرواة متّفقة على أنّ الإمام عليه‌السلام أبرز بطل في العالم الإسلامي وغيره ، وأنّه يملك قوّة البدن ، وقوّة البأس والشجاعة التي لا يملكها أحد سواه بالاضافة إلى صفاته النفسية التي هي انشودة المتّقين في كلّ زمان ومكان.

__________________

(١) الأدعج : شدّة السواد في العين مع سعتها.

(٢) الكراديس : كلّ عظم تكردس ، أي اجتمع اللحم فيه.

(٣) الأغيد : ميل العنق.

(٤) ذخائر العقبى : ٥٧. ألمح إلى بعض صفاته ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧ : ٣٣٨ ، وابن سعد في طبقاته ٢ : ٢٦.

٦٨

نشأته

٦٩
٧٠

نشأ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في عهد طفولته في كنف أبيه أبي طالب مؤمن قريش وشيخ البطحاء ، الذي كان مثالا لكلّ فضيلة وعنوانا لكلّ كرامة ، فربّى ولده الإمام على الشهامة والنبل ، وغذّاه بالإيمان بالله ، كما قامت بتربيته امّه الزكية السيّدة فاطمة سيّدة نساء عصرها في عفّتها وطهارتها ، فغذّته بالأخلاق الكريمة والعادات الحسنة ، وغرست في نفسه النزعات الشريفة.

احتضان النبيّ للإمام :

وحينما كان الإمام في فجر الصبا أصابت قريشا أزمة مادية وضائقة اقتصادية تأثّر منها أبو طالب ، فانبرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عمّيه حمزة والعباس وطلب منهما أن يتحمّلا ثقل عمّه ، فاتّجهوا صوبه وعرضوا عليه الأمر ، فقال لهم : دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم ، وكان شديد الحبّ لابنه عقيل فأخذ العباس طالبا ، وأخذ حمزة جعفرا ، وأخذ الرسول عليّا ، وقال لهما : اخترت من اختاره الله عليكما ـ يعني عليّا ـ ، فكان الإمام في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي ذرى مودّته وعطفه.

ومن المؤكّد أنّ النبيّ إنّما أخذ الإمام من عمّه ليربّيه ويغذّيه بطباعه وهديه ، وقد وجد في كنفه من الحبّ والمودّة والعطف والإيثار ما لم يجده في بيت أبيه ، وقد غرس النبيّ في دخائل نفس الإمام وأعماق ذاته جميع مقوّمات الإسلام ومبادئه وقيمه ، فكان في المرحلة الاولى من حياته قد وعى الإسلام وآمن به وفهم جوهره.

٧١

إنّ الإمام عليه‌السلام كان من ألصق الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن أكثرهم تطبّعا بأخلاقه وفهما لرسالته ، ولمّا أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثورته الكبرى على الأفكار الجاهلية وعاداتها ، كان الإمام في فجر الصبا يذبّ عنه ، ويحميه من صبيان قريش الذين كانوا يحاربونه بالحجارة ويقذفونه بالتراب ، ويصيحون وراءه ساحر ومجنون ، وكان الإمام عليه‌السلام يوقع بهم الضرب واللكم فينهزمون إلى امّهاتهم وآبائهم وكان ذلك أوّل جهاد له في سبيل الإسلام.

وقد تحدّث الإمام عليه‌السلام عن تلك الفترة الذهبية التي عاشها في رعاية النبيّ وما لاقاه من صنوف الحفاوة والتكريم فقال :

« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا وليد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه. وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل. وكنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر امّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالاقتداء به » (١).

ارأيتم كيف أخلص له النبيّ في الحبّ والمودّة والرعاية؟ فقد أغدق عليه بعطفه وحنانه ، وغذّاه بسموّ أخلاقه وآدابه ليكون صورة عنه وممثّلا له في حياته وبعد وفاته.

التربية النبوية للإمام :

عنى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عناية بالغة بتربية أخيه وابن عمّه الإمام عليه‌السلام فغرس في أعماق ذاته صفاته الكريمة ونزعاته الشريفة حتى يحكي طباعه واتّجاهاته ويقيمه من بعده

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢.

٧٢

علما لامّته ورائدا لتبليغ رسالته.

لقد حفلت تربية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجميع مقوّمات الارتقاء وسموّ الذات ، وكان من برامجها هذه الصور الرائعة.

١ ـ نكران الذات :

ربّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه على الواقعية ونبذ الأنانية ونكران الذات ، وكان من بين ذلك أنّ الإمام عليه‌السلام طرق باب النبيّ ، فقال الرسول :

« من هذا؟ ».

« أنا يا رسول الله ».

وكره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمة « أنا » من الإمام والتي تخلو من التعظيم لقائلها ، فجعل يقول له : « أنا ، أنا » وفهم الإمام كراهة النبيّ لهذه الكلمة ، فلم يفه بها بعد ذلك (١).

وتكشف هذه البادرة عن سموّ التربية الإسلامية التي أمدّت الحياة بالاشراق والنهوض ، وظلّ الإمام متأثّرا بهذه التربية الرفيعة طيلة حياته ، ففي أيام حكومته وقيادته للامّة نبذ نبذا تامّا جميع مظاهر الحكم والسلطان التي تلازمها الابّهة والاستعلاء على الناس ، وعامل نفسه كبقيّة أفراد الشعب لا ميزة له عليهم ، وقد روى المؤرّخون أنّه اجتاز على أهل المدائن فأقاموا له مهرجانا شعبيا وذبحوا له الذبائح فنفر من ذلك وخاطبهم أنّه كأحدهم ، ومنع جيشه من أكل لحوم الذبائح حتى يعطي أهلها ثمنها (٢) ، وهكذا كان عليّ صورة لا ثاني لها في تاريخ البشرية على الإطلاق سوى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) حياة الحيوان ـ الجاحظ ١ : ٣٣٧.

(٢) بحار الانوار ٧٧ : ٤٥.

٧٣

٢ ـ التحلّي بالصفات الكريمة :

من ألوان التربية الإسلامية المشرقة التي غذّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام هذه الكوكبة من الأحاديث التربوية ، وهي :

أ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا عليّ ، ثلاث من مكارم الأخلاق : تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك » (١).

إنّ هذه الخصال الكريمة تسمو بالإنسان وترفع مستواه إلى أرقى ما يصل إليه من كمال النفس.

ب ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا عليّ ، سيّد الأعمال ثلاث خصال : إنصافك النّاس من نفسك ، ومساواة الأخ في الله عزّ وجلّ ، وذكر الله تبارك وتعالى على كلّ حال » (٢).

إنّ هذه الصفات الرفيعة هي اسس الفضائل التي ينبغي للمسلم أن يتحلّى بها.

ج ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ ، ثلاث خصال من حقائق الإيمان : الإنفاق في الإقتار ، وإنصاف النّاس من نفسك ، وبذل العلم للمتعلّم » (٣).

بهذه الصفات الكريمة ربّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه وابن عمّه وباب مدينة علمه ليكون انموذجا للإسلام.

د ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ ، اوصيك بوصيّة فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيّتي. يا عليّ ، من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه أعقبه الله يوم

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ : ٤٤.

(٢) و (٣) المصدر السابق : ٤٥.

٧٤

القيامة أمنا وإيمانا يجد طعمه » (١).

أرأيتم هذه التعاليم التربوية التي تجعل الإنسان في اطار من الفضيلة والسلامة من كثير من الأزمات والمصاعب؟

هـ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ ، ثلاث من لقي الله عزّ وجلّ فهو من أفضل النّاس : من أتى الله بما افترض عليه فهو من أعبد النّاس ، ومن ورع عن محارم الله فهو من أورع النّاس ، ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى النّاس » (٢).

إن من يطبّق على حياته هذه الخصال الكريمة فهو من أفضل الناس ومن أكثرهم طاعة لله تعالى وقربا منه.

و ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ ، إنّ الله تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهليّة وتفاخرهم بآبائهم ، ألا وإنّ النّاس من آدم ، وآدم من تراب ، وأكرمهم عند الله أتقاهم » (٣).

إنّ هذه الوصية من أرقى تعاليم الإسلام ، فقد هدمت الحواجز بين الناس ، وألغت الفوارق والتفاضل بالأنساب ، وجعلت التفاوت بينهم بالتقوى والعمل الصالح الذي هو أعظم رصيد للإنسان يميّزه عن غيره ويشرّفه عليه.

ز ـ من الوصايا الرفيعة التي عهد به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

« يا عليّ ، ثلاثة تحت ظلّ العرش يوم القيامة : رجل أحبّ لأخيه ما أحبّ لنفسه ، ورجل بلغه أمر فلم يتقدّم فيه ولم يتأخّر حتّى يعلم أنّ ذلك الأمر لله رضى

__________________

(١) الخصال ـ الصدوق ٢ : ٣٢. بحار الأنوار ٧٧ : ٤٦.

(٢) بحار الأنوار ٧٧ : ٥١.

(٣) المصدر السابق : ٥٣.

٧٥

أو سخط ، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتّى يصلح ذلك العيب من نفسه ، فإنّه كلّما أصلح من نفسه عيبا بدا له منها آخر ؛ وكفى بالمرء في نفسه شغلا » (١).

ما أروع هذه الصفات! التي يسمو بها الإنسان إلى أرقى مستويات الرشد والكمال ... وقد تغذّى بها الإمام عليه‌السلام فكانت من برامج حياته.

هذه بعض الخصال الكريمة التي أوصى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه وابن عمّه لتكون له منهجا في سلوكه مع غيره ، وهي أحد برامج التربية النبوية للإمام ، وقد ذكرنا الكثير منها في مسند الإمام.

٣ ـ الاجتناب عن الصفات المذمومة :

حذّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام من بعض الصفات والخصال التي تهبط بالإنسان إلى مستوى سحيق ، وهذه بعضها :

أ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا عليّ ، أنهاك عن ثلاث خصال : الحسد ، والحرص ، والكبر » (٢).

إنّ هذه الخصال من مآثم الحياة ، ولا يتّصف بها الشريف.

ب ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا عليّ ، من تعلّم علما ليماري به السّفهاء ، أو يجادل به العلماء ، أو ليدعو النّاس إلى نفسه فهو من أهل النّار » (٣).

إنّ طلب العلم ينبغي أن يكون خالصا لوجه الله تعالى غير مشوب بالأغراض الدنيئة ، أمّا إذا كان مشفوعا بأغراض لا تمّت إلى الواقع بصلة فإنّه يكون نقمة عليه

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ : ٦٦.

(٢) المصدر السابق : ٥٢.

(٣) المصدر السابق : ٥٤.

٧٦

عند الله تعالى ، وقد ألمح إليها الحديث وهي :

ـ طلب العلم لمماراة السفهاء والتغلّب عليهم وإبراز قابليات الشخص ، فإنّ ذلك ينمّ عن مرض النفس وبعدها عن الله تعالى.

ـ طلب العلم لمجادلة العلماء وإظهار الشخص أمام المجتمع بأنّه من مصاف العلماء ، أمّا دوافع هذه الجهة فهو حبّ الدنيا ، ومن المؤكّد أنّها ممّا تبعده عن الله تعالى.

ـ طلب العلم لدعوة الناس إليه ، والالتفاف حوله أعاذنا الله بلطفه وفضله من ذلك.

ج ـ من بنود التربية النبوية للإمام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« يا عليّ ، ألا أنبّئك بشرّ النّاس؟ قال عليّ : بلى يا رسول الله ، قال : من لا يغفر الذّنب ، ولا يقيل العثرة. ألا أنبّئك بشرّ من ذلك؟ قال عليّ : بلى ، قال : من لا يؤمن شرّه ، ولا يرجى خيره » (١).

إنّ هذه الخصال الذميمة لا يتّصف بها إلاّ أشرار الناس وسفله المجتمع.

د ـ من الوصايا التربوية التي غذّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه وولي عهده الإمام عليه‌السلام قوله : « يا عليّ ، إنّه لا فقر أشدّ من الجهل ، ولا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا عمل كالتّدبير ، ولا ورع كالكفّ ـ أي عن محارم الله ـ ، ولا حسب كحسن الخلق ؛ إنّ الكذب آفة الحديث ، وآفة العلم النّسيان ، وآفة السّماحة المنّ » (٢).

على ضوء هذه الحكم المشرقة التي تمثّل معالي الآداب ومحاسن الأخلاق

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ : ٦٦.

(٢) المصدر السابق : ٦٤.

٧٧

ربّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّه وباب مدينة علمه ليكون مثالا له في حياته وبعد وفاته.

هـ ـ من معالي التربية النبوية للإمام عليه‌السلام قوله : « يا عليّ ، إيّاك والكذب ، فإنّ الكذب يسوّد الوجه ، ثمّ يكتب عند الله كذّابا ، وإنّ الصّدق يبيّض الوجه ويكتب عند الله صادقا ؛ واعلم أنّ الصّدق مبارك ، والكذب مشئوم » (١).

إنّ الكذب مفتاح الشرّ ، وبه فساد الدنيا وهلاك العباد ، ويباينه الصدق فإنّه مصدر لكلّ فضيلة وسبب للنجاة من كلّ شرّ.

و ـ من روائع التربية الإسلامية التي غذّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام عليه‌السلام قوله :

« يا عليّ ، احذر الغيبة والنّميمة » (٢).

إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذّر من الغيبة لأنّها توجب نشر الأحقاد والضغائن بين الناس بالإضافة إلى الحطّ من شخصيّة المغتاب في المجتمع ، والإسلام يحرص كلّ الحرص على كرامة المسلم ، وأن لا ينال بسوء ، وقد ذكر الفقهاء تعريف الغيبة وتحريمها المشدّد في الإسلام ، واستثنوا من ذلك ما إذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق والفجور فتجوز غيبته بالجهة المتجاهر بها ولا يجوز قذفه بغيرها من المعاصي. ونهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النميمة ، وهي من موجبات نشر الكراهية بين المجتمع ، وقد تظافرت الأخبار عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّ النمّام من شرار خلق الله تعالى.

ز ـ من الوصايا التربوية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « يا عليّ ، لا تغضب ، فإذا غضبت فاقعد ، وتفكّر في قدرة الرّبّ على العباد ، وحلمه عنهم ، وإذا قيل لك : اتّق الله فانبذ غضبك ، وراجع حلمك » (٣).

__________________

(١) تحف العقول : ١٤.

(٢) و (٣) بحار الأنوار ٧٧ : ٦٧.

٧٨

الغضب مفتاح كلّ شرّ وسبب لكلّ جريمة ، وقد حذّر منه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يؤدّي إلى دمار الشخص وهلاكه ، وقد ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّة علاجه والوقاية من شرّه ، وهو أن يتفكّر الإنسان في حالة غضبه بقدرة الله تعالى عليه ، وما يعقبه الغضب من الأضرار والمفاسد.

ح ـ من غرر الوصايا التربوية التي عهد بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام قوله :

« يا عليّ ، أنهاك أن تخفر عهدا ـ أي تنقض عهدا ـ وتعين عليه ، وأنهاك عن المكر فإنّه لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله ، وأنهاك عن البغي ، فإنّه من بغي عليه لينصرنّه الله » (١).

إنّ هذه الخصال التي نهى النبيّ عنها من موجبات سقوط الإنسان وهلاكه.

ط ـ من معالم التربية للإمام عليه‌السلام هذه الوصية : « يا عليّ ، إنّ من اليقين أن لا ترضي أحدا بسخط الله ، ولا تحمد أحدا بما آتاك الله ، ولا تذمّ أحدا على ما لم يؤتك الله ؛ فإنّ الرّزق لا يجرّه حرص حريص ، ولا يصرفه كراهة كاره ، إنّ الله بحكمه وفضله جعل الرّوح والفرج في اليقين والرّضا ، وجعل الهمّ والحزن في الشّكّ » (٢).

وبهذه الوصية الثمينة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوصيّه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام نطوي الحديث عن بعض معالم التربية النبوية للإمام والتي استهدفت أن يكون ممثّلا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهدافه وقيمه التي تنشد صالح الإنسان وتطوّر حياته.

وقد ذكرنا عرضا مفصّلا لوصايا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام في مسنده لذا أوجزنا الحديث في هذا الموضوع.

__________________

(١) الأمالي ـ الصدوق ٢ : ٢١٠. بحار الأنوار ٧٧ : ٦٩.

(٢) المحاسن : ١٦ ـ ١٧. بحار الأنوار ٥٧ : ٦٨.

٧٩

سبقه للإسلام :

والشيء الذي اتّفق عليه المؤرّخون والرواة أنّ الإمام عليه‌السلام أوّل من آمن بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستجاب لدعوته عن وعي وإيمان ، وقد قال عليه‌السلام : « لقد عبدت الله تعالى قبل أن يعبده أحد من هذه الامّة » (١).

وقال عليه‌السلام : « كنت أسمع الصّوت ، وابصر الضّوء سنين سبعا ، ورسول الله ٦ صامت ما اذن له في الإنذار والتّبليغ » (٢). ومعنى هذا الحديث أنّه سلام الله عليه في سنّه المبكّر كان يسمع صوت جبرئيل ، ويبصر ضوءه قبل أن يبلّغ النبيّ رسالته ويشيعها بين الناس.

وقد أجمع الرواة أنّ الإمام عليه‌السلام لم تدنّسه الجاهلية بأوثانها ، ولم تلبسه من مدلهمّات ثيابها ، فلم يسجد لصنم قطّ كما سجد غيره (٣) يقول المقريزي : أمّا عليّ ابن أبي طالب الهاشمي فلم يشرك بالله قطّ ، وذلك أنّ الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمّه سيّد المرسلين (٤).

وقد أسلم الإمام وأسلمت معه أمّ المؤمنين الصدّيقة الطاهرة خديجة ، فقد احتضنت الإسلام وآمنت بقيمه وأهدافه ، وقدّمت في سبيله جميع ما تملكه من الثراء العريض. وقد تحدّث الإمام عليه‌السلام عن إيمانه وإيمان خديجة بالإسلام بقوله :

« ولم يجمع بيت يومئذ واحد في الإسلام غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما ». وقال ابن عباس : كان عليّ أوّل من آمن من الناس بعد خديجة (٥) ، وقال

__________________

(١) صفة الصفوة ١ : ١٦٢.

(٢) بحار الأنوار ٣٤ : ٢٥٥.

(٣) تاريخ ابن عساكر ١ : ٣٣.

(٤) إمتاع الأسماع ١ : ١٦.

(٥) نهج البلاغة ٤ : ١١٦.

٨٠