موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١ و ٢

باقر شريف القرشي

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١ و ٢

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: ٢٣٢

حفلت مصادر الحديث من صحاح وسنن بكوكبة مشرقة من الأحاديث النبوية ، وهي تشيد بفضل رائد العدالة الإسلامية الإمام عليه‌السلام ورفعته إلى قمّة المجتمع الإسلامي.

والمتأمّل في كثرة الأحاديث وشهرتها وإشاعتها بين الرواة يطلّ على الغاية المنشودة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي تركيز الإمام وترشيحه للخلافة من بعده ، ليكون امتدادا لذلك ومرجعا لامّته يقيم أودها ، ويصلح شأنها ، ويسير بها سيرا سجحا لا يكلم خشاشه ، لتكون أمّة الإسلام قائدة لشعوب العالم وامم الأرض.

وعلى كلّ حال فإنّا إذا نظرنا إلى الأخبار النبوية في فضل الإمام عليه‌السلام نجد كوكبة خاصّة به ، وكوكبة اخرى في فضل أهل البيت عليهم‌السلام وهي شاملة ـ بالضرورة ـ لأنّه سيّد العترة ، وعلمهم الشامخ ، وفيما يلي عرض لذلك :

الكوكبة الاولى

وتحتوي على صور متعدّدة من التعظيم والتكريم ، والإشادة بفضل الإمام عليه‌السلام ... وهذه بعضها :

مكانته عند النبيّ :

كان الإمام عليه‌السلام من ألصق الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن أشدّهم قربا واتّصالا به ، فهو أبو سبطيه ، وباب مدينة علمه ، وقد أخلص له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأعظم ما يكون

١٦١

الإخلاص ، وقد أثرت عنه طائفة من الأحاديث دلّت على عمق محبّته ومودّته له ، وفيما يلي ذلك :

١ ـ الإمام نفس النبيّ :

عرضت آية المباهلة ـ بوضوح ـ إلى أنّ الإمام نفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ألمحنا إلى ذلك في البحوث السابقة ، وقد أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الإمام نفسه في جملة من الأخبار هذه بعضها :

أ ـ أخبر الوليد بن عقبة أخو عثمان لامّه ، النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ بني وليعة ارتدّوا عن الإسلام ، فغضب النبيّ وقال : « لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي ، يقتل مقاتلهم ويسبي ذراريهم ، وهو هذا » ، ثمّ ضرب على كتف الإمام عليه‌السلام (١).

ب ـ روى عمرو بن العاص قال : لمّا قدمت من غزوة ذات السلاسل وكنت أظنّ أن ليس أحد أحبّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي فقلت : يا رسول الله ، أي الناس أحبّ إليك ، فذكر اناسا ، قلت : يا رسول الله ، فأين عليّ؟ فالتفت النبيّ إلى أصحابه ، فقال : « إنّ هذا يسألني عن النّفس » (٢).

٢ ـ الإمام أخو النبيّ :

أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام الصحابة أنّ الإمام أخوه ، وقد أثرت عنه في ذلك جمهرة من الأخبار هذه بعضها :

أ ـ روى الترمذي بسنده عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ،

__________________

(١) مجمع الزوائد ٧ : ١١٠ ، وكان الوليد كاذبا في إخباره بارتداد بني وليعة ، فنزلت الآية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ... ) الحجرات : ٦.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٤٠٠.

١٦٢

فجاء عليّ تدمع عيناه ، فقال : « يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك ، ولم تواخ بيني وبين أحد؟ ». فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت أخي في الدّنيا والآخرة » (١).

إنّ اخوّة النبيّ للإمام ليست في هذه الدنيا فحسب ، وإنّما هي ممتدّة إلى دار الآخرة التي لا نهاية لها.

ب ـ روت أسماء بنت عميس قالت : كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أصبحنا جاء النبيّ إلى الباب فقال : « يا أمّ أيمن ، ادعي لي أخي » ، فقلت : هو أخوك وتنكحه ابنتك؟ قال : « نعم ، يا أمّ أيمن » (٢).

ج ـ روى أنس بن مالك قال : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر وبعد انتهاء خطابه قال : « أين عليّ بن أبي طالب؟ » ، فوثب إليه عليّ قائلا : ها أنا ذا يا رسول الله ، فضمّه إلى صدره ، وقبّل بين عينيه ، وقال بأعلى صوته : « معاشر المسلمين ، هذا أخي وابن عمّي وختني ، هذا لحمي ودمي وشعري ، هذا أبو السّبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة » (٣).

د ـ روى ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع ، وهو على ناقته ، فضرب على منكب عليّ ، وهو يقول : « اللهمّ اشهد ... اللهمّ قد بلّغت هذا أخي ، وابن عمّي ، وصهري ، وأبو ولديّ. اللهمّ كبّ من عاداه في النّار » (٤).

ه‍ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لمّا اسري بي إلى السّماء السّابعة قال لي جبرئيل : تقدّم يا محمّد فو الله ما نال هذه الكرامة ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، فأوحى لي

__________________

(١) صحيح الترمذي ٢ : ٢٩٩. مستدرك الحاكم ٣ : ١٤.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ٢١٠. خصائص النسائي : ١٧٤ ، ح ١٢٤.

(٣) ذخائر العقبى : ٩٢.

(٤) كنز العمّال ٣ : ٦١.

١٦٣

ربّي شيئا ، فلمّا أن رجعت نادى مناد من وراء الحاجب : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ ، فاستوص به خيرا » (١).

و ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش :

يا محمّد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ » (٢).

ز ـ روى أبو الطفيل عامر بن وائلة قال : كنت على الباب يوم الشورى ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليّا يقول : « بايع النّاس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعت وأطعت ، مخافة أن يرجع النّاس كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسّيف ، ثمّ بايع النّاس عمر وأنا والله أولى منه ، وأحقّ به منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع النّاس كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسّيف ، ثمّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن أسمع واطيع ، إنّ عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم ، لا يعرف لي فضلا عليهم في الصّلاح ، ولا يعرفونه لي ، كلّنا فيه شرع سواء ، وأيم الله لو أشاء أتكلّم ثمّ لا يستطيع عربيّهم ولا عجميّهم ، ولا المعاهد منهم ولا المشرك ، ردّ خصلة منها ، لفعلت ».

ثمّ قال : « نشدتكم الله أيّها النّفر جميعا ، أفيكم أحد أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيري؟ » ، قالوا : اللهمّ لا (٣).

وحكى هذا الحديث أمرا بالغ الأهمّية ، وهو إقدام الشيخين على الاستيلاء على الخلافة ، وتجاهلهما لمقامه عليه‌السلام مع علمهما أنّه أحقّ بالأمر وأولى بها منهما ، خصوصا عمر ، فقد تجاهل فضله بالمرّة فقرنه بأعضاء الشورى الذين لم يكن فيهم أحد يساوي مركزه ، فهو أخو النبيّ ، وصاحب المواقف المشهودة يوم بدر واحد

__________________

(١) كنز العمّال ٣ : ١٦١.

(٢) المصدر السابق : ١٦٢.

(٣) المصدر السابق ٥ : ٧٢٥.

١٦٤

والأحزاب ... أمّا السبب في إحجامه عن منازعة القوم بالقوّة فهو خوفه على ارتداد المسلمين ورجوعهم إلى الجاهلية الاولى ، فأطاع وسمع ، ولكن في الحلق شجى وفي العين قذى على حدّ تعبيره في خطبته الشقشقية.

ح ـ قال الإمام عليه‌السلام : « أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، وأنا الصّدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب ، صلّيت قبل النّاس بسبع سنين » (١).

ط ـ قال الإمام أبو جعفر عليه‌السلام : « لمّا نزلت الآية ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) (٢) ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جبل فدعا ربّه ، وقال : اللهمّ اشدد أزري بأخي عليّ » (٣).

٣ ـ النبيّ والإمام من شجرة واحدة :

أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه والإمام من شجرة واحدة ، وقد أثر عنه ذلك في طائفة من الأخبار ، وهذه بعضها :

أ ـ روى جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ : « يا عليّ ، النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة » ، ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) (٤).

ب ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا وعليّ من شجرة واحدة ، والنّاس من أشجار شتّى » (٥).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٢. مستدرك الحاكم ٣ : ١١١. تاريخ الطبري ٢ : ٥٦.

(٢) طه : ٢٩ ـ ٣١.

(٣) كنز العمّال ٧ : ١١٣. مستدرك الحاكم ٣ : ٢١٠.

(٤) الرعد : ٤. كنوز الحقائق : ١٥٥.

(٥) كنز العمّال ٦ : ١٥٤.

١٦٥

ما أجلّ وأسمى تلك الشجرة التي تفرّع منها سيّد الكائنات ورائد الحضارة الإنسانية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ... إنّها الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء والتي أنتجت في جميع الأجيال ما ينفع الناس.

٤ ـ الإمام وزير النبيّ :

أكّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كثير من الأحاديث أنّ الإمام عليه‌السلام وزيره ، وهذه بعضها :

أ ـ روت أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي ، أخي عليّا ، اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيرا ، ونذكرك كثيرا ، إنّك كنت بنا بصيرا » (١).

ب ـ روى الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري قال : صلّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما من الأيام الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السائل يديه إلى السماء وقال : اللهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد نبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يعطني أحد شيئا ، وكان عليّ في الصلاة راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وفيها خاتم ، وذلك بمرأى النبيّ وهو في المسجد ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إلى السماء وقال : « اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال :

( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي. وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (٢) ، فأنزلت عليه قرآنا : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما

__________________

(١) الرياض النضرة ٢ : ١٦٣.

(٢) طه : ٢٥ ـ ٣٢.

١٦٦

سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما ) (١) ، اللهمّ وإنّي محمّد نبيّك وصفيّك ، اللهمّ فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليّا اشدد به ظهري ».

قال أبو ذرّ : فما استتمّ دعاؤه حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله بهذه الآية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٢) » (٣).

٥ ـ الإمام خليفة النبيّ :

أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافة الإمام من بعده في بداية الدعوة الإسلامية ، وذلك حينما دعا الاسر القرشية إلى اعتناق الإسلام ، وفي ختام دعوته قال للقرشيّين :

« إذا هذا ـ يعني عليّا ـ أخي ، ووصيّي ، وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (٤).

لقد قرن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافة الإمام من بعده بالدعوة إلى الإسلام ، ونبذ الوثنية والشرك ، وبالإضافة لذلك فإنّ هناك جمهرة من الأخبار أعلن فيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلافة الإمام من بعده ، وهذه بعضها :

أ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ ، أنت خليفتي على أمّتي » (٥).

ب ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليّ بن أبي طالب أقدمهم سلما ، وأكثرهم علما ،

__________________

(١) القصص : ٣٥.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) نور الأبصار : ٧٠. تفسير الرازي ١٢ : ٢٦.

(٤) تاريخ الطبري ٢ : ١٢٧. تاريخ ابن الأثير ٢ : ٢٢. تاريخ أبي الفداء ١ : ١١٦. مسند أحمد ١ : ٣٣١. كنز العمّال ٦ : ٣٩٩.

(٥) المراجعات : ٢٠٨.

١٦٧

وهو الإمام والخليفة بعدي » (١).

ج ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« معاشر النّاس ، من أحسن من الله قيلا؟ إنّ ربّكم جلّ جلاله أمرني أن اقيم لكم عليّا علما وإماما وخليفة ووصيّا » (٢).

د ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« عليّ منّي ، وأنا من عليّ ، قاتل الله من قاتل عليّا ، عليّ إمام الخليقة بعدي » (٣).

ه‍ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّ الله أوحى إليّ أنّه جاعل لي من أمّتي أخا ، ووارثا ، وخليفة ، ووصيّا ، فقلت : يا ربّ من هو؟ فقال : ذاك من احبّه ويحبّني ، وهو عليّ بن أبي طالب » (٤).

وكثير من أمثال هذه الأحاديث رويت بأسانيد صحيحة عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام وغيرهم ، وهي صريحة الدلالة واضحة البيان ، لا لبس ولا اجمال ولا غموض فيها ، في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام خليفة من بعده على امّته وقائدا لمسيرتها نحو الأفضل ، فقد أكّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة الخلافة من بعده فقد قال لعليّ : « لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي » (٥).

٦ ـ الإمام من النبيّ كهارون من موسى :

وأثرت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمهرة من الأحاديث ذات مضمون ومفاد واحد ، أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ... » وهذا عرض لبعضها :

__________________

(١) المراجعات : ٢٠٩.

(٢) المراجعات : ٢٠٩.

(٣) المصدر السابق : ١١٠.

(٤) المصدر السابق : ١١٠.

(٥) فضائل الخمسة من الصحاح الستّة ٢ : ٢١.

١٦٨

أ ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبيّ بعدي » (١).

ب ـ روى سعيد بن المسيّب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه سعد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، قال سعيد : فأحببت أن اشافه بها سعدا ، فلقيت سعدا فحدّثته بما حدّثني به عامر ، فقال : أنا سمعته ، فقلت : أنت سمعته؟! فوضع اصبعه على اذنيه فقال : نعم ، وإلاّ فاستكّتا (٢).

ج ـ روى جابر بن عبد الله أنّ النبيّ قال لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (٣).

د ـ لمّا آخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه قال عليّ عليه‌السلام للنبيّ : « لقد ذهب روحي ، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت ، غيري ، فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة » ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والّذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ، ووارثي » ، قال عليّ : « وما أرث منك يا رسول الله؟ » ، قال : « ما ورّث الأنبياء من قبلي » ، قال : « وما ورّث الأنبياء من قبلك؟ » ، قال : « كتاب ربّهم ، وسنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي » (٤).

__________________

(١) مسند أبي داود ١ : ٢٩. حلية الأولياء ٧ : ١٩٥. مشكل الآثار ٢ : ٣٠٩. مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٨٢. تاريخ بغداد ١١ : ٤٣٢. خصائص النسائي : ١٦.

(٢) اسد الغابة ٤ : ٢٦. خصائص النسائي : ١٥. صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الأصحاب ٧ : ١٢٠.

(٣) صحيح الترمذي ٢ : ٣٠١. تاريخ بغداد ٣ : ٢٨٨. مسند أحمد ٣ : ٢٣٨.

(٤) كنز العمّال ١٣ : ١٠٥.

١٦٩

هـ ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعقيل : « يا عقيل ، والله إنّي لأحبّك لخصلتين : لقرابتك ، ولحبّ أبي طالب إيّاك ، وأمّا أنت يا جعفر فإنّ خلقك يشبه خلقي ، وأمّا أنت يا عليّ ، فأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي » (١).

و ـ قال عمر بن الخطّاب : كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « في عليّ ثلاث خصال » ، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس : كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة الجرّاح ونفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبيّ متّكئ على عليّ بن أبي طالب ، حتى ضرب بيده على منكبه ، ثمّ قال : « أنت يا عليّ ، أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأوّلهم إسلاما » ، ثمّ قال : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » (٢).

ز ـ قال سعد بن أبي وقّاص : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لعليّ ثلاث خصال ، لأن يكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها ، سمعته يقول : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، وسمعته يقول : « لاعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ليس بفرّار » ، وسمعته يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ... » (٣).

وقد شاع هذا الحديث ، وقد نظمه الشهيد الخالد زيد بن عليّ بن الحسين عليه‌السلام بقوله :

ومن فضل الأقوام يوما برأيه

فإنّ عليّا فضّلته المناقب

وقول رسول الله والحقّ قوله

وإن رغمت منه الانوف الكواذب

بأنّك منّي يا عليّ معالنا

كهارون من موسى أخ لي وصاحب

__________________

(١) كنز العمّال ٦ : ١٨٨.

(٢) المصدر السابق : ٣٩٥. الرياض النضرة ٢ : ١٦٣.

(٣) المصدر السابق : ٤٠٥.

١٧٠

دعاه ببدر فاستجاب لأمره

فبادر في ذات الإله يضارب (١)

أمّا دلالة الحديث فواضحة في أنّ الإمام وزير النبيّ وخليفته كهارون من موسى ، فهو وزيره وخليفته من بعده على امّته :

احتجاج الإمام بالحديث :

واحتجّ الإمام عليه‌السلام بحديث المنزلة حينما بويع عثمان بن عفّان ، فقد قال للمهاجرين والأنصار : « فهل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » .. ثمّ قال : « فهل لخلق مثل هذه المنزلة؟ نحن صابرون ليقضي الله أمرا كان مفعولا » (٢).

إنّ القوم سمعوا هذا الحديث من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمعوا ما هو أعظم من ذلك صراحة ، وهو حديث الغدير ، ولكنّ الأطماع اترعت بها نفوسهم وصدّتهم عن الطريق القويم.

٧ ـ الإمام باب مدينة علم النبيّ :

وكان ممّا أشاد به النبيّ بسموّ الإمام وعظيم منزلته أن جعله بابا لمدينة علمه ، وقد روي هذا الحديث بعدّة طرق ، ونال الدرجة القطعية في سنده ، وقد أثر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدّة مناسبات منها :

أ ـ روى جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية ، وهو آخذ بيد عليّ عليه‌السلام ، وهو يقول : « هذا أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله » ، يمدّ بها صوته : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد البيت

__________________

(١) فوات الوفيات ٢ : ٣٨.

(٢) كنز العمّال ٣ : ١٥٤.

١٧١

فليأت الباب » (١).

ب ـ روى ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » (٢).

ج ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليّ باب علمي ، ومبيّن لامّتي ما أرسلت به من بعدي ، حبّه إيمان ، وبغضه نفاق ، والنّظر إليه رأفة » (٣).

إنّ الإمام عليه‌السلام باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما يؤثر عنه من معالم الدين ، وأحكام الشريعة ، ومحاسن الأخلاق ، وقواعد الآداب ، فإنّها مستمدّة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومأخوذة عنه ، ولازم ذلك وجوب التعبّد والأخذ بها.

إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّف ينبوعا من العلم يمدّ الحياة بالحكمة والازدهار ، وقد أودعه عند الإمام عليه‌السلام لتنتهل منه امّته ، ولكن من المؤسف أنّ القوى الحاقدة على الإمام من قريش قد سدّت نوافذ ذلك النور ، وحرمت الامّة من الاستفادة منه ، وتركتها تتخبّط في مجاهيل هذه الحياة.

٨ ـ الإمام باب حكمة النبيّ :

أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الإمام عليه‌السلام باب دار حكمته ، وقد أثرت في ذلك جمهرة من الأحاديث كان منها :

أ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » (٤).

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ : ٣٧٧.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٤٠١.

(٣) كنز العمّال ٦ : ١٥٦. الصواعق المحرقة : ٧٣.

(٤) صحيح الترمذي ٢ : ٢٩٩. حلية الأولياء ١ : ٦٤. كنز العمّال ٦ : ٤٠١.

١٧٢

ب ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب » (١).

ج ـ وقريب من هاتين الروايتين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي عليّ تسعة أجزاء والنّاس جزءا واحدا » (٢).

لقد كان الإمام عليه‌السلام رائد الحكمة ، ودليلها الهادي الذي فتق أبواب الحكمة الإلهية ووضع اسسها ، وفلاسفة المسلمين عليه عيال في هذا الباب.

٩ ـ الإمام أحبّ الناس إلى النبيّ :

والشيء المؤكّد أنّ الإمام عليه‌السلام أحبّ الناس إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد سئلت عائشة عن أحبّ النّاس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : فاطمة عليها‌السلام ، قيل لها : ومن الرّجال؟

قالت : زوجها إن كان ما علمت صوّاما قوّاما (٣).

وروى معاوية بن ثعلبة قال : جاء رجل إلى أبي ذرّ ، وهو بمسجد رسول الله ، فقال له : ألا تخبرني عن أحبّ الناس إليك؟ فإنّي أعرف أنّ أحبّ الناس إليك أحبّهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال أبو ذرّ : إي وربّ الكعبة ، أحبّهم إليّ أحبّهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو ذلك الشيخ ، وأشار إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

١٠ ـ الإمام شبيه الأنبياء :

كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجتمع من أصحابه ، فقال لهم : « إن تنظروا إلى آدم في علمه ، ونوح في همّه ، وإبراهيم في خلقه ، وموسى في مناجاته ، وعيسى في

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ : ٢٠٤.

(٢) حلية الأولياء ١ : ٦٤. وقريب منه في كنز العمّال ٦ : ١٥٤.

(٣) صحيح الترمذي ٥ : ٧٠١ ، رقم الحديث ٣٨٧٤. سنن الترمذي ٥ : ٣٦٠.

(٤) جواهر المطالب ١ : ٥٥.

١٧٣

سنّه ، ومحمّد في هديه وحلمه ، فانظروا إلى هذا المقبل » ، فتطاولت الأنظار إليه فإذا هو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد نظم ذلك الشاعر الكبير أبي عبد الله المفجّع في قصيدته العصماء التي نظم فيها الكثير من مآثره ومناقبه يقول :

أيّها اللاّئمي لحبّي عليّا

قم ذميما إلى الجحيم خزيّا

أ بخير الأنام عرّضت لا زل

ت مذودا عن الهدى مزويّا

أشبه الأنبياء طفلا وزولا (١)

وفطيما وراضعا وغذيّا

كان في علمه كآدم إذ ع

لم شرح الأسماء والمكنيّا

وكنوح من الهلاك نجا

في مسير وإذ علا الجوديّا (٢)

١١ ـ الإمام سيّد العرب :

روى الإمام الحسين عليه‌السلام عن جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لأنس : « يا أنس ، إنّ عليّا سيّد العرب » فبادرت عائشة قائلة : ألست سيّد العرب؟ فقال : « أنا سيّد ولد آدم ، وعليّ سيّد العرب » (٣).

١٢ ـ الإمام أحبّ الخلق إلى الله :

روى أنس قال : قدّمت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيرا ، فسمّى رسول الله وأكل لقمة ، وقال : « اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك » ، فضرب الباب ، فقلت : من أنت؟ قال : عليّ ، قلت : إنّ رسول الله لعلى حاجة ، ثمّ أكل لقمة اخرى ، وقال مثل الاولى ، فضرب عليّ الباب ، فقلت : من أنت؟ قال : عليّ ، قلت : إنّ رسول الله على حاجة ، ثمّ أكل النبيّ لقمة اخرى وقال مثل ذلك ، وضرب عليّ الباب ورفع صوته ،

__________________

(١) الزّول : الفتى ، الفطن.

(٢) معجم الأدباء ١٧ : ٢٠٠.

(٣) حلية الأولياء ٥ : ٣٨.

١٧٤

فقال النبيّ : « يا أنس ، افتح له الباب » ، ففتحت الباب فدخل ، فلمّا رآه تبسّم ثمّ قال : « الحمد لله الّذي جاء بك فإنّي أدعو في كلّ لقمة أن يأتيني الله بأحبّ الخلق إليه وإليّ ، فكنت أنت » ، فقال : « والّذي بعثك بالحقّ إنّي لأضرب الباب ثلاثا ويردّني أنس » ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنس : « لم رددته؟ » قلت : كنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار ، فتبسّم النبيّ ، وقال : « ما يلام الرّجل على حبّ قومه » (١).

إنّ حديث الطائر المشوي من أوثق الأحاديث النبوية ، وقد تمسّكت به الشيعة في الاستدلال على أحقّية الإمام للخلافة ؛ لأنّ أحبّ الناس إلى الله تعالى إنّما هو أفضلهم وأتقاهم وأعلمهم ، فلا بدّ أن يكون أحقّ الناس بالخلافة (٢) ، وذلك لتوفّر هذه الصفات فيه.

١٣ ـ إطاعة الإمام إطاعة للرسول :

وأكّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كثير من أحاديثه أنّ طاعة الإمام إطاعة لله تعالى ولرسوله كان منها هذا الحديث :

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن عصى عليّا فقد عصاني » (٣).

١٤ ـ من أحبّ عليّا فقد أحبّ الله :

وتظافرت الأخبار عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنّ من أحبّ الإمام عليه‌السلام فقد أحبّ الله تعالى ، وهذه طائفة من الأخبار متقاربة المعنى وهي :

__________________

(١) ذخائر العقبى : ٦١ ، وقريب منه في : تاريخ بغداد ٣ : ١٧١. اسد الغابة ٤ : ٣٠. كنز العمّال ٦ : ٤٠٦. صحيح الترمذي ٢ : ٢٩٩.

(٢) دلائل الصدق ٢ : ٤٣.

(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٤.

١٧٥

أ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« أوصي من آمن بي وصدّقني بولاية عليّ بن أبي طالب ، فمن تولاّه فقد تولاّني ، ومن تولاّني فقد تولّى الله ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ » (١).

ب ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام لمّا اختاره لقراءة سورة براءة على أهل مكّة :

« من أحبّك أحبّني ، ومن أحبّني أحبّ الله ، ومن أحبّ الله أدخله الجنّة » (٢).

ج ـ روى ابن عبّاس قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قابضا على يد عليّ عليه‌السلام ذات يوم فقال :

« ألا من أبغض هذا فقد أبغض الله ورسوله ، ومن أحبّ هذا فقد أحبّ الله ورسوله » (٣).

د ـ روى أبو رافع قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا أميرا على اليمن ، وخرج معه رجل من أسلم يقال له عمرو بن شاس ، فرجع وهو يذمّ عليّا ويشكوه ، فبعث إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : « اخسأ يا عمرو ، هل رأيت من عليّ جورا في حكمه ، أو أثرة في قسمة؟ » ، قال : اللهمّ لا.

قال : « فعلام تقول الّذي بلغني؟ » قال : أبغضه ، ولا أملك نفسي ، فغضب رسول الله حتى عرف ذلك في وجهه ثمّ قال :

« من أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أحبّه فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى » (٤).

__________________

(١) الرياض النضرة ٢ : ١٦٦. مجمع الزوائد ٩ : ١٠٨. كنز العمّال ٦ : ١٥٤.

(٢) و (٣) كنز العمّال ٦ : ٣٩١.

(٤) مجمع الهيثمي ٩ : ١٢٩.

١٧٦

حكت هذه الأحاديث أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ ما يرضي عليّا فهو يرضيه ، وما يسخطه فهو يسخطه ، وبذلك فقد نال الإمام عليه‌السلام منزلة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينالها أحد غيره.

١٥ ـ حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق :

أعلن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ حبّ الإمام إيمان وتقوى ، وبغضه نفاق ومعصية ، وهذه بعض ما أثر عنه :

أ ـ قال عليّ عليه‌السلام :

« والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الامّي إليّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق » (١).

ب ـ روى المساور الحميري عن امّه قالت : دخلت على أمّ سلمة فسمعتها تقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

« لا يحبّ عليّا منافق ، ولا يبغضه مؤمن » (٢).

ج ـ روى ابن عبّاس قال : نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ عليه‌السلام فقال : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبي حبيب الله ، وبغيضي بغيض الله ، ويل لمن أبغضك بعدي » (٣).

د ـ روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : « حبّك إيمان ،

__________________

(١) صحيح الترمذي ٢ : ٣٠١. صحيح ابن ماجة : ١٢. تاريخ بغداد ٢ : ٢٥٥. حلية الأولياء ٤ : ١٨٥.

(٢) صحيح الترمذي ٢ : ٢٩٩.

(٣) مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣.

١٧٧

وبغضك نفاق ، وأوّل من يدخل الجنّة محبّك ، وأوّل من يدخل النّار مبغضك » (١).

وشاعت هذه الأحاديث عند الصحابة ، وصاروا يطبّقونها على من أحبّ الإمام فوصفوه بالإيمان ، وعلى من أبغضه بالنفاق ، يقول الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري : ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلّف عن الصلوات ، والبغض لعليّ بن أبي طالب (٢).

وقال الصحابي الكبير جابر بن عبد الله الأنصاري : ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

١٦ ـ عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ :

إنّ الصحيفة المشرقة للمؤمنين يوم يلقون الله تعالى هي الولاء والمحبّة للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. وروي ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول أنس بن مالك : والله الذي لا إله إلاّ هو سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

« عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب » (٤).

١٧ ـ إخبار النبيّ بما يجري على الإمام من بعده :

استشفّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وراء الغيب ما يعانيه الإمام من بعده ، وما يجري عليه من صنوف المحن والخطوب فقال له :

« أما إنّك ستلقى بعدي جهدا ».

فانبرى الإمام قائلا :

__________________

(١) نور الأبصار ـ الشبلنجي : ٧٢.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٩.

(٣) الاستيعاب ٢ : ٤٦٤.

(٤) تاريخ بغداد ٤ : ٤١٠.

١٧٨

« أفي سلامة من ديني؟ ».

وسارع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا :

« في سلامة من دينك » (١).

ولم يحفل الإمام بما يواجهه من الأزمات والمصاعب ما دام على ثقة من دينه.

١٨ ـ النبيّ يخبر الإمام بغدر الامّة به :

وأحاط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّه وباب مدينة علمه الإمام عليه‌السلام بغدر الامّة به من بعده ، وقد أخبر الإمام عليه‌السلام بذلك ، فقال :

« والله إنّه لعهد النّبيّ الامّي إليّ أنّ الامّة ستغدر بي » (٢).

وروى حيّان الأسدي قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول :

« قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الامّة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملّتي ، وتقتل على سنّتي ، من أحبّك أحبّني ، ومن أبغضك أبغضني وإنّ هذه ـ وأشار إلى كريمته ـ ستخضب من هذا ، وأشار إلى رأسه » (٣).

لقد غدرت الامّة برائد العدالة الإسلامية الممثّل الأوّل لهدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته فأقصته عن مركزه ، وأبعدته عن مقامه ، وتركته في أرباض بيته يسامر الهموم ، ويعالج البرحاء ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأحاديث النبوية التي رواها أصحاب الصحاح والسنن عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سموّ منزلة الإمام وعظيم مكانته عنده.

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٠.

(٢) مجمع الزوائد ٩ : ١٣٧.

(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٢. كنز العمّال ٦ : ١٥٧.

١٧٩

الكوكبة الثانية

وننتقل إلى عرض بعض الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن الإمام عند الله تعالى ، وما أعدّ له من الكرامة.

منزلة الإمام في الدار الآخرة :

وتحدّثت كوكبة من الأخبار التي أثرت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أعدّ الله تعالى من الكرامة للإمام في الدار الآخرة ، وهذه بعضها :

١ ـ الإمام حامل لواء الحمد :

وتظافرت الأخبار الصحاح عن النبيّ أنّ الإمام في يوم القيامة يمنحه الله تعالى شرف حمل لواء الحمد ، وهو وسام لم يمنح لغيره ، وهذه بعض الأخبار :

أ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : « أنت أمامي يوم القيامة ، فيدفع لي لواء الحمد فأدفعه إليك ، وأنت تذود النّاس عن حوضي » (١).

ب ـ روى ابن عبّاس قال : سمعت عمر بن الخطّاب يقول : كفّوا عن ذكر عليّ ابن أبي طالب ، فلقد رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه خصالا لأن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانتهينا إلى باب أمّ سلمة ، وعليّ قائم على الباب ، فقلنا : أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : « يخرج إليكم » ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسرنا إليه ، فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب ، ثمّ ضرب بيده على منكبه ، وقال له :

« إنّك مخاصم تخاصم ... أنت أوّل المؤمنين إيمانا ، وأعلمهم بأيّام الله ، وأوفاهم بعهده ، وأقسمهم بالسّويّة ، وأرأفهم بالرّعيّة ، وأعظمهم رزيّة ، وأنت

__________________

(١) كنز العمّال ٦ : ٤٠٠.

١٨٠