الموسوعة القرآنيّة - ج ١

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ١

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٤

غير أن هذه المراحل التى جاءت بعد الحجاج لم تتم فى يوم وليلة ، بل امتدّت بامتداد الأيام ، ولقد كانت وفاة الحجّاج فى العام الخامس والتسعين من الهجرة ، ونرى السّجستانى يروى أخباره في تجزئة القرآن تلك التجزئة الثانية عن رواة تنحصر وفاتهم فى القرن الثانى للهجرة ، ثم نرى ابن النديم وهو يتكلم عن الكتب المؤلفة في أجزاء القرآن يذكر لنا :

١ ـ كتاب أسباع القرآن لحمزة بن حبيب بن عمارة الزيات. ولقد كانت وفاة حمزة سنة ١٥٨ ه‍.

٢ ـ كتاب أجزاء ثلاثين ، عن أبى بكر بن عياش ، ولقد كانت وفاة أبى بكر بن عياش سنة ١٩٣ ه‍ (١).

وما يعنينا الكتاب الأول ، فلقد علمنا أن تجزئة القرآن أسباعا ، كانت على يد الحجاج حروفا ، وقد تكون على يد حمزة آيات ، نقول لا تعنينا هذه ولكن تعنينا الثانية ، فهى تدلنا على أن تجزئة القرآن إلى ثلاثين جزءا ، وهى التجزئة التى عليها مصاحفنا اليوم ، تجزئة قديمة انتهت إلى أبى بكر بن عياش ، بهذا يشعرنا أسلوب ابن النديم ، إذ لم يعز الكتاب لأبى بكر وإنما قال : عن أبى بكر بن عياش.

إذن فتجزئة القرآن ثلاثين جزءا لم تغب عن القرن الثانى الهجرى ، ولا يبعد أن تكون دون منتهاه بكثير ، فقد كان مولد أبى بكر بن عياش سنة ست وتسعين من الهجرة ، والرجل يصلح للتلقّى والرواية مع الخامسة والعشرين من عمره ، أى إن أبا بكر بن عياش كان رجل رواية وتلقّ مع العام العشرين بعد المائة الأولى من الهجرة.

وهذه التجزئة الأخيرة ، أعنى تجزئة القرآن ثلاثين جزءا ، هى التجزئة التى غلبت وعاشت ، ولعل ما ساعد على غلبتها يسرها ، ثم ارتباطها بعدد أيام الشهر ، ونحن نعلم كم تجد هذه التجزئة إقبالا عظيما فى شهر رمضان من كل عام ، وما نظن الذين جزءوا انتهوا إلى هذه التجزئة الأخيرة فى مرحلة واحدة متجاوزين التجزئة العشرية إلى التجزئة الثلاثينية ، والذى نقطع به أنه كانت ثمة تجزئات بين هاتين المرحلتين لا ندرى تدرجها ، ولكن يعنينا أن نقيّد أن ثمة تجزئة تقع في عشرين جزءا ، تحتفظ بها مكتبة دار الكتب المصرية.

وبهذه التجزئة ـ أى إلى ثلاثين جزءا ـ أصبح القرآن يعرض أجزاء منفصلة كل جزء على حدة ، وأصبحنا نراه فى المساجد ـ لا سيما فى شهر رمضان ـ محفوظا فى صناديق بأجزائه الثلاثين ، كل مجموعة فى صندوق ، يقدمه الراغبون فى الثواب إلى المختلفين إلى المساجد رغبة فى تلاوة نصيب من القرآن.

__________________

(١) الفهرست (ص : ٥٥) طبعة مصر.

٣٨١

وأصبح يطلق على هذه الأجزاء الثلاثين اسم ريعة. والرّيعة فى اللغة : الصندوق أو الوعاء من جلد.

ولعل تسمية الأجزاء الثلاثين بهذا الاسم جاءت من إطلاق المحلّ على الحال فيه.

ولكن هذا التيسير الأخير جر إلى تيسير آخر يتصل به ، وما نشك فى أن الدافع إليه كان التيسير هنا على الحافظين ، بعد أن كان التيسير قبل على القارئين ، وفرق بين أن تيسّر على قارئ وبين أن تيسر على حافظ.

من أجل هذه فيما نظن كان تقسيم الأجزاء الثلاثين إلى أحزاب ، كل جزء ينقسم إلى حزبين ، ثم تقسيم الحزب إلى أرباع ، كل حزب ينقسم إلى أربعة أرباع.

وعلى هذا التقسيم الأخير طبعت المصاحف ، واعتمد هذا التقسيم على الجانب الراجح بين القراء فى عدد الآيات ، فأنت تعلم هذا الخلاف الذى بينهم :

فالمدنيون الأول يعدون آيات القرآن ٦٠٠٠ آية

والمدنيون المتأخرون يعدون آيات القرآن ٦١٢٤ آية

والمكيون المتأخرون يعدون آيات القرآن ٦٢١٩ آية

والكوفيون يعدون آيات القرآن ٦٢٦٣ آية

والبصريون يعدون آيات القرآن ٦٢٠٤ آية

والشاميون يعدون آيات القرآن ٦٢٢٥ آية

وفى هذا الخلاف كان ثمة ترجيح ، وثمة اتفاق وثمة تغليب. وقد انبرى لهذا «السّفاقسى» فى كتابه «غيث النفع». ولقد اعتمد السفاقسى على رجلين سبقاه فى هذه الصناعة ، هما : أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر القسطلانى فى كتابه «لطائف الإشارات فى علم القراءات» ، والقادرى محمد ، وكتابه «مسعف المقرئين معبين المشتغلين بمعرفة الوقف والابتداء» ، وانتهى إلى الرأى الراجح أو المتّفق عليه ، وبهذا أخذ الذين أشرفوا على طبع المصحف طبعته الأخيرة فى مصر ، وخرج يحمل الإشارات الجانبية الدالّة على مكان الأجزاء والأحزاب وأرباع الأحزاب.

٢٢ ـ الناسخ والمنسوخ :

النسخ ، لغة : إبطال الشيء ورفعه ، والمتكلمون عن النسخ فى القرآن يجعلونه على ثلاثة أضرب :

١ ـ ما نسخ خطه وحكمه ، ويروون فى ذلك عن أنس أنه قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى

٣٨٢

الله عليه وسلم سورة تعدلها سورة التوبة ، ما أحفظ منها غير آية واحدة «ولو أن لابن آدم واد بين من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ، ولو أن لهم ثالثا لابتغى إليها رابعا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب».

كما يروون عن ابن مسعود أنه قال : أقرأنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية فحفظتها وكتبتها فى مصحفى ، فلما كان الليل رجعت إلى مصحفى فلم أرجع منها بشيء ، وغدوت على مصحفى فإذا الورقة بيضاء. فأخبرت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لي : يا ابن مسعود ، تلك رفعت البارحة.

وهذا قسم يكاد سرده يدل عليه ويكشف عن سقوطه ، فما أجّل الله حكيما عليما. وما كانت الرسالة تجربة بشرية يجوز عليها تعديل أو الوقوع فيما سينقض بعد حين. ولقد كان الرسول يحدّث المسلمين بحديثه ويقرأ عليهم وحى السماء ، ولقد كان عليه‌السلام يعارضهم فيما حملوه عنه على التوالى حرصا على سلامة الوحى من أن يختلط به غيره ، وكم من سامع خلط ما بين ما هو وحى وبين ما هو حديث للرسول ، ولكنه كان بعد حين قليل مردودا إلى السلامة حين يلقى الرّسول ، أو يقابل صحابيّا على بصيرة بما هو وحى وما هو حديث. وسرعان ما كانت تستقيم الأمور ، ويبين هذا من ذاك ، حتى إذا ما حان أن يقبض الله إليه رسوله كانت العرضة الأخيرة للقرآن ، ولم تكن إلا لهذا ومثله.

٢ ـ ما نسخ خطّه وبقى حكمه. ويروون لهذا خبرا عن عمر بن الخطاب ، يقول :

لو لا أكره أن يقول الناس قد زاد فى القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرّجم وأثبتها ، فو الله لقد قرأناها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم. الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم».

وأحسب أن عمر لو صح هذا عنه ، وأنه سمعها عن الرسول ما تخلّف عن أن يكتبها ، ثم ألم يسمعها مع «عمر» غيره فيجعل منه شاهدا معه ، إن كان «عمر» لا يرى أنه وحده مجزئ ، اللهم إن هذا ينقض علينا تلك المعارضات التى كانت تتمّ بين الرسول والقارئين ، وينقض علينا التفكير السليم ، وما نحب لمن يعالج ما يتصل بكتاب الله إلا أن يكون ذا تفكير سليم.

٣ ـ ما نسخ حكمه وبقى خطّه ، وهذا شىء يقتضيه التشريع والانتقال من حكم إلى حكم ، مثال ذلك الآيات التى تتصل بالقبلة ، والتى انتهت بقوله تعالى يخاطب نبيّه : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١) وكانت قبلها (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢).

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) البقرة : ١١٥.

٣٨٣

ومثل قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (١) فجاء قوله عليه الصلاة والسلام : «أحلّت لنا ميتتان ودمان : السّمك والجراد والكبد والطّحال» يستثنى شيئا من الميتة المذكورة فى القرآن.

وقد عد الناظرون فى هذا نحوا من ١٤٤ ، منها :

(١) ثلاثون آية فى البقرة

 (٢) عشر آيات فى آل عمران

(٣) أربع وعشرون آية فى النساء

 (٤) تسع آيات فى المائدة

(٥) خمس عشرة آية فى الأنعام

 (٦) آيتان فى الأعراف

(٧) ست آيات فى الأنفال

 (٨) إحدى عشرة آية فى التوبة

(٩) ثمانى آيات فى يونس

 (١٠) أربع آيات فى هود

(١١) آيتان فى الرعد

 (١٢) آية فى إبراهيم

(١٣) خمس آيات فى الحجر

 (١٤) أربع آيات فى النحل

(١٥) ثلاث آيات فى بنى إسرائيل

 (١٦) آية فى الكهف

(١٧) خمس آيات فى مريم

 (١٨) ثلاث آيات فى طه

(١٩) ثلاث آيات فى الأنبياء

 (٢٠) ثلاث آيات فى الحج

(٢١) آيتان فى المؤمنين

 (٢٢) سبع آيات فى النور

(٢٣) آيتان فى الفرقان

 (٢٤) آية واحدة فى النمل

(٢٥) آية واحدة فى القصص

 (٢٦) آية واحدة فى العنكبوت

(٢٧) آية واحدة فى الروم

 (٢٨) آية واحدة فى السجدة

(٢٩) آيتان فى الأحزاب

 (٣٠) آية واحدة فى سبأ

(٣١) آية واحدة فى الملائكة

 (٣٢) أربع آيات فى الصافات

(٣٣) آيتان فى ص

 (٣٤) ثلاث آيات فى الزمر

(٣٥) آيتان فى حم (المؤمن)

 (٣٦) آية واحدة فى حم (السجدة)

(٣٧) سبع آيات فى الشورى

 (٣٨) آيتان فى الزخرف

(٣٩) آية واحدة فى الدخان

 (٤٠) آيتان فى الجاثية

__________________

(١) المائدة : ٣.

٣٨٤

(٤١) آيتان فى الأحقاف

 (٤٢) آيتان فى محمد

(٤٣) آيتان فى ق

 (٤٤) آيتان فى الذاريات

(٤٥) آيتان فى الطور

 (٤٦) آيتان فى النجم

(٤٧) آية واحدة فى القمر

 (٤٨) آية واحدة فى المجادلة

(٤٩) ثلاث آيات فى الممتحنة

 (٥٠) آيتان فى القلم

(٥١) آيتان فى المعارج

 (٥٢) ست آيات فى المزمل

(٥٣) آيتان فى الإنسان

 (٥٤) آية واحدة فى عبس

(٥٥) آية واحدة فى التكوير

 (٥٦) آية واحدة فى الطارق

(٥٧) آية واحدة فى الغاشية

 (٥٨) آية واحدة فى التين

(٥٩) آية واحدة فى العصر

 (٦٠) آية واحدة فى الكافرين

وسوف نرى أن كل ما يتصل بها هو ترتّب أحكام اقتضاها التّشريع السماوى الذى أملاه نزول القرآن مجزأ بوفق أحوال المسلمين وتدرّجهم فى الحياة ، الأمر الذى قد منا عنه حديثا عند الكلام على نزول القرآن مجزّأ لا جملة واحدة (١).

٢٣ ـ المحكم والمشابه والحروف المقطعة فى أوائل السور

يذهب العلماء فى المحكم والمتشابه مذاهب ، ويفرعها ابن حبيب النيسابورى إلى أقوال ثلاثة :

أولها : أن القرآن كله محكم ، لقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) ١١ : ١

ثانيها : أنه كله متشابه ، لقوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) ٣٩ : ٢٣

ثالثها : انقسامه إلى محكم ومتشابه ، لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ٣ : ٧

وكما اختلفوا فى هذه اختلفوا فى معنى المحكم ومعنى المتشابه ، فقيل :

المحكم : ما عرف المراد منه ، إما بالظهور وإما بالتأويل.

والمتشابه : ما استأثر الله بعلمه ، كقيام الساعة ، وخروج الدجال ، والحروف المقطعة فى أوائل السور.

وقيل :

المحكم : ما وضح معناه ، والمتشابه ، نقيضه.

__________________

(١) انظر باب الناسخ والمنسوخ.

(م ٢٥ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ١)

٣٨٥

وقيل :

المحكم : ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، والمتشابه : ما احتمل أوجها.

وقيل :

المحكم : ما كان معقول المعنى ، والمتشابه بخلافه ، كأعداد الصلوات ، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان.

وقيل :

المحكم : ما استقل بنفسه ، والمتشابه : ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره.

وقيل :

المحكم : ما لم تكرر ألفاظه ، ويقابله المتشابه.

وقيل :

المحكم : الفرائض ، والوعد ، والوعيد ، والمتشابه : القصص والأمثال.

وقيل :

المحكم : ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به.

والمتشابه : منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وما يؤمن به ولا يعمل به.

وقيل :

المحكم : الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه فهو متشابه ، يصدق بعضه بعضا.

ثم اختلفوا بعد هذين فى المتشابه ، هل يمكن الاطلاع على علمه ، أولا يعلمه إلا الله؟

وكان مرد هذا إلى اختلافهم فى تفسيرهم قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ٣ : ٧ منهم من جعل الواو للاستئناف ، وعلى هذا يكون السياق : والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.

ومنهم من جعلها للعطف ، وعلى هذا يكون السياق : والراسخون فى العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا (١).

ويقول ابن قتيبة (٢) : إن الله لم ينزّل شيئا من القرآن إلا لينفع به عباده ، ويدل به على معنى أراده.

ويقول : فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال ، وتعلّق علينا بعلّة.

__________________

(١) الإتقان (٢ : ٢).

(٢) تأويل مشكل القرآن (٧٢ ـ ٧٣).

٣٨٦

ويمضى ابن قتيبة فى حديثه فيقول : وهل يجوز لأحد أن يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن يعرف المتشابه ، وإذا جاز أن يعرف مع قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) جاز أن يعرفه الرّبانيون من صحابته. فقد علّم «عليّا» التّفسير ، ودعا لابن عباس فقال : اللهم علّمه التأويل وفقّهه فى الدين.

ثم يقول ابن قتيبة : وبعد. فإنا لم نر المفسرين توقّفوا عن شىء من القرآن فقالوا : هذا متشابه لا يعمله إلا الله : بل أمرّوه كله على التفسير حتى فسروا الحروف المقطّعة فى أوائل السور.

ويقول ابن قتيبة فى تفسير قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (١) : فإن قال قائل : كيف يجوز فى اللغة أن يعلمه الراسخون فى العلم ، وأنت إذا أشركت الراسخين فى العلم انقطعوا عن «يقولون» ، وليست هاهنا فى نسق توجب للراسخين فعلين؟ قلنا له : إنّ «يقولون» هاهنا فى معنى الحال ، كأنه قال : «والراسخون فى العلم قائلين آمنا به».

(٢) ثم اختلفوا بعد هذا فى تفسير الحروف المقطعة.

١ ـ فمنهم من يجعلها أسماء للسور ، تعرف كل سورة بما افتتحت به منها ، فهى أعلام تدل على ما تدل عليه الأسماء من أعيان الأشياء وتفرّق بينها ، فإذا قال القائل : قرأت «المص» ، أو قرأت «ص» ، أو «ن» دل بذلك على ما قرأ.

ولا يرد هذا أن بعض هذه الأسماء يقع لعدة سور ، مثل ، «حم» و«الم» ، إذ من الممكن التمييز بأن يقول : حم السجدة ، و«الم» البقرة ، كما هى الحال عند وقوع الوفاق فى الأسماء ، فتميّزها بالإضافات ، وأسماء الآباء ، والكنى.

٢ ـ ويجعلها بعضهم للقسم ، وكأن الله عزوجل أقسم بالحروف المقطّعة كلها ، واقتصر على ذكر بعضها من ذكر جميعها ، فقال «الم» ، وهو يريد جميع الحروف المقطّعة ، كما يقول القائل : تعلمت «أب ت ث» وهو لا يريد تعلّم هذه الأحرف دون غيرها من الثمانية والعشرين.

ولقد أقسم الله بحروف المعجم لشرفها وفضلها ، إذ هى مبانى كتابه المنزل على رسوله.

٣ ـ ويجعلها بعضهم حروفا مأخوذة من صفات الله تعالى ، ويكون هذا فنّا من فنون الاختصار عند العرب.

__________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) تأويل مشكل القرآن (٢٣٠ ـ ٢٣٩) لسان العرب (١ : ٤ ـ ٦).

٣٨٧

وهذا الاختصار عند العرب كثير ، يقول الوليد بن عقبة ، من رجز له :

قلت لها قفى

فقالت قاف

أى قالت : وقد وقفت ، فأومأ بالقاف إلى معنى الوقوف.

وعلى هذا يجعل المفسرون كل حرف من هذه الحروف يشير إلى صفة من صفات الله.

فيقول ابن عباس مثلا فى تفسير قوله تعالى : (كهيعص) إن الكاف من كاف ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم ، والعين من عليم ، والصاد من صادق.

هذا مجمل ما ذهب إليه المفسرون القدامى فى معانى هذه الحروف المقطعة وفى كل منها مقنع.

أما ما ذهب إليه المحدثون فى هذا فحسبك ما انتهى إليه «على نصوح الطاهر» فى كتابه «أوائل السور فى القرآن الكريم». وإليك مجمل ما قال فى خاتمة كتابه :

١ ـ إن أوائل السور تقوم على حساب الجمل.

٢ ـ إنها تبين عدد الآيات المكية أيام كان القرآن يخشى عليه من أعدائه فى مكة من أن يزيدوا فيه أو أن ينقصوا منه ، ودليله على ذلك.

(ا) أنها وردت مع تسع وعشرين سورة من سور القرآن.

(ب) من هذه السور سبع وعشرون مكية واثنتان مدنيتان ، هما البقرة وآل عمران.

(ح) أن هاتين السورتين المدنيتين نزلتا فى أوائل العهد المدنى ، ولم يكن قد استقر أمر المسلمين كثيرا ، فهو عهد أشبه بعهد مكة.

(د) أنه حين اشتد أمر المسلمين ، وكانت كثرة من القارئين والكاتبين ، لم تكن ثمة حروف مقطعة فى فواتح سور.

ولقد تتبع فى كتابه «أوائل السور فى القرآن الكريم» السّور ذات الفواتح ، وطابق بين جملها والآيات المكية بها فإذا هو ينتهى إلى رأى شبه قاطع.

هذا مجمل ما للسلف عن المتشابه والمحكم عامة ، ثم مجمل ما للسلف والخلف من المحدثين عن الحروف المقطعة فى أوائل السور خاصة.

وتكاد آراء السلف عن الشق الأول تملى تعقيبا ، فالآيات الثلاث التى فرعوا عليها أحكامهم تكاد تكون كل آية منها لمعنى قائم بذاته.

٣٨٨

فقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) ١١ : ١ ، المراد بالإحكام هنا : غاية الإبداع ، أى : إنه على صورة من البيان لا يدانى فيها إبداعا ، وهذا من دلائل إعجاز القرآن.

وقوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً) ٣٩ : ٢٣ ، المراد بالتشابه هنا الاتفاق ، إذ لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، وهذا دليل ثان من دلائل إعجاز القرآن.

وقوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) ٣ : ٧ ، فالمراد أن من آياته ما جاء لغرض بعينه لا تشاركه فيه غيرها ، ومنها ما جاءت حول غرض عام تشاركها فيه غيرها.

وعلى هذا يستوى لنا رأى ابن قتيبة ومن لفّ لفّه فى أنه ليس ثمة فى الكتاب الكريم شىء إلا وهو مناط تفكيرنا وتدبيرنا ، وإعمال الرأى فيه ، لأنه كتاب الله لعباده ، نزله على رسوله ليبلغه عباده ليعملوا به وبما فيه ، ولن يبلغوا هذا أو يقاربوه إلا إذا نظروا فى معانيه وتدبروها.

وقد كتب السلف عن الشق؟؟؟ الثانى وقالوا فيه ما رأوا ، وإذ كان القرآن للناس إلى يوم الدين ، يقول كل ما يرى ، إذا ما بلغ مبلغ من يقول فى القرآن ، فقد نقلنا لك هذا الرأى المحدث.

٢٤ ـ البسملة ، والاستعاذة ، والسجدة

والبسملة عند الأكثرين آية تقرأ من أول كل سورة ، غير «براءة».

والتعوذ قبل القراءة من السنة ، لقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (١).

وصيغته المختارة : أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم.

وعند بعض السلف : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

وقال ابن الجزرى فى كتابه «النشر فى القراءات العشر» : المختار عند أئمة القراء الجهر بها.

ويسن السجود عند قراءة آية السجدة ، وهى أربع عشرة آية ، فى :

الأعراف : الرعد ، النحل ، الإسراء ، مريم ، وفيها «سجدتان» ، الفرقان ، النمل ، الم ، فصلت ، النجم ، إذا السماء انشقت ، اقرأ باسم ربك.

وأما فى «ص» فمستحبة وليست من عزائم السجود ، أى متأكداته.

__________________

(١) النحل : ٩٨.

٣٨٩

٢٥ ـ كتاب المصحف

كان «المسند» ـ هو الخط الحميرى ، الذى كان مستعملا فى الأنبار والحيرة ـ المرحلة الثالثة من المراحل التى جازها الخط العربى ، فلقد سبقته فى سلّم التّرقّى مرحلتان : المرحلة المصرية بفروعها الثلاثة : الهيروغليفية ، والهيراطيقية ، والديموطيقية ، والمرحلة الفينيقية ، نسبة إلى فينيقية ، أرض كنعان.

ومن الحيرة انتقل هذا الخط «المسند» إلى الجزيرة العربية ، وكان أقدم خط عرف بها ، وسمى مع انتقاله «الجزم» ، لأنه جزم ، أى قطع من «المسند».

وبعد بناء الكوفة ، فى عهد عمر بن الخطاب ، سمى هذا الخط «المسند» : الخطّ الكوفى ، نسبة إليها ، وما إن عمرت الكوفة حتى رحلت إليها القبائل ، وكان من بين القبائل الراحلة قبائل يمنية ، وكان من بينها من يكتب بالخط المسند ، فسرعان ما انتشر هذا الخط بين الكوفيين ، وجوّدوا فيه ، وأضافوا إليه حليات وزخرفات على شاكلة تلك التى كانت فى الخط السريانى المعروف باسم : «السطرنجيلى».

وحين انتهى الخط الكوفى إلى الحجاز كان بين مقوّر ومبسوط ، وسمى الخط المقوّر باسم «اللين» ، أو «النسخى» ، وهو ما تكون عراقاته منخسفة إلى أسفل ، وشاع استخدام هذا النوع من الخط فى الرقاع ، والمراسلات ، والكتابات العامة.

أما الخط «المبسوط» ، وهو ما يعرف باسم «اليابس» ، فلقد كانت عراقاته مبسوطة ، وقصر استخدام هذا النوع من الخط على النقش فى المحارب ، وأبواب المساجد والمعابد وجدرانها ، وعلى كتابة المصاحف الكبيرة.

وكان كتّاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكتبون بالخط المقور «النسخى» ، وبهذا الخط كتب زيد بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ صحف القرآن فى خلافة أبى بكر بأمره وإشارة عمر بن الخطاب ، رضى الله عنهما.

ويتبين لك الفرق بين الخطين واضحا فى تلك الصور الثلاث : فالصورتان الأولى والثانية تمثلان خطا بين بعث أولهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المقوقس [ش : ١] ، وبعث ثانيهما إلى المنذر بن سارى [ش : ٢].

٣٩٠

٣٩١

وهكذا تجد أن الفرق بين خط القرآن وخط الرسائل واسع.

وحين جمع القرآن بالمدينة ، وأرسلت المصاحف إلى مكة ، والشام ، والبصرة ، والكوفة ، وغيرها ، أقبل الناس على نسخ القرآن الكريم ، وأصبحت لكل إقليم طريقة تميز بها عن غيره ، وكان لها اسمها ، ونشأ عن ذلك :

١ ـ الخط المدنى ، وكان يسمى : المحقق ، والوراقى ، نسبة إلى الوراقين الذين كانوا يكتبون المصاحف بالخط المحقق أو النسخى.

٢ ـ الخط المكى ، ويتميز هذا الخط المكى والخط المدنى بأن فى لفاتهما تعويجا إلى يمنة اليد ، أو إلى أعلى الأصابع ، فى انضجاع يسير.

٣ ـ الخط البصرى (الكوفى ، الأصفهانى ، العراقى) ، وكان على ثلاثة أنواع : المدور ، والمثلث ، والتئم (وهو خط التعليق الذى بين الثلث والنسخ).

وحين أطل العهد الأموى ، وأقبل الناس على تعلم العربية ، أخذ الخط العربى يرقى ، وظهر فى أواخر عهد بنى أمية رجل اسمه «قطبة» اشتهر بتجديد الخط ، وكان على يديه انتقال الخط العربى من الشكل

٣٩٢

الكوفى إلى قريب من الشكل الذى هو عليه الآن ، وإلى «قطبة» هذا يعزى اختراع القلم الجليل ، الذى ينسب إليه الخط الجليلى ، أى الكبير الواضح.

وكان ثمة فى أيام «الوليد بن عبد الملك» كاتب مختصّ به ، هو «خالد بن أبى الهياج» ، انقطع لكتابة المصاحف للوليد ، وكان مجوّدا فى كتابتها. «وابن أبى الهياج» هذا هو الذى كتب بالذهب على محراب مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المدينة سورة (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) ، وما بعدها من السّور إلى آخر القرآن الكريم ، ولكن هذا كله للأسف ذهب ولم يبق له أثر.

وجاء من بعد «خالد بن أبى الهياج» رجل من كبار الزاهدين ، كانت وفاته سنة إحدى وثلاثين ومائة من الهجرة ، هو : مالك بن دينار ، وكان «مالك» هو الآخر من المجددين فى كتابة المصاحف.

فلما كانت أيام «الرشيد» برز كاتبان من الكتّاب المجددين للمصاحف هما : خشنام البصرى ، ومهدى الكوفى.

ويقول ابن النديم : ولم ير مثلهما إلى حيث انتهينا ـ أى إلى عصر ابن النديم ـ حتى إذا ما كانت أيام المعتصم ظهر «أبو حدى الكوفى» ، وكان يكتب المصاحف اللطاف.

ثم كانت بعد «أبى حدى» جماعة من الكوفيين اشتهروا بكتابة المصاحف ، منهم : ابن أم شيبان ، والمسحور ، وأبو حميرة ، وأبو الفرج.

هذا إلى جماعة أخرى من الوراقين كانوا يكتبون المصاحف بالخط المحقق (المشق) ، منهم : ابن أبى حسان ، وابن الحضرمى ، وابن زيد ، والفريابى ، وابن أبى فاطمة ، وابن مجالد ، وشراشير المصرى ، وابن حسن المليح ، وأبو حديدة ، وأبو عقيل ، وأبو محمد الأصفهانى ، وأبو بكر أحمد بن نصر ، وابنه أبو الحسن.

ولقد ظهر فى أوائل الدولة العباسية رجلان من أهل الشام عرفا بجودة الخط ، وإليهما انتهت الرئاسة فى ذلك العصر ، هما : الضحاك بن عجلان ، وكان فى خلافة السفاح ، وإسحاق بن حماد ، وكان فى خلافة المنصور والمهدى ، وفى عهدهما بلغت الأقلام العربية اثنى عشر قلما ، كان لكل قلم طريقته.

ثم انتهت رئاسة الخط إلى ابني مقلة : أبى على محمد بن مقلة ، وعبد الله ، وكان يضرب بخطهما المثل. وعن الوزير «ابن مقلة» أخذ عبد الله بن محمد بن أسد (٤١٠ ه‍) ، وعن «ابن أحمد» أخذ «ابن البواب» (٤١٣ ه‍) ، وهو الذى أكمل قواعد الخط ، وعن «ابن البواب» أخذ «محمد بن عبد الملك» ، وعن «محمد بن عبد الملك» أخذت «شهدة زينب بنت الآبري» (٥٧ ه‍) الكاتبة المحدّثة.

٣٩٣

وعنها أخذ خلق كثير ، منهم : ياقوت (٦١٨ ه‍) ، وعن «ياقوت» أخذ «الولى العجمى» ، وعليه كتب «العفيف» ، وعن «العفيف» أخذ ولده «عماد الدين» ، وعن عماد الدين أخذ «الزفتاوى شمس الدين بن على» ، وعنه أخذ «القلقشندى أبو العباس أحمد» صاحب كتاب صبح الأعشى.

ولقد عنى الملوك الفاطميون ومن بعدهم بالخط العربى فجملوا به قصورهم ، وعروشهم ، وأدوات منازلهم ، إلى غير ذلك مما لا تزال آثارهم بمصر إلى اليوم تنطق به.

وحين انتقلت الخلافة إلى الدولة العثمانية كانت للخلفاء العثمانيين عناية بتحسين الخط العربى وتهذيبه ، فأنشئت فى الآستانة ، سنة ١٣٢٦ ه‍ ، مدرسة لتعليم الخط والنقش.

ثم حملت مصر العبء بعد ذلك ، فأنشئت فى القاهرة مدرسة لهذا الغرض.

ـ ٢ ـ

ونحن نعرف أن «السريان» هم أول من وضع الشكل على الكلمات ، وذلك عند ما دخلوا النصرانية وأخذوا فى نقل الكتاب المقدس إلى لغتهم ، وكان الأسقف «يعقوب الرهاوى» أول من اخترع النقط التى كانت ترسم فى حشو الحروف ، وكان ذلك سنة ٤٦٠ م ، أى قبل الهجرة بنحو من ١٢١ سنة ، ثم تحولت تلك النّقط إلى نقط مزدوجة تنوب عن الحركات الثلاث.

وحين انتشر الإسلام ، وعمّ بقاعا مختلفة من الأرض ، وخاف المسلمون ما خافه ، «السريان» من قبل ، فكروا فى النقط أو الشكل ، ولعلهم استأنسوا فى ذلك بما فعله «السريان» من قبل ، وكان أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلى (٦٧ ه‍) فى خلافة عبد الله بن الزبير.

وبدأ «أبو الأسود» فى شكل المصحف ، بعد ما احتال عليه زياد بن سمية ، الذى كان واليا على البصرة ، فى ذلك ، وعهد «أبو الأسود» ـ فيما يقال ـ إلى كاتب يحسن الكتابة ، من بين كاتبين ثلاثين ، بعثهم إليه زياد بن سمية ، بأن يتولى الشكل ، وقال له : خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد ، فإذا رأيتنى فتحت شفتى بالحرف فانقط واحدة فوقه ، وإذا كسرتها فانقط واحدة أسفله ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة بين يدى الحرف ، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنّة فانقط نقطتين.

وأخذ «أبو الأسود» يقرأ القرآن فى تؤدة والكاتب يضع النّقط ، وكلما أتم الكاتب صحيفة نظر فيها «أبو الأسود». ومضى على ذلك إلى أن أتم المصحف كله. ونلاحظ أن «أبا الأسود» ترك السكون بلا علامة.

٣٩٤

وأخذ الناس هذه الطريقة عن أبى الأسود ، وكانوا يسمون النقط شكلا.

وجاء من بعد «أبى الأسود» نصر بن عاصم ، ثم أتباعه من بعده ، فحوروا فى شكل النقط ، فمنهم من جعلها مربعة ، ومنهم من جعلها مدورة مطموسة ، ومنهم من جعلها مدورة غير مطموسة.

وزاد أهل المدينة فجعلوا للحرف المشدد علامة على شكل قوس طرفاه إلى أعلى (؟؟؟) ، يكون فوق الحرف المفتوح ، ويكون تحت المكسور ، وعلى شمال المضموم ، وكانوا يضعون نقطة الفتحة داخل القوس ، ونقطة الكسرة تحته ، ونقطة الضمة إلى شماله ، ثم استغنوا عن النقط وقلبوا القوس مع الكسرة والضمة ، فأصبح الحرف المشدد على هذا النحو :

١ ـ المفتوح؟؟؟

٢ ـ المكسور؟؟؟

٣ ـ المضموم؟؟؟

ثم زيدت علامات أخرى فى الشكل ، فوضعت للسكون جرة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه ، سواء أكان همزة أم غير همزة ، والألف الوصل جرة فى أعلاها متصلة بها إن كانت قبلها فتحة ، وفى أسفلها إن كانت قبلها كسرة ، وفى أوسطها إن كانت قبلها ضمة ، وذلك كله بالمداد الأحمر.

وابتدع أهل الأندلس ألوانا أربعة فى المصاحف ، فجعلوا السواد للحروف ، والحمرة للنقط «الشكل» ، والصفرة للهمزات ، والخضرة لألفات الوصل ، وكانت طريقة «أبى الأسود» أكثر شيوعا فى المصاحف ، وهاك صورا ثلاثا تمثلان الشكل قديما (ش : ٤ و ٥ و ٦).

ولقد عاش الناس زمن بنى أمية على النهج الذى رسمه «أبو الأسود» ثم «نصر بن عاصم» ، حتى إذا كانت أيام الدولة العباسية أخذ الناس يجعلون الشكل من مداد الكتابة ، للتيسير على الكاتب ، غير أن ذلك جر إلى صعوبة ، وهى اختلاط الشكل بالإعجام ، لأن كلا منهما أصبح بمداد واحد ، فكان لا بد من تغيير ثالث ، وهذا ما انتهى إليه «الخليل بن أحمد» ، فوضع تلك الطريقة التى عليها الناس الآن ، وأصبح للشكل ثمانى علامات : الفتحة ، والضمة ، والكسرة ، والسكون ، والشدة ، والمدة ، والصلة ، والهمزة.

وأخذ المشارقة بهذه الطريقة ، وأباها الأندلسيون أولا ، ثم مالوا إليها ثانيا.

ومن الخط الكوفى انبثق الخط المغربى ، وهو من أقدم الخطوط العربية ، وهو يسود شمالى إفريقية

٣٩٥

٣٩٦

غير مصر ، وكان قديما يسمى الخط القيروانى ـ نسبة إلى القيروان ـ عاصمة المغرب بعد الفتح الإسلامى سنة ٥٠ ه‍ (ش : ٦) ش : ٦

وحين انتقلت العاصمة من القيروان إلى الأندلس ظهر خط جديد سمى الخط الأندلسى ، أو القرطبى ، وكان مستدير الشكل ، على العكس من الخط المغربى الذى كان مستطيلا (ش : ٧).

وكذا تفرع من هذا الخط المغربى خط آخر فى السودان ، وذلك بعد أن شاع الإسلام فى أواسط إفريقية ، وأصبحت تمبكتو ، التى أسست سنة ٦١٠ ه‍ ، مركزا إسلاميّا ، وإليها عزى الخط التنبكتي أو «السودانى» ، وهو يتميز عن غيره بكبره وغلظه.

٣٩٧

وحين انتهى الخط العربى إلى العصر الحديث أصبح تجمعه أقلام مختلفة ، وهى : قلم الثلث ، قلم النسخ ، قلم الرقعة ، القلم الفارسى ، القلم الديوانى ، قلم التعليق «ويسمى : الإجازة ، وهو بين الثلث والنسخ» ، القلم الريحانى ، القلم الكوفى ، القلم المغربى.

ـ ٣ ـ

وقد قدمنا أن أول من أجاد خط المصاحف «خالد بن أبى الهياج» ، ثم جاء على إثره من كانوا على فهم بالتذهيب والزخرفة ، نذكر منهم : إبراهيم الصغير ، واليقطينى ، وأبا موسى بن عمار ، وابن السفطى ، وأبا عبد الله الخزيمى ، ومحمد بن محمد الهمدانى.

وكان ثمة خطاطون وقفوا أقلامهم على كتاب الله لا يخطون غيره ، ومنهم من كتب من المصاحف كثرة كثيرة ، أيام أن لم تكن مطابع.

ولقد شجع الملوك والسلاطين هؤلاء الخطاطين على كتابة المصاحف ، التى كانوا يحبسونها على المساجد ، بما أغدقوا عليهم من نعم.

وقد أحصى المحصون لفريق من الخطاطين ، الذين وقفوا أقلامهم على كتابة المصاحف ، ما كتبوا من مصاحف ، فإذا هذا الإحصاء يطالعك بأن منهم من كتب ألف مصحف ، مثل : محمد بن عمر عرب زاده ، وأن منهم من كتب خمسمائة ، أو قريبا منها ، مثل : ابن الخازن الحسين بن على ، والقيصرى محمد بن أحمد ، والكردى عمر بن محمد.

وكان من بين هؤلاء الخطاطين من له ألوان من الإبداع فى كتابة كتاب الله ، منهم من كتب المصحف فى ثلاثين ورقة ، وهو اللاهورى محمد روح الله.

فلقد كتب مصحفين على هذا النحو ملتزما بأن يكون أول كل سطر من الأسطر كلمة أولها حرف الألف ، غير السطر الأول.

وكتب على بن محمد مصحفا فى درج من الورق بقلم النسخ ، طوله سبعة أمتار وعرضه ثمانية سنتيمترات.

ومن هذه الإبداعات جملة تحتفظ بها دار الكتب المصرية ، ومكتبة الأزهر ، ومكتبة الروضة بالمدينة.

كما أن ثمة مصاحف بدار الكتب المصرية بخطوط مختلفة ، منها :

١ ـ مصحف بالخط الكوفى ، وهو صورة مصورة عن مصحف عثمان ، رضى الله عنه.

٢ ـ مصحف بقلم كوفى على رق غزال ، يقال إنه بقلم الإمام جعفر الصادق (١٤٨) ه.

٣٩٨

٣ ـ مصحف بخط ياقوت المستعصمى (٦٧٩ ه‍) بقلم نسخ مشكول ومنقوط ومذهب ومجدول.

٤ ـ مصحف السلطان برقوق ، بقلم عبد الرحمن الصائغ (٨٠١ ه‍) ، وقد كتبه فى ستين يوما.

هذا إلى مصاحف أخرى يبلغ عددها نحوا من تسعة وثمانين ومائة (١٨٩ ه‍) منها سبعة وعشرون بالخط الكوفى.

وعلى الرغم من شيوع الطباعة فلا تزال الكثرة من المصاحف يعهد بكتابتها إلى خطاطين معروفين ، ثم تصور لتطبع بعد ذلك.

٢٦ ـ هذا المصحف

وهذا المصحف الذى نقدمه لك كتبه بخطّه شيخ المقارئ المصرية ، محمد بن على بن خلف الحسينى ، وكان من أعضاء اللجنة الأولى التى ألفت سنة ١٣٣٧ ه‍ ، منه :

١ ـ حفنى ناصف.

٢ ـ مصطفى عنانى.

٣ ـ أحمد الإسكندرى.

٤ ـ نصر العادلى.

(ح) للإشراف على مراجعة كتاب الله قبل طبعه ، فقامت بضبطه على ما يوافق رواية حفص بن سليمان ابن المغيرة الأسدي الكوفى لقراءة عاصم بن أبى النجود الكوفى التابعى ، عن أبى عبد الرحمن عبد الله ابن حبيب السلمى ، عن عثمان بن عفان ، وعلى بن أبى طالب ، وزيد بن ثابت ، وأبى بن كعب ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التى بعث بها عثمان بن عفان إلى البصرة والكوفة والشام ومكة ، والمصحف الذى جعله لأهل المدينة ، والمصحف الذى اختص به نفسه ، وعن المصاحف المنسوخة منها.

وكل حرف من حروفه يتفق ونظيره في كل مصحف من تلك المصاحف الستة ، وكان الاعتماد فى ذلك كله على منظومة الشريشى الخراز محمد بن محمد «مورد الظمآن» ، وشرحها لعبد الواحد بن عاشر الأنصارى الأندلسى.

٣٩٩

أما عن ضبطه فكان بوفق ما جاء عن علماء الضبط فى كتاب «الطراز على ضبط الخرّاز» للإمام «التِّنِّيسيّ» ، مع إحلال علامات «الخليل بن أحمد» وأتباعه من المشارقة محل علامات الأندلسيين.

وكان الاسترشاد فى عد آياته بما جاء فى كتاب «ناظمة الزهر» للشاطبى ، وشرحها للمخللاتى أبى عيد رضوان ، وكتاب أبى القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافى ، وكتاب «تحقيق البيان» لشيخ القراء بالديار المصرية محمد المتولى.

وهذه الكتب كلها تنتهى أخذا عن الكوفيين ، عن أبى عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمى ، عن على بن أبى طالب ، وهى متفقة على أن عدد آى القرآن الكريم : ٦٢٣٦.

أما عن بيان أوائل أجزائه المتمّة ثلاثين ، وأحزابه المتمة ستين ، وأرباعها فهذا مستقى من كتاب «غيث النفع» للسفاقسى ، و«ناظمة الزهر» وشرحها ، و«تحقيق البيان» ، و«إرشاد القراء والكاتبين» للمخللاتى أبى عيد رضوان.

وعن هذه الكتب المتقدمة ، وكتاب أبى القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافى ، وكتب القراءات والتفسير ، كان نبيين؟؟ المكى والمدنى.

وإلى شيخ القارئ المصرية محمد بن على بن خلف الحسينى كان بيان الوقوف وعلاماتها.

وكان الاعتماد فى بيان السجدات وأماكنها على كتب الفقه فى المذاهب الأربعة.

كما كان أخذ بيان السكتات الواجبة عند حفص من «الشاطبية» وشروحها.

هذا كله كان جهد اللجنة الأولى ، وما من شك فى أنه كان جهدا عظيما ، غير أنه حين فكر فى طبع هذا المصحف طبعة ثانية سنة ١٣٧١ ه‍ ـ ١٩٥٢ م ـ وهى هذه التى بين يديك ـ ألفت لهذا الغرض لجنة ، من :

١ ـ على محمد الضباع.

٢ ـ محمد على النجار.

٣ ـ عبد الفتاح القاضى.

٤ ـ عبد الحليم بسيونى.

٤٠٠