الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: محلاتي
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
ISBN: 964-7455-060-2
الصفحات: ٢١٦

الكلام فيه هو الكلام بل ما ذكرناه في مقام التأكيد يدل على عدم الجواز بالاستصحاب بطريق أولى.

وأما حديث معاوية بن وهب قال : قلت له : إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان وتركها ميراثا وأنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا له فقال اشهد بما هو علمك ، قلت : إن ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس فقال : احلف إنما هو على علمك (١) وحديثه الآخر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون له العبد والأمة قد عرف ذلك فيقول أبق غلامي أو أمتي فيكلّفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب أنشهد على هذا إذا كلّفناه ، قال : نعم (٢).

فربما يتوهم دلالتهما على جواز الشهادة ببركة الاستصحاب لكن يمكن أن يكون الإمام عليه‌السلام ناظرا الى جواز الشهادة في المقام بما يكون معلوما في الظاهر ومن الواضح أن هذا المقدار جائز على طبق القاعدة وبعبارة أخرى في الحديث الأول قد صرح بجواز الشهادة بالمقدار المعلوم وكذلك يجوز الحلف بهذا المقدار والمستفاد العرفي من كلامه عليه‌السلام أن المقدار المعلوم للسائل وهو كون زيد وارثا وكون الدار كانت ملكا بحسب الموازين لمن مات وأما الشهادة على عدم وارث آخر وبقاء الدار في ملك الميت الى آخر زمان حياته بحيث تكون الشهادة على الواقع ، فلا يستفاد من الحديث.

ويفهم من الجملة الواقعة في الذيل أي قوله عليه‌السلام : (إنما هو على علمك) أن الميزان في الجواز في الشهادة المقدار المعلوم بحسب الظاهر ولا يكون الإمام عليه‌السلام في مقام بيان اعتبار الاستصحاب وأنّه تجوز الشهادة بالاستصحاب وإلّا لم يكن مورد

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٧ من أبواب الشهادات ، الحديث ١.

(٢) نفس المصدر : الحديث ٣.

٦١

لحصر الجواز في المقدار المعلوم إذ بالاستصحاب ينكشف بقاء الدار في ملكه إلى آخر زمان حياته وينكشف أيضا عدم وارث آخر.

وأما الحديث الثاني فإن قلنا بأن المستفاد منه ما هو المستفاد من الحديث الأول فهو وإلا نقيده بالحديث الأول وان أبيت عما قلنا وقلت بأنهما متعارضان نقول : يسقطان عن الاعتبار إذ الأحدث منهما غير معلوم فلاحظ.

الفرع الرابع : أن اليد على العين إذا كانت متعددة فهل يقع التعارض بحيث ينفي كل واحد منهما الملكية للآخر أم لا؟

الحق هو الثاني ولتوضيح المدعى وما هو الحق لا بدّ من بيان الشركة في عين واحدة بين متعدد فنقول :

ربما يقال : أن الشركة في عين واحدة لا تنافي الاستقلال أي يمكن أن يكون كل من الشريكين مالكا للعين بالاستقلال.

وهذا الذي أفيد بمراحل عن الواقع إذ تارة نقول : الاعتبار خفيف المئونة في كل أمر ولو كان من المحالات كاجتماع النقيضين وقابل للاعتبار وأخرى نقول : لا بد في الاعتبار من القصر على موارد قابلة لترتب الأحكام والآثار وتكون قابلة للعرض الى السوق العقلائي ومن الظاهر أن المتيقن الشق الثاني وعليه نقول : الاستقلال ينافي الاشتراك وكل منهما يطارد الآخر وهذا ظاهر عند اللبيب.

وربما يقال : أن العين المشتركة مملوكة لكلا الشريكين أي يكون المالك مجموعهما.

وهذا القول ملحق بالأول في البطلان فإن الاشتراك أشرب في مفهومه إن كل واحد من الشريكين أو الشركاء مالكا لمقدار من العين.

وصفوة القول : إن القول المذكور مردود عند العقلاء وأهل الشرع.

وربما يقال : إن كل واحد من الشريكين مالك لمقدار معين في الخارج وهذا

٦٢

القول مضافا الى عدم كونه مقبولا عند العرف وأهل الشرع لا دليل عليه فهو أيضا ملحق بالقولين السابقين في البطلان.

والقول الصحيح الموافق لآراء العقلاء وأهل الشرع إن كل واحد من الشريكين مالك لمقدار من العين على نحو الإشاعة أي مالك للكسر المشاع.

إذا عرفت ما تقدم نقول : إذا فرضنا استيلاء أكثر من واحد على عين فهل تكون يد كل واحد منهما أمارة على مملوكية جزء معين خارجي أو أمارة على كونه مالكا للكسر المشاع ، أما الأول فقد قلنا أنه غير تام ويكون تصرف أحدهما في المعين جورا وعدوانا في نظر العقلاء.

وأما الثاني فالمفروض أنه لا يدل للشريك على الكسر المشاع فما الحيلة وما الوسيلة؟

إلا أن يقال : ان اليد في مثله لا تكون أمارة وهو كما ترى ، والذي يهون الخطب أنّ العرف يراهما ذا اليد على مجموع الدار مثلا فتكون أمارة لكون الدار لهما.

ومن ناحية اخرى أن الاشتراك في نظر العقلاء عبارة عن كون كل منهما مالكا للكسر المشاع فالنتيجة أن يد المتعدد على عين تدل على كون كليهما مالكين على نحو الاشتراك الصحيح.

هذا فيما يكون مجموع العين في يدهما وأما إذا فرضنا أن الطبقة الأولى تحت يد أحدهما والطبقة الثانية تحت يد الآخر تكون اليد أمارة مملوكية كل طبقة لمن يكون مستوليا عليها.

ولما انجر الكلام إلى هنا نقول :

قد أشير في بعض الكلمات إلى أن مملوكية الأخماس والزكوات التي لأربابها على أي نحو وهل تكون الأخماس مثلا مملوكة للمذكورين في الآية على نحو الإشاعة أو يكون المذكورون مصرفا لها؟

٦٣

أقول : الظاهر من قوله تعالى في آية الخمس ، أن الخمس مملوك للمذكورين على نحو الإشاعة لكن لا يمكن الالتزام به اذ لازم التقريب المذكور أن دينارا من الخمس مملوكا لملايين من فقراء السادة ولا يمكن الالتزام به فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور اللام في الملكية وجعلها للمصرف وبين رفع اليد عن ظهور الجمع المحلى في العموم والالتزام بأن المالك هو الكلي فيكون الكلام مجملا.

ولكن يمكن أن يقال : بأن صدر الآية يدل على كون سهم الإمام ملكا له تعالى وللرسول وللإمام عليهما‌السلام ووحدة السياق تقتضي وحدة المراد.

ومن ناحية أخرى يمكن أن يقال : أن ظهور اللام في الملكية في الصدر يكون قرينة على كون المراد من الذيل هو الكلي لا كل شخص نظير قول القائل لا تضرب أحدا فإن ظهور الضرب في المؤلم يكون قرينة على كون المراد من لفظ أحد الإنسان الحي.

أضف إلى ذلك أنّه كيف يمكن أن يكون كل واحد من المذكورين مالكا والحال أن القضية لا تكون خارجية بل تكون حقيقية ومن الظاهر أن أفراد الكلي ومصاديقه تختلف بحسب مرور الزمان فهل المال مملوك لأفراد عصر واحد أو جميع الأعصار؟

وكيف يتصور فلا إشكال في أن الأفراد لا يكونون مالكين وفي بعض الكلمات نسب الى بعض أنه مال الى القول بكون الخمس والزكاة مملوكين للحكومة الإسلامية وهذا القول مخالف مع نص الكتاب والروايات الصريحة الواردة في الباب والإجماع والسيرة والارتكاز وضرورة المذهب بل ضرورة الدين.

الفرع الخامس : أن اليد والاستيلاء كما أنها تكون في مقام الإثبات والكشف أمارة وكاشفة عن الملكية هل تكون في مقام الثبوت سببا لحصولها أم لا؟

ما يمكن أن يقال في تقريب السببية وجوه :

٦٤

الوجه الأول : أن الحيازة موجبة لحصول الملكية للحائز بالنسبة الى المحوز.

وفيه أن دليل الحيازة الموجبة لحصول الملكية إما السيرة وإما قوله : «من حاز شيئا ملك» ، أما السيرة فحيث إنها لا لسان لها لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن من موردها وهو ما لو قصد الحائز التملك.

وأما الحديث فيحتمل أن يكون المراد ما ورد في حديث السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليه‌السلام أنه سئل عن رجل أبصر طيرا فتبعه حتى وقع على شجرة فجاء رجل آخر فأخذه قال : للعين ما رأت ولليد ما أخذت (١) لكنه ضعيف.

الوجه الثاني : ما دلّ على أحقية السابق لاحظ ما رواه محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجيء آخر فيصير مكانه قال : من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته (٢).

وحديث طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو أحق به الى الليل وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء (٣).

والحديثان لا يرتبطان بالمقام أصلا كما هو ظاهر عند من له خبرة بالصناعة.

الوجه الثالث : حديث يونس بن يعقوب (٤) بتقريب أن المستفاد منه أن الاستيلاء سبب لكون المستولى عليه مملوكا للمستولي

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٥ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل : الباب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد ، الحديث ١.

(٣) نفس المصدر : الحديث ٢.

(٤) لاحظ ص ٥٢.

٦٥

وفيه أولا : أن الحديث ضعيف بضعف إسناد الشيخ الى علي بن الحسن.

وثانيا : أن المستفاد من الخبر أنه لو شك في المالك وأنّه من هو؟ يكون الاستيلاء كاشفا فيكون الحديث ناظرا إلى مقام الإثبات والكلام في مقام الثبوت فلاحظ.

٦٦

القاعدة السادسة

ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

الكلام في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده : يقع الكلام في المقام في جهات :

الجهة الأولى : ان هذه القاعدة تنحل الى قاعدتين الأولى قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده والثانية أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، ولا بد من التكلم في كل واحد منهما بنحو الاستقلال.

الجهة الثانية : في بيان المراد من القاعدتين فنقول المراد من القاعدة الأولى أنه لو كان مقتضى العقد الضمان كالبيع أو الاجارة وأمثالهما إذا فرض فساد العقد يتحقق الضمان والمراد من القاعدة الثانية أنّ العقد لو لم يكن موجبا للضمان كالهبة أو العارية وأمثالهما أنه لو فرض فساد العقد لا يتحقق الضمان.

الجهة الثالثة : في مدرك القاعدة الأولى : والذي يمكن أن يقال أو قيل في تقريب الاستدلال عليها وجوه :

الوجه الأول : قاعدة الاقدام وقبل الخوض في البحث نقدم مقدمة وهي أن تحقق كل حكم وضعي يحتاج الى قيام دليل عليه ومع الشك تكون النتيجة عدمه كما هو الظاهر وإن شئت فقل الضمان امر حادث ومع الشك فيه يحكم بعدمه بالاستصحاب.

فنقول : تقريب الاستدلال بقاعدة الاقدام أنه لو باع زيد داره من عمرو بألف

٦٧

دينار مثلا فقد أقدم على كون المشتري للدار ضامنا في قبال ألف دينار فاذا فرض فساد البيع يبطل الضمان بالمثل أي الدينار ويبقى أصل الضمان أي الدار تكون مضمونة في يد المشتري.

ويرد عليه ان دليل صحة البيع يقتضي ضمان الدار بالدينار والمفروض بطلانه والاقدام تعلق بهذا المقيد وغيره لم يتعلق به الاقدام مضافا الى أن أيّ دليل دل على كون الاقدام بنفسه موجبا للضمان وبعبارة واضحة لا يجوز تملّك مال الغير الّا بأحد الاسباب الشرعية ولا دليل على أن الاقدام بما هو يوجب الضمان وصفوة القول في المقام ان الاقدام لم يتعلق بالمثل أو القيمة وعلى فرض تعلقه لا دليل على كونه مؤثرا ومقتضى الأصل عدم تأثيره والذي يدل على المدعى أنه لو أقدم أحد على ضمان تلف مال غيره وبنى عليه لا يكون ضامنا ولا أظن أن يدعي أحد كونه موجبا لضمان المقدم بل التفوه به يقرع الاسماع.

الوجه الثاني : النبوي المعروف : على اليد ما أخذت حتى تؤديه (١) بتقريب أنّ المستفاد من الحديث ان من أخذ مال الغير يكون ضامنا لما أخذه الى زمان أدائه الى مالكه.

ويرد على الاستدلال بالحديث أولا انّ الحديث ضعيف سندا فان أحد رواته سمرة وهو من الملاعين والاشقياء فلا اعتبار بحديثه إن قلت ان الأمر وإن كان كذلك لكن عمل المشهور به يجبر ضعفه قلت : قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بالخبر الضعيف لا يجبر ضعفه كما ان اعراضهم لا يوجب وهن الخبر المعتبر كيف وقد ثبت في الأصول عدم اعتبار الشهرة الفتوائية فيكف يمكن ان ما لا يكون معتبرا في حد نفسه يكون جابرا لما لا اعتبار له أو يكون مسقطا لأمر معتبر أليس مرجعه

__________________

(١) سنن البيهقي : ج ٦ كتاب العارية ص ٩٠ وكنز العمال : ج ٥ ص ٢٥٧ نقله عنهما مصباح الفقاهة : ج ٣ ص ٨٧.

٦٨

الى التناقض.

مضافا الى أنّ استنادهم في فتاويهم الى هذا الخبر غير معلوم ومجرد ذكرهم الخبر في كلماتهم لعله من باب كونه مؤيدا للمراد.

وثانيا : ان المستفاد من الحديث انّ الثابت على الآخذ ما أخذه الى زمان ادائه أي يكون تلفه بعهدته وبعبارة أخرى الآخذ لعين مملوكة للغير ضامن لدركه الى زمان تأديته الى مالكه ولازم هذه القاعدة أنه لو وصل ما أخذه الى المالك بسبب آخر كما لو آخذه ثالث بغير اذن الآخذ ورده الى مالكه عدم رفع الضمان عن الآخذ إذ الغاية التي توجب ارتفاع الضمان أن يؤديه الى مالكه والمفروض أنه لم يتحقق هذا المعنى.

وثالثا : انّ لازم المستفاد من الحديث أنه لو تعدد الآخذ كما لو كانوا عشرة وتلف ما أخذه في يد الأخير يكون جميع الأخذين ضامنين للمالك وهل يمكن الالتزام به.

إن قلت كيف لا يمكن الاستدلال على المدعى بالنبوي المشهور والحال ان جملة من الاساطين في كلماتهم اسندوا هذا الحديث الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانهم في مقام الاستدلال قالوا لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان الظاهر من الإخبار كونه حسيا فيكون الحديث معتبرا من حيث السند وبعبارة أخرى بعد اسناد هؤلاء الاعلام كالشهيد وابن زهرة والعلامة الحديث الى النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحتمال كون أخبارهم حسيا حيث أنه يمكن انّه وصل اليهم بواسطة كابر عن كابر يكون الحديث تاما سندا.

قلت : يرد على التقريب المذكور أولا ان هذه الجملة لا تكون ظاهرة في الإسناد الحسي ولذا نرى كثيرا ما يطلق في كلمات الأصحاب للنبوي وامثاله والحال أن القائل لا يكون في مقام الاسناد وثانيا ان الدليل على حجية قول الثقة سيرة العقلاء

٦٩

لا أنه هناك اطلاق أو عموم يؤخذ به فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها فاذا فرض ان هذا الحديث كان مشهورا من قديم الزمان ولم يتعرض المحدثون لسنده وكانوا يعاملون معه معاملة المرسل وبعد ذلك أحد الفقهاء اسنده الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاسناد الحسي مع كونه بعيدا لا نجزم بأن العقلاء يحملون مثل الخبر المشار إليه على الحس ويعملون به فالنتيجة عدم امكان اثبات اعتباره صناعة الا أن يقال ان السيرة وإن كانت كذلك لكن يكفي لإثبات الاطلاق النصوص الدالة على حجية قول الثقة اللهمّ الّا أن يقال : ان الأخبار الدالة على حجيّة قول الثقة لا تكون حكما تأسيسا بل حكم امضائي لبناء العقلاء وسيرتهم فلا يكون مدلول الأخبار أوسع من مفاد السيرة وبعبارة واضحة انّ الأخبار ناظرة الى ما يكون مورد ارتكاز العقلاء فلاحظ واغتنم.

الوجه الثالث : الروايات الواردة الدالة على ان الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري أخذها صاحبها وأخذ المشتري ولده بالقيمة منها ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء مستحق للجارية فقال يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الذي اخذت منه (١) ومنها ما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى جارية فاولدها فوجدت الجارية مسروقة قال : يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بقيمته (٢) ومنها ما رواه زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء رجل فيقيم البينة على آنها جاريته لم يبع ولم يهب قال فقال ان يرد إليه

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ ص ٨٤ الباب ٥٧ الحديث ١.

(٢) الاستبصار : ج ٣ ص ٨٤ الباب ٥٧ الحديث ٢.

٧٠

جاريته ويعوّضه بما انتفع قال كان معناه قيمة الولد (١) ومنها ما رواه زرارة أيضا قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة قال يقبض ولده ويدفع اليه الجارية ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها (٢) بتقريب انّ ضمان الولد مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأم بالأولية فتدل هذه الروايات الشريفة على ان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ويرد عليه أولا ان هذه الروايات لا ترتبط بالمقام فانّ الضمان في مورد الروايات من الواضحات إذ الامة المبتاعة قد فرضت مغصوبة والبائع هو الغاصب والكلام في المقام فيما لو باع العين المالك وثانيا أنه لو اغمضنا النظر عن الجواب الأول وفرضنا ارتباط النصوص المشار إليها بالمقام لكن نقول الروايات الواردة في مورد خاص واطار مخصوص والكلام في المقام في الكبرى الكلية وبعبارة واضحة ان الموجبة الجزئية لا تكون دليلا على الكبرى الكلية فلاحظ.

الوجه الرابع : الروايات الدالة على عدم حلية مال امرء الّا بطيب نفسه والدالة على عدم جواز التصرف في مال الغير الّا باذنه منها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من كانت عنده أمانة فليؤدّها الى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الّا بطيبة نفسه (٣) ومنها ما في حديث آخر عن صاحب الزمان عليه‌السلام قال : لا يحل لأحد أن يتصرف

__________________

(١) نفس المصدر الحديث ٣.

(٢) نفس المصدر ص ٨٥ الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب مكان المصلي الحديث ١.

٧١

في مال غيره بغير اذنه (١) بتقريب ان العقد لو لم يكن صحيحا لا تنتقل العين الى الطرف المقابل وتكون باقية في ملك المالك والمستفاد من هذه الروايات عدم حلية مال الغير الّا باذنه كما أنه لا يجوز التصرف في ماله الّا باذنه وحيث انه غير راض على الفرض يكون تلقه موجبا للضمان.

ويرد على التقريب المذكور انّ الحكم التكليفي لا يتعلق بالاعيان الخارجية والظاهر من هذه الروايات حرمة التصرف كما صرح به في بعضها وبعبارة واضحة اذا استند الحكم التكليفي الى العين الخارجية لا بد من تقدير الفعل كي يصح الاستعمال فلا مجال للاستدلال بهذه الطائفة على المدعى.

الوجه الخامس : النصوص الدالة على ان حرمة مال المؤمن كحرمة دمه.

منها ما رواه أبو ذر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصية له قال : يا أبا ذر ايّاك والغيبة فانّ الغيبة اشدّ من الزنا قلت ولم ذاك يا رسول الله قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب الى الله فيتوب الله عليه والغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها يا أبا ذر سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه قلت يا رسول الله وما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قلت يا رسول الله فان كان فيه الذي يذكر به قال اعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته واذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته (٢) ومنها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه (٣) بتقريب انّ إتلاف مال المؤمن مثل إتلاف نفسه يوجب الضمان.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الغصب الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ١٥٢ من أبواب العشرة الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ١٥٨ من أبواب العشرة الحديث ٣.

٧٢

ويرد عليه ان الوجه المذكور على فرض تماميته اخص من المدعى إذ الموضوع المذكور فيها عنوان المؤمن أي الشيعي الاثنى عشري والحال انّ البحث في المقام عام.

وثانيا : انه على تقدير تماميته يختص الضمان بصورة الإتلاف والحال ان الكلام أعم من الإتلاف فيكون الدليل أخص من المدعى أيضا.

وثالث انّ الجملة المذكورة ذكرت في سياق عدة أمور ظاهرة في الحكم التكليفي فلا ترتبط هذه الطائفة بالجهة الوضعية وإن أبيت عن ذلك فلا أقل من الاجمال إذ وحدة السياق لو لم تكن موجبة لانعقاد الظهور في الحكم التكليفي فلا أقل من كونه مانعا عن انعقاد في الحكم الوضعي وإن شئت فقل اقتران اللفظ بما يصلح للقرينية مانع عن الظهور فتكون الجملة مجملة فلاحظ.

إن قلت يمكن إثبات المدعى بتقريب آخر وهو انّ حرمة المال تقتضى عدم جواز المزاحمة حدوثا وبقاء وهذا وإن لم يفد الّا الحكم التكليفي ما دامت العين موجودة لكن عدم تدارك التالف نحو من المزاحمة فلا تجوز فيجب التدارك باداء البدل فبالنتيجة انّ هذه الطائفة وإن لم تدل على الضمان بالمطابقة لكن تدل عليه بالالتزام.

قلت : تمامية التقريب المذكور تتوقف على اشتغال الذمة بالتالف وتمام الاشكال في اثبات هذه الجهة وإن شئت فقل ان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه بل لا بد من احرازه وببيان آخر الموضوع مقدم على الحكم رتبة والحكم متوقف على موضوعه فلو احتاج اثبات الموضوع الى الحكم يلزم الدور المحال.

الوجه السادس : انه قد ورود في جملة من النصوص أنه لا يصلح ذهاب حق أحد : منها ما رواه عبيد الله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم؟ قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملتهم

٧٣

جازت شهادة غيرهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد (١) ومنها ما رواه سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة أهل الملة قال ، فقال : لا تجوز الّا على أهل ملتهم فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (٢) وقد حقق عندهم ان العلة تعمم فبعموم العلة نحكم في المقام بالضمان كي لا يذهب حق المالك.

ويرد عليه ان التقريب المذكور يتوقف على أمرين أحدهما أن يكون المراد من الحق المال ، ثانيهما ان يكون المراد من عدم صلاح ذهابه الضمان وكلا الأمرين محل الاشكال ولا شاهد عليهما أضف الى ذلك أنه لا يشمل صورة التلف ويختص بالاتلاف يضاف الى جميع ذلك ان الحديث الرابع من الباب غير تام سندا.

الوجه السابع : قاعدة لا ضرر المستفاد من عدة نصوص : منها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال : لا ضرر ولا ضرار وقال اذا ارّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة (٣) ومنها ما رواه أبو عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان اذا جاء الى نخلته ينظر الى شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال : فذهب الرجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكاه فقال يا رسول الله ان سمرة يدخل عليّ بغير اذني فلو ارسلت اليه فامرته ان يستأذن حتى تأخذ اهلي حذرها منه فارسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقال يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول يدخل بغير اذني فترى من أهله ما يكره ذلك يا سمرة استأذن اذا أنت دخلت ثم قال رسول

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الشهادات الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أبواب الشفعة الحديث ١.

٧٤

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسرّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك قال : لا قال لك ثلاثة قال لا قال ما أراك يا سمرة الّا مضارّا اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه (١) ومنها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان فكان يمرّ به الى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فلما تأبّى جاء الانصاري الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا إليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبّره بقول الأنصاري وما شكا وقال اذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فابى ان يبيع فقال لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار (٢) ومنها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام نحوه الّا أنه قال : فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثم أمر بها فقلعت ورمى بها اليه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انطلق فاغرسها حيث شئت (٣) ومنها ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : لا ضرر ولا ضرار (٤) ومنها ما عن دعائم الإسلام : روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن جدار لرجل وهو سترة بينه وبين جاره سقط فامتنع من بنيانه قال : ليس يجبر على ذلك الا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاخرى بحق أو بشرط في أصل الملك ولكن يقال لصاحب المنزل استر على نفسك في حقك ان شئت قيل له فان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب احياء الموات الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٣.

(٣) نفس المصدر الحديث ٤.

(٤) نفس المصدر الحديث ٥.

٧٥

كان الجدار لم يسقط ولكنه هدمه أو أراد هدمه اضرارا بجاره لغير حاجة منه الى هدمه قال : لا يترك وذلك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار وانّ هدمه كلّف ان يبنيه (١) ومنها ما عن دعائم الإسلام : وروينا عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار (٢) بتقريب انّ المستفاد من هذه القاعدة ان الحكم الضرري لم يجعل في الشريعة وحيث انّ عدم الحكم بالضمان ضرري على المالك ينفى والنفي في النفي يقتضي الاثبات : أقول المعتبر في هذه النصوص الحديث الثالث (٣) من الباب الثاني عشر وقد ذكرنا في بحث القاعدة انّ الحق هو الالتزام بان المستفاد من الحديث النهي عن الضرر والاضرار بالغير ولا يكون الحديث ناظرا الى ادلة الأحكام وحاكما عليها وتفصيل هذه الجهة موكول الى ذلك البحث ومن اراد التفصيل فليراجع ما حققناه في المجلد الثاني من كتابنا الموسوم بآرائنا في اصول الفقه هذا أولا ، وثانيا أنه على فرض الاغماض عما تقدم وسلمنا كون الحديث ناظرا الى الأحكام فانما يكون ناظرا الى الأحكام المجعولة والمفروض أن عدم الجعل لا يكون من مصاديق المجعولات وثالثا أنّه يقع التعارض بين الطرفين فان الحكم بعدم الضمان على الآخذ يقتضي الضرر على المالك وأيضا الحكم بالضمان يقتضي الضرر على الآخذ ولا وجه للترجيح ورابعا ان الضمان على تقدير القول به بمقتضى التقريب المتقدم واغماض النظر عن الاشكال المتقدم ، يختص بصورة الإتلاف أو الانتفاع والحال أن المدعى أعم أي الضمان حتى مع التلف السماوي فهذا الوجه أيضا لا يترتب عليه أثر.

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ج ١٧ ص ١١٨ الباب ٩ من أبواب احياء الموات الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢.

(٣) لاحظ ص ٧٥.

٧٦

الوجه الثامن : السيرة العقلائية بتقريب ان العقلاء بما هم كذلك يرون الآخذ ضامنا للبدل في صورة تلف العين هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان الشارع الأقدس لا يكون له قانون خاص في قبال القوانين العقلائية فاذا فرض تحقق السيرة ولم يردع عنها الشارع نكشف أنه أمضاه وبعبارة أخرى مجرد عدم الردع لا يكون كافيا بل الأمر متوقف على الامضاء وحيث ان الشارع يرى سيرة العقلاء ولم يردع يكشف عن امضائه فيتم الأمر ويثبت المدعى.

أقول : التقريب المذكور تام ولكن لا ينطبق على المقام وببيان جلي اثبات المدعى بالتقريب المذكور يتوقف على عدم الردع والحال أن الشارع ردع هذه السيرة بقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(١).

توضيح المقام ان المستفاد من الآية الشريفة ان تملك مال الغير بايّ سبب كان يكون فاسدا والسبب الوحيد عبارة عن التجارة عن تراض فتملك المالك بدل العين من الآخذ أكل بالباطل فيكون فاسدا فالسيرة على فرض تماميتها مردوعة بالآية ولعمري ما افدته في هذا المقام في كمال الجودة والدقة فما الحيلة وما الوسيلة.

الوجه التاسع : وهو الوجه الأخير ارتكاز المتشرعة بما هم كذلك.

ان قلت الآية الشريفة تردع الارتكاز قلت أين ذهبت فان المدعى انّ المتشرعة بما هم كذلك يرون الآخذ في مفروض الكلام ضامنا وحيث انجر الكلام الى هنا ننبّه بنكتة وهي انه فرق بين السيرة العقلائية والارتكاز الشرعي أو السيرة الجارية بين المتشرعة فان السيرة العقلائية لا ترتبط بالشرع ولكن الارتكاز الشرعي أو السيرة الجارية بين أهل الشرع من الشرع ومن الشارع وينبغي أن

__________________

(١) النساء : ٢٩.

٧٧

يحفظ على التحقيق المذكور ويستفاد منه في جملة من الموارد والله وليّ التوفيق هذا تمام الكلام في القاعدة الأولى.

وأما الكلام في القاعدة الثانية :

وهي ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده : فربما يقال في وجه عدم الضمان أنه اذا فرض العقد صحيحا لا يوجب الضمان فلا ضمان في فاسده بالأولوية والتقريب المذكور فاسد إذ عدم الضمان في صورة الصحة من باب ان العين تصير مملوكة للطرف المقابل بالعقد ومن الواضح ان المالك لا يكون ضامنا لمملوكه وأما في فرض الفساد فان المفروض بقاء العين في ملك مالكها فلا جامع بين المقامين وكل منهما يباين الآخر والذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال لا موجب للضمان أما حديث على اليد فقد تقدم انه غير تام سندا ولا سيرة على الحكم بالضمان لا من العقلاء ولا من اهل الشرع وإذا وصلت النوبة الى الشك يكون مقتضاه عدم الضمان هذا بالنسبة الى تلف العين وأما في صورة الإتلاف فالظاهر أنه يشكل الجزم بعدم الضمان إذ مقتضى قاعدة الاتلاف كون المتلف ضامنا ، والله العالم بحقائق الأمور وعليه التوكل والتكلان.

٧٨

القاعدة السابعة

قاعدة الاشتراك في التكاليف

وما يمكن أن يقال أو قيل في تقريب المدعى وجوه :

الوجه الأول : أنه لو ثبت حكم لطائفة وشك في بقاء ذلك الحكم وشموله للموجودين بعد ذلك الزمان يحكم ببقائه بالاستصحاب.

ويرد عليه أولا : أنه لا يمكن اجراء حكم مترتب على موضوع على موضوع آخر بالاستصحاب فانه لا دليل عليه ولذا نقول يعتبر في الاستصحاب اتحاد الموضوع وثانيا ان استصحاب الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فهذا الوجه لا اعتبار به.

الوجه الثاني : اتفاق الفقهاء على عدم الاختصاص واشتراك جميع المكلفين في الاحكام الشرعية ويرد عليه ان مرجعه الى الاجماع وقد ثبت في محله عدم اعتبار الاجماع الا أن يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

الوجه الثالث : تنقيح المناط وإن شئت قلت ان الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها فاذا ثبت حكم بالنسبة الى شخص يكون ثابتا بالنسبة الى غيره.

ويرد عليه ان الملاكات الشرعية مجهولة عندنا ولذا نرى تغاير الأحكام واختلافها من جهات عديدة والعالم بها علام الغيوب.

الوجه الرابع : قول الصادق عليه‌السلام في حديث : فكل نبيّ جاء بعد المسيح أخذ

٧٩

بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة (١) والانصاف أنه لا يستفاد المدعى من هذه الرواية فان المراد منها بحسب الظهور ان الحكم الالهي في الشريعة المحمدية لا يختص بزمان خاص ولا يكون محدودا من حيث الزمان وليس ما شرع في هذه الشريعة مثل ما جعل في بقية الشرائع وأما كون المكلفين مشتركين في كل حكم شرعي اسلامي فلا يستفاد من الحديث.

الوجه الخامس : ما رواه ابان عن سلمان حين نقل خطبة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أن قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه حتى يردوا عليّ الحوض فليبلّغ الشاهد الغائب الحديث (٢).

تقريب الاستدلال بالحديث قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر الرواية فليبلّغ الشاهد الغائب إذ يستفاد من هذه الجملة أنه يجب على الحاضرين اخبار الغائبين فيعلم اشتراك جميع المكلفين في الأحكام الشرعية والّا لم يكن وجه لوجوب تبليغ الحاضرين الغائبين والاستدلال على المدعى بهذا التقريب من غرائب الاستدلالات إذ لا كلام ولا ريب ان رسول الإسلام رسول ونبي لجميع الامة ولا اشكال في ان الائمة الاثنى عشر ائمة وأولياء على جميع الخلق وقوام اسلام كل مسلم به وإن شئت فقل لا كلام في ان الإسلام بما ذا يتحقق ولا كلام في المقام في أن اصول الدين بما ذا تتحقق انما الكلام في ان الاحكام الفرعية الثابتة لفرد أو جماعة لا تختص بموردها بل جميع المكلفين مشتركون في تلك الأحكام وجميع الفروع الشرعية مشتركة بين جميع الأفراد.

الوجه السادس : ما رواه ابن طاوس نقلا من كتاب الوصية للشيخ عيسى بن

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ص ١٧ الحديث ٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ١٤٨ ـ ١٥٠ الحديث ١٤٢.

٨٠