الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: محلاتي
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
ISBN: 964-7455-060-2
الصفحات: ٢١٦

قد افسدها وعطّلها على الازواج فعلى الامام أن يغرمه ديتها وان أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه (١) فان قوله عليه‌السلام فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج بمنزلة علة الحكم وتوطئة له وعموم العلة يقتضي عموم الحكم الّا أن يقال قد عطف قوله عليه‌السلام وعطلها على الأزواج على قوله أفسدها فيكون المجموع علة للتغريم فلا يستفاد من الحديث ان مجرد الافساد والاتلاف يوجب الضمان والغرامة.

ومنها ما رواه سدير عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يأتي البهيمة قال يجلد دون الحد ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها لأنه افسدها عليه وتذبح وتحرق ان كانت مما يؤكل لحمه وإن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحد واخرجها من المدينة التي فعل بها فيها الى بلاد اخرى حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها (٢) فانه عليه‌السلام قد علل التغريم بافساد البهيمة على صاحبها والعلة تعمم الحكم.

لكن الاشكال في السند فان سدير لم يوثق وانما نقل مدحه عن الكشي.

ومنها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه فقال ان ذلك فساد على أصحابه فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته فقال يقوّم قيمة فيجعل على الذي اعتقه عقوبة وانما جعل ذلك عليه لما أفسده (٣) فان الحكم في كلامه عليه‌السلام قد علّل بالافساد والعلة تعمم.

ومنها النصوص الدالة على ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه منها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سباب المؤمن فسوق

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٩.

(٢) الوسائل : الباب ١ من أبواب حد نكاح البهائم الحديث ٤.

(٣) الوسائل : الباب ١٨ من أبواب العتق الحديث ١.

٢٠١

وقتاله كفر وأكل لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه (١) ومنها ما رواه أبو ذرّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصية قال يا أبا ذرّ ايّاك والغيبة فان الغيبة اشدّ من الزنا ... الى أن قال يا أبا ذرّ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه (٢) الحديث ومنها ما في دعائم الإسلام قال : روينا عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب يوم النحر بمنى الى أن قال : ثم قال ايّ يوم اعظم حرمة قالوا : هذا اليوم يا رسول الله الى أن قال : فان حرمة اموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الحديث (٣).

ومنها ما فيه أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال في حديث فمن نال من رجل مسلم شيئا من عرض أو مال وجب عليه الاستحلال من ذلك والتنصّل من كل ما كان منه اليه وإن كان قد مات فليتنصّل من المال الى ورثته الى أن قال ثم قال : ولست آخذ بتأويل الوعيد في أموال الناس ولكنّي أرى ان يؤدّى اليهم ان كانت قائمة في يدي من اغتصبها ويتنصّل اليهم منها وان فوّتها المغتصب اعطى العوض منها فان لم يعرف أهلها تصدق بها عنهم على الفقراء والمساكين وتاب الى الله عزوجل مما فعل (٤).

ومنها ما عن صاحب الزمان عليه‌السلام قال : لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه (٥) بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان مال المسلم أو المؤمن

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة الحديث ١٢.

(٢) نفس المصدر الحديث ٩.

(٣) مستدرك الوسائل : الباب ١ من أبواب الغصب الحديث ١.

(٤) نفس المصدر الحديث ٢.

(٥) الوسائل : الباب ١ من أبواب الغصب الحديث ٤.

٢٠٢

محترم كحرمة نفسه فكما ان قتل نفسه يوجبا لضمان ولو مع عدم العمد كذلك يكون اتلاف ماله موجبا للضمان.

الوجه السادس : انه لا اشكال في ضمان من غصب مال الغير مدة أعم من ان ينتفع به أولا كما لو غصب فرس زيد شهرا ولم يركبه فانه لا اشكال في السيرة العقلائية وعند المتشرعة أنّه ضامن للمنفعة الفائتة ولا بدّ من غرامة تلك المنفعة في تلك المدة فاذا كان الأمر في اتلاف المنفعة مع بقاء العين بحالها كذلك فلا وجه للتوقف في الضمان بالنسبة الى المقام.

الوجه السابع : جملة من النصوص الواردة في بعض أبواب موجبات الضمان منها ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها فقال عليه الضمان لأنّ كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان (١) ومنها ما رواه أبو الصباح الكناني قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام من اضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن (٢) ومنها ما رواه سماعة قال : سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه فقال أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان وأما ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه (٣) ومنها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتعقره بصاحبها فتقره فقال كلّ شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه (٤) ومنها ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اخرج ميزابا أو

__________________

(١) الوسائل : الباب ٨ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢.

(٣) نفس المصدر الحديث ٣.

(٤) الوسائل : الباب ٩ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

٢٠٣

كنيفا أو أوتدا وتدا أو اوثق دابة أو حفر شيا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن (١) بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص ان تسبيب التلف يوجب الضمان فالمباشر له يكون ضامنا بالأولوية.

الوجه الثامن : ما رواه جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في شاهد الزور قال : إن كان الشيء قائما بعينه رد على صاحبه وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل (٢) فان الحديث يدل بوضوح على ضمان المتلف فان المستفاد من الحديث ان الشاهد بشهادته الباطلة ضامن بالمقدار الذي اتلف من مال الغير فيستفاد من الحديث ان الإتلاف موجب للضمان.

الجهة الثانية : ان المراد من المال ما يبذل بازائه الشيء عند العقلاء عليه لا فرق في الضمان بين تعلق الاتلاف بالعين التي لها مالية كما لو كسر صندوقا لزيد وبين تعلق الاتلاف بنفس المالية مع بقاء العين كما لو وضع عينا في مقابل الشمس أو في مكان يوجب وضعه في تلك المكان زوال مالية ذلك المال.

ان قلت الظاهر من عنوان المال العين التي تكون ذات مالية فلا يشمل الدليل ما اذا اتلف المالية مع بقاء العين.

قلت : الظاهر ان العرف بمناسبة الحكم والموضوع يفهم ان الميزان هي المالية مضافا الى أنه لا فرق في سيرة العقلاء بين المقامين كما أن ما ورد في النصوص من عنوان الافساد والتعطيل وما شابهها يشمل اتلاف المالية وحدها فلا وجه للتأمل.

الجهة الثالثة : ان الظاهر من الاتلاف الافناء أي من افنى مال الغير بدون رضاه فله ضامن.

الجهة الرابعة : ان المراد من الضمان اشتغال الذمة بعين التالف ولذا لو رجع

__________________

(١) الوسائل : الباب ١١ من أبواب موجبات الضمان.

(٢) الوسائل : الباب ١١ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

٢٠٤

التالف الى ما كان أولا لا وجه لضمان المتلف بغيره نعم لو لم يكن رد العين كما هو كذلك عادة تصل النوبة الى الاقرب منه من المثل أو القيمة فلاحظ.

الجهة الخامسة : أنه لو اجتمع السبب والمباشر في اتلاف شيء فهل يكون الضامن السبب أو المباشر أو كليهما أو لا هذا ولا ذلك.

الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان يقال الحق عدم ميزان كلي بل الموارد مختلفة اذ موضوع الضمان كون الاتلاف مستندا اليه فتارة يكون الشخص سببا ولكن يصدق انه اتلف العين كما لو فتح باب القفص وطار الطير أو أكله سبع فإنه يصدق ان الفاتح للباب اتلف الحيوان وقد يكون الاتلاف مستندا الى المباشر كما لو أمر شخص شخصا باتلاف مال شخص ثالث فان المتلف للمال المباشر للإتلاف بلا اشكال فالميزان هو صدق عنوان الاتلاف الذي يكون موجبا لضمان من يتصدى له ولو فرض الشك في صدق العنوان على ايّهما وتردد الامر بينهما فالظاهر عدم تحقق الضمان لا بالنسبة الى المباشر ولا بالنسبة الى السبب إذ كل واحد يشك في صدق الموضوع عليه والأصل عدمه والعلم الإجمالي في المقام لا أثر له إذ الأمر مردد بين شخصين والتكليف دائر بينهما نظير ما تردد امر المني بين شخصين فان كل واحد ينفي عن نفسه بمقتضى الاستصحاب وفي بعض الفروض لا يكون الاتلاف مستندا الى الشخص كما لو اجّج نارا بلا قصد اتلاف شيء وبحسب التصادف عبر عابر من ذلك المكان وأصابت النار عباءته فتلفت لا يكون المؤجج للنار ضامنا إذ لا يصدق عليه انه اتلف عباءته.

الجهة السادسة : أنه لو أكره أحد زيدا على اتلاف مال بكر فهل يكون زيد ضامنا لبكر أم لا الظاهر أنه غير ضامن إذ حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي يرفع الحكم الوضعي فكما أنه لا يكون حراما تكليفا لا يكون موجبا للضمان.

والذي يتخلج بالبال أن يقال ان العقلاء يرون المكره بالكسر ضامنا كما ان

٢٠٥

التناسب يقتضي ذلك وإن شئت فقل ذوق الفقاهة يقتضي هذا الأمر الّا والله العالم.

بقي شيء لا بأس بالتعرض له وإن كان خارجا عن محل الكلام وهو أنا قلنا انّ المستفاد من قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(١) الحكم التكليفي لا الوضعي وعليه يكون المراد أنّ من لم يراع حق الناس واعتدى على غيره يجوز لذلك الغير ان يفعل بالمعتدي بالمثل فلو فرضنا انه ضربه ضربة يجوز للمضروب ان يضرب الضارب ضربة وهكذا وأيضا لو اتلف مالا له يجوز له أن يتلف ماله بالمقدار الذي اتلف عن ماله ولا تنافي بين الجواز المذكور والضمان بواسطة الاتلاف وبعبارة اخرى لا تنافي بين المقامين غاية الامر ان المعتدى عليه لو اتلف هذا المقدار عن المتلف تكون النتيجة التهاتر وأما اذ لم يكافى يكون المعتدي ضامنا له اللهمّ الّا أن يقال ان العرف يفهم عدم الضمان في هذه الموارد والله العالم.

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

٢٠٦

القاعدة الواحدة والعشرون

قاعدة انحلال العقود الى عقود متعددة

ويقع البحث في هذه القاعدة من جهات :

الجهة الأولى : في المراد من انحلال العقد فنقول لا اشكال ولا كلام في ان هذه القاعدة لا تجري فيما لا يجوز فيه التبعيض فلو باع عبده لا يتوهم انحلال العقد الى بيع رأس العبد ورجله مثلا فان بيع الجزء الخارجي للعبد غير قابل للبيع بل الكلام في الجزء المشاع وأيضا لا يتصور انحلال بالنسبة الى تزويج المرأة فان التزويج انما يتعلق بالمرأة ولا يجوز تعلقه بجزء خارجي منها أو جزء مشاع وأيضا لا يكون البحث في هذه القاعدة فيما لو جمع البائع بين شيئين كالكتاب والفرش ويكون قصده بيع كل واحد منهما على حياله واستقلاله بحيث لا يكون ربط بينهما وانما جمعا في مقام الانشاء كما لو باع داره مباشرة في الساعة الثانية من الليل وباع في تلك الساعة وكيله كتاب الموكل فانه لا مجال لبحث الانحلال في الفرض المذكور إذ لا مقتضي للانحلال كما هو ظاهر وبعبارة واضحة الانحلال مفروض ومتصور في صورة الانسجام والتركب وفي الصورة المفروضة لا تركب في الواقع ومقام اللب فالانحلال فيه يكون من مصاديق تحصيل الحاصل.

الجهة الثانية : في ان القاعدة الأولية هل تقتضي الانحلال أم لا الحق هو الثاني والوجه فيه ان الأثر في الامور الوضعية مترتب على طبق اعتبار المعتبر وتابع له ودائر مداره وبعبارة اخرى العقد تابع للقصد والتخلف على خلاف القاعدة الأولية

٢٠٧

ويحتاج الى قيام دليل عليه فلو باع زيد داره يتعلق قصده بتمليك مجموع الدار من حيث هو من المشتري لا انه باع نصفه وثلثه وربعه الى آخره ولذا يكون نصف الدار جزءا للمبيع لا انه مبيع والّا يلزم التسلسل لاستحالة الجزء الذي لا يتجزى وأيضا يلزم تعدد الخيار بعدد البيوع إذ كل بيع له خيار المجلس مثلا وأيضا يلزم تعدد البيوع بحسب الأجزاء الخارجية في قبال الكسور.

وصفوة القول انّ البيع المتعلق بعين يكون بيعا واحدا ولا يعقل ولا يتصور فيه التعدد كما ان الحكم التكليفي المتعلق بالمركب الاعتباري كذلك فان الأمر المتعلق بالصلاة لا ينحل الى أوامر عديدة وواجبات متعددة بل الأمر واحد والواجب كذلك وكل جزء من الصلاة جزء الواجب لا واجب بحياله واستقلاله ولذا لا معنى للواجب الضمني الا هذا المعنى وبعبارة واضحة كل جزء من المركب الذي تعلق به الأمر بشرط انضمام بقية الأجزاء اليه واجب لا أنه واجب على نحو اللابشرط ومن الظاهر ان الجزء المضاف الى بقية الأجزاء عبارة أخرى عن الكل وعلى هذا الأساس قد ذكرنا في بحث دوران الأمر بين الأقل والأكثر أنّه لا مجال لأن يقال ان الأقل واجب قطعا والشك في الأكثر بل الأمر دائر بين وجوب الأقل والأكثر ولا قدر متيقن في البين وعليه يكون الاصل الشرعي متعارضا وبالتعارض يسقط وانما البراءة العقلية تجري بالنسبة الى الأكثر ولا تجري بالنسبة الى الأقل اذ المكلف يقطع باستحقاق العقاب بترك الأقل فيلزم الإتيان به والتفصيل موكول الى ذلك المقام الذي يكون مزلة الاقدام وقد ذكرنا أخيرا أنّه لا وجه لجريان البراءة العقلية أيضا بل المحكم ادلة الاحتياط نعم على القول بجريان الأصل في بعض اطراف العلم الإجمالي لا مانع عن جريانه عن الأكثر فالنتيجة أن مقتضى القاعدة الأولية عدم الانحلال.

الجهة الثالثة : أنه هل يكون دليل يدل على الانحلال وعلى خلاف مقتضى

٢٠٨

الأصل الأولي أم لا ربما يقال هناك وجوه دالة على خلاف القاعدة.

الوجه الأول : الاجماع وفيه الأشكال الساري في الاجماعات اذ المنقول منه غير حجة والمحصل منه على فرض حصوله أيضا لا اعتبار به الّا فيما يكون كاشفا عن رأي المعصومعليه‌السلام.

الوجه الثاني : ان بناء العقلاء وسيرتهم في المعاملات على التبعيض فلو باع زيد عبده مع عبد غيره بيعا واحدا يحكمون بصحة البيع بالنسبة الى مملوكه وبعدم صحته بالنسبة الى غير مملوكه ولم تردع هذه السيرة من قبل الشارع وهذا الوجه لو تحقق وأمكن الجزم به يمكن ان يجعل وجها للمدعى لما ذكرنا مرارا أن الشارع الأقدس لا يكون له مسلك خاص في الامور الاجتماعية الّا فيما قام الدليل على التصرف فيه ولكن الاشكال تمام الاشكال في تحقق هذه من قبل العقلاء حتى فيما يكون الامر ظاهرا لديهم وعلموا بان بايع الدار المشتركة باع بتمامها ولم يتعلق قصده بيع خصوص حصته فهل يحكم العقلاء بصحة البيع بالنسبة وهل يحكمون بالانحلال مع علمهم بان البائع قصد بيع مجموع الدار وكاره لبيع مملوكه الخاص ويضاف الى ذلك أنهم اذا فهموا بان البيع المتعلق بالمجموع بما هو مجموع لا ينحل بحسب طبعه ونفسه الى بيوع متعددة وبعبارة واضحة تارة العقلاء والعرف يعتقدون ان البيع المتعلق بالعين ينحل الى بيوع متعددة وعلى هذا البناء والخيال يحكمون بالانحلال فيما يكون البيع متعلقا بالمال المشترك مع عدم رضا الشريك واما اذا علموا بان الامر ليس كذلك كما بيناه فكيف يمكن الجزم ببنائهم واذا وصلت النوبة الى ما بيناه لا يمكن اعتبار السيرة مثلا لو فرض ان العقلاء يعتقدون بان اللفظ الفلاني ظاهر في المعنى الكذائي ويرتبون الأثر عليه بواسطة هذا الاعتقاد فهل يكون عملهم صحيحا مع ان ذلك اللفظ لا يكون كذلك واذا وصلت النوبة الى الشك في ان مثل هذه السيرة المنحرفة عن الجادة حجة يكون مقتضى الأصل

٢٠٩

عدم اعتبارها.

الوجه الثالث : انه لا فرق بين بيع المملوك مستقلا وبيعه منضما اذ البيع على كلا التقديرين تعلق بما يصح ويشمله دليل الصحة من دليل احلال البيع وتجارة عن تراض والوفاء بالعقد على مسلك من يرى الآية دليلا على الصحة على خلاف ما رمناه.

وبعبارة واضحة بيع المجموع بطبعه ونفسه ينحل الى البيوع فلا اشكال.

ويرد عليه انّ التقريب المذكور بمراحل عن الواقع فان الانحلال المدعى متوقف على لحاظ كل جزء بحياله واستقلاله والحال انّ كلامنا في المقام صورة تعلق البيع بالمجموع من حيث المجموع ولذا لو باع أحد داره لا يصح أن يقال زيد في هذا اليوم باع بيوعا متعددة إذ باع داره وباع نصف داره وثلثه وربعه الى غيرها وهذا العرف ببابك ويتضح بطلان المدعى بأنه لو أمر المولى باكرام عشرة من العلماء بنحو العام المجموعي فهل يمكن ان يقال انه يحصل مقدار من الامتثال بإكرام واحد منهم أو اثنين كلا ثم كلا والوجه فيه أنّ الواجب الاكرام الخاص وهو لا يصدق على البعض ولعمري هذا واضح ظاهر.

الوجه الرابع : انّ البيع سبب شرعي لانتقال المبيع الى المشتري فاذا فرضنا انه تعلق بشيئين ويكون الشرائط بالنسبة الى احدهما تامة ليتحقق المسبب فالانحلال أمر على القاعدة.

وفيه انّ الوجه المذكور مصادرة كالوجه الثالث مضافا الى انّ البيع وأمثاله من العقود والإيقاعات لا تكون اسبابا بل موضوعات للأحكام والمفروض انّ العقود والايقاعات تابعة للقصود والّا يلزم بان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد وهذا خلاف القاعدة فما ادعاه من القاعدة تكون على خلافها.

الوجه الخامس : ما رواه محمد بن الحسن الصفار انه كتب الى أبي محمد

٢١٠

الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام في رجل باع قطاع أرضين فيحضره الخروج الى مكة والقرية على مراحل من منزله ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه وعرف حدود القرية الأربعة فقال للشهود اشهدوا أني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حدّ منها كذا والثاني والثالث والرابع وانما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك وانما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلها فوقّع عليه‌السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك (١) فان الحديث يقتضي الالتزام بالانحلال والتبعيض على خلاف القاعدة الأولية ومن الظاهر أنه لا يبقى اعتبار لقاعدة بعد ورود ما يخالفها من مخازن الوحي أرواح العالمين لهم الفداء لكن الحديث يختص بالمورد الخاص.

هذا تمام الكلام في هذه القاعدة والحمد لله أولا وآخرا.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٢١١

محتویات الکتاب

مقدمة الكتاب................................................................... ٣

قاعدة من ملك والمراد منها......................................................... ٥

القاعدة مسألة فقهية أو أصولية.................................................... ٧

أدلة القاعدة..................................................................... ٨

تمامية القاعدة في الجملة الا بالجملة................................................ ١٠

في حدود القاعدة............................................................... ١٠

قاعدة الإعانة على الأثم......................................................... ١٢

تفسير معنى القاعدة............................................................. ١٢

حكم الاعانة وأدلته............................................................. ١٣

حكم العقل بالحرمة............................................................. ١٤

قاعدة الفراغ والتجاوز........................................................... ١٨

في وحدة القاعدة وتعددها....................................................... ١٨

في أدلة القاعدة................................................................ ١٩

في بطلان قاعدة التجاوز بالجملة.................................................. ٢٢

هل يشترط الدخول في الغير..................................................... ٢٧

لا يشترط الترتب في المدخول فيه................................................. ٢٩

فروع.......................................................................... ٢٩

٢١٢

هل القاعدة من الامارات أو الاصول.............................................. ٣١

هل تعتبر الاذكرية.............................................................. ٣٣

هل القاعدة من المسائل الاصولية أو للفرعية........................................ ٣٦

قاعدة حجية البينة.............................................................. ٣٧

في أدلة القاعدة................................................................ ٣٧

عمل المشهور بالخبر لا يجبر...................................................... ٣٩

هل الميزان الوثوق بالخبر أو خبر الثقة.............................................. ٣٩

الاستدلال بسيرة المتشرعة........................................................ ٤٢

في حجية الثقة................................................................. ٤٥

هل يشترط الرجولية............................................................. ٤٧

قاعدة اليد وأدلتها.............................................................. ٤٩

في تعارض اليد والأدلة.......................................................... ٥٤

في سعة دائرة اليد............................................................... ٥٥

هل يجوز الشهادة مستندة الى اليد................................................ ٥٩

في تعدد اليد على عين.......................................................... ٦٢

مملوكية الأخماس والزكوات من أي طور............................................. ٦٣

هل اليد كاشفة في مقام الأثبات والثبوت عن الملك.................................. ٦٤

قاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسدة وأدلتها................................... ٦٧

الاستدلال بقاعدة لا ضرر وما يرد عليه........................................... ٧٤

قاعدة الاشتراك في التكاليف وأدلتها.............................................. ٧٩

التكليف يتوجه للنوع لا للشخص................................................ ٨٧

قاعدة نجاسة الكافر وأدلتها...................................................... ٨٩

٢١٣

في نجاسة الملحد................................................................ ٩٩

في نجاسة المشرك.............................................................. ١٠٠

الاشكالات على الاستدلال بالآية الشريفة ودفعها................................ ١٠١

في نجاسة الغلاة............................................................... ١٠٤

في نجاسة الخارجي............................................................. ١٠٥

في نجاسة الناصبي............................................................. ١٠٨

في نجاسة المجسمة............................................................. ١٠٩

بيان لسيدنا الاستاد والمناقشة فيه............................................... ١١٠

بيان لصاحب الأسفار والمناقشة فيه............................................. ١١١

في نجاسة المفوضة............................................................. ١١٤

الأمر بين الأمرين............................................................. ١١٧

القائلون بوحدة الوجود......................................................... ١١٩

في نجاسة الكتابي.............................................................. ١٢٠

بيان في طهارة الكتابي......................................................... ١٢٨

الكلام في مرجحات باب التعارض.............................................. ١٢٩

الترجيح بالاحدثية وبيان لسيدنا الاستاد والمناقشة فيه.............................. ١٣٦

القائلون بالأحدثية............................................................ ١٣٨

قاعدة نفي سبيل الكافر على المسلم وأدلتها...................................... ١٤٠

قاعدة حرمة أخذ الأجرة على الواجبات وأدلتها................................... ١٤٤

قاعدة عدم شرطية البلوغ في الأحكام الوضعية وأدلتها.............................. ١٤٦

قاعدة حرمة ابطال العبادات.................................................... ١٤٩

٢١٤

الاستدلال بمفهوم الشرط...................................................... ٢١٥

قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه وأدلتها............................... ١٥٢

قاعدة لا حرج................................................................ ١٥٧

أدلة القاعدة................................................................. ١٥٨

هل المرفوع الحرج أو الحكم الذي يوجب الجرح.................................... ١٦٤

أدلة الحرج حاكمة على الأدلة.................................................. ١٦٦

الميزان الحرج الشخصي لا النوعي................................................ ١٦٦

لا فرق بين العدميات والوجوديات.............................................. ١٦٧

لا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي............................................ ١٦٧

الحكومة ترفع الألزام لا الملاك................................................... ١٦٨

في تعارض الضرر والحرج....................................................... ١٦٩

هل القاعدة من المسائل الاصولية أو الفقهية...................................... ١٧٠

قاعدة رفع القلم عن غير البالغ وأدلتها........................................... ١٧١

قاعدة أمارية السوق على اللحوم وأدلتها......................................... ١٧٣

السوق لابد من كونه للمسلمين................................................ ١٧٥

السوق بنفسه أمارة............................................................ ١٧٦

قاعدة لاشك في النوافل وأدلتها................................................. ١٧٨

قاعدة اعتبارالظن في الركعات وأدلتها............................................. ١٨١

قاعدة لا شك لكثير الشك وأدلتها............................................. ١٨٥

السهو لايرادف الشك......................................................... ١٨٧

في حدود القاعدة............................................................. ١٩٠

هل الامر بالمضي عزيمة أو رخضة............................................... ١٩٤

٢١٥

في حكم الوسواسي........................................................... ١٩٥

قاعدة الأتلاف وأدلتها........................................................ ١٩٩

قاعدة إنحلال العقود.......................................................... ٢٠٧

الوجوه التي استدل بها على القاعدة.............................................. ٢٠٩

العقود لا تكون أسباباً بل موضوعات للأحكام................................... ٢١٠

٢١٦