الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: محلاتي
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
ISBN: 964-7455-060-2
الصفحات: ٢١٦

القاعدة الثامنة عشرة

قاعدة اعتبار الظن في الركعات

من القواعد التي وقعت مورد البحث قاعدة ان الظن في الركعات بحكم العلم والكلام في هذه القاعدة يقع تارة بالنسبة الى الركعتين الاخيرتين واخرى بالنسبة الى الاوليين فهنا فرعان :

أما الفرع الأول فالظاهر عدم الخلاف فيه الا من ابن ادريس على ما نقل عنه والعمدة النصوص الواردة في المقام منها ما رواه صفوان عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فاعد الصلاة (١) وهذه الرواية من حيث الدلالة على المدعى لا اشكال فيها انما الاشكال في سندها فان محمد بن خالد مورد الكلام والاشكال ولكن انا بنينا على اعتبار توثيق المتأخرين والعلامة وثق الرجل مضافا الى توثيق الشيخ ايّاه وقال النجاشي أنه ضعيف الحديث وقال الحر قدس‌سره وتضعيف النجاشي لحديثه بمعنى انه كثيرا ما يروى عن الضعفاء فلا يلزم ضعفه ولا ضعف حديثه الذي يرويه عن الثقات.

أقول : الانصاف أنه لا مجال للنقاش في اعتبار حديثه وكلام النجاشي لا يدل على عدم كونه ثقة مضافا الى توثيق الشيخ ايّاه فالحق ان الحديث تام سندا ولا يعارض بحديث محمد بن مسلم قال : انّما السهو بين الثلاث والاربع وفي الاثنتين

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٥ من أبواب الخلل الحديث ١.

١٨١

وفي الأربع بتلك المنزلة ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم اربعا واعتدل شكّه قال يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلّم ويصلي ركعتين واربع سجدات وهو جالس فان كان أكثر وهمه الى الأربع تشهد وسلّم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ فسجد سجدتين وتشهد وسلّم وإن كان أكثر وهمه اثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلّم (١).

فان نسبة الحديث الى الإمام عليه‌السلام غير معلوم ومن الممكن ان اجتهاد ابن مسلم كذلك كما أنه لا يعارضه ما عن ابي بصير انه روى فيمن لم يدر ثلاثا صلى أم اربعا إن كان ذهب وهمك الى الرابعة فصلّ ركعتين واربع سجدات جالسا فإن كنت صليت ثلاثا كانتا هاتان تمام صلاتك وإن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة لك (٢) فان الحديث مرسل.

ومنها النبوي : اذا شك احدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك الى الصواب فليبن عليه (٣) والحديث لا اعتبار به سندا كما هو ظاهر.

ومنها النبوي أيضا : اذا شك أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب (٤) ومنها ما رواه عبد الرحمن بن سيّابة وأبو العباس جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فسلّم وانصرف وان اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس (٥) والحديث تام سندا ودلالة على المدعى في الجملة.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب الخلل الحديث ٤.

(٢) نفس المصدر الحديث ٨.

(٣) صحيح مسلم ، سنن النسائي ، عن مستند النراقي ج ٧ ص ١٨١.

(٤) نفس المصدر.

(٥) الوسائل : الباب ٧ من أبواب الخلل الحديث ١.

١٨٢

ومنها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : اذا لم تدر اثنتين صليت أم اربعا ولم يذهب وهمك الى شيء فتشهد وسلّم ثم صلّ ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بامّ الكتاب ثم تشهد وتسلّم فان كنت انما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع وإن كنت صلّيت اربعا كانتا هاتان نافلة (١).

وفي المقام حديث رواه أبو بصير قال : سألته عن رجل صلّى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة قال : فما ذهب وهمه إليه ان رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلّم بينه وبين نفسه ثم صلى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب (٢) وهذه الرواية تعارض حديث البقباق وحيث لا مرجح ولا يميز الأحدث يكون المرجع حديث صفوان فالنتيجة أن الظن في الركعات معتبر بلا فرق بين الركعتين الاخيرتين أو الاوليين وبلا فرق بين الصلوات الواجبة والمندوبة.

إن قلت المستفاد من حديث زرارة بن أعين قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام كان الذي فرض الله تعالى على العباد عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهن وهم يعني سهوا فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة فمن شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم (٣) وجوب الاعادة الّا مع الحفظ واليقين بالاتيان بالأوليين فكيف يكفي الظن.

قلت : اليقين والحفظ في تلك الرواية أخذا من حيث الطريقية لا من حيث كونهما صفة نفسانية ولذا يقوم مقامهما الامارات بل الأصول التنزيلية والمفروض

__________________

(١) الوسائل : الباب ١١ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب الخلل الحديث ٧.

(٣) الوسائل : الباب ١ من أبواب الخلل الحديث ١.

١٨٣

أن الظن في باب الركعات معتبر عند الشارع وأمارة فلا اشكال هذا تمام الكلام في الفرع الأول.

وأما الفرع الثاني : فقد ظهر حكمه مما تقدم في الفرع الأول ولا وجه للإعادة وخلاصة الكلام أن مقتضى حديث صفوان اعتبار الظن في جميع الصلوات وفي جميع الركعات فلاحظ.

هذا كله في الظن في الركعات وأما الظن المتعلق بالافعال فالظاهر عدم اعتباره ولا بد من العمل على طبق القواعد إذ الظن في حد نفسه لا يكون حجة وانما خرجنا عن الأصل الأولي وقلنا باعتباره فيما يتعلق بالركعات للنص الخاص واما الظن المتعلق بالأفعال فلا دليل على اعتباره فالنتيجة ان حكمه حكم الشك.

وربما يقال بأن الظن بالأفعال معتبر كالظن بالركعات واستدل على المدعى بالشهرة وبالنبوي اذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر احرى ذلك الى الصواب فليبن عليه (١) ، وانه لو كان معتبرا في الركعات يكون معتبرا في الأفعال بالاولوية.

ويرد عليه بان الشهرة لا اعتبار بها كما ان النبوي غير معتبر واما الأولوية فهي ممنوعة فان الأمور الشرعية تعبدية ولا مجال لهذه التقريبات فيها.

بقي شيء وهو أنه لو ظن بزيادة ركعة أو أزيد في النافلة فهل تكون النتيجة هو البطلان أم لا الحق هو الثاني اذ المستفاد من النص عدم البطلان النافلة بالزيادة السهوية لاحظ حديثي ابن مسلم (٢) والحلبي (٣) فلو ظن بالزيادة فبمقتضى اعتبار الظن تتحقق الزيادة وبمقتضى الحديثين المشار اليهما يحكم عليهما بالصحة.

__________________

(١) لاحظ ص ١٨٢.

(٢) لاحظ ص ١٧٨.

(٣) قد تقدم في ص ١٧٩.

١٨٤

القاعدة التاسعة عشرة

قاعدة لا شك لكثير الشك

من القواعد التي وقعت محل كلام الأصحاب قاعدة أنه لا شك لكثير الشك ويقع الكلام حول هذه القاعدة في جهات :

الجهة الأولى : فيما يمكن ان يستدل به عليها والظاهر أنه يمكن ان يستدل عليها بوجهين :

الوجه الأول : الشهرة بين الأصحاب بحيث يكون انكارها خروجا عن جادة الصواب وانحرافا عن الحق.

الوجه الثاني : جملة من النصوص.

منها ما رواه زرارة وأبو بصير قالا قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه قال يعيد قلنا فانه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شك قال يمضي في شكه ثم قال لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة فانه اذا فعل ذلك مرّات لم يعد اليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فاذا عصي لم يعد الى احدكم (١) وهذه الرواية تامة سندا واما من حيث المدلول فقد اورد فيها بان صدرها يناقض ذيلها

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الخلل الحديث ٢.

١٨٥

اذ قد فرض السائل في الصدر كثرة الشك ومع ذلك أجاب عليه‌السلام بوجوب الاعادة والاعتناء به وفي الذيل أمر بالغاء الشك الكثير فكيف يمكن الجمع بينهما وأجاب عن الأشكال المحقق النراقي قدس‌سره في مستنده بان المراد من الصدر كثرة أطراف الشك أي لا يدري صلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثة أو أربعة والمراد بالذيل كثرة الأفراد والاستدلال على المدعى بالذيل وان أبيت عما ذكر فلا أقل من أجمال الصدر فلا مانع عن الاستدلال بالذيل على المدعى وسيدنا الاستاد نقل نظير البيان المذكور عن الحدائق ثم اورد عليه بان الظاهر من الكلام توصيف الشك بالكثرة وكثرة الاطراف توجب كثرة اطراف الشك لا كثرة افراده واجاب عن الاشكال بنحو آخر وهو ان الكثرة والقلة أمران اضافيان ونسبيّان مثلا الخمسة كثيرة بالنسبة الى الواحدة وقليلة بالنسبة الى العشرين وهكذا وعلى هذا الأساس نقول المراد بالكثير في الصدر الكثرة النسبية أي كثير بالنسبة الى متعارف الناس والمراد بها في الذيل الكثر الذي يكون مورد الحكم الخاص وقد عين وميّز في النص بمن لا تمر عليه ثالث صلوات الّا ويشك فيها.

أقول : يمكن أن يقال ان الحديث المشار اليه يدل على المدعى حتى على القول بتناقض الصدر مع الذيل والالتزام بإجماله.

والوجه فيه ان التعليل الوارد في الذيل وهو قوله عليه‌السلام فان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد الى قوله فانه اذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك دليل على المدعى إذ يفهم من العلة ان الميزان الكلي عدم الاعتناء بما يكون سببه الشيطان والعلة تعمم وتخصص.

ومنها ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري اركع أم لا ، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا فقال لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حى يستيقن يقينا

١٨٦

الحديث (١) والمستفاد من الحديث ان من يكثر شكه في الصلاة لا يعتني بشكه.

ومنها ما رواه علي بن أبي حمزة عن رجل صالح عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته قال : كل ذا؟ قال قلت نعم. قال : فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان فانه يوشك أن يذهب عنه (٢).

الجهة الثانية : ان الوارد في جملة من النصوص لفظ السهو ، منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك ان يدعك انما هو من الشيطان (٣) ومنها ما رواه ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك (٤) ومنها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال : قال الرضا عليه‌السلام اذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد (٥) والسهو لا يكون مرادفا للشك بل مباين معه فان الشاك ملتفت ويتردد في الأمر واما الساهي فهو غافل قال الطريحي وفي الصحاح السهو الغفلة وقد سهى عن الشيء فهو ساه وعلى هذا فبأيّ تقريب يمكن ان يقال ان المراد من السهو في هذه النصوص هو الشك أو الأعم مع ان مقتضى أصالة الحقيقة حمل اللفظ على معناه الحقيقي وإرادة المعنى المجازي من اللفظ يحتاج الى القرينة والقول بان لفظ السهو استعمل في الشك بمقدار صار حقيقة في الشك مجازفة وادّعاء على خلاف الواقع.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الخلل الحديث ٥.

(٢) نفس المصدر الحديث ٤.

(٣) نفس المصدر الحديث ١.

(٤) نفس المصدر الحديث ٣.

(٥) نفس المصدر الحديث ٦.

١٨٧

إن قلت ان الأصحاب فهموا من لفظ السهو في النصوص معناه المجازي أي الشك.

قلت : يرد على هذه المقالة أولا انه ليس الاتفاق على ذلك بل نقل عن الشيخ وابن زهرة والحلبي وروض الجنان والروضة والذخيرة وغيرهم حمل اللفظ على الاعم من الشك والغفلة بل نقل عن بعض الأخباريين أنه المشهور وصاحب المستند بعد نقل الالتزام بحمل اللفظ على المعنى الأعم من الشك من جملة من الأعاظم يقول وهو الحق هذا اولا وثانيا ان حمل الاصحاب اللفظ على الاعم لا يقتضي القول به الا أن يرجع الأمر الى الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام وهل يمكن ادعائه قال في المستند وبالجملة لم يثبت اتفاق ولم يعلم من جهة اخرى إرادة الشك من السهو في هذه الروايات أصلا لا من حيث الخصوص ولا من حيث العموم وبمجرد احتمالها وقول بعض أو طائفة لا ترفع اليد عن الحقيقة اللغوية والعرفية المعلومتين الى ان قال ودعوى ان كثرة استعمال السهو في الشك بلغت حدا لا يمكن حمله على احدهما بدون القرينة كما في البحار مدفوعة بالمنع الخ (١).

أقول : على فرض صحة الدعوى ووصول النوبة الى الشك لا مجال للحمل على خصوص الشك فلا تكون النصوص دليلا على جريان القاعدة في الشك بل لنا أن نقول لو فرض الشك في أنه هل بلغت حدا لا يمكن الحمل على الحقيقة أم لا يكون مقتضى الاستصحاب عدم وصوله الى الحد المذكور.

إن قلت كيف يمكن حمل اللفظ على معناه اللغوي والحال أن مقتضاه ان كثير السهو لو سها وزاد ركنا أو لم يأت بركن لا يكون موجبا لبطلان الصلاة ومرجعه الى عدم بطلان الصلاة بالزيادة المعلومة والنقصان المعلوم ولو كانت الزيادة أو

__________________

(١) مستند الشيعة : ج ٧ ص ١٩١.

١٨٨

النقيصة ركنية قلت الضرورات تقدر بقدرها أي نرفع اليد عن الدليل والنص بالنسبة الى الأركان ونعمل بما سواه وهذا ليس عزيزا فان مفاد لا تعاد كذلك أي يستفاد من حديث لا تعاد أن النقصان والزيادة لا يوجبان البطلان في غير الأركان فالنتيجة ان الجزم بان المراد بالسهو خصوص الشك مشكل.

وفي المراجعة الأخيرة اختلج ببالي ان يقال لا بد من حمل لفظ السهو على الشك والوجه فيه ان من النصوص المشار اليها الآمرة بالمضي في الصلاة ما عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) والحكم رتّب على كثرة السهو ولا يعقل انّ المكلف يتوجه الى كونه ساهيا حال السهو فلا بد من حمل لفظ السهو على الشك الا أن يقال لا يلزم الالتفات حين السهو بل يكفى تحقق الموضوع وترتب الحكم عليه بعد زوال السهو مثلا اذا دخل في السورة وألتفت انه لم يقرء الحمد سهوا يمضى في صلاته وهكذا فيقع التعارض بين هذه الرواية وبين دليل لا تعاد والنسبة بين الطرفين عموم من وجه فلو سها عن الركوع ولم يركع وبعد دخوله في السجود والتفت يكون الحديثان متعارضين وحيث ان الاحدث غير معلوم اذ كلاهما مرويان عن الباقر عليه‌السلام يسقطان وتصل النوبة الى القاعدة الاولية والنتيجة هو البطلان والوجه فيما ذكرنا ان دليل عدم الاعتناء بالسهو اخذ في موضوعه كثرة السهو فلا مجال للعمل بدليل عدم الاعتناء بالسهو وأيضا لو سها عن الحمد ودخل في السورة فالتفت لا اشكال عندهم في وجوب التدارك فالنتيجة انه لا بد أما من حمل لفظ السهو على الشك وأما رد علم الحديث الى أهله والله العالم.

ولا يخفى انه يكفي لإثبات المدعى في المقام النصوص المذكورة فيها عنوان الشك لاحظ أحاديث زرارة وأبو بصير (٢) وعلي بن ابي حمزة (٣) وعمّار (٤) وعلى هذا

__________________

(١) لاحظ ص ١٨٠.

(٢) لاحظ ص ١٧٨.

(٣) لاحظ ص ١٨٧.

(٤) لاحظ ص ١٨٦.

١٨٩

يمكن بحسب الصناعة الالتزام بجريان القاعدة في السهو الّا فيما قامت الضرورة على خلافه.

إن قلت ان التعليل في الحديث انما هو من الشيطان يناسب ان يكون المراد من السهو الشك قلت ليس الامر كذلك فان السهو أيضا يمكن ان يكون من الشيطان قال الله سبحانه (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(١).

وقال أيضا (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)(٢) ويؤيّد المدعى انه قال في الحدائق والظاهر عندي هو العموم لأن اخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشك ومنها ما ورد بلفظ السهو والقول بالعموم جامع للعمل بالأخبار كملا واما التخصيص بالشك فيحتاج الى التأويل في أخبار السهو بالحمل على الشك وإخراجه عن ظاهر حقيقته اللغوية التي هي النسيان وهو يحتاج الى دليل مع انه لا ضرورة تلجأ اليه الى ان قال وممن وافقنا في المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال : (واعلم ان ظاهر عبارات كثير من الأصحاب التسوية بين الشك والسهو في عدم الالتفات اليهما بل شمول الحكم للسهو في كلامهم اظهر وهو ظاهر النصوص) (٣).

الجهة الثالثة : أنه هل تختص القاعدة بالشك في الصلاة أو تعم المقدمات أو تعم غير الصلاة من بقية العبادات بل تعم المعاملات بالمعنى الأخص والاعم.

الانصاف أن القول بالعموم مستندا الى أن العلة تعمم وتخصص لا يكون جزافا

__________________

(١) الانعام : ٦٨.

(٢) الكهف : ٦٣.

(٣) الحدائق : ج ٩ ص ٢٩١.

١٩٠

بل يكون حقا وموافقا مع الصناعة والاشكال في التقريب المذكور بان العلة المذكورة في ذيل حديث زرارة وأبي بصير اشارة الى الحكمة لا بيان للعلة مردود بانه مجازفة واذا لم تكن الجملات المذكورة في كلامه عليه‌السلام علة فأين توجد العلة ويؤيد المدعى حديث عبد الله بن سنان قال : ذكرت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل فقال ابو عبد الله عليه‌السلام وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان فقلت له وكيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو فانه يقول لك من عمل الشيطان (١) فانه يستفاد من الحديث ان المسبب من عمل الشيطان غير قابل للاعتناء بشأنه بل الحديث بنفسه كاف للقول بعمومية القاعدة وان المسبب من عمل الشيطان ساقط هذا من ناحية ومن ناحية اخرى قد علم من حديث زرارة وأبي بصير ان كثرة الشك من الشيطان فلا وجه للتأمل في عمومية الحكم.

ان قلت سلمنا العموم والاطلاق لكن لا بد من تخصيص الحكم بمرسلة الصدوق (٢) اذ بمفهوم الشرط لا بد من الاعتناء اذا كان الشك في غير الصلاة قلت المرسل لا اعتبار به مضافا الى أن المذكور في المرسل عنوان السهو وكلامنا في الشك فلاحظ.

الجهة الرابعة : أنه هل تختص القاعدة بمورد يكون الشك من الشيطان أو تعم صورة ما يكون الشك ناشئا من عارض مزاجي وروحي.

يمكن أن يقال أن المستفاد من التعليل ان الحكم دائر مدار وجود العلة وعدمها فتكون النتيجة انه لو لم يكن مسببا عن الشيطان يلزم ان يعمل على طبق القاعدة

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٠ من مقدمة العبادات.

(٢) لاحظ ص ١٨٧.

١٩١

والصناعة ولقائل أن يقول انه اذا كان الامر كذلك يلزم عدم العمل بالقاعدة عند الشك في أنه من الشيطان أو من غيره اذ مقتضى الأصل انه ليس من الشيطان فلا تجري القاعدة ولا يعارض بأصالة عدم كونه من سبب آخر اذ أنه من المثبت الذي لا نقول به.

والذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان يقال ان المستفاد من النص ان كثرة الشك لا اعتبار بها فانها من الشيطان هذا من ناحية ومن ناحية أخرى انه كيف يمكن القطع بانه ليس من الشيطان والحال ان الشيطان عدو للإنسان وينتظر الفرصة.

وفي كل وقت وفي كل مكان في مقام الايذاء وايجاد الوسوسة في الإنسان فان شئت فقل قد صرح الشارع الأقدس ولو بنحو الحكومة والتنزيل ان كثرة الشك من الشيطان فكيف يمكن القطع بعدمه وببيان أوضح ان العلة المذكورة في النص لا تكون علة تكوينية كعلية الإسكار لحرمة الخمر كي يدور الحكم بالحرمة مدارة بل تكون علة تعبدية أي الشارع يحكم بكون علة كثرة الشك الشيطان فالحق عموم الحكم فالنتيجة انه لا يكون اجمال في المخصص كي يقال اذا كان المخصص المنفصل مجملا ودار أمره بين الأقل والأكثر يؤخذ بالعام بالنسبة الى الأكثر.

الجهة الخامسة : ان المرجع في صدق كثرة الشك العرف فان العرف محكم في باب الظهورات والمقام من مصاديق تلك الكبرى.

ان قلت ان الأمر وإن كان كذلك في حد نفسه ولكن يستفاد من حديث محمد بن أبي حمزة ان الصادق عليه‌السلام قال اذا كان الرجل من يسهو في كل ثلاث فهو

١٩٢

ممن كثر عليه السهو (١) خلافه فان الحديث حدد المفهوم أي مفهوم كثير الشك بأن يشك في كل ثلاث وبمقتضى مفهوم الشرط ينتفي الحكم عن غيره قلت ليس الامر كذلك فإن المستفاد من الحديث بحسب الفهم العرفي ان من يكون كذلك داخل في موضوع الحكم شرعا ولا ينفي عن غيره لكن لك أن تقول المفروض ان الشرطية بمفهومها تنفي الحكم عن غير موردها مضافا الى ان الحديث راجع الى السهو وكلامنا في الشك فلاحظ.

الجهة السادسة : أنه هل يكون كثير الظن ككثير الشك ومحكوما بحكمه أم لا؟ قال في المستند كثير الظن مثل كثير الشك وأستدل على مدعاه بأن الشك خلاف اليقين.

أقول : كلمات أهل الأدب في المقام مختلفة فإن المستفاد من الطريحي والخليل والمنجد أن الشك خلاف اليقين وأما الراغب فقال في مفرداته الشك اعتدال النقيضين عند الإنسان فيتردد الأمر بين القولين ومقتضى الأصل عدم سعة المفهوم ولا يعارض الاصل المذكور باصالة عدم ضيقه لعدم اعتبار الأصل المثبت والاحتياط طريق النجاة.

الجهة السابعة : أنه هل القاعدة تختص بمورد الكثرة فلو كان كثير الشك في الركوع يختص الحكم بمورده أم لا؟ ربما يقال بالعموم بتقريب ان المستفاد من النص ان كثير الشك لا يعتني بشكه والمفروض ان مثله كثير الشك فيلزم عليه ان لا يعتني ولو في غير ما يكون مورد كثرة شكه.

والذي يختلج بالبال ان يقال ان الحكم مختص بذلك المورد بالخصوص والوجه فيه أولا انصراف الدليل اليه ولا يكون الانصراف المدعى بدويا يزول بالتأمل

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الخلل الحديث ٧.

١٩٣

وثانيا ان المستفاد من النص ان الكثرة من الشيطان ومن الظاهر ان هذه العلة تختص بذلك المورد الخاص فلا وجه للتعدي الى غيره نعم اذا كان كثير الشك بلا اختصاص شكه بمورد خاص بحيث يصدق عليه انه كثير الشك على نحو الإطلاق يشمله الحكم في كل شك يعرضه وأما اذا كان شكه مختصا بمورد خاص لا يصدق عليه العنوان على الإطلاق مثلا اذا كان شخص شكاكا بالنسبة الى جماعة خاصة من الناس لا يصدق ان يقال فلان شكاك بالنسبة الى جنس الاناسي وهذا العرف ببابك وإن أبيت فلا أقل من عدم الجزم بالاطلاق والنتيجة هي النتيجة.

الجهة الثامنة : انه لو لم يعتن بشكه وظهر بعد ذلك الخلل في صلاته بزيادة أو نقيصة جرى عليه حكمه فان كان قابلا للتدارك تداركه بالاداء أو القضاء وان لم يكن قابلا له وكان زيادته أو نقصانه موجبا لبطلان يبطل العمل وان لم يكن كذلك وكان قابلا للعفو لحديث لا تعاد يحكم به وعلى الجملة لا يترتب أثر على القاعدة بعد انكشاف الخلاف والوجه فيه ان المستفاد من القاعدة حكم ظاهري والواقع على حاله وقد ثبت في محله ان المأتي به بالحكم الظاهري لا يكون مجزيا عن المأمور به بالأمر الواقعي.

الجهة التاسعة : أنه هل الأمر بالمضي وعدم الاعتناء بالشك رخصة أو عزيمة وقع الخلاف بين الأصحاب فعن الأردبيلي التخيير بين الاعتناء وتركه وقد ذكر لهذا المدعى وجهان أحدهما ان مقتضى حديث زرارة وأبي بصير (١) التخيير فان الجمع بين الصدر والذيل يقتضي ذلك بتقريب انه حكم عليه‌السلام في الصدر بوجوب الاعتناء وفي الذيل أمر بعدمه.

وفيه أنه قد مر الكلام حول الحديث ونقلنا طريق الجمع بين الصدر والذيل

__________________

(١) لاحظ ص ١٨٥.

١٩٤

وعلى تقدير عدم امكان الجمع تكون النتيجة هو الاجمال.

ثانيهما : ان الامر بالمضي واقع مقام توهم الحظر فيدل على الجواز فتكون النتيجة التخيير.

وفيه ان الأمر بالمضي لا يكون مولويا كي يقال انه واقع موقع توهم الحظر بل يكون ارشادا الى اكتفاء الشارع به.

وبعبارة واضحة ان الأمر بالمضي ارشاد الى ان الشك كعدمه اذا عرفت ما تقدم نقول الاعتناء بالشك تارة يوجب بطلان العمل بحسب الظاهر وأخرى لا أما على الاول فلا يجوز واما اذا لم يكن كذلك كما لو شك في الاتيان بالركوع وعدمه يجوز ان يأتي به في صلاة معادة رجاء نعم لا يجوز ان يأتي بالمشكوك فيه يقصد الجزئية في الصلاة اذ يكون تشريعا.

إن قلت ان الامام عليه‌السلام في ذيل حديث زرارة وأبي بصير نهى وقال لا تعوّدوا الخبيث نقض الصلاة فان المستفاد من الحديث حرمة العمل بالاحتياط قلت المستفاد من الحديث حرمة نقض الصلاة لا حرمة الاحتياط اي اعادة الصلاة مثلا وكم فرق بين المقامين وحيث انجرّ الكلام الى هنا يناسب ان نتعرض لحكم العمل الصادر عن الوسواس وانه هل يكون حراما أم لا والذي يختلج بالبال ان يقال المستفاد من حديث زرارة وأبي بصير ان ترك المضى والاعتناء بالشك حرام فانه عليه‌السلام قال لا تعودوا الخبيث نقض الصلاة ومعنى نقض الصلاة عدم المضي والاعتناء بالشك وجعل الصلاة باطلة وهذا حرام بمقتضى النهي وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره هذا النهي ارشادي ويؤيد المدعى تعليل الحكم في كلام الامام عليه‌السلام بانه يريد الخبيث ان يطاع الخ (١).

__________________

(١) فقه الشيعة : ج ٣ ص ٢٧٢.

١٩٥

ويرد عليه أنه لا وجه لرفع اليد عن ظهور النهي في المولوية وحمله على الارشاد ومجرد تعليل حكم بعلة لا يكون دليلا على كون ذلك الحكم ارشادا والّا يلزم انه لو قال لا تشرب الخمر لأنه مسكر نقول النهي عن شرب الخمر ارشادي وهل يمكن القول به وهل هو يرضى بهذه الكلية وهل الحال كذلك عند الاصحاب والحال أن في كثير من المقامات يستفاد عموم الحكم من ذكر العلة لاحظ قوله عليه‌السلام في تزويج العبد بلا أذن مولاه قال عليه‌السلام قريب من هذا المضمون أنه لم يعص الله وانما عصى سيده فاذا أجاز جاز وبعموم العلة حكمنا بصحة كل فضولي مع اجازة من بيده الامر فكما تقدم الحق ان يقال كلما صدق عليه عنوان الاعتناء وعدم المضي وترتيب الأثر على الشك فهو حرام واما اذا فرضنا أنه لم يعتن بالشك ولكن أتى بالعمل ثانيا فهل يكون حراما الظاهر أنه لا وجه لحرمته اذ الحرام الامساك عن المضي واتمام العمل وقد فرض المضي والإتمام.

إن قلت الاتيان بالعمل ثانيا يكون اعتناءا بالشك فيكون حراما قلت العمل الثاني اعتناء باحتمال المطلوبية الواقعية اذ من الظاهر أن الحكم الواقعي لا يتغير بكثرة الشك كما تقدم وهذا نظير من صلى وبعد الفراغ شك في أنه كان متطهرا أم لا لا اشكال في أن مقتضى قاعدة الفراغ الحكم بالصحة وعدم وجوب الإعادة ولكن مع ذلك لا مانع عن الاحتياط بتحصيل الطهارة وإعادة الصلاة بل الإعادة موافقة مع ميزان التقوى والاهتمام بالأمر الشرعي.

بقي شيء وهو أنه لو كان في الصلاة وشك في الإتيان بالسورة مثلا وأتى بها رجاء هل تفسد صلاته أم لا الظاهر أنها لا تفسد إذ لم يقصد الجزئية كي تفسد بالزيادة ومن ناحية أخرى لا تكون السورة كلاما آدميا كي توجب فساد الصلاة فلا وجه للبطلان والله العالم بحقائق الأمور.

بل لنا أن نقول أنه لا وجه للبطلان ولا مقتضي له اذ لا يبعد بل يقرب ان يقال انّ

١٩٦

المستفاد من الحديث الإرشاد الى ما هو الصلاح وإن شئت فقل حيث ان الحمل على المولوية يستلزم تغير الواقع عما هو عليه وهو مقطوع الخلاف فيحمل الكلام على الارشاد اللهم الا أن يقال لا يتم التقريب المذكور الّا على الالتزام بتغير الواقع ولا مقتضي للالتزام به فلاحظ.

الجهة العاشرة : أنه لو شك في صيرورته كثير الشكأو شك في صيرورته شخصا عاديا يحكم بعدمه في الأول وبقائه في الثاني للاستصحاب هذا في الشبهة الموضوعية وأما اذا كان منشأ الشك الشبهة المفهومية فعلى ما ذكرنا من جريان الاستصحاب فيها يكون مثل الشبهة الموضوعية ويعمل على طبق الحالة السابقة بالاستصحاب وأما على القول بعدم جريان الاستصحاب فيها فيدخل المقام تحت كبرى أنه لو دار أمر المخصص بين الأقل والأكل نقتصر في العمل بالمخصص في اطار الأقل وبالنسبة الى الأكثر يرجع الى العام وفي النتيجة يظهر الاختلاف بين مسلكنا وذلك المسلك في التقريب واما النتيجة فهي واحدة.

الجهة الحادية عشرة : انّ الميزان في عدم الاعتناء أنه لو كان أحد طرفي الشك اقتضائيا دون الآخر بنى على غير الاقتضائي وبعبارة أخرى المراد البناء على الصحة والتمامية أي البناء على الاتيان فيما يكون لازما والبناء على عدمه فيما يكون مفسدا والوجه فيه ظهور الدليل فيما ذكر بحسب الفهم العرفي هذا تمام الكلام في الشك ويمكن القول بعدم الاعتناء بالنسبة الى كثير السهو للنص الوارد فيه لاحظ ما رواه محمد بن مسلم (١) وما رواه ابن سنان (٢) ومقتضى الظهور انه لا بد من عدم الاعتناء بالخلل الناشي عن كثرة السهو الّا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام على خلافه وأنّى لنا بذلك قال في المستند والإجماع المدعى ممنوع وان

__________________

(١) لاحظ ص ١٨٧.

(٢) لاحظ ص ١٨٧.

١٩٧

كان في البحار مذكورا كيف مع أنّ الواقع في كلام كثير من الأصحاب أنه لا حكم للسهو مع الكثرة وأرادتهم ما ذكرناه منه محتملة بل ظاهرة ونقل عن صاحب الحدائق انتفاء جميع احكام السهو عنه أيضا كما في الشك.

ثم أنه هل يمكن الاستدلال بدليل كثرة السهو على حكم كثير الشك بتقريب ان العلة تعمم أم لا الحق هو الثاني والوجه فيه ان اسراء الحكم من السهو الى الشك يتوقف على إحراز كون الشك الكثير من الشيطان ولا طريق الى إحرازه الا من دليل سقوط شك كثير الشك ومع ملاحظة ذلك الدليل لا تصل النوبة الى الاستدلال في حكم كثير الشك بدليل كثير السهو وان شئت فقل انه من تحصيل الحاصل فإن دليل كثير الشك بنفسه كاف وواف لإثبات المطلوب ولا يخفى أنه كيف يمكن الالتزام بمقتضى قاعدة كثرة السهو والحال أن لازمه أنّه لو دخل في السجود وعلم بعدم الالتزام بالركوع أو علم بتكراره تكون صلاته تامة وهل يمكن الالتزام به والله العالم.

١٩٨

القاعدة العشرون

قاعدة الاتلاف

ويقع الكلام في هذه القاعدة من جهات :

الجهة الأولى : فيما ذكر أو يمكن ان يذكر في دليل القاعدة وهو وجوه :

الوجه الأول : قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(١) بتقريب ان اتلاف مال الغير بدون رضاه اعتداء بالنسبة الى ذلك الغير فيجوز الاعتداء على المعتدى عليه بالمثل فتدل الآية دلالة واضحة على ان من اتلف مال الغير فهو له ضامن ونقل هذه المقالة والاستدلال عن الشيخ في المبسوط وعن ابن ادريس في السرائر.

ويرد عليه اولا أن اتلاف مال الغير بدون أذنه اعم من الاعتداء اذ يمكن أن يكون المتلف نائما أو غافلا وأتلف مال الغير ولا يكون في مقام الاعتداء والحال أنّ الضمان لا يتوقف على الإتلاف العدواني بل الإتلاف يوجب الضمان على الإطلاق وثانيا انّ الظاهر من الكلام انّ المولى بصدد بيان الحكم التكليفي وانه يجوز المكافاة بالمثل ولا ترتبط الآية الشريفة بالحكم الوضعي الذي هو محل الكلام ويدل على ما ذكرناه ما رواه معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم فقال لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

١٩٩

حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد قال قلت فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق قال يقام عليه الحد في الحرم لأنه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عزوجل (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فقال هذا هو في الحرم فقال (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)(١) فإن المستفاد من الحديث جواز المكافاة بمثل اعتداء الظالم فلا يدل الحديث على الحكم الوضعي بل يدل على الحكم التكليفي كما انه يدل على الجواز بالنسبة الى من يكون ظالما حيث قال عليه‌السلام في ذيل الحديث (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) وفي النتيجة لا تدل الآية على المدعى.

الوجه الثاني : السيرة العقلائية فإنّها جارية وسارية على الحكم بضمان من يتلف مال الغير بلا رضاه واذنه ولم يردع من قبل الشرع هذه السيرة وذكرنا كرارا ان الشارع ليس له طريق ومسلك خاص بالنسبة الى الأمور الاجتماعية الجارية بين الناس الّا فيما ينبّه عليه ويقيم دليلا على خلاف ما يكون جاريا بين العقلاء.

الوجه الثالث : سيرة المتشرعة بما هم كذلك فأنهم يرون ان الوظيفة الشرعية الضمان ويهتمون بها وارتكازهم مستقر عليه.

الوجه الرابع : الإجماع المدعى في المقام ويرد فيه بان المنقول منه غير حجة والمحصل منه على فرض حصوله محتمل المدرك إن لم يكن مقطوعه.

الوجه الخامس : جملة من الروايات منها ما رواه حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها اقتضها فافضاها فقال ان كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فانه

__________________

(١) تفسير البرهان : ج ١ ص ١٩٢ الحديث ٢.

٢٠٠