الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

الأنوار البهيّة في القواعد الفقهيّة

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: محلاتي
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
ISBN: 964-7455-060-2
الصفحات: ٢١٦

مقرونة بما يصلح للقرينية وهذا مانع عن انعقاد الظهور في المدعى ويؤيد ما ذكر ما ورد من النص في ذيل الآية الكريمة لاحظ ما رواه علي بن ابراهيم : أنها نزلت في عبد الله بن ابي وأصحابه الّذين قعدوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يوم احد فكان إذا ظفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكفار قالوا له : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) واذا ظفر الكفار قالوا : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) ان نعنيكم ولم نعن عليكم قال الله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(١) وما رواه ابن بابويه قال : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رحمه‌الله قال : حدثني أبي قال : حدثني أحمد بن علي الانصاري عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه‌السلام في قول الله جل جلاله (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) قال : فانه يقول : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين حجة ولقد اخبر الله تعالى عن كفّار قتلوا نبيهم بغير الحق ومع قتلهم ايّاهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه عليهم‌السلام سبيلا (٢) اضف الى ذلك ان كلمة (لن) تدل على النفي في المستقبل فالآية ترتبط بالمستقبل ولا ترتبط بزمان تشريع الأحكام فلا تلائم ما ادعي في المقام من ان الآية الشريفة في مقام نفي علو الكافر على المسلم في عالم التشريع فانه لو كان كذلك لكان المناسب ان يقال لم يجعل الله والحال أن المذكور قوله تعالى : (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ).

الوجه الثاني : قوله عليه‌السلام الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (٣) بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الإسلام أعلى من كل شيء فيكون المسلم دائما وفي جميع الشؤون أعلى من الكافر.

__________________

(١) تفسير البرهان : ج ١ ص ٤٢٣ الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢.

(٣) الفقيه : ج ٤ ص ٢٤٣ الحديث ٧٧٨.

١٤١

وفيه أولا : أن الحديث مخدوش سندا ولا اعتبار به وثانيا ان المستفاد من الحديث علو الإسلام فان الإسلام أعلى من كل دين لكن لا يرتبط علو الإسلام بعلو المسلم فالحديث مخدوش سندا ودلالة.

الوجه الثالث : الاجماع على أنه ليس في الشريعة حكم يوجب عل الكافر على المسلم كعدم ارث الكافر من المسلم الى بقية الموارد.

وفيه ان الاجماع بنفسه لا يكون حجة واعتباره بلحاظ كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام وحيث أنه من المحتمل أن يكون المدرك الوجوه المذكورة في المقام لا يعتد به ومن ناحية أخرى مقتضى اطلاق النصوص الواردة بالنسبة الى الأحكام الشرعية وكذلك الآيات الشريفة عدم الفرق بين المسلم والكافر الّا فيما قام الدليل على التخصيص.

الوجه الرابع : أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الالتزام بالمدعى فان عظمة الإسلام تقتضي عدم علو الكافر على المسلم.

والانصاف أن هذا الوجه ليس تحته شيء واشبه بالخطابة والاستحسان فان الأحكام الشرعية ملاكاتها معلومة عند الله تعالى ولا تنالها عقولنا كما أن النص قريب من هذا المضمون لاحظ.

ما رواه أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان السنة لا تقاس ألا ترى ان المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان انّ السنة اذا قيست محق الدين (١) فالنتيجة أن القاعدة المذكورة لا أصل ولا أساس لها والله الهادي الى سواء السبيل والّذي يدل على ما ذكرنا أنهم قالوا اذا كان عبد الكافر مسلما يجبر

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب صفات القاضى الحديث ١٠.

١٤٢

على بيعه والحال أن مقتضى القاعدة المدعاة عدم كون الكافر مالكا للمسلم في وعاء الشرع فلا تصل النوبة الى الاجبار وأيضا يدل على صحة مقالتنا أنه لا شبهة عندهم في جواز الاستقراض من الكافر والحال أن جوازه يستلزم خرق القاعدة المدعاة إذ لازمه كون الكافر مالكا لما في ذمة المسلم وهذا نحو سبيل ونحو علو فلاحظ.

١٤٣

القاعدة العاشرة

قاعدة حرمة أخذ الاجرة على الواجبات

قد ذكر في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة حرمة أخذ الاجرة على الواجب وما يمكن أن يذكر أو ذكر في تقريب الاستدلال عليها وجوه :

الوجه الأول : الاجماع وحال الاجماع في الاشكال ظاهر.

الوجه الثاني : أن مورد الاجارة يلزم أن يكون مقدورا للمكلف وإذا كان الفعل واجبا لا يكون المكلف قادرا على الترك فلا يكون المكلف قادرا ومع عدم القدرة تكون الاجارة باطلة.

ويرد عليه أن المعتبر في باب الاجارة أن يكون قادرا على تسليم ما عليه من العمل ولا اشكال في أن الوجوب أو الحرمة لا يوجب ارتفاع القدرة عن المكلف كيف ولو كان الامر كذلك كان اللازم تحقق الخلف ونقض الغرض إذ الامر مقدمة لان يأتي المكلف بالعمل والمقصود من النهي انتهائه عن الارتكاب فاذا فرض عدم قدرته كيف يكلف بالفعل أو الترك فان كان المراد من القدرة تمكن المكلف فلا اشكال في أن التكليف لا يرفع قدرته وإن كان المراد امر آخر فلا دليل عليه وصفوة القول أنه لا دليل على اشتراط عدم كون مورد الاجارة موردا للوجوب أو الحرمة.

الوجه الثالث : أنه يشترط في الاجارة أن يكون فيها غرض عقلائي وحيث أن المستأجر في مفروض الكلام لا غرض عقلائي له تكون الاجارة باطلة.

ويرد عليه أولا أنه لا دليل على الاشتراط المذكور وثانيا أنه كيف لا يكون فيه

١٤٤

غرض عقلائي فان الشخص يحب أن يكون ولده من المصلين ويكون له نفع دنيوي وأخروي وربما يكون حاضرا لبذل مال كثير للوصول الى هذه الغاية.

الوجه الرابع : أنه يشترط في العبادة قصد القربة وأخذ الاجرة ينافي القصد المذكور.

وفيه أولا أنّه منقوض في استيجار الاجير للصلاة والصوم والحج والزيارة وعليه السيرة بلا نكير من احد وحكم الامثال واحد.

وثانيا أن الفعل يلزم أن يكون لوجه الله وأخذ الاجرة داع لداع قربي وايّ فرق بين كون أخذ الاجرة داعيا أو كون الفوز بنعيم الجنّة والفرار عن عذاب النار داعيا.

وثالثا : أن أخذ الاجرة لا يكون داعيا للعمل القربي لان ملكية الاجرة تحصل بنفس العقد ولا تتوقف على العمل الخارجي.

ورابعا : أن القصد القربي ربما يكون آكد اذ المكلف العارف بالحكم الشرعي يعلم أنه لو لم يأت بما وجب عليه بالإجارة لم يأت بما وجب عليه ويستحق العقاب على عدم تسليم مملوك الغير.

١٤٥

القاعدة الحادية عشرة

قاعدة عدم شرطية البلوغ في الأحكام الوضعية

قد ذكر في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة عدم اشتراط البلوغ في الأحكام الوضعية ويقع الكلام في هذه القاعدة من جهات :

الجهة الأولى : في بيان المراد منها فنقول المراد من القاعدة أنه فرق بين التكاليف والوضعيات فان التكاليف تختص بالبالغين كما هو المقرر عند القوم وعليه ارتكاز أهل الشرع واما الوضعيات فلا تشترط بالبلوغ فان غير البالغ لا تجب عليه الصلاة والصوم الى غيرهما من الواجبات ولا يحرم عليه محرمات فلا يحرم عليه النظر الى الاجنبية وأما لو اتلف مال الغير فهو له ضامن.

الجهة الثانية : في الوجوه التي ذكرت أو يمكن ان تذكر في مقام الاستدلال على المدعى.

الوجه الأول : الاجماع وفيه أنه قد ثبت في محله عدم اعتباره بلا فرق بين منقوله ومحصله ألا أن يكون اجماعا كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام وانّى لنا بإثبات قيام مثله في المقام مع احتمال أو القطع باستناد القائل بالتفصيل الى ما ذكر في المقام من الوجوه.

الوجه الثاني : العمومات كقوله على اليد ما أخذت ومن اتلف مال الغير فهو له ضامن الى غيرهما من المطلقات أو العمومات.

ويرد عليه أولا : أنه كيف يمكن دعوى شمول الادلة العامة ما يصدر من طفل

١٤٦

رضيع وهل يشمل قول القائل على اليد ما أخذت أو هل يشمل قوله من اتلف الاتلاف الصادر من الرضيع؟

وثانيا : انا نفرض شمول الادلة لكن هذا المقدار مشترك فيه بين التكاليف والوضعيات وانّما نرفع اليد عن الاطلاق والعموم بلحاظ المقيد والمخصص لاحظ ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة فقال اذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك ان أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم (١) فان مقتضى اطلاق الحديث عدم جريان القلم على غير البالغ بلا فرق بين قلم التكليف والوضع وحمل الخبر على رفع العقوبة بلا دليل وقول بلا علم ولاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عمد الصبي وخطأه واحد (٢) فان مقتضى اطلاق الحديث ان العمل الصادر عن غير البالغ يعتبر في الشرع الاقدس كونه صادرا عن الخطأ فاذا كان حكم مترتبا على الخطأ يترتب على الصادر عن غير البالغ وأما اذا كان الاثر مترتبا على العمد لا يترتب على عمل غير البالغ فلا يترتب على قتله القود وهكذا.

إن قلت مقتضى اطلاق ادلة الضمان عدم الفرق بين البالغ وغيره قلت لا بد من رفع اليد عن اطلاق ادلة الضمان بحديث الرفع لاحظ ما رواه ربعي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عفى عن أمتي ثلاث الخطأ والنسيان والاستكراه قال أبو عبد الله عليه‌السلام وهنا رابعة وهي ما لا يطيقون (٣) وما رواه

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٢.

(٢) الوسائل : الباب ١١ من أبواب العاقلة الحديث ٢.

(٣) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الايمان الحديث ٤.

١٤٧

الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (١) ويؤيد المدعى ما قاله المجلسي في جملة من كلامه في شرح الحديث حيث يقول وإن كان ظاهره عدم الضمان أيضا (٢) الى آخر كلامه.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الايمان الحديث ٥.

(٢) مرآة العقول : ج ١١ ص ٣٨٨.

١٤٨

القاعدة الثانية عشرة

قاعدة حرمة ابطال العبادات بحسب الدليل الشرعي

قد ذكرت في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية قاعدة حرمة ابطال العبادة ويقع الكلام في هذا المقام تارة من حيث بيان المراد من القاعدة المذكورة واخرى من حيث الدليل الذي يمكن الاستدلال به أو استدل فيقع الكلام في موضعين :

أما الموضع الأول : فنقول ان المراد من القاعدة أن المكلف لو دخل في عبادة لا يجوز له ابطال تلك العبادة ولا يخفى أن المراد من الحرمة المذكورة أنه لا يجوز ابطال فرد من العبادة وتبديلها بفرد آخر منها فلا بد من ان يتصور في مورد يكون التبديل قابلا واما فيما لا يكون كذلك كما لو لم يكن الوقت واسعا بحيث يوجب البطلان ترك الامتثال والعصيان فحرمته من باب ترك الواجب لا من باب ابطال العبادة فلاحظ.

وأما الموضع الثاني : فما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال وجوه :

الوجه الأول : الاجماع وحاله في الاشكال ظاهر إذ قد ثبت في محله عدم اعتباره لا منقولا ولا محصلا وانما المعتبر منه ما يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام وانّى لنا بذلك.

الوجه الثاني : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا

١٤٩

الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(١) بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة حرمة ابطال كل عبادة بعد الشروع فيها.

وفيه أنه يحتمل أن يكون المراد من الآية النهي عن المعاصي التي توجب بطلان الطاعة لاحظ ما رواه البرقي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قال سبحان الله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال لا آله الّا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال الله أكبر غرس الله له بها شجرة في الجنة فقال رجل من قريش يا رسول الله ان شجرنا في الجنة لكثير قال : نعم ولكن ايّاكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها وذلك ان الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٢) مضافا الى أن الاعمال تشمل جميع الاعمال الواجبة والمستحبة تعبديا كان أو توصليا وكيف يمكن القول بالحرمة كذلك والحال أنه لا شبهة في عدم حرمة ابطال الاعمال المستحبة بلا فرق بين التعبدي منها والتوصلي وكذلك والحال أنه لا شبهة في عدم ابطال العمل الواجب التوصلي والاتيان بفرد آخر منه وأيضا لا كلام في جواز ابطال الأعمال الواجبة التعبدية الّا بعضها فيلزم تخصيص الأكثر المستهجن فهذا الدليل لا يمكن اثبات المدعى به.

الوجه الثالث : قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٣) بتقريب أنه أمر بالوفاء بالعهد وأنه يستفاد من الآية الشريفة أنه لو نوى المكلف عبادة وشرع فيها

__________________

(١) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٣٣.

(٢) تفسير البرهان : ج ٤ ص ١٨٩ الحديث ١.

(٣) البقرة : ٤٠.

١٥٠

معناه أنه عهد مع الله أن يأتى بالعمل الفلاني ولا يبطله فيجب الوفاء به فيحرم ابطاله ، ويرد عليه أولا أن الخطاب في الآية الشريفة مع بني اسرائيل فلا ترتبط بالأمة المرحومة.

وثانيا أن المذكور في الآية عهد الله حيث قال عهدي ولم يعلم ما المراد من العهد.

وثالثا : أنه اذا كان التقريب المذكور تاما يلزم حرمة ابطال جميع الواجبات والمستحبات اذا أتى بها قربة الى الله فيعود الاشكال الذي ذكرناه في تقريب الاستدلال بالآية السابقة فلا نعيد فانقدح بما ذكر أنه لا دليل على هذه القاعدة نعم يمكن الاستدلال على حرمة ابطال الصلاة بما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غير ما لك عليه مال أو حيّة تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية (١) فان مقتضى مفهوم الشرط حرمة ابطالها عند انتفاء الشرط المذكور وبعبارة واضحة ان المستفاد من الحديث ان الاذن في ابطال الصلاة ورفع اليد عنها منوط ومشروط بالامور المذكورة وبمقتضى مفهوم الشرط الذي ثبت في محله عدم الجواز عند انتفائه مضافا الى الاجماع على حرمة ابطال الصلاة.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ١.

١٥١

القاعدة الثالثة عشرة

قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه

قد ذكرت في بعض الكلمات في عداد القواعد الفقهية هذه القاعدة ويقع الكلام في هذه القاعدة من جهات :

الجهة الأولى : في بيان المراد منها فنقول المراد من هذه القاعدة انّ المتعاقدين أو أحدهما اذا لم يقدرا العمل بمفاد العقد أو لم يقدر أحدهما يبطل العقد وبقائه يكون لغوا عند العقلاء مثلا اذا باع زيد داره من بكر بألف دينار ولم يمكن للبائع تسليم الدار لعلة أو لم يقدر المشتري أن يدفع الثمن يبطل البيع وقس عليه بقية الموارد.

وصفوة القول أنّ الوفاء اذا لم يمكن في كل عقد يكشف عن بطلان ذلك العقد.

الجهة الثانية : في مدرك هذه القاعدة ودليلها وقد ذكرت في تقريب الاستدلال عليها وجوه :

الوجه الأول : الاجماع وفيه أن المنقول منه لا اعتبار به واما المحصل منه فعلى فرض حصوله لا يكون حجة الّا على فرض كونه كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام وحيث أنه محتمل المدرك لا يكون كاشفا فلا يعتد به.

الوجه الثاني : أن صحة العقد تلازم وجوب الوفاء به وان شئت فقل المراد من صحة العقد ان المتعاقدين يجب عليهما أن يوفي كل واحد منهما به والوفاء بالعقد عبارة عن ترتيب الأثر ففي البيع عبارة عن تسليم العين وتسليم الثمن وفي الإجارة عبارة عن تسليم العين المستأجرة وتسليم مال الاجارة وهكذا فلو لم يمكن الوفاء

١٥٢

لا يتوجه الأمر بالوفاء إذ لا يعقل الامر بغير المقدور فلا مجال لصحة العقد إذ الشيء ينهدم بانهدام أركانه أو واحد منها هذا ملخص ما قيل في هذا المقام.

والتقريب المذكور بمراحل عن الواقع توضيح الحال أن الوفاء عبارة عن الاتمام ولذا يقال الدرهم الوافي أي التام فالأمر بالوفاء في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أمر بالاتمام مثلا من يبيع داره ويعقد مع المشتري على أن تكون الدار له في قبال ماءة دينار مثلا يجب عليه بمقتضى الآية الشريفة أن يفي بالعقد المذكور ويتمّه ولا يفسخه وحيث ان الفسخ غير محرم قطعا يكون المراد بالأمر بالوفاء ارشادا الى اللزوم أي البيع لازم وغير قابل للفسخ ولذا ذكرنا في محله أن الآية لا تكون متكفلة للصحة بل تكون ناظرة الى لزوم العقد بعد فرض كونه صحيحا فاذا فرضنا ان زيدا باع داره وبعد البيع لم يمكنه تسليم الدار لا يكشف عن بطلان البيع لعدم وجه للبطلان بل غاية ما يترتب عليه ثبوت الخيار للمشتري لأجل الشرط الضمني الارتكازي فإن من يشتري شيئا يكون شارطا بالارتكاز على البائع على أنه لو لم يسلم المبيع يكون له خيار فسخ البيع ولا فرق فيما ذكر بين تلف العين وبقائها مع وجود مانع عن التسليم أو عصيان البائع في عدم التسليم وصفوة القول ان الامر بالوفاء لا يكون حكما تكليفيا ولا يكون دالا على وجوب تسليم العين فالتقريب المذكور لا اساس له اصلا.

ولمزيد من التوضيح نقول اذا باع زيد داره من بكر وفرضنا أن الدار تلفت أو غصبها غاصب ولم يكن للبائع تسليمها من المشتري لا وجه للالتزام بالبطلان والمراد من وجوب الوفاء بالعقد عدم الفسخ ولزوم ما عقد عليه غاية الأمر يكون للمشتري خيار الفسخ فما أفيد في وجه البطلان في غاية السقوط نعم في باب البيع لو تلف المبيع قبل القبض يمكن القول بالانفساخ من باب قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ولا يرتبط هذا بما افيد في المقام وانقدح بما ذكرنا ان الآية

١٥٣

الشريفة ناظرة الى لزوم العقد ولا يمكن ان يستفاد منها الصحة توضيح المدعى أن العقد ما لم يكن صحيحا لا يمكن أن يكون لازما وعليه نقول الحكم باللزوم في الآية أما لخصوص العقد الصحيح وامّا الأعم منه ومن الفاسد واما لخصوص الفاسد وأما للمهمل أما الاهمال فلا يعقل في الواقع لا سيما بالنسبة الى المولى الذي هو واهب العقل وأما خصوص الباطل فمن الواضح عدم امكان لزومه وكذلك الجامع بين الصحيح والفاسد فينحصر الامر في خصوص الصحيح فما دام لم يحرز الصحة لا يمكن الحكم باللزوم لعدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل بالاستصحاب يحرز عدم الصحة فالنتيجة عدم امكان كون الآية دليلا على الصحة.

إن قلت اذا فرض لزوم العقد يكشف عن الصحة فيمكن اثبات الصحة باللزوم للملازمة بين اللازم والملزوم قلت هذا التقريب انما يتم في القضية الخارجية حيث يحكم المولى بلزوم ما هو واقع في الخارج وأما في القضية الحقيقية التي مرجعها الى الشرطية فلا يتم البيان إذ تقدم قريبا عدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية فلاحظ.

الوجه الثالث : ان العقلاء يرون مثل هذا العقد لغوا وباطلا ولا يرتبون اثرا عليه وإن شئت فقل ان نظام الاجتماع يدور مدار تسلّم ما يتملكون بالعقود فاذا فرض عدم امكان تسلّم ما تملكه بالعقد لا أثر لمثله.

وبعبارة واضحة ان قوله عليه‌السلام لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق ناظر الى ما يكون في أيديهم ويقضون به حوائجهم والّا فمجرد كون شيء ملكا لأحد لا أثر له ولا فائدة فيه هذا ملخص ما قيل وذكر في هذا المقام.

ويرد عليه أولا أن الأحكام الشرعية لا تكون تابعة لما تقرر عند العقلاء فاذا فرضنا تمامية الدليل لصحة العقد نلتزم به ولو لم يكن مقبولا عند العقلاء وبعبارة

١٥٤

واضحة اللازم كون العقلاء تابعين للشرع الأقدس لا أن الشارع يكون تابعا لهم ومن الظاهر أن صحة العقود لا تكون شرعا مشروطة بالشرط المذكور ومجرد اللغوية لا يوجب بطلان العقد ولذا ذكرنا مرارا ان العقد السفهائي صحيح ونلتزم به انما الاشكال في العقد الصادر عن السفيه وصفوة القول ان الدليل قائم على صحة بيع ما باعه البائع ولو لم يكن مقدورا على تسليمه ولذا يكون بيع العبد الآبق صحيحا ويترتب عليه ان المشتري يمكنه اعتاقه ومن الظاهر أنه لا عتق الّا في ملك ومما يدل على المدعى ان قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه ولو كان العقد باطلا يلزم ان المبيع من أول الامر لا يدخل في ملك المشتري والحال أن الأمر ليس كذلك هذا أولا.

وثانيا : لا نسلم البناء المذكور من العقلاء ولذا نرى أنه لو باع زيد داره من بكر ثم مات البائع يطلب المشتري الدار من ورثته والحال أن البائع العاقد لا يكون مأمورا بتسليم الدار فان الميت لا يمكن أن يتعلق به التكليف وأيضا نرى أنه لو غصب مال من أحد بحيث لا يرجى رجوعه الى المالك يرون بقاء تلك العين في ملك من غصب منه ولا يرضى بتصرف ذلك الغاصب فيه وعلى الجملة هذا الذي افيد في المقام مخالف مع الأدلة الشرعية ومع بناء العقلاء وارتكازهم فأصل المدعى ساقط من أساسه.

الجهة الثالثة : في موارد انطباق القاعدة المذكورة وقد ذكر القائل بهذه القاعدة بعض الموارد على ما رامه منها ما لو استأجرت مرضعة لإرضاع ولد المستأجر فمات الولد أو المرضعة أو كلاهما قبل الارضاع أو جف اللبن تبطل الاجارة.

أقول : بطلان الاجارة فيما ذكر من المثال لا يرتبط بهذه القاعدة المدعاة بل البطلان من باب ان متعلق العقد حين تحققه لم يكن له موضوع وبطلان العقد مع فرض عدم متعلقه وموضوعه واضح ظاهر وبعبارة اخرى وجود متعلق العقد

١٥٥

ركن في تماميته بلا فرق بين العقود والايقاعات مثلا لو باع زيد داره التي تكون له في اعتقاده في كربلاء والحال أنه خيال ولا دار له هناك يكون العقد باطلا وأيضا لو آجر داره التي في النجف وهكذا ومسئلة الرضاع من هذا القبيل فان المرأة التي تموت بعد ساعة لا تكون قابلة لان ترضع الولد وأيضا مع عدم اللبن في ثديها وهكذا في جميع ما يكون من هذا القبيل.

١٥٦

القاعدة الرابعة عشرة

قاعدة لا حرج

وفي المقام جهات من البحث :

الجهة الأولى : في بيان المراد من العسر والحرج.

فنقول : أما الحرج فيظهر من كلمات أهل اللغة أن معناه الضيق ، فعن القاموس الحرج المكان الضيق وكذلك عن الصحاح وعن النهاية الحرج في الأصل الضيق وفي المجمع (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي من ضيق بان يكلّفكم ما لا طاقة لكم به وفي المنجد الحرج المكان الضيق الكثير الاشجار ويستفاد من بعض الاخبار أنه عبارة عن الضيق لاحظ ذيل حديث مسعدة بن زياد : عبد الله بن جعفر الحميري عن مسعدة بن زياد قال : حدثني جعفر عن أبيه عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مما اعطى الله أمتي وفضّلهم على سائر الامم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها الّا نبيّ وذلك ان الله تبارك وتعالى كان اذا بعث نبيا قال له اجتهد في دينك ولا حرج عليك وان الله تبارك وتعالى أعطى ذلك أمّتي حيث يقول (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يقول من ضيق ... الحديث (١).

وأما العسر فعن النهاية أنه خلاف اليسر وهو الضيق وكذلك عن القاموس وفي المنجد العسر الشدة والضيق وأما الأصر فعن القاموس الأصر الثقل وعن النهاية

__________________

(١) البرهان : ج ٣ ص ١٠٥ الحديث ٦.

١٥٧

أنه الضيق وعن الصحاح أنه الثقل فالجامع بين الكل الضيق والثقل والظاهر أنه بحسب المتفاهم العرفي ما لا يتحمل عادة فان كان طبع التكليف الشرعي المتوجه الى العباد أمرا غير قابل للتحمل كالجهاد ونحوه ولا يرتفع بهذه القاعدة كما هو ظاهر.

نعم لا يبعد ان يقال بأنه في تلك الموارد اذا كان الحرج أشد من المقدار المتعارف يرتفع الحكم الشرعي فتأمّل كما أنه لو علم من الشارع عدم رضائه بوقوع أمر كاللواط مثلا نلتزم بحرمته وإن كان في الامساك عنه حرج شديد.

الجهة الثانية : فيما يمكن ان يستدل به أو استدل للمدعى : منها قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(١) وتقريب الاستدلال بالآية الشريفة ان قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) بعد قوله (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) بمنزلة العلّة والكبرى الكلية كما في قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر فيستفاد من الآية الشريفة أنه لم يجعل في الشريعة المقدسة امرا عسرا ويمكن الاستدلال بالآية على المدعى بتقريب آخر وهو ان المراد بالارادة في الآية الشريفة الارادة التشريعية فالمراد من قوله تعالى : (لا يُرِيدُ) عدم الارادة تشريعا هذا من ناحية ومن ناحية اخرى حذف المتعلق يفيد العموم فالنتيجة أنه يستفاد من الآية ان الله لا يريد في وعاء التشريع العسر فلا يريد التكليف الذي يكون عسرا.

ومنها : الآية الاخيرة لسورة البقرة (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

١٥٨

وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(١) ومحل الشاهد فيها عدة موارد :

الأول : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فان المراد من الآية أنه لا يكلف تكليفا عسرا لا أنه لا يكلف غير المقدور عقلا فانه أمر غير ممكن ولا يقع على أحد من الامة ولا مجال للمنّة كما هو المستفاد من الآية والسياق ، الثاني قوله تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) والاصر هو الثقل والظاهر من الآية أنه تعالى استجاب دعوة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعبارة واضحة يفهم الانسان من سياق الآية وايراد المطلب في القرآن الكريم ان الله تبارك وتعالى في مقام بيان لطفه بالنسبة الى رسول الإسلام واستجابة دعوته ، الثالث قوله تعالى : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) والظاهر أن المراد بما لا طاقة به الامر العسر والسياق يقتضي الاستجابة مضافا الى ما ورد في رواية علي بن ابراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة اسري به الى السماء قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما انتهيت الى محل سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظل أمّة من الامم فكنت من ربّي (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) كما حكى الله عزوجل فناداني ربّي تعالى (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) فقلت : انا مجيبا عنّي وعن أمّتي (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فقال الله (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فقلت (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) وقال الله لا أؤاخذك فقلت (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) فقال الله لا احملك فقلت : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

١٥٩

لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فقال الله تعالى قد اعطيتك ذلك لك ولأمّتك فقال الصادق عليه‌السلام ما وفد الى الله تعالى أحد اكرم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث سأل لأمته هذه الخصال (١).

ومنها قوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)(٢) وتقريب الاستدلال بالآية ان الله لا يريد جعل الامر الحرجي في الدين فيستفاد منها الميزان الكلي.

وفي المقام مناقشة وهي ان المستفاد من الآية ان الله تعالى لم يرد بهذا الأمر المذكور في الآية ايقاع الحرج لكن حيث ان المذكور فيها ذو ملاك ومصلحة أمر به وجعله على المكلفين وبعبارة اخرى المستفاد من الآية ان الله لا يكلف بتكاليف حرجية خالية عن الملاك والفائدة وبهذا البيان لا يمكن الوصول الى المقصود وليس للاستدلال على المدعى سبيل.

ولكن بعد المراجعة الأخيرة اختلج بالبال أن يقال يمكن أن يكون المراد من الآية الشريفة بيان ان الله لا يريد بالتكاليف التي يكلفكم بها ايقاع الحرج عليكم ولذا عند الضرورة والمحذور عن استعمال الماء تصل النوبة الى الطهارة الترابية بل يريد ان يطهركم ويزيل عنكم الخباثة المعنوية كي يناسب قيامكم للصلاة التي تكون مشروطة بالطهارة وعليه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على المدعى لكن يكفي للاستدلال عليه بقية الوجوه ومنها قوله تعالى في سورة الحج (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٣) وتقريب الاستدلال بما ان المستفاد منها كبرى

__________________

(١) البرهان : ج ١ ص ٢٦٦ الحديث ٢.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) الحج : ٧٨.

١٦٠